موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

إذا لم يكن عنده ما يوسّع به عليهم (١).

نعم ، يجوز دفعها إليهم إذا كان عندهم من تجب نفقته عليهم لا عليه كالزوجة للوالد أو الولد والمملوك لهما مثلاً (٢).

______________________________________________________

ومنها : معتبرة إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل له ثمانمائة درهم ولابن له مأتا درهم ، وله عشر من العيال ، وهو يقوتهم فيها قوتاً شديداً وليس له حرفة بيده إنّما يستبضعها فتغيب عنه الأشهر ثمّ يأكل من فضلها ، أترى له إذا حضرت الزكاة أن يخرجها من ماله فيعود بها على عياله يتّسع عليهم بها النفقة؟ «قال : نعم ، ولكن يخرج منها الشي‌ء الدرهم» (١).

ومورد هذه الرواية وإن كان هو المال المعدّ للاستبضاع والاتّجار ولكنّها غير صريحة بل ولا ظاهرة في إرادة زكاة مال التجارة بالخصوص ، بل مقتضى الإطلاق وترك الاستفصال في قوله : إذا حضرت الزكاة ، شموله لحضور الزكاة الواجبة كحلول وقت زكاة الفطرة وقد رخّص (عليه السلام) في صرفها على العيال للاتّساع ومزيد الإنفاق عليهم.

وهناك نصوص اخرى غير صالحة للاستدلال لظهورها في إرادة زكاة مال التجارة خاصّةً. وفيما ذكرناه من المعتبرتين غنى وكفاية.

(١) لأنّ مورد المعتبرتين هو ذلك فيبقى غيره تحت إطلاقات المنع.

(٢) بلا خلاف فيه ، لوضوح اختصاص أدلّة المنع بغير ذلك ، إذ التعليل الوارد فيها ظاهر فيمن هو لازم للمزكّي نفسه لا لمن يعوله المزكّي ، فتشمله حينئذٍ إطلاقات جواز الدفع لكلّ فقير ، السليمة عن المقيّد.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٤٢ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٤ ح ١.

١٦١

[٢٧٤٠] مسألة ١٠ : الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من سهم الفقراء ولأجل الفقر ، وأمّا من غيره من السهام كسهم العاملين إذا كان منهم أو الغارمين أو المؤلّفة قلوبهم أو سبيل الله أو ابن السبيل أو الرقاب إذا كان من أحد المذكورات فلا مانع منه (١).

[٢٧٤١] مسألة ١١ : يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه إذا لم يكن قادراً على إنفاقه (٢) ، أو كان قادراً ولكن لم يكن باذلاً.

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه كما ادّعاه غير واحد بالسنة مختلفة ، لقصور نصوص المنع عن شمول ذلك ، إذ المنسبق منها ولو بمعونة كون الموضوع لوجوب الإنفاق هو القريب الفقير أنّ الممنوع هو دفع الزكاة من سهم الفقراء ، ولا نظر فيها إلى بقيّة السهام بوجه ، فلا مانع إذن من الرجوع إلى إطلاقات أدلّتها ، مضافاً إلى ورود النصّ الخاصّ في بعضها ، فقد ورد جواز قضاء دين الأب من سهم الغارم كما تقدّم (١).

(٢) قد عرفت عدم جواز دفع الزكاة إلى واجب النفقة ، ومقتضى إطلاق الأدلّة عدم الفرق بين كون الدافع غنيّاً أو فقيراً. واحتمال الاختصاص بالأوّل نظراً إلى سقوط الإنفاق عن الثاني ضعيف ، لمنافاته مع التعليل بأنّهم عياله ولازموه ، لوضوح اشتراكه بينهما ، غاية الأمر أنّ وجوب الإنفاق لمكان اشتراطه بالقدرة ساقط عن العاجز ، وهو أمر آخر ، ولا تنافي بينه وبين عموم التعليل المزبور الذي يشير إلى معنى عرفي ارتكازي ، وهو أنّ من يعوله الإنسان بمنزلة نفسه وصرف الزكاة عليهم كصرفها على نفسه ، وكأنّه أخرج من كيس

__________________

(١) في ص ٨٥ ، ١٠٧.

١٦٢

وأمّا إذا كان باذلاً فيشكل الدفع إليه (*) (١) وإن كان فقيراً كأبناء الأغنياء إذا لم يكن عندهم شي‌ء

______________________________________________________

وأدخلها في كيسه الآخر ، فإنّ هذه العلّة كما ترى لا يفرق فيها بين الغني والفقير.

وبعبارة اخرى : وجوب الإنفاق لا يختصّ بالغنى لا العرفي ولا الشرعي ، بل يجب على كلّ أحد تحصيل نفقة عياله وإن كان فقيراً غير مالك لقوت سنته ، اللهمّ إلّا أن يكون عاجزاً فيسقط حينئذٍ لمكان العجز كغيره من سائر التكاليف بعد أن كانت القدرة من الشرائط العامّة ، ولا ينافي ذلك مع عموم التعليل كما عرفت.

ويعضده ترك الاستفصال في مصحّحة إسحاق المتقدّمة المانعة عن الدفع إلى الولد أو الوالدين بين كون الدافع غنيّاً أو فقيراً الكاشف عن الإطلاق.

هذا بالنسبة إلى من وجبت عليه الزكاة.

وأمّا غيره فهل يجوز له إعطاء زكاته إلى من وجبت نفقته على الغير؟

أمّا إذا كان ذلك الغير فقيراً لا يتمكّن من دفع النفقة فلا إشكال ، لإطلاقات الأدلّة السليمة عن التقييد.

وأمّا إذا كان متمكِّناً ولكنّه لا يبذل إمّا عصياناً أو لعذرٍ من بُعدٍ ونحوه فكذلك ، لصدق الفقير عليه بعد وضوح أنّ مجرّد وجوب نفقته على من لا يكون باذلاً خارجاً لا يجعله غنياً ولا يخرجه عن إطلاق قوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) إلخ ، وإنّما الكلام في الباذل وستعرف الحال فيه.

(١) بل الظاهر عدم الجواز ، لا لإطلاق قوله : «خمسة لا يعطون» إلخ ، بدعوى

__________________

(*) لا يبعد جواز الدفع في غير الزوجة إذا كان من تجب عليه النفقة فقيراً.

١٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

شموله لمطلق من تلبّس بهذه العناوين ليرجع إلى اشتراط أن لا يكون المستحقّ أباً أو ولداً لأيّ أحد ، فإنّه كما ترى ، بل مضحك للثكلى ، بل المراد أن لا يكون أباً أو ولداً للمعطي والمزكّي نفسه ، فالحكم مختصّ به ولا يشمل غيره كما هو واضح.

بل للانصراف أوّلاً عن مثل هذا الفقير الذي تجب نفقته على غني باذل كأولاد الأغنياء الباذلين عليهم وإن كانوا هم فقراء.

وثانياً : عدم شمول حكمة التشريع من سدّ الحاجة ورفع الخلّة لمثل هؤلاء الذين هم يعتبرون في قوّة الأغنياء وإن كانوا من مصاديق الفقراء ، ومن ثمّ خصصنا سهم الغارمين بالعاجزين عن أداء الدين وإن كانت الأدلّة مطلقة ، رعايةً لحكمة التشريع.

وبالجملة : لا يكاد يصدق المحتاج على من له باذل يتكفّل شؤون معاشه ، فالنصّ منصرف عنهم ، ومع الغضّ فالحكمة غير شاملة لهم ، ولا غرو فإنّ الشارع ربّما يتصرّف في الموضوع فيعتبر الفقير العرفي غنيّاً شرعيّاً كمن لم يكن له إلّا ما يكفيه لقوت سنته ، بل من لم يكن له مال أصلاً ولكنّه محترف يتمكّن من تحصيل قوت سنته ، وكذلك الحال في المقام فإنّه وإن كان فقيراً في نفسه إلّا أنّه من لوازم الغنى وشؤونه وهو قائم باموره ، فهو ملحق به ومعه لا يجوز دفع الزكاة إليه.

وممّا ذكرنا تعرف أنّ من يجب عليه النفقة إذا كان فقيراً أيضاً يرتزق من الزكوات جاز دفعها لعياله ، فإذا كان الأب ينفق على أولاده ممّا يأخذ من الزكاة جاز دفعها إليهم ابتداءً ، فإنّهم وإن كانوا عياله ولازميه إلّا أنّهم من لوازم الفقير لا الغني ، فهم كنفس المنفق فقراء عرفاً وشرعاً ، فيجوز الدفع إلى الكلّ بمناط واحد ، ولا مانع من ذلك.

كما لا مانع أيضاً من إعطائها لعيال الغني الباذل فيما إذا كان بذله مقروناً

١٦٤

بل لا ينبغي الإشكال في عدم جواز الدفع إلى زوجة الموسر الباذل (١).

______________________________________________________

بالمنّة والذلّة ، فيجوز للأب الفقير أخذ الزكاة وإن كان ولده غنيّاً باذلاً إلّا أنّ بذله مقرون بمهانة لا تتحمّل عادةً ، لا ما إذا امتنع عن الأخذ منه طلباً لزيادة مال الولد مثلاً.

وملخّص الكلام في المقام : أنّ من تجب عليه نفقة الغير لا يجوز له دفع زكاته إليه مطلقاً. وأمّا غيره فلا يجوز أيضاً فيما إذا كان من يجب عليه غنيّاً باذلاً من دون منّة أو مهانة موجبة للكلفة والمشقّة. وأمّا إذا كان فقيراً أو غير باذل لعذر أو لغير عذر أو كان بذله مقروناً بمهانة لا تتحمّل فيجوز حسبما عرفت.

(١) لأنّها تفارق الأقارب كالولد والأبوين في أنّها تملك النفقة في ذمّة الزوج بحيث لو لم يعطها كان مديناً لها ، وأمّا في الأقارب فالحكم تكليف محض من غير استتباع للرضع. وعليه ، فمع كونها مالكة والزوج موسر باذل لا يصدق عليها المحتاج لتستحقّ الزكاة ، ومجرّد كون الملكيّة على سبيل التدرّج أي يوماً فيوماً لا يستوجب صدق المحتاج كما هو الحال في المحترف.

فالمقام نظير من آجر داره سنة كاملة شريطة أن يدفع الأُجرة كلّ يوم ديناراً وكان هذا المقدار وافياً بمئونة السنة ، فانّ مثله لا يطلق عليه الفقير وإن لم يتمكّن من التصرّف فعلاً في تمام مال الإجارة ، فإنّ المقام وإن فارق مورد التنظير في أنّ مالك الدار يملك فعلاً تمام المال بمجرّد عقد الإيجار وإنّما التدرّج في الاستحقاق فحسب ، أمّا في المقام فالملكيّة أيضاً تدريجيّة ، إلّا أنّ هذا الفرق غير فارق ، لعدم كونه مؤثّراً فيما هو مناط البحث من عدم صدق المحتاج عليه عرفاً على التقديرين ليستحقّ الزكاة.

وممّا ذكرنا يظهر الفرق بين الزوجة والأقارب في أنّها لا تستحقّ الزكاة حتّى إذا لم يكن الزوج الباذل غنيّاً ، بل هي كسائر الديّان يأخذون دينهم من الفقير

١٦٥

بل لا يبعد عدم جوازه مع إمكان إجبار الزوج على البذل إذا كان ممتنعاً منه ، (١) بل الأحوط عدم جواز الدفع إليهم للتوسعة اللائقة بحالهم مع كون من عليه النفقة باذلاً للتوسعة أيضاً (*) (٢).

______________________________________________________

ولو بنحو التدريج وليس لهم أخذ الزكاة ، بداهة أنّ فقر المدين لا يقتضي فقر الدائن. وهذا بخلاف الأقارب فلهم الأخذ منها مع فقر المنفق حسبما تقدّم (١).

(١) إذ بعد ما عرفت من كون النفقة ملكاً لها في ذمّة الزوج فلها كسائر الديّان إجبار المدين لتحصيل الدين بعد إمكان الإجبار كما هو المفروض ، ومعه لا يصدق عليها الفقير والمحتاج لتستحقّ الزكاة.

نعم ، إذا كان الزوج مقتصراً على الإنفاق اللازم وهي بحاجة إلى التوسعة ، كما لو مرضت بما هو خارج عن المتعارف بحيث توقّف العلاج على السفر إلى البلاد البعيدة وقلنا بعدم وجوب علاج هذه الأمراض على الزوج ، ساغ لها حينئذٍ أن تستفيد من الزكاة ، لأنّ تشريعها إنّما هو للإرفاق على المؤمنين وسدّ حاجاتهم ، والمفروض أنّها في هذه الحالة محتاجة فتشملها حكمة التشريع.

(٢) لما عرفت من انصراف الفقير عن مثلهم ممّن له باذل يقوم بجميع شؤونه حتّى المصارف غير الضروريّة والإنفاق الواسع ، ومع التنزّل فحكمة التشريع غير شاملة لهم ، فليس الوجه في المنع صدق الغنى ليمنع بعد عدم كونهم ما لكين لمئونة السنة كما هو المفروض ، بل لأجل الانصراف أوّلاً وقصور الحكمة ثانياً.

نعم ، لو امتنع عن التوسعة جاز الدفع ، لصدق الفقير وتحقّق الحاجة فتشمله الإطلاقات.

__________________

(*) بل مطلقاً في موارد عدم الحاجة والضرورة.

(١) في ص ١٦٢ ١٦٣.

١٦٦

[٢٧٤٢] مسألة ١٢ : يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتّع بها (١) ، سواء كان المعطي هو الزوج أو غيره ، وسواء كان للإنفاق أو للتوسعة.

______________________________________________________

ودعوى عدم الفرق بين بذل المنفق للتوسعة وعدمه فإنّه إن صدق عليهم الغنيّ مع اقتصاره على النفقة اللازمة ولأجله لم يجز دفعها من غيره لم يجز دفعها للتوسعة أيضاً ، وإلّا جاز دفعها لها أيضاً.

مدفوعة بعدم الصدق جزماً ، ولم يكن الوجه في عدم الدفع في صورة البذل صيرورتهم أغنياء بذلك ، بل وجهه ما عرفت من عدم صدق الحاجة مع القيام بالنفقة اللازمة ، كيف؟! ولو كان الوجه ذلك لما جاز الدفع للتوسعة أيضاً مع التصريح بالجواز في صحيحة ابن الحجّاج عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه يكفيه مئونته ، أيأخذ من الزكاة فيوسع به إن كانوا لا يوسعون عليه في كلّ ما يحتاج إليه؟ «فقال : لا بأس» (١).

وملخّص الكلام : أنّ الموضوع للزكاة هو الفقير المحتاج ، فإذا كان محتاجاً إلى النفقة اللازمة وإلى التوسعة وقام المنفق ببذل كلّ منهما لم يستحقّ حينئذٍ من الزكاة شيئاً ، وإن لم يدفع شيئاً منهما أو اقتصر على الأوّل جاز له أخذ الزكاة لرفع حاجته الفعليّة مهما كانت ، فلا فرق بين النفقة اللّازمة وبين التوسعة ، والعبرة برفع الحاجة حسبما عرفت.

(١) لاختصاص أدلّة المنع بصورة وجوب الإنفاق ، لأنّها بين ما تضمّن التعليل بأنّهم عياله ولازموه كما في صحيحة ابن الحجّاج وما تضمّن التعبير بلازم النفقة كما في مصحّح إسحاق وشي‌ء منهما لا يشمل المنقطعة ، لعدم وجوب نفقتها. ومنه تعرف فساد ما حكي عن بعضهم من عموم المنع ، لإطلاق النصّ ،

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٣٨ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١١ ح ١.

١٦٧

وكذا يجوز دفعها إلى الزوجة الدائمة مع سقوط وجوب نفقتها بالشرط أو نحوه (١). نعم ، لو وجبت نفقة المتمتّع بها على الزوج من جهة الشرط أو نحوه لا يجوز الدفع إليها (٢) مع يسار الزوج (٣).

______________________________________________________

فإنّ النصّ المطلق لا وجود له في المقام ، وعلى فرض وجوده فهو مقيّد بما عرفت.

نعم ، ذكرت الزوجة على سبيل الإطلاق في روايات أبواب النفقات ، كصحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : قلت له : من الذي أُجبر عليه وتلزمني نفقته؟ «قال : الوالدان والولد والزوجة» (١) ، ونحوها صحيحة جميل (٢) إلّا أنّها مقيّدة بغير المنقطعة ، لما دلّ على عدم وجوب الإنفاق عليها.

(١) لكونها حينئذٍ في حكم المنقطعة في عدم وجوب الإنفاق ، فتخرج عن كونها لازمة للزوج ولا يشملها التعليل ، فإذا كانت فقيرة شملتها الإطلاقات ، فإنّ مجرّد الزوجيّة لا يخرجها عنها ما لم تكن لازمة.

(٢) لاشتمالها حينئذٍ على ملاك المنع الموجود في الدائمة ، وهو وجوب الإنفاق وصيرورتها لازمة للزوج ولو بسبب الاشتراط فتدخل في عموم التعليل.

ودعوى انصراف اللّزوم فيه إلى الأصلي عريّةٌ عن الشاهد ، بل ظاهره أنّ العبرة مجرّد اللّزوم وتحقّق العيلولة ولو لجهة عارضيّة وأنّ مناط المنع وجوب النفقة لا الزوجيّة.

(٣) أي وبذله أو إمكان إجباره ، فإنّ مجرّد اليسار غير كافٍ في المنع عن دفع الغير إليها كما تقدّم وإن كان كافياً في دفع الزوج نفسه كما لا يخفى.

__________________

(١) الوسائل ٢١ : ٥٢٥ / أبواب النفقات ب ١١ ح ٣.

(٢) الوسائل ٢١ : ٥١٠ / أبواب النفقات ب ١ ح ٤.

١٦٨

[٢٧٤٣] مسألة ١٣ : يشكل دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة إذا كان سقوط نفقتها من جهة النشوز ، لتمكّنها من تحصيلها بتركه (١).

[٢٧٤٤] مسألة ١٤ : يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج (٢) وإن أنفقها عليها.

______________________________________________________

(١) لا يبعد أن يكون المراد من هذا التعليل المذكور في المعتبر (١) وغيره أنّها متمكّنة من تحصيل النفقة بإزالة المانع وهو النشوز بعد وجود المقتضي وهو عقد الزواج الدائم لا أنّها متمكّنة منها بإيجاد المقتضي ، بداهة انّ هذا النوع من التمكّن لا يمنع عن أخذ الزكاة ، ألا ترى أنّ المرأة الفقيرة لها أن تأخذ من الزكاة حتّى إذا كانت قادرة على تحصيل المقتضي للإنفاق باختيار الزواج الدائم ، فلا يجب عليها التزويج لتستغني عن الزكاة.

وعليه ، فالتعليل وجيه ، إذ مع وجود المقتضي والتمكّن من إزالة المانع لا يصدق الفقر ، وهل تجد من نفسك إطلاق الفقير على زوجة أحد من الأثرياء قد هيّأ لها جميع أنحاء العيش والهناء خرجت من دار زوجها بدون إذنه بحيث أصبحت ناشزة وهي قادرة على العود متى شاءت؟! كلّا ، لا يصدق عليها الفقير عرفاً وإن لم تملك شيئاً ، فإنّه منصرف عن مثلها بلا ريب. ومع تسليم الصدق فحكمة تشريع الزكاة وهي الحاجة غير شاملة لها جزماً ، فلا يجوز لها أخذها ، لقدرتها على الطاعة وأخذ النفقة ورفع الحاجة.

(٢) لاختصاص دليل المنع بعكسه وهو دفع المزكّي زكاته لأهله ومن تجب نفقتها عليه ، أمّا المقام فهو مشمول لإطلاق الأدلّة بعد سلامته عن التقييد ، وبعد التملّك له صرفها كيفما شاء وإن كان هو الإنفاق على الأهل.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٨٢.

١٦٩

وكذا غيرها ممّن تجب نفقته عليه بسببٍ من الأسباب الخارجيّة (١).

[٢٧٤٥] مسألة ١٥ : إذا عال بأحدٍ تبرّعاً جاز له دفع زكاته له فضلاً عن غيره (٢) للإنفاق أو التوسعة ، من غير فرق بين القريب الذي لا يجب نفقته عليه كالأخ وأولاده والعم والخال وأولادهم وبين الأجنبي ، ومن غير فرق بين كونه وارثاً له لعدم الولد مثلاً وعدمه.

______________________________________________________

فما قيل من المنع أو من عدم جواز الإنفاق على الأهل وإن جاز الأخذ ، كما ترى.

(١) لما عرفت من الإطلاق بعد اختصاص دليل المنع بعكس المسألة.

(٢) لاختصاص الروايات المانعة بمن هو واجب النفقة بحيث تلزمه نفقتهم شرعاً ، فلا تشمل غير الواجب وإن عدّ عياله عرفاً ، فإنّ التبرّع لا يغيّر الواقع ، فلا جرم تشمله الإطلاقات بعد كونه مصداقاً للفقير.

نعم ، إطلاق قوله (عليه السلام) في معتبرة أبي خديجة : «لا تعط من الزكاة أحداً ممّن تعول» (١) غير قاصر الشمول له لولا تقييده بواجب النفقة بمقتضى التعليل في صحيحة ابن الحجّاج وغيره ممّا تضمّن حصره في الولد والوالدين والزوجة والمملوك ، فلا يجب الإنفاق على غير هؤلاء ، ولا مانع من إعطائهم الزكاة وإن عدّوا من العيال العرفي.

وما في صحيحة محمّد الحلبي من زيادة الوارث الصغير عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : والوارث الصغير يعني الأخ وابن الأخ ونحوه» (٢) محمول على الاستحباب أو التقيّة ، لما تراه العامّة من وجوب نفقة الوارث على الموروث.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٤٤ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٤ ح ٦.

(٢) الوسائل ٢١ : ٥٢٦ / أبواب النفقات ب ١١ ح ٦.

١٧٠

[٢٧٤٦] مسألة ١٦ : يستحبّ إعطاء الزكاة للأقارب (١) مع حاجتهم وفقرهم وعدم كونهم ممّن تجب نفقتهم عليه ، ففي الخبر (٢) : أيّ الصدقة أفضل؟ «قال (عليه السلام) : على ذي الرحم الكاشح» وفي آخر (٣) : «لا صدقة وذو رحم محتاج».

______________________________________________________

هذا ، والمسألة ممّا لا إشكال فيها ولا خلاف ، بل عليه الإجماع بقسميه كما في الجواهر (١).

(١) للتصريح بالأفضليّة في موثقة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) ، قال : قلت له : لي قرابة أُنفق عليهم وأُفضّل بعضهم على بعض فيأتيني إبّان الزكاة ، أفأُعطيهم منها؟ «قال : مستحقّون لها؟» قلت : نعم «قال : هم أفضل من غيرهم ، أعطهم» (٢).

(٢) وهو معتبر السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : سُئل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : أيّ الصدقة أفضل؟ قال : على ذي الرحم الكاشح» (٣) ، وقد وردت بعدّة طرق ضعيفة والمعتبر منها ما عرفت.

والكاشح هو المدبر ، ولعلّ في دفع الزكاة رفع الكدور وحصول الإقبال.

(٣) وهو مرسل الصدوق (٤).

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ٤٠٣.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٤٥ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٥ ح ٢.

(٣) الوسائل ٩ : ٤١١ / أبواب الصدقة ب ٢٠ ح ١.

(٤) الوسائل ٩ : ٤١٢ / أبواب الصدقة ب ٢٠ ح ٤ ، الفقيه ٢ : ٣٨ / ١٣.

١٧١

[٢٧٤٧] مسألة ١٧ : يجوز للوالد (*) أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مئونة التزويج (١) وكذا العكس.

______________________________________________________

(١) تارةً يفرض الدفع من سهم سبيل الله ، نظراً إلى أنّ التزويج منه حيث أنّه عمل راجح شرعاً فيدفع للصرف في هذه الجهة من غير أن يتضمّن التمليك ، واخرى من سهم الفقراء.

أمّا الأوّل : فهو مبني على القول بالتوسعة في هذا السهم وشموله لكلّ عمل قربي ومشروع خيري ، وقد عرفت منعه فيما سبق وأنّه يظهر من التمثيل له في الروايات بالحجّ والجهاد ونحوهما اختصاصه بما يشتمل على المصالح العامّة ممّا يترتّب عليه نفع للدين أو للمسلمين كبناء المساجد والمدارس والذهاب إلى الجهاد وما شاكل ذلك. كيف؟! ولو صحّت تلك التوسعة لساغ تزويج أولاد الأغنياء بها وشراء الدور لهم ، فإنّه عمل قربي يتضمّن إدخال السرور في قلب المؤمن ، ولا يظنّ أنّه يلتزم به الفقيه.

نعم ، على القول بالتوسعة لا مانع في المقام من الصرف من هذا القسم ، فإنّ الأدلّة المانعة عن إعطاء الزكاة لواجب النفقة ناظرة إلى الدفع من سهم الفقراء خاصّة ، ولا نظر فيها إلى بقيّة السهام إذا شملته عناوينها.

وأمّا الثاني : فهو داخل في عنوان التوسعة ، إذ المراد بها ما يزيد على النفقة الواجبة من الطعام والكسوة والمسكن ، وحيث لم يكن التزويج منها فلا مانع من صرف الزكاة فيه ، لكنّه مشروط بعجز المنفق عن البذل من مال نفسه ، أمّا مع التمكّن فهو مشمول لإطلاق ما دلّ على المنع من إعطاء الزكاة للوالد والولد ،

__________________

(*) هذا إذا لم يكن عنده ما يزوّجه به ، وإلّا ففيه إشكال.

١٧٢

[٢٧٤٨] مسألة ١٨ : يجوز للمالك دفع الزكاة إلى ولده للإنفاق على زوجته أو خادمه من سهم الفقراء (١) ، كما يجوز له دفعه إليه لتحصيل الكتب العلميّة (*) من سهم سبيل الله (٢).

______________________________________________________

خرّجنا عنه بمقتضى معتبرة أبي خديجة وغيرها الإنفاق للتوسعة مع عدم التمكّن فيبقى غيره تحت الإطلاق. إذن فلا يجوز للمنفق المتمكّن الإعطاء من الزكاة.

نعم ، يجوز للمنفق عليه حينئذٍ أخذ الزكاة من غيره للتزويج أو لغيره ، لصدق الفقير المحتاج عليه بعد عدم تحقّق البذل من المنفق ، فلاحظ.

(١) إذ الممنوع هو الدفع لمن تجب نفقته على المنفق نفسه أعني : صاحب الزكاة ولم تكن زوجة الولد ولا خادمه منهم. ومن المعلوم أنّ الإنفاق في مفروض المسألة لا يعدّ من الإنفاق على نفس الولد.

(٢) تارةً يكون المدفوع من سهم سبيل الله ، وأُخرى من سهم الفقراء توسعةً عليهم.

أمّا الأوّل : فالشراء للولد على سبيل التمليك له وإن كان أمراً محبوباً وعملاً قربيّاً ، إلّا أنّك عرفت أنّ الصرف من هذا السهم لا يعمّ كل مشروع خيري ، بل يختصّ بما يرجع إلى الجهات العامّة والمصالح النوعيّة ، فلا يشمل المقام.

نعم ، لا بأس بشراء الكتب العلميّة من هذا السهم لينتفع بها العموم ومنهم ولده ، باعتبار أنّ في شراء الكتب ونشرها ومطالعتها ترويجاً للدين وفائدة للمؤمنين وتعظيماً لشعائر الإسلام ، فتبدّل الزكاة بتلك الكتب وتوقف في محلّ معيّن ليستفيد منها الكلّ من دون تمليك لخصوص الولد.

__________________

(*) في جواز الدفع إليه من سهم سبيل الله تمليكاً إشكال.

١٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا الثاني : فهو مشكل أيضاً ، نظراً إلى أنّ الأدلّة المرخّصة للصرف في التوسعة وعمدتها معتبرة أبي خديجة ظاهرة في التوسعة للنفقة ، قال (عليه السلام) فيها : «... يزيدها في نفقتهم وفي كسوتهم وفي طعامٍ لم يكونوا يطعمونه» وقال (عليه السلام) في ذيلها : «... ويجعل زكاة الخمسمائة زيادة في نفقة عياله يوسّع عليهم» (١).

وأمّا مطلق التوسعة الخارجة عن النفقة كشراء الكتب والسفر للتنزّه وما شاكل ذلك فهو غير مشمول لتلك الأدلّة ، فإنّها غير متعرّضة لذلك بعد وضوح أنّ الشراء المزبور غير محسوب من النفقة.

نعم ، صحيحة ابن الحجّاج تعمّ كلّ حاجة ، قال : أيأخذ من الزكاة فيوسع به إن كانوا لا يوسعون عليه في كلّ ما يحتاج إليه؟ «فقال : لا بأس» (٢) ، الشامل لشراء الكتب ، لكنّها لا تدلّ على جواز الأخذ من زكاة نفس المنفق ، بل ظاهرها الأخذ من زكاة سائر الناس لصرفها في حوائجه التي لا يقوم بها المنفق ، وهو خارج عن محلّ الكلام.

أ لا ترى أنّ الإمام (عليه السلام) لو سئل عن جواز أخذ الولد الزكاة لأجل تزويجه الذي يحتاج إليه فأجاب بقوله : نعم ، لا يكاد يدلّ ذلك بوجه على جواز أخذها من والده المنفق عليه ، فإنّ المقام من هذا القبيل. إذن فيبقى شراء الكتب ونحوها ممّا هو خارج عن التوسعة في النفقة تحت عموم المنع.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٤٤ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٤ ح ٦.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٣٨ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١١ ح ١.

١٧٤

[٢٧٤٩] مسألة ١٩ : لا فرق في عدم جواز دفع الزكاة إلى من تجب نفقته عليه بين أن يكون قادراً على إنفاقه أو عاجزاً (*) (١) ، كما لا فرق بين أن يكون ذلك من سهم الفقراء أو من سائر السهام (٢) ، فلا يجوز الإنفاق

______________________________________________________

(١) لإطلاق الأدلّة كالإجماعات المحكيّة المانعة عن دفع الزكاة إلى واجب النفقة.

ولكنّه كما ترى ، إذ قد تقدّم منه وهو الصحيح اختصاص المنع بمن تجب عليه نفقته فعلاً ولا يكفي مجرّد الوجوب الشأني الطبعي ، ومن ثَمّ ذكر (قدس سره) جواز الدفع للناشزة وللدائمة التي اشترط عدم نفقتها مع أنّ الزوجة بحسب الطبع الأوّلي يجب نفقتها على الزوج ، غايته أنّه سقط فعلاً لمانعٍ وهو النشوز أو الشرط أو لأجل العجز كما في المقام.

وعلى الجملة : بعد حصول ما يرتفع به التكليف الفعلي من العجز أو الشرط أو النشوز وما شاكلها لا يصدق على الولد مثلاً أنّه لازم له ، فلا يشمله التعليل الوارد في ذيل صحيحة ابن الحجّاج : «أنّهم عياله لازمون له» (١). ومعه لا إطلاق للصدر يشمل صورة العجز بعد الاحتفاف بالذيل الذي هو كقرينة متّصلة مانعة عن انعقاد الإطلاق ، ولو كان فهو مقيّد به وموجب لتخصيصه بالوجوب الفعلي ، فلا يشمل موارد السقوط بعجز ونحوه.

(٢) يعني بعنوان النفقة اللازمة دون غيرها كما سبق التعرّض له في المسألة العاشرة ، وذلك لإطلاق الأدلّة المانعة من الصرف في النفقة.

__________________

(*) الجواز في فرض العجز لا يخلو من وجه قريب ، ومنه يظهر الحال في فرض العجز عن الإتمام.

(١) الوسائل ٩ : ٢٤٠ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٣ ح ١.

١٧٥

عليهم من سهم سبيل الله أيضاً وإن كان يجوز لغير الإنفاق. وكذا لا فرق على الظاهر الأحوط بين إتمام ما يجب عليه وبين إعطاء تمامه (١) وإن حكي عن جماعة (٢) أنّه لو عجز عن إنفاق تمام ما يجب عليه جاز له إعطاء البقيّة كما لو عجز عن إكسائهم أو عن إدامهم ، لإطلاق بعض الأخبار الواردة في التوسعة بدعوى شمولها للتتمّة ، لأنّها أيضاً نوع من التوسعة. لكنّه مشكل (٣) فلا يترك الاحتياط بترك الإعطاء.

______________________________________________________

(١) يظهر الحال هنا ممّا مرّ ، حيث عرفت اختصاص المنع بصورة التمكّن ، فمع العجز كلّاً أو بعضاً لا يشمله دليل المنع ، فإذا لم يشمل المقدار الذي يعجز عنه لا مانع من التمسّك فيه بإطلاقات أدلّة الزكاة ، فلا فرق في صحّة التمسّك بها بين تعلّق العجز بتمام النفقة أو بعضها ، لاتّحاد المناط.

(٢) حاصل المحكي عن جماعة هو التفصيل بين تعلّق العجز بالكلّ وبين تعلّقه بالبعض ، فيجوز الدفع من الزكاة في الثاني ، نظراً إلى أنّ الصورتين مشمولتان لإطلاق قوله (عليه السلام) : «خمسة لا يعطون» إلخ ، فإنّه يشمل التمام والبعض مع القدرة أو العجز ، لأجل النفقة أو لتوسعتها ، خرجنا عنه بما دلّ على الجواز لأجل التوسعة ، وحيث إنّه يشمل التتميم إذ هو أيضاً نوع من التوسعة فلا مانع من دفعه من الزكاة.

(٣) فإنّ العمدة من أدلّة التوسعة إنّما هي معتبرة أبي خديجة ، لما عرفت من أنّ صحيحة ابن الحجّاج ناظرة إلى حال الآخذ وغير متعرّضة للمعطي ، ولا ريب أنّ مورد المعتبرة هو الدفع للزيادة مع قدرة المنفق على أصل النفقة كما يظهر لمن لاحظها ، فلا تشمل القدرة على بعضها دون بعض لتعمّ التتميم ، إلّا أن

١٧٦

[٢٧٥٠] مسألة ٢٠ : يجوز صرف الزكاة على مملوك الغير (١) إذا لم يكن ذلك الغير باذلاً لنفقته إمّا لفقره أو لغيره ، سواء كان العبد آبقاً أو مطيعاً.

______________________________________________________

يدّعى الأولويّة وأنّه متى ساغ الدفع منها للتوسعة فالتتميم بطريق أولى ، ولكنّه كما ترى موقوف على دليل مفقود ، لكونه مخالفاً للجمود على ظواهر النصوص المانعة عن الدفع لواجب النفقة إلّا للتوسعة.

هذا كلّه بناءً على عدم جواز دفع التمام منها مع العجز ، وأمّا بناءً على الجواز كما هو الصحيح فقد عرفت أنّ مناطه يعمّ الكلّ والبعض.

(١) للإطلاقات بعد صدق الفقير عليه من أجل عدم بذل المولى لعذر أو عصيان وعدم اشتراط الحرّيّة في المستحقّ.

والقول بالمنع مبني على أمرين ؛ أحدهما : أنّ العبد لا يملك ، وثانيهما : أنّ الدفع للفقير خاص بالتمليك ولا يشمل الصرف ، فلو تمّ الأمران منع العبد عن الزكاة ولا يتمّ شي‌ء منهما.

أمّا الأوّل : فالحقّ أنّه يملك ، ويستفاد ذلك من جملة من الروايات التي منها ما دلّ على أنّه لا زكاة في مال العبد وإن بلغ ألف ألف ، ففي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : ليس في مال المملوك شي‌ء ولو كان له ألف ألف ، ولو احتاج لم يعط من الزكاة شيئاً» (١).

فإنّها صريحة في أنّه يملك ما لا حدّ له ، غاية الأمر أنّ ملكيّته قاصرة ، إذ لم تكن له ولاية التصرّف من دون إذن مولاه ، وذاك أمر آخر فهو محجور في ماله لا أنّه لا يملك.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٩١ / أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٤ ح ١.

١٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا الثاني : فقد عرفت فيما سبق جواز كلّ من التمليك والصرف وعدم الاختصاص بالأوّل. وعليه ، فلا مانع من دفع الزكاة إلى الفقير صرفاً إن قلنا بامتناعه تمليكاً ، للبناء على أنّه لا يملك.

هذا كلّه ما تقتضيه القاعدة.

وأمّا بحسب الأخبار فقد ورد في صحيحة ابن سنان المتقدّمة أنّه : «لم يعط من الزكاة شيئاً» وظاهرها اعتبار الحرّيّة في المستحقّ ، لكنّها مطلقة من حيث كون المعطي نفس المالك أو غيره ، فلتحمل على الأوّل بقرينة التعليل الوارد في ذيل صحيحة ابن الحجّاج المانعة عن دفع الزكاة لجمعٍ منهم المملوك بقوله : «وذلك أنّهم عياله لازمون له» (١) ، حيث يظهر منه أنّ عدم جواز الإنفاق ليس لأمر ذاتي وهو كونه مملوكاً ليشمل المولى وغيره ، وإلّا لكان الإعراض عنه والتعليل بأمرٍ عارض وهو كونه عيالاً للمولى ولازماً له قبيحاً مستهجناً ، فإنّه نظير تعليل الاجتناب عن الكلب بأنّه لاقاه البول ، فإنّه لا مجال للتعليل بالعرضي مع وجود الذاتي ، فإذا كانت العلّة هي العيلولة لا العبوديّة فلا جرم يختصّ المنع بما إذا كان الدافع للزكاة هو المالك فيتقيّد به إطلاق الصحيحة المزبورة ، فيبقى غيره مشمولاً لإطلاقات جواز دفع الزكاة لكلّ فقير ومنهم المملوك.

ومع الغضّ والتنازل فغايته المعارضة بين الإطلاق والتعليل ، فيرجع بعد التساقط إلى الإطلاقات المذكورة كقوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) إلخ ، الشاملة للعبد وغيره.

فتحصّل : أنّ الأظهر جواز إعطاء الزكاة للمملوك الذي لا يقوم مالكه بمئونته لعذرٍ أو لغيره إذا كان المعطي غير المالك حسبما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٤٠ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٣ ح ١.

١٧٨

الرابع : أن لا يكون هاشميّاً إذا كانت الزكاة من غيره (١) مع عدم الاضطرار.

______________________________________________________

(١) إجماعاً كما ادّعاه غير واحد ، بل في الحدائق : أجمع عليه الخاصّة والعامّة (١). وفي الجواهر : بلا خلاف أجده فيه بين المؤمنين ، بل بين المسلمين (٢).

وتدلّ عليه جملة وافرة من النصوص :

منها : صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «قال : إنّ أُناساً من بني هاشم أتوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي وقالوا : يكون لنا هذا السهم الذي جعل الله عزّ وجلّ للعاملين عليها فنحن أولى به ، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : يا بني عبد المطّلب (هاشم) ، إنّ الصدقة لا تحلّ لي ولا لكم» إلخ (٣).

ومنها : صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) : «قالا : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : إنّ الصدقة أوساخ أيدي الناس ، وإنّ الله قد حرّم عليّ منها ومن غيرها ما قد حرّمه ، وإنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطّلب» الحديث (٤).

ومنها : صحيحة ابن سنان يعني : عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «قال : لا تحلّ الصدقة لولد العبّاس ولا لنظرائهم من بني هاشم» (٥).

ومنها : معتبرة إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام)

__________________

(١) الحدائق ١٢ : ٢١٥.

(٢) الجواهر ١٥ : ٤٠٦.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٦٨ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ١.

(٤) الوسائل ٩ : ٢٦٨ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ٢.

(٥) الوسائل ٩ : ٢٦٩ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ٣.

١٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ، ما هي؟ «فقال : هي الزكاة» قلت : فتحلّ صدقة بعضهم على بعض؟ «قال : نعم» (١).

فإنّ السند معتبر ، إذ القاسم بن محمّد وهو الجوهري ثقة على الأظهر كإسماعيل بن المفضّل. كما أنّ الدلالة واضحة ، حيث دلّت على أنّ حرمة الصدقة في الجملة كانت مغروسة في ذهن السائل وإنّما سأل عن حدودها.

وبإزائها معتبرة أبي خديجة سالم بن مكرم الجمّال عن أبي عبد الله (عليه السلام) انّه قال : «أُعطوا الزكاة من أرادها من بني هاشم ، فإنّها تحلّ لهم ، وإنّما تحرم على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وعلى الإمام الذي من بعده وعلى الأئمّة (عليهم السلام)» (٢).

وقد رواها المشايخ الثلاثة بطرق عديدة ، وطريق الصدوق وإن كان ضعيفاً بشيخه ماجيلويه وبمحمّد بن علي أبي سمينة المعروف بالكذب ، لكن طريق الكليني صحيح ، بل وكذلك الشيخ على الأظهر ، فإنّ طريقه إلى علي بن الحسن ابن فضّال وإن كان ضعيفاً لكن طريق النجاشي إليه صحيح وشيخهما واحد ، ولأجله يحكم بصحّة الرواية كما مرّ غير مرّة.

فما يظهر من الجواهر من الخدش في السند لقوله : بعد الغضّ عن سندها (٣) غير واضح ، إلّا أن يكون نظره إلى تضعيف الشيخ لأبي خديجة ، وقد أشرنا ، سابقاً إلى أنّه سهو منه جزماً. وعلى أيّ حال فالسند تامّ بلا إشكال.

وأمّا الدلالة : فقد حملها في الحدائق على مورد الضرورة التي ربّما تتّفق للسادة ،

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٧٤ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٣٢ ح ٥.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٦٩ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٩ ح ٥ ، الكافي ٤ : ٥٩ / ٦ ، الفقيه ٢ : ١٩ / ٦٥ ، التهذيب ٤ : ٦٠ / ١٦١ ، الاستبصار ٢ : ٣٦ / ١١٠.

(٣) الجواهر ١٥ : ٤٠٦.

١٨٠