موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

ولا يجوز تبديلها بعد العزل (١).

[٢٧٦٠] السابعة : إذا اتّجر بمجموع النصاب قبل أداء الزكاة كان الربح للفقير (*) بالنسبة والخسارة عليه ، وكذا لو اتّجر بما عزله وعيّنه للزكاة (٢).

______________________________________________________

قال في الرجل يخرج زكاته فيقسّم بعضها ويبقى بعض يلتمس لها المواضع فيكون بين أوّله وآخره ثلاثة أشهر «قال : لا بأس» (١).

نعم ، صورة التعدّي والتفريط خارجة يقيناً ، لثبوت الضمان حينئذٍ في كلّ أمانة ، أمّا ما عدا ذلك مع فرض ترخيص الشارع في البقاء فلا موجب للضمان سواء وجد المستحقّ أم لا ، فلاحظ.

(١) فإنّ الثابت بالأدلّة إنّما هو الولاية على العزل وتعيين الزكاة في المعزول الموجب طبعاً لخروجه عن الملك ، وأمّا الولاية على التبديل بعد العزل الذي هو تصرّف في غير الملك فيحتاج إلى دليل مفقود ، فالحكم إذن مطابق للقاعدة.

(٢) يستدلّ للحكم المزبور بشقّيه أعني : الاتّجار بمجموع النصاب أو بخصوص المعزول برواية علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن الزكاة تجب عليّ في مواضع لا تمكنني أن أُؤدّيها «قال : اعزلها ، فإن اتّجرت بها فأنت لها ضامن ولها الربح ، وإن تَوِيَتْ في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك شي‌ء ، فإن لم تعزلها فاتّجرت بها في جملة مالك فلها تقسيطها من الربح ولا وضيعة عليها» (٢).

__________________

(*) تقدّم الكلام فيه [في المسألة ٢٦٩٠].

(١) الوسائل ٩ : ٣٠٨ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٣ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٠٧ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٢ ح ٣. وتَوِيَتْ : هلكت مجمع البحرين ١ : ٧١ (توا).

٢٢١

[٢٧٦١] الثامنة : تجب الوصيّة بأداء ما عليه من الزكاة إذا أدركته الوفاة قبله (١) ، وكذا الخمس وسائر الحقوق الواجبة. ولو كان الوارث مستحقّاً جاز احتسابه عليه (٢).

______________________________________________________

والدلالة واضحة ، غير أنّ السند ضعيف بالإرسال أوّلاً ، وبيعلى أو معلّى بن عبيد ثانياً ، فإنّه مجهول على التقديرين.

وأمّا علي بن محمّد فهو ابن بندار الثقة ، وهو من مشايخ الكليني ، كما أنّ المراد بعلي بن أبي حمزة ليس هو البطائني الضعيف الذي هو من أصحاب موسى بن جعفر (عليه السلام) ، بل المراد به الثمالي الثقة كما لا يخفى.

وكيفما كان ، فالرواية لضعفها غير صالحة للاستدلال ، وقد مرّ البحث حول هذه المسألة مستوفى في المسألة الثالثة والثلاثين من فصل زكاة الغلّات ، وعرفت أنّ البيع في حصّة الزكاة فضولي تناط صحّتها بإجازة الحاكم الشرعي ، إلّا إذا أخرج الزكاة بعد البيع من مال آخر ، فإنّه يندرج حينئذٍ في كبرى من باع شيئاً ثمّ ملك ، فإن قلنا بصحّته كما هو الأصحّ كان تمام الربح له وإلّا توقّفت الصحّة على الإجازة حسبما عرفت ، فلاحظ.

(١) هذا الحكم مطابق لمقتضى القاعدة من غير حاجة إلى التماس نصّ خاص ، لقضاء العقل بلزوم تفريغ الذمّة عن التكليف اللّازم بأيّ وجهٍ أمكن ، فإن تيسّر بالمباشرة فهو ، وإلّا فبالتوكيل في الأداء ، وإلّا فبالإيصاء به بعد الممات ، بل لو كان مديناً بالزكاة ولم يكن له مال واحتمل التبرّع عنه لو أوصى وجب ذلك ، خروجاً عن عهدة التكليف ، وحصول التفريغ بأيّة وسيلة ممكنة حسبما عرفت.

(٢) حتّى إذا كان ممّن تجب نفقته عليه حال حياته الممنوع من أخذ الزكاة منه ، لوضوح سقوط الوجوب بالموت ، فلا مانع حينئذٍ من الاحتساب ، فالحكم مطابق للقاعدة.

٢٢٢

ولكن يستحبّ دفع شي‌ء منه إلى غيره (١).

______________________________________________________

وتعضدها صحيحة علي بن يقطين ، قال : قلت لأبي الحسن الأوّل (عليه السلام) : رجل مات وعليه زكاة وأوصى أن تقضى عنه الزكاة ، وولده محاويج إن دفعوها أضرّ ذلك بهم ضرراً شديداً «فقال : يخرجونها فيعودون بها على أنفسهم ، ويخرجون منها شيئاً فيدفع إلى غيرهم» (١).

(١) للأمر به في الصحيحة المزبورة المحمول عند المشهور على الاستحباب.

وربّما يناقش في هذا الحمل بمنافاته مع ظاهر الأمر في الوجوب.

ويندفع بمنع الظهور ، وذلك لتكرار كلمة «يخرجون» ، وحيث لا يحتمل الوجوب في الأُولى لعدم كونه (عليه السلام) في مقام بيان التكليف ، بل بصدد العلاج وتعليم طريقة شرعيّة يتمكّن الورثة معها من الاستفادة من الزكاة ، وهي الإخراج المقرون بالاحتساب ، لوضوح عدم وجوب الاحتساب عليهم فكذلك الثانية.

وبعبارة اخرى : مورد السؤال هو الورثة المحتاجون وأنّه هل يجوز لهم الأخذ من زكاة مورثهم ، فعلّمهم (عليه السلام) طريقة الأخذ وأنّها الإخراج والعزل أوّلاً ثمّ الصرف على أنفسهم ، وهذا حكم إرشادي لا إلزامي ، ومعه لا يبقى ظهور في الجملة الثانية في الوجوب لنحتاج في الجواب إلى دعوى الإعراض وتسالم الأصحاب على عدمه ، بل غايته الاستحباب رعايةً للعدل والإنصاف (٢).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٤٤ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٤ ح ٥.

(٢) لا يخفى أنّ جملة «يخرجون» ظاهرة في الوجوب في كلا الموردين ، ولا مانع من الأخذ به ، وإنّما المسوق للإرشاد والتعليم هو جملة «فيعودون» إلخ ، فتدبّر جيّدا.

٢٢٣

[٢٧٦٢] التاسعة : يجوز أن يعدل بالزكاة إلى غير من حضره من الفقراء (١). خصوصاً مع المرجّحات وإن كانوا مطالبين. نعم ، الأفضل حينئذٍ (٢) الدفع إليهم من باب استحباب قضاء حاجة المؤمن ، إلّا إذا زاحمه ما هو أرجح.

[٢٧٦٣] العاشرة : لا إشكال في جواز نقل الزكاة من بلده إلى غيره مع عدم وجود المستحقّ فيه (٣).

______________________________________________________

وممّا يؤكّد عدم الوجوب ما ورد في إعطاء الزكاة للأقارب من أنّه يعطى شي‌ء منها لغيرهم ، فكما أنّ العطاء هناك استحبابي فكذا في المقام بمناط واحد.

(١) فإنّ مجرّد الحضور لا يستوجب التعيين والترجيح بعد أن كانت ولاية التطبيق بيد المالك من غير توقيت أو توظيف ، فتبقى إطلاقات الكتاب والسنّة في الصرف على الأصناف الثمانية على حالها.

(٢) أي حين الطلب لأجل استحباب إجابة المؤمن في قضاء حاجته لدى طلبها ما لم يزاحم بمرجّح آخر أهمّ.

(٣) بلا خلاف فيه ولا إشكال ، وتدلّنا عليه مضافاً إلى إطلاقات الأدلّة من الكتاب والسنّة ، حيث لم تقيّد بالصرف في البلد ، وإلى فحوى نصوص المسألة الآتية ، إذ لو جاز النقل مع وجود المستحقّ فمع عدمه بطريقٍ أولى صحيحة ضريس ، قال : سأل المدائني أبا جعفر (عليه السلام) قال : إنّ لنا زكاة نخرجها من أموالنا ، ففي مَن نضعها؟ «فقال : في أهل ولايتك» فقال : إنّي في بلاد ليس بها أحد من أوليائك «فقال : ابعث بها إلى بلادهم تُدفع إليهم ، ولا تدفعها إلى قوم إذا دعوتهم غداً إلى أمرك لم يجيبوك وكان والله الذبح» (١) ، وهي كما ترى صريحة في المطلوب.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٢٢ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٥ ح ٣.

٢٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ويؤيّدها رواية الحدّاد عن العبد الصالح (عليه السلام) ، قال : قلت له : الرجل منّا يكون في أرض منقطعة ، كيف يصنع بزكاة ماله؟ «قال : يضعها في إخوانه وأهل ولايته» قلت : فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ «قال : يبعث بها إليهم» قلت : فإن لم يجد من يحملها إليهم؟ «قال : يدفعها إلى من لا ينصب» قلت : فغيرهم؟ «قال : ما لغيرهم إلّا الحجر» (١).

ولكن السند ضعيف بإبراهيم بن إسحاق الذي هو الأحمري راوي كتاب عبد الله بن حمّاد الأنصاري ، مضافاً إلى اشتمال ذيلها على ما لا يمكن الالتزام به ، وهو جواز الدفع إلى غير أهل الولاية عند فقد المؤمن مع اشتراط الإيمان في المستحقّ على كلّ حال ، سواء أكان المؤمن موجوداً أم لا كما تقدّم. فهي إذن لا تصلح إلّا للتأييد.

وربّما يستدلّ لعدم جواز النقل حتّى مع فقد المستحقّ برواية إبراهيم الأوسي عن الرضا (عليه السلام) «قال : سمعت أبي يقول : كنت عند أبي يوماً فأتاه رجل قال : إنّي رجل من أهل الريّ ولي زكاة ، فإلى من أدفعها؟ فقال : إلينا ، فقال : أليس الصدقة محرّمة عليكم؟ فقال : بلى ، إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا ، فقال : إنّي لا أعرف لها أحداً ، فقال : فانتظر بها سنة ، قال : فإن لم أصب لها أحداً؟ قال : انتظر بها سنتين حتّى بلغ أربع سنين ، ثمّ قال له : إن لم تصب لها فصرّها صرراً واطرحها في البحر ، فإنّ الله عزّ وجلّ حرّم أموالنا وأموال شيعتنا على عدوّنا» (٢).

ولكن لا يمكن العمل بها جزماً ، لعدم الصغرى لها أوّلاً ، إذ كيف يتّفق فقد المستحقّ لمدّة أربع سنوات؟! ومع تسليم اتّفاقه فلتصرف في سائر الأصناف كالرقاب ، ولا أقلّ من سهم سبيل الله ، فإنّ الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق ،

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٢٣ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٥ ح ٧.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٢٣ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٥ ح ٨.

٢٢٥

بل يجب ذلك إذا لم يكن مرجوّ الوجود بعد ذلك (١) ولم يتمكّن من الصرف في سائر المصارف.

______________________________________________________

وقد ورد أنّ الله لم يجعل فريضة لم يوجد لها محلّ (١).

وثانياً : أنّه كيف يؤمر بالطرح في البحر وهو إتلاف للمال غير الجائز على كلّ حال؟! بل غايته أن تودع عنده إلى أن يوجد لها مصرف ، لا أنّها تعدم وتتلف.

وثالثاً : أنّ السند ضعيف ، للإرسال ، مضافاً إلى عدم توثيق محمّد بن جمهور (والد) (٢) إبراهيم الأوسي ، فهي مخدوشة من جهات ولا يمكن التعويل عليها لتنهض للمقاومة مع صحيحة ضريس المتقدّمة.

(١) لا شبهة في عدم الوجوب مع رجاء الوجود ، فيجوز الانتظار ، بل عرفت جوازه حتّى مع وجود المستحقّ لغرض الإيصال إلى الأفضل أو الأقرب ، فتكون الزكاة حينئذ أمانة عنده لا يضمن إلّا مع التفريط.

كما لا شبهة أيضاً في عدم الوجوب حتّى مع اليأس وعدم الرجاء فيما إذا أمكن الصرف في سائر الجهات الثمانية من الرقاب والغارمين ونحوهما ، ضرورة جواز الصرف حتّى مع وجود الفقير فضلاً عن عدمه.

وإنّما الكلام مع اليأس عن الفقير في البلد وعدم وجود مصرف آخر ، فهل يجب النقل حينئذٍ؟ الظاهر ذلك.

ويدلّنا عليه نفس الأدلّة الأوّليّة من الكتاب والسنّة الدالّة على وجوب إخراج الزكاة وإيصالها إلى أربابها بعد وضوح عدم كفاية مجرّد العزل في فرض

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٠٩ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ١.

(٢) كذا ، والظاهر : و. حيث إنّ محمد بن جمهور ليس والد إبراهيم الأوسي ، مضافاً إلى ورود عدم توثيقهما في كتب الرجال.

٢٢٦

ومئونة النقل حينئذٍ من الزكاة (١)

______________________________________________________

اليأس ، فلا بدّ من النقل مقدّمةً لأداء الواجب.

وأمّا الاستدلال لذلك بصحيحة ضريس المتقدّمة ففي غير محلّه ، إذ الظاهر من قول السائل : ففي من نضعها ، أنّه عازم على الدفع إلى الفقير ولا يريد الصرف في سائر المصارف ، فالأمر بالنقل في هذه الحالة إرشاد إلى طريق يوصل السائل إلى مطلوبه ، لأنّه حكم تكليفي مولوي ليدلّ على الوجوب ، كيف؟! ولو أُريد ذلك للزم التقييد باليأس عن الفقير وبتعذّر مصرف آخر ، ومن البيّن أن ذينك التقييدين يستوجبان حمل الصحيحة على الفرد النادر جدّاً ، إذ ليت شعري كيف يمكن فرض بلدٍ لا يوجد ولا يرجى فيه لا المستحقّ ولا مصرف آخر حتّى سهم سبيل الله مع أنّ الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق كما تقدّم؟! ولو كان فهو من الندرة بمكان ، ولازمه ما عرفت من الحمل على النادر المستهجن.

هذا ، ومع الغضّ وتسليم إمكان التقييد من غير محذور فيه فالإطلاق من هذه الناحية معارض بالإطلاق الذي تبتني عليه دلالة الأمر على الوجوب ، حيث قد ذكرنا في محلّه أنّها لم تكن وضعيّة بل بالإطلاق ، أي السكوت في مقام البيان وعدم نصب قرينة على جواز الترك ، حيث ينتزع العقل من ذلك اتّصاف الطلب بالوجوب ، وبما أنّه يمتنع الجمع بين الإطلاقين بأن يلتزم بوجوب النقل حتّى مع رجاء الوجدان وإمكان الصرف في جهة أُخرى ، إذ لم يقل به أحد ولا يمكن القول به كما سبق ، فلا جرم يدور الأمر بين رفع اليد عن الأوّل بحمل الأمر على الإرشاد حسبما عرفت وبين تقييد مورد الصحيحة باليأس وامتناع الصرف ، وحيث لا ترجيح لأحدهما على الآخر فلا محالة تصبح الرواية مجملة وغير صالحة للاستدلال بها ، فالعمدة في الاستدلال ما عرفت ، فلاحظ.

(١) الظاهر أنّ هذه المسألة غير محرّرة في كلمات أكثر الفقهاء ، فإنّهم وإن تعرّضوا لمئونة الكيل والوزن لكن مئونة النقل مهملة وغير معنونة.

٢٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وكيفما كان ، فيستدلّ لكون المئونة المزبورة من الزكاة تارةً بأنّها لمصلحتها ، وأُخرى بأصالة البراءة عن تحمّلها.

وكلاهما كما ترى :

أمّا الأوّل : فلعدم الدليل على جواز صرف كلّ ما كان في مصلحة المال ما لم تثبت الولاية للمتصرّف ، ألا ترى أنّه لا يجوز إصلاح دار الجار بمال الجار ما لم يوكّله في ذلك.

وبالجملة : ما لم تثبت الولاية على التصرّف في الزكاة لا يجوز الصرف منها في حفظها وإن كان لصالحها.

وأمّا الثاني : فإن أُريد به أصالة البراءة عن وجوب الصرف على المالك فهو وإن صحّ لكنّه لا يثبت جواز الصرف من الزكاة ، فإنّ غاية ما هناك وجوب الإيصال إلى المستحقّ ، وأمّا جواز الصرف منها للإيصال فالأصل المزبور لا يقتضيه.

وإن أُريد به أصالة البراءة عن الضمان لو صرف ، فمن البيّن أنّه لا مساغ لهذا الأصل بعد إطلاق ما دلّ على سببيّة الإتلاف للضمان الذي لا قصور في شموله للمقام ، فإنّه لا مجال للأصل العملي مع وجود الدليل الاجتهادي. إذن فلا مناص من التماس دليل آخر غير ما ذكر.

ويمكن أن يستدلّ له باندراج المقام في الأُمور الحسبيّة ، إذ بعد خروج الزكاة المعزولة عن ملك المالك والقطع من مذاق الشرع بعدم رضائه ببقائها كذلك وتعطيلها إلى أن يعرضها التلف ، بل لا بدّ من إيصالها إلى أربابها وصرفها في مستحقّها ، فلا جرم يجب حسبةً على كل أحد التصدّي لذلك والقيام بهذا المهمّ ، بماله من المقدّمات التي منها صرف مقدار منها في سبيل مئونة النقل إمّا بإجازة من الحاكم الشرعي إن كان ، وإلّا فمن عدول المؤمنين ، ولو لم يكن أحد فطبعاً يكون هو المتولّي والمتصدّي لذلك.

٢٢٨

وأمّا مع كونه مرجو الوجود فيتخيّر بين النقل والحفظ (١) إلى أن يوجد. وإذا تلفت بالنقل لم يضمن مع عدم الرجاء وعدم التمكّن من الصرف في سائر المصارف (٢).

______________________________________________________

ويجري هذا التقرير في الأموال الشخصيّة أيضاً ، فلو كانت تركة الميّت في بلد ووارثه في بلد آخر ولم يتيسّر الاستئذان منه في صرف المال في سبيل الإيصال وكان في معرض التلف ساغ بل وجب حسبةً صرف شي‌ء منه لمئونة النقل بإذن من الحاكم الشرعي ، وإلّا فالعدول ، وإلّا فهو المتصدّي لذلك ، لما عرفت من القطع بعدم رضاء الشارع ببقائه على حاله ليكون عرضةً للتلف.

ولا شبهة في عدم الضمان حينئذٍ بعد أن كانت أمانة بيده ما لم يكن متعدّياً أو مفرّطاً.

وتدلّ عليه صريحاً صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت ، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ «فقال : إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها ، وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان ، لأنّها قد خرجت من يده» إلخ (١).

(١) فلا يجب عليه النقل بعينه ، إذ لا مقتضي له بعد إمكان الحفظ ورجاء الوجود وقصور دليل الوجوب عن الشمول للمقام ، فلا جرم يتخيّر بين الأمرين.

(٢) فإنّ هذه الصورة هي القدر المتيقّن من صحيحة ابن مسلم المتقدّمة النافية للضمان وكذا غيرها ، وهذا ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٨٥ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ١.

٢٢٩

وأمّا معهما (١) فالأحوط الضمان (*).

______________________________________________________

(١) أي مع الرجاء أو التمكّن في قبال ما افترضه أوّلاً من عدمهما معاً ، فالمراد بمقتضى المقابلة انتفاء مجموع الأمرين من الرجاء والتمكّن ، المتحقّق بانتفاء أحدهما تارةً وبانتفاء كلّ منهما اخرى ، فلا تختصّ العبارة بالصورة الأخير كما توهّم.

وكيفما كان ، فيقع الكلام في الضمان تارةً مع الرجاء ، وأُخرى مع التمكّن من الصرف في سائر المصارف.

أمّا في الأوّل : فالظاهر عدم الضمان ، إذ مضافاً إلى أنّ ذلك هو مقتضى القاعدة باعتبار أنّ العين أمانة في يده ولم يصدر منه تعدٍّ ولا تفريط فلا موجب للضمان ، أنّه قد علّق عدم الضمان في صحيحة ابن مسلم المتقدّمة على عدم وجود المستحقّ لا على عدم رجائه ، حيث قال (عليه السلام) : «وإن لم يجد لها من يدفعها» إلخ ، فإنّ إطلاقها يشمل صورتي الرجاء واليأس كما لا يخفى.

وأمّا الثاني : فقد يقال بالضمان ، ولكن صاحب الجواهر اختار العدم ، نظراً إلى أنّ الموضوع لنفي الضمان هو النقل مع عدم وجود المستحقّ لا مع عدم وجود مصرف آخر للزكاة ، فإطلاقه يشمل المقام (١).

وهذا هو الصحيح ، فإنّ ما يستدلّ به للضمان روايتان :

إحداهما : صحيحة ابن مسلم المتقدّمة ، بدعوى أنّ المراد من الموضع الذي علّق عليه الضمان في قوله : «إذا وجد لها موضعاً» إلخ ، هو المعنى الأعمّ الشامل للمستحقّ ولغيره من سائر المصارف ، فكأنه (عليه السلام) علّق عدم الضمان على عدم التمكّن من الصرف في شي‌ء من المصارف الثمانية المنفي في الفرض.

__________________

(*) لا بأس بتركه.

(١) الجواهر ١٥ : ٤٣٢ ٤٣٣.

٢٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ثانيتهما : صحيحة زرارة المتقدّمة ، حيث ورد فيها : «ولكن إن (إذا) عرف لها أهلاً فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتّى يخرجها» (١) ، حيث علّق الضمان على وجدان الأهل ، بدعوى شمول الأهل لمطلق المصرف من غير اختصاص بالمستحقّ ، وشي‌ء منهما لا يتمّ.

أمّا الأخيرة : فمضافاً إلى ظهور الأهل في الشخص لا في مطلق الصرف كما لا يخفى ، أنّ موردها على ما عرفت سابقاً إنّما هو التلف عند الوكيل أي الأخ المبعوث إليه الزكاة ، وأنّه يضمن مع وجود الأهل لو أخّر الصرف حتّى تلف ولا يضمن مع عدمه لا عند المالك الناقل بأن يعرضه التلف في الطريق الذي هو محلّ الكلام ، فلا علاقة للرواية بالمقام بوجه.

وأمّا الاولى : فلقرائن تشهد بإرادة المستحقّ من الموضع لا مطلق الصرف :

منها : التعبير بالتقسيم ، فإنّه ظاهر في التوزيع على الفقراء كما لا يخفى.

ومنها : التعبير بـ «الدفع» في قوله : «فلم يدفعها إليه» ، فإنّ الذي يدفع إليه هو الفقير ، ولو أُريد المعنى الآخر لعبّر بالصرف بدلاً عن الدفع كما لا يخفى.

ومنها : قوله : «وإن لم يجد لها من يدفعها إليه» فإنّ الموصول ظاهر في ذوي العقول أي لم يجد شخصاً من الفقراء يدفعها إليه فلا يشمل مطلق الصرف. فهي إذن تدلّ على دوران الضمان مدار وجود الفقير وعدمه.

ويؤكّد ما ذكرناه من إناطة عدم الضمان بعدم وجود الفقير في البلد وإن أمكن الصرف في سائر الجهات إطلاق عدّة من الروايات :

منها : معتبرة أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمّ سمّاها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي‌ء عليه» (٢).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٨٦ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٢.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٨٦ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٣.

٢٣١

ولا فرق في النقل بين أن يكون إلى البلد القريب أو البعيد (١) مع الاشتراك في ظنّ السلامة وإن كان الأولى التفريق في القريب ما لم يكن مرجّح للبعيد.

[٢٧٦٤] الحادية عشرة : الأقوى جواز النقل إلى البلد الآخر ولو مع وجود المستحقّ في البلد وإن كان الأحوط عدمه كما أفتى به جماعة (٢)

______________________________________________________

ومعتبرة اخرى له ، قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : جعلت فداك ، الرجل يبعث بزكاة ماله من أرض إلى أرض فيُقطع عليه الطريق «فقال : قد أجزأته عنه ، ولو كنت أنا لأعدتها» (١).

ومعتبرة بكير بن أعين ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يبعث بزكاته فتُسرق أو تضيع «قال : ليس عليه شي‌ء» (٢).

فإنّه كيف يمكن حمل هذه المطلقات على صورة امتناع الصرف في سائر الجهات التي هي فرض نادر جدّاً ، لتيسّر الصرف في شي‌ء منها غالباً ، ولا أقلّ من سهم سبيل الله كما تقدّم سابقاً ، فكيف يمكن حمل المطلق على الفرد النادر؟! فيكون ذلك خير شاهد على التعميم. إذن فلا تصحّ الصحيحة لتقييد المطلقات النافية للضمان بما إذا تعذّر الصرف في البلد بقولٍ مطلق ، بل العبرة بوجود الفقير وعدمه حسبما عرفت ، فلا ضمان مع فقده سواء أكان مرجوّاً أم لا ، وسواء أمكن الصرف في سائر الجهات أم لا وإن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه.

(١) لإطلاق الأدلّة بعد فقد ما يصلح للتقييد.

(٢) بل في الحدائق نسبته إلى المشهور (٣) ، بل عن العلّامة في التذكرة دعوى

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٨٧ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٦.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٨٧ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٥.

(٣) الحدائق ١٢ : ٢٣٩.

٢٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الإجماع عليه (١).

لكن الدعوى موهونة ، لذهاب جمّ غفير من الفقهاء إلى الجواز ومنهم نفس الحاكي للإجماع أعني : العلّامة في المختلف والمنتهى (٢) بل نسب ذلك إلى المشهور بين المتأخّرين.

نعم ، لا يبعد أن يكون المشهور بين المتقدّمين هو المنع.

وكيفما كان ، فيستدلّ لعدم الجواز تارةً بالإجماع. وقد عرفت ما فيه.

وأُخرى : بأنّ النقل معرّض للخطر من ضياع أو سرقة ونحوهما ، فلا يجوز.

وفيه : أنّ النقل بمجرّده لا يلازم الخطر ، بل ربّما يكون الحفظ متوقّفاً عليه فيجب ، فإنّ المالك أمين على الزكاة ويجب عليه حفظ الأمانة عن المخاطرة ، سواء أكانت في السفر أم في الحضر ، فإن كان الخطر في النقل لم يجز ولا يسوغه الضمان ، فإنّ تعريض الأمانة للمخاطرة غير جائز في نفسه وإن تعهّد ضمانها ، وإن كان في البقاء لم يجز البقاء أيضا.

وبالجملة : بين النقل والخطر عموم من وجه ولا ملازمة بينهما ، فلا يصحّ الاستدلال بما هو أخصّ من المدّعى.

وثالثةً : بأنّ النقل ينافي الفوريّة الواجبة في دفع الزكاة.

ويردّه : منع الفوريّة أوّلاً ، بل يظهر من بعض الأدلّة جواز التأخير شهراً أو أكثر كما تقدّم.

وثانياً : أنّ النقل لا يلازم التأخير ، كيف؟! وربّما يكون الإيصال إلى المستحقّ أسرع من الأداء في البلد ، كما لو كانت الزكاة خارج البلدة الكبيرة وكان إيصالها إلى بعض القرى القريبة أسرع من إيصالها إلى من هو في أواسط البلدة أو

__________________

(١) التذكرة ٥ : ٣٤١.

(٢) المختلف ٣ : ١٢٢ ، المنتهي ١ : ٥٢٩.

٢٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أواخرها ، فهذه الوجوه لا تصلح للاعتماد عليها في المنع عن النقل.

نعم ، لا شبهة في أنّ مقتضى القاعدة الأوّليّة عدم الجواز ، فإنّ نقل الزكاة تصرّف في الأمانة يحتاج جوازه إلى الدليل ، ولكنّه يكفي فيه إطلاقات الأمر بالأداء الواردة في الكتاب والسنّة ، فإنّها تشمل الأداء في البلد وخارجه بعد فقد الدليل على التقييد بالأوّل.

بل أنّ بعض النصوص قد نطقت صريحاً بجواز النقل ، عمدتها صحيحتان :

الأُولى : صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في الرجل يعطى الزكاة يقسّمها ، إله أن يخرج الشي‌ء منها من البلدة التي هو فيها (بها) إلى غيرها؟ «فقال : لا بأس به» (١).

فإنّ موردها وإن كان هو نقل الوكيل لكنّها تدلّ على نقل الموكّل أعني : صاحب الزكاة بطريقٍ أولى.

الثانية : صحيحة أحمد بن حمزة ، قال : سألت أبا الحسن الثالث (عليه السلام) عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر ويصرفها في إخوانه ، فهل يجوز ذلك؟ «قال : نعم» (٢).

وربّما يتوهّم معارضتهما بروايتين :

إحداهما : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب ، ولا صدقة الأعراب في المهاجرين» (٣).

ثانيتهما : صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقسّم صدقة أهل البوادي في أهل

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٨٢ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٧ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٨٣ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٧ ح ٤.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٨٤ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٨ ح ١.

٢٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

البوادي ، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر» (١).

فقيل : إنّهما تدلّان على النهي عن نقل صدقة البدوي إلى الحضري أو العكس ، وكذا نقل صدقة الأعراب إلى المهاجرين وعكسه.

وممّن فهم منهما ذلك صاحب الوسائل بعد حمل النهي على الكراهة ، حيث عنون للباب بقوله : باب استحباب تفريق الزكاة في بلد المال وكراهة نقلها مع وجود المستحقّ.

ولكن الظاهر أنّهما أجنبيّتان عمّا نحن فيه ولا نظر فيهما إلى النقل ، فإنّ موردهما دفع صدقة أهل البادية إلى الحضري حتّى إذا كان موجوداً في البادية ، وكذلك صدقة الحضري إلى البدوي وإن كان موجوداً في الحضر ، فلا نظر فيهما إلى النقل نفسه بحيث يتناول الحكم نقل صدقة أهل البادية إلى بادية أُخرى مثلها ، أو نقل صدقة الحضري إلى حضري مثله في بلد آخر.

فالمستفاد منهما لزوم دفع صدقة كلّ صنف من البدوي والحضري أو الأعراب والمهاجرين إلى ما يماثله في الصنف لا ما يقابله ، سواء أكان ذلك مقروناً بالنقل أم لا ، فلا ارتباط لذلك بمحلّ الكلام لتتحقّق المعارضة بين الطائفتين.

وحيث لا قائل باعتبار المماثلة المزبورة فلا جرم يكون الحكم محمولاً على التنزيه من الكراهة أو الاستحباب ، كما يفصح عنه ما في ذيل الثانية من قوله (عليه السلام) : «ليس عليه في ذلك شي‌ء مؤقّت موظّف» إلخ (٢).

وممّا يؤكّد ذلك ما كان يفعله النبيّ والوصيّ وغيرهما (عليهم السلام) من بعث العمال لجباية الزكوات ونقلها إليهم ، فإنّه لو كان يجب صرف صدقات أهل البادية فيهم فكيف كانت تؤخذ منهم ويؤتى بها إليهم (عليهم السلام)؟!

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٨٤ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٨ ح ٢.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٦٥ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٨ ح ١.

٢٣٥

ولكن الظاهر الإجزاء لو نقل على هذا القول أيضاً (١). وظاهر القائلين بعدم الجواز وجوب التقسيم في بلدها لا في أهلها ، فيجوز الدفع في بلدها إلى الغرباء وأبناء السبيل (٢) ، وعلى القولين إذا تلفت بالنقل يضمن (٣).

______________________________________________________

والمتحصّل من جميع ما مرّ : جواز النقل ما لم يكن معرّضاً للتلف حسبما عرفت.

(١) فالمنع لو سلّم تكليفي محض ولا يستتبع الوضع فيجزي ولا يضمن وإن كان آثماً ، كما لا يجب عليه إرجاعها إلى البلد قبل الإعطاء.

وتدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ، رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت ، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ «فقال : إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها» إلخ (١).

حيث يظهر منها وضوح أنّ موجب الضمان إنّما هو الضياع فحسب ، ورافعه هو الدفع إلى المستحقّ حيثما تحقّق وإن كان في غير البلد.

(٢) فإنّ الممنوع على القول به إنّما هو مجرّد النقل ولزوم التوزيع في نفس البلدة ، وأمّا التخصيص بأهاليها كي لا يشمل الغريب وابن السبيل فهو عناية زائدة لا يقتضيها ظواهر عبائرهم ولا مفاد أدلّتهم كما لا يخفى.

(٣) مع التمكّن من الدفع في البلد إلى المستحقّ ، لقوله (عليه السلام) في صحيحة ابن مسلم المتقدّمة : «إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن» إلخ ، ومن البيّن أنّ الضمان لا يكون كاشفاً عن عدم جواز النقل ، فإنّه أعمّ من المنع ولا تلازم بينهما ، كما هو الحال في العارية فإنّها جائزة ومع ذلك يكون المستعير ضامنا.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٨٥ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ١.

٢٣٦

كما أنّ مئونة النقل عليه لا من الزكاة (١) ، ولو كان النقل بإذن الفقيه لم يضمن (*) (٢) وإن كان مع وجود المستحقّ في البلد.

______________________________________________________

(١) إذ لا مقتضي لكونها منها بعد فرض وجود المستحقّ وعدم توقّف الإيصال على النقل ، فلا جرم تكون المئونة على الناقل بعد أن كان مقتضى الأصل بقاء الزكاة على حالها.

(٢) ربّما يورد عليه بأنّ إذن الفقيه لا يزيد على إذن الشارع ، فإذا كان جواز النقل الثابت بأصل الشرع محكوماً بالضمان بمقتضى صحيحة ابن مسلم المتقدّمة فكيف يكون إذن الفقيه رافعاً له ، وهل هذا إلّا من زيادة الفرع على الأصل؟! لكنّك خبير بأنّ المقصود من الإذن المزبور ليس هو مجرّد فتوى الفقيه وإخباره عن حكم الله بالجواز ، كيف؟! وهذا لا يزيد على الإذن الصريح الصادر من صاحب الشريعة كما أُفيد.

بل المراد إذنه بما هو ولي على الزكاة وأنّ أمرها بيده وله الولاية الشرعيّة عليها ، نظيراً إلى أنّ الإذن بهذه العناية يتضمّن لا محالة توكيلاً ضمنيّاً في القبض عنه والنقل إلى البلد الآخر ، ومن الواضح أنّ الإذن كذلك بمثابة الإذن الصادر من المالك في انتفاء الضمان ، فكما أنّ مالك الأمانة لو أذن للأمين في النقل فتلف لم يضمن بلا كلام ، فكذلك الإذن الصادر في المقام بمناط واحد ، وهو الانبعاث ممّن بيده الأمر.

نعم ، لا يجب عليه النقل بمجرّد هذا الإذن كما لا يحرم لو منع ، لعدم الدليل على وجوب إطاعة الفقيه في مثل هذه الأُمور ، لكنّه على تقدير النقل لم يضمن بعد استناده إلى إذن الولي حسبما عرفت.

والحاصل : أنّ الإذن بعنوان الولاية بمثابة القبض والوكالة ، ولا ضمان مع

__________________

(*) يريد بذلك الإذن بما أنّه ولي.

٢٣٧

وكذا بل وأولى منه (١) لو وكّله في قبضها عنه بالولاية العامّة ثمّ أذن له في نقلها.

[٢٧٦٥] الثانية عشرة : لو كان له مال في غير بلد الزكاة أو نقل مالاً له من بلد الزكاة إلى بلدٍ آخر جاز احتسابه زكاة عمّا عليه في بلده ولو مع وجود المستحقّ فيه ، وكذا لو كان له دين في ذمّة شخص في بلد آخر جاز احتسابه زكاة ، وليس شي‌ء من هذه من النقل الذي هو محلّ الخلاف في جوازه وعدمه (٢) ، فلا إشكال في شي‌ء منها.

[٢٧٦٦] الثالثة عشرة : لو كان المال الذي فيه الزكاة في بلد آخر غير بلده جاز له نقلها (٣) إليه

______________________________________________________

هذه الحالة.

(١) وجه الأولويّة التصريح بالتوكيل في القبض عنه في قبال ما سبق من التوكيل الضمني حسبما عرفت ، ومن ثمّ كان الحكم هنا أوضح وأولى.

وبالجملة : القبض عن الفقيه إمّا بالتوكيل الضمني أو الصريح بمثابة الإيصال إلى المستحقّين ، ومعه لا مقتضي للضمان بوجه.

(٢) فإنّ موضوع المنع على القول به هو نقل الزكاة ، ولا نقل في مفروض المسألة ، وإنّما هو إعطاء للزكاة لغير أهل بلده ، ولا ضير فيه حسبما تقدّم (١) ، إلّا إذا بنينا على شمول المنع له والتزمنا باختصاص زكاة كلّ بلد بمستحقّه ، استناداً إلى ما يتراءى من بعض النصوص ، وقد عرفت ضعفه وضعف مستنده.

(٣) كما تقدّم في المسألة الحادية عشرة ، لعدم الفرق في صدق النقل المبحوث عنه بين كونه من بلد المالك أو بلد الزكاة.

__________________

(١) في ص ٢٣٣ ٢٣٤.

٢٣٨

مع الضمان (*) (١) لو تلف ، ولكن الأفضل صرفها في بلد المال (٢).

[٢٧٦٧] الرابعة عشرة : إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية العامّة برئت ذمّة المالك (٣) وإن تلفت عنده بتفريطٍ (٤) أو بدونه أو أعطى لغير المستحقّ اشتباهاً.

[٢٧٦٨] الخامسة عشرة : إذا احتاجت الزكاة إلى كيل أو وزن كانت اجرة الكيال والوزان على المالك لا من الزكاة (٥).

______________________________________________________

(١) على التفصيل المتقدّم من وجود المستحقّ وعدمه وكونه بإذن الفقيه وعدمه.

(٢) لعلّ مستنده صحيحتا الحلبي والهاشمي المتقدّمتان (١) ، حيث تضمّنتا تقسيم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي كالحضري ، وكذلك الأعرابي ، المحمول على الاستحباب كما سبق.

(٣) إذ بعد ثبوت الولاية للفقيه وقبضه بهذا العنوان فقبض الولي كقبض المولّى عليه ، كما أنّ قبض الوكيل كقبض الموكّل ، ولا ضمان بعد قبض المستحقّ كما هو واضح.

(٤) أي من غير الفقيه لا منه ، وإلّا لسقط عن العدالة فتسقط عنه الولاية.

(٥) لعلّ الوجه فيه ظاهر ، فإنّ الواجب على المالك دفع كمّيّة خاصّة من العشر أو نصفه ، ومع احتساب الأُجرة من الزكاة يكون المدفوع إلى المستحقّ أقلّ ، ولا ينتقض بما عن المبسوط من كون المدفوع أكثر لو كان من المالك (٢) ، إذ

__________________

(*) على تفصيلٍ تقدّم.

(١) في ص ٢٣٤.

(٢) المبسوط ١ : ٢٥٦.

٢٣٩

[٢٧٦٩] السادسة عشرة : إذا تعدد سبب الاستحقاق في شخص واحد كأن يكون فقيراً وعاملاً وغارماً مثلاً جاز أن يعطى بكلّ سبب نصيباً (١).

[٢٧٧٠] السابعة عشرة : المملوك الذي يشترى من الزكاة إذا مات ولا وارث له ورثه أرباب الزكاة دون الإمام (عليه السلام) (٢).

______________________________________________________

فيه : أنّ الزائد مدفوع حينئذٍ من باب المقدّمة لا بعنوان الزكاة ، وربّما لا يحتاج إليه فيما إذا دفع القيمة بدلاً عن العين بعد كونه مخيّراً بينهما.

وبالجملة : فالمقام نظير بيع صاع من الصبرة ، فكما أنّ الواجب دفع تمام الصاع المبيع بكامله وأُجرة التوزين في عهدة البائع فكذلك المقام بمناطٍ واحد.

(١) لإطلاق أدلّة السهام ، إذ لم يقيّد مورد كلّ سهم بمباينته مع مورد السهم الآخر.

ودعوى الانصراف عن صورة الاجتماع بحيث لا يتناول الإطلاق لها ، كما ترى ، لعرائها عن أيّ شاهد.

هذا على القول بوجوب البسط.

وأمّا على ما هو الأقوى من عدم الوجوب فالأمر أوضح ، فإنّ السهام والأصناف حينئذٍ مصارف بحتة ولا يجب قصد شي‌ء منها بخصوصه.

(٢) وإن نُسب ذلك إلى العلّامة (١) وجمع من المتأخّرين ، بدعوى أنّ أرباب الزكاة لم يكونوا مالكين للعبد قبل عتقه ليثبت لهم ولاء العتق المترتّب عليه الإرث ، وإنّما هم مصارف بحتة. إذن فالعبد المعتق بعد موته ممّن لا وارث له ، فلا جرم يرثه الإمام الذي هو وارث من لا وارث له.

__________________

(١) المنتهي ١ : ٥٣١.

٢٤٠