موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢٦٩٩] مسألة ١ : لو كان له رأس مال لا يقوم ربحه بمئونته لكن عينه تكفيه لا يجب عليه صرفها (١) في مئونته ، بل يجوز له إبقاؤه للاتّجار به وأخذ البقيّة من الزكاة ، وكذا لو كان صاحب صنعة تقوم آلاتها أو صاحب ضيعة تقوم قيمتها بمئونته ولكن لا يكفيه الحاصل منهما لا يجب عليه بيعها وصرف العوض في المئونة ، بل يبقيها ويأخذ من الزكاة بقيّة المئونة.

[٢٧٠٠] مسألة ٢ : يجوز أن يعطى الفقير أزيد (*) من مقدار مئونة سنته دفعةً ، فلا يلزم الاقتصار على مقدار مئونة سنة واحدة (٢).

______________________________________________________

وكيفما كان ، سواء أصدر ذلك عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أم لم يصدر فيكفينا حكم الصادق (عليه السلام) بعدم الحلّ وأمره بالتنزّه عنها في صحيحة زرارة المتقدّمة (١) ، وكفى به مدركاً للمنع ، فلا ينبغي التأمّل في المسألة فلاحظ.

(١) قد ظهر الحال حول هذه المسألة لدى التعرّض لمصاديق الفقير في الفروض الستّة المتقدّمة ، فلاحظ ولا نعيد.

(٢) بل يجوز دفع مقدار سنتين ، بل سنين ، بل بمقدار يعدّ غنيّاً عرفاً على المشهور المعروف شهرة عظيمة.

وناقش فيه بعضهم فمنع عن الدفع أكثر من سنة واحدة يصير بها غنيّاً شرعاً.

وكيفما كان ، فالمتّبع هو الدليل بعد وضوح عدم نهوض إجماع تعبّدي كاشف

__________________

(*) فيه إشكال ، والاحتياط لا يترك ، وكذا الحال فيما بعده.

(١) الوسائل ٩ : ٢٣١ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٨ ح ٢.

٢١

وكذا في الكاسب الذي لا يفي كسبه بمئونة سنته ، أو صاحب الضيعة التي لا يفي حاصلها ، أو التاجر الذي لا يفي ربح تجارته بمئونة سنته ، لا يلزم الاقتصار على إعطاء التتمّة ، بل يجوز دفع ما يكفيه لسنين ، بل يجوز جعله غنيّاً عرفيّاً وإن كان الأحوط الاقتصار. نعم ، لو أعطاه دفعات لا يجوز بعد أن حصل عنده مئونة السنة أن يعطي شيئاً ولو قليلاً ما دام كذلك.

______________________________________________________

عن رأي المعصوم (عليه السلام) ، وإنّما استند القائلون بالجواز إلى بعض الوجوه الآتية التي هي مدرك الحكم في المسألة ، فلا بدّ من النظر إليها.

وقد استُدلّ له أوّلاً بإطلاقات الأدلّة من الكتاب والسنّة مثل قوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) ، فإنّ الصدقة المدفوعة لم تتقيّد بعدم الزيادة على المئونة.

وفيه ما لا يخفى ، لعدم انعقاد الإطلاق بعد التحديد بالكفاية في جملة من تلك الأدلّة ، التي منها ما ورد من «أنّ الله عزّ وجلّ فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به ، ولو علم أنّ الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم» كما في صحيحة ابن سنان (١) ، أو «ما يسعهم» كما في صحيحة زرارة وابن مسلم (٢) ، أو بتعبير آخر كما في غيرهما.

وقد تقدّم غير مرّة أنّ مقدار الكفاية ظاهر عرفاً في مئونة السنة ، ومع هذه التحديدات الواردة في غير واحد من الروايات كيف يمكن دعوى الإطلاق؟! فالمقتضي للتوسعة قاصر في حدّ نفسه.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٠ / أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١ ح ٢.

(٢) الوسائل ٩ : ١٠ / أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١ ح ٣.

٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

على أنّ ذلك منافٍ لحكمة التشريع ، فإنّ الزكاة إنّما شرّعت لعلاج مشكلة الفقر ودفعه عن المجتمع كما أُشير إليه في النصوص المزبورة ، ومن البيّن أنّ دفع زكوات البلد التي ربّما تبلغ الأُلوف أو الملايين لفقير واحد ولو دفعة واحدة وجعله من أكبر الأثرياء مع إبقاء سائر الفقراء على حالهم لا يجامع مع تلك الحكمة ، بل يضادّها وينافيها كما لا يخفى.

بل يمكن أن يقال بانعدام موضوع الفقر لدى دفع الزائد ، فلم يكن عنوان الفقير محفوظاً ليشمله الإطلاق على تقدير تسليم انعقاده.

وتوضيحه : أنّ الزكاة موضوعها الفقير ، فلا بدّ من فرض الفقر حال دفع الزكاة. نعم ، الموضوع هو الفقر مع قطع النظر عن الدفع ، فلا مانع من زواله المستند إلى دفع الزكاة إليه كما نطقت به النصوص ، وأمّا زواله مقارناً لدفع الزكاة إليه فهو قادح ، لانعدام الموضوع ، وقد عرفت لزوم فرضه عند الدفع. ومن ثمّ لو أصبح الفقير غنيّاً حال الدفع لعلّة اخرى كما لو فرضنا أنّ والده مات في نفس الآن الذي دفعت إليه الزكاة بالدقّة العقليّة فورث منه مالاً كثيراً في تلك اللحظة بعينها لم يجز له أخذ الزكاة إذا لم يكن فقيراً حال القبض. نعم ، في المرتبة السابقة كان كذلك ، إلّا أنّ الاعتبار بالزمان بأن يُفرض زمان هو فقير فيه ليدفع إليه ، ولم يكن كذلك ، لفرض غناه في نفس الآن الذي دُفعت إليه الزكاة.

والمقام من هذا القبيل ، إذ لو فرضنا أنّ مئونته السنويّة مائة دينار فدفع إليه مائتين دفعة واحدة فقد ارتفع فقره بإحدى المائتين ، ومعه لا مسوّغ لأخذ المائة الأُخرى ، لزوال فقره مقارناً لنفس هذا الآن ، فلم يكن فقيراً عند تسلّمه.

وهذا نظير الملاقاة للنجاسة حال تتميم القليل كرّاً بأن كانت الملاقاة والإتمام في آنٍ واحد بالدقّة العقليّة ، فإنّه لا يحكم حينئذٍ بالانفعال ، إذ المعتبر فيه حدوث

٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الملاقاة في زمان يتّصف فيه الماء بالقلّة ، لكي يصدق أنّ النجس لاقى الماء القليل حتّى يشمله الدليل ، فلا بدّ من فرض القلّة في زمان سابق على الملاقاة وهو منفي في الفرض.

وعلى الجملة : فالتمسّك بإطلاقات الأدلّة ممّا لا موقع له في مثل المقام بتاتاً حسبما عرفت.

واستُدلّ له أي للقول المشهور ثانياً بجملة من الروايات ، كموثّقة إسحاق ابن عمّار عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) ، قال : قلت له : اعطي الرجل من الزكاة ثمانين درهماً؟ «قال : نعم ، وزده» قلت : أُعطيه مائة؟ «قال : نعم وأغنه إن قدرت أن تغنيه» (١).

وصحيحة سعيد بن غزوان عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «قال : تعطيه من الزكاة حتّى تغنيه» (٢).

وصحيحته الأُخرى ، قال : سألته كم يُعطى الرجل الواحد من الزكاة؟ «قال : أعطه من الزكاة حتّى تغنيه» (٣).

وموثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) : أنّه سئل : كم يعطى الرجل من الزكاة؟ «قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : إذا أعطيت فأغنه» (٤).

فإنّ جواز الإعطاء ، لحدّ الإغناء الظاهر في الغنى العرفي كاشف عن عدم التحديد بمئونة السنة الواحدة.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٥٩ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٤ ح ٣.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٥٨ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٤ ح ١.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٥٩ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٤ ح ٥.

(٤) الوسائل ٩ : ٢٥٩ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٤ ح ٤.

٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ويدفعه : أنّ المراد بالغنى ما يقابل الفقر الذي من أجله كان مصرفاً للزكاة ، فبقرينة المقابلة يراد به ما يخرجه من تلك المصرفيّة ، فلا جرم يكون المقصود هو الغني الشرعي المفسّر في سائر الأدلّة بملك مئونة السنة ، دون الغنى العرفي لكي يجوز الإعطاء أضعافاً مضاعفة كما لا يخفى.

فالإنصاف أنّ الروايات المعتبرة قاصرة عن إثبات مقالة المشهور ، ولا عبرة بغير المعتبرة.

بل يمكن أن يستدلّ للقول الآخر بصحيحة أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنّ شيخاً من أصحابنا يقال له : عمر ، سأل عيسى بن أعين وهو محتاج ، فقال له عيسى بن أعين : أما إنّ عندي من الزكاة ولكن لا أُعطيك منها ، فقال له : ولِمَ؟ فقال : لأنّي رأيتك اشتريت لحما وتمراً ، فقال : إنّما ربحت درهماً فاشتريت بدانقين لحما وبدانقين تمراً ثمّ رجعت بدانقين لحاجة ، قال : فوضع أبو عبد الله (عليه السلام) يده على جبهته ساعة ثمّ رفع رأسه ثمّ قال : «إنّ الله نظر في أموال الأغنياء ، ثمّ نظر في الفقراء فجعل في أموال الأغنياء ما يكتفون به ، ولو لم يكفهم لزادهم ، بلى فليعطه ما يأكل ويشرب ويكتسي ويتزوّج ويتصدّق ويحجّ» (١).

حيث اقتصر (عليه السلام) وهو في مقام البيان والتحديد على ما يحتاج إليه نوع الإنسان من مؤن السنة من الأخذ بالحدّ النمط ، وهي المصاريف المشار إليها أخيراً حتّى الحجّ لجواز دفع الزكاة للحجّ بمقتضى النصوص الخاصّة كما سيجي‌ء فلا تلزم المداقّة بحيث يتخيّل أنّ الدرهم المشتمل على ستّة دوانيق مانع عن الأخذ ، ولا تسوّغ التوسعة بدفع الأُلوف المتكاثرة بمثابةٍ يعدّ لدى العرف

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٨٩ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤١ ح ٢.

٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

غنيّاً ثريّاً ، بل المتعيّن هو الحدّ الوسط الذي يتّصف معه بالغنى الشرعي كما عرفت.

ويؤيّده مرسلة عبد الرحمن بن الحجّاج حيث ذكر فيها «... فإنّ الناس إنّما يعطون من السنة إلى السنة ، فللرجل أن يأخذ ما يكفيه ويكفي عياله من السنة إلى السنة» (١).

وهي صريحة الدلالة في المطلوب ، غير أنّها لمكان الإرسال لا تصلح إلّا للتأييد.

بل يمكن الاستدلال أيضاً بجملة أُخرى من النصوص :

منها : صحيحة معاوية بن وهب ، قال (عليه السلام) فيها «... بل ينظر إلى فضلها فيقوّت بها نفسه ومن وسعه ذلك من عياله ، ويأخذ البقيّة من الزكاة» (٢).

فإنّ تخصيص الأخذ بالبقيّة بعد الأمر بصرف الفضل لقوت نفسه ومن وسعه من عياله يكشف عن عدم كونه مرخّصاً في الأخذ إلّا بمقدار الحاجة وما يكون مكمّلاً للمئونة ، لا الأخذ كيفما شاء بالغاً ما بلغ.

ومنها : موثّقة سماعة ، قال (عليه السلام) فيها «... فليعف عنها نفسه وليأخذها لعياله» (٣).

فإنّ تخصيص الأخذ بكونه للعيال بعد الأمر بعفّة النفس دالّ على المطلوب.

ومنها : معتبرة هارون بن حمزة ، قال (عليه السلام) فيها «... فلينظر ما يفضل منها فليأكله هو ومن وسعه ذلك ، وليأخذ لمن لم يسعه من عياله» (٤).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٦٠ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٤ ح ٩.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٣٨ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٢ ح ١.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٣٩ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٢ ح ٢.

(٤) الوسائل ٩ : ٢٣٩ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٢ ح ٤.

٢٦

[٢٧٠١] مسألة ٣ : دار السكنى والخادم وفرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله ولو لعزّة وشرفه لا يمنع من إعطاء الزكاة وأخذها (١) ،

______________________________________________________

حيث خصّ الأخذ بمن لم يسعه من العيال لا مطلقاً.

ومنها : معتبرة الحسين بن علوان ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) «أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : يعطى المستدينون من الصدقة والزكاة دينهم كلّ ما بلغ إذا استدانوا في غير سرف ، فأمّا الفقراء فلا يزاد أحدهم على خمسين درهماً ، ولا يعطى أحد له خمسون درهماً أو عدلها من الذهب» (١).

فإنّها صريحة في عدم جواز الدفع أكثر من خمسين درهماً ، ولعلّه من أجل حصول الكفاية بهذه الكمّيّة في تلك الأزمنة كما يشير إليه ذيل موثّقة سماعة المتقدّمة آنفاً ، حيث ذكر فيها قوله (عليه السلام) : «وأمّا صاحب الخمسين فإنّه يحرم عليه إذا كان وحده».

والمتحصّل من جميع ما قدّمنا : أنّا لم نجد في شي‌ء من النصوص ما يصلح سنداً يعوّل عليه في فتوى المشهور لو لم ينهض على خلافه كما عرفت. وعرفت أيضاً عدم ثبوت الإجماع التعبّدي. إذن فمدّعي الجزم بعدم جواز الدفع زائداً على مقدار المئونة غير مجازف بحسب الصناعة وما يقتضيه النظر في الأدلّة. فهذا القول إن لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط وإن كان على خلاف المشهور.

(١) فإنّ مصرف الصدقة الفقير ، والفقر هو الحاجة ، والاحتياج لا يختصّ بالطعام والشراب ، بل يعمّ كل ما يحتاج إليه الإنسان في معاشه وإدارة شؤون حياته من الملبس والمسكن والمركب والخادم والفراش واللوازم البيتيّة ونحو

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٦١ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٤ ح ١٠.

٢٧

بل ولو كانت متعدّدة مع الحاجة إليها ، وكذا الثياب والألبسة الصيفيّة والشتويّة السفريّة والحضريّة لو كانت للتجمّل ، وأثاث البيت من الفروش والظروف وسائر ما يحتاج إليه ، فلا يجب بيعها في المئونة ، بل لو كان فاقداً لها مع الحاجة جاز أخذ الزكاة لشرائها. وكذا يجوز أخذها لشراء الدار والخادم وفرس الركوب والكتب العلميّة ونحوها مع الحاجة إليها. نعم ، لو كان عنده من المذكورات أو بعضها أزيد من مقدار حاجته بحسب حاله وجب صرفه في المئونة.

______________________________________________________

ذلك ممّا تتوقّف عليه الحضارة والحياة الاجتماعية ، فإنّ ذلك كلّه يعدّ من المؤن المحكومة بالاستثناء ، فلا يلزم بيعها تورّعاً عن أخذ الزكاة ، بل يجوز الأخذ لشرائها لو كان فاقداً لبعضها مع فرض الحاجة ، لعين ما ذكر.

وهذا ممّا لا غبار عليه ولا إشكال ، كما لا خلاف فيه من أحد ، وتشهد له جملة من النصوص ، كموثّقة سماعة ومصحّح ابن أُذينة المصرّح فيهما بجواز دفع الزكاة لمن له دار وخادم المؤيّدتين برواية ابن عبد العزيز المتقدّمة (١) ونحوها غيرها.

ثمّ إنّه (قدس سره) تعرّض في هذه المسألة لفرعين :

أحدهما : ما أشار إليه بقوله (قدس سره) بل إذا كانت ... إلخ.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٣٥ و ٢٣٦ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٩ ح ١ ، ٢ ، ٣.

٢٨

بل إذا كانت عنده دار تزيد عن حاجته (١) وأمكنه بيع المقدار الزائد عن حاجته وجب بيعه. بل لو كانت له دار تندفع حاجته بأقلّ منها قيمةً ، فالأحوط بيعها وشراء الأدون (٢). وكذا في العبد والجارية والفرس.

______________________________________________________

(١) كما لو كانت واسعة تشتمل على عشر غرف وهو يكتفي بثلاث غرف مثلاً فيبقى سبعة منها فارغة وهو مستغني عنها. ولا ينبغي التأمّل في عدم جواز أخذ الزكاة حينئذٍ ، لوجود الزائد على مقدار المئونة ، الموجب لصيرورته غنيّاً شرعيّا.

ومن البديهي أنّ الدار المستثناة في مثل موثّقة سماعة المتقدّمة منصرفة عن مثل ذلك كما هو ظاهر. إذن فيلزمه بيع الزائد أو إيجاره وصرف غلّته في مئونته.

الثاني : ما أشار إليه بقوله (قدس سره) : بل لو كانت ... إلخ.

(٢) بأن كانت سعة الدار ومرافقها بمقدار حاجته من غير زيادة فاشتملت على ثلاث غرف مثلاً وهو يحتاج إليها ، إلّا أنّ حسّاسيّة المنطقة أوجبت غلاء القيمة ، لوقوعها على رأس الشارع مثلاً أو جنب الصحن الشريف ، ويمكنه السكون في مشابه الدار في منطقة اخرى أرخص منها.

فالفرق بين الفرعين بالكمّ والكيف ، ففي الأوّل : كمّيّة الدار زائدة على مقدار الحاجة ، وفي الثاني : كيفيّتها الناشئة من غلاء القيمة. وقد فرّق الماتن (قدس سره) بينهما في الحكم فأفتى بوجوب بيع الزائد في الأوّل ، واحتاط في الثاني ، وهو في محلّه ، بل كان ينبغي الجزم بالعدم ، لإطلاق موثقة سماعة المتقدّمة ، وعدم جريان الانصراف المزبور في المقام.

٢٩

[٢٧٠٢] مسألة ٤ : إذا كان يقدر على التكسّب ولكن ينافي شأنه ، كما لو كان قادراً على الاحتطاب والاحتشاش غير اللائقين بحاله ، يجوز له أخذ الزكاة (١) ، وكذا إذا كان عسراً ومشقّة من جهة كبر أو مرض أو ضعف فلا يجب عليه التكسّب حينئذ.

______________________________________________________

نعم ، لو كانت موقعيّة الدار زائدة على مقدار شأنه ، كما لو كانت على جنبه دائرة من الدوائر الحكوميّة أو في منطقة الأعيان والأشراف ، وهو رجل عادي فالغلاء المستند إلى هذه العلّة يعدّ زائداً على المئونة.

وأمّا لو كانت الموقعيّة معادلة لشأنه ولائقة بزيّه فتناسبه السكون وهو من رجال الدين مثلاً جنب الصحن العلوي الشريف أو على رأس الشارع ، كما تناسبه في منطقة أبعد منهما ، فلا نرى موجباً لتبديلها بأرخص منها ، بل مقتضى إطلاق الموثّق المزبور وغيره استثناء دار الحاجة ، سواء وجد الأرخص وأمكن التبديل أم لا.

فالفرق بين الفرعين ظاهرٌ موضوعاً وحكماً ، فتدبّر جيّدا.

(١) فإنّ المتمكّن من الاكتساب وإن لم يجز له أخذ الزكاة للنصوص الدالّة على عدم إعطائها لمن هو ذو مرّة سوي كما تقدّم عند التعرّض لمصاديق الفقير (١) إلّا أنّ تلك الأدلّة منصرفة عن مثل المقام ممّا كانت نوعيّة الاكتساب غير لائقة بشأنه ومقامه مثل الاحتطاب أو الكنس في الطرقات ونحو ذلك ممّا يتضمّن الذلّ والمهانة مع كونه من أهل العزّ والكرامة ، فلا يصدق على مثله عنوان ذي مرّة سوي ، فالمقتضي قاصر في حدّ نفسه.

__________________

(١) في ص ١٧ ١٩.

٣٠

[٢٧٠٣] مسألة ٥ : إذا كان صاحب حرفة أو صنعة ولكن لا يمكنه الاشتغال بها من جهة فقد الآلات أو عدم الطالب ، جاز له أخذ الزكاة (١).

[٢٧٠٤] مسألة ٦ : إذا لم يكن له حرفة ولكن يمكنه تعلّمها من غير مشقّة ، ففي وجوب التعلّم وحرمة أخذ الزكاة بتركه إشكال (٢) ، والأحوط التعلّم وترك الأخذ بعده. نعم ، ما دام مشتغلاً بالتعلّم لا مانع من أخذها.

______________________________________________________

هذا ، مضافاً إلى أدلّة نفي العسر والحرج ، فإنّ التصدّي لمثل هذا الكسب وتحمّل الذلّ والوهن فيه مشقّة عظيمة ينفيه دليل نفي الحرج ، وبذلك يسوغ له أخذ الزكاة.

على أنّ المستفاد من نصوص استثناء العبد والخادم المتقدّمة عدم ابتناء أمر الزكاة على التضييق والمداقّة في نظر الشارع المقدّس ، بل هو أوسع من ذلك كما لا يخفى.

(١) إذ لا أثر لحرفة لا يمكن الانتفاع بها إمّا لفقد الآلة أو لعدم الطالب ، فلا فرق بينه وبين غير المحترف في صدق الفقير عليه عرفاً المسوّغ لأخذ الزكاة.

(٢) بل الأظهر ذلك ، لقدرته على تحصيل المال والإنفاق على العيال الواجب عليه بالقدرة على مقدّمته وهو التعلّم ، فيجب عقلاً التصدّي للمقدّمة والتوصّل بها إلى ذيها ، ومعه يكون من مصاديق ذي مرّة سوي ، الذي يحرم عليه أخذ الزكاة كما تقدّم.

نعم ، حال الاشتغال بالتعلّم هو عاجز عن الكسب ولم يكن ذا مرّة سوي فتجوز له الزكاة عندئذٍ ، وأمّا أخذها مع ترك التعلّم رأساً ففيه منع كما عرفت.

اللهمّ إلّا أن يفرض احتياج التعلّم إلى مدّة طويلة جدّاً بحيث لا يصدق معه

٣١

[٢٧٠٥] مسألة ٧ : من لا يتمكّن من التكسّب طول السنة إلّا في يوم أو أُسبوع مثلاً ـ (١) ولكن يحصل له في ذلك اليوم أو الأُسبوع مقدار مئونة السنة ، فتركه وبقي طول السنة لا يقدر على الاكتساب ، لا يبعد جواز أخذه وإن قلنا : إنّه عاص بالترك في ذلك اليوم (*) أو الأُسبوع ، لصدق الفقير عليه حينئذ.

______________________________________________________

عرفاً القدرة على الاكتساب وكفّ النفس عن الزكاة ، ولا ينطبق عليه عنوان ذي مرّة سوي ، فمثل هذا يجوز له ترك التعلّم والارتزاق من الزكاة ، لصدق الفقير عليه ، وأمّا غيره فكلّا حسبما عرفت.

فوجوب التعلّم وحرمة الأخذ لو لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط.

(١) كالحملداريّة أو من يرجع شغله إلى شؤون الحجّ ونحوه ممّن يشتغل أُسبوعاً أو أقلّ أو أكثر ويحصل له مقدار مئونة السنة ، فتركه تكاسلاً إلى أن مضى الوقت ولم يقدر طول السنة على الاكتساب ، فالظاهر جواز أخذ الزكاة حينئذٍ ، لصدق الفقير عليه في هذه الحالة وإن كان فقره مستنداً إلى اختياره.

وأمّا العصيان بترك الكسب في ذلك الوقت فليس له وجه ظاهر ، ضرورة عدم وجوب التحفّظ على الغنى ، فتجوز إزالته بالإنفاق في سبيل الله أو الجيران أو الأولاد وجعل نفسه فقيراً لكي تستباح له الزكاة عندئذٍ.

__________________

(*) لم يظهر وجه للعصيان.

٣٢

(٢٧٠٦) مسألة ٨ : لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه (١) يجوز له أخذ الزكاة (*) إذا كان ممّا يجب تعلّمه عيناً أو كفايةً ، وكذا إذا كان ممّا يستحبّ تعلّمه كالتفقّه في الدين اجتهاداً أو تقليداً. وإن كان ممّا لا يجب ولا يستحبّ كالفلسفة والنجوم والرياضيّات والعروض والعلوم الأدبيّة لمن لا يريد التفقّه في الدين فلا يجوز أخذه.

______________________________________________________

(١) قد يفرض وجوب طلب العلم عيناً وأُخرى كفايةً وثالثةً استحبابه ورابعةً إباحته كالفلسفة والنجوم على ما مثّل به في المتن. وقد حكم (قدس سره) بجواز أخذ الزكاة في الواجب مطلقاً وفي المستحبّ ، ولكنّه غير ظاهر على إطلاقه.

أمّا في فرض الوجوب العيني فالأمر كما ذكر ، إذ الوجوب الشرعي يجعله عاجزاً عن الاكتساب ، فلا قدرة له عليه شرعاً ، ولا فرق في العجز المحقّق للفقر بين التكويني والتشريعي ، فهو نظير من لا يقدر إلّا على الكسب الحرام ، كبيع المغصوب أو الضرري أو الربوي أو بيع الخمر ونحو لك ، الذي لا إشكال في كونه فقيراً شرعاً ومورداً لأخذ الزكاة ، وهذا ظاهر.

وأمّا في فرض الوجوب الكفائي فحيث لا إلزام عليه بشخصه لفرض وجود من به الكفاية فهو متمكّن من الكسب شرعاً وعقلاً وذو مرّة سوي ، ومجرّد الوجوب الكفائي لا يستوجب العجز بالضرورة ، ولم يرد دليل خاصّ يقتضي تخصيص طلبة العلم بما دلّ على منع الزكاة عن ذي مرّة سوي ، ومنه يظهر الحال في طلب العلم المستحبّ فضلاً عن المباح لوحدة المناط ، بل بطريق

__________________

(*) إذا لم يكن الوجوب عينياً يشكل الأخذ من حصّة الفقراء. نعم ، يجوز الصرف عليه من سهم سبيل الله بلا إشكال إذا كان فيه مصلحة عامّة.

٣٣

[٢٧٠٧] مسألة ٩ : لو شكّ في أنّ ما بيده كافٍ لمئونة سنته أم لا (١) ، فمع سبق وجود ما به الكفاية لا يجوز الأخذ ، ومع سبق العدم وحدوث ما يشكّ في كفايته يجوز ، عملاً بالأصل في الصورتين.

[٢٧٠٨] مسألة ١٠ : المدّعى للفقر إن عرف صدقه أو كذبه عومل به ، وإن جهل الأمران (٢) فمع سبق فقره يعطى من غير يمين ، ومع سبق الغني أو الجهل بالحالة السابقة فالأحوط عدم الإعطاء ، إلّا مع الظنّ بالصدق (*) ، خصوصاً في الصورة الأُولى.

______________________________________________________

أولى كما لا يخفى.

إذن لا ينبغي التأمّل في عدم جواز دفع الزكاة إليه من سهم الفقراء ، لعدم انطباق العنوان.

نعم ، لا مانع من الدفع إليه من سهم سبيل الله مع فرض رجحان العلم شرعاً ، فانّ موضوعه كلّ قربة كما سيجي‌ء إن شاء الله ، وبثّ العلم ونشره وتعليمه وتعلّمه من أظهر مصاديقها وأبرز أفراد الخير والمعروف كما هو ظاهر.

(١) تقدّم أنّ من يملك مئونة سنته لا يجوز له أخذ الزكاة ، ومن لا يملك يجوز. فإن أحرز ذلك وجوداً أو عدماً فلا كلام ، وأمّا لو شكّ في ذلك : فإن كانت الحالة السابقة وجود ما به الكفاية لا يجوز ، وإن كانت العدم يجوز ، عملاً بالاستصحاب في كلتا الصورتين كما هو ظاهر.

(٢) فصّل (قدس سره) حينئذٍ بين سبق الفقر فيعطى وبين سبق الغني أو الجهل بالحالة السابقة فلا يعطي إلّا مع الظنّ بالصدق.

__________________

(*) الأقوى جوازه مع الجهل بالحالة السابقة حتّى مع عدم الظنّ بالصدق ، وأمّا مع العلم بسبق الغنى فجواز الاكتفاء بالظنّ لا يخلو من إشكال بل منع.

٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والذي ينبغي أن يقال في المقام : إنّ الحالة السابقة إن كانت هي الفقر فهو فعلاً فقير شرعاً بمقتضى الاستصحاب فيجوز دفع الزكاة إليه سواء ادّعى الفقر أم لا.

وإن كانت هي الغنى فلا يجوز الدفع إليه ما لم يثبت فقره بحجّة شرعيّة حاكمة على استصحاب غناه ، ومجرّد الدعوى الصادرة منه غير مسموعة كما لا يخفى ، لعدم الدليل على اعتبارها ، والوجوه التي استُدلّ بها على الاعتبار من الحمل على الصحّة أو سماع الدعوى بلا معارض وغير ذلك ممّا قيل في المقام كلّها واهية لا ينبغي الإصغاء إليها ، فإنّ الدعوى بلا معارض موردها الأموال فقط ، فلو كان مال بين جماعة وقد ادّعاه واحد منهم ولم يعارضه الآخرون سمع منه بمقتضى النصّ الخاصّ الوارد فيه ، لا أنّ كلّ من يدّعي شيئاً كالاجتهاد أو العدالة أو الفقر أو غير ذلك ولم يعارضه غيره يسمع منه من غير مطالبته الدليل من بيّنة ونحوها ، فإنّ هذا واضح الفساد.

وكيفما كان ، فتلك الوجوه كلّها مزيّفة ولا يرفع اليد عن الاستصحاب إلّا بدليل قاطع أو حجّة معتبرة ، فلا تسمع دعوى الفقر في قبال استصحاب الغنى ، وإن أفادت الظنّ فإنّه لا يغني عن الحقّ ، بل قد قامت الأدلّة القطعيّة على عدم الحجّيّة كما هو محرّر في محلّه ، والظنّ خلاف اليقين ، ولا يرفع اليد عن اليقين السابق إلّا بيقين مثله.

نعم ، الظن القوي البالغ حدّ الاطمئنان حجّة عقلائيّة وعلم تعبّدي ، فهو ناقض للاستصحاب ، فيرفع اليد عنه ولو بمثل هذا الدليل ، وأمّا دون ذلك فكلّا.

وأمّا لو كانت الحالة السابقة مجهولة فالظاهر سماع قوله ، نظراً إلى أنّ الفقر مرجعه إلى عدم الغنى ، وهذا العدم متحقّق سابقاً بالإضافة إلى كلّ بشر ، ولا أقلّ من حين الولادة ، فإنّه يولد ولا مال له إلّا شاذّاً ويطرؤه الغنى بعد ذلك

٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بالكسب أو الإرث ونحوهما ، فالغني أمر حادث مسبوق بالعدم دائماً فيستصحب فسماع دعوى الفقر في هذه الصورة مستند إلى الاستصحاب ولا خصوصيّة للدعوى ، ولعلّ السيرة العمليّة القائمة على السماع في هذا الفرض مستندة لدى التحليل إلى الاستصحاب المزبور ، وإلّا فمن المستبعد جدّاً قيام سيرة تعبّديّة كاشفة عن رأي المعصوم (عليه السلام) كما لا يخفى.

ويتأيّد ما ذكرناه ببعض النصوص ، مثل ما ورد فيمن نذر للكعبة أو أهدى إليها من «أنّه يباع ويؤخذ ثمنه وينادى على الحجر : ألا هل من منقطع نفدت نفقته أو قطع عليه فليأت فلان بن فلان فيعطى الأوّل فالأوّل حتّى ينفد الثمن» (١).

وما ورد في خبر العرزمي من أنّه جاء رجل إلى الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما جالسان على الصفا فسألهما فقالا «إنّ الصدقة لا تحلّ إلّا في دَين موجع ، أو غرم مفظع ، أو فقر مدقع ، ففيك شي‌ء من هذا؟» قال : نعم ، فأعطياه (٢).

وما في مصحّح عامر بن جذاعة : جاء رجل إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له : يا أبا عبد الله ، قرض إلى ميسرة ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : «إلى غلّة تدرك؟» فقال الرجل : لا والله «قال : فإلى تجارة تؤوب؟» قال : لا والله «قال : فإلى عقدة تباع؟» قال : لا والله ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : «فأنت ممّن جعل الله له في أموالنا حقّا» ثمّ دعا بكيس فيه دراهم (٣).

وإن أمكن الخدش في الأوّل بجواز كونه من مختصّات نذر الكعبة والهديّة إليها فلا مقتضي للتعدّي عن موردها ليدلّ على سماع دعوى الفقر من كلّ مجهول يدّعيه ليسري الحكم إلى المقام.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٢٤٧ / أبواب مقدّمات الطواف ب ٢٢ ح ١ و ٧.

(٢) الوسائل ٩ : ٢١١ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ٦.

(٣) الوسائل ٩ : ٤٥ / أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٧ ح ١.

٣٦

[٢٧٠٩] مسألة ١١ : لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة سواء كان حيّاً أو ميّتا (١).

______________________________________________________

وفي الأخيرين بأنّهما قضيّة في واقعة وحكاية فعل مجمل لا إطلاق له ليتمسّك به ، ومن الجائز أنّه قد حصل للإمام (عليه السلام) قناعة شخصيّة بفقر الرجل لقرائن محفوفة ماليّة أو مقاليّة أورثت الاطمئنان بصدقه ، فلا يمكن استفادة ضابط كلّي لمدّعي الفقر ليشمل باب الزكوات والصدقات.

فهذه النصوص مؤيّدة للمطلوب ، والعمدة هو الاستصحاب حسبما عرفت.

(١) بلا خلاف فيه ، ويدلّ عليه قبل النصوص الكتاب العزيز ، قال تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ) ، فإنّ عطف الغارمين على الرقاب يستدعي دخول حرف الجرّ عليه ، أي وفي الغارمين ، يعني : أنّ الصرف في هذا السبيل من أحد مصارف الزكاة ، والمصرفيّة كما تشتمل الأداء والوفاء عن الغريم بالدفع والتسليم تشمل الاحتساب عنه بأن يكون له دين على الفقير وعليه زكاة في ماله فيحتسبه عنها ، ولا يختصّ بالأوّل ، إذ لم يقل للغارمين كما في قوله تعالى (لِلْفُقَراءِ) بل قال تعالى : في الغارمين ، والظرفيّة تعمّ الوفاء والاحتساب كما أنّها تعمّ الحيّ والميّت ، فالآية المباركة مطلقة من كلتا الناحيتين ، فهي بمجرّدها وافية بإثبات المطلوب من غير حاجة إلى دليل بالخصوص.

مضافاً إلى دلالة جملة من النصوص عليه :

منها : صحيحة عبد الرحمن ، قال : سألت أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن دَين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه وهم مستوجبون

٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

للزكاة ، هل لي أن أدعه فأحتسب به عليهم من الزكاة؟ «قال : نعم» (١) ، وهي صريحة في المطلوب.

وموثّقة سماعة : عن الرجل يكون له الدَّين على رجل فقير يريد أن يعطيه من الزكاة «فقال : إن كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه من دَين من عرض من دار أو متاع من متاع البيت أو يعالج عملاً يتقلّب فيها بوجهه ، فهو يرجو أن يأخذ منه ماله عنده من دَينه ، فلا بأس أن يقاصّه بما أراد أن يعطيه من الزكاة ، أو يحتسب بها ، فإن لم يكن عند الفقير وفاء ولا يرجو أن يأخذ منه شيئاً فيعطيه من زكاته ولا يقاصّه بشي‌ء من الزكاة» (٢).

ودلالتها أيضاً ظاهرة وإن تضمّنت التفصيل في جواز الاحتساب بين تمكّن الفقير على فقره من أداء الدين ولو ببيع شي‌ء من متاع البيت وبين من هو أشدّ حالاً منه الذي لا يتمكّن من هذا أيضاً ، الذي يطلق عليه البائس اصطلاحاً ، وأنّه يحتسب في الأوّل دون الثاني ، بل يعطى إليه الزكاة من غير مقاصّة.

فإنّ هذا الحكم مبني على الاستحباب قطعاً ، إذ لا يجب دفع الزكاة إلى هذا الشخص بالضرورة ، بل له الدفع إلى فقير آخر ، فالأمر بالدفع إليه والنهي عن الاحتساب مبني على الإرفاق والاستحباب ، كي لا يحرم المسكين من عطاء الزكاة ، فلا ينافي إطلاق الحكم بالجواز الذي تضمّنته الصحيحة المتقدّمة كما هو ظاهر.

وتؤيّده رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث أنّ عثمان بن عمران قال له : إنّي رجل موسر ويجيئني الرجل ويسألني الشي‌ء وليس هو إبّان زكاتي ، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) : «القرض عندنا بثمانية عشر

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٩٥ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٩٦ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٦ ح ٣.

٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والصدقة بعشرة ، وما ذا عليك إذا كنت كما تقول موسراً أعطيته فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة ، يا عثمان لا تردّه فإنّ ردّه عند الله عظيم» (١).

وهي كما ترى صريحة الدلالة وإن كانت ضعيفة السند بسهل بن زياد فلا تصلح إلّا للتأييد.

هذا كلّه في الاحتساب عن الحيّ.

وأمّا الاحتساب عن الميّت فقد عرفت أنّ إطلاق الكتاب وافٍ للشمول له وأنّ مصرفيّة الغريم للزكاة يشمل الحيّ والميّت ، كما أنّه يعمّ الأداء والاحتساب.

ويستفاد ذلك من النصوص أيضاً ، وعمدتها صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج التي رواها الكليني بطريقين عن صفوان بن يحيى ، عنه قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل عارف فاضل تُوفّي وترك عليه ديناً قد ابتلي به ، لم يكن بمفسد ولا بمسرف ولا معروف بالمسألة ، هل يقضى عنه من الزكاة الألف والألفان؟ «قال : نعم» (٢).

فإنّ القضاء بمعنى الإنهاء والإتمام المساوق في المقام لتفريغ الذمّة عن الدَّين ، فيشمل الاحتساب ، ولا يختصّ بالأداء والدفع الخارجي.

ومع التسليم فهو يشمل الاحتساب بالقطع بعدم الفرق بحسب الفهم العرفي ، فإنّ سياق الصحيحة يشهد بأنّ حيثيّة السؤال ناظرة إلى جهة الموت ، وأنّ مصرفيّة الدَّين للزكاة هل تختصّ بمال الحياة أم تعمّ الموت أيضاً من دون احتمال خصوصيّة القضاء ، فقوله (عليه السلام) في الجواب : «نعم» يدلّ على جريان أحكام الحياة حال الموت ، وقد عرفت أنّ تلك الأحكام تشمل الاحتساب ولا أقلّ من أجل إطلاق الآية فكذا في حال الموت.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٣٠٠ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ٢.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٩٥ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٦ ح ١ ، الكافي ٣ : ٥٤٩ / ٢.

٣٩

لكن يشترط في الميّت أن لا يكون له تركة تفي بدينه ، وإلّا لا يجوز (١).

______________________________________________________

وتؤيّده رواية يونس بن عمّار ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : «قرض المؤمن غنيمة وتعجيل أجر (خير) ، إن أيسر قضاك ، وإن مات قبل ذلك احتسبت به من الزكاة» (١).

وهي صريحة الدلالة ، غير أنّ السند ضعيف ، فإنّه وإن كان صحيحاً إلى ثعلبة إلّا أنّ السندي لم يوثّق ، فلا تصلح إلّا للتأييد.

ونحوها رواية هيشم الصيرفي هكذا في الوسائل (٢) ، والصحيح : هيثم ، بالثاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : القرض الواحد بثمانية عشر ، وإن مات احتسب بها من الزكاة» (٣).

فإنّها أيضاً ضعيفة ، لجهالة الصيرفي.

(١) لانتفاء الاستحقاق والفقر عن الميّت بعد وفاء تركته بالدين ، فإنّ مقدار الدين باقٍ على ملكه ولم ينتقل إلى الورثة ، إذ لا إرث إلّا بعد الدين والوصيّة ، قال تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ*) (٤) ، ولم تجب عليه النفقة ليراعى مئونة السنة كما كان كذلك في حال الحياة ، فهو إذن غني يتمكّن من أداء دينه عن ماله الشخصي ، ولا شكّ أنّ صرف الزكاة في الغرماء يختصّ بغرمهم لا يتمكّن من أداء دينه وإن كان واجداً لمئونة سنته كما سيجي‌ء إن شاء تعالى في محلّه ، فلا ينطبق على الميّت المزبور ، فإنّ الاحتساب عنه ينتفع به

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٩٩ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ١.

(٢) في الوسائل المحقق جديداً : هيثم ، بالثاء.

(٣) الوسائل ٩ : ٣٠١ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٩ ح ٨.

(٤) النِّساء ٤ : ١٢.

٤٠