موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

غير ظاهر ، إذ ليت شعري ما هو الفرق بين المقام وبين أدلّة سائر الأحكام كتحريم الامّ والأُخت والبنت ونحوها؟! وكيف يحكم بشمولها للمتولّد من الزنا ولا يحكم بالشمول له في المقام ، فالأصحّ جريان تمام الأحكام ما عدا الإرث ، لمكان النصّ حسبما عرفت ، وإن كان مقتضى الاحتياط هو الاجتناب خروجاً عن شبهة الخلاف.

٢٠١

فصل

في بقيّة أحكام الزّكاة

وفيه مسائل :

[٢٧٥٤] الأُولى : الأفضل بل الأحوط نقل الزكاة إلى الفقيه الجامع للشرائط (١) في زمن الغيبة لا سيّما إذا طلبها ، لأنّه أعرف بمواقعها ، لكن الأقوى عدم وجوبه ، فيجوز للمالك مباشرةً أو بالاستنابة والتوكيل تفريقها على الفقراء وصرفها في مصارفها.

______________________________________________________

(١) نسب إلى المفيد والحلبي وجوب نقل الزكاة إلى الإمام (عليه السلام) مع حضوره وإلى الفقيه الجامع للشرائط لدى غيبته (١). ولكنّه لم ينهض عليه أيّ دليل يمكن التعويل عليه ، بل يظهر من بعض الأخبار جواز الاستقلال ومباشرة المالك بنفسه كما ستعرف.

والاستدلال لذلك بقوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) (٢) بتقريب أنّ وجوب الأخذ عليه (صلّى الله عليه وآله) يستلزم وجوب الدفع إليه ، لما بينهما من الملازمة ، ثمّ من بعده ممّن يقوم مقامه من الأئمّة المعصومين ، ثمّ العلماء العاملين الجامعين لشرائط الفتوى.

مدفوعٌ أوّلاً : بأنّ الأمر بالأخذ بقرينة ما بعده مقدّمة للتطهير ولا موضوعيّة له بحيث لا تبرأ الذمّة بدونه ، فإذا كانت الطهارة حاصلة لتصدِّي المالك للدفع

__________________

(١) نسبه صاحب المدارك ٥ : ٢٥٩ ، وهو في المقنعة : ٢٥٢ ، الكافي في الفقه : ١٧٢.

(٢) التوبة ٩ : ١٠٣.

٢٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بالمباشرة فلا موضوع للأخذ منهم ثانياً.

نعم ، مجرّد دعوى الدفع غير كافية ما لم تثبت بحجّة قاطعة ، أمّا مع ثبوتها فلا مجال للتكرار ، لما عرفت من أنّ الأمر لم يكن ملحوظاً على سبيل الاستقلال ، ولو كان لوجب بطبيعة الحال.

وثانياً : أنّه لو تمّ لاختصّ بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) والوصي (عليه السلام) ، لبسط يدهما وتمكّنهما من أخذ الزكوات وجمعها وتفريقها بين المؤمنين وصرفها في مصالح المسلمين ، ولا يعمّ غيرهما من سائر المعصومين (عليهم السلام) فضلاً عن علماء الدين ، لظروفهم الخاصّة المانعة عن القيام بهذا المهمّ ، فلا يجب عليهم الأخذ ليجب الدفع ، ومن ثمّ لم يعهد عنهم تصدّيهم لجباية الزكوات.

بل في رواية جابر إيكالها إلى المالك وأنّهم (عليهم السلام) إنّما يتصدّون لذلك إذا قام قائمهم ، قال أقبل رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) وأنا حاضر فقال : رحمك الله ، اقبض منِّي هذه الخمسمائة درهم فضعها في موضعها فإنّها زكاة مالي ، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : «بل خذها أنت فضعها في جيرانك والأيتام والمساكين وفي إخوانك من المسلمين ، إنّما يكون هذا إذا قام قائمنا فإنّه يقسّم بالسويّة ويعدل في خلق الرحمن ، البرّ منهم والفاجر» (١).

نعم ، إنّ الرواية ضعيفة السند أوّلاً ب : عمرو بن شمر ، فقد ضعّفه النجاشي قائلاً : ضعيف جدّاً زيد أحاديث في كتب جابر الجعفي ينسب بعضها إليه (٢).

وما في الوسائل (٣) والحدائق (٤) من ضبط الكلمة هكذا : عمر بن شمر ، غلط ،

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٨٢ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٦ ح ١.

(٢) رجال النجاشي : ٢٨٧.

(٣) في الوسائل المحقق جديداً : عمرو بن شمر.

(٤) الحدائق ١٢ : ٢٢٣.

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وصوابه ما عرفت ، إذ هو الذي يروي عن جابر دون غيره.

وثانياً ب : سفيان بن عبد المؤمن الأنصاري ، فإنّه أيضاً ضعيف. فلا تصلح إلّا للتأييد.

والمتحصّل : أنّه لا دليل على اعتبار النقل إلى الإمام أو نائبه الخاصّ أو العامّ في تفريغ الذمّة ، ومعه كان مقتضى إطلاقات الأدلّة من الكتاب والسنّة كفاية مجرّد الإيصال ، سواء أكان بالمباشرة أم مع الواسطة.

بل قد عرفت ورود روايات كثيرة دلّت على إيكال أمرها إلى المالك ليضعها حيث يشاء وأنّ له الولاية عليها ، وهي على طوائف :

الأُولى : ما دلّ على جواز النقل إلى بلد آخر.

فمنها : صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في الرجل يعطى الزكاة يقسّمها ، إله أن يخرج الشي‌ء منها من البلدة التي هو فيها (بها) إلى غيرها؟ «فقال : لا بأس» (١).

ومنها : صحيحة يعقوب بن شعيب الحدّاد عن العبد الصالح (عليه السلام) ، قال : قلت له : الرجل منّا يكون في أرض منقطعة ، كيف يصنع بزكاة ماله؟ «قال : يضعها في إخوانه وأهل ولايته» فقلت : فإن لم يحضره منهم فيها أحد؟ «قال : يبعث بها إليهم» الحديث (٢) ونحوهما غيرهما.

فقد دلّت هذه الطائفة على أنّ جواز تصدّي المالك بنفسه للقسمة أمر مسلّم مفروغ عنه مرتكز في ذهن السائل ، وإنّما السؤال عن جواز النقل وعدمه.

الثانية : ما دلّ على جواز أخذ المقسّم شيئاً من الزكاة لنفسه إذا كان مورداً

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٨٢ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٧ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٨٣ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٧ ح ٣.

٢٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لها ، وفي بعضها تقييد الآخذ بمقدار ما يعطى لغيره.

منها : معتبرة سعيد بن يسار ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الرجل يعطى الزكاة فيقسّمها في أصحابه ، أيأخذ منها شيئاً؟ «قال : نعم» (١).

ومنها : معتبرة الحسين بن عثمان عن أبي إبراهيم (عليه السلام) : في رجل اعطي مالاً يفرّقه فيمن يحلّ له ، إله أن يأخذ منه شيئاً لنفسه وإن لم يسمّ له؟ «قال : يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره» (٢).

ومنها : صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسّمها ويضعها في مواضعها وهو ممّن تحلّ له الصدقة «قال : لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره» إلخ (٣).

دلّت كالسابقة على المفروغيّة عن الولاية وإنّما السؤال عن خصوصيّات اخرى.

الثالثة : الروايات الواردة في جواز شراء العبيد من الزكاة وعتقهم ، المذكورة في الباب ٤٣ من الوسائل ، فإنّها أيضاً ظاهرة في المفروغيّة المزبورة.

الرابعة : ما ورد في جواز قضاء دين الأب من الزكاة فيما إذا لم يكن له مال (٤) ، فإنّها أيضاً ظاهرة في ذلك.

وتدلّ عليه أيضاً صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل تحلّ عليه الزكاة في السنة في ثلاث أوقات ، أيؤخّرها حتّى يدفعها في وقت واحد؟ «فقال : متى حلّت أخرجها» إلخ (٥) ، فإنّها صريحة في التصدّي للإخراج بنفسه.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٨٧ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٠ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٨٨ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٠ ح ٢.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٨٨ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٠ ح ٣.

(٤) الوسائل ٩ : ٢٥٠ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٨.

(٥) الوسائل ٩ : ٣٠٦ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٢ ح ١.

٢٠٥

نعم ، لو طلبها الفقيه (١) على وجه الإيجاب بأن يكون هناك ما يقتضي وجوب صرفها في مصرفٍ بحسب الخصوصيّات الموجبة لذلك شرعاً وكان مقلّداً له ، يجب عليه الدفع إليه من حيث إنّه تكليفه الشرعي لا لمجرّد طلبه وإن كان أحوط كما ذكرنا ، بخلاف ما إذا طلبها الإمام (عليه السلام) في زمان الحضور فإنّه يجب الدفع إليه بمجرد طلبه من حيث وجوب طاعته في كل ما يأمر.

______________________________________________________

وملخّص الكلام : أنّ الناظر في نصوص المقام الواردة في الأبواب المتفرّقة يكاد يقطع بأنّ ثبوت الولاية للمالك وعدم الحاجة إلى المراجعة من الأُمور المسلّمة عند الصحابة بحيث لا يعتريها أيّة مرية ، فإذا كان الأمر كذلك في عصر الحضور مع وجود الإمام الأصل فما ظنّك بعصر الغيبة ، فلا يجب النقل لا إلى الإمام ولا إلى نائبه العامّ ما لم يطلب ، أمّا مع الطلب فهو أمر آخر ستعرفه.

نعم ، لا ريب أنّه أحوط ، خروجاً عن شبهة الخلاف ، بل ولعلّه أفضل ، لفتوى جمع من الأصحاب بالاستحباب ، بناءً على قاعدة التسامح وشمولها لفتوى الفقيه وإن كان فيه ما فيه. وأبصريّة الفقيه لو صلحت سنداً للأفضليّة غير مطّردة ، إذ قد يكون المالك هو الأبصر بالواقع كما هو ظاهر.

(١) لا يخفى أنّ طلب الفقيه للزكاة على أنحاء :

فتارةً : يطلبها من أجل أنّ ذلك هو مقتضى رأيه وفتواه ، حيث يرى أنّ الولاية عليها له لا للمالك ، ولا شكّ في وجوب النقل إليه حينئذٍ على مقلّديه ، إذ التوزيع بلا استئذان منه لا يكون مبرئاً للذمّة ، بل هو إتلافٌ للمال وموجبٌ للضمان ، وعليه الأداء ثانياً ، لعدم حصول الامتثال.

وأُخرى : أن لا يكون ذلك فتواه ابتداءً فيعتقد ثبوت الولاية للمالك ولا يرى وجوب النقل من حيث هو ، ولكنّه من أجل بعض الخصوصيّات والمناسبات

٢٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الطارئة والعناوين الثانويّة يرى الوجوب ، كما لو هاجم الكفّار فطلبها لصرفها بتمامها في المؤلّفة حفظاً لبلاد الإسلام عن استيلائهم ، أو كان العام عام مجاعة فطلبها لحفظ المسلمين عن الهلكة ، إلى غير ذلك من الأسباب الباعثة لطلب الزكاة وصرفها في جهة خاصّة ، فحينئذٍ لا مناص من صرفها في تلك الجهة دون غيرها من المصارف الثمانية ، لكنّه لا يجب النقل إليه ، بل لو تصدّى المالك بنفسه للصرف في تلك الجهة نفسها كفى ، ولو سلّم فغايته الإثم لو خالف لا أن يكون العمل باطلاً وغير مبرئ للذمّة ، إذ المفروض أنّ الوجوب عرضي نشأ من داعٍ آخر مع بقاء ولاية المالك على حالها ، فلو باشر بنفسه فقد أدّى الواجب وإن عصى أمر الفقيه.

وثالثة : أنّه لا يرى وجوب النقل إليه لا بالعنوان الأوّلي ولا الثانوي ، إلّا أنّه يطلبها لأن يكون هو المباشر للتوزيع لأسبابٍ دعته إليه بمقتضى ظروفه الخاصّة ، والظاهر عدم وجوب الدفع إليه حينئذٍ ، لعدم الدليل على وجوب إطاعة الفقيه فيما عدا ما يرجع إلى حكمه أو فتواه ، فإنّ الثابت إنّما هو نفوذ حكمه وحجّيّة فتواه ، ولا يجب اتّباعه في غير ذينك الموردين (١).

نعم ، يتعيّن ذلك لو كان الطالب هو الإمام المعصوم (عليه السلام) في زمان الحضور ، لوجوب إطاعته في كافّة أوامره ونواهيه ، لأجل اقتران طاعته بطاعة الله ورسوله ، قال تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٢) ، وهو أمر آخر خارج عن محلّ البحث ، إذ الكلام في طلب الفقيه دون الإمام (عليه السلام).

__________________

(١) ذكر (دام ظلّه) في مسألة ١١٦٤ من زكاة المنهاج وجوب الدفع إليه على مقلّديه وغيرهم إذا كان الطلب على نحو الحكم دون الفتوى ، ويمكن النقاش فيه بعدم انسجامه مع ما يرتئيه (دام ظلّه) من عدم نفوذ الحكم ، فليتأمّل.

(٢) النِّساء ٤ : ٥٩.

٢٠٧

[٢٧٥٥] الثانية : لا يجب البسط على الأصناف الثمانية ، بل يجوز التخصيص ببعضها (١) ، كما لا يجب في كلّ صنف البسط على أفراده إن تعدّدت ، ولا مراعاة أقلّ الجمع الذي هو الثلاثة ، بل يجوز تخصيصها بشخص واحد من صنف واحد.

______________________________________________________

(١) لا خلاف بيننا في عدم وجوب البسط على الأصناف الثمانية ولا على أفراد الصنف الواحد ، بل يجوز دفعها بتمامها للفقير الواحد دون سائر الفقراء ودون سائر الأصناف. وعن التذكرة : أنّه مذهب علمائنا أجمع (١) ، وفي الجواهر دعوى الإجماع عليه بقسميه (٢).

ولكن العامّة أوجبوا البسط على الأصناف ، بل على أفراد الصنف الواحد ، أي على أقلّ الجمع وهو الثلاثة. ولا دليل لهم إلّا ما ذكروه من أنّ اللام في الآية المباركة (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) إلخ ، للملك ، وعطف بعض الأصناف على بعض بالواو يستوجب الاشتراك في الحكم ، ومعه لا بدّ من إيصالها إلى جميعهم ، فإنّ ذلك هو مقتضى ملكيّتها لتمام الأصناف الثمانية.

وهذا كما ترى واضح الدفع.

أمّا أوّلاً : فلأنّ اللام لم يدخل على الجميع ، بل من الرقاب وما بعده تبدّل بـ «في» ، فهذا التغيير في الأُسلوب مع مراعاة العطف يكشف عن أنّ القدر المشترك بين الكلّ إنّما هو الصرف دون التمليك ، لامتناع فرضه في الرقاب وفي سهم سبيل الله كما لا يخفى.

ولعلّ ذكر اللام فيما سبقها للإيعاز إلى جواز التمليك فيها كما يجوز الصرف

__________________

(١) التذكرة ٥ : ٣٣٦.

(٢) الجواهر ١٥ : ٤٢٨.

٢٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أيضاً على ما تقدّم.

وثانياً : إنّ اللام حتّى لو كانت داخلة على جميع الأصناف لم يكن بدّ من صرفها عن ظاهرها ، بداهة أنّ الجمع المحلّى باللام يقيد العموم والاستغراق ، ولازمه التوزيع على جميع الأفراد من كلّ صنف ، ولا أقلّ من أصناف البلد ، ولم يقل به أحد. إذن فيدور الأمر بين أن يراد الطبيعي من كلّ صنف ليكون المالك هو طبيعي الفقير والمسكين وهكذا ، أو يقال : بأنّها لبيان المصرف دون الملك ، وليس التصرّف الأوّل أولى من الثاني.

وثالثاً : مع الغضّ عن كلّ ذلك لم يكن بدّ من رفع اليد عن الظهور في الملك ، لما تقدّم من أنّ أوّل زكاةٍ وجبت إنّما هي زكاة الفطرة ، ومن الواضح امتناع توزيعها على جميع الأصناف ، فإنّها قليلة جدّاً ولا سيّما ممّن لم تكن له عائلة ، فكيف يمكن صرفها على تمام الأصناف الثمانية فضلاً عن أفرادها الواسعة؟! ودعوى أنّ ذلك لا ينافي البسط على نحو مقابلة الجمع بالجمع فيعطي زيد زكاته للفقير وعمرو للغارم وبكر للمؤلّفة وهكذا.

كما ترى ، فإنّها عارية عن كلّ شاهد كما لا يخفى.

بل أنّ الحال كذلك في زكاة المال أيضاً ، فإنّ الأثرياء القادرين على البسط على تمام الأصناف وإن كانوا موجودين إلّا أنّ أكثر الناس وعامّتهم ليسوا كذلك. إذن فكيف يمكن مراعاة البسط التامّ ممّن لا يملك إلّا أربعين شاة أو مائتي درهماً أو عشرين دينارا.

والمتحصّل : أنّ القول بلزوم البسط على تمام الأصناف لعلّه مقطوع البطلان ، بل مقتضى إطلاقات الأدلّة ولا سيّما إطلاق عدّة من الروايات الناطقة بأنّه يضعها حيث يشاء جواز دفع الجميع لصنفٍ واحد ، بل لفقير واحد.

هذا ، ويمكن الاستدلال لعدم وجوب البسط بطوائف من الأخبار :

٢٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الأُولى : ما ورد في جواز شراء العبيد من الزكاة ، كصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة والستمائة ، يشترى بها نسمة ويعتقها؟ «فقال : إذن يظلم قوماً آخرين حقوقهم ثمّ مكث مليّاً ثمّ قال : إلّا أن يكون عبداً مسلماً في ضرورة فيشتريه ويعتقه» (١) ، ونحوها غيرها.

فإنّها ظاهرة في جواز شراء العبد بتمام ما عنده من الزكاة ، فلو كان البسط لازماً كيف ساغ صرف تمام الزكاة في صنفٍ واحد وهم الرقاب؟! الثانية : ما ورد في جواز أداء الدين منها ، ففي صحيحة زرارة : ... أيؤِّدي زكاته في دين أبيه؟ إلى أن قال : «لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دين أبيه» إلخ (٢).

فإنّ ظاهرها ولو بمقتضى الإطلاق جواز صرف جميع ما عنده في أداء الدين المنافي لوجوب البسط.

الثالثة : ما ورد في صرف زكاة أهل البوادي فيهم ، وكذا زكاة أهل الحضر ، ففي صحيحة الهاشمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقسّم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر» (٣).

فإنّ من الواضح عدم وجود تمام الأصناف الثمانية في أهل البادية ، فكيف يستقيم ذلك مع البسط؟! ونحوها ما ورد من أنّه (صلّى الله عليه وآله) كان يقسّم الزكاة بين الحاضرين لديه عند القسمة من غير أن يبقي للغائبين سهما (٤).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٩١ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٣ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٥٠ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٨ ح ١.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٨٤ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٨ ح ٢.

(٤) الوسائل ٩ : ٢٦٥ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٨ ح ١ و ٣.

٢١٠

لكن يستحبّ البسط على الأصناف (١) مع سعتها ووجودهم ، بل يستحبّ مراعاة الجماعة التي أقلّها ثلاثة في كلّ صنف منهم حتّى ابن السبيل وسبيل الله ، لكن هذا مع عدم مزاحمة جهة أُخرى مقتضية للتخصيص.

______________________________________________________

الرابعة : ما ورد من جواز صرفها بتمامها في أهل القرابة ، ففي معتبرة أحمد ابن حمزة قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : رجل من مواليك له قرابة كلّهم يقول بك وله زكاة ، أيجوز له أن يعطيهم جميع زكاته؟ «قال : نعم» (١).

وهذه كما ترى أصرح رواية تدلّ على المطلوب من روايات الباب ، كما أنّ السند معتبر ، فإنّ المراد ب : أحمد بن حمزة ، هو القمّي الثقة الذي هو من أصحاب الهادي (عليه السلام). ومنه تعرف أنّ المروي عنه هو أبو الحسن الثالث (عليه السلام).

الخامسة : الروايات الناطقة بجواز نقل الزكاة إلى بلد آخر فيما إذا لم يوجد في بلده من أهل الولاية ، حيث إنّ ظاهرها أنّ النقل لأجل الصرف بتمامها في فقراء المؤمنين من تلك البلدة.

إلى غير ذلك من الروايات التي تكاد تورث القطع بعدم وجوب البسط.

وقد عرفت أنّ المسألة ممّا لا خلاف فيها منّا ، بل لا ينبغي الخلاف فيها ، وإنّما الخلاف من أهل الخلاف لشبهةٍ واهية لا يعبأ بها قد عرفت اندفاعها بحذافيرها.

(١) علّله في الحدائق (٢) بعد الاعتراف بعدم النصّ بوجهٍ اعتباري سبقه إليه صاحب المدارك (٣) ، وهو شمول النفع وعموم الفائدة ، مضافاً إلى أنّه أقرب إلى

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٤٥ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٥ ح ١.

(٢) الحدائق ١٢ : ٢٢٦.

(٣) المدارك ٥ : ٢٦٥.

٢١١

[٢٧٥٦] الثالثة : يستحبّ تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب بمقدار فضله (٢)

______________________________________________________

امتثال ظاهر الآية ، وعلّله العلّامة في التذكرة والمنتهى بأنّ فيه خروجاً عن شبهة الخلاف التي ينبغي مراعاتها (١).

والكلّ كما ترى :

أمّا الأوّل : فلدوران الأمر بين قلّة النفع وكثرة المنتفع وبين عكسه ، أو فقل : بين الزيادة في الكمّ والقلّة في الكيف وبين عكسه ، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر.

وأمّا الثاني : فلعدم صلوح الأقربيّة لإثبات الاستحباب كما لا يخفى.

وأمّا الثالث : فلما عرفت من عدم الخلاف بين أهل الحقّ ليستحقّ المراعاة ، وخلاف المخالفين لا يستحقّها لو لم يستحقّ عدمها كما لا يخفى.

والأولى الاستدلال بصحيحة زرارة ولعلّ صاحب الحدائق غفل عنها قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : وإن كان بالمصر غير واحد؟ «قال : فأعطهم إن قدرت جميعاً» الحديث (٢).

فإنّها تصلح لإثبات الاستحباب في الجملة ، وهو السبط على جميع فقراء البلد بالقدر الممكن ، لا على تمام الأصناف الثمانية ، ولا على ثلاثة من كلّ طائفة. إذن فلا بأس بالالتزام باستحباب البسط بهذا المعنى ، لصحّة الرواية وقوّة الدلالة.

(٢) لما رواه المشايخ الثلاثة بإسنادهم عن عبد الله بن عجلان السكوني ، قال :

__________________

(١) التذكرة ٥ : ٣٣٨ ، المنتهي ١ : ٥٢٨ (حجري).

(٢) الوسائل ٩ : ٢٦٧ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٨ ح ٤.

٢١٢

كما أنّه يستحبّ ترجيح الأقارب (١) وتفضيلهم على الأجانب ، وأهل الفقه والعقل على غيرهم (٢) ،

______________________________________________________

قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : إنّي ربّما قسّمت الشي‌ء بين أصحابي أصِلهم به ، فكيف أُعطيهم؟ «قال : أعطهم على الهجرة في الدين والفقه والعقل» (١).

فالدلالة واضحة ، كما أنّ الرواية حسنة بابن عجلان ، حيث مدحه الكشّي (٢) وإن لم يوثّق ، وأمّا الراوي عنه فهو وإن تردّد اسمه بين «عيينة» و «عتيبة» و «عتبة» حسب اختلاف النسخ ، إلّا أنّه أيّاً من كان فهو رجل واحد وثّقه النجاشي (٣).

نعم ، هي ضعيفة في سائر الطرق ، لكنّها حسنة في طريق الشيخ حسبما عرفت.

(١) ففي معتبرة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال : قلت له : لي قرابة أنفق على بعضهم وأُفضّل بعضهم على بعض فيأتيني إبّان الزكاة ، أفأُعطيهم منها؟ «قال : مستحقّون لها؟» قلت : نعم «قال : هم أفضل من غيرهم ، أعطهم» الحديث (٤).

وقد تقدّم البحث حول السند (٥) وعرفت أنّ الراوي عن إسحاق هو عبد الملك ابن عتبة لا عبد الله بن عتبة ، وهو ثقة.

(٢) لمعتبرة عبد الله بن عجلان المتقدّمة.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٦٢ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٥ ح ٢ ، الكافي ٣ : ٥٤٩ / ١ ، الفقيه ٢ : ١٨ / ٥٩ ، التهذيب ٤ : ١٠١ / ٢٨٥.

(٢) رجال الكشي : ٢٤٤ / ٤٤٣ و ٤٤٤.

(٣) رجال النجاشي : ٣٠٢ / ٨٢٥.

(٤) الوسائل ٩ : ٢٤٥ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٥ ح ٢.

(٥) لاحظ ص ١٥٧ ١٥٨.

٢١٣

ومَن لا يسأل من الفقراء على أهل السؤال (١) ، ويستحبّ صرف صدقة المواشي إلى أهل التجمّل (٢) من الفقراء. لكن هذه جهات موجبة للترجيح في حدّ نفسها وقد يعارضها أو يزاحمها مرجّحات أُخر ، فينبغي حينئذٍ ملاحظة الأهمّ والأرجح.

[٢٧٥٧] الرابعة : الإجهار بدفع الزكاة أفضل من الإسرار به ، بخلاف الصدقات المندوبة ، فإنّ الأفضل فيها الإعطاء سرّاً (٣).

______________________________________________________

(١) لما في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج : «... نعم ، يفضّل الذي لا يسأل على الذي يسأل» (١).

(٢) لرواية عبد الله بن سنان ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «إنّ صدقة الخفّ والظلف تدفع إلى المتجمّلين من المسلمين ، وأمّا صدقة الذهب والفضّة وما كيل بالقفيز ممّا أخرجت الأرض فللفقراء المدقعين» إلخ (٢).

ولكنها ضعيفة السند ب : محمّد بن سليمان ، الذي هو الديلمي الضعيف ، لأنّه المعروف ، فينصرف اللفظ إليه عند الإطلاق ، مضافاً إلى أنّ البرقي رواها عن أبيه عن ابن الديلمي كما صرّح به في المحاسن (٣).

(٣) ففي رواية أبي بصير يعني : ليث بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) إلى أن قال : «وكلّما فرض الله عليك فإعلانه أفضل من إسراره ، وكلّما كان تطوّعاً فإسراره أفضل من إعلانه» إلخ (٤).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٦١ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٦٣ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٦ ح ١.

(٣) المحاسن ٢ : ١٣ / ١٠٨٤.

(٤) الوسائل ٩ : ٣٠٩ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٤ ح ١.

٢١٤

[٢٧٥٨] الخامسة : إذا قال المالك : أخرجت زكاة مالي ، أو : لم يتعلّق بمالي شي‌ء ، قبل قوله بلا بيّنة ولا يمين (١) ما لم يعلم كذبه ، ومع التهمة لا بأس بالتفحّص والتفتيش عنه.

______________________________________________________

وقد عُبِّر عنها بالحسنة ، وليست كذلك ، فإنّ عبد الله بن يحيى الراوي عن ابن مسكان والذي يروي عنه أحمد بن محمّد بن خالد البرقي مجهول.

وما احتمله الميرزا في الوسيط وأقرّه الأردبيلي من أنّ المراد به الكاهلي المعتبر (١) ، ساقطٌ جدّاً ، فإنّ الكاهلي من أصحاب الصادق (عليه السلام) ، فكيف يمكن أن يروي عنه البرقي بلا واسطة وهو من أصحاب الرضا (عليه السلام)؟! هذا أوّلاً.

وثانياً : إنّ الشيخ في الفهرست عنون كلّاً من عبد الله بن يحيى والكاهلي مستقلا وذكر أنّ الراوي لكتاب الأوّل هو البرقي ، ولكتاب الثاني هو البزنطي ، وذكر طريقه إلى كلّ منهما مغايراً للآخر (٢) ، فكيف يحتمل الاتّحاد مع هذه الحالة؟! بل هو شخص آخر جزماً ، وهو مجهول كما عرفت. ومع التنازل فغايته الاحتمال ، ولا أثر له ما لم يبلغ حدّ الوثوق والاطمئنان ، وعهدته على مدّعيه.

والأولى الاستدلال بموثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (٣) «فقال : هي سوى الزكاة ، إنّ الزكاة علانيّة غير سرّ» (٤).

(١) أمّا في الفرض الثاني فواضح ، لمطابقة قوله مع أصالة عدم تعلّق الزكاة

__________________

(١) تلخيص المقال (الوسيط) : ٣٠٠ (حجري) ، جامع الرواة ١ : ٥١٧.

(٢) الفهرست : ١٠٢ / ٤٤١ و ١٠٥ / ٤٦١.

(٣) البقرة ٢ : ٢٧١.

(٤) الوسائل ٩ : ٣١٠ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٤ ح ٢.

٢١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أو أصالة عدم بلوغ ماله حدّ النصاب أو عدم استجماع الشرائط ، فهذا ممّا لا إشكال فيه ، ويستفاد من بعض الأخبار أيضاً كما ستعرف.

وأمّا في الفرض الأوّل فهو أيضاً ممّا لا ينبغي الإشكال فيه ، بناءً على ما عرفت من ثبوت الولاية للمالك على الزكاة وعدم وجوب نقلها إلى الفقيه ، فإنّ من المعلوم سماع دعوى الولي فيما له الولاية عليه كدعوى الوكيل ، بل هو أولى منه كما لا يخفى. فحال الزكاة التي هي عبادة ماليّة حال سائر العبادات من الصلاة والصيام ونحوهما ، فكما تُسمع دعواه في أدائها فكذا تقبل دعواه في أداء الزكاة بمناطٍ واحد. وعلى ذلك جرت السيرة القطعيّة العمليّة المتّصلة بزمن المعصومين (عليهم السلام) ، حيث يعامل المتشرّعة مع المال الذي تعلّقت به الزكاة وقد ادّعى المالك إخراجها معاملة المال الحلال كلّه من غير تحقيق وتفتيش.

فالحكم إذن في كلا الفرضين مطابق لمقتضى القاعدة من غير حاجة إلى بيّنة أو يمين ، بلا خلافٍ في ذلك.

بيد أنّه نقل في الجواهر عن الشهيد مطالبة المالك باليمين فيما لو ادّعى أنّ الظالم أتلف العين الزكويّة (١).

ولم يعرف له وجه ، عدا دعوى أنّ التلف مخالف للأصل فيحتاج إلى الإثبات ولو باليمين ، لكنّ مقتضاه عدم سماع دعواه في الإخراج ، إذ هو أيضاً مخالف للأصل ولا يظنّ أن يلتزم به.

وبالجملة : بعد البناء على ثبوت الولاية للمالك المعتضد بالسيرة العمليّة كما سمعت لا بدّ من قبول دعواه مطلقاً بلا حاجة إلى ضمّ بيّنة ونحوها ، على أنّه قد يعسر إقامتها على أداء الزكاة ، كما إذا احتسب الدين منها.

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ١٥٤.

٢١٦

[٢٧٥٩] السادسة : يجوز عزل الزكاة وتعيينها في مال مخصوص (١) وإن كان من غير الجنس (*)

______________________________________________________

مضافاً إلى دلالة النصّ عليه ، ففي صحيحة بريد بن معاوية «... ثمّ قل لهم : يا عباد الله ، أرسلني إليكم ولي الله لآخذ منكم حقّ الله في أموالكم ، فهل لله في أموالكم من حقّ فتؤدّوه إلى وليّه؟ فإن قال لك قائل : لا ، فلا تراجعه» إلخ (١).

فإنّ الجواب بالنفي عن السؤال : هل لله في مالك من حقّ ، مرجعه إلى قوله : لاحق لله في مالي ، وهو مطلق يشمل عدم التعلّق من الأوّل ، أو الإخراج بعد التعلّق ، فالمنفي هو الحقّ الفعلي الشامل لهما ، ومقتضى الإطلاق تصديق المالك في كلتا الصورتين.

ونحوها موثّقة غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه (عليها السلام) «قال : كان علي صلوات الله عليه إذا بعث مصدّقه قال له : إذا أتيت على ربّ المال فقل : تصدّق رحمك الله ممّا أعطاك الله ، فإن ولّى عنك فلا تراجعه» (٢).

والتقريب : ما عرفت بعد ظهور قوله : «فإن ولّى» في الجواب بالنفي.

وبالجملة : فهاتان الروايتان تدلّان على لزوم تصديق المالك على الإطلاق ، سواء ادّعى عدم التعلّق أو الإخراج أو التلف بآفة سماويّة أو بظلم ظالم ونحو ذلك حسبما عرفت.

(١) قد تقدّم الكلام حول هذه المسألة في المسألة الرابعة والثلاثين من فصل زكاة الغلّات بنطاق واسع وبيان مشبع ، فراجع ولا نعيد.

__________________

(*) في غير النقدين إشكال.

(١) الوسائل ٩ : ١٢٩ / أبواب زكاة الأنعام ب ١٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ١٣٢ / أبواب زكاة الأنعام ب ١٤ ح ٥.

٢١٧

الذي تعلّقت به (١) ، من غير فرق بين وجود المستحقّ وعدمه على الأصحّ وإن كان الأحوط الاقتصار على الصورة الثانية. وحينئذٍ فتكون في يده أمانة لا يضمنها إلّا بالتعدّي أو التفريط (٢).

______________________________________________________

(١) شريطة أن يكون من النقود ، وأمّا من جنس آخر ففيه إشكال ، لقصور الدليل على الولاية على التبديل بغير النقدين ، وفقد إطلاقٍ يشمله كما تقدّم في محلّه.

(٢) تعرّض (قدس سره) لحكم ضمان المعزول في مواضع ثلاثة : أحدها في المسألة الرابعة والثلاثين ، من فصل زكاة الغلّات ، ثانيها في أوائل الفصل الآتي وثالثها في المقام. وذكر في الموضعين الأوّلين أنّ من موجباته التأخير مع وجود المستحقّ وأهمله في المقام ، وهذا إمّا سهو من قلمه الشريف أو إيكالٌ لما تقدّم ويأتي ، أو أن يراد من التفريط ما يشمله.

وكيفما كان ، فيقع الكلام في ضمان المعزول تارةً فيما إذا نقله إلى بلد آخر فعرضه التلف ، وأُخرى من دون النقل.

أمّا الأوّل : فسيأتي البحث حوله عند تعرّض الماتن له في المسألة العاشرة ، وستعرف أنّ النقل وإن كان جائزاً إلّا أنّه يضمن مع وجود المستحقّ في البلد دون ما إذا لم يوجد.

وأمّا الثاني : بأن عزل وأخّر في الدفع مع وجود المستحقّ إلى أن تلف ، فإن عدّ التأخير تسامحاً وتفريطاً فلا شبهة في الضمان كما هو واضح. وأمّا إذا لم يكن كذلك بأن كان له غرض عقلائي في التأخير كانتظار قدوم أحد أقاربه المستحقّين من السفر ، أو شراء محلّ معروض للبيع لبناء مسجد أو حسينيّة ، ونحو ذلك من الدواعي العقلائيّة الراجحة فمقتضى القاعدة حينئذٍ عدم الضمان ، إذ بعد أن كان العزل جائزاً والتأخير سائغاً لوجود مرجّح شرعي فلا جرم يكون

٢١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المعزول أمانة شرعيّة عنده فلا يضمن التلف.

وتعضدها صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) : «قال : إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمّ سمّاها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي‌ء عليه» (١).

ونحوها صحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال : «إذا أخرجها من ماله فذهبت ولم يسمّها لأحد فقد برئ منها» (٢).

وهما صريحتان في المطلوب ، بيد أنّهما ربّما تعارضان بصحيحتين أُخريين :

إحداهما : صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت ، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ «فقال : إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتّى يدفعها ، وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان ، لأنّها قد خرجت من يده ، وكذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامناً لما دُفع إليه إذا وجد ربّه الذي أمر بدفعه إليه ، فإن لم يجد فليس عليه ضمان» (٣).

ولذلك جعلت في الجواهر وغيره مقيّدة للصحيحتين ، فحملتا على صورة عدم وجود المستحقّ ، أمّا مع وجوده فيضمن ، لصراحة هذه فيه (٤).

وفيه : أنّ مورد هذه الصحيحة هو بعث الزكاة ، وظاهره النقل إلى بلد آخر ، وهو بحث آخر أجنبي عن محلّ الكلام كما عرفت ، ولا مانع من الالتزام ثمّة بالتفصيل المزبور. إذن فإطلاق الصحيحتين النافيتين للضمان من غير فرق بين

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٨٦ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٣.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٨٦ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٤.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٨٥ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ١.

(٤) الجواهر ١٥ : ٤٣٢.

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وجود المستحقّ وعدمه باقٍ على حاله ، لعدم صلوح هذه الصحيحة لتقييده كما توهّم.

ثانيتهما : صحيحة زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت «فقال : ليس على الرسول ولا على المؤدّي ضمان» قلت : فإنّه لم يجد لها أهلاً ففسدت وتغيّرت ، أيضمنها؟ «قال : لا ، ولكن إن (إذا) عرف لها أهلاً فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتّى يخرجها» (١) ، فجعلوها أيضاً مقيّدة للصحيحتين كما ذكره.

وفيه مضافاً إلى ما عرفت ـ : أنّها غير مرتبطة بما نحن فيه ، إذ المفروض فيها أنّ التلف كان عند الأخ المبعوث إليه الزكاة لا عند المالك نفسه الذي هو محلّ الكلام.

نعم ، صدرها ناظر إلى التلف أثناء الطريق ، وقد دلّت على أنّه لا ضمان حينئذٍ لا على الرسول ولا على المؤدّي. وهذا ينبغي تقييده كسائر المطلقات بما إذا لم يكن في البلد مستحقّ ، لصحيحة ابن مسلم المتقدّمة وغيرها ممّا تضمّن هذا التفصيل.

وأمّا ذيلها فهو وإن تضمّن التفصيل المزبور لكن المفروض أنّ التلف حينئذٍ كان عند الأخ المبعوث إليه كما عرفت ، والتفصيل عندئذٍ في محلّه ، إذ هو وكيل في الإيصال إلى المستحقّ ، فالتأخير مع وجوده وإمكان الإيصال إليه ، إلى أن عرضه التلف تفريط موجب للضمان ، كما هو الحال في الوصي على ما نطقت به صحيحة ابن مسلم المتقدّمة.

والمتحصّل : أنّ الصحيحتين لا مقيّد لإطلاقهما ، بل في صحيحة ابن سنان جواز التأخير ثلاثة أشهر من غير ضمان ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٨٦ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٩ ح ٢.

٢٢٠