موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢٦٢١] مسألة ٩ : إذا تمكّن من تخليص المغصوب أو المسروق أو المحجور بالاستعانة بالغير أو البيّنة أو نحو ذلك بسهولة (١) ، فالأحوط إخراج زكاتها (*). وكذا لو مكّنه الغاصب من التصرّف فيه مع بقاء يده عليه ، أو تمكّن من أخذه سرقةً ، بل وكذا لو أمكن تخليصه ببعضه مع فرض انحصار طريق التخليص بذلك أبداً. وكذا في المرهون إن أمكنه فكّه بسهولة.

______________________________________________________

(خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) ، ولا يكون الفرد من ذلك الكلّي مالكاً إلّا بالقبض ، لعدم تعيّن الكلّي إلّا بذلك ، حتى إذا انحصر الفرد في واحدٍ فلم يكن في البلد إلّا فقير واحد فإنّه لا يكون مالكاً ما لم يقبض ، إذ لا ينطبق عليه العنوان إلّا بذلك ، بحيث لو مات قبل القبض لم ينتقل إلى وارثه ، فلا يملكه إلّا إذا كان فقيراً أيضاً ، فيملكه حينئذٍ بالقبض لا بالإرث.

وثالثةً : يوقفه على فردٍ أو أفراد معيّنين ، وحينئذٍ فبما أنّ الموقوف عليه يملكه من حين الانعقاد من غير حاجة إلى القبض فلا جرم تجب عليه الزكاة فيما إذا بلغت حصّته بخصوصه حدّ النصاب مع استجماع سائر الشرائط ، ولا يكفي بلوغ حصّة المجموع ، لأنّ الخطاب متوجّه إلى آحاد المكلّفين كما تقدّم (١).

(١) لو كان له مالٌ لا يمكنه التصرّف فيه فعلاً ، لكونه غائباً أو مغصوباً أو مسروقاً ونحو ذلك ، ولكن يتمكّن من تحصيله بسهولةٍ ومن غير مشقّة ، فلعلّ المشهور حينئذٍ عدم وجوب الزكاة ، لفقدان الشرط ، وهو التمكّن الفعلي من

__________________

(*) والأظهر عدم الوجوب فيها وفيما بعدها.

(١) في ص ٧٩.

٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

التصرّف ، ولا يجب تحصيل شرط الوجوب.

ولكن الماتن احتاط وجوباً بإخراج الزكاة ، وفرّق بين هذه المسألة والمسألة الآتية أعني ما لو كان له دين على غيره وأمكن استيفاؤه بسهولة ولم يفعل حيث حكم (قدس سره) هناك تبعاً للمشهور بعدم وجوب الإخراج حتى لو أراد المديون الوفاء ولم يستوف مسامحةً أو فراراً من الزكاة.

وفرّق (قدس سره) بين المسألتين ب : أنّ الملكيّة في المغصوب ونحوه حاصلة ، فشرط الوجوب محقّق ، بخلاف الدين ، فإنّه لا يدخل في ملكه إلّا بعد القبض ، ولا يجب تحصيل شرط الوجوب.

ولكن الفرق كما ترى ، بل لا يرجع إلى محصّل ، لحصول الملك في كلتا المسألتين ، غايته أنّ المملوك هنا شخصي وفي المسألة الآتية كلّي في ذمّة الغير ، ومجرّد ذلك لا يستوجب الاختلاف في الحكم ما لم يقم برهان على اعتبار الملك الشخصي في تعلّق الزكاة ، فكما أنّ المملوك الكلّي يتعلّق به الخمس مثل ما لو كان له مال في ذمّة الغير فاتّجر وربح فإنّه يجب تخميسه بلا إشكال فهلّا تكون الزكاة أيضاً كذلك؟! إذن لا بدّ لنا من التكلّم في كلٍّ من المسألتين على ضوء ما يستفاد من النصوص.

أمّا المسألة الأُولى : فقد سبق (١) أن ورد في غير واحد من الأخبار إناطة الزكاة بكون المال عنده حتى يحول الحول أو ما يؤدّي هذا المعنى من كونه تحت يده وفي تصرّفه ، فلا تجب الزكاة إذا لم يكن المال عنده ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين ما لو أمكن تحصيله بسهولة أو لم يمكن ، فلا وجوب على التقديرين.

وبعبارةٍ اخرى : كون المال عنده وتحت تصرّفه من شرائط الوجوب ، ولا

__________________

(١) في ص ٣٤ ٣٦.

٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

يجب تحصيل شرائط التكليف ، فإنّ ظاهر تلك الأدلّة اعتبار اليد الفعليّة من غير أيّ مانع ، لا مجرّد القدرة على تحصيل اليد.

نعم ، هناك رواية واحدة عبّر عنها المحقّق الهمداني (قدس سره) بموثّقة زرارة (١) ربّما يتراءى أو يستظهر منها ذلك ، وهي ما رواه الشيخ بإسناده عن عبد الله بن بكير ، عمّن رواه (عن زرارة) ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) : أنّه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه «قال : فلا زكاة عليه حتى يخرج ، فإذا خرج زكّاه لعامٍ واحد ، فإنّ كان يدعه متعمّداً وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين» (٢).

فإنّ قوله (عليه السلام) : «فإن كان يدعه» ظاهرٌ في أنّ العبرة بمجرّد القدرة على الأخذ وإن فُقِدت اليد الفعليّة.

ولكنّها مخدوشة سنداً ودلالة.

أمّا السند : فلتطرّق احتمال الإرسال المسقط لها عن الاستدلال ، وذلك لتردّد من روى عنه ابن بكير ، الناشئ من اختلاف النسخ ، فالمذكور في الوافي روايته عن زرارة (٣) ، ولكن الموجود في التهذيب والاستبصار بدل «عن زرارة» قوله : عمّن رواه ، وقد جمع في الوسائل الطبعة الجديدة بين النسختين ، وحيث لا ترجيح في البين فلا دافع لاحتمال الإرسال.

وأمّا الدلالة : فلأنها إلى قوله (عليه السلام) : «لعام واحد» مطابقة لبقيّة الأخبار ، المتضمّنة عدم الزكاة في المال الغائب الذي لا يقدر على أخذه حتى

__________________

(١) مصباح الفقيه ١٣ : ٦٩.

(٢) الوسائل ٩ : ٩٥ / أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٥ ح ٧ ، التهذيب ٤ : ٣١ / ٧٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٨ / ٨١.

(٣) الوافي ١٠ : ١١٤.

٨٣

[٢٦٢٢] مسألة ١٠ : إذا أمكنه استيفاء الدين (١) بسهولة

______________________________________________________

يخرج من الغيبة إلى الظهور كما هو ظاهر. إنّما الكلام في قوله بعد ذلك : «فإن كان يدعه متعمّداً» ، والاستدلال مبني على أن يكون ذلك ناظراً إلى تجدّد القدرة أثناء الحول وأنّ الغائب الذي لم يكن قادراً على أخذه لو حصلت القدرة عليه وجبت الزكاة فيه ، وهو غير واضح.

بل الظاهر منه أنّه ناظرٌ إلى فرضٍ آخر ، الذي هو بمثابة المفهوم للصدر ، وهو ما إذا كان المال الغائب مع غيبته غير خارجٍ عن تحت قدرته واختياره ، بل كان بحيث مهما أراد أن يأخذه أخذه ، مثل المال المستودع أو المدفون تحت الأرض ونحو ذلك من الموارد التي لم تؤثّر الغيبة في الخروج عن تحت السلطنة الفعليّة عرفاً من أوّل الأمر ، لا أنّه كان خارجاً فتجدّدت القدرة ، ولا ريب أنّ هذا النحو من الغيبة غير مانع عن تعلّق الزكاة جزماً ، إذ لم توجب قطع سلطنة المالك بوجهٍ من الوجوه.

والذي يكشف عمّا استظهرناه من أنّها ناظرة إلى هذا الفرض قوله (عليه السلام) في ذيل الرواية : «فعليه الزكاة لكلّ ما مرّ به من السنين» فإنّه لا يستقيم لو أُريد به الفرض السابق ، إذ لا وجه لاحتساب الزمان السابق على تجدّد القدرة وعدّه من الحول ، لفرض عجزه عن التصرّف آن ذاك ، فكيف يقول (عليه السلام) : «لكلّ ما مرّ به من السنين»؟! وإنّما يتّجه لو أُريد به ما ذكرناه ، لحصول القدرة في جميع تلك الأزمنة من أوّل الأمر ، فلا بدّ من احتسابها بتمامها.

ومع التنزّل فلا أقلّ من تطرّق هذا الاحتمال الموجب للإجمال ، فتسقط عن صلاحيّة الاستدلال.

(١) تقدّم الكلام حول المسألة الأُولى.

٨٤

ولم يفعل لم يجب إخراج زكاته ، بل وإن أراد المديون الوفاء ولم يستوف اختياراً ، مسامحةً أو فراراً من الزكاة. والفرق بينه وبين ما ذكر من المغصوب ونحوه : أنّ الملكيّة حاصلة في المغصوب ونحوه ، بخلاف الدين ، فإنّه لا يدخل في ملكه إلّا بعد قبضه.

______________________________________________________

وأمّا هذه المسألة ، وهي المسألة الثانية : فقد سبق أن أشرنا إلى ضعف الفارق الذي ذكره الماتن بين المسألتين (١) ، وأنّ القبض لا دخل له إلّا في تشخيص الكلّي وتعيين ما في الذمّة من الدين فيه لا في حصول الملكيّة ، فإذا كان تعلّق الزكاة بالمال الزكوي بنحو الكلّي كما قد يعطيه ظواهر جملة من النصوص فأيّ مانع من ثبوتها في الكلّي المملوك؟! إذن فلا مناص من التكلّم في المسألة على ضوء ما يستفاد من النصوص ، فنقول : مقتضى غير واحد من الأخبار عدم ثبوت الزكاة في الدين على سبيل الإطلاق ، التي منها صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «قال : لا صدقة على الدين» (٢) ، ونحوها غيرها.

وبإزائها طائفة أُخرى تضمّنت التفصيل بين ما يقدر على أخذه ففيه الزكاة دون ما لا يقدر ، بحيث لو تمّت أسانيدها كان مقتضى صناعة الإطلاق والتقييد حمل الطائفة الأُولى على دينٍ لا يقدر على أخذه ، لأنّ النسبة بينهما نسبة العموم والخصوص المطلق ، المستلزم لارتكاب التقييد.

فمنها : ما رواه الشيخ بإسناده عن ميسرة ، عن عبد العزيز : عن الرجل يكون له الدين ، أيزكّيه؟ «قال : كلّ دين يدعه هو إذا أخذه فعليه زكاته ، وما كان

__________________

(١) في ص ٨٢.

(٢) الوسائل ٩ : ٩٦ / أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ٢.

٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة» (١).

والدلالة وإن كانت ظاهرة لكن السند ضعيف ، لأنّ عبد العزيز العبدي وإن كان معروفاً إلّا أنّه لم يوثّق ، بل ضعّفه النجاشي (٢). نعم ، ميسرة بن عبد العزيز ممدوح.

والرواية مذكورة في الوسائل والتهذيب كما أثبتناه ، غير أنّ الأردبيلي حاول تصحيحها ، فاستظهر أنّ النسخة مغلوطة والصواب : ميسرة بن عبد العزيز الذي عرفت أنّه ممدوح لا : ميسرة عن عبد العزيز (٣).

وما ذكره (قدس سره) محتملٌ في نفسه ، غير أنّه عريٌّ عن أيّ شاهد (٤) وإن استصوبه معلّق الوسائل أيضاً ، ومجرّد أنّ والد ميسرة مسمّى بعبد العزيز لا يستدعي الخدش في النُّسخ بعد اتّفاقها على الضبط كما ذكرناه.

ومنها : ما رواه الكليني بإسناده عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «قال : ليس في الدين زكاة ، إلّا أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخّره ، فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتى يقبضه» (٥).

والدلالة واضحة.

وأمّا السند : فليس فيه من يُغمَز فيه عدا إسماعيل بن مرار ، وقد تقدّم غير مرّة أنّه موثّق ، لوجوده في تفسير علي بن إبراهيم. وعدا عمر بن يزيد ، فإنّه قد يستشكل فيه ، نظراً إلى اشتراكه بين عمر بن محمّد بن يزيد بيّاع السابري

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٩٦ / أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ٥ ، التهذيب ٤ : ٣٢ / ٨٢.

(٢) رجال النجاشي : ٢٤٤ / ٦٤١.

(٣) جامع الرواة ٢ : ٢٨٥.

(٤) ولكنّه (دام ظلّه) اختاره في المعجم [٢٠ : ١١٤] فليلاحظ.

(٥) الوسائل ٩ : ٩٧ / أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ٧ ، الكافي ٣ : ٥١٩ / ٣.

٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الذي وثّقه النجاشي صريحاً وكذا الشيخ (١) وإن نسبه إلى جدّه وحذف اسم أبيه فقال : عمر بن يزيد بيّاع السابري وبين عمر بن يزيد بن ظبيان الصيقل ، الذي له كتابٌ كما ذكره النجاشي أيضاً (٢) ، غير أنّه لم يوثّق. فهذا الاسم مردّد بين رجلين كلاهما له كتاب ومن أصحاب الصادق (عليه السلام) ، أحدهما ثقة ولم يوثّق الآخر ، ولا قرينة على التعيين ، فتسقط عن الحجّيّة.

ولكنّه توهّمٌ باطل لعلّ منشأه أنّ الأردبيلي ذكر في ترجمة ابن ظبيان المزبور عدّة أخبار ومنها هذه الرواية كما أنّه (قدس سره) ذكر طائفة أُخرى من الأخبار في ترجمة السابري (٣).

وهذا غفلة منه (قدس سره) ، إذ لم يذكر في شي‌ء من الروايات التي ذكرها في الموردين ما يدلّ على أنّ المراد به الصيقل أو السابري ، بل ذكر لفظ عمر بن يزيد فقط ، والأردبيلي بنفسه اجتهد وارتأى أنّ تلك الطائفة لذاك وهذه لهذا من غير أيّة قرينة ترشدنا إليه بوجه.

هذا ، والظاهر أنّ المراد به في الجميع هو السابري ، الذي عرفت أنّه ثقة ، وذلك لأنّه المعروف ممّن يراد من لفظ عمر بن يزيد من بين الرواة ، حتى أنّ الشيخ (قدس سره) في الفهرست (٤) والتهذيب اقتصر على ذكره فقط ولم يذكر الصيقل بتاتاً ، وجميع ما يرويه في التهذيب فإنّما يرويه بعنوان عمر بن يزيد ، المراد به السابري ، الذي تعرّض له في المشيخة ، وعليه فلم يثبت أنّ للصيقل رواية أصلاً ، وإنّما عنونه النجاشي لبنائه على التعرّض لكلّ من له أصل أو

__________________

(١) الفهرست : ١١٣ / ٥٠٢ ، رجال الطوسي : ٢٥١ / ٤٥٠.

(٢) رجال النجاشي : ٢٨٣ / ٧٥١.

(٣) جامع الرواة ١ : ٦٣٨.

(٤) الفهرست : ١١٣ / ٥٠٢.

٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

كتاب ، سواء أكان من الرواة أم لا ، وهذا له كتابٌ كالسابري على ما عرفته.

إذن لا ينبغي التأمّل في صحّة الرواية ، وأنّ المراد بالرجل إنّما هو السابري الثقة.

ومنها : ما رواه الحميري بإسناده عن إسماعيل بن عبد الخالق ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) : أعلى الدين زكاة؟ «قال : لا ، إلّا أن تفرّ به» (١).

فإنّ الفرار لا يكون إلّا مع التمكّن والاقتدار على الاستيفاء.

وهي صحيحة السند أيضاً ، فإنّ الطيالسي الموجود فيه مذكورٌ في أسناد كامل الزيارات.

فبهاتين الروايتين المعتبرتين ترفع اليد عن إطلاق الطائفة الأُولى النافية للزكاة على الدين لولا المحذور الآتي كما ستعرف.

وأمّا صحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في الرجل ينسئ أو يعين فلا يزال ماله ديناً ، كيف يصنع في زكاته؟ «قال : يزكّيه ، ولا يزكّي ما عليه من الدين ، إنّما الزكاة على صاحب المال» (٢).

فهي محمولة على الاستحباب وليست من هذه الطائفة ، إذ في النسيئة أو بيع العِيْنَة ليس لصاحب المال الدائن حقّ المطالبة قبل حلول الأجل ، فلا يقدر على أخذ الدين ، وصريح الأخبار المتقدّمة عدم الزكاة في هذه الصورة ، فحكمه (عليه السلام) هنا بالزكاة مبنيٌّ على الاستحباب قطعاً.

وأمّا ما في بعض النسخ من كلمة «يعير» بدل «يعين» وهو موجود في

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٩٩ / أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ١٣ ، قرب الإسناد : ١٢٦ / ٤٤١.

(٢) الوسائل ٩ : ١٠٣ / أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٩ ح ١.

٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الوسائل أيضاً (١) فهو غلطٌ كما يفصح عنه قوله بعد ذلك «فلا يزال ماله ديناً» ، إذ لا دين في العارية ، بل المملوك نفس العين الخارجيّة المستعارة ، لا الدين في الذمّة كما هو ظاهر ، والصواب : «يعين» كما أثبتناه عن الوسائل حسبما سمعت.

والمراد : بيع العِيْنَة ، وهو على ما حكاه في مجمع البحرين عن السرائر ـ : أن يشتري سلعةً بثمن مؤجّل ، ثمّ يبيعها بدون ذلك الثمن نقداً ، ليقضي دَيناً عليه لمن قد حلّ له عليه ، ويكون الدين الثاني وهو العِيْنَة من صاحب الدين الأوّل. مأخوذ من العَين ، وهو النقد الحاضر (٢).

وهو الذي عنونه الفقهاء وحكموا بصحّته من دون شرط ، وفساده مع الشرط.

وكيفما كان فهذه الصحيحة محمولة على الاستحباب جزماً ، وليست هي ممّا نحن فيه.

فالعمدة : الروايتان المعتبرتان المتضمّنتان لإناطة الزكاة في الدين على القدرة على الاستيفاء.

ولكن بإزائها طائفة ثالثة جعل الاعتبار فيها بالقبض وأنّه ما لم يقبض الدين لا زكاة فيه وإن كان قادراً على الأخذ.

كمعتبرة إسحاق بن عمّار ، قال : قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام) : الدين ، عليه زكاة؟ «قال : لا ، حتى يقبضه» قلت : فإذا قبضه ، أيزكّيه؟ «قال : لا ، حتى يحول عليه الحول في يده» (٣).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٩٩ / أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ١١.

(٢) مجمع البحرين ٦ : ٢٨٨ (عين).

(٣) الوسائل ٩ : ٩٦ / أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ٣.

٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وموثّقة سماعة : قال : سألته عن الرجل يكون له الدين على الناس ، تجب فيه الزكاة؟ «قال : ليس عليه فيه زكاة حتى يقبضه ، فإذا قبضه فعليه الزكاة» (١). ونحوهما غيرهما.

هذا ، وحيث إنّ هذه الطائفة صريحة أو لها قوّة ظهور يجعلها كالصريح في نفي الزكاة ما لم يتحقّق القبض خارجاً وإنّ مجرّد القدرة ما لم تقترن بالقبض لا أثر لها في الوجوب ، فلا جرم تتقدّم على الطائفة السابقة التي أقصاها الظهور في الوجوب مع القدرة تقدّم النصّ أو الأظهر على الظاهر ، فتحمل تلك على الاستحباب ، إذ أنّ مقتضى الجمع العرفي بين ما دلّ على الأمر بالزكاة في الدين الذي يقدر على أخذه وبين ما دلّ على عدم الوجوب ما لم يتسلّمه ويقبضه هو رفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب ، بقرينه ما دلّ على جواز الترك ، ونتيجته الاستحباب كما عرفت.

فإنّ النسبة بين القدرة والقبض عمومٌ من وجه ، إذ القادر قد يقبض وقد لا يقبض ، كما أنّ القابض قد يكون قادراً قبل قبضه وأُخرى لا يقدر إلّا حين القبض ، كما قد يتّفق في مثل المحاكم أحياناً وإن كان هذا فرداً نادراً ، ولأجله ذكرنا أنّ نصوص القبض أقوى وأظهر من نصوص الاقتدار ، فلاحظ.

ومع الغضّ وتسليم المعارضة بين الطائفتين ، فتتساقطان ، والمرجع حينئذٍ إطلاق الطائفة الأُولى النافية للزكاة عن الدين ، فما دام كونه ديناً ولم يخرج عن الذمّة إلى العين الخارجيّة بالقبض ، لا زكاة فيه وإن كان قادراً على أخذه واستيفائه بمقتضى الإطلاق.

على أنّ هناك مرجّحاً آخر لنصوص القبض ، وهو أنّا لو قدّمناها على

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٩٧ / أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ٦.

٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

نصوص الاقتدار لم يلزم منه أيّ محذور ، عدا حمل تلك النصوص على الاستحباب كما سمعت ، الذي هو حملٌ شائع ذائع. وقد تحفّظنا حينئذٍ على نصوص الطائفة الأُولى النافية للدين ، وحكمنا من أجلها بأنّ الدين ما دام كونه ديناً ثابتاً في الذمّة لا زكاة فيه ، غير أنّه يستحبّ مع القدرة ، وتجب مع القبض الذي يخرج به عن كونه ديناً.

وأمّا لو قدّمنا نصوص الاقتدار وجعلنا المدار في وجوب الزكاة على القدرة على الأخذ ، كان لازمه إلغاء عنوان الدين المأخوذ في الطائفة الأُولى ، إذ لا خصوصيّة حينئذٍ للدين ، بل العين الخارجيّة والملك الشخصي أيضاً كذلك ، إذ لا تجب فيها الزكاة أيضاً ، إلّا إذا كان قادراً عليه متمكّناً من التصرّف فيه في قبال غير المقدور ، كالمال الغائب أو المسروق أو المغصوب ونحو ذلك ممّا تقدّم وعرفت عدم تعلّق الزكاة بها ما لم يتمكّن من التصرّف فيها (١).

مع أنّ ظاهر تلك النصوص : أنّ الدين من حيث إنّه دينٌ وبعنوانه الخاصّ موضوعٌ لهذا الحكم أعني : عدم تعلّق الزكاة فلا بدّ وأن يكون شاملاً لصورة الاقتدار ليمتاز عن العين الشخصيّة.

ومع الغضّ عن جميع ما ذكرناه فتكفينا في المقام صحيحة علي بن جعفر الناصّة على نفي الزكاة في محلّ الكلام أعني : صورة الاقتدار على الأخذ ما لم يتحقّق القبض خارجاً قال : سألته عن الدين يكون على القوم المياسير إذا شاء قبضه صاحبه ، هل عليه زكاة؟ «قال : لا ، حتى يقبضه ويحول عليه الحول» (٢).

وقد رويت بطريقين :

__________________

(١) في ص ٣٣.

(٢) الوسائل ٩ : ١٠٠ / أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ١٥.

٩١

[٢٦٢٣] مسألة ١١ : زكاة القرض على المقترض بعد قبضه لا المقرض (١) ، فلو اقترض نصاباً من أحد الأعيان الزكويّة وبقي عنده سنة وجب عليه الزكاة.

______________________________________________________

أحدهما : ضعيف من أجل عبد الله بن الحسن ، لعدم ثبوت وثاقته وإن كان جليلاً.

والآخر : ما رواه صاحب الوسائل عن كتاب علي بن جعفر ، وطريقه إليه صحيح.

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ الأقوى ما عليه المشهور بل إجماع المتأخّرين كما في الجواهر (١) من عدم وجوب الزكاة في الدين وإن كان قادراً على الاستيفاء ولم يستوفه مسامحةً أو فراراً ، لإطلاق النصوص النافية للزكاة غير القابلة للتقييد كما عرفت.

نعم ، يستحبّ مع القدرة.

وعلى أيّ تقدير فلا يجب إلّا بعض القبض ، وبذلك يمتاز الدين عن العين حسبما بيّناه ، فلاحظ.

(١) أمّا إذا صرف المال ولم يبق عنده سنة فلا إشكال في عدم الوجوب لا على المقرض ولا المقترض كما هو ظاهر.

وأمّا إذا بقي حتى حال عليه الحول والمفروض بلوغه حدّ النصاب وكونه من أحد الأعيان الزكويّة فهل زكاته حينئذٍ على المقرض أو المقترض؟

لا ينبغي الإشكال في عدم الوجوب على المقرض ، لخروجه عن ملكه بالإقراض ، ودخوله في ملك المقترض ، ولا زكاة إلّا في الملك كما مرّ (٢).

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ٥٨ ، ٥٩.

(٢) في ص ٢٩ ٣٠.

٩٢

نعم ، يصحّ أن يؤدّي المقرض عنه تبرّعاً ، بل يصحّ تبرّع الأجنبي أيضاً. والأحوط الاستئذان من المقترض في التبرّع عنه ، وإن كان الأقوى عدم اعتباره.

______________________________________________________

نعم ، يملك هو كلّيّاً في ذمّة المقترض وديناً على عهدته ، فبناءً على وجوب الزكاة في الدين يجب ، وقد عرفت عدم الوجوب.

وعليه ، فلا تجب الزكاة إلّا على المقترض ، الذي هو المالك للعين كما تشير إليه صحيحة يعقوب بن شعيب ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقرض المال للرجل السنة والسنتين أو الثلاث أو ما شاء الله ، على من الزكاة ، على المقرض ، أو على المستقرض؟ «فقال : على المستقرض ، لأنّ له نفعه وعليه زكاته» (١).

فإنّ التعليل إشارةٌ إلى أنّه المالك للعين ، لأنّ منافعه له ، إذن فزكاته عليه. ونحو هذه الصحيحة غيرها.

والحكم متسالم عليه ولا إشكال فيه في الجملة.

وإنّما الكلام في جهات :

الجهة الأُولى : هل يصحّ للمقرض أن يؤدّي الزكاة عن المقترض بتبرّعٍ ونحوه بحيث يسقط الوجوب عنه؟

لا ريب أنّ هذا على خلاف مقتضى القاعدة الأوّلية الحاكمة بلزوم المباشرة في سقوط الواجبات وحصول امتثالها ، فإنّ سقوط الواجب بفعل الغير يحتاج إلى الدليل.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٠٢ / أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٧ ح ٥.

٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

إلّا أنّا نخرج عن مقتضى القاعدة في خصوص المقام بمقتضى صحيحة منصور ابن حازم الصريحة في السقوط بأداء المقرض عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في رجلٍ استقرض مالاً فحال عليه الحول وهو عنده «قال : إن كان الذي أقرضه يؤدّي زكاته فلا زكاة عليه ، وإن كان لا يؤدّي أدّى المستقرض» (١).

ومقتضى إطلاقها : عدم الحاجة إلى الاستئذان من المقترض في التبرّع عنه.

وتوضيح الحال في هذه الجهة يستدعي التكلّم تارةً فيما تقتضيه القاعدة ، وأُخرى بلحاظ الروايات الخاصّة.

أمّا القاعدة : فلا ريب أنّ مقتضاها عدم السقوط عمّن تجب عليه الزكاة ، وهو المقترض بأداء المقرض ، لا لمجرّد أنّها عبادة لا تسقط إلّا بصدورها عن قصد القربة ممّن خوطب بها ، ولا يجدي التقرّب من الغير وإن كان هذا الوجه أيضاً لا بأس به بل لما ذكرناه في الأُصول في بحث التعبّدي والتوصّلي (٢) من أنّ إطلاق الخطاب تعبّديّاً كان أو توصّليّاً يستدعي اعتبار المباشرة وعدم السقوط بفعل الغير ما لم يثبت خلافه من الخارج ، فإنّ توجيه الخطاب نحو أحدٍ على سبيل الإطلاق مرجعه إلى لزوم صدوره منه سواء أتى به غيره أم لا ، فلا يجزئ صدور الفعل من غير مَن خوطب به سواء أكان أجنبيّا أو نائباً ، بل حتى وإن كان وكيلاً إلّا أن يثبت من الخارج عدم اعتبار المباشرة وكفاية التسبيب أو التوكيل.

وعليه ، فمقتضى القاعدة في المقام : عدم السقوط عن المقترض المكلّف بالزكاة بأداء المقرض.

وقد يقال : إنّ مقتضى القاعدة في خصوص المقام ونظائره من الحقوق

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٠١ / أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٧ ح ٢.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٩٧ ٩٩.

٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

المتعلّقة بالأموال هو السقوط ، لأنّها بمثابة الديون ، إذ الفقير الذي يستحقّ العين الزكويّة في حكم الدائن ، فكما يسقط الدين بالتبرّع فكذا الزكاة بمناطٍ واحد.

ويندفع : ببطلان القياس ، لوجود الفرق بين الزكاة والدين من ناحيتين :

إحداهما : من ناحية المالك ، فإنّه في الدين شخصٌ معيّن ، وهو الدائن ، فيجري فيه التبرّع بمقتضى القاعدة ، إذ للمالك إسقاط حقّه ابتداءً بلا عوضٍ بإبراءٍ ونحوه ، فمع العوض الذي يتسلّمه من المتبرع بطريقٍ أولى ، فيجوز الدفع إليه تفريغاً لذمّة المديون ، فتبرأ ذمّته بطبيعة الحال.

نعم ، إلزام الدائن بذلك على خلاف القاعدة ، إذ له أن يقول : لا أتسلّم حقّي إلّا ممّن لي عليه الحقّ ، وهو المديون بشخصه ، إلّا أنّ بناء العقلاء قائمٌ على عدم الاعتناء بامتناعه عن الأخذ ، وأنّه ليس له هذا الحقّ ، وأنّ ذمّة المديون تبرأ بدفع المتبرّع ، نظراً إلى أنّه لا يستحقّ إلّا طبيعيّ المال المنطبق على ما يدفعه المتبرّع ، فجواز التبرّع المستتبع لبراءة الذمّة ثابتٌ في الدين مقدارٌ منه بمقتضى القاعدة ، ومقدارٌ ببناء العقلاء حسبما عرفت.

وليس كذلك في الزكاة ، إذ المالك هنا كلّي الفقير لا شخص معيّن ، ولذلك ليس لأحدٍ من الفقراء إبراء مَن عليه الزكاة وإسقاط الحقّ عنه ، لعدم كونه مالكاً كي يسوغ له ذلك ، فلأجله لا أثر للتبرّع من الفقير في حصول البراءة لمن اشتغلت ذمّته بالزكاة.

الثانية : من ناحية المملوك ، فإنّه في الدين كلّي في الذمّة ، قابلٌ للانطباق على كلّ ما كان مصداقاً له ولو كان صادراً من المتبرّع ، وهذا بخلاف الزكاة فإنّها متعلّقة بالعين الزكويّة ، على الخلاف في كيفية التعلّق من كونها بنحو الإشاعة أو الكلّي في المعيّن أو الشركة في الماليّة ، وعلى أيّ حال فمتعلق الحقّ هي تلك العين الخارجيّة ، فلا بدّ وأن يدفع النصاب منها.

٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، قام الدليل الخارجي على أنّ من عليه الزكاة يجوز له دفع مقدار النصاب من ماله الآخر ولا يلزمه الدفع من نفس العين ، ولم يقم مثل هذا الدليل بالنسبة إلى شخصٍ آخر ليسوغ التبرّع منه بماله حتى ولو كان ماله من الأعيان الزكويّة ، فالاجتزاء بدفعه بدلاً عمّا تعلّقت به الزكاة على خلاف مقتضى القاعدة.

فاتّضح أنّه لا وجه لإلحاق الزكاة بالدين في صحّة التبرّع بعد وجود الفرق بينهما من هاتين الناحيتين.

فالأوجه ما عرفت من أنّ مقتضى القاعدة : عدم السقوط بفعل الغير ، من غير فرقٍ بين الزكاة وغيرها من سائر الواجبات.

وأمّا بحسب الروايات : فقد عرفت أنّ صحيحة منصور بن حازم صريحة في السقوط بفعل المقرض ، وأنّ تعلّق الزكاة على المستقرض منوطٌ بعدم الأداء من المقرض ، ومن المعلوم أنّ المال الواحد لا يزكّى في العام الواحد مرّتين ، فبذلك يخرج عن مقتضى القاعدة الأوّلية.

كما وعرفت أيضاً : أنّ مقتضى إطلاق الصحيحة عدم الحاجة إلى الاستئذان ، بل يكفي ولو مع جهل المقترض أو غفلته ، بل حتى مع منعه وعدم رضاه ، كلّ ذلك لإطلاق النصّ.

فما عن الشهيد في الدروس والبيان من اعتبار الاستئذان (١).

غير ظاهر الوجه ، عدا احتمال دخله في صحّة الاستناد إليه كي يسقط التكليف عنه. وهو كما ترى ، فإطلاق النصّ هو المحكّم وإن كان الاعتبار أحوط.

الجهة الثانية : هل يختصّ التبرّع بالمقرض ، أو يصحّ من الأجنبي أيضاً؟

مقتضى الجمود في الحكم المخالف لمقتضى القاعدة على النصّ هو الأوّل ، ولكن

__________________

(١) الدروس ١ : ٢٣١ ، البيان : ٢٨٣.

٩٦

ولو شرط في عقد القرض (١) أن يكون زكاته على المقرض : فإن قصد أن يكون خطاب الزكاة متوجّهاً إليه لم يصحّ ، وإن كان المقصود أن يؤدّي عنه صحّ.

______________________________________________________

الأقوى هو الثاني ، نظراً إلى أنّ مقتضى الفهم العرفي عدم خصوصيّة للمقرض ، إذ لا فرق بينه وبين الأجنبي ، إلّا في أنّه كان مالكاً للعين سابقاً ، ولكن العلاقة السابقة قد انقطعت فعلاً وتبدّلت بما في ذمّة المقترض ، فهو فعلاً أجنبي كسائر الناس ، وقد زالت علاقته عن العين بالكلّيّة ، فمناسبة الحكم والموضوع تقتضي صحّة التبرّع من الكلّ بمناطٍ واحد كما لا يخفى.

(١) الجهة الثالثة : لو شرط المقترض في عقد القرض أن تكون الزكاة على المقرض ، فهل يصحّ ذلك أو لا؟

قسّمه (قدس سره) على قسمين :

فتارةً : يشترط أن يؤدّي عنه.

وأُخرى : أن يكون الخطاب متوجّهاً ابتداءً إلى المقرض بدلاً عن المقترض.

أمّا الأوّل : فهو صحيحٌ كما ذكره في المتن ، لأنّه شرطٌ لأمرٍ سائغ في نفسه ، فيشمله عموم دليل نفوذ الشرط.

أجل ، ربّما يتوهّم أنّ الشرط المزبور يستوجب الربا ، للزوم الزيادة ، لأنّها إنّما تجي‌ء من قبل الشرط ، لا مجرّد الزيادة الخارجيّة من دون شرط ، كما يفصح عنه ما صحّ عنهم (عليهم السلام) من أنّه إنّما جاء الربا من قبل الشروط (١).

ولكنّه واضح الدفع ، ضرورة أنّ الشرط الموجب للزيادة في باب القرض

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ١٩٠ / أبواب الصرف ب ١٢.

٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

هو الذي يجلب نفعاً للمقرض كما لو أقرض واشترط على المقترض أن يخيط ثوباً مثلاً لا ما أوجب ضرراً عليه وكان النفع للمقترض كما في المقام ، فإنّ تأدية الزكاة المشترط عليها نقصٌ في مال المقرض لا أنّها زيادة كي تستلزم الربا ، مثل ما لو أصرّ على أحدٍ أن يقرضه لداعٍ من الدواعي فامتنع الآخر من قبول الاقتراض إلّا بشرط أن يخيط المقرض ثوباً ، فإنّه ليس من الربا في شي‌ء ، لكونه عليه لا له.

وعلى الجملة : فلا ينبغي التأمّل في صحّة الشرط المزبور.

نعم ، لا تفرغ ذمّة المقترض عن الزكاة إلّا بأداء المقرض خارجاً لا بمجرّد الشرط كما هو واضح.

وأمّا الثاني : فهو إن صحّ ترتّب عليه فراغ الذمّة عن الزكاة بمجرّد الاشتراط ، سواء أدّى المقرض خارجاً أم لا كما لا يخفى. ولكنّه لا يصحّ كما ذكره في المتن ، لا لأجل أنّ الشرط حينئذٍ مخالفٌ للكتاب والسنّة أي إطلاق ما دلّ على أنّ الزكاة على المالك في ماله كما قيل بل لأنّه شرطٌ لأمرٍ غير مقدور.

وتوضيحه : أنّ اعتبار عدم مخالفة الكتاب والسنّة إنّما ورد في ذيل دليل نفوذ الشرط في روايات عديدة ، التي منها موثّقة إسحاق بن عمّار : «المؤمنون أو المسلمون عند شروطهم ، إلّا شرطاً خالف الكتاب والسنّة» (١) فدلّ الصدر على أنّ المؤمن عند شرطه وملاصقٌ به أي يجب الوفاء به فمورده ما إذا كان الفعل في حدّ نفسه لولا الشرط ممّا يمكن أن يصدر عن المشروط عليه وأن يفعله وأن لا يفعله ، فيحكم بوجوب صدوره منه مع الشرط إلّا إذا تعلّق بفعل حرام أو ترك واجبٍ ممّا خالف الكتاب والسنّة ، مثل أن يشترط أن لا يصلّي صلاة الفجر أو يفطر شهر رمضان أو يشرب الخمر ونحو ذلك.

__________________

(١) لاحظ الوسائل ١٨ : ١٧ / أبواب الخيار ب ٦.

٩٨

[٢٦٢٤] مسألة ١٢ : إذا نذر التصدّق بالعين الزكويّة (١) : فإن كان مطلقاً غير مؤقّت ولا معلّقاً على شرط لم تجب الزكاة فيها (*) وإن لم تخرج عن ملكه بذلك ، لعدم التمكّن من التصرّف فيها ، سواء تعلّق بتمام النصاب أو بعضه.

نعم ، لو كان النذر بعد تعلّق الزكاة وجب إخراجها أوّلاً (**) ثمّ الوفاء بالنذر.

______________________________________________________

وهذا كما ترى غير منطبق على المقام ، لوضوح أنّ تعلّق الوجوب وتوجيه الخطاب بالزكاة فعلٌ من أفعال الشارع ، وخارجٌ عن تحت قدرة المشروط عليه واختياره بالكلّيّة ، فلا يمكن صدوره من هذا الشخص بتاتاً كي يكون موافقاً للكتاب والسنّة مرّةً ومخالفاً أُخرى ، لأنّ الفعل الاختياري من كلّ أحدٍ ولا سيّما الشارع غير اختياري بالإضافة إلى الآخرين.

وعليه ، فعدم نفوذ مثل هذا الشرط ليس لأجل المخالفة للكتاب أو السنّة لخروجه عن المقسم أعني الفعل الاختياري بل لأجل أنّه شرطٌ لأمرٍ غير مقدور ، فهو مثل ما لو شرط في ضمن العقد أن لا يرث من أبيه أو أن يرثه الأجنبي ، ونحو ذلك ممّا يوجب قلب الحكم في مقام التشريع ، فإنّ الإرث أو عدمه كوجوب الزكاة على المقترض فيما نحن فيه حكمٌ شرعي خارج عن تحت الاختيار ، فلأجله لا يشمله دليل نفوذ الشرط.

(١) تقدّمت الإشارة إلى هذه المسألة في كلام الماتن عند التكلّم حول الشرط الخامس من شرائط وجوب الزكاة (١) ، وقد عنونها هنا مستقلا وباحَثَ حولها

__________________

(*) الأظهر وجوب الزكاة فيها ، وبذلك يظهر الحال في بقيّة فروع المسألة.

(**) بل يجب الوفاء بالنذر وإخراج الزكاة ولو من القيمة.

(١) في ص ٣٣.

٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

تفصيلاً بما يتفرّع عليها من الخصوصيّات.

فذكر (قدس سره) : أنّ نذر التصدّق بالعين الزكويّة قد يكون مطلقاً أي غير مؤقّت بوقتٍ ولا معلّقاً على شرط وقد يكون مؤقّتاً أو معلّقاً.

والكلام فعلاً في القسم الأوّل. وهو على نوعين ، إذ :

تارةً : يكون النذر أثناء الحول ، أي قبل تعلّق الزكاة.

وأُخرى : بعد حلول الحول وصيرورة الأمر بالزكاة فعليّاً.

أمّا النوع الأوّل : فقد استوفينا الكلام حوله مستقصًى وبنطاقٍ واسعٍ في المحلّ المشار إليه آنفاً ، وقلنا : إنّ مجرّد الوجوب التكليفي والحكم الشرعي بالصرف في الصدقة لا يستوجب العجز عن التصرّف كي يمنع عن تعلّق الزكاة ، فراجع إن شئت ولا نعيد (١).

وأمّا النوع الثاني : فلا إشكال فيه فيما إذا تعلّق النذر بما عدا العين الزكويّة ، كما لو تعلّق الزكاة بالعشر من هذا المال وقد نذر التصدّق بتسعة الأعشار أي ما بقي من المال لعدم التنافي بين الأمرين كما هو واضح.

وإنّما الكلام والإشكال فيما إذا تعلّق النذر بما يعمّ العين الزكويّة ، كما لو نذر التصدّق بتمام هذا المال أو على نحوٍ يشمل بعض النصاب وإن لم يستوعَب كلّه ، فهل ينعقد مثل هذا النذر؟ وعلى تقدير الانعقاد فهل يصحّ في المجموع أو فيما عدا العين الزكويّة؟

قد يقال بعدم الانعقاد ، نظراً إلى أنّ المال المنذور مشتركٌ فيه بينه وبين الفقراء ، وليس كلّه ملكاً له ، فلا سلطنة له على تمام العين ليتمكّن من جعله متعلّقاً للنذر.

__________________

(١) ص ٤١ ٤٧.

١٠٠