موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

ولم ينهض أيّ دليل على التخصيص بالأوّل.

الثالث : دعوى انّ الصرف وإن صحّ في الفقير لكنّه لا يتمّ في الصغير إلّا بإذن وليّه ، لأنّه تصرّف فيه من غير مسوّغ فيحرم.

وفيه ما لا يخفى ، ضرورة أنّ التوقّف على الإذن إنّما هو التصرّفات الاعتباريّة من العقود والإيقاعات وما يلحق بها كالقبض والإقباض ، وأمّا التصرّفات التكوينيّة والأفعال الخارجيّة سيّما الحاوية على نوع من الإحسان كالإطعام والإكساء وسقي الماء وما شاكلها فلم ينهض دليل على اعتبار الاستئذان فيها من الولي.

ويمكن استفادة ذلك من صحيحة يونس بن يعقوب المتقدّمة (١) بقوله : فأشتري لهم منها ثياباً وطعاماً ... إلخ ، حيث دلّت على جواز الصرف عليهم من دون مراجعة الولي.

إذن فالقول بجواز الصرف كالتمليك من غير حاجة إلى الاستئذان من الولي مطلقاً هو الأصحّ.

وأمّا ما في المتن من التفصيل في الصرف بين وجود الولي الشرعي وعدمه فغير واضح ، فإنّه إن جاز الدفع من دون الاستئذان ساغ حتّى مع وجود الولي ، وإلّا لما جاز حتّى مع عدمه. على أنّه لا يوجد على مذهبنا فقير لا وليّ له ، فإنّه إن كان له ولي شرعي من الأب أو الجدّ أو القيّم فهو ، وإلّا فتنتهي النوبة إلى الحاكم الشرعي الذي هو ولي من لا ولي له من الإمام أو نائبه الخاصّ أو العامّ أو عدول المؤمنين ، فلم يتحقّق مورد لانعدام الولي رأساً.

وعلى الجملة : فالأمر دائر بين الجواز المطلق وبين العدم كذلك ، ولا مجال للتفصيل المزبور بوجه ، وقد عرفت أنّ الأظهر هو الأوّل.

__________________

(١) في ص ١٣٧.

١٤١

[٢٧٣٢] مسألة ٢ : يجوز دفع الزكاة إلى السفيه تمليكاً (١) وإن كان يحجر عليه بعد ذلك ، كما أنّه يجوز الصرف عليه من سهم سبيل الله (*) ، بل من سهم الفقراء (٢) أيضاً على الأظهر من كونه كسائر السهام أعمّ من التمليك والصرف.

[٢٧٣٣] مسألة ٣ : الصبي المتولّد بين المؤمن وغيره يلحق بالمؤمن (٣) خصوصاً إذا كان (**) هو الأب. نعم ، لو كان الجدّ مؤمناً والأب غير مؤمن ففيه إشكال ، والأحوط عدم الإعطاء.

______________________________________________________

(١) لاختصاص حجزه بالتصرّف ولا يعم التملّك فله القبول والقبض ، غايته أنّه بعد حصول الملكيّة يكون ممنوعاً من التصرّف إلّا بإذن الولي كما في سائر أمواله. وهذا ممّا لا إشكال فيه.

(٢) أمّا من سهم الفقراء فيما إذا كان السفيه فقيراً فلا ينبغي التأمّل فيه بناءً على ما عرفت من كونه أعمّ من التمليك والصرف.

وأمّا من سهم سبيل الله فمبني على تفسيره بمطلق العمل القربي ، وقد تقدّم النقاش فيه وعرفت أنّ الأظهر اختصاصه بما فيه نفع للدين أو مصلحة نوعية للإسلام أو المسلمين ، كبناء المساجد والقناطر وتعبيد الشوارع وإحجاج الحجّاج وما شاكل ذلك ، إذ لو بنى على تلك التوسعة لزم جواز الصرف في تزويج أغنياء المؤمنين أو إطعامهم أو كسوتهم ، فإنّه عمل قربي مندوب يتضمّن إدخال السرور في قلب المؤمن ، وهو كما ترى.

(٣) كأنّ الوجه فيه تبعيّته لأشرف الأبوين كما في المتولّد بين المسلم والكافر ،

__________________

(*) الصرف من هذا السهم إذا لم يكن السفيه فقيراً مشكل جدّاً ، بل لا يبعد عدم جوازه.

(**) الظاهر عدم الإلحاق في غير هذه الصورة.

١٤٢

[٢٧٣٤] مسألة ٤ : لا يعطى ابن الزنا (*) من المؤمنين فضلاً عن غيرهم من هذا السهم (١).

______________________________________________________

ولكنّه كما ترى ، لعدم نهوض دليل على التبعيّة بقولٍ مطلق.

نعم ، في خصوص ما إذا كان أبوه مؤمناً يشمله إطلاق النصوص المتقدّمة الواردة في أطفال المؤمنين وأنّها تشمل من كانت امّه غير مؤمنة ، وأمّا العكس فضلاً عما إذا كان الجدّ فقط مؤمناً فلا دليل عليه ، بل يصدق عليه أنّه ولد لغير أهل الولاية والمعرفة كما لا يخفى.

(١) المعروف بين الأصحاب أنّ ولد الزنا متى بلغ وكان واجداً للشرائط من الفقر والإيمان تعطى له الزكاة ، إذ لا تعتبر في المستحقّ طهارة المولد.

خلافاً لما عن السيّد من حرمانه منها ، لما يرتئيه من كونه كافراً لا لمجرّد كونه ابن الزنا. وقد تقدّم في كتاب الطهارة فساد هذه المقالة (١).

وأمّا حال صغره فلا تعطى له وإن كان الزاني مؤمناً ، وعُلِّل في كلمات غير واحد بانتفاء بنوّته له شرعاً وإن كان ولده لغةً من أجل تولّده من مائه.

وفيه ما لا يخفى ، فإنّ الثابت شرعاً هو نفي توارثه ، ولم ينهض أيّ دليل على نفي البنوّة ، بل قد يظهر من بعض الأخبار إطلاق الولد عليه ، ففي رواية الأشعري ، قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) معي ، يسأله عن رجل فجر بامرأة ، ثمّ إنّه تزوّجها بعد الحمل فجاءت بولد هو أشبه خلق الله به ، فكتب بخطّه وخاتمه : «الولد لغيّة لا يورث» (٢).

__________________

(*) إلّا إذا كان مميّزاً ومظهراً للإيمان.

(١) شرح العروة ٣ : ٦٥ ٦٧.

(٢) الوسائل ٢٦ : ٢٧٤ / أبواب ميراث ولد الملاعنة ب ٨ ح ٢ ، ومثله في ج ٢١ : ٤٩٨ / أبواب أحكام الأولاد ب ١٠١ ح ١.

١٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

في المنجد : يقال : إنّه ولد غيّة ، أي ولد زنا (١).

فإنّ تعليل عدم الإرث بارتكاب أبيه البغي والجريمة يكشف عن ثبوت البنوّة ، وإلّا لكان الأحرى التعليل بعدم المقتضي لا بوجود المانع كما لا يخفى.

ويشهد له أنّه لولاه لساغ للزاني تزويج ابنته المتولّدة من الزنا ، وهو كما ترى ، بل لا يحتمل صدور الفتوى به من أيّ فقيه ، بل الظاهر ترتيب جميع أحكام البنتيّة من جواز النظر ووجوب الإنفاق وحرمة الزواج وما شاكل ذلك إلّا التوارث ، فهذا تخصيص في دليل الإرث ، ومن ثمّ قالوا : إنّ الزنا من موانع الإرث كالقتل ، لا أنّه خروج موضوعي ليكون من باب التخصّص. إذن فلا مانع من إعطاء الزكاة من هذه الناحية.

والصحيح أن يقال : إنّ الصبي غير المميّز المتولّد من الزنا وإن شمله إطلاق الفقير والمسكين المأخوذين موضوعاً للزكاة في الكتاب والسنّة ، ولكنّه مقيّد في الأخبار بما إذا كان من أهل الولاية والمعرفة ومن أصحابك ، على اختلاف ألسنتها. ومن البيّن أنّ صدق هذه العناوين موقوف على التمييز والتشخيص فلا تنطبق على غير المميّز.

نعم ، قد ورد في غير واحد من الأخبار وقد تقدّمت جواز الدفع لأطفال المؤمنين وعيالهم وذراريهم ، إلّا أنّه لا ينبغي التأمّل في انصرافها عن أولاد الزنا ، بداهة أنّ المنسبق منها ما هو المتعارف من عوائل المسلمين أعني : الأولاد الشرعيّين فلا جرم يختصّ مورد الأخبار بأولاد الحلال ، فيقال : إنّ هؤلاء الأطفال معدودون من أهل الولاية ومن أصحابنا ، وأمّا المتولّد من سبب غير شرعي ولا سيّما إذا كانت امّه البغيّة مشركة أو مخالفة فهو غير داخل في العناوين المزبورة إمّا قطعاً أو لا أقلّ من الشكّ في الدخول والشمول ، فلم يحرز

__________________

(١) المنجد : ٥٦٣.

١٤٤

[٢٧٣٥] مسألة ٥ : لو أعطى غير المؤمن زكاته أهل نحلته ثمّ استبصر أعادها (١) ، بخلاف الصلاة والصوم (٢) إذا جاء بهما على وفق مذهبه (٣) ، بل وكذا الحجّ (٤) وإن كان قد ترك منه ركناً عندنا (٥) على الأصحّ.

______________________________________________________

حصول الشرط ، ومعه لا يسوغ الدفع.

نعم ، إذا كان الطفل المزبور مميّزاً بحيث أظهر الولاية وأصبح من أفراد الشيعة وميّز الحقّ وأهله بناءً على ما هو الصواب من قبول إيمانه وصحّة اعتقاده وإن لم يكن بالغاً وأنّ ما لا عبرة به إنّما هو معاملاته الاعتباريّة لا عقائده الشخصيّة ، ساغ الدفع إليه حينئذٍ ، بناءً على ما هو الحقّ من عدم اعتبار البلوغ في المستحقّ. إذن فينبغي التفصيل في المقام بين المميّز وغيره حسبما عرفت.

وأمّا البالغ فلا ينبغي التأمّل في جواز الدفع إليه كما تقدّم.

(١) للنصوص المتقدّمة الواردة في اعتبار الإيمان والمصرّحة بلزوم الإعادة في مفروض المسألة ، معلّلاً بأنّه وضعها في غير موضعها.

(٢) للتصريح في تلك النصوص بالاجتزاء وأنّه يؤجر عليها.

(٣) فإنّه المنصرف من تلك النصوص كما لعلّه واضح.

(٤) لإطلاق النصوص المتقدّمة ، بل التصريح في جملة منها بالحجّ.

(٥) لإطلاق النصوص المزبورة.

خلافاً لما عن الشهيد في الدروس من التقييد بعدم ترك الركن عندنا (١) ، بل عن العلّامة نسبته إلى الأصحاب (٢) ، ولم يتّضح وجهه بعد إطلاق النصّ ، والإخلال بالركن مشترك بين الحجّ وغيره من العبادات ، ولا أقلّ من أجل

__________________

(١) حكاه عن الشهيد في الجواهر ١٥ : ٣٨٨.

(٢) حكاه عن العلّامة في المدارك ٥ : ٢٤٢.

١٤٥

نعم ، لو كان قد دفع الزكاة إلى المؤمن ثمّ استبصر أجزأ (١). وإن كان الأحوط الإعادة أيضاً (٢).

[٢٧٣٦] مسألة ٦ : النيّة في دفع الزكاة للطفل والمجنون عند الدفع إلى الولي إذا كان على وجه التمليك ، وعند الصرف (٣) عليهما إذا كان على وجه الصرف.

[٢٧٣٧] مسألة ٧ : استشكل بعض العلماء (٤) في جواز إعطاء الزكاة لعوامّ المؤمنين الذين لا يعرفون الله إلّا بهذا اللفظ أو النبيّ أو الأئمّة كلّاً أو بعضاً أو شيئاً من المعارف الخمس ، واستقرب عدم الإجزاء

______________________________________________________

الإخلال بالطهارة التي هي من الأركان. فما في الجواهر من أنّا لم نجد ما يصلح للفرق بين الحجّ وغيره (١) هو الصحيح.

(١) لوضع الزكاة حينئذٍ في موضعها ، فلا يجري التعليل الوارد في النصوص ، لعدم الاجتزاء.

(٢) كأنه لإطلاق النصوص الشامل لحالتي الدفع إلى المؤمن أو المخالف ، ولكنّه كما ترى ، إذ لا مجال له بعد التعليل المزبور الذي هو بمثابة الدليل الحاكم كما لا يخفى. نعم ، الاحتياط لإدراك الواقع حسن على كلّ حال.

(٣) لوضوح أنّ وقتي الدفع أو الصرف هو زمان تفريغ الذمّة والإتيان بالزكاة المعتبر فيها القربة ، فلا بدّ من حصول النيّة في هذه الحالة.

(٤) وهو صاحب الحدائق ، قال ما لفظه : نعم ، يبقى الإشكال في جملة من عوامّ الشيعة الضعفة العقول ممّن لا يعرفون الله سبحانه إلّا بهذه الترجمة حتّى لو سُئل عنه من هو لربّما قال : محمّد أو علي ولا يعرف الأئمّة (عليهم السلام) كملا ،

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ٣٨٨.

١٤٦

بل ذكر بعض آخر (١) أنّه لا يكفي معرفة الأئمّة بأسمائهم ، بل لا بدّ في كلّ واحد أن يعرف أنّه من هو وابن من ، فيشترط تعيينه وتمييزه عن غيره ، وأن يعرف الترتيب في خلافتهم. ولو لم يعلم أنّه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا؟ يعتبر الفحص عن حاله ، ولا يكفي الإقرار الإجمالي بأنّي مسلم مؤمن واثنا عشري ، وما ذكروه مشكل جدّا. بل الأقوى كفاية الإقرار الإجمالي (٢) وإن لم يعرف أسماءهم أيضاً فضلاً

______________________________________________________

ولا يعرف شيئاً من المعارف الخمس أصلاً فضلاً عن التصديق بها. والظاهر أنّ مثل هؤلاء لا يُحكَم بإيمانهم وإن حُكِم بإسلامهم إلى أن قال : وفي إعطاء هؤلاء من الزكاة إشكال ، لاشتراط ذلك بالإيمان وهو غير ثابت. ثمّ قال : وبالجملة فالأقرب عندي عدم جواز إعطائهم (١).

(١) هو صاحب المستند ، فإنّه بعد أن استجود مقالة الحدائق أضاف قائلاً : بل وكذلك لو عرف الكلّ بأسمائهم فقط ، يعني : مجرّد اللفظ ولم يعرف أنّه من هو وابن من ، إذ لا يصدق عليه أنّه يعرفه ولا يتميّز عن غيره. والحاصل : أنّه يشترط معرفته بحيث يعيّنه في شخصه ويميّزه عن غيره ، وكذا من لا يعرف الترتيب في خلافتهم ، ولو لم يعلم أنّه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا فهل يشترط في الإعطاء الفحص عنه؟ الظاهر : نعم ، إذا احتمل في حقّه عدم المعرفة ، ولا يكفي الإقرار الإجمالي بأنّي مسلم مؤمن اثنا عشري ... إلخ (٢).

(٢) فإنّ المعرفة التفصيليّة ولا سيّما على النهج الذي ذكره في المستند لم ينهض أيّ دليل على اعتبارها ، بل المتراءى من النصوص والمنسبق منها إلى

__________________

(١) الحدائق ١٢ : ٢٠٦.

(٢) مستند الشيعة ٩ : ٢٩٩ ٣٠٠.

١٤٧

عن أسماء آبائهم والترتيب في خلافتهم ، لكن هذا مع العلم بصدقه في دعواه أنّه من المؤمنين الاثني عشريين ، وأمّا إذا كان بمجرّد الدعوى ولم يعلم صدقه وكذبه فيجب الفحص عنه (*) (١).

______________________________________________________

الذهن حسب الفهم العرفي أنّ مصرف الزكاة هو من يعدّ خارجاً من الشيعة ومن أهل الولاية وينتمي إلى الطائفة المحقّة ويندرج ولو بنحوٍ من الاندراج في زمرتهم وتابعي مسلكهم في مقابل من يعدّ من المخالفين ، ومقتضاه كفاية الإقرار الإجمالي والتحاقه بالمذهب الجعفري ، فإنّ هذا المقدار كافٍ في صدق عنوان الأصحاب عليه كما هو الحال في أصحاب بقيّة الفرق.

بل يكفينا مجرّد الشكّ وأنّ العبرة هل هي بالمعرفة التفصيليّة أو تكفي الإجماليّة ، فيجوز دفع الزكاة لصاحب المعرفة الإجماليّة في هذه الحالة أيضاً ، وذلك للزوم الاقتصار في المخصّص المنفصل المجمل الدائر بين الأقلّ والأكثر على المقدار المتيقّن ، وهو الفاقد للمعرفة رأساً تفصيلاً وإجمالاً ، فمثله خارج عن عمومات الفقير والمسكين الواردة في الكتاب والسنّة قطعاً. وأمّا الزائد عليه وهو الواجد للمعرفة الإجماليّة دون التفصيليّة فخروجه غير معلوم ، فيتمسّك في جواز الدفع إليه بتلك العمومات والإطلاقات.

(١) للزوم إحراز الموضوع في ترتيب الحكم عليه ، ولا سيّما وأنّ مقتضى الأصل ولو بنحو العدم الأزلي هو العدم.

وما عن المستند من عدم وجوب الفحص ، لقيام سيرة العلماء وعلى سماع الدعوى (١).

__________________

(*) إلّا إذا كان في بلد الشيعة أو من عشيرة معروفة بالتشيّع وكان يسلك مسلكهم ويعدّ من زمرتهم.

(١) مستند الشيعة ٩ : ٣٠٠.

١٤٨

[٢٧٣٨] مسألة ٨ : لو اعتقد كونه مؤمناً فأعطاه الزكاة ثمّ تبيّن خلافه فالأقوى عدم الإجزاء (*) (١).

______________________________________________________

غير مسموع ، لاختصاص مورد السيرة بما إذا احتفّت الدعوى بقرينة الصدق ، كما إذا كان المدّعى من بلد كلّهم أو جلّهم من الشيعة أو كان من عشيرة معروفة بالتشيّع. وأمّا العارية عن القرينة كما إذا كان من بلد يسكنه الفريقان ولم يعرف نسب المدّعى ولا عشيرته ، أو كان غريباً ولم يعرف بلده أصلاً فجريان السيرة في هذه الحالة مشكل ، بل ممنوع ، بل اللّازم حينئذٍ هو الفحص كما أُفيد في المتن.

(١) الأقوال في المسألة ثلاثة : وجوب الإعادة ، وعدمها ، والتفصيل بين الفاحص فيجزي وبين غيره فلا يجزي.

والأقوى هو الأوّل كما اختاره في المتن ، نظراً إلى أنّ الاعتقاد لا يغيّر الواقع ولا يوجب سقوط الشرط ، وحيث استبان فقدانه وأنّه وضع الزكاة في غير موضعها فلا مناص من الإعادة بمقتضى القاعدة ، تحصيلاً لشرط المأمور به ، غايته أنّه كان معذوراً في الإتلاف ، فجهله رافع للحكم التكليفي دون الوضعي ، كما هو الحال فيما لو اعطى باعتقاد الفقر فبان القابض غنيّاً فإنّ اللّازم حينئذٍ وجوب الإعادة على تفصيلٍ قد تقدّم في المسألة الثالثة عشرة من الفصل السابق ، فلاحظ.

ويستدلّ للقول الثاني بأنّ اعتقاد الإيمان ولا سيّما الناشئ عن قيام البيّنة الشرعيّة أوجب ترخيص الشارع وإذنه في الدفع لمن أعطى ، ومع صدور الإجازة ممّن بيده الأمر لا موجب للإعادة.

__________________

(*) الظاهر أنّ حكمه حكم ما لو أعطى باعتقاد الفقر فبان القابض غنيّاً ، وقد تقدّم في المسألة الثالثة عشرة من الفصل السابق.

١٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ويندفع بأنّ الترخيص المزبور حكم ظاهري أو خيالي ، وعلى التقديرين فهو مغيّا بعدم انكشاف الخلاف ، لما عرفت من أنّ الاعتقاد مهما كان فهو لا يستوجب تغيير الواقع وقلبه عمّا هو عليه بوجه.

ويستدلّ للقول الثالث أعني التفصيل بين من جدّ واجتهد وفحص ثمّ اعتقد وبين الاعتقاد غير المسبوق بالفحص بموثّقة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال : قلت له : رجل عارف أدّى زكاته إلى غير أهلها زماناً إلى أن قال : قلت له : فإنّه لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها بأهل ، قد كان طلب واجتهد ثمّ علم بعد ذلك سوء ما صنع «قال : ليس عليه أن يؤدّيها مرّة أُخرى» (١).

ونحوها صحيح زرارة ، غير أنّه قال : «إن اجتهد فقد برئ ، فإنّ قصّر في الاجتهاد في الطلب فلا» (٢).

وفيه ما تقدّم في المسألة المشار إليها من أنّ الروايتين أجنبيّتان عمّا نحن فيه ، فإنّهما ناظرتان إلى من فحص عن أهل المعرفة فلم يجد فدفع إلى غير الأهل عالماً بعدم أهليّته لا معتقداً لها ، وأنّه استبان له بعد ذلك سوء صنعه وخطأ فعله لا خطأ الطريق الذي عوّل عليه الذي هو محلّ الكلام ، فلا ربط لهما بما نحن فيه.

على أنّهما معارضتان في موردهما بنصوص أُخر دلّت على عدم جواز الدفع لغير المؤمن حتّى مع الفحص واليأس عن المؤمن.

ففي صحيحة ابن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : جعلت فداك ، ما تقول في الزكاة لمن هي؟ قال : «فقال : هي لأصحابك» قال : قلت :

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢١٤ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ٢١٤ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢ ح ٢.

١٥٠

الثاني : أن لا يكون ممّن يكون الدفع إليه إعانةً على الإثم وإغراءً بالقبيح (١) ، فلا يجوز إعطاؤها لمن يصرفها في المعاصي خصوصاً إذا كان تركه ردعاً له عنها.

______________________________________________________

فإن فضل عنهم «قال : فأعد عليهم» إلى أن قال : فقلت : فنعطي السؤّال منها شيئاً؟ قال : «فقال : لا والله إلّا التراب» إلخ (١) ، ونحوها غيرها ، وحيث لا عامل بهما فهما مطروحتان لا محالة.

(١) هذا الحكم كأنه من المتّفق عليه بينهم.

ووجهه : إمّا بناءً على ما هو المشهور من حرمة الإعانة على الإثم فواضح ، فإنّ الإعطاء في المقام مصداق للإعانة المحرّمة ، ومن البيّن أنّ الحرام لا يكون مصداقاً للواجب ولا سيّما إذا انطبق على تركه عنوان الردع ، إذ الإعطاء حينئذٍ عصيان للردع الواجب أيضاً ، فكيف يكون مصداقاً للزكاة المأمور بها؟! وأمّا بناءً على ما هو الأصحّ من عدم الحرمة لعدم وفاء الأدلّة ، وإنّما الثابت بمقتضى قوله تعالى (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) (٢) هو حرمة التعاون القائم بالطرفين أو الأكثر ، أي الاشتراك في مباشرة الإثم وتحقيقه ، لا الإعانة القائمة بطرف واحد من دون مباشرة المعين في فعل الإثم وارتكابه فالأمر أيضاً كذلك ، لمنافاته لحكمة التشريع ، إذ الزكاة إنّما شرّعت لسدّ الحاجة ورفع الخلّة والإرفاق بالفقراء ، ولو علم الله أنّ الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم ، كما جاء في صحيحة ابن سنان (٣) وغيرها. ومن الواضح أنّ الصرف في المعصية لم يكن

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٢٢ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٥ ح ٦.

(٢) المائدة ٥ : ٢.

(٣) الوسائل ٩ : ١٠ / أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١ ح ٣.

١٥١

والأقوى عدم اشتراط العدالة (١).

______________________________________________________

من الحاجيات التي شرّع من أجلها الزكاة.

ويمكن الاستئناس لذلك من النصوص الواردة في سهم الغارمين المانعة عن دفعها للدين المصروف في سبيل المعصية ، فإنّها تدلّ على عدم الجواز في المقام بطريق أولى ، إذ في الدين لم تصرف الزكاة بعينها في الحرام بل في سدّ دينٍ هو المصروف في الحرام ، فما ظنّك بالمقام المتضمّن لصرفها فيه مباشرةً؟! فإنّ المنع عن الأوّل يستلزم المنع عن الثاني بالأولويّة القطعيّة.

(١) فإنّ اشتراطها يكاد يستوجب تعطيل الزكاة في هذا السهم ، ضرورة كثرة الفقراء وقلّة العدول منهم ، ولا سيّما بعد ملاحظة عدم جواز الدفع حينئذٍ لمشكوك العدالة ، للزوم إحراز الشرط ، وهو منافٍ لحكمة التشريع من رفع حاجة المؤمنين وسدّ خلّتهم ، فيلزم بقاء الزكاة في أيدي أربابها وحرمان أكثر الفقراء منها ، وهو كما ترى.

على أنّه لم ينهض أيّ دليل على اعتبار العدالة.

وقصارى ما يستدلّ به لذلك روايتان :

إحداهما : ما في معتبرة أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «... وإن لم يكن له عيال وكان وحده فليقسّمها في قوم ليس بهم بأس أعفّاء عن المسألة لا يسألون أحداً شيئاً» إلخ (١).

أمّا من حيث السند فلا ينبغي النقاش فيه وإن قيل بضعفه ، فإنّ طريق الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضّال وإن كان ضعيفاً إلّا أنّ طريق النجاشي إليه صحيح ، وحيث إنّ شيخهما واحد وهو عبد الواحد بن عبدون ولا يحتمل أن

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٤٤ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٤ ح ٦.

١٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

يكون ما أخبره لأحدهما مغايراً لما أخبر به الآخر ، فلا جرم يحكم بصحّة الطريق ، كما أنّ عبد الرحمن بن أبي هاشم ثقة.

وأمّا أبو خديجة فهو سالم بن مكرم قد وثّقه النجاشي وكذلك الكشّي حاكياً عن ابن فضّال أنّه قال : صالح (١).

ولكن الشيخ ضعّفه حيث قال : أبو خديجة سالم ابن أبي سلمة ضعيف (٢). وقد ذكرنا في الرجال أنّ هناك رجلين أحدهما سالم بن مكرم كنيته أبو خديجة ويكنّى أيضاً ب : أبي سلمة ، كنّاه بها الصادق (عليه السلام) ، والآخر سالم بن أبي سلمة (٣) ، وقد عنونهما النجاشي وكلّ منهما له كتاب ووثّق الأوّل (٤).

وأمّا الشيخ فقد عنون الأوّل وضعّفه وأهمل الثاني مع أنّه أيضاً ذو كتاب كما سمعت. ويظهر من هذا الإهمال مع تكنية الأوّل ب : ابن أبي سلمة أنّه تخيّل أنّهما رجل واحد ، وهذا منه اشتباه صراح ، بل هما رجلان يكنّى الأوّل ب : أبي سلمة ، وأمّا الثاني : فأبو سلمة كنيته لأبيه لا نفسه ، وقد وثّق الأوّل النجاشي وابن فضّال ، مضافاً إلى وروده في إسناد كامل الزيارات ، فلا مجال إذن للمناقشة في السند.

ولكن الدلالة قاصرة ، لعدم ظهور قوله : «ليس بهم بأس» في العدالة ، ولا سيّما بعد تفسيره بقوله (عليه السلام) : «أعفّاء عن المسألة» إلخ ، الكاشف عن أنّ المراد مجرّد العفاف وعدم السؤال من الناس.

أضف إلى ذلك أنّ ما أُفيد مبني على الأخذ بظاهر الرواية من وجوب

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٨٨ / ٥٠١ ، رجال الكشي : ٣٥٢ / ٦٦١.

(٢) الفهرست للشيخ : ٧٩ / ٣٣٨.

(٣) معجم رجال الحديث ٩ : ٢٠ / ٤٩٤٩ و ٢٤ / ٤٩٦٦.

(٤) رجال النجاشي : ١٨٨ / ٥٠١ و ١٩٠ / ٥٠٩.

١٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

التقسيم ، وليس كذلك قطعاً ، لجواز إعطاء تمام الزكاة لفقير واحد أو صرفها في جهة أُخرى غير الفقراء ، فيعلم من ذلك أنّه (عليه السلام) لم يكن بصدد حصر المصرف ليدّعى اعتبار العدالة ، بل في مقام بيان أنّ الفقير الكذائي مصرف له وأنّه يجوز الإعطاء لهذا القسم من الناس ، فلاحظ.

ثانيتهما : معتبرة داود الصرمي ، قال : سألته عن شارب الخمر ، يعطى من الزكاة شيئاً؟ «قال : لا» (١).

بدعوى عدم خصوصيّة لشارب الخمر وإنّما ذكر من باب المثال لمطلق الفسّاق.

وفيه : أنّ السند وإن كان معتبراً فإنّ الصرمي من رجال كامل الزيارات ، كما لا يقدح الإضمار الناشئ من تقطيع الأخبار بعد عدم احتمال رواية الشيخ والكليني عن غير المعصوم.

إلّا أنّ الدلالة قاصرة ، لعدم رافع لاحتمال الخصوصيّة ، فلا يتعدّى إلى كلّ فاسق لينتج اعتبار العدالة ، إلّا إذا علم أنّه يصرفه في الحرام فلا يجوز كما مرّ.

نعم ، لا يبعد التعدّي إلى من هو أشدّ إثماً وأعظم فسقاً من شارب الخمر كتارك الصلاة والمتجاهر بالفسق بالأولويّة القطعيّة ، وأمّا غيره فلا دليل عليه.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ المنع عن الدفع لشارب الخمر إنّما هو من أجل كونه في معرض ارتكاب المعصية ، وحيث إنّ مطلق غير العادل كذلك فيشمله مناط المنع.

ولكن هذه الدعوى كما ترى ، فإنّها غير بيّنة ولا مبيّنة. وعليه ، فلا مناص من الاقتصار على مورد النصّ بعد تطرّق احتمال الخصوصيّة حسبما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٤٩ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٧ ح ١ ، الكافي ٣ : ٥٦٣ / ١٥ ، التهذيب ٤ : ٥٢ / ١٣٨.

١٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا ما ورد في بعض الأخبار من نفي الإيمان المعتبر في المستحقّ عن بعض مرتكبي الكبائر كقوله (عليه السلام) في معتبر محمّد بن حكيم «... لا يزني الزاني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق وهو مؤمن» (١) فمن الواضح أنّ المنفي إنّما هو المرتبة الكاملة من الإيمان لا نفي حقيقته كي لا يصحّ دفع الزكاة إليه ، ومن البيّن أنّ المؤمن يعمّ العادل والفاسق.

هذا كلّه في الفقير والمسكين.

وأمّا غيرهما من سائر مصارف الزكاة فلا ينبغي التأمّل في عدم اعتبار العدالة في الغارم والرقاب وابن السبيل وسبيل الله ، لإطلاق الأدلّة ، وأمّا المؤلّفة فلا يعتبر فيها الإسلام فضلاً عن العدالة.

نعم ، ادّعي الإجماع على اعتبارها في (الْعامِلِينَ عَلَيْها) لكن من المحتمل قويّاً أنّ معقد الإجماع بمناسبة الحكم والموضوع هو الأمانة من غير خصوصيّة للعدالة ، فلا موضوعيّة لها على حدّ اعتبارها في الشاهد والقاضي وإمام الجماعة ونحوهم ، بل العبرة بالأمانة ، حيث لا يؤتمن الفاسق على الأموال. ومع هذا الاحتمال لا يكون الإجماع تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم.

على أنّ مورد الإجماع المزبور هو العامل المنصوب لجباية الزكوات لا العامل المدفوع إليه سهمه من الزكاة ، ولا ملازمة بين الأمرين كما لا يخفى.

وأمّا قول مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) لمصدّقة في صحيحة بريد بن معاوية : «... فإذا قبضته فلا توكل به إلّا ناصحاً شفيقاً أميناً حفيظاً» ، إلخ (٢).

فهو مضافاً إلى كونه ناظراً إلى اعتبار الأمانة دون العدالة أجنبي عمّا نحن فيه ، لرجوع الأوصاف إلى وكيل العامل بعد ما قبض الزكوات ، لا إلى العامل

__________________

(١) الوسائل ١٥ : ٣٢٥ / أبواب جهاد النفس ب ٤٦ ح ١٨.

(٢) الوسائل ٩ : ١٢٩ / أبواب زكاة الأنعام ب ١٤ ح ١.

١٥٥

ولا عدم ارتكاب الكبائر (١) ولا عدم كونه شارب الخمر (*) (٢) ، فيجوز دفعها إلى الفسّاق ومرتكبي الكبائر وشاربي الخمر بعد كونهم فقراء من أهل الإيمان ، وإن كان الأحوط اشتراطها ، بل وردت رواية بالمنع عن إعطائها لشارب الخمر. نعم ، يشترط العدالة في العاملين (**) على الأحوط ، ولا يشترط في المؤلفة قلوبهم ، بل ولا في سهم سبيل الله ، بل ولا في الرقاب ، وإن قلنا باعتبارها في سهم الفقراء.

[٢٧٣٩] مسألة ٩ : الأرجح دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل والأفضل فالأفضل والأحوج فالأحوج (٣) ، ومع تعارض الجهات يلاحظ الأهمّ فالأهمّ المختلف ذلك بحسب المقامات.

______________________________________________________

نفسه الذي هو محلّ الكلام.

(١) لما عرفت من عدم نهوض دليل عليه بنطاق عامّ إلّا ما كان أعظم فسقاً من شارب الخمر ، كتارك الصلاة حسبما سبق.

(٢) بل لا يجوز الدفع إليه ، لمعتبرة داود الصرمي كما عرفت.

(٣) الترجيح بهذا النطاق العامّ لم يرد عليه نصّ في المقام ، وإنّما الوارد في صحيح ابن الحجّاج ترجيح من لا يسأل على من يسأل ، قال : سألت أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن الزكاة ، يفضّل بعض من يُعطى ممّن لا يسأل على غيره؟ «فقال : نعم ، يفضّل الذي لا يسأل على الذي يسأل» (١).

__________________

(*) يشكل جواز الإعطاء له ، وكذا لتارك الصلاة أو المتجاهر بالفسق.

(**) الظاهر عدم اعتبارها ، بل المعتبر فيهم الوثاقة.

(١) الوسائل ٩ : ٢٦١ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٥ ح ١.

١٥٦

الثالث : أن لا يكون ممّن تجب نفقته على المزكّي كالأبوين وإن علوا ، والأولاد وإن سفلوا من الذكور أو من الإناث (١) ، والزوجة الدائمة التي لم يسقط وجوب نفقتها بشرطٍ أو غيره من الأسباب الشرعيّة ، والمملوك سواء كان آبقاً أو مطيعاً ، فلا يجوز إعطاء زكاته إيّاهم للإنفاق ،

______________________________________________________

لكنّه لا حاجة إلى النصّ ، لوضوح أولويّة ذي المزيّة على غيره.

(١) بلا خلاف فيه ولا إشكال.

ويستدلّ له بجملة من الأخبار ، عمدتها روايتان :

إحداهما : صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً : الأب والأُمّ والولد والمملوك والمرأة ، وذلك أنّهم عياله لازمون له» (١).

ثانيتهما : مصحّحة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) في حديث قال : قلت : فمن ذا الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتّى لا أحتسب الزكاة عليهم؟ «فقال : أبوك وأُمّك» قلت : أبي وأُمّي؟ «قال : الوالدان والولد» (٢).

فإنّها أيضاً واضحة الدلالة كالأُولى ، حيث يظهر منها المفروغيّة عن عدم جواز دفع الزكاة إلى القرابة ، وإنّما يسأل عن حدّها ، ولعلّ عدم ذكر المملوك والزوجة المشار إليهما في الصحيحة لأجل عدم كونهما من ذوي القرابة وإن كانا من واجبي النفقة.

كما أنّها معتبرة السند وإن تردّدت النسخة في الراوي عن إسحاق وأنّه

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٤٠ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٣ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٤١ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٣ ح ٢.

١٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

عبد الملك بن عتبة كما في أحد موردي التهذيب (١) وكذلك الكافي (٢) ، أو أنّه عبد الله بن عتبة كما في المورد الآخر منه (٣) وكذلك الاستبصار (٤).

فإنّ الثاني لا وجود له في هذه الطبقة ، وإنّما هو من أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ولا يمكن روايته عن إسحاق ، فالنسخة مغلوطة ، والصواب هو الأوّل ، وهو ثقة له كتاب ، والمعروف أنّه يلقّب بالهاشمي وإن أنكر النجاشي ذلك وقال : إنّه غير صاحب الكتاب (٥). وعلى أيّ حال ، فهو ثقة بلا إشكال ، فالرواية معتبرة ، ويعضده مطابقته للكافي كما سمعت الذي هو أضبط.

وهناك نصوص أُخر ولكنّها غير نقيّة السند لا تصلح إلّا للتأييد.

وبإزائها مكاتبة عمران بن إسماعيل بن عمران القمّي ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) : إنّ لي ولداً رجالاً ونساءً ، أفيجوز أن أُعطيهم من الزكاة شيئاً؟ فكتب (عليه السلام) : «إنّ ذلك جائز لك» (٦).

ولكنّها ضعيفة السند ، فإنّ عمران المزبور لا توثيق له عدا ما قد يتوهّم من وروده في إسناد كامل الزيارات ، حيث تضمّن رواية الحسين بن عمران عن أبيه عن أبي الحسن (عليه السلام) ، وهو كما ترى ، فإنّ المنصرف من أبي الحسن (عليه السلام) عند الإطلاق هو الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ، وقد قُيِّد في هذه الرواية بالثالث وهو الهادي (عليه السلام) ، ومقتضى اختلاف الطبقة

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٠٠ / ٢٨٣.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥١ / ١.

(٣) الكافي ٤ : ٥٦ / ٦.

(٤) الإستبصار ٢ : ٣٣ / ١٠٠.

(٥) رجال النجاشي : ٢٣٩ / ٦٣٥.

(٦) الوسائل ٩ : ٢٤٣ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٤ ح ٣.

١٥٨

بل ولا للتوسعة (١) على الأحوط ، وإن كان لا يبعد جوازه

______________________________________________________

تعدّد الراويين إمّا قطعاً أو لا أقلّ احتمالاً ، فلم يحرز الاتّحاد ليشمله توثيق الكامل (١). هذا أوّلاً.

وثانياً : مع تسليم السند فيمكن حملها على الإنفاق للتوسعة كما صنعه الشيخ (٢) دون النفقة الواجبة ، جمعاً بينها وبين ما سبق ، حيث إنّ النسبة بينهما نسبة الإطلاق والتقييد.

(١) كما اختاره جماعة ، بل هو الظاهر من كلّ من أطلق المنع.

خلافاً لجماعة آخرين ، كالمحقّق والشهيد الثاني ، حيث اختاروا الجواز للتوسعة وأنّ الممنوع هو خصوص النفقة الواجبة (٣) ، واختاره في المتن شريطة أن لا يكون عنده ما يوسّع به عليهم كما ستعرف.

ويستدلّ للجواز تارةً : بقصور المقتضي للمنع ، لاختصاص دليله بالإنفاق اللازم ، فيبقى غيره تحت إطلاقات الكتاب والسنّة القاضية بجواز الإعطاء لكلّ فقير.

ويندفع بظهور التعليل الوارد في صحيحة ابن الحجّاج في عموم المنع بحسب الفهم العرفي ، حيث يستفاد منه أنّ المناط في المنع كونهم عياله ، وأنّه الملزم بالقيام بشؤونهم والتصدّي لأُمورهم ، وأنّ صرف الزكاة عليهم كصرفها على نفسه ، وكأنّه لم يزكّ ولم يعط شيئاً. وهذا كما ترى يشمل عامّة الإنفاقات حتّى المبنيّة على التوسعة ، بل أنّ هذا العموم هو المستفاد من وقوع النكرة في

__________________

(١) على أنّ التوثيق مخصّص بالمشايخ بلا واسطة فلا يشمل المقام.

(٢) التهذيب ٤ : ٥٧ ، الاستبصار ٢ : ٣٤.

(٣) جامع المقاصد ٣ : ٣٠ ٣١ ، مسالك الافهام ١ : ٤٢٣.

١٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

سياق النفي في قوله (عليه السلام) في صدر الصحيحة : «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً» إلخ.

نعم ، تتّجه هذه الدعوى في مرفوعة ابن الصلب عن الصادق (عليه السلام) ، أنّه قال : «خمسة إلى قوله في الذيل : لأنّه يجبر على النفقة عليهم» (١) ، لظهورها في النفقة الواجبة الملزم بالإجبار لدى الامتناع ، لكن ضعفها لمكان الرفع ، مضافاً إلى خلوّ ابن ماجيلويه شيخ الصدوق عن التوثيق مانعٌ عن الاعتماد عليها.

وأُخرى : بُعده من النصوص الدالّة على الجواز التي بها يخرج عن إطلاقات المنع ، وهذا هو الصحيح :

منها : معتبرة أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : لا تعط من الزكاة أحداً ممّن تعول» وقال : إذا كان لرجل خمسمائة درهم وكان عياله كثيراً «قال : ليس عليه زكاة ، ينفقها على عياله ، يزيدها في نفقتهم وفي كسوتهم وفي طعامٍ لم يكونوا يطعمونه إلى أن قال : ومن كان له خمسمائة درهم بعد أن يكون له عيال ، ويجعل زكاة الخمسمائة زيادة في نفقة عياله يوسّع عليهم» (٢).

فإنّ هذه الرواية لم يفرض فيها أنّ الخمسمائة كانت معدّة للاتّجار ، فلا موجب لحملها على زكاة مال التجارة المندوبة والدوران بينها وبين التوسعة على العائلة المستحبّة لتكون خارجة عن محلّ الكلام وإن قيل بذلك ، إذ لا شاهد عليه بوجه ، بل ظاهرها أنّ الخمسمائة بقيت عنده حتّى حال عليها الحول وتعلّقت بها الزكاة الواجبة ، وقد رخّص (عليه السلام) في صرفها في توسعة العيال ومزيد الإنفاق عليهم.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٤١ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٣ ح ٤.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٤٤ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٤ ح ٦.

١٦٠