موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

وصحّته مثل قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (١) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢) ونحو ذلك ناظرة بمقتضى الفهم العرفي إلى البيوع الصادرة ممّن له الولاية على البيع كالمالك والوكيل والولي بحيث يصحّ إسناد البيع إليه دون غيره ممّن هو أجنبي عنه كالفضولي ، فإنّ البيع الصادر منه غير مشمول لإطلاقات الأدلّة.

نعم ، بعد التعقّب بالإجازة يصحّ إسناده إلى المالك بقاءً وإن لم يكن كذلك حدوثاً ، فلو وهب زيد مال عمرو فضولةً ثمّ أجازه عمرو يصحّ أن يقال : إنّ عمرواً وهب ماله ، ولا محذور في أن تكون الإجازة في الأُمور الاعتبارية منشأً لصحّة الإسناد ، فيكون المالك بعد الإجازة مورداً للخطاب ومشمولاً لإطلاقات الأدلّة ، وهل الإجازة كاشفة أو ناقلة؟ فيه كلام محرّر في محلّه.

ومن ثمّ كان صحّة البيع الفضولي المتعقّب بالإجازة مطابقاً لمقتضى القاعدة من غير حاجة إلى الأدلّة الخاصّة ، مضافاً إلى ورودها في الموارد المتفرّقة كما هي مذكورة في محلّها.

ومنه تعرف أنّ من باع شيئاً ثمّ ملكه الذي هو من أحد مصاديق البيع الفضولي كما عرفت يحتاج نفوذ بيعه إلى الإجازة ، إذ حين صدور البيع لم يكن مستنداً إلى المالك ، وبعده لم يصدر منه بيع آخر ، فلا تشمله الإطلاقات إلّا بعد التحاق الإجازة. هذا ما تقتضيه القاعدة.

ولكن صحيحة عبد الرحمن دلّت على عدم الحاجة إلى الإجازة ، وموردها الزكاة التي هي محلّ الكلام ، فإن ألغينا خصوصيّة المورد عمّ الحكم لمطلق موارد : من باع ثمّ ملك ، وإن تحفّظنا عليها جموداً في الحكم المخالف لمقتضى القاعدة على مورد النصّ اختصّ الحكم به ولم يتعدّ عنه ، وعلى التقديرين فالحكم في محل

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٧٥.

(٢) المائدة ٥ : ١.

٣٨١

[٢٦٨٧] مسألة ٣٠ : إذا تعدّد أنواع التمر مثلاً وكان بعضها جيّداً أو أجود وبعضها الآخر ردي‌ء أو أردأ ، فالأحوط الأخذ من كلّ نوع بحصّته (١) ، ولكن الأقوى الاجتزاء بمطلق الجيّد وإن كان مشتملاً على الأجود ، ولا يجوز دفع الردي‌ء عن الجيّد والأجود على الأحوط.

______________________________________________________

الكلام منصوص ولأجله يخرج عن مقتضى القاعدة.

روى الكليني بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل لم يزكّ إبله أو شاته عامين فباعها ، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال : نعم ، تؤخذ منه زكاتها ويتبع بها البائع أو يؤدّي زكاتها البائع» (١).

وهي واضحة الدلالة ، حيث جعل فيها بدل الأخذ من المشتري أداء البائع ، فيظهر أنّه متى أدّى البائع لا شي‌ء على المشتري ، وظاهره أنّ تمام العين ملكٌ طلقٌ للمشتري من غير توقّف على إجازة البائع الذي صار مالكاً بمقتضى الإطلاق ، كما أنّها صحيحة السند أيضاً. إذن فالأظهر هو الاستقرار في ملك المشتري من غير حاجة إلى إجازة البائع حسبما عرفت.

(١) فلو كان مشتملاً على الجيّد والأجود والردي‌ء يقسّم أثلاثاً ويؤخذ من كلّ ثلث عشراً ، ولا ريب أنّ هذا أحوط ، لانطباقه حتّى على مسلك الإشاعة والشركة الحقيقيّة بأن تكون كلّ حبّة من الحنطة مثلاً مشتركاً فيها بين المالك والفقير بنسبة الواحد إلى العشرة ، ولكنّه غير لازم ، لضعف هذا المسلك كما سيجي‌ء إن شاء الله (٢) ، بل هي إمّا بنحو الشركة في الماليّة كما هو الصحيح

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٢٧ / أبواب زكاة الأنعام ب ١٢ ح ١ ، الكافي ٣ : ٥٣١ / ٥.

(٢) في ص ٣٨٩ ٣٩٠.

٣٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أو الكلّي في المعيّن كما عليه الماتن (قدس سره) ، وعلى التقديرين فيجتزئ بمطلق الجيّد وإن كان مشتملاً على الأجود ، لانطباق الطبيعة المأمور بها عليه بعد كونه مصداقاً لمسمّى الحنطة أو التمر ونحوهما ، وقد مرّ أنّ اختيار التطبيق بيد المالك فله اختياره في مقام الدفع والإخراج (١).

بل الأقوى الاجتزاء بدفع الردي‌ء عن الجيّد والأجود بعين هذا البيان ، لاتّحاد المناط ، ولم يقيّد المدفوع في شي‌ء من نصوص الباب بصنف خاصّ كما كان كذلك في زكاة الأنعام ، حيث ورد المنع عن دفع الشاة الهرمة أو المريضة أو المعيبة كما تقدّم (٢) ، ولم يرد مثل هذا التقييد في زكاة الغلّات بوجه. إذن مقتضى الإطلاقات جواز الإخراج من كلّ فرد شاء بعد أن كان مصداقاً لمسمّى التمر مثلاً وفرداً للعنوان المأمور به.

نعم ، في بعض النصوص : أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) منع عن خرص الجعرور ومعافارة ولم يقبلهما عن الزكاة (٣).

ولكن هذين من أردأ أنواع التمر قليلة اللحي عظيمة النوى لا تستعمل غالباً إلّا للإحراق أو أكل الحيوانات ولا يعدّان من المأكول ، بل ربّما ينصرف عنهما اسم التمر لشدّة الرداءة وعدم الصرف في الأكل. ومثل هذا خارج عن محلّ الكلام ، فلا ينافي ما قدّمناه من الاجتزاء بالردي‌ء الذي يعدّ من القسم المأكول ويطلق عليه اسم التمر ، عملاً بإطلاقات الأدلّة حسبما عرفت.

وأما ما في بعض النصوص المعتبرة الواردة في تفسير قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا

__________________

(١) في ص ٣٧٧.

(٢) في ص ٢٠٠ ٢٠٢.

(٣) الوسائل ٩ : ٢٠٥ ٢٠٧ / أبواب زكاة الغلّات ب ١٩ ح ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤ ، ٥.

٣٨٣

[٢٦٨٨] مسألة ٣١ : الأقوى أنّ الزكاة متعلّقة بالعين لكن لا على وجه الإشاعة بل على وجه الكلّي (*) في المعيّن (١).

______________________________________________________

الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) (١) من تطبيق الخبيث على الجعرور والمعافارة وعدم جواز إخراجهما عن الزكاة ، فالآية المباركة في حدّ نفسها مع الغض عمّا ورد في تفسيرها ناظرة إلى مطلق الإنفاقات ولا ارتباط لها بباب الزكاة ، فإنّ المراد من الطيّب والخبيث في غير واحد من الآيات التي منها قوله تعالى (يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) (٢) هو الحلال والحرام أي ما هو منشأ للحلّيّة والحرمة فظاهر الآية المباركة لزوم كون الإنفاق من حلال الكسب لا من حرامه كما قيل : لا تزني ولا تتصدّقي ، وهي بإطلاقها شاملة لعامّة الصدقات والإنفاقات ولا اختصاص لها بباب الزكاة ، إلّا أنّ الروايات المفسّرة طبّقتها على هذا الباب وجعلت مصداق الخبيث ذينك النوعين الرديئين من التمر ، ولكنّك عرفت أنّ عدم الاجتزاء بهما على القاعدة وفي الحقيقة هما خارجان عن محلّ الكلام ، فلا يقاس عليهما سائر أقسام الردي‌ء التي تعدّ من المأكول ولا ينصرف عنها اسم التمر وكانت من مصاديق الطبيعة عرفاً وإن كانت رديئاً.

فالأقوى جواز دفع ذلك عن الجيّد والأجود وإن كان الأحوط خلافه كما عرفت.

(١) هل الزكاة حقّ متعلّق بالذمّة والأداء من العين وفاءً عمّا في الذمّة؟ أم أنّها متعلّقة بنفس العين الزكوية ابتداءً؟ وعلى الثاني فهل التعلّق على سبيل الإشاعة أم بنحو الكلّي في المعيّن ، أو بوجه آخر؟

__________________

(*) لا يبعد أن يكون قبيل الشركة في المالية ومع ذلك يجوز التصرّف في بعض النصاب إذا كان الباقي بمقدار الزكاة.

(١) البقرة ٢ : ٢٦٧.

(٢) الأعراف ٧ : ١٥٧.

٣٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

اختار الماتن (قدس سره) ما هو المعروف بين الفقهاء قديماً وحديثاً من أنّها متعلّقة بالعين على نحو الكلّي في المعيّن.

فيقع الكلام أوّلاً في أصل التعلّق بالعين ، ثمّ في كيفيّة التعلّق ، فنقول :

أمّا أنّها متعلّقة بالعين دون الذمّة فهو المشهور بل يشبه المتسالم عليه بين الأصحاب ، إذ لم ينقل الخلاف فيه صريحاً عن أحد ، بل نُسب إلى الشذوذ أو إلى قائل مجهول.

ويدلّنا عليه ظواهر النصوص مثل قوله (عليه السلام) : «فيما سقته السماء العشر» و : «في أربعين شاة شاة» ، و : «في عشرين مثقالاً من الذهب نصف مثقال» ونحو ذلك.

فإنّ كلمة «في» حقيقة في الظرفيّة ، فيكون المعنى : أنّ العشر مظروف وظرفه ما سقته السماء ممّا أنبتته الأرض ، وهكذا الحال في الشاة ونصف المثقال ، فوعاء هذه الأُمور وموطنها والمحلّ الذي ترتكز فيه هو نفس العين الزكويّة الخارجيّة بمقتضى التعبير بأداة الظرف دون الذمّة.

ولا يقاس ذلك بمثل قولهم (عليهم السلام) «في القتل خطأً الدية» أو : «في إفطار شهر رمضان الكفّارة» ونحو ذلك ممّا تستعمل فيه كلمة «في» للسببيّة ، للفرق الواضح بين الموردين ، إذ الحمل على الظرفيّة التي هي ظاهر كلمة «في» متعذّر في أمثال هذه الموارد ، ضرورة أنّ الدية وكذا الكفّارة من سنخ الأموال ، والقتل أو الإفطار من قبيل الأفعال ، ولا معنى لظرفيّة الفعل للمال ، إذ لا محصّل له كما لا يخفى ، فلأجله لم يكن بدّ من الحمل على السببيّة التي هي أيضاً استعمال شائع ذائع ويستعمل فيها كلمة «في» كثيراً وإن كان على خلاف الظهور الأوّلي.

وأمّا في أمثال المقام فلا مقتضي للعدول عن ظاهر اللفظ بعد أن كانت إرادة الظرفيّة التي هي مقتضى الوضع الأوّلي بمكانٍ من الإمكان ، فإنّ ما أنبتته الأرض

٣٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

مالٌ كما أنّ العشر أيضاً مال ، فكلاهما من سنخٍ واحد ، فلا محذور في أن يكون أحدهما ظرفاً والآخر مظروفاً له.

ولا ينافيه التعبير بـ «على» في بعض النصوص بقوله (عليه السلام) في موثّق سماعة «... ليس عليه فيه زكاة حتّى يقبضه» إلخ (١).

فإنّه من أجل أنّ الزكاة نقص في المال فهو ضرر على المالك بطبيعة الحال فلا يكشف ذلك عن التعلّق بالذمّة بوجه ليدلّ على التكليف المحض ، كيف؟! وقد جمع بينه وبين التعبير بـ «في» في نفس هذا الموثّق ، فيدلّ أنّ الزكاة التي هي مالٌ ظرفه العين منفي عن الدين حتّى يقبضه ولا يتضرّر به المالك.

ويدلّ عليه أيضاً ما في غير واحد من الروايات من قوله (عليه السلام) : إنّ الله عزّ وجلّ جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم (٢) ، بنفس التقريب المتقدّم ، فإنّ مصداق الموصول هو المال ، وهو مظروف ظرفه نفس أموال الأغنياء لا ذممهم ، فتدلّ على التعلّق بنفس العين.

وأوضح من الكلّ ما تضمّن التعبير بالشركة كموثّقة أبي المعزى : «إنّ الله تبارك وتعالى أشرك بين الأغنياء والفقراء في الأموال ، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم» (٣).

إذ لا شركة إلّا في العين الخارجيّة ولا معنى لها في الذمّة كما هو واضح جدّا.

ويدلّ عليه أيضاً صحيح عبد الرحمن : رجل لم يزكّ إبله أو شاته عامين فباعها ، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ «قال : نعم ، تؤخذ منه زكاتها

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٩٧ / أبواب من تجب عليه الزكاة ب ٦ ح ٦.

(٢) لاحظ الوسائل ٩ : ٩ / أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١.

(٣) الوسائل ٩ : ٢١٥ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٢ ح ٤.

٣٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ويتبع بها البائع أو يؤدّي زكاتها البائع» (١).

فإنّ الأخذ من المشتري يكشف عن أنّ البائع لم يملك من المبيع إلّا ما عدا مقدار الزكاة وأنّ هذا المقدار من العين ملك للغير ، ولأجله يؤخذ من المشتري ويدفع إليه ، فلو كانت الزكاة متعلّقة بذمة المالك وكانت العين كلّها ملكاً خالصاً له فلما ذا تؤخذ من المشتري؟! واحتمال التعبّد المحض كما ترى بعيدٌ عن الفهم العرفي جدّا.

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ النصوص كادت أن تكون صريحة في التعلّق بالعين والاشتراك بين المالك والفقير نحو شركة ، غاية الأمر أنّ المالك لأجل كونه الشريك الأعظم وذا حظّ أوفر له اختيار التطبيق كيفما شاء ، بل له الدفع من الخارج عيناً أو قيمةً إمّا من خصوص النقدين أو مطلقاً على كلامٍ قد تقدّم.

وأمّا كيفيّة التعلّق فغير خفي أنّ المستفاد من النصوص كموثّقة أبي المعزى المتقدّمة آنفاً أنّ التعلّق بالإضافة إلى جميع الأجناس الزكويّة بنسقٍ واحد ، فالكيفيّة بأيّ معنى كانت وكيفما فُسِّرت يشترك فيها الكلّ وتنطبق على جميع الأصناف بمناط واحد ، لا أنّها في بعض الأعيان الزكويّة بمعنى وفي البعض الآخر بمعنى آخر ، لمنافاته مع ظاهر قوله (عليه السلام) في الموثّق المزبور : إنّ الله أشرك الفقراء مع الأغنياء في أموالهم ، الظاهر في أنّ الشركة في جميع الأموال بمعنى واحد كما عرفت.

وحينئذٍ نقول : لا شكّ أنّ ظواهر بعض النصوص مثل قوله (عليه السلام) : «فيما سقته السماء العشر» ، وقوله : «في كل أربعين مثقال من الذهب نصف مثقال» هي الإشاعة والشركة الحقيقيّة ، لظهور الكسر المشاع في ذلك ، ومع التنزّل فلا

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٢٧ / أبواب زكاة الأنعام ب ١٢ ح ١.

٣٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أقلّ من الظهور في الكليّ في المعيّن الذي هو أيضاً نحو من الشركة.

كما لا ريب أنّ ظاهر بعضها هو الكلّي في المعيّن دون الإشاعة ، مثل قوله (عليه السلام) : «في كلّ أربعين شاة شاة» ، إذ لو أُريد الإشاعة بأن كان كلّ فرد من تلك الشياه مشتركاً فيه بين المالك والفقير في جميع أجزائها بنسبة الواحد إلى الأربعين لكان دفع الشاة الواحدة دفعاً لما يعادل تلك الأجزاء المتشتّتة في كلّ فرد وإخراجاً لما يساويها في المقدار لا إخراجاً لنفس الفرض بالذات ، وظاهر الدليل هو الثاني ، وهو الملائم للكلّي في المعيّن حسبما عرفت.

وعلى الجملة : فالجمود على ظواهر النصوص وإن كان يعطينا الإشاعة مرّة والكلّي في المعيّن مرّة أُخرى ، إلّا أنّ في طائفة أُخرى منها ما يستحيل إرادة شي‌ء من ذينك المعنيين ، مثل قوله (عليه السلام) : «في كلّ خمس من الإبل شاة» ونحو ذلك ممّا كان الفرض مبايناً مع العين ، كموارد دفع الحقّة أو الجذعة أو ابن اللبون ممّا لا يوجد شي‌ء منه في العين الزكويّة ليتصوّر فيه الكلّي في المعيّن فضلاً عن الإشاعة ، وقد عرفت لزوم تفسير التعلّق بمعنى ينطبق على الكلّ بنمط واحد ، فبهذه القرينة القاطعة لا بدّ من رفع اليد عن الظهور المزبور الموجود في بعض النصوص والحمل على إرادة الشركة في الماليّة.

ومعنى ذلك : أنّ الفقير يشارك المالك في العين لكن لا من حيث إنّه عين ، بل من حيث إنّه مال ، فلا يستحقّ شيئاً من الخصوصيّات الفرديّة والصفات الشخصيّة ، وإنّما يستحقّ ماليّة العشر مثلاً من هذا الموجود الخارجي التي اختيار تطبيقها بيد المالك.

وهذا نظير إرث الزوجة ممّا يثبت في الأرض من بناء وأشجار وآلات وأخشاب قيمةً لا عيناً ، فإنّ الذي يدفع إليها لم يكن عطيّة محضة وبعنوان المجّانيّة ، وإنّما نتلقّاه من الميّت بعنوان الإرث ، والمفروض حرمانها عن العين ، ومرجع ذلك في الحقيقة إلى أنّها تشارك الورثة في ماليّة العين بمقدار الثمن ،

٣٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فيطبّق الوارث مقدار حصّتها من الماليّة في ضمن مال آخر بعد أن لم تكن الخصوصيّات مورداً لاستحقاقها.

والمقام من هذا القبيل ، فإنّ الفقير يملك حصّة معيّنة من عشرٍ ونحوه من ماليّة العين الزكويّة ، ولا يملك المالك من ماليّتها إلّا ما عدا هذه الحصّة ، وبالأداء إلى الفقير من العين أو من خارجه بدفع نفس ما يستحقّه الفقير لتحقّق الماليّة المملوكة له في ضمن الفرد المدفوع فيؤدّي نفس الفرض بالذات لا شيئاً آخر يعادله في المقدار عوضاً عن الفرض ، وهذا معنى عام يشترك فيه جميع الأعيان الزكويّة وينطبق على الكلّ بمناط واحد.

فالمقام وإرث الزوجة من وادٍ واحد وإن كان بينهما فرق من جهة أُخرى كما لا يخفى.

وملخّص الكلام في المقام : أنّ القول بتعلّق الزكاة في الذمّة وأنّ العين مصدرٌ للوفاء وموردٌ للحقّ فقط مع كونه بتمامه ملكاً للمالك خاطئ جدّاً ، بل هي متعلّقة بنفس العين ولا يملك المالك إلّا ما عدا مقدار الزكاة والباقي ملك للفقير على ما يساعده ظواهر النصوص حسبما عرفت. فلا جرم يكون بينهما نوع من الشركة.

كما أنّ القول بالإشاعة والشركة الحقيقيّة بحيث يكون كلّ جزء من العين الزكويّة مشتركاً فيه بين المالك والفقير بنسبة معيّنة أيضاً بعيدٌ عن الصواب وإن كان ربّما يساعده التعبير بالعشر ونصف العشر ونحوهما ممّا هو ظاهر في الكسر المشاع.

أمّا أوّلاً : فلتسالم الأصحاب بل اتّفاق الخاصّة والعامّة على أنّ كيفيّة التعلّق مهما كانت فهي في جميع الأجناس الزكويّة بنسق واحد ، ومن الضروري عدم انطباق هذا الضابط على مثل قوله (عليه السلام) : «في كلّ خمس من الإبل شاة» ونحوه ممّا كان الفرض مبايناً مع العين.

٣٨٩

وحينئذ فلو باع قبل أداء الزكاة بعض النصاب (١) صحّ إذا كان مقدار الزكاة باقياً عنده ، بخلاف ما إذا باع الكلّ فإنّه بالنسبة إلى مقدار الزكاة يكون فضوليّاً محتاجاً إلى إجازة الحاكم على ما مرّ.

______________________________________________________

وأمّا ثانياً : فلأجل أنّ لازم الإشاعة أن يكون للفقير في كلّ جزء من أجزاء العين سهم معيّن ، فكلّ حبّة من الحنطة والشعير مثلاً له فيها سهم فحصّته منبثّة منتشرة كما هو مقتضى قانون الشركة والإشاعة الحقيقيّة ، ولازم ذلك أن يكون المدفوع إليه من العين كطنّ من عشرة أطنان من الحنطة معادل حصّته لا نفس الفرض بالذات. وهو كما ترى مخالف لظواهر النصوص ، فإنّها كادت تكون صريحة بمقتضى الفهم العرفي في أنّ المدفوع هو نفس الفرض بعينه لا شي‌ء آخر بدلاً عنه.

فهذان القولان ساقطان ولا يمكن المصير إلى شي‌ء منهما ، فيدور الأمر بين الكلّي في المعيّن والشركة في الماليّة.

والأوّل منهما وإن كان ربّما يساعده ظواهر بعض النصوص مثل قوله (عليه السلام) : «في كلّ أربعين شاة شاة واحدة» إلّا أنّه أيضاً ساقط ، لعين الوجه الأوّل المتقدّم آنفاً ، فيتعيّن الثاني ، أعني : القول بالشركة في الماليّة المنطبقة على جميع الأعيان الزكويّة بمناط واحد حسبما عرفت.

(١) لا يخفى أنّ مقتضى القاعدة على القول بالإشاعة عدم جواز التصرّف في العين حتّى بمثل الأكل ونحوه قبل أداء الزكاة ، كما هو الشأن في كلّ مال مشترك بين شخصين أو أشخاص من عدم الجواز إلّا مع التراضي ، فيحتاج التصرّف في المقام إلى دليل بالخصوص ، وقد ثبت ذلك بمقتضى السيرة العمليّة ونصوص العزل وما دلّ على أنّ للمالك ولاية التطبيق لأنّه الشريك الأعظم.

وأمّا على القول بالكلّي في المعيّن أو الشركة في الماليّة فجواز التصرّف إلى أن

٣٩٠

ولا يكفي عزمه (*) على الأداء من غيره في استقرار البيع على الأحوط (١).

______________________________________________________

يبقى مقدار الزكاة مطابقٌ لمقتضى القاعدة ، لعدم استحقاق الفقير إلّا الكلّي أو حصّة معيّنة من المالية قابلة للانطباق على أيّ فرد شاءه المالك ، فتسعة أعشار العين مثلاً ملك له فله التصرّف إلى أن يبقى العشر الباقي.

ويستفاد ذلك من بعض النصوص أيضاً ، التي منها صحيحة عبد الرحمن المتقدّمة في ص ٣٨٢ ، فإنّ إمضاء البيع فيما عدا حصّة الزكاة يدلّ على جواز تصرّف المالك فيما عدا هذا الحدّ.

وما دلّ على الاستئذان من المالك لدى أخذ الزكاة منه معلّلاً بأنّه الشريك الأعظم كما تقدّم (١).

وأمّا لو تصرّف في الكلّ فباع الجميع كان البيع بالإضافة إلى حصّة الزكاة فضوليّاً طبعاً ، فيتوقّف نفوذه على إجازة الحاكم الشرعي الذي هو ولي الفقراء ، فإن أجاز انتقلت الزكاة إلى الثمن وأخذه من المشتري ورجع هو إلى البائع ، وإلّا أخذ منه نفس العين وبطل البيع بالإضافة إليه كما تقدّم كلّ ذلك (٢).

نعم ، لو أدّى البائع الزكاة بعد البيع من الخارج استقرّ البيع كما صرّح به في صحيحة عبد الرّحمن المتقدّمة ، وكان من قبيل : من باع ثمّ ملك ، من غير حاجة إلى إجازة جديدة من المالك كما مرّ قريباً.

(١) لا نعرف وجهاً للتوقّف والاحتياط ، بل ينبغي الجزم بالعدم كما هو الشأن في كلّ مال مشترك فيه بين شخصين أو أشخاص بأيّ معنى كانت

__________________

(*) لكن لو أدّى البائع زكاته صحّ البيع على الأظهر.

(١) في ص ١٨٧ ١٨٨ ، ١٩٥ ، ٢٣٠.

(٢) في ص ٣٧٩.

٣٩١

[٢٦٨٩] مسألة ٣٢ : يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل والكرم بل والزرع (١) على المالك (*) ، وفائدته جواز التصرّف (**) للمالك بشرط قبوله كيف شاء ، ووقته بعد بدوّ الصلاح وتعلّق الوجوب ، بل الأقوى جوازه من المالك بنفسه إذا كان من أهل الخبرة أو بغيره من عدل أو عدلين ، وإن كان الأحوط الرجوع إلى الحاكم أو وكيله مع التمكّن ، ولا يشترط فيه الصيغة فإنّه معاملة خاصّة (***) ، وإن كان لو جي‌ء بصيغة الصلح كان أولى ، ثمّ إن زاد ما في يد المالك كان له وإن نقص كان عليه.

______________________________________________________

الشركة ، فإنّ من الضروري أنّ العزم على الأداء من الخارج لا يسوّغ التصرّف بتمامه من غير مراجعة الشريك حتّى لو كان صادقاً في عزمه جازماً على الأداء بعد مدّة قليلة كنصف ساعة مثلاً. اللهمّ إلّا أن يثبت في المقام أنّ للمالك ولاية النقل من العين إلى الذمّة كما له الولاية على التطبيق ، إلّا أنّ دون إثباته خرط القتاد ، إذ لم يدلّ عليه أيّ دليل قطّ كما هو أوضح من أن يخفى.

(١) لا إشكال كما لا خلاف في جوازه بالإضافة إلى النخل والكرم ، بل عليه الإجماع في كثير من الكلمات ، بل قد وافق عليه أكثر العامّة أيضاً إلّا القليل منهم كالشعبي حيث ادّعى أنّ الخرص بدعة (١).

__________________

(*) في جواز الخرص في الزرع إشكال.

(**) الظاهر جواز التصرّف للمالك قبل تعلّق الوجوب ، بل وبعده أيضاً ولو بإخراج زكاة ما يتصرّف فيه بلا حاجة إلى الخرص ، وفائدة الخرص جواز الاعتماد عليه بلا حاجة إلى الكيل أو الوزن.

(***) الظاهر أنّ الخرص ليس داخلاً في المعاملات ، وإنّما طريق إلى تعيين المقدار الواجب ، فلو انكشف الخلاف كانت العبرة بالواقع ، نعم يصحّ ما ذكره إذا كان بنحو الصلح.

(١) حكاه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٥٦٥ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٦٨.

٣٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ومعناه : أن يبعث الإمام ساعياً إذا بدا صلاح الثمر أو اشتدّ الحبّ فيخمّن الموجود ويستعلم كمّيّة الحاصل ويعرف بذلك قدر الزكاة فيأخذه من المالك ويستباح له التصرّف حينئذٍ في تمام الباقي.

وقد دلّت عليه الروايات الكثيرة وإن كان أكثرها بل تمامها ضعيفة السند ما عدا رواية واحدة وهي صحيحة أبي بصير المتضمّنة لنهي النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عن خرص الجعرور والمعافارة اللذين هما من أردأ أقسام التمر (١) ، فإنّ تخصيص النهي بهذين القسمين يكشف عن أنّ الخرص في التمر كان أمراً شائعاً متعارفاً بين الناس وقد أقرّه (صلّى الله عليه وآله) غير أنّه منع عنه في هذين القسمين.

ويدلّ عليه في الكرم صحيحة سعد بن سعد في حديث قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن العنب ، هل عليه زكاة ، أو إنّما تجب عليه إذا صيّره زبيباً؟ «قال : نعم ، إذا خرصه أخرج زكاته» (٢).

وأمّا بالإضافة إلى الزرع فجواز الخرص فيه محلّ للخلاف وقد منعه جماعة من الأصحاب ، وإن كان المشهور هو الجواز إلّا أنّه ليس عليه دليل ظاهر بعد أن كان على خلاف مقتضى القاعدة ، إذ تعيين ما عليه من حقّ الفقراء فيما يخرصه الخارص بحيث يجتزئ به في مقام أداء الفرض يحتاج إلى دليل قاطع ، وليس في البين إجماع ولا عدم قول بالفصل بينه وبين النخل والكرم ، لثبوت الخلاف كما عرفت.

بل قد يدّعى تعذّر الخرص في مثل الزرع ، لاستتاره وتبدّده واختفائه في سنبلته ، بخلاف النخل والكرم ، فإنّ ثمرتهما ظاهرة فيتمكّن الخارص من

__________________

(١) لاحظ الوسائل ٩ : ٢٠٥ / أبواب زكاة الغلّات ب ١٩ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ١٩٥ / أبواب زكاة الغلّات ب ١٢ ح ٢.

٣٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

إدراكهما والإحاطة بها ، فيستدلّ بذلك كما عن العلّامة (١) وغيره على بطلان الخرص في الزرع.

ولكنّه كما ترى ، لعدم اختفاء مثله على أهل الخبرة ومهرة الفن. نعم ، تطرّق احتمال الاشتباه فيه أكثر من غيره ، إلّا أنّه بمقدار يسير لا يلتفت إليه ، غير الصالح للمنع عن الخرص كما لا يخفى.

والعمدة ما عرفت من أنّ الحكم على خلاف مقتضى القاعدة لا بدّ من الاقتصار على مورد قيام النصّ ، ولم يرد في المقام نصّ يعتمد عليه ، عدا ما توهّم من الاستدلال بصحيحة سعد بن سعد ، قال : سألته عن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، متى تجب على صاحبها؟ «قال : إذا ما صرم وإذا خرص» (٢).

ولكن سبق التعرّض لهذه الصحيحة عند التكلّم حول وقت التعلّق وقلنا : إنّ ظاهرها غير قابل للأخذ ولا بدّ من ردّ علمها إلى أهله ، ضرورة أنّ وقت تعلّق الوجوب إمّا عند انعقاد الحبّ وحال الاحمرار والاصفرار كما عليه المشهور ، أو حال التسمية كما هو الصحيح ، وكلاهما ولا سيّما الأوّل منهما سابق على زمان الصوم والخرص قطعاً.

فكيف يناط الوجوب بذلك؟! فإنّ السؤال بقوله : متى تجب على صاحبها سؤالٌ عن وقت الوجوب ، وقد علّقه (عليه السلام) في الجواب بالصرم والخرص بحيث يظهر أنّ هذا شرط في الوجوب ينتفي بانتفائه ، أفهل ترى أنّ الزرع أو الثمر لو لم يصرم ولم يخرص قطّ لم يتعلّق به الوجوب؟! وعلى الجملة : ظاهر الصحيحة غير قابل للأخذ ، وما نحن بصدده من جريان الخرص في الزرع ليست الصحيحة في مقام بيانه ، فلا يصحّ الاستدلال

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ٥٠١ ٥٠٢.

(٢) الوسائل ٩ : ١٩٤ / أبواب زكاة الغلّات ب ١٢ ح ١.

٣٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بها ولا بدّ من ردّ علمها إلى أهله كما عرفت.

إذن فثبوت الخرص في الزرع محل إشكال ، بل منع ، لعرائه عن دليلٍ يعتمد عليه ، فيبقى تحت أصالة عدم الجواز التي هي مقتضى القاعدة الأوّلية حسبما عرفت ، ويختصّ الجواز بالنخل والكرم.

ولكن هذا كلّه مبني على تفسير الخرص بما هو المتعارف من معناه عرفاً المنسبق من اللفظ عند الإطلاق وهو التخمين والحدس ليعرف به كمّيّة المال ومقدار النصاب بدلاً عن الكيل والوزن ، حيث إنّ الاطّلاع على ذلك بواسطة المكيال أو الميزان لم يكن متيسّراً غالباً أو صعب جدّاً ولا سيّما في الأزمنة السابقة وفي مثل القرى ونحوها ، فجعل بدله الخرص والتخمين مقدّمة لمعرفة مقدار الحاصل فيقدّره المخمِّن في كمّيّة معيّنة من العين ويتّفقان عليه ويجعل ذلك طريقاً لاستعلام الواقع.

وفائدته جواز الاجتزاء على هذا المقدار في تعيين حصّة الزكاة وإن خالف الواقع ، ولكن بشرط عدم انكشاف الخلاف وما دام الجهل باقياً ، أمّا مع الانكشاف فالاعتبار بنفس الواقع كما هو الشأن في حجّيّة كلّ طريق منصوب إلى الواقع ، فيدفع الباقي إن كان ناقصاً ، ولا يدفع الزائد إن كان الخرص زائداً. ففائدة الخرص جواز الاعتماد عليه بلا حاجة إلى الكيل أو الوزن ما لم ينكشف الخلاف.

وأمّا التصرّف في العين فليس من آثاره وفوائده ، لثبوته بدونه أيضاً ، فإنّه مع الشكّ في بلوغ النصاب يتصرّف في الكلّ ، استناداً إلى أصالة البراءة.

ومع العلم به يجوز التصرّف إلى حدٍّ يعلم معه ببقاء مقدار الزكاة ، بناءً على ما اختاره (قدس سره) من الكلّي في المعيّن ، وكذا على مسلك الشركة في الماليّة كما هو الصحيح على ما تقدّم ، كما ويمكنه التوصّل إلى ذلك بإخراج زكاة ما يتصرّف فيه ولو تدريجاً فيأخذ من العين شيئاً فشيئاً ، وكلّ ما يأخذ يدفع

٣٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

زكاته ثمّ يتصرّف فيه وهكذا ، إذ معه يقطع بدفع زكاة المجموع وإن لم يعلم مجموع مقدار الزكاة ، لعدم لزوم معرفته كما هو واضح.

وبالجملة : فلا يتوقّف التصرّف على الخرص بوجه.

فعلى هذا المعنى من الخرص وهو المنسبق منه إلى الذهن عرفاً ، المنزّل عليه النصوص يترتّب ما عرفت من جوازه في النخل والكرم دون الزرع ، لقيام النصّ عليه في الأوّلين دون الأخير حسبما عرفت.

وأمّا بناءً على ما فسّره في المتن من كونه معاملة خاصّة قائمة بين الخارص والمالك مشتملة على الإيجاب والقبول تنتقل الحصّة بموجبها من العين إلى ذمّة المالك.

وفائدته جواز التصرّف له بعدئذ في تمام العين كيفما شاء ، لكونه ملكاً طلقاً له بعد الانتقال المزبور ، فجواز الخرص بهذا المعنى مشكل حتّى في النخل والكرم فضلاً عن الزرع بحيث يترتّب عليه ما ذكره في المتن من أنّه إن زاد ما في يد المالك كان له ، وإن نقص كان عليه ، لعدم نهوض دليل على هذا المعنى من الخرص بعد كون النصوص منزّلة على المعنى الأوّل الذي هو المعهود المتعارف كما عرفت.

نعم ، لو رأى الحاكم الشرعي مصلحة في ذلك فبعث الساعي ليخرص هكذا تحفّظاً على مال الفقير وحذراً من التلف والتبذير ، جاز بلا كلام ، بمقتضى ولايته الشرعيّة ، بل جاز ذلك حتّى في الزرع فضلاً عن النخل والكرم.

وأمّا بدون ذلك بحيث يكون للساعي أو لغيره من أهل الخبرة من عدل أو عدلين بل ونفس المالك كما صرّح في المتن ولاية التبديل والنقل من العين إلى الذمّة ويكون الاعتبار بها لا بالواقع ، فإن زاد كان له ، وإن نقص كان عليه ، فإثبات ذلك بحسب الصناعة والاستفادة من الأدلّة مشكل جدّاً.

٣٩٦

ويجوز لكل من المالك والخارص الفسخ مع الغبن الفاحش (١).

______________________________________________________

وأيّ دليل يدلّنا على أنّ للمالك ولاية النقل إلى الذمّة؟! فإنّ ما ثبت إنّما هي ولايته على التطبيق لا على النقل المزبور.

أضف إلى ذلك عدم وجود مدفع لاحتمال تطرّق الرِّبا ، فإنّ العين الزكويّة من المكيل والموزون ، فلو باع الخارص حصّة الفقير من الحنطة مثلاً بشي‌ء من جنسه في ذمّة المالك : فإن تطابقت الكمّيّتان بحسب الواقع فلا كلام ، وأمّا مع الاختلاف بزيادة أو نقصان فليزم منه الرِّبا بطبيعة الحال ، فلم تحرز المماثلة في المقدار في بيع الجنس بمثله لتندفع به شبهة الرِّبا ، اللهمّ إلّا أن يفرض المعاملة المزبورة على سبيل المصالحة دون البيع ، بناءً على عدم جريان الرِّبا فيها ، ولكن الأظهر جريانه في عامّة المعاملات حتّى الصلح ، لإطلاق دليل منعه ، وأنّه لا معاملة في المتجانسين لا مثلاً بمثل كما في بعض النصوص.

وكيفما كان ، فصحّة الخرص بنحو المعاملة حتّى بشكل المصالحة في غاية الإشكال.

والمتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ الأظهر عدم دخول الخرص في المعاملات ، وإنّما هو طريق إلى تعيين المقدار الواجب ، ومع انكشاف الخلاف كانت العبرة بنفس الواقع.

(١) قد عرفت عدم اندراج الخرص في المعاملات ، ولكن على القول بكونه منها فلا ينبغي التأمّل في جواز الفسخ للمغبون منهما لو كان هناك غبن فاحش ، لثبوت خيار الغبن في كافّة المعاملات بمناط واحد من غير حاجة إلى دليل بالخصوص ولا يختصّ بالبيع.

والوجه فيه : ما أشرنا إليه في بحث الخيارات ، وملخّصه : أنّ بناء المعاملة

٣٩٧

ولو توافق المالك والخارص على القسمة رطباً جاز (*) (١). ويجوز للحاكم أو وكيله بيع نصيب الفقراء من المالك أو غيره (٢).

______________________________________________________

على المحافظة على الماليّة والمبادلة في العين بحيث إنّ هذا الشرط ارتكازي ملحوظ في عامّة المعاملات بشتّى أنواعها.

وعليه ، فلو تبيّن النقص : فإن كان يسيراً يتسامح في مثله عرفاً لم يكن به بأس ، لبناء المعاملة أيضاً لدى العقلاء على الغضّ عن مثل هذا التفاوت غير الملتفت إليه الذي لا يخلو عنه حتّى سوق واحد غالباً ، فترى دكّاناً يبيع البضاعة بسعر يبيع تلك البضاعة بنفسها من بجنبه بأقلّ أو أكثر بتفاوت يسير ، لعدم انضباط الأسعار في هذا المقدار.

وأمّا لو كان الغبن فاحشاً فلأجل أنّه يستوجب الإخلال بذاك الشرط الارتكازي ، فلا جرم يستتبع الخيار للمغبون ، وهذا المناط كما ترى عام يشمل المقام أيضاً ، فلا يحتاج إلى دليل بالخصوص.

(١) هذا وجيه على المسلك المشهور من تعلّق الزكاة قبل التسمية تمراً ومن حين الاصفرار أو الاحمرار ، إذ الحقّ مشترك حينئذٍ بينهما ، فلا مانع من الخرص.

وأمّا على المختار من عدم الوجوب قبل صدق الاسم فلا موقع له ، إذ لا وجوب بعد للخرص.

(٢) لعموم ولايته عليهم ، فله التصرّف بالبيع ونحوه من المالك أو غيره بما يرى فيه المصلحة لهم.

__________________

(*) هذا مبني على أن يكون وقت الوجوب قبله.

٣٩٨

[٢٦٩٠] مسألة ٣٣ : إذا اتّجر بالمال الذي فيه الزكاة قبل أدائها يكون الربح للفقراء بالنسبة (*) (١) ، وإن خسر يكون خسرانها عليه.

______________________________________________________

(١) لا شكّ أنّ البيع كغيره من الأُمور الاعتباريّة من هبة أو إجارة ونحوهما إنّما يكون نافذاً فيما إذا كان صادراً من المالك أو من في حكمه من الوكيل أو الولي ، والجامع أن يكون مالكاً لزمام البيع أصالةً أو وكالةً أو ولايةً ، فلا أثر للبيع الصادر من الأجنبي كالفضولي ، سواءً أكانت التجارة رابحة أم خاسرة ، بل يكون نفوذه منوطاً بإجازة المالك.

وعليه ، فمن يتّجر بالمال الذي فيه الزكاة قبل أدائها فالبيع بالإضافة إلى حصّة الزكاة فضولي تتوقّف صحّته على إجازة الحاكم الشرعي الذي هو ولي على الفقراء.

وحينئذٍ فإن أدّى البائع الزكاة بعد البيع من الخارج ملك حصّة الفقير من المبيع بذلك واندرج في كبرى : من باع ثمّ ملك ، وتقدّم أنّ هذا لو كان محتاجاً إلى الإجازة بمقتضى القاعدة فلا ريب في الصحّة وعدم الحاجة إلى الإجازة ، إمّا في المقام أو مطلقاً ، بمقتضى النصّ الخاصّ الوارد في المقام أعني : صحيحة عبد الرحمن المتقدّمة (١) وعليه ، فيكون البيع نافذاً في تمام المبيع لنفس البائع ، ويكون الربح كلّه له كما أنّ الخسران عليه بطبيعة الحال.

وأمّا لو لم يؤدّ فالبيع بالإضافة إلى تلك الحصّة فضولي ، فإن أجازه الحاكم الشرعي نفذ وانتقلت الزكاة إلى الثمن ، وكان الربح للفقير بالنسبة ، وإلّا كانت

__________________

(*) إذا أدّى البائع الزكاة بعد البيع كان الربح له على الأظهر ، وإلّا فإن أجاز الحاكم البيع فالربح للفقراء ، وإلّا فالمعاملة باطلة بالإضافة إلى مقدار الزكاة كما في فرض الخسران.

(١) في ص ٣٨٢.

٣٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

المعاملة باطلة كما في صورة الخسران ، وأخذ الحاكم نفس الحصّة من عين البيع ورجع المشتري بالثمن إلى البائع كما تقدّم سابقاً.

هذا ما تقتضيه القاعدة ورعاية الصناعة في المقام.

نعم ، لو ثبتت إجازة من المالك الحقيقي وهو المعصوم (عليه السلام) حكم بصحّة البيع للفقير من غير توقّف على إجازة الحاكم الشرعي ، كما ثبت مثل ذلك في التصرّف في مال اليتيم ، حيث وردت نصوص تضمّنت صحّة الاتّجار بماله وأنّ الربح له والخسران على المتصرّف ، كما تعرّض إليها شيخنا الأنصاري (قدس سره) في كتاب المكاسب (١).

ولكن لم يرد مثل تلك النصوص في المقام ما عدا رواية واحدة ، وهي رواية علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن الزكاة تجب عليّ في مواضع لا يمكنني أن أُؤدّيها «قال : اعزلها ، فإن اتّجرت بها فأنت لها ضامن ولها الربح» إلخ (٢).

غير أنّها ضعيفة السند لا لأجل علي بن أبي حمزة ، إذ ليس هو البطائني الضعيف الكذّاب ، فإنّه من أصحاب الصادق (عليه السلام) ، وهذا يروي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) ، وإنّما هو أبو حمزة الثمالي الموثّق هو وابنه علي.

بل الوجه في الضعف : الإرسال أوّلاً ، لأنّ علي بن محمد يرويه عمّن حدّثه ، وجهالة يعلى أو معلّى بن عبيد ثانياً ، فلا يمكن الاعتماد عليها في الخروج عن مقتضى القاعدة.

وممّا ذكرنا تعرف عدم استقامة عبارة المتن على إطلاقها ، فلاحظ.

__________________

(١) المكاسب ٣ : ٥٧٣ ٥٨٠.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٠٧ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٢ ح ٣.

٤٠٠