موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

إعطاؤه من هذا السهم ، بخلاف ما لو كان على وجه العمد والعدوان (١).

[٢٧١٥] مسألة ١٧ : إذا كان دينه مؤجّلاً فالأحوط (*) عدم الإعطاء من هذا السهم قبل حلول أجله وإن كان الأقوى الجواز (٢).

______________________________________________________

(١) كما لو أتلف مال الغير عدواناً أو قتل عامداً من لا يقتصّ منه وإنّما تؤخذ الدية كقتل الوالد ولده أو المولى عبده أو المسلم ذمّيّاً وما شاكل ذلك ، فإنّه إذا عجز عن أداء ما نشأ عن العدوان أو المعصية لا يسدّد دينه من سهم الغارمين ، وذلك لفحوى ما دلّ على عدم الدفع عن الدين المصروف في المعصية ، بداهة أنّه إذا كان الصرف المحرّم المتأخّر عن الدين مانعاً عن الأداء فنشوء الدين عن سبب سابق محرّم أولى بالمانعية.

وبعبارة أُخرى : إذا كان حرمة الصرف المتأخّر عن الدين الذي هو محلّل في نفسه مانعاً فحرمة الدين الناشئة عن حرمة سببه السابق عليه أولى بالمانعيّة بالأولويّة القطعيّة.

وتؤيّده رواية عبد الرّحمن بن الحجّاج المتقدّمة (١) المتعرّضة لنداء الجاهليّة وتفسيرها ، غير أنّها ضعيفة السند كما سبق وإن عبّر عنها بالصحيحة.

وكيفما كان ، فالظاهر أنّ المسألة ممّا لا خلاف فيها ولا إشكال ، وأنّه لا فرق بين الدين في سبيل المعصية وبين الدين المسبّب من المعصية.

نعم ، إذا كان فقيراً ولم تشترط العدالة فيه أو أنّه تاب جاز الدفع إليه حينئذٍ من سهم الفقراء كما هو واضح.

(٢) لإطلاق الغارم في الكتاب والسنّة ، الشامل لأنواع الدين من المعجّل

__________________

(*) هذا الاحتياط لا يترك.

(١) في ص ٩٣.

١٠١

[٢٧١٦] مسألة ١٨ : لو كان كسوباً يقدر على أداء دينه بالتدريج : فإن كان الديّان مطالباً فالظاهر جواز إعطائه (١) من هذا السهم ، وإن لم يكن مطالباً فالأحوط عدم إعطائه (٢).

[٢٧١٧] مسألة ١٩ : إذا دفع الزكاة إلى الغارم فبان بعده أنّ دينه في معصية ارتجع منه ، إلّا إذا كان فقيراً (٣) فإنّه يجوز احتسابه عليه من سهم الفقراء ، وكذا إذا تبيّن أنّه غير مديون ، وكذا إذا أبرأه الدائن بعد الأخذ لوفاء الدين.

______________________________________________________

والمؤجّل قبل حلول الأجل وبعده.

ولكنّك عرفت فيما سبق لزوم تقييده بالعاجز عن الأداء ، ولا ينبغي التأمّل في أنّ صدقه منوط بمراعاة حال الأداء المتوقّفة على حلول الأجل واستحقاق المطالبة المستتبع لوجوب الدفع ، أمّا قبله فحيث لا وجوب فلا عجز حتّى لو طالب ، إذن فعدم الدفع من هذا السهم لو لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط.

نعم ، لا مانع من الدفع من سهم الفقراء إذا لم يكن مالكاً لقوت السنة.

(١) لصدق العجز عن الأداء المنزّل عليه إطلاقات الغرم كما عرفت بعد فرض الحلول والمطالبة.

(٢) بل هو الأظهر ، لعدم صدق العجز بعد التمكّن من تسديد الدين ولو تدريجاً ، وقد تقدّم البحث عنه ، فلاحظ ولا نعيد (١).

(٣) يظهر حال المقام ممّا قدّمناه في المسألة الثالثة عشر ، وملخّصه : أنّ في الفروض الثلاثة المذكورة في المتن إن كانت العين باقية عند الغارم ارتجعها ،

__________________

(١) في ص ٧٨.

١٠٢

[٢٧١٨] مسألة ٢٠ : لو ادّعى أنّه مديون : فإن أقام بيّنة قبل قوله ، وإلّا فالأحوط عدم تصديقه وإن صدّقه الغريم (١) فضلاً عمّا لو كذّبه أو لم يصدّقه.

[٢٧١٩] مسألة ٢١ : إذا أخذ من سهم الغارمين ليصرفه في أداء الدين ثمّ صرفه في غيره ارتجع منه (٢).

[٢٧٢٠] مسألة ٢٢ : المناط هو الصرف في المعصية أو الطاعة لا القصد من حين الاستدانة (٣) ، فلو استدان للطاعة فصرف في المعصية لم يُعطَ من هذا السهم ، وفي العكس بالعكس.

______________________________________________________

لاستبانة عدم وقوع الزكاة المدفوعة في محلّها ، وإن كانت تالفة فكذلك مع علم الآخذ بالحال دون جهله ، لكونه حينئذٍ مغروراً من قبل الدافع ، والمغرور يرجع إلى من غرّه.

(١) تقدّم الكلام حول ذلك في العبد المكاتب (١) ، وملخّصه : أنّ الدعوى المزبورة وإن كانت إقراراً بالدين ولأجله ينفذ وللغريم أخذه به ، ولكنّه حجّة عليه لا على غيره ، فلا يثبت بهذه الدعوى حكم آخر ومنه أخذ الزكاة ، بل هي كسائر الدعاوي تحتاج إلى ثبوت شرعي ببيّنة ونحوها ، ومن المعلوم أنّ تصديق الغريم لا ينفع ، لجواز التواطؤ بينهما على نهبها.

(٢) لعدم صرفه فيما أُعدّ له فيسترجع لا محالة ، وقد تقدّم في المكاتب ما عن الشيخ من عدم الاسترجاع وعرفت وجهه وضعفه ، فلاحظ (٢).

(٣) فالعبرة في صدق أحد العنوانين بحال الصرف لا حال الاستدانة ، لظهور

__________________

(١) في ص ٨١ ٨٢.

(٢) في ص ٨٠.

١٠٣

[٢٧٢١] مسألة ٢٣ : إذا لم يكن الغارم متمكّناً من الأداء حالاً وتمكّن بعد حين ، كأن يكون له غلّة لم يبلغ أوانها أو دين مؤجّل يحلّ أجله بعد مدّة ، ففي جواز إعطائه من هذا السهم إشكال (١) ، وإن كان الأقوى عدم الجواز مع عدم المطالبة من الدائن أو إمكان الاستقراض والوفاء من محلّ آخر ثمّ قضاؤه بعد التمكّن.

______________________________________________________

النصوص في ذلك ، مضافاً إلى تسالم الأصحاب على ذلك ، ولأجله ترفع اليد عن بعض النصوص لو كان ظاهراً في خلاف ذلك ، كقوله في موثّقة الحسين بن علوان «... إذا استدانوا في غير سرف» (١) ، حيث ربّما يدّعى ظهوره في مراعاة حال الاستدانة.

وفيه مضافاً إلى احتمال إرادة الصرف من الظرف ، أي صرفوه في غير سرف ـ : أنّه لو تمّ الاستظهار لم يكن بدّ من رفع اليد عنه ، للتسالم المزبور.

(١) قد عرفت أنّ العبرة في الدفع من هذا السهم بصدق العجز عن الأداء ، وهذا يختلف حسب اختلاف فروض هذه المسألة.

فلا صدق في الدين المؤجّل ، وكذا الحالّ غير المطالب مع التمكن من التسديد في ظرف المطالبة.

وأمّا مع المطالبة : فإن تمكّن من بيع الغلّة أو الدين المفروضتين في المتن من غير الوقوع في ضرر أو حرج لا يحلّ له الأخذ ، لعدم صدق العجز ، إذ حاله حال من يتمكّن من أداء دينه ببيع بعض الأمتعة الزائدة التي لا يحتاج إليها ، لوضوح عدم الفرق في صدق التمكّن بين التسديد بعين ماله ابتداءً وبين تبديله

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٩٨ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٨ ح ٢.

١٠٤

[٢٧٢٢] مسألة ٢٤ : لو كان دين الغارم لمن عليه الزكاة جاز له احتسابه عليه زكاة (١) ، بل يجوز أن يحتسب ما عنده من الزكاة وفاءً للدين ويأخذها مقاصّة وإن لم يقبضها المديون ولم يوكّل في قبضها. ولا يجب إعلام المديون بالاحتساب عليه أو يجعلها وفاءً وأخذها مقاصّة.

______________________________________________________

بمال آخر ثمّ التسديد منه. وهكذا الحال فيما لو كان متمكّناً من الاستقراض.

وإن لم يتمكّن ولو من أجل الوقوع في حرج أو ضرر ، جاز له الأخذ حينئذٍ ، لصدق العجز في هذه الصورة ، فلاحظ.

(١) لا يخفى أنّ صرف الزكاة من سهم الغارمين يتحقّق تارةً : بالدفع إلى المديون لتسديد دينه.

وأُخرى : بالدفع إلى الدائن مباشرةً إذا كان شخصاً آخر غير المزكّي.

وثالثةً : بالاحتساب فيما إذا كان هو المزكّي نفسه ، بأن يجعل ماله في ذمّة المديون من الدين بدلاً عمّا عليه من الزكاة فيحتسب أحدهما مكان الآخر.

ورابعةً : بالتقاصّ في نفس الفرض بأن يفرز ويعزل ما عنده من الزكاة ويجعله للمديون ثمّ يأخذه منه تقاصّاً ووفاءً عمّا عليه من الدين. وهذا وإن لم يكن من التقاصّ المصطلح لاختصاصه بصورة الإنكار دون العجز عن الأداء كما في المقام لكن الماتن وغيره من الفقهاء عبّروا بذلك تبعاً للنصّ ، ولعلّه لجامع الأخذ في مقابل الحقّ.

وكيفما كان ، فهذه الفروض الأربعة كلّها مشمولة لإطلاق الغارمين في الآية المباركة ، مضافاً إلى ورود النصّ في كلّ واحد منها بالخصوص.

فقد دلّت على الأوّل : معتبرة الحسين بن علوان ، وعلى الثاني : موثّقة إسحاق

١٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ابن عمّار ، المتقدّمتان (١).

وعلى الثالث : صحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه وهم مستوجبون للزكاة ، هل لي أن أدعه فأحتسب به عليهم من الزكاة؟ «قال : نعم» (٢).

وعلى الرابع : موثّقة سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل له الدَّين على رجل فقير يريد ان يعطيه من الزكاة «فقال : إن كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه من دَين من عرض من دار ، أو متاع من متاع البيت ، أو يعالج عملاً يتقلّب فيها بوجهه ، فهو يرجو أن يأخذ منه ماله عنده من دَينه ، فلا بأس أن يقاصّه بما أراد أن يعطيه من الزكاة ، أو يحتسب بها ، فإن لم يكن عند الفقير وفاء ولا يرجو أن يأخذ منه شيئاً فيعطيه من زكاته ولا يقاصّه بشي‌ء من الزكاة» (٣).

دلّت على التفصيل بين الغريم المالك لمئونة سنته وبين غير المالك ، وأنّه يدفع للأوّل من سهم الغرماء إمّا بنحو الاحتساب أو بنحو المقاصّة ، أمّا الثاني فلا يدفع له إلّا من سهم الفقراء.

هذا ، ولا ينبغي التأمّل في أنّ التفصيل المزبور حكم استحبابي أو أخلاقي ، وإلّا فيجوز الدفع من كلّ من السهمين للثاني كما يجوز عدم الدفع لأيّ من القسمين شيئاً من الزكاة ودفعها لشخص آخر كما هو واضح.

__________________

(١) في ص ٨٥ وهما في الوسائل ٩ : ٢٩٨ و ٢٥٠ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٨ و ١٨ ح ٢ و ٢.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٩٥ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٦ ح ٢.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٩٦ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٦ ح ٣.

١٠٦

[٢٧٢٣] مسألة ٢٥ : لو كان الدين لغير من عليه الزكاة يجوز له وفاؤه عنه بما عنده منها (١) ولو بدون اطلاع الغارم.

[٢٧٢٤] مسألة ٢٦ : لو كان الغارم ممّن تجب نفقته على من عليه الزكاة جاز له إعطاؤه لوفاء دينه (٢) أو الوفاء عنه (٣) وإن لم يجز إعطاؤه لنفقته (٤).

[٢٧٢٥] مسألة ٢٧ : إذا كان ديّان الغارم مديوناً لمن عليه الزكاة جاز له إحالته على الغارم (٥) ثمّ يحسب عليه ،

______________________________________________________

(١) لنصوصٍ دلّت عليه وردت في الحيّ والميّت ، وقد تقدّمت ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين اطلاع الغارم وعدمه ، فلا يجب الإعلام.

(٢) ففي موثّقة إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل على أبيه دَين ولأبيه مئونة ، أيعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟ «قال : نعم ، ومن أحقّ من أبيه؟!» (١).

(٣) لما في صحيح زرارة «... وإن لم يكن أورثه مالاً لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دَين أبيه» إلخ (٢).

ويشهد للحكم في كلا الموردين إطلاق الآية المباركة الشامل للغارم الذي تجب نفقته على المزكّي وغيره بعد وضوح اختصاص الاستثناء الوارد في الأخبار بالإعطاء من سهم الفقراء وعدم شموله لسهم الغارمين ، والظاهر أنّ المسألة ممّا لا خلاف فيها.

(٤) للنصوص الآتية المانعة عن ذلك كما ستعرف.

(٥) فإنّه بعد إحالة الديّان من عليه الزكاة على الغارم وقبول المحتال هذه

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٥٠ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٨ ح ٢.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٥٠ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١٨ ح ١.

١٠٧

بل يجوز له أن يحسب (*) (١) ما على الديّان وفاءً عمّا في ذمّة الغارم ، وإن كان الأحوط أن يكون ذلك بعد الإحالة.

______________________________________________________

الحوالة فمقتضى صحّتها حسبما تقتضيه إطلاقات مشروعيّة الحوالة فراغ ذمّة المحيل واشتغال ذمّة المحال عليه أعني : الغارم لصاحب الزكاة بدلاً عمّا كان من اشتغالها للديّان ، فيندرج حينئذٍ في موضوع المسألة الرابعة والعشرين المتقدّمة أعني : ما إذا كان الغارم مديوناً لمن عليه الزكاة وقد عرفت جواز احتسابه عليه زكاةً ، وهذا واضح.

(١) هذا الاحتساب المفروض صدوره قبل حصول الحوالة مبني على إلحاقه بالعطاء والأداء الخارجي حتّى في مثل المقام ممّا يكون الدين المحتسب في ذمّة غير الغريم ، فكما يجوز أداء نفس الزكاة للديّان وفاءً عمّا في ذمّة الغارم كذلك يجوز احتساب الدين الذي يملكه صاحب الزكاة عنها ، سواء ملكه في ذمّة الغارم مباشرةً فيما لو كان الغريم مديناً لنفس المزكّي أم في ذمّة من يكون الغريم مديناً له ، فيتحقّق التهاتر القهري على الثاني ، ويكون ذلك أيضاً مصداقاً لصرف الزكاة في سهم الغارمين ، للقطع بعدم الفرق بين الصورتين فيما هو مناط الصرف من تفريغ ذمّة الغريم من الدين.

ولكنّه غير واضح ، ودعوى القطع عهدتها على مدّعيه ، فإنّ الاحتساب لمّا لم يكن صرفاً لنفس الزكاة بل كان جعلاً وفرضاً لغير الزكاة زكاةً واحتسابه عنها فلا جرم كان على خلاف القاعدة ومنوطاً بنهوض دليل عليه ، والقدر المتيقّن الذي دلّت النصوص المتقدّمة عليه إنّما هو احتساب صاحب الزكاة دينه الذي على ذمّة الغارم زكاةً. وأمّا الدين الذي له على ذمّة شخص آخر فلا دليل على احتسابه منها إلّا بعد صدور عمليّة الحوالة المتقدّمة وانتقال الدين إلى ذمّة

__________________

(*) فيه إشكال.

١٠٨

[٢٧٢٦] مسألة ٢٨ : لو كان الدين للضمان عن الغير تبرّعاً (١) لمصلحة مقتضية لذلك (٢) مع عدم تمكّنه من الأداء وإن كان قادراً على قوت سنته يجوز الإعطاء من هذا السهم (٣) وإن كان المضمون عنه غنيّاً.

[٢٧٢٧] مسألة ٢٩ : لو استدان لإصلاح ذات البين كما لو وجد قتيل لا يدري قاتله وكاد أن تقع بسببه الفتنة فاستدان للفصل : فإن لم يتمكّن من أدائه جاز الإعطاء من هذا السهم (٤) ، وكذا لو استدان لتعمير مسجد أو نحو ذلك من المصالح العامّة ، وأمّا لو تمكّن من الأداء فمشكل (٥). نعم ، لا يبعد جواز الإعطاء

______________________________________________________

الغريم مباشرةً حسبما عرفت ، فلاحظ.

(١) أمّا من دون التبرّع بأن كان بطلب من المضمون عنه فحيث إنّه يرجع إليه فلا عجز ليسدّد الدين من الزكاة.

(٢) بأن يكون لداعٍ عقلائي ككونه إحساناً في حقّه أو صلة لرحمه وما شاكل ذلك ، وقد تقدّم أنّه لا يعتبر أن يكون الدين في الطاعة ، بل يكفي عدم كونه في سبيل المعصية.

(٣) لإطلاق الأدلّة فيه وفيما بعده.

(٤) بلا إشكال فيه ولا خلاف ، فإنّه غارم عاجز عن الأداء قد صرف دينه فيما هو من أفضل الطاعات وأحسن القربات فتشمله الإطلاقات ، وكذا الحال فيما بعده ، وهذا واضح.

(٥) بل ممنوع ، لما سبق من ظهور الاتّفاق في اعتبار العجز عن الأداء في الدفع من هذا السهم.

خلافاً لما نُسب إلى الشيخ ومن تأخّر عنه من الجواز لهذا الغارم حتّى مع

١٠٩

من سهم سبيل الله وإن كان لا يخلو عن إشكال (*) أيضاً إلّا إذا كان من قصده (**) حين الاستدانة ذلك (١).

______________________________________________________

الغنى (١) ، استناداً إلى إطلاق الغارمين في الآية المباركة ، وما ورد من أنّه : «لا تحلّ الصدقة إلّا لخمس : غازٍ في سبيل الله ، أو عامل عليها ، أو غارم» إلخ (٢).

وفيه : منع الإطلاق ، لما عرفت من ظهور الاتّفاق الصالح للتقييد ، مع أنّه لو تمّ لعمّ ولساغ تسديد ديون جميع الأثرياء من غير خصوصيّة للمقام ، وهو كما ترى منافٍ لتشريع الزكاة وحكمته من سدّ الخلّة ورفع الحاجة.

وأمّا الخبر فهو بالمتن المزبور غير مروي من طرقنا ولا موجود في أُصولنا ، وإنّما الوارد صدره فقط من دون ضمّ الاستثناء كما أشار إليه في الجواهر (٣).

مضافاً إلى ما عرفت من أنّه لو تمّ لعمّ ودلّ على جواز الدفع من هذا السهم لمطلق الغريم الغني وإن لم يصرف دينه في المصالح العامّة أو إصلاح ذات البين فلا يختصّ بما نحن فيه ، ولا يظنّ الفتوى به من أحد.

ومنه يظهر أنّ المراد بالغني في الخبر هو الغني الشرعي أعني : المالك لقوت السنة فإنّه الذي يعطى من سهم الغارمين إذا كان عاجزاً عن الأداء ، دون الغني العرفي المتمكّن من الأداء فإنّه غير مشمول للرواية بوجه.

(١) بل الظاهر سريان الإشكال في كلتا الصورتين :

__________________

(*) الإشكال قوي جدّا.

(**) بل هذا أيضاً لا يخلو من الإشكال.

(١) نسبه إلى الشيخ صاحب الحدائق ١٢ : ١٩٤.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ٣ : ٥٦ ، كنز العمال ٦ : ٤٥٤ / ١٦٥٠٣.

(٣) الجواهر ١٥ : ٣٦٢. ولكن روي في المستدرك ٧ : ١٢٨ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢٧ ح ٢ عن دعائم الإسلام ١ : ٢٦١ ما يقرب منه ، فلاحظ.

١١٠

السابع : سبيل الله (١) ، وهو جميع سبل الخير (*) (٢) ،

______________________________________________________

أمّا في الصورة الأُولى : فلأجل أنّه بعد أن استدان لنفسه ولو لتلك الغاية الراجحة أصبح بشخصه هو المدين ، ومن المعلوم أنّ العطاء لقضاء الدين الشخصي وإن كان عملاً قربيّاً إلّا أنّ الموضوع لسهم سبيل الله ليس هو كلّ أمر قربي ، بل الموضوع هو الصرف فيه ولم يصرف فيه ممّا نحن فيه ، بل صرف في تسديد دين كان هو المصروف في سبيل الله ، والاحتساب لا دليل عليه في المقام. ومن ثمّ لا يجوز تعويض ما صرفه في سبيل الجهاد الذي هو من أوضح مصاديق سبيل الله من هذا السهم بأن تدفع له الزكاة عوضاً عمّا بذله في الجهاد حتّى على القول بجواز الدفع والصرف من هذا السهم للمتمكّن فيما إذا لم يقدم إلّا على هذا الوجه.

وبالجملة : ما صرفه في سبيل الله لم يكن زكاة ، بل ديناً شخصيّاً ، وما كان زكاة لم يصرفه في سبيل الله ، بل في أداء دين نفسه ، وأداء الدين لا يعدّ عرفاً من سبيل الله ، فلا يجوز الأخذ لا من هذا السهم لما عرفت ، ولا من سهم الغارمين لاختصاصه بصورة العجز عن الأداء والمفروض تمكّنه منه.

ومنه تعرف الحال في الصورة الثانية أعني : ما إذا كان من قصده حين الاستدانة ذلك ضرورة أنّ القصد لا يغيّر الواقع ولا يجعل غير الجائز جائزاً ، ولا المصروف الذي هو عين ما استدان مصداقاً للزكاة ، فلا يكون صرفه صرفاً للزكاة ، وقد عرفت أنّ التعويض لا يحقّق الصرف من سهم سبيل الله ، فلاحظ.

(١) وهو في الجملة ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال ، وقد نطق به الكتاب والسنّة ، واتّفقت عليه الخاصّة والعامّة.

(٢) على المشهور بين فقهائنا من التعميم لكلّ ما يتضمّن خيراً للمسلمين أو

__________________

(*) بل خصوص ما فيه مصلحة عامّة.

١١١

كبناء القناطر والمدارس والخانات والمساجد وتعميرها ، وتخليص المؤمنين من يد الظالمين ، ونحو ذلك من المصالح ، كإصلاح ذات البين ، ودفع وقوع الشرور والفتن بين المسلمين ، وكذا إعانة الحجّاج والزائدين وإكرام العلماء والمشتغلين مع عدم تمكّنهم من الحجّ والزيارة والاشتغال ونحوها من أموالهم ، بل الأقوى جواز دفع هذا السهم في كلّ قرية.

______________________________________________________

فائدة للدين أو تعظيماً لشعائر الإسلام ، كالأمثلة المذكورة في المتن.

خلافاً للجمهور ، حيث خصوه بما يصرف في سبيل الجهاد والمقاتلة مع أعداء الدين. ونُسب ذلك إلى الشيخ والمفيد والصدوق أيضاً (١).

وربّما يستدلّ لهم بما رواه المشايخ الثلاثة بإسنادهم عن يونس بن يعقوب : إنّ رجلاً كان بهمدان ذكر أنّ أباه مات وكان لا يعرف هذا الأمر فأوصى بوصيّة عند الموت ، وأوصى أن يعطى شي‌ء في سبيل الله ، فسُئل عنه أبو عبد الله (عليه السلام) كيف نفعل ، وأخبرناه أنّه كان لا يعرف هذا الأمر «فقال : لو أنّ رجلاً أوصى إليّ أن أضع في يهودي أو نصراني لوضعته فيهما ، إنّ الله تعالى يقول (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) ، فانظروا إلى من يخرج إلى هذا الأمر (الوجه خ ل) يعني بعض الثغور فابعثوا به إليه» (٢).

وفيه مضافاً إلى ضعف السند بسهل بن زياد ـ : أنّ الدلالة قاصرة ، إذ موردها الوصيّة ، والمفروض أنّ الموصي غير شيعي ، وقد عرفت اختصاص سبيل

__________________

(١) الحدائق ١٢ : ١٩٩.

(٢) الوسائل ١٩ : ٣٤١ / كتاب الوصايا ب ٣٣ ح ٤ ، الكافي ٧ : ١٤ / ٤ ، الفقيه ٤ : ١٤٨ / ٥١٥ ، التهذيب ٩ : ٢٠٢ / ٨٠٥ ، الاستبصار ٤ : ١٢٨ / ٤٨٥. والآية في البقرة ٢ : ١٨١.

١١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الله عندهم بالجهاد ، فلا جرم تنصرف الوصيّة إلى ما يعتقده الموصي ، ولعلّ في قوله : «لو أنّ رجلاً أوصى» إلخ ، إيعازاً بذلك أي بعدم الاختصاص لولا أنّ الوصيّة اقتضت ذلك. إذن فلا ملازمة بين مورد الرواية وبين محلّ الكلام.

هذا ، مع أنّ الرواية لا دلالة لها على الحصر بوجه ، إذ لم تكن بصدد التفسير ، بل في مقام التطبيق ، ولعلّه من أجل أنّه أهمّ المصاديق وأوضحها لا أنّه منحصر فيه ، ولا سيّما بقرينة ما ورد في بعض نصوص الوصيّة من التطبيق على غير الجهاد ، كمعتبرة الحسين بن راشد ، قال : سألت أبا الحسن العسكري (عليه السلام) ، (بالمدينة) عن رجل أوصى بمال (له خ ل) في سبيل الله «قال : سبيل الله شيعتنا» (١).

فإنّ المسمّى ب : الحسن بن راشد ، مشترك بين من هو من أصحاب الصادق ومن هو من أصحاب الرضا ومن هو من أصحاب العسكري (عليهم السلام) ، والمراد به في المقام هو الأخير بقرينة روايته عن العسكري ، وهو المكنّى ب : أبي علي ، مولى لآل المهلب ، وقد وثّقه الشيخ في رجاله (٢) ، فالسند معتبر كما أنّ الدلالة واضحة.

وهناك روايات اخرى دلّت على جواز الصرف في غير الجهاد كالحجّ :

منها : صحيحة علي بن يقطين ، أنّه قال لأبي الحسن (عليه السلام) : يكون عندي المال من الزكاة فأحجّ به مواليّ وأقاربي؟ «قال : نعم ، لا بأس» (٣).

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم ، أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصرورة أيحجّ من الزكاة؟ «قال : نعم» (٤).

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ٣٣٨ / كتاب الوصايا ب ٣٣ ح ١.

(٢) لاحظ رجال الطوسي : ١٦٧ / ٢٩ و ٣٧٣ / ٢٩.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٩٠ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٢ ح ١.

(٤) الوسائل ٩ : ٢٩٠ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٢ ح ٢ ، الفقيه ٢ : ١٩ و ٢٦٢ / ٦٠ و ١٢٧٧ ، التهذيب ٥ : ٤٦٠ / ١٦٠٢.

١١٣

مع عدم تمكّن المدفوع إليه من فعلها بغير الزكاة (١) ، بل مع تمكّنه أيضاً لكن

______________________________________________________

فإنّ طريق الصدوق إلى محمّد بن مسلم وإن كان ضعيفاً ولكنّه رواها عنه بطريق آخر ، وهو إسناده عن حريز عن محمد بن مسلم ، كما أنّ الشيخ أيضاً رواها كذلك وطريقه إلى حريز صحيح.

ومنها : صحيحة جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن الصرورة أيحجّه الرجل من الزكاة؟ «قال : نعم» (١).

فإنّها وإن كانت ضعيفة السند في طريق ابن إدريس لجهالة طريقه إلى البزنطي ولكن صاحب الوسائل يرويها أيضاً عن كتاب علي بن جعفر وطريقه إليه صحيح.

وبالجملة : فهذه النصوص تدلّنا بوضوح على عدم الاختصاص بالجهاد ، ومعه لا موجب لرفع اليد عن إطلاق الآية المباركة الدالّة على التعميم لكلّ سبل الخير وما صدق عليه عرفاً عنوان سبيل الله.

أجل ، ينبغي تقييده بما يعود نفعه إلى العموم ويعدّ من المصالح العامّة ، فلا يشمل مثل تزويج الغني ، فإنّ عنوان سبيل الخير وإن كان صادقاً عليه بمفهومه الواسع ، فإنّ التزويج خير وموجب لإدخال السرور في قلب المؤمن ، إلّا أنّ مناسبة الحكم والموضوع ولا سيّما ملاحظة حكمة التشريع من رفع الحاجة وسدّ الخلّة يستوجب الانصراف عنه ، فما قد يظهر من بعضهم من جواز الصرف من هذا السهم في شؤون الأغنياء كتزويج أولادهم أو شراء كتب دينيّة لمطالعتهم وما شاكل ذلك لا يمكن المساعدة عليه بوجه.

(١) هل تعتبر الحاجة في الصرف من هذا السهم؟

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٩١ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٢ ح ٤ ، مستطرفات السرائر : ٣٣ / ٣٥ ، مسائل علي بن جعفر : ١٤٣ / ١٦٨.

١١٤

مع عدم إقدامه إلّا بهذا الوجه.

______________________________________________________

فيه تفصيل ، فإنّه :

تارةً يصرف في جهة من الجهات العامّة كبناء القناطر والمدارس والمساجد ونحوها.

وأُخرى : يدفع إلى أحد ليصرفه في سبيل الخير من الحجّ أو الجهاد ، أو المواكب الحسينيّة وما شاكلها.

ففي الأوّل : لا ينبغي الشكّ في جواز استفادة الغني منها كالفقير ، ولا ينافيه قوله (عليه السلام) : «لا تحلّ الصدقة لغني» ، لوضوح عدم شموله لمثل ذلك جزماً ، فإنّه ناظر إلى الإنفاق على الغني وتمليكه إيّاه لا الصرف في جهة عامّة مع مسيس الحاجة لينتفع منها الكلّ وهو أيضاً يستفيد منها كأحد المسلمين ، والظاهر أنّ هذا ممّا لم يستشكل فيه أحد ، فإنّ هذه الاستفادة لا تعدّ من مصاديق الصرف وهذا واضح.

وأمّا الثاني : فإن لم يكن المورد الخيري محتاجاً إلى الصرف من هذا السهم كما لو كان لدى الحجّاج أو الزوّار أو أرباب المواكب ما يكفيهم لإدارة شؤونهم فحينئذٍ لا يبعد انصراف الأدلّة عن هذه الصورة ولو بملاحظة ما عرفت من حكمة التشريع المقتضية للاختصاص ، بمواطن الحاجة كما تقدّم ، مثل هذا الانصراف في الصرف من سهم الغارمين أيضاً.

وأمّا إذا كانت الحاجة ماسّة بحيث لا سبيل للوصول إلى السبيل الخيري من دون الاستفادة من الزكاة ، فالظاهر جواز الصرف حينئذٍ وإن كانوا هم أغنياء أي مالكين لقوت سنتهم فيعطى للغني الشرعي أيضاً من هذا السهم ليصرفه في سبيل الخير فيما لو دعت الحاجة إليه ، كما لو فرضنا قلّة الحجّاج في سنة واقتضت شوكة الإسلام كثرتهم وكانت هناك جماعة يملكون قوت سنتهم بل قد حجّوا عن استطاعتهم ولكنّهم لا يستطيعون الحجّ في هذه السنة ، فإنّه يجوز

١١٥

الثامن : ابن السبيل ، وهو المسافر الذي نفدت نفقته أو تلفت راحلته بحيث لا يقدر معه على الذهاب (١).

______________________________________________________

الدفع لهم من هذا السهم تكثيراً للحجّاج وتعظيماً لشعائر الإسلام ، بل الظاهر أنّ الأمر كذلك حتّى لو استطاعوا وتمكّنوا ولكنهم لا يقدمون إلّا بهذا الوجه كما أُفيد في المتن ، وذلك بعين المناط المتقدّم ، وقد عرفت عدم شمول قوله : «لا تحلّ الصدقة لغني» لمثل ذلك ، فإنّ الممنوع هو التمليك والإنفاق على حذو الإعطاء للفقير ، أمّا هنا فيعطى للغني ليصرفه في جهة خاصّة لا أنّه يملكه ليتصرّف به كيفما شاء.

وبالجملة : ما هو مناط الجواز وهو الحاجة إلى صرف الزكاة موجود هنا أيضاً فلا يشمله ذاك الدليل.

وملخّص الكلام : أنّ العبرة بالحاجة إلى الصرف في جهة خاصّة من الحجّ أو الجهاد ونحوهما ، لا بحاجة المعطى له ، كما لو احتاجت البلدة إلى المسجد أو القنطرة مثلاً أو أنّ المحافظة على بيضة الإسلام استدعت بعث المسلمين إلى الحجّ أو إلى الدفاع عن بلادهم ، فإنّه لا عبرة في هذه الموارد بحاجة الأشخاص بل بحاجة الجهة نفسها ، فإن احتاجت جاز الصرف من سهم سبيل الله ، وإلّا فلا.

(١) فلا يعمّ مطلق المسافر الذي لا مال له ، بل يختصّ بغير القادر على الذهاب إلى وطنه لنفاد زاده أو راحلته بحيث يصدق عليه المحتاج. وهذا هو المشهور في تعريفه حيث فسّروه بالمنقطع.

ويمكن الاستدلال له مضافاً إلى أنّ ذلك هو مقتضى حكمة التشريع لما تقدّم من أنّ الزكاة إنّما شرّعت لرفع الحاجة وسدّ الخلة ، أنّه لا يبعد القول بأنّ الاحتياج مأخوذ في نفس المفهوم ، حيث يستفاد من إضافة الابن إلى السبيل كنظائر هذا التعبير ، مثل : ابن البطن ، ابن الوقت نوع اختصاص وملازمة بين

١١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الطرفين كاختصاص الابن بأبيه ، فكما أنّه يلازمه ولا يفارقه فكذلك من همّه بطنه أو مراعاة الوقت الحاضر أو المنقطع في الطريق ، فإنّ هؤلاء أيضاً ملازمون لهذه الأُمور ولا ينفكّون عنها.

فابن السبيل إذن كناية عمّن يلازم الطريق ولا يفارق السفر ، لعجزه عن الوصول إلى الوطن بحيث أصبح السفر بمثابة الأب وهو بمنزلة الابن في عدم المفارقة عنه ، ومن الواضح اختصاص ذلك بالمسافر العاجز لا مطلق من لا مال له وإن كان قادراً على الذهاب إلى وطنه ولو بالاستدانة ونحوها.

ويؤيّده تفسير ابن السبيل بالمنقطع فيما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره «قال : وابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة الله فيقطع عليهم» إلخ (١).

ولكنّها لأجل إرسالها لا تصلح إلّا للتأييد.

ويعضده أنّ ابن السبيل الذي قورن مع إخوانه من الفقراء والمساكين ونحوهما في مواضع سبعة من الكتاب العزيز قد خصّ بالتعبير عنه بصيغة المفرد والباقي بصيغة الجمع ، ولعلّ النكتة فيه الإيعاز إلى قلّة أفراده في قبال غيره ، فلو كان المراد مطلق المسافر لكان الأولى الإتيان بصيغة الجمع أيضاً ، لكثرة أفراده ، وإنّما القليل خصوص المعوزين المحتاجين لنفاد نفقتهم أو راحلتهم ، لجريان العادة على أخذ المسافرين معهم ما يكفي مؤونتهم ، ومع نفادها يمكنهم التحصيل ولو بالاستدانة ، فالقليل هم العاجزون عن ذلك أيضاً ، فمن ثمّ عبّر عنه بصيغة الإفراد.

ثمّ لا يخفى أنّ المراد من السفر المأخوذ في مفهوم ابن السبيل هو السفر العرفي ، سواء أكان بالغاً حدّ المسافة الشرعيّة أم لا ، وسواء أقصّر أم أتمّ ، لكونه قاصداً للإقامة أو متجاوزاً للثلاثين متردّداً ، لوضوح عدم مدخليّة للتقصير في صدق

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢١١ / أبواب المستحقين للزكاة ب ١ ح ٧ ، تفسير القمي ١ : ٢٩٩.

١١٧

وإن كان غنيّاً في وطنه (١).

______________________________________________________

ابن السبيل فلا ينافيه الإتمام ، بل ربّما كان مؤكّداً للعنوان ، لكشفه عن عجزه عن الخروج عن البلد حتّى بمقدار يسير موجب للتقصير فضلاً عن العود إلى الوطن.

وبالجملة : المقوّم لمفهوم ابن السبيل هو المسافر المنقطع لا المسافر المقصّر ، وقد تقدّم في صلاة المسافر أنّ الحكم عليه بالإتمام تخصيصٌ حكمي لا خروج موضوعي ، فهو مسافر محكوم عليه بالإتمام.

وما في بعض الأخبار من أنّ المقيم بمكّة عشرة بمنزلة أهلها ، لا يمكن الأخذ بها حتّى في موردها ، فالمقيم مسافر يتمّ تخصيصاً في دليل وجوب التقصير على المسافر ، فهو أيضاً من مصاديق ابن السبيل.

(١) فإنّ ابن السبيل بعنوانه الخاصّ موضوع مستقلّ للزكاة في قبال سائر العناوين من الفقير والمسكين وغيرهما ، ومقتضى الإطلاق ولا سيّما بقرينة المقابلة عدم اعتبار الفقر الشرعي فيه ، فيجوز الإعطاء لكلّ محتاج في السفر وإن كان غنيّاً في بلده ، بل ومن الطبقة الراقية من الأغنياء.

وقد تقدّم غير مرّة عدم التنافي بينه وبين ما دلّ على أنّه لا تحلّ الصدقة للغني ، حيث عرفت أنّ الممنوع هو الدفع للغني بشخصه على حذو الدفع للفقير ليتملّكه ويتصرّف فيه كيفما شاء. أمّا في المقام فيعطى لعنوانه الخاصّ وهو كونه ابن السبيل ليصرفه في جهة معيّنة وهي الإيصال إلى البلد من غير تمليك للشخص ، كما في نظيره في الغارم من الصرف في أداء الدين فحسب.

ولعلّه يشير إلى هذا الفرق اختلاف التعبير في الآية المباركة حيث تضمّنت التعدية بلام الملكيّة في مصارف أربعة وب «في» الظرفيّة في الأربعة الباقية ، فقال عزّ من قائل (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ)

١١٨

بشرط عدم تمكّنه من الاستدانة أو بيع ما يملكه أو نحو ذلك (١) ، وبشرط أن لا يكون سفره في معصية (٢)

______________________________________________________

ثمّ قال تعالى (وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ).

فإنّه لا يبعد أن تكون النكتة في هذا التغيير والعدول عن الأسلوب والإيعاز إلى اختلاف الأصناف وعدم كون المصارف على نمط واحد ، بل في الأربعة الأُول تمليك لأشخاصهم يتصرّفون كيفما يشاؤون ، وفي الأربعة الباقية صرف في جهة خاصّة من غير تضمّنها ملكيّة مطلقة.

(١) لعدم الحاجة مع التمكّن المزبور ، وقد عرفت اعتبارها فيه ، إمّا لتقوّم مفهومه بها ، أو لاختصاص الزكاة بالمحتاج بمقتضى حكمة التشريع ، أو لمرسلة علي بن إبراهيم المنجبرة بالعمل على القول بالانجبار. وعلى أيّ حال ، فلا يستحقّ الزكاة مع قدرته على الوصول إلى وطنه من دون الاستفادة منها إمّا بالاستدانة أو بغيرها ، ومنه تعرف أنّه لا مجال للتمسّك بالإطلاق.

(٢) لم يرد هذا الشرط إلّا في مرسلة علي بن إبراهيم المتقدّمة المتضمّنة لكون السفر في طاعة الله ، فإنّ المراد من الطاعة ما يقابل المعصية ولا يختصّ بالواجب أو المندوب.

وما في الحدائق (١) من أنّهما عبارة عن موافقة الأمر ومخالفته ، فلا تشملان المباح ، ومن ثمّ احتمل اعتبار كون السفر للعبادة جموداً على ما يرتئيه من كونه ظاهر الرواية.

مدفوعٌ بأنّ الظاهر من الطاعة هو العمل الصادر بإذن الله لا خصوص الصادر عن أمره ، وقد ورد : «إنّ الله يحبّ أن يؤخذ برخصه كما يحبّ أن يؤخذ

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٢ : ٢٠٣.

١١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بعزائمه» (١) ، الظاهر في أنّ الأخذ بالمرخّص فيه محبوبٌ له تعالى كالأخذ بالمأمور به فهو أيضاً طاعة لا محالة. وورد أيضاً أنّ «من ورع عن محارم الله فهو من أورع الناس» (٢) ، وهو شامل للمباح ، فتأمّل.

فالإيراد على الرواية بأنّ ظاهرها اعتبار الطاعة وعدم كفاية عدم المعصية وهو مخالف للإجماع ، مبني على التفسير المزبور ولا أساس له.

والحاصل : أنّ السفر في غير المعصية سفر بإذن الله ، فهو طبعاً مطيع في سفره وليس بعاصٍ.

غير أنّ ضعف الرواية بالإرسال مانع عن الاعتماد عليها.

فالأولى الاستدلال له بعد الإجماع المدّعى في كلمات غير واحد بأنّ ذلك هو مقتضى مناسبة الحكم والموضوع ، حيث إنّ الزكاة إنّما شرّعت للإرفاق بالفقراء وسدّ حاجة المحتاجين ، والمناسب جدّاً لهذا التشريع اختصاصه بما إذا لم يستلزم الإرفاق إغراءً بالقبيح وتشجيعاً للمعصية وإعانةً على الإثم ، ولا سيّما على المشهور من حرمتها ، فإنّ ابن السبيل في الآية المباركة منصرف عن مثل ذلك جزماً.

هذا كلّه في سفره إلى المعصية.

وأمّا لو عرضته الحاجة وأصبح ابن السبيل بعد الانتهاء عنها وإرادة الرجوع والعود إلى الوطن فهل يجوز الدفع إليه من هذا السهم؟

أمّا إذا كان ذلك بعد التوبة والندم فلا ينبغي الإشكال في الجواز ، لإطلاق الآية بل شمول المرسلة لو عملنا بها لعدم صدق سفر المعصية حالئذٍ ، بل هو من سفر الطاعة حسبما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٠٧ / أبواب مقدّمة العبادات ب ٢٥ ح ١ ، وج ١٦ : ٢٣٢ / أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ب ٢٩ ح ٢٠.

(٢) الوسائل ١٥ : ٢٤٦ / أبواب جهاد النفس ب ٢١ ح ١٥.

١٢٠