موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

ولكن الأحوط صرفه في الفقراء فقط (١).

______________________________________________________

إذ فيه : أنّ ما ذكر وإن كان هو مقتضى القاعدة كما أُفيد ، إلّا أنّه لا مناص من الخروج عنها والمصير إلى ما عليه المشهور من كونه إرثاً لأرباب الزكاة ، لأجل النصّ الخاصّ ، وهو موثّق عبيد بن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد موضعاً يدفع ذلك إليه ، فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده فاشتراه بتلك الألف الدراهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه ، هل يجوز ذلك؟ «قال : نعم ، لا بأس بذلك» قلت : فإنّه لمّا أن أُعتق وصار حرّا اتّجر واحترف فأصاب مالاً (كثيراً) ثمّ مات وليس له وارث ، فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟ «قال : يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقّون الزكاة ، لأنّه إنّما اشتُري بمالهم» (١).

وصحيح أيّوب بن الحرّ أخي أديم بن الحرّ ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه ، أشتريه من الزكاة فأُعتقه؟ قال : «فقال : اشتره وأعتقه» قلت : فإن هو مات وترك مالاً؟ قال : «فقال : ميراثه لأهل الزكاة ، لأنّه اشتري بسهمهم» (٢).

إذن فالقول بأنّ الولاء للإمام (عليه السلام) يشبه الاجتهاد في مقابل النصّ.

(١) بل قوّاه في الجواهر ، جموداً على ظاهر الموثّق من التخصيص بهم (٣).

لكن المتعيّن رفع اليد عنه ، لمكان التعليل بقوله : «إنّما اشتري بمالهم» الحاكم ظهوره على ظهور المعلّل ، فإنّه من الواضح أنّ الزكاة لم تكن مالاً للفقراء ، وإنّما

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٩٢ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٣ ح ٢.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٩٣ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٣ ح ٣.

(٣) الجواهر ١٥ : ٤٤٤ ٤٤٥.

٢٤١

[٢٧٧١] الثامنة عشرة : قد عرفت سابقاً (١) أنّه لا يجب الاقتصار في دفع الزكاة على مئونة السنة ، بل يجوز دفع ما يزيد على غناه (*) إذا اعطي دفعة ، فلا حدّ لأكثر ما يدفع إليه وإن كان الأحوط الاقتصار على قدر الكفاف خصوصاً في المحترف الذي لا تكفيه حرفته. نعم ، لو اعطي تدريجاً فبلغ مقدار مئونة السنة حرم عليه أخذ ما زاد للإنفاق ، والأقوى أنّه لا حدّ لها في طرف القلّة أيضاً (٢).

______________________________________________________

هم من جملة المصارف ، على أنّ العبد لم يشتر من سهمهم بل من سهم الرقاب ، فيعلم من ذلك أنّ المراد بمالهم أي المال الذي يصرف فيهم ، ومن المعلوم أنّ الزكاة كما تصرف فيهم تصرف في غيرهم من سائر الأصناف أيضاً. إذن فذكر الفقير إنّما هو من باب التمثيل لمطلق أرباب الزكاة ، فالولاء لها لا لخصوص الفقراء ، ولعلّ تخصيصهم بالذكر هنا وفيما تضمّن أنّ الله أشرك الفقراء مع الأغنياء إنّما هو من أجل أنّ العمدة والأصل في حكمة التشريع هو رفع حاجة الفقير وسدّ خلّته.

ويتقوّى هذا الاستظهار بالتصريح بأهل الزكاة في صحيح أيّوب بن الحرّ من غير ذكر للفقير. إذن فلا ينبغي التأمّل في شمول الحكم لمطلق أرباب الزكاة وإن كان الاحتياط حذراً عن الخلاف ممّا لا ينبغي تركه.

(١) وقد مرّ البحث حول ذلك مستوفى في المسألة الثانية من فصل أصناف المستحقّين ، فلاحظ ولا نعيد.

(٢) على المشهور بين المتأخّرين فيجوز إعطاء أيّ مقدار شاء.

ونُسب إلى جماعة كالمفيد والسيّد والشيخ والصدوقين والمحقّق (١) وغيرهم ـ

__________________

(*) تقدّم الإشكال فيه.

(١) نسبه إليهم صاحب الحدائق ١٢ : ٢٤٥.

٢٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أنّه لا يعطى الفقير أقلّ ممّا يجب في النصاب الأوّل وهو خمسة دراهم أو نصف دينار ، المتّحدان بحسب القيمة في زمن الأئمّة (عليهم السلام) ، حيث كان كلّ دينار يسوى عشرة دراهم.

ونُسب إلى ابن الجنيد وسلّار أنّ أقلّه ما يجب في النصاب الثاني وهو درهم أو قيراطان (١).

أمّا القول الأخير فلم يعرف له ايّ مستند وعهدته عليهما.

وأمّا القول الثاني فيستدلّ له بصحيحة أبي ولّاد الحنّاط عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سمعته يقول : «لا يعطى أحد من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم ، وهو أقلّ ما فرض الله عزّ وجلّ من الزكاة في أموال المسلمين ، فلا تعطوا أحداً من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم فصاعداً» (٢).

وما رواه معاوية بن عمّار وعبد الله بن بكير جميعاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «قال : لا يجوز أن يدفع من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم ، فإنّها أقلّ الزكاة» (٣).

ولكنّهما معارضتان بصحيحة محمّد بن عبد الجبّار : أنّ بعض أصحابنا كتب على يدي أحمد بن إسحاق إلى عليّ بن محمّد العسكري (عليه السلام) : اعطي الرجل من إخواني الزكاة الدرهمين والثلاثة ، فكتب : «افعل إن شاء الله تعالى» (٤).

والجمع العرفي بين الصحيحتين يقتضي حمل النهي في صحيحة الحنّاط على

__________________

(١) نسبه إليهما صاحب المدارك ٥ : ٢٧٩.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٥٧ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٣ ح ٢.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٥٧ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٣ ح ٤ ، التهذيب ٤ : ٦٢ / ١٦٨ ، الاستبصار ٢ : ٣٨ / ١١٧.

(٤) الوسائل ٩ : ٢٥٦ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٣ ح ١.

٢٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الكراهة ، ولكنّه لا يتأتّى في رواية معاوية ، للتدافع بين ما تضمّنته من التعبير بـ «لا يجوز» وبين التعبير بـ «افعل» في صحيحة ابن عبد الجبّار ، بحيث لو اجتمعا في كلام واحد وعُرض على أهل العرف تحيّروا لما يرونه من التدافع والتهافت. وقد ذكرنا في محلّه أنّ ضابط الجمع العرفي أنّ الدليلين لو اجتمعا في كلام واحد وأُلقيا على العرف لم يتحيّر أهله ، بل يرون أنّ أحدهما قرينة على المراد من الآخر لا أنّه مضادّ له كما في المقام.

والذي يهوّن الخطب أنّ الرواية ضعيفة السند ب : إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم كما في الوسائل والتهذيب فإنّ المراد به هو إبراهيم بن إسحاق الأحمري على ما صرّح به الشيخ نفسه في الاستبصار عند نقل الرواية ، وهو ضعيف متّهم في دينه لا يعمل بشي‌ء من رواياته. ومع الغضّ وتسليم أنّه شخص آخر فهو مجهول ، فالرواية ضعيفة على كلّ حال.

فليس في البين ما عدا الصحيحتين ، وقد عرفت وجه الجمع بينهما.

فالأقوى إذن هو القول الأوّل المنافي للتحديد مع نوع كراهة في الأقل من الخمسة.

ويعتضد ذلك برواية محمّد بن أبي الصهبان ، قال : كتبت إلى الصادق (عليه السلام) هل يجوز لي يا سيّدي أن اعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة الدراهم فقد اشتبه ذلك عليّ؟ فكتب : «ذلك جائز» (١).

فإنّ الجمع بينها وبين صحيحة الحنّاط هو ما عرفت من الحمل على الكراهة.

إنّما الكلام في سندها ، فقد ناقش فيه الأردبيلي في جامع الرواة بأنّه مرسل ، نظراً إلى أنّ محمّد بن أبي الصهبان هو محمّد بن عبد الجبّار وهو من أصحاب الهادي (عليه السلام) كما يظهر من روايته السابقة ، فكيف يمكن أن يكاتب

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٥٨ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٣ ح ٥.

٢٤٤

من غير فرق بين زكاة النقدين وغيرهما (١) ،

______________________________________________________

الصادق (عليه السلام) مع ما بينهما من الفصل الطويل؟! فلا مناص من وجود واسطة في البين فتكون مرسلة لا محالة (١).

وفيه ما لا يخفى ، بداهة أنّ الإرسال إنّما يتحقّق في مثل التعبير ب : «قال» أو : «روي» وما شاكلهما ، لا في مثل التعبير بـ «كتبت» ، فإنّه كقوله «سمعت» لا يطلق إلّا في صورة المباشرة ومن دون أيّ واسطة كما لعلّه واضح جدّاً.

والذي يغلب على الظنّ لو لم يكن مقطوعاً به أنّ المراد به هو الهادي (عليه السلام) ، والتوصيف بالصادق كالتوصيف بالعالم وكلّهم صادقون عالمون يراد به معناه الوصفي لا العنوان اللّقبي ، إذ الشائع الدارج على ألسنة الرواة وأرباب الحديث التعبير عن الإمام الصادق (عليه السلام) باسمه جعفر أو جعفر ابن محمّد ، أو كنيته أبو عبد الله (عليه السلام) ، وأمّا التعبير بالصادق فهو في غاية الندرة والقلّة ، وإنّما اشتهر (عليه السلام) بذلك في الأزمنة المتأخّرة. إذن فالرواية مسندة ومعتبرة ، ومع الغضّ عنها ففي الرواية السابقة السليمة عن المعارضة غنى وكفاية حسبما عرفت.

(١) هل التحديد بالخمسة دراهم منعاً أو كراهةً الوارد في صحيحة الحنّاط المتقدّمة يختصّ بالفضّة أو يعمّ كافّة الأعيان الزكويّة؟

الظاهر هو الثاني ، فإنّ هذا التقدير وإن كان هو أقلّ ما يجب في زكاة الفضّة إلّا أنّ توصيفه في الصحيحة بأنّه أقلّ ما فرضه الله من الزكاة في أموال المسلمين بعد ملاحظة جواز تبديل الزكاة عن كلّ جنس زكوي بالنقدين يكشف عن الإطلاق وعدم الاختصاص ، إذ الخمسة دراهم كما يمكن دفعها عن زكاة الفضّة

__________________

(١) جامع الرواة ٢ : ١٣٥.

٢٤٥

ولكن الأحوط عدم النقصان عمّا في النصاب الأوّل من الفضّة في الفضّة وهو خمس دراهم ، وعمّا في النصاب الأوّل من الذهب في الذهب وهو نصف دينار ، بل الأحوط مراعاة مقدار ذلك في غير النقدين أيضاً ، وأحوط من ذلك مراعاة ما في أوّل النصاب من كلّ جنس ، ففي الغنم والإبل لا يكون أقلّ من شاة ، وفي البقر لا يكون أقل من تبيع ، وهكذا في الغلّات يعطى ما يجب في أوّل حدّ النصاب.

[٢٧٧٢] التاسعة عشرة : يستحبّ للفقيه أو العامل أو الفقير الذي يأخذ الزكاة الدعاء للمالك (١) ، بل هو الأحوط بالنسبة إلى الفقيه الذي يقبض بالولاية العامّة.

______________________________________________________

يمكن دفعها عن زكاة غيرها من الأعيان الزكويّة ، فالعبرة بأن لا يكون المعطى أقلّ من الخمسة ، سواء أكان الواجب أوّلاً هي الخمسة دراهم أو كانت الخمسة قيمة للواجب منها ، فإذا أراد إخراج زكاته عن الأنعام أو الغلّات أو الذهب بالدرهم فأقلّه خمسة ، لصدق أنّها أقلّ ما فرضه الله في أموال المسلمين.

وبالجملة : فتوصيف الخمسة بالأقلّ والتعبير عمّا فرضه الله بالزكاة في كافّة الأموال يكشف بعد ملاحظة جواز التبديل المزبور عن أنّها الحدّ في كلّ عين زكويّة بقولٍ مطلق.

نعم ، مقتضى ذلك جواز دفع الأقلّ من الخمسة فيما إذا كانت قيمة النصاب أقلّ منها ، كما لو فرض أنّ قيمة الشاة الواحدة التي هي أوّل نصب الغنم أربعة دراهم مثلاً ولا ضير فيه لو تحقّق الفرض وإن كان الأحوط دفع الخمسة بتمامها جموداً على ظاهر النصّ.

(١) على المشهور ، وذهب بعضهم إلى الوجوب ، استناداً إلى ظاهر الأمر في

٢٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

قوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ) إلى قوله تعالى (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) (١) ، فإنّه إذا وجب الدعاء عليه (صلّى الله عليه وآله) وجب على غيره أيضاً إمّا للتأسّي أو للاشتراك أو للتعليل ، إذ السكن لا يختصّ بدعائه (صلّى الله عليه وآله).

أقول : يبتني الاستدلال على أمرين ، أحدهما : ظهور الأمر في الآية المباركة في الوجوب. وثانيهما : مشاركة غيره معه في هذا الحكم.

أمّا الدعوى الثانية : فغير بعيدة للبُعد اختصاص الوجوب به بعد أن لم يذكر من جملة مختصّاته (صلّى الله عليه وآله) ، بل أنّ حكمة التشريع التي هي بحسب الظاهر تشويق المالك وترغيبه على الاستمرار في أداء الزكاة يقتضي التعميم كما لا يخفى.

وأمّا الدعوى الاولى فغير ظاهرة :

أوّلاً : لقرب دعوى أنّ الأمر بمقتضى التعليل ومناسبة الحكم والموضوع ظاهرٌ في الإرشاد مقدّمةً لتحصيل السكن والتشويق في العمل ، ولم يكن أمراً مولويّاً تعبّدياً ليقتضي الوجوب.

وثانياً : مع التسليم فالدعوى مبنيّة على أن يكون الوجوب مدلولاً لفظيّاً للأمر ومستفاداً منه وضعاً ليكون حجّة بالنسبة إلى من قصد إفهامه ومن لم يقصد ، لكنّه خلاف التحقيق ، بل الصواب كما حقّق في الأُصول أنّه بحكومة العقل بمقتضى قانون العبوديّة والمولويّة ما لم يكن مقروناً بالترخيص في الترك ، وحيث يحتمل الاقتران بعد أن كان الخطاب مختصّاً به ، ولعلّه كان محفوفاً بما يستفاد منه الترخيص ، فلم يثبت في حقّه ليتعدّى إلى غيره بأحد الوجوه المتقدّمة.

__________________

(١) التوبة ٩ : ١٠٣.

٢٤٧

[٢٧٧٣] العشرون : يكره لربّ المال طلب تملّك ما أخرجه في الصدقة الواجبة والمندوبة (١).

______________________________________________________

إذن فالظاهر عدم الوجوب حتّى على الفقيه ووليّ الأمر فضلاً عن غيره.

نعم ، لا شبهة في الاستحباب ، لاتّفاق الفتوى بل دعوى الإجماع عليه.

(١) لورود النهي عنه في صحيحة منصور بن حازم ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «إذا تصدّق الرجل بصدقة لم يحلّ له أن يشتريها ولا يستوهبها ولا يستردّها إلّا في ميراث» (١).

ونحوها صحيحته الأُخرى عنه (عليه السلام) قال : إذا تصدّقت بصدقة لم ترجع إليك ولم تشترها إلّا أن تورث» (٢).

ولا يبعد كونهما رواية واحدة ، لاتّحاد الراوي ومن يُروى عنه والمرويّ عنه والمضمون وإن اختلف السند والتعبير.

وكيفما كان ، فحيث إنّ الموضوع فيهما هو عنوان الصدقة لا خصوص الزكاة ، وظاهر النهي هو التحريم بل الوضعي منه ، لقوله : «لم ترجع» فضلاً عن التكليفي ، ولا قائل به بنطاق عام ولا ينبغي به الالتزام ، إذ لو كان لبان وكان من الواضحات ، لكثرة الصدقات. فلا جرم يحمل النهي على الكراهة.

نعم ، لا كراهة في الإرث كما تضمّنته الصحيحة ، لكونه مسبّباً قهريّاً خارجاً عن الاختيار كما هو واضح. ويعتضد أصل الحكم بما ورد من أنّ ما كان لله فلا رجعة فيه ، فلاحظ.

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ٢٠٧ / كتاب الوقوف والصدقات ب ١٢ ح ١.

(٢) الوسائل ١٩ : ٢٠٨ / كتاب الوقوف والصدقات ب ١٢ ح ٥.

٢٤٨

نعم ، لو أراد الفقير بيعه بعد تقويمه عند من أراد كان المالك أحقّ به من غيره (١) ولا كراهة.

______________________________________________________

(١) للتصريح بذلك في رواية محمّد بن خالد : أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصدقة إلى أن قال (عليه السلام) : «فإذا أخرجها فليقسّمها فيمن يريد ، فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها» إلخ (١).

فإنّ الأحقّيّة تدلّ بالملازمة العرفيّة على عدم الكراهة كما لا يخفى. وبذلك يقيّد إطلاق النصوص المتقدّمة ، فلا مجال للنقاش من هذه الجهة.

نعم ، للنقاش في سندها مجال واسع وإن عبّر عنها بالصحيحة في بعض الكلمات ، بل أرسلها في الجواهر إرسال المسلّمات ، حيث قال : قال الصادق (عليه السلام) ... إلخ (٢) ، من غير تعرّض للسند بوجه.

وذلك لأجل أنّ التعبير عنها بالصحيح مبنيّ على تخيّل أنّ المراد بالراوي هو محمّد بن خالد البرقي ، وليس كذلك قطعاً ، إذ هو لم يدرك الصادق (عليه السلام) ، بل ولا بعض أصحابه كأبي بصير ، وإنّما هو من أصحاب الكاظم والرضا والجواد (عليهم السلام) ، ومع ذلك لم يرو مباشرة عن أحد من المعصومين الذين أدركهم إلّا في موردين فقط عن الجواد (عليه السلام) ، فكيف يروي هذه الرواية عن الصادق (عليه السلام) مباشرةً؟! ويشهد لما ذكرناه ما علّقه المجلسي في مرآة العقول على ما رواه الكليني في روضة الكافي عن عليّ بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٣١ / أبواب زكاة الأنعام ب ١٤ ح ٣.

(٢) الجواهر ١٥ : ٤٥٥.

٢٤٩

وكذا لو كان جزءاً من حيوان لا يمكن للفقير الانتفاع به ولا يشتريه غير المالك أو يحصل للمالك ضرر بشراء الغير فإنّه تزول الكراهة (١) حينئذٍ أيضاً ، كما أنّه لا بأس بإبقائه في ملكه إذا عاد إليه بميراثٍ ولا شبهه من المملّكات القهريّة (٢).

______________________________________________________

أبي عبد الله (عليه السلام) ... إلخ (١) ، حيث قال في التعليق ما لفظه : فيه إرسال ، ورواه العيّاشي عن محمّد بن سليمان الديلمي ، عن أبيه ، ولعلّهما سقطا في هذا السند ، وفي بعض النسخ هكذا ، وهو الظاهر (٢).

فإنّ مبنى التعليق استبشاع رواية البرقي عن الصادق (عليه السلام) بلا واسطة كما ذكرناه.

والغالب على الظنّ أنّ المراد به في المقام هو محمّد بن خالد القسري الذي هو من أصحاب الصادق (عليه السلام) ، وحيث إنّه لم يوثّق فلا جرم تكون الرواية ضعيفة ، فلا تصلح للاستناد إليها في الخروج عن إطلاق النصوص المتقدّمة. إذن فلا فرق في الكراهة بين ما لو أراد الفقير بيعها أو لم يرد ، للإطلاق السليم عمّا يصلح للتقييد حسبما عرفت.

(١) لانصراف النصّ عنه ، مضافاً إلى دعوى الإجماع عليه.

(٢) للتصريح في النصّ باستثناء الميراث الذي لا يبعد كونه من باب المثال لمطلق المملّكات القهريّة.

__________________

(١) الكافي ٨ : ١٨٣ / ٢٠٨.

(٢) مرآة العقول ٢٦ : ٧٤.

٢٥٠

فصل

في وقت وجوب إخراج الزكاة

قد عرفت سابقاً أنّ وقت تعلّق الوجوب فيما يعتبر فيه الحول حولانه بدخول الشهر الثاني عشر (١) وأنّه يستقرّ الوجوب بذلك وإن احتسب الثاني عشر من الحول الأوّل لا الثاني ، وفي الغلّات التسمية (٢) ، وأنّ وقت وجوب الإخراج في الأوّل هو وقت التعلّق ، وفي الثاني هو الخرص والصرم في النخل والكرم ، والتصفية في الحنطة والشعير.

وهل الوجوب بعد تحقّقه فوري أو لا؟ أقوال (٣) ، ثالثها : أنّ وجوب الإخراج ولو بالعزل فوري ، وأمّا الدفع والتسليم فيجوز فيه التأخير ، والأحوط عدم تأخير الدفع مع وجود المستحقّ وإمكان الإخراج إلّا لغرض

______________________________________________________

(١) تقدّم ذلك في الشرط الرابع من شرائط وجوب الزكاة في فصل زكاة الأنعام ، وفي الشرط الثالث من شرائطه في زكاة النقدين.

(٢) تقدّم ذلك في المسألة الاولى من فصل زكاة الغلّات ، وفي المسألة السادسة منه.

(٣) فالمنسوب إلى الشيخ المفيد وغيره : أنّه فوري (١) ، بل نسبه في الحدائق إلى المشهور (٢).

__________________

(١) المقنعة : ٢٣٩.

(٢) الحدائق ١٢ : ٢٣٢.

٢٥١

كانتظار مستحقّ معيّن أو الأفضل ، فيجوز حينئذٍ ولو مع عدم العزل الشهرين والثلاثة ، بل الأزيد ، وإن كان الأحوط حينئذٍ العزل ثمّ الانتظار المذكور ، ولكن لو تلفت بالتأخير مع إمكان الدفع يضمن (١).

______________________________________________________

وقيل بعدم الفوريّة مطلقاً.

وفصّل الشيخ بين الإخراج ولو بالعزل فوجوبه فوري ، وبين الدفع بعد الإخراج فلا فوريّة له ، بل يجوز التأخير في التسليم شهراً أو شهرين أو أكثر إلى أن يجد موضعه (٢).

أمّا مقالة المفيد : فلم يتّضح وجهها ، نعم ذكر في المقنعة ما لفظه : قد جاء عن الصادقين (عليهما السلام) : رخّص في تقديم الزكاة شهرين قبل محلّها وتأخيرها شهرين عنه إلى أن قال : والذي أعمل عليه وهو الأصل المستفيض عن آل محمّد (عليهم السلام) لزوم الوقت ، فإن قدّم قبله جعله قرضاً (٣).

لكنّا لم نجد من تلك الروايات المستفيضة ما عدا رواية أبي بصير الآتية.

وما احتمله في الحدائق من جواز وصول تلك الروايات إليه ولم تصل إلينا (٤).

كما ترى ، إذ الروايات التي يستند إليها المفيد يطّلع عليها الشيخ بطبيعة الحال ، فإنّه هو الذي أمر الشيخ بتأليف التهذيب وجمع ما فيه من النصوص ، وقد روى عنه فيه عدّة من الأخبار ، فكيف لم يرو عنه شيئاً من تلك الروايات الدالّة على لزوم الوقت وعدم جواز التأخير؟!

__________________

(١) على الأحوط فيما إذا كان التأخير لغرض صحيح.

(٢) النهاية : ١٨٣.

(٣) الوسائل ٩ : ٣٠٣ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ١٣ و ١٤ ، المقنعة : ٢٤٠.

(٤) الحدائق ١٢ : ٢٣٠.

٢٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا ، ولعلّه يريد بذلك الروايات الناهية عن حبس الزكاة ومنعها ، وهي نصوص مستفيضة ، ولكنّك خبير بأنّها أجنبيّة عن المقام ، إذ الحبس والمنع شي‌ء والتأخير إلى آونة اخرى لغرضٍ من الأغراض شي‌ء آخر ، ولا يكاد يصدق عليه مانع الزكاة وحابسها بوجه كما لا يخفى.

نعم ، ورد المنع عن التأخير في رواية أبي بصير ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «إذا أردت أن تعطي زكاتك قبل حلّها بشهر أو شهرين فلا بأس ، وليس لك أن تؤخّرها بعد حلّها» (١).

ولكنّها ضعيفة السند بعلي بن أبي حمزة البطائني الراوي عن أبي بصير ، مضافاً إلى إمكان الجمع العرفي بينهما وبين النصوص المجوّزة بالحمل على الكراهة.

وأمّا النصوص المصرّحة بالجواز فهي كثيرة :

منها : صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : قلت له : الرجل تحلّ عليه الزكاة في شهر رمضان ، فيؤخّرها إلى المحرّم؟ «قال : لا بأس» قال : قلت : فإنّها لا تحلّ عليه إلّا في المحرّم ، فيعجّلها في شهر رمضان؟ «قال : لا بأس» (٢).

ومقتضى الإطلاق في لفظي «محرم» و «رمضان» جواز التأخير حتّى لو كان الحلّ في أوّل يوم من رمضان والدفع في آخر يوم من محرّم بحيث يكون التأخير حوالي خمسة أشهر.

ومنها : صحيحة حمّاد عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين وتأخيرها شهرين» (٣).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٠٨ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٢ ح ٤.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٠١ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ٩.

(٣) الوسائل ٩ : ٣٠٢ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ١٠.

٢٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله أنّه قال : في الرجل يخرج زكاته فيقسّم بعضها ويبقى بعض يلتمس لها المواضع فيكون بين أوّله وآخره ثلاثة أشهر «قال : لا بأس» (١) ، ونحوها غيرها من النصوص المعتبرة الصريحة في الجواز.

لكن المتيقّن من التأخير المستفاد جوازه من هذه النصوص إنّما هو التأخير بعد العزل ، بل أنّ الرواية الأخيرة صريحة في ذلك. إذن فلا ينبغي الاستشكال في الجواز بعد العزل.

وأمّا قبل العزل فهل هو أيضاً جائز أو أنّه لا يجوز كما اختاره الشيخ حسبما تقدّم؟

مقتضى صحيحة سعد بن سعد الأشعري عدم الجواز ، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة في ثلاثة أوقات ، أيؤخّرها حتّى يدفعها في وقتٍ واحد؟ «فقال : متى حلّت أخرجها» إلخ (٢).

فإنّها ظاهرة في المنع عن تأخير الإخراج ولو بالعزل بعد حلول الوجوب.

لكن بإزائها موثّقة يونس بن يعقوب ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : زكاتي تحلّ عليّ في شهر ، أيصلح لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدّة؟ «فقال : إذا حال الحول فأخرجها من مالك ، لا تخلطها بشي‌ء ، ثمّ أعطها كيف شئت» قال : قلت : فإن أنا كتبتها وأثبتّها ، يستقيم لي؟ «قال : نعم ، لا يضرّك» (٣).

فإنّ صدرها وإن وافق صحيحة سعد في لزوم العزل ، لكن ذيلها صريح في

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٠٨ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٣ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٠٦ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٢ ح ١.

(٣) الوسائل ٩ : ٣٠٧ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٢ ح ٢.

٢٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

عدم الوجوب وقيام الكتابة مقامه ، لاشتراكها معه في الغاية المتوخّاة منه والحكمة الباعثة على الوجوب ، وهي المحافظة على الزكاة المعزولة حذراً عن خشية التلف أو الانتقال إلى الورثة ، فإنّها بعد الكتابة تكون مأمونة عن هذه الأخطار وإن لم تكن معزولة. وبذلك ترفع اليد عن ظهور صحيحة سعد في وجوب العزل ، ويحمل على الاستحباب ، وبه يجمع شمل الأخبار.

فالأقوى إذن جواز التأخير حتّى مع عدم العزل. وأمّا مقدار التأخير بعد العزل فقد حُدّد في بعض النصوص المتقدّمة بالشهرين أو الثلاثة ، بل عرفت أنّ المستفاد من صحيحة معاوية جواز التأخير إلى الخمسة ، لكن الظاهر من قوله (عليه السلام) في موثّقة يونس : «ثمّ أعطها كيف شئت» من غير تحديد بحدّ معيّن أنّه لا حدّ له بعد الإخراج.

نعم ، لمّا كانت الزكاة المعزولة أمانة بيده فيجوز له التأخير ما لم يؤدّ إلى التعدّي والتفريط بأن كان لأجل انتظار مستحقّ خاصّ ، أو غير ذلك من الأُمور العقلائيّة من غير تحديد بحدّ خاص.

هذا كلّه في الحكم التكليفي.

وأمّا من حيث الحكم الوضعي أعني : الضمان مع العزل أو بدونه فلا ينبغي الريب في عدمه فيما إذا كان التأخير مستنداً إلى عدم وجود المستحقّ ولم يكن متعدّياً ولا مفرّطاً في الحفظ ، إذ هي أمانة عنده مع العزل ، ولا ضمان في الأمانة ، وقد كان معذوراً في التأخير حسب الفرض.

وأمّا مع وجوده فلعلّ المشهور حينئذٍ هو الضمان ، استناداً إلى روايات تقدّمت في المسألة العاشرة من الفصل السابق ، عمدتها صحيحتا محمّد بن مسلم وزرارة ، وقد عرفت ثمّة أنّهما أجنبيتان عن المقام ، فإنّ مورد الاولى هو النقل إلى بلد آخر والضياع في الطريق ، ومورد الثانية هو التلف عند الوكيل المبعوث إليه ، وشي‌ء منهما غير مرتبط بالتلف عند صاحب الزكاة الذي هو محلّ الكلام. فلا

٢٥٥

[٢٧٧٤] مسألة ١ : الظاهر أنّ المناط في الضمان مع وجود المستحقّ هو التأخير عن الفور العرفي (١) ، فلو أخّر ساعة أو ساعتين بل أزيد فتلفت من

______________________________________________________

يكاد يستفاد حكم ضمان المالك من تينك الروايتين بوجه.

بل أنّ مقتضى إطلاق جملة من النصوص عدم الضمان بالتأخير مع العزل حتّى مع وجود المستحق ، سمّى لشخص خاص أو لم يسمّ ما لم يكن مفرّطاً.

منها : صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمّ سمّاها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي‌ء عليه» (١).

فإنّه لا بدّ من تقييد الإرسال بعدم وجود المستحقّ عنده ، وإلّا ضمن بمقتضى صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة ، وأمّا في غير مورد الإرسال فمقتضى الإطلاق عدم الضمان ، لسلامته عمّا يصلح للتقييد.

ومنها : صحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال : إذا أخرجها من ماله فذهبت ولم يسمّها لأحد فقد برئ منها (٢) ، ونحوهما غيرهما.

نعم ، لا يبعد الضمان في صورة عدم العزل ، إذ التأخير في الإخراج والدفع مع وجود المستحقّ لعلّه يعدّ نوعاً من التفريط.

فالمتحصّل : أنّ الأوجه هو التفصيل بين صورتي العزل وعدمه حسبما عرفت.

(١) فإنّه المنسبق من النصّ بحسب الفهم العرفي فيما لا تحديد له شرعاً ويترتّب عليه ما أفاده في المتن من عدم قدح التأخير ساعة أو ساعتين ، بل ربّما لا يقدح التأخير حتّى ساعات عديدة ، كما لو تعلّق الوجوب في منتصف

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٨٦ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٣.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٨٦ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٤.

٢٥٦

غير تفريط فلا ضمان وإن أمكنه الإيصال إلى المستحقّ من حينه مع عدم كونه حاضراً عنده ، وأمّا مع عدم حضوره فمشكل ، خصوصاً إذا كان مطالباً (١).

[٢٧٧٥] مسألة ٢ : يشترط في الضمان مع التأخير العلم بوجود المستحقّ ، فلو كان موجوداً لكن المالك لم يعلم به فلا ضمان ، لأنّه معذور حينئذٍ في التأخير (٢).

______________________________________________________

اللّيل فأخّر الدفع إلى النهار فإنّ التأخير بهذا المقدار لا ينافي الفوريّة العرفيّة ، كما لا يجب عليه الإسراع في المشي.

وبالجملة : فالعبرة بالصدق العرفي ، ويختلف حدّه باختلاف الموارد ، ومناطه الإيصال على النحو المتعارف ، فلا ضمان ما دام يصدق عليه ذلك.

(١) بل حتّى من دون المطالبة وإن كان الأمر معها أوضح ، إذ بعد حضور المستحقّ عنده وعدم المانع من الدفع إليه كما هو المفروض يصدق عرفاً أنّه أخّر مع وجود المستحقّ ، فلا جرم يترتّب عليه الضمان.

(٢) من الواضح أنّ المعذوريّة في التأخير لا تنافي الضمان ، إذ لم تجعل هي موضوعاً لنفيه في شي‌ء من الأدلّة ، بل قد صرّح هو بنفسه فيما سبق بالضمان مع وجود المستحقّ وإن ساغ له التأخير شهراً أو شهرين ، الكاشف عن أنّ جواز التأخير غير مانع عن الضمان. إذن فلا يستقيم التعليل بظاهره.

ولا يبعد أن يريد به المعذوريّة في عدم الدفع ، نظراً إلى أنّ الموضوع للضمان في نصوص الباب هو وجدان الأهل كما في صحيحة ابن مسلم ، أو معرفة الأهل كما في صحيحة زرارة ، لا مجرّد الوجود الواقعي ، وكلاهما منتفٍ في مفروض المسألة ، فهو لمكان جهله غير واجد للأهل ولا عارف به فلم يكن قادراً على الدفع وكان معذوراً فيه ، ولأجله لم يضمن.

٢٥٧

[٢٧٧٦] مسألة ٣ : لو أتلف الزكاة المعزولة أو جميع النصاب متلف فإن كان مع عدم التأخير الموجب للضمان يكون الضمان على المتلف (١) فقط وإن كان مع التأخير المزبور من المالك فكلّ من المالك والأجنبي ضامن (٢) ، وللفقيه أو العامل الرجوع إلى أيّهما شاء. وإن رجع على المالك رجع هو على المتلف (٣) ، ويجوز له الدفع من ماله ثمّ الرجوع على المتلف.

[٢٧٧٧] مسألة ٤ : لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب (٤) على الأصحّ.

______________________________________________________

وإنّ شئت قلت : إنّ الموضوع للضمان عدم الدفع مع التمكّن منه ، وحيث لا تمكّن لمكان الجهل فلا مناص.

(١) لعدم المقتضي لضمان المالك عندئذٍ ، فلا جرم ينحصر الضمان في المتلف.

(٢) أمّا الأوّل فللتفريط ولو لأجل عدم العزل ، وأمّا الثاني فللإتلاف ، ولأجله ساغ الفقيه أو العامل الرجوع إلى أيٍّ منهما شاء.

(٣) على ما هو الشأن في مسألة تعاقب الأيدي ، حيث ذكروا أنّ المال الواحد لا يقبل التدارك أكثر من مرّة واحدة ، فعليه لو تصدّق إحدى الأيادي للأداء سقط الضمان عن الآخرين وحينئذٍ لو رجع المالك إلى الأخير لم يكن له الرجوع إلى من قبله ، ولو رجع إليه رجع هو إلى الأخير ، لأنّ قرار الضمان عليه وتمام الكلام في محلّه.

(٤) قد عرفت حكم التأخير عن وقت الوجوب ، وأمّا التقديم عليه فالمشهور عدم الجواز ، ونُسب الخلاف إلى ابن أبي عقيل وسلّار فذهبا إلى الجواز (١) استناداً إلى بعض الأخبار :

منها : صحيحة معاوية بن عمّار : ... قلت : فإنّها لا تحلّ عليه إلّا في المحرّم ،

__________________

(١) المدارك ٥ : ٢٩٢.

٢٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فيعجّلها في شهر رمضان؟ «قال : لا بأس» (١).

ومنها : صحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين وتأخيرها شهرين» (٢).

ومنها : صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) : أنّه سأله عن رجل حال عليه الحول وحلّ الشهر الذي كان يزكّي فيه وقد أتى لنصف ماله سنة وللنصف الآخر ستّة أشهر «قال : يزكّي الذي مرّت عليه سنة ويدع الآخر حتّى تمرّ عليه سنة» قلت : فإنّه اشتهى أن يزكّي ذلك «قال : ما أحسن ذلك» (٣).

ونحوها غيرها وإن كانت العمدة هي هذه الثلاثة ، فلو كنّا نحن وهذه الطائفة لحكمنا بالجواز ، لقوّة السند وصراحة الدلالة ، غير أنّ بإزائها طائفة أُخرى دلّت على المنع :

منها : صحيحة محمّد الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يفيد المال «قال : لا يزكّيه حتّى يحول عليه الحول» (٤).

وهذه الرواية لو كانت وحدها لأمكن الجمع بينها وبين ما تقدّم بالحمل على عدم الوجوب ، لكن الروايتين الآتيتين الواردتين في هذا السياق آبيتان عن ذلك وتكشفان القناع عن المراد من هذه كما ستعرف.

ومنها : صحيحة عمر بن يزيد ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الرجل يكون عنده المال ، أيزكّيه إذا مضى نصف السنة؟ «فقال : لا ، ولكن حتّى يحول عليه الحول ويحلّ عليه ، إنّه ليس لأحد أن يصلِّي صلاة إلّا لوقتها ، وكذلك

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٠١ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ٩.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٠٢ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ١١.

(٣) الوسائل ٩ : ٣٠٠ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ٤.

(٤) الوسائل ٩ : ٣٠٥ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٥١ ح ١.

٢٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الزكاة ، ولا يصوم أحد شهر رمضان إلّا في شهره إلّا قضاءً ، وكلّ فريضة إنّما تؤدّى إذا حلّت» (١).

ومنها : صحيحة زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أيزكّي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ «قال : لا ، أيصلي الاولى قبل الزوال؟!» (٢).

وهذه الروايات الثلاثة كالصريح في لزوم التحديد والتوقيت وأنّ حال الزكاة حال الصوم والصلاة في عدم جواز التقديم على أوقاتها ، فتعارض الطائفة السابقة الصريحة في الجواز حسبما عرفت ، فلا بدّ من العلاج.

وقد حمل الطائفة الأُولى جماعة منهم الشيخ (قدس سره) على الدفع بعنوان القرض بشهادة صحيحة الأحول عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في رجل عجّل زكاة ماله ثمّ أيسر المعطى قبل رأس السنة «قال : يعيد المعطى الزكاة» (٣).

وجه الاستشهاد : أنّ المدفوع قبل الحلول لو كان تمليكاً للفقير بعنوان الزكاة لم يكن أيّ وجه للإعادة فيما لو أيسر قبل حلول رأس السنة ، ضرورة أنّ العبرة بالفقر حين الدفع ، ولا يكاد يقدح اليسار اللّاحق في صحّة الدفع السابق ، وإنّما يقدح ويستوجب الإعادة فيما إذا كان المدفوع بعنوان القرض ، إذ اللّازم حينئذٍ بقاء الفقر إلى حين حلول الوقت ليتمكّن الدافع من احتسابه زكاةً في هذه الحالة ، فحكمه (عليه السلام) بالإعادة خير شاهد على إرادة الدفع بعنوان القرض ، فيكون ذلك كاشفاً عن أنّ المراد به في سائر الأخبار أيضاً هو ذلك.

ويندفع : بأنّ الوارد في هاتيك النصوص بأجمعها هو عنوان التعجيل ، والمنسبق من هذا التعبير هو الإعطاء بعنوان الزكاة قبل الوقت ، فإنّ هذا هو

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٠٥ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٥١ ح ٢.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٠٥ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٥١ ح ٣.

(٣) الوسائل ٩ : ٣٠٤ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٠ ح ١.

٢٦٠