موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

ولا فرق بين سهم الفقراء وغيره من سائر السهام (١) حتّى سهم العاملين وسبيل الله.

______________________________________________________

وأمّا النبيّ والأئمّة (عليهم السلام) فلم يتّفق لهم ذلك ، وهو الفارق بينهما (١).

ولكنّه بعيد عن ظاهر الرواية الفاقدة لأيّة قرينة تستوجب التقييد.

ونحوه في البعد ما في الجواهر من زيادة احتمال الحمل على الصدقات المندوبة بدعوى أنّ المقام الرفيع للنبيّ والأئمّة يمنع عن قبول مطلق الصدقة ، بخلاف السادة (٢).

وهو أيضاً كما ترى منافٍ لإطلاقها ، وبعيدٌ عن مساقها كما لا يخفى.

وزاد في الوسائل احتمالاً ثالثاً ، وهو الحمل على زكاة بعضهم لبعض (٣).

ولعلّ هذا أبعد الوجوه ، إذ الخطاب لأبي خديجة ولم يكن هاشميّاً ، فكيف يؤمر بإعطاء الزكاة لبني هاشم؟! والصحيح أن يقال : إنّ الرواية شاذّة نادرة ومثلها لا ينهض للمقاومة مع الروايات الكثيرة المشهورة التي لا يبعد دعوى التواتر الإجمالي فيها ، فلا بدّ من طرحها وردّ علمها إلى أهله.

(١) لم يتعرّض معظم الفقهاء (قدس الله أسرارهم) لحدود هذا المنع وأنّه هل هو مطلق يشمل عامّة السهام أو يختصّ بالبعض بعد وضوح أنّ الفقير والمسكين هما القدر المتيقّن منه ، وكذلك سهم العاملين للتصريح به في صحيحة العيص المتقدّمة ، وقد تأمّل كاشف الغطاء في شمول المنع لسهام سبيل الله والرقاب

__________________

(١) الحدائق ١٢ : ٢١٦.

(٢) الجواهر ١٥ : ٤٠٦.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٧٠.

١٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

والمؤلّفة (١) ، واحتمل بعضهم الجواز في الغارمين ، نظراً إلى أنّ الممنوع هو إعطاء الزكاة للهاشمي لا تفريغ ذمّته منها.

هذا ، والأظهر شمول المنع للجميع ، ويستفاد ذلك من النصوص الواردة في الخمس الناطقة بأنّه جعل للهاشميّين عوضاً عن الزكاة ، معلّلاً في بعضها بأنّها أوساخ ما في أيدي الناس ، وما ورد من أنّ لكلّ محتاج من الصنفين الهاشمي وغيره قد شرّع له ما يكفيه ولو لا الكفاية لشرّع أكثر ، فإنّ مقتضى عموم العلّة والعوضيّة والمقابلة بين الهاشمي وغيره سريان المنع لجميع السهام ، لاتّحاد المناط وهو تشريفهم زادهم الله عزّاً وشرفا وتكريمهم عن دنس الأوساخ ، إلّا ما خرج بالدليل كسهم المؤلّفة على ما ستعرف.

ويؤكّده صحيحة العيص المتقدّمة المانعة عن سهم العاملين ، فإنّ المنع عن هذا السهم الذي لا ذلّة فيه لوقوعه بإزاء العمل يستدعي المنع عن غيره من السهام بالطريق الأولى ، فلا يجوز الرفع لهم من شي‌ء من السهام حتّى الرقاب إن كان له مصداق ، كما لو تزوّج الهاشمي أمة واشترط عليه رقّيّة الولد إن قلنا بصحّة الشرط وحصول الرقّيّة ، فإنّ المسألة خلافيّة ، فلا يجوز فكّ رقبته من هذا السهم ، وهكذا سهم الغارمين وسبيل الله وغيرها ، لإطلاق دليل المنع حسبما عرفت.

نعم ، لا بأس بالصرف من سهم المؤلّفة قلوبهم ، كما لو ارتدّ الهاشمي أو كان من ذرّيّة أبي لهب مثلاً ولم يكن في سلسلتهم مسلم.

والوجه فيه : أنّ مناط المنع هو التعظيم والتكريم ، والكافر لا حرمة له ومن ثمّ لا يستحقّ الخمس. وإن شئت قلت : إنّ الممنوع من الزكاة هو الهاشمي الذي كان الخمس له عوضاً عنها ، وحيث إنّ الكافر لا خمس له أو لا حرمة له ولا كرامة فلا مانع من دفع الزكاة إليه من هذا السهم.

__________________

(١) كشف الغطاء : ٣٥٦.

١٨٢

نعم ، لا بأس بتصرّفه في الخانات والمدارس وسائر الأوقاف المتّخذة من سهم سبيل الله (١). أمّا زكاة الهاشمي فلا بأس بأخذها له (٢) من غير فرق بين

______________________________________________________

(١) يستدل له كما في الجواهر (١) وغيره بقيام السيرة على تصرّف الهاشمي كغيره في هذه الأُمور وإن كانت متّخذة من الزكاة.

وفيه ما لا يخفى ، فإنّ إثبات أنّ تلك المشاريع العامّة كانت في عصور الأئمّة (عليهم السلام) متّخذة من الزكاة وأنّ بني هاشم كانوا يتصرّفون فيها بهذا العنوان مشكل جدّا.

بل الأولى الاستدلال له بخروجها فعلاً عن عنوان الزكاة واندراجها تحت الموقوفات العامّة وإن كانت أُصولها متّخذة منها ، فأدلّة منع الهاشمي غير شاملة لها ، لانتفاء الموضوع ، فإنّها نظير تناول الهاشمي الزكاة بهبةٍ ونحوها عن يد مستحقّها بعد وصولها إليه.

وبالجملة : الممنوع هو الدفع إلى الهاشمي ولو من سهم سبيل الله وتصرّفه فيه بعنوان الزكاة كإرساله منه إلى الحجّ ، لما عرفت من إطلاق الدليل ، وأمّا مع تبدّل العنوان وتغيير الموضوع كما في المقام فلا محذور فيه حسبما عرفت.

(٢) فالممنوع هو أخذ الهاشمي الزكاة من غيره ، أمّا هو فتحلّ زكاته لكلّ أحد هاشميّاً كان أم غيره ، وتشهد له جملة من النصوص بعد قيام الإجماع عليه بقسميه كما في الجواهر (٢) ـ :

منها : معتبرة إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ، ما هي؟ «فقال : هي الزكاة» قلت :

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ٤٠٧.

(٢) الجواهر ١٥ : ٤٠٨.

١٨٣

السهام أيضاً (١) حتّى سهم العاملين ، فيجوز استعمال الهاشمي على جباية صدقات بني هاشم ، حتّى سهم العاملين ، فيجوز استعمال الهاشمي على جباية صدقات بني هاشم ، وكذا يجوز أخذ زكاة غير الهاشمي له مع الاضطرار إليها (٢) وعدم كفاية الخمس وسائر الوجوه.

______________________________________________________

فتحلّ صدقة بعضهم على بعض؟ «قال : نعم» (١).

فإنّ القاسم بن محمّد الواقع في السند هو الجوهري الثقة ، ولم يكن مردّداً بينه وبين الأصفهاني الضعيف كما قيل بقرينة رواية الحسين بن سعيد عنه ، فإنّ الراوي عن الثاني إنّما هو البرقي لا الحسين ، لاختلاف الطبقة ، مضافاً إلى رواية الكليني عنه بطريق آخر خالٍ عنه ، فالرواية صحيحة أو موثّقة باعتبار أبان بن عثمان الواقع في طريق الكليني.

ومنها : صحيحة محمّد بن أبي نصر البزنطي عن الرضا (عليه السلام) ، قال : سألته عن الصدقة ، تحلّ لبني هاشم؟ «فقال : لا ، ولكن صدقات بعضهم على بعض تحلّ لهم» إلخ (٢).

ومنها : صحيحة الجعفري عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، أنّه قيل له : الصدقة لا تحلّ لبني هاشم؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : «إنّما ذلك محرّم علينا من غيرنا ، فأمّا (من) بعضنا على بعض فلا بأس بذلك» (٣) ، ونحوها غيرها.

(١) لإطلاق أدلّة الجواز كإطلاق أدلّة المنع حسبما تقدّم.

(٢) إجماعاً كما ادّعاه غير واحد ، وتدلّ عليه مضافاً إلى عمومات الاضطرار

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٧٤ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٢ ح ٥ ، الكافي ٤ : ٥٩ / ٥.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٧٦ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٢ ح ٨.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٧٦ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٢ ح ٩.

١٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وأنّه ما من شي‌ء حرّمه الله إلّا قد أحلّه عند الضرورة ، فالحكم مطابق للقاعدة موثّقة زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث «قال : إنّه لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطّلبي إلى صدقة ، إنّ الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم ثمّ قال : إنّ الرجل إذا لم يجد شيئاً حلّت له الميتة ، والصدقة لا تحلّ لأحدٍ منهم إلّا أن لا يجد شيئاً ويكون ممّن يحلّ له الميتة» (١).

والمذكور في الوسائل الطبعة الجديدة : «إلّا أن يجد» وصحيحة : «إلّا أن لا يجد» (٢) فسقطت أداة النفي من النسّاخ أو المطبعة وهي موجودة في المصدر ، وقد دلّت على إناطة الحلّيّة بالضرورة على حدّ حليّة أكل الميتة ، فلا يجوز أخذها إلّا إذا تعذّرت الإعاشة بدونها.

لكن المذكور في كلمات جماعة من الفقهاء وفيهم جملة من المتقدّمين أنّ العبرة في الحلّيّة بعدم إعطاء الخمس لهم أو عدم كفايته ، سواء أمكن التعيّش بالوجوه الأُخر من الصدقات المندوبة ونحوها أم لا.

بل ظاهر السيّد المرتضى في الانتصار قيام الإجماع على جواز أخذها عند عدم الخمس والحرمان منه ، سواء تحقّقت الضرورة في أخذها أم لا ، وأنّ ذلك ممّا انفردت به الإماميّة. وعلّله بأنّ الخمس هو عوض عن الزكاة ، فإذا مُنعوا وحُرموا عن العوض أخذوا المعوّض.

أقول : إن تمّ الإجماع التعبّدي الكاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) فهو ، ولكنّه لا يتمّ كما لا يخفى. وعليه ، فلا سبيل للحكم بالجواز إلّا عند الاضطرار وعدم إمكان الإعاشة بشي‌ء من الوجوه المنطبقة.

والوجه فيه : أنّ معظم الهاشميين كانوا محرومين من الخمس في عصر صدور

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٧٦ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٣ ح ١.

(٢) كذا في الوسائل المحقّق جديدا.

١٨٥

ولكن الأحوط حينئذٍ الاقتصار على قدر الضرورة يوماً فيوماً مع الإمكان (١).

______________________________________________________

هذه الأخبار عن الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) ، لابتلائهم بخلفاء الجور وغيرهم من أبناء العامّة المعاندين لهم والمانعين حقّهم من الخمس ، بل أنّ كثيراً من خواصّهم لقلّة ابتلائهم به لم يكونوا يعرفون كثيراً من أحكامه ، ومع ذلك فقد صدرت هذه الأخبار ومنعتهم عن أخذ الزكاة. وهذا كما ترى خير شاهد على أنّ مجرّد منعهم عن الخمس وحرمانهم عنه لا يكون مجوّزاً لأخذ الزكاة ما لم يصل حدّ الضرورة الملحّة البالغة حدّ أكل الميتة كما تضمّنه النصّ.

وأمّا التعليل بالعوضيّة فلا يخلو عن الغرابة ، ضرورة أنّ العوضيّة إنّما هي في الجعل والتشريع لا في متعلّق الجعل أعني : المال الخارجي فالزكاة جعلها الله سبحانه للفقراء ، وبدلاً عن ذلك جعل الخمس للسادة ، وهذه البدليّة والعوضيّة باقية أبديّة ، سواء اعطي الخمس لهم خارجاً أم لا ، فلا سقوط له لينتقل إلى المعوّض ، لما عرفت من أنّ التعويض إنّما هو في الجعل لا في المجعول.

والمتحصّل : أنّ العبرة بالضرورة ، فمتى تحقّقت حلّت الزكاة وإلّا فلا.

(١) قد عرفت أنّ العبرة بصدق الضرورة ، ويختلف أمدها باختلاف المقامات ، فربّما تندفع الضرورة بوجبة واحدة من الغذاء أو العشاء ، وأُخرى بأقلّ من يوم وثالثة بيوم كامل ، وربّما يعلم باحتياجه في أكثر من ذلك كما لو كان في بادية يعلم باضطراره إليها لمئونة شهر أو شهور بل سنة ، بحيث ربّما يموت من الجوع لو لم يستلم فعلاً ما يكفيه لهذه المدّة ، وربّما يكون مديناً بمبلغ كثير جدّاً ويضطرّ إلى أدائه وإلّا لعوقب أو اهين بما لا يتحمّل ، فإنّه يجوز له الأخذ في هذه الموارد بمقدار الحاجة.

وعلى الجملة : فلا خصوصيّة للتحديد باليوم كما في المتن ، بل المدار والاعتبار باندفاع الاضطرار وهو يختلف باختلاف الموارد حسبما عرفت.

١٨٦

[٢٧٥١] مسألة ٢١ : المحرّم من صدقات غير الهاشمي عليه إنّما هو زكاة المال الواجبة (١).

______________________________________________________

(١) لا إشكال كما لا خلاف في جواز دفع الصدقات المندوبة للهاشميّين ، للنصوص الكثيرة كما ستعرف ، فالمحرّم هو خصوص الصدقات الواجبة.

وإنّما الكلام في أنّ الحرام هل هو مطلق الصدقات أو خصوص الزكاة المفروضة؟ وعلى الأوّل : فهل يختصّ بما وجب بعنوان الصدقة نفسها كالكفّارات ، أو يشمل حتّى الواجب بعنوان آخر من نذر أو وصيّة ونحوهما؟ فنقول : النصوص الواردة في المقام على طوائف ثلاث :

الاولى : ما دلّ على أنّ المحرّم هو مطلق الصدقة ، كصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «قال : لا تحلّ الصدقة لولد العبّاس ولا لنظرائهم من بني هاشم» (١).

وصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) : «قالا : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : إنّ الصدقة أوساخ أيدي الناس ، وإنّ الله قد حرّم عليّ منها ومن غيرها ما قد حرّمه ، وإنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطّلب» الحديث (٢).

الثانية : ما دلّ على اختصاصها بالصدقة الواجبة ، كصحيحة جعفر بن إبراهيم الهاشمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : قلت له : أتحلّ الصدقة لبني هاشم؟ «فقال : إنّما (تلك) الصدقة الواجبة على الناس لا تحلّ لنا ، فأمّا غير ذلك فليس به بأس ، ولو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكّة ،

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٦٩ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ٣.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٦٨ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ٢.

١٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

هذه المياه عامّتها صدقة» (١).

والهاشمي المزبور موثّق وهو من أولاد جعفر الطيّار ، ينسب إليه تارةً فيقال له : الجعفري ، وقد يطلق عليه الهاشمي.

الثالثة : ما تضمّن تفسير الصدقة المحرّمة بالزكاة المفروضة ، كمعتبرة إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ، ما هي؟ «فقال : هي الزكاة» إلخ (٢).

المؤيّدة برواية زيد الشحّام عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن الصدقة التي حرّمت عليهم؟ «فقال : هي الزكاة المفروضة ، ولم يحرّم علينا صدقة بعضنا على بعض» (٣).

هذا ، ولا بدّ من حمل الطائفة الأُولى على زكاة المال ، لما في بعضها من التعليل بأنّها أوساخ الناس ، ضرورة أنّها هي التي تزيل الأوساخ وتطهّر الأموال كما أُشير إليه في قوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ) (٤).

ومع الغضّ وتسليم الإطلاق فهو مقيّد بالطائفة الثانية الدالّة على الاختصاص بالصدقة الواجبة. إذن فالصدقات المندوبة غير محرّمة إمّا لعدم كونها مشمولة للطائفة الأُولى ، أو على تقدير الشمول فهي خارجة بالطائفة الثانية ولا سيّما بملاحظة ما في ذيلها من قوله : «ولو كان كذلك» إلخ.

وبالجملة : فموضوع الحرمة إنّما هي الصدقات الواجبة لا غير.

وهل تختصّ هذه الطائفة بالزكاة المفروضة ، أو تعمّ غيرها من سائر الصدقات

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٧٢ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣١ ح ٣.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٧٤ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٢ ح ٥.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٧٤ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٢ ح ٤.

(٤) التوبة ٩ : ١٠٣.

١٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الواجبة كالكفّارات والنذورات وما شاكلها؟

الظاهر هو الأوّل ، وذلك بقرينة تقييد الوجوب بقوله (عليه السلام) : «على الناس» الظاهر في إرادة الواجب الثابت على كافّة الناس من غير اختصاص بصنفٍ أو الصادر عن سببٍ خاصّ ، ومن الواضح أنّ ما هذا شأنه هو خصوص الزكاة المفروضة بنوعيها ولا سيّما زكاة الفطرة ، فإنّها المتعلّقة بعامّة الناس عند تحقّق شرائطها ، دون الكفّارات ، لاختصاصها بمن صدر عنه موجبها ، وهكذا المنذورة والموصى بها ، ولا أقلّ من الإجمال الموجب للرجوع إلى الإطلاقات الأوّلية.

ومع التنازل وتسليم الإطلاق فيرفع اليد ويقيّد بالطائفة الثالثة المفسّرة للصدقة بالزكاة المفروضة ، فلا حرمة إذن في غيرها.

هذا كلّه في الصدقات الواجبة بعنوان أنّها صدقة.

وأمّا الواجبة بعنوان آخر من وصيّة أو نذر أو شرط في ضمن عقد وما شاكلها فالظاهر أيضاً عدم الحرمة حتّى لو سلّمناها في مطلق الصدقات الواجبة بعناوينها ، وذلك لأنّ مورد التسليم إنّما هو الصدقة الواجبة ، وأمّا في الموارد المزبورة فلم يتعلّق الوجوب بنفس الصدقة ، بل هي باقية على ما هي عليه من الاستحباب ، وإنّما تعلّق بالعمل بالوصيّة أو الوفاء بالنذر أو الشرط في ضمن العقد ، فالواجب هو تنفيذ هذه الأُمور المتعلّقة بالصدقة المندوبة لا نفس الصدقة لتحرم على الهاشمي.

ويكشف عمّا ذكرناه أنّك قد عرفت جواز دفع الصدقة المندوبة إلى الهاشمي ، بل كونه أفضل وأرجح لو أعطاه كرامةً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) رجاءً لشفاعته. وعليه ، فلو نذر دفعها إليه بخصوصه ، أفهل يحتمل تحريمه بالنذر بل عدم انعقاده لبطلان النذر المتعلّق بالمحرّم؟ لا نظنّ أن يلتزم به الفقيه.

وأيضاً لو استأجر أحداً لإيصال صدقته المندوبة إلى الهاشمي ، فإنّ الدفع

١٨٩

وزكاة الفطرة (١)

______________________________________________________

واجب حينئذٍ على الأجير بمقتضى عقد الإيجار ، وبناءً على التعميم لا يجوز بل تبطل الإجارة ، لوقوعها على العمل المحرّم ، وهو أيضاً كما ترى.

وكلّ ذلك يكشف عن أنّ موضوع الحرمة هو خصوص الصدقة الواجبة بعنوان أنّها صدقة لا بعنوان آخر من نذر أو إجارة أو وصيّة وما شاكلها.

وممّا ذكرنا تعرف حكم المظالم والتصدّق بمجهول المالك وجواز دفعه إلى الهاشمي أيضاً ، وذلك لظهور الأدلّة في اختصاص الحرمة بالصدقة الواجبة على نفس المالك ، وفي المقام ليس كذلك ، بل الوجوب قد تعلّق بشخص آخر تصدّق عن المالك المجهول أو المعلوم الذي لا يمكن الوصول إليه ، فيكون المباشر للتصدّق غير من يتصدّق عنه ، ومصداق من يجب عليه غير المالك ، ومثله خارج عن مدلول الأدلّة المانعة وغير مشمول لها رأساً كما لا يخفى.

والمتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّه على تقدير القول بحرمة مطلق الصدقات الواجبة يختصّ ذلك أوّلاً بما إذا كان الوجوب ثابتاً لعنوان الصدقة ، وثانياً بما إذا كان الوجوب متعلّقاً بنفس المالك المباشر للصدقة ، فمجهول المالك خارج عن ذلك كالمنذور والموصى به ، ويبقى تحته الكفّارات على الإطلاق لو لم نقل بخروجها أيضاً بمقتضى صحيحة إسماعيل بن الفضل والاختصاص بالزكاة المفروضة حسبما عرفت.

(١) الظاهر عدم الخلاف في شمول الحكم للزكاة بنوعيها من المال والفطرة ، بل ادّعي الإجماع عليه ، لكن إثباته بالروايات قد لا يخلو عن صعوبة.

قال في الجواهر ما لفظه : بل لولا ما يظهر من الإجماع على اعتبار اتّحاد مصرف زكاة المال وزكاة الفطرة بالنسبة إلى ذلك لأمكن القول بالجواز في زكاة الفطرة اقتصاراً على المنساق من هذه النصوص من زكاة المال ، خصوصاً ما

١٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ذكر فيه صفة التطهير للمال ، الشاهد على كون المراد من غيره ذلك أيضاً (١).

أقول : لا حاجة إلى التمسّك بالإجماع ، فإنّ بعض الأخبار وإن كان موردها زكاة المال خصوصاً المتضمّن للتعليل بالأوساخ إلّا أنّ أكثرها مطلقة وشاملة لكلّ صدقة بعد تخصيصها بالواجبة بالنصوص المعتبرة حسبما تقدّم ، وإطلاق هذه غير قاصر الشمول لزكاة الفطرة كما لا يخفى ، فإنّ تقييد إطلاق هذه بتلك كما ترى.

بل أنّ زكاة الفطرة أولى بالحرمة :

أوّلاً : لمساعدة الاعتبار ، فإنّها زكاة البدن ومزيلة لأوساخه ، ومن الظاهر أنّ أوساخ البدن أخسّ من أوساخ المال ، فهي أولى بالتجنّب وترفّع الهاشمي عنها.

وثانياً : أنّها القدر المتيقّن من الزكاة المشار إليها في قوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) إلخ ، نظراً إلى أنّ تشريعها كان قبل تشريع زكاة المال كما نطقت به صحيحة هشام بن الحكم عن الصادق (عليه السلام) في حديث «قال : نزلت الزكاة وليس للناس أموال وإنّما كانت الفطرة» (٢).

بل قد ورد في جملة من الروايات التي منها رواية إسحاق بن عمّار (٣) تفسير الزكاة في قوله تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ*) (٤) بزكاة الفطرة وإن كانت أسانيدها غير نقيّة.

بل من أجل الصحيحة المزبورة يحكم بجواز صرف زكاة الفطرة في المصارف

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ٤١٣.

(٢) الوسائل ٩ : ٣١٧ / أبواب زكاة الفطرة ب ١ ح ١.

(٣) الوسائل ٩ : ٣٢٠ / أبواب زكاة الفطرة ب ١ ح ١٠.

(٤) البقرة ٢ : ٤٣.

١٩١

وأمّا الزكاة المندوبة ولو زكاة مال التجارة وسائر الصدقات المندوبة فليست محرّمة عليه (١) ، بل لا تحرم الصدقات الواجبة ما عدا الزكاتين عليه أيضاً كالصدقات المنذورة والموصى بها للفقراء والكفّارات ونحوها كالمظالم إذا كان من يدفع عنه من غير الهاشميين ، وأمّا إذا كان المالك المجهول الذي يدفع عنه الصدقة هاشميّاً فلا إشكال أصلا.

______________________________________________________

الثمانية كزكاة المال ، وإلّا فلم يرد في شي‌ء من الروايات جواز صرف زكاة الفطرة فيها. إذن فلا ينبغي التأمّل في شمول أدلّة المنع لكلا نوعي الزكاة.

(١) لما عرفت من الإجماع المدّعى عليه في كلمات غير واحد ، بل بقسميه كما في الجواهر ، مضافاً إلى النصوص الصريحة في ذلك حسبما تقدّم ، ومع ذلك فربّما يحتمل أو يقال بشمول المنع لها.

ويستدلّ له بوجهين :

أحدهما : ما في نهج البلاغة من قوله (عليه السلام) : «أصله أم زكاة أم صدقة فذلك محرّم علينا أهل البيت» (١).

وفيه أوّلاً : ما ذكرناه في محلّه من أنّ الاعتماد على نهج البلاغة والاستدلال به لإثبات حكم من الأحكام الشرعيّة مشكل جدّا.

وثانياً : مع الغضّ عن ذلك فهو معارض بالنصوص الكثيرة المتقدّمة الصريحة في جواز أخذ الصدقات المندوبة بحيث لا يقاومها ولا سبيل لرفع اليد عنها ، بل لا بدّ من حمل ما في النهج على ما لا ينافيها ، ولا يبعد أن يحمل على الصدقات المعطاة لرفع البلاء ورفع الآلام والأسقام ، فإنّ فيها من الذلّة والخسّة ما لا يخفى بحيث تأبى النفوس العالية عن أخذها فضلاً عن آل المصطفى (صلّى الله عليه وآله) ،

__________________

(١) نهج البلاغة ٢ (شرح محمد عبده) : ٢٤٤.

١٩٢

ولكن الأحوط في الواجبة عدم الدفع إليه (١) ، وأحوط منه عدم دفع مطلق

______________________________________________________

وعليها يحمل ما ورد عن الصدِّيقة الصغرى زينب الكبرى (سلام الله عليها) من منع الأطفال عنها قائلةً : أنّها محرّمة علينا أهل البيت (١).

ثانيهما : رواية إبراهيم بن محمّد بن عبد الله الجعفري قال : كنّا نمرّ ونحن صبيان فنشرب من ماءٍ في المسجد من ماء الصدقة ، فدعانا جعفر بن محمّد (عليه السلام) فقال : «يا بنيّ ، لا تشربوا من هذا الماء واشربوا من مائي» (٢).

وفيه أوّلاً : أنّها ضعيفة السند جدّاً ، لجهالة الراوي ، ولا يصغي إلى ما احتمله الميرزا في رجاله الوسيط من أنّ المراد به هو إبراهيم بن أبي الكرام الجعفري الثقة (٣) ، لاختلاف الطبقة ، لأنّه من أصحاب الرضا (عليه السلام) ولم يذكر من أصحاب الكاظم (عليه السلام) فضلاً عن الصادق الذي وردت هذه الرواية عنه (عليه السلام) فهو طبعاً شخص آخر. على أنّ مجرّد الاحتمال لا ينفع ولا يغني عن الحقّ ، مضافاً إلى جهالة الراوي الذي قبله أعني : محمّد بن علي ابن خلف العطّار فإنّه لم يذكر في كتبهم ، وليس له ظاهراً غير هذه الرواية.

وثانياً : أنّها قاصرة الدلالة ، إذ النهي متوجّه إلى الأطفال ولا تكليف عليهم ، فتحمل على نوع من التنزيه ، على أنّها قضيّة في واقعة ، ومن الجائز أن يكون الماء متّخذاً من الزكاة الواجبة من سهم سبيل الله بحيث يكون الماء بدلاً عنها ، فلا تدلّ على حرمة الصدقة المندوبة التي هي محلّ الكلام.

(١) رعايةً لما عن جماعة من القول بالمنع في مطلق الصدقة الواجبة ، استناداً

__________________

(١) لاحظ مقتل أبي مخنف : ١٦١ والبحار ٤٥ : ١١٤.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٧٢ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣١ ح ٢.

(٣) تلخيص المقال : ١٤.

١٩٣

الصدقة ولو مندوبة (١) خصوصاً مثل زكاة مال التجارة (٢).

______________________________________________________

إلى إطلاق جملة من الأخبار ، وقد عرفت ضعفه.

(١) رعايةً لاحتمال شمول المنع لها ، وقد عرفت آنفاً وجهه مع ضعفه.

(٢) لم تظهر خصوصيّة لزكاة مال التجارة من بين الصدقات المندوبة ما عدا تسميتها باسم الزكاة ، ولكن طبيعي ما يسمّى بهذا الاسم لم يكن موضوعاً للمنع ، بل الموضوع في لسان الأخبار خصوص الزكاة المفروضة ، فما عداها ملحق بالصدقات المندوبة.

أجل ، حيث إنّ جمعاً من الأصحاب ذهبوا إلى شمول المنع لهذه الزكاة أيضاً كان الاحتياط حسناً وفي محلّه حذراً عن مخالفتهم.

بقي الكلام في أمرين لم يتعرّض لهما الماتن (قدس سره) :

الأوّل : المشهور والمعروف أنّ الممنوع عن أخذ الزكاة هو من كان من ولد هاشم دون غيره من سائر قريش ، بل لعلّه المتسالم عليه بينهم ، غير أنّ المنسوب إلى الشيخ المفيد (قدس سره) تعميم الحكم لولد المطّلب الذي هو أخو هاشم وعمّ عبد المطّلب (١) ، وقد تفرّد بهذا القول ، حيث لم ينسب إلى غيره ولم يعرف له مستند ما عدا رواية واحدة ، وهي ما رواه الشيخ بإسناده عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث «قال : إنّه لو كان العدل لما احتاج هاشمي ولا مطّلبي إلى صدقة ، إنّ الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم» إلخ (٢).

وقد نوقش في سندها تارةً من أجل علي بن الحسن بن فضّال ، وأُخرى من

__________________

(١) المدارك ٥ : ٢٥٦.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٧٦ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٣ ح ١.

١٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

أجل ضعف طريق الشيخ إليه. وكلاهما مردود :

أمّا الأوّل : فلكفاية وثاقة الراوي وإن كان واقفيّاً ، ولا تعتبر فيه العدالة ، ولا شكّ في وثاقه الرجل كما صرّح بها النجاشي (١) وغيره ، مضافاً إلى ما ورد في بني فضّال على ما حكاه الشيخ (قدس سره) من قوله (عليه السلام) : «خذوا ما رووا وذروا ما رأوا» (٢).

وأمّا الثاني : فلمّا مرّ غير مرّة من أنّ طريق الشيخ إليه وإن كان ضعيفاً لكن طريق النجاشي صحيح ، وحيث إنّ شيخهما واحد وهو عبد الواحد بن عبدوس والكتاب المنقول عنه واحد فلا جرم يحكم بصحّة الطريق. إذن فلا ينبغي التأمّل في صحّة السند.

وأمّا من ناحية الدلالة فأحتمل بعضهم وقوّاه في الحدائق (٣) أن يكون المقصود من المطّلبي هو أولاد عبد المطّلب ، إذ قد يحذف المضاف عند النسبة فيقال : منافي ، لبني عبد مناف ، ولا يقال : عبد منافي ، وحيث إنّ ولد هاشم منحصر في عبد المطّلب وجميع الهاشميين منسوبون إليه بواسطته إذن فعطف المطّلبي على الهاشمي يكون من سنخ العطف التفسيري ، فلا تكون الرواية مخالفة لما عليه المشهور من اختصاصه التحريم ببني هاشم ولا تصلح مدركاً لمقالة المفيد.

ولكنّك خبير بأنّ هذا الاحتمال من البعد بمكان ، فإنّ تكرار أداة النفي في قوله : «ولا مطّلبي» يأبى عن إرادة التفسير ، لقوّة ظهوره في أنّ كلّاً منهما موضوع مستقلّ.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٥٧ / ٦٧٦.

(٢) كتاب الغيبة : ٢٤٠.

(٣) الحدائق ١٢ : ٢١٦ ٢١٧.

١٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، لو كان لهاشم ولد غير عبد المطّلب لأمكن أن يكون من قبيل عطف الخاصّ على العامّ ويكون ذكره من باب الاهتمام ، لكنّك عرفت انحصار ولده فيه ، وظاهره أنّه من عطف المباين على مثله.

فالصحيح أن يقال : إنّ الرواية شاذّة نادرة ومخالفة للروايات المشهورة الدالّة على اختصاص التحريم بما عُبّر عنه تارةً ببني هاشم وأُخرى ببني عبد المطّلب والنتيجة واحدة كما عرفت وحيث لا تنهض للمقاومة معها فلا بدّ من طرحها وردّ علمها إلى أهله.

على أنّ هذا البحث قليل الجدوى ، لانقراض من ينسب إلى المطّلب أخي هاشم في العصر الحاضر ، بل الكلّ هاشميّون وأكثرهم علويّون ، ولعلّ فيهم من العبّاسيّين ولا وجود لغيرهما.

الأمر الثاني : المعروف بل المتسالم عليه بينهم أنّ المناط في صدق عنوان الهاشمي هو الانتساب إلى هاشم من ناحية الأب دون الأُم ، فإنّ سبط الرجل وإن كان ولده لغةً وربّما يرثه شرعاً إلّا أنّ العبرة في النسبة إلى الطوائف والقبائل بحسب الصدق العرفي هو ملاحظة الآباء فيقال : بني تميم ، بني كعب ، بني مضر ، أو تميمي أو كعبي أو خزرجي ، لأولاد هؤلاء المنسوبين إليهم من ناحية الآباء فقط.

وربّما يشير إليه قوله تعالى (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) إلخ (١).

ويؤيّده ما رواه الكليني عن العبد الصالح (عليه السلام) في حديث طويل ـ : «قال : ومن كانت امّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإنّ الصدقات تحلّ له ، وليس له من الخمس شي‌ء ، فإنّ الله يقول (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ)» (٢) ، فإنّها

__________________

(١) الأحزاب ٣٣ : ٥.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٧١ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٠ ح ١ ، الكافي ١ : ٤٥٣ / ٤.

١٩٦

[٢٧٥٢] مسألة ٢٢ : يثبت كونه هاشمياً بالبيّنة (١) والشياع (٢).

______________________________________________________

صريحة الدلالة ، غير أنّ سندها ضعيف بالإرسال فلا تصلح للاستدلال.

ويمكن الاستئناس بل الاستدلال للحكم بأنّ الزكاة لو كانت محرّمة على من انتسب إلى هاشم ولو من طرف الامّ لم يبق لها عندئذٍ موردٌ إلّا النادر جدّاً ، إذ قلّ من لم يكن في أسلافه من الآباء أو الأُمّهات من ينتسب إلى هاشم ولو في واسطة واحدة من الوسائط المتخلّلة في سلسلة النسب بعد وضوح كثرة الازدواج بين غير الهاشمي والهاشميّات ، فلو كان المنتسب من طرف الامّ داخلاً في بني هاشم فجميع أولاد تلك الهاشميّة يكونون هاشميّين ، إذن فالمنتسب من ناحية الامّ إمّا معلوم تفصيلاً أو إجمالاً بلحاظ واحدة من سلسلة جدّاته ، ومعه لم يبق لمستحقّ الزكاة من المؤمنين إلّا أقلّ القليل ، وهو كما ترى.

(١) لما تقدّم في مباحث المياه من كتاب الطهارة من عموم دليل حجّيّتها إلّا ما خرج بالدليل (١) ، كلزوم ضمّ اليمين إليها في دعوى الدين على الميّت ، ولزوم اجتماع شهود أربعة في الشهادة على الزنا أو اللواط ، فيما عداهما تكفي البيّنة لإثبات مطلق الدعوى التي منها دعوى النسب ، ومنه كونه هاشميّاً ، لما عرفت من عموم دليل الحجّيّة.

كما ويثبت النسب بالفراش أيضاً ، فإذا كان صاحب الفراش هاشميّاً وتردّد الولد بين أن يكون منه أو من غير الهاشمي حكم بأنّه منه ، للروايات الكثيرة الناطقة بأنّ الولد للفراش وللعاهر الحجر (٢) ، فتحرم عليه الزكاة ويعطى له الخمس.

(٢) لا إشكال كما لا خلاف في حجّيّة الشياع في الجملة ، وهل يختصّ بما

__________________

(١) شرح العروة ٢ : ٢٦٠ ٢٦٤.

(٢) الوسائل ٢١ : ١٧٣ ١٧٥ / أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٥٨ ح ٢ ، ٣ ، ٤ ، ٧.

١٩٧

ولا يكفي مجرّد دعواه (١)

______________________________________________________

أفاد العلم ليرجع إلى سقوط الشياع في حدّ نفسه عن درجة الاعتبار ، أو يكتفى بما أفاد الاطمئنان ، أو لا يعتبر شي‌ء منهما بل يكفي الشياع المفيد للظنّ؟

المشهور هو الثاني ، وهو الأصحّ ، لقيام السيرة العقلائيّة على ذلك ، مضافاً إلى أنّ الاطمئنان في نفسه حجّة عقلائيّة.

وتؤيّده مرسلة يونس على رواية الصدوق في الفقيه : «قال : خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ فيها بظاهر الحكم : الولايات والمناكح والذبائح والشهادات والأنساب» (١).

وأمّا غيره فقد بدّل : «الأنساب» ب : «المواريث» (٢) ، كما أنّ التهذيب والاستبصار بدّل : «الحكم» ب : «الحال» (٣).

وكيفما كان ، فهي مؤيّدة للمطلوب ، بناءً على أنّ المراد بظاهر الحال أو ظاهر الحكم في الأنساب هو المعروفيّة المساوقة للشيوع البالغ حدّ الاطمئنان.

وأمّا الوجه الأخير الذي ذهب إليه جماعة فلم يعرف مستنده ، ولعلّهم استندوا إلى هذه المرسلة بعد تفسير ظاهر الحال بالظنّ.

ولكنّها ضعيفة سنداً ودلالةً. إذن فلا يكفي الظنّ ولا يعتبر العلم ، وخير الأُمور أوسطها ، فالعمل بالمشهور هو المتعيّن.

(١) لاحتياجها كسائر الدعاوي إلى الإثبات ، ومع عدمه لعدم البيّنة ولا الشياع ولا الفراش كما هو المفروض فالمتّبع حينئذٍ أصالة عدم الانتساب فلا يجوز دفع الخمس إليه.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٩ / ٢٩.

(٢) الوسائل ٢٧ : ٢٨٩ / أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٢٢ ح ١.

(٣) التهذيب ٦ : ٢٨٨ / ٧٩٨ ، الاستبصار ٣ : ١٣ / ٣٥.

١٩٨

وإن حرم دفع الزكاة إليه (١) مؤاخذةً له بإقراره. ولو ادّعى أنّه ليس بهاشمي يعطى من الزكاة ، لا لقبول قوله ، بل لأصالة العدم (٢) عند الشكّ في كونه منهم أم لا ، ولذا يجوز إعطاؤها لمجهول النسب كاللقيط.

______________________________________________________

(١) قد عرفت عدم جواز دفع الخمس إليه ، للشكّ في تحقّق موضوعه.

وهل يجوز أخذه الزكاة من غير الهاشمي كما يجوز في غير المقام بلا كلام استناداً إلى أصالة عدم كونه هاشميّاً بناءً على ما هو الصواب من جريان الاستصحاب في الأعدام الأزليّة؟

الظاهر عدم الجواز كما اختاره السيّد الماتن (قدس سره) ، لما أفاده من أنّ مقتضى إقراره عدم تملّكه لما يأخذه بعنوان الزكاة ، ومعه كيف يحكم بتفريغ ذمّة المعطي بالدفع لمن يعترف بعدم الاستحقاق ولا التملّك فإنّ من المعلوم لزوم إحراز الاستحقاق في تفريغ الذمّة ، ولا إحراز بعد اعترافه بعدم الاستحقاق. وهذا نظير الدفع لمن يعترف بغناه استناداً إلى أصالة الفقر أو استصحابه فيما إذا كان مسبوقاً به ، فإنّ من الواضح عدم السبيل لإجراء هذا الأصل بعد الإقرار المزبور الذي هو مقدّم حتّى على البيّنة فضلاً عن الأصل المذكور.

ومنه يظهر الفرق بين المقام وبين سائر موارد الشكّ في الهاشميّة أو في الفقر ممّا لم يكن مقروناً بالإقرار.

وممّا ذكرنا يظهر اندفاع ما قد يتوهّم من أنّ الإقرار إنّما يتقدّم بالإضافة إلى الأحكام التي تكون للمقرّ له بالإضافة إلى المالك وإفراغ ذمّته بذلك ، فلاحظ.

(٢) أي الأزلي ، بناءً على ما هو الصواب من جريان الاستصحاب في الأعدام الأزليّة على ما هو موضح في محلّه.

ومنه يظهر الحال في مجهول الحال الذي لا يدّعي شيئاً لا الهاشميّة ولا عدمها كاللقيط ونحوه ممّن هو مشكوك النسب ، فإنّ المرجع فيه أيضاً هو أصالة عدم

١٩٩

[٢٧٥٣] مسألة ٢٣ : يشكل إعطاء زكاة غير الهاشمي لمن تولّد من الهاشمي (١) بالزنا ، فالأحوط عدم إعطائه ، وكذا الخمس ، فيقتصر فيه على زكاة الهاشمي.

______________________________________________________

الانتساب الذي عوّل عليه الأصحاب في جميع الأبواب كما صرّح به شيخنا الأنصاري (قدس سره) في طهارته (١).

(١) وجه الإشكال : التردّد في كونه ولداً للزاني من كونه مخلوقاً من مائه ومتكوّناً من نسله فهو ولده لغةً وعرفاً ، ومن عدم التوارث بينهما فلم يكن ولده شرعاً ، لكن الأظهر هو الأوّل ، لما عرفت من الصدق اللغوي والعرفي ، ولم يظهر من الشرع خلافه ، حيث لم يرد في نفيه ولا رواية واحدة ضعيفة ، غايته الممنوعيّة من الإرث كسائر الموانع من القتل والكفر والرقّ ، وهي أعمّ من نفي الولديّة ، بل ربّما يشهد لثبوتها الشرعي جريان كافّة الأحكام ما عدا الإرث كعدم جواز تزويج الزاني بابنته المتولّدة منه ، ولا ولد الزنا بامّه أو أُخته أو عمّته ونحوها من سائر محرامه ، وكذا جواز نظره إليهنّ كجواز نظر الزاني إلى ابنته.

وملخّص الكلام : أنّ جميع الأحكام ممّا يجوز أو لا يجوز مشترك من المتولّد من الحلال أو الحرام ، عدا ما استثني وعمدته التوارث ، ولم ينف عنه الولديّة في شي‌ء من الأدلّة ، ومقتضى ذلك منعه عن الزكاة كجواز أخذه الخمس.

وما في الجواهر من دعوى انصراف دليل المنع عن مثل المقام لانسباق المتولد من الحلال دون الحرام فتشمله عمومات الزكاة (٢).

__________________

(١) كتاب الطهارة : ٣٥١ (حجري).

(٢) الجواهر ١٥ : ٤٠٧.

٢٠٠