موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢٦٧٧] مسألة ٢٠ : لو كان مع الزكوي غيره فالمئونة موزّعة عليهما إذا كانا مقصودين ، وإذا كان المقصود بالذات غير الزكوي ثمّ عرض قصد الزكوي بعد إتمام العمل لم يحسب من المؤن ، وإذا كان بالعكس حسب منها.

[٢٦٧٨] مسألة ٢١ : الخراج الذي يأخذه السلطان أيضاً يوزّع على الزكوي وغيره.

[٢٦٧٩] مسألة ٢٢ : إذا كان للعمل مدخليّة في ثمر سنين عديدة لا يبعد احتسابه على ما في السنة الأُولى وإن كان الأحوط التوزيع على السنين.

[٢٦٨٠] مسألة ٢٣ : إذا شكّ في كون شي‌ء من المؤن أو لا لم يحسب منها.

______________________________________________________

والمظنون قويّاً أنّ الوجه في الإهمال خروجها عن موضوع المؤن ، بناءً على مسلكه (قدس سره) في تعلّق الزكاة بالعين من أنّه بنحو الكلّي في المعيّن.

وتوضيحه : أنّا لو فرضنا أنّ البذر عشرة أمنان فهذه الكمّيّة مشتركة بين المالك والفقير أي مصرف الزكاة بنسبة الواحد إلى العشرة ، ولا يملك المالك إلّا تسعة أعشارها والعشر الباقي ملك للغير وغير داخل في ملك الزارع من الأوّل ، غاية الأمر أنّ الشركة ليست بنحو الإشاعة بل بنحو الكلّي في المعيّن ، نظير بيع الصاع من الصبرة الذي يكون اختيار التطبيق بيد المالك دون الفقير.

وعليه ، فالنتاج الحاصل من هذا البذر والغلّة العائدة منه مشتركة أيضاً بنفس هذه النسبة ، لتبعيّة الفرع للأصل ، والربح للعين ، وكون الزرع للزارع أي صاحب البذر فلا يملك الزارع إلّا تسعة أعشار الغلّة ، والعشر الباقي للفقير ، كما هو الحال فيما لو كان مقدار من البذر مغصوباً من أوّل الأمر ، فإنّ الزارع لا يملك من النتاج إلّا بمقدار حصّته من البذر.

٣٦١

[٢٦٨١] مسألة ٢٤ : حكم النخيل والزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد ، فيضمّ الثمار بعضها إلى بعض (١) وإن تفاوتت في الإدراك بعد أن كانت الثمرتان لعام واحد وإن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر ، وعلى

______________________________________________________

وعليه ، فالعشر من الغلّة لم يكن داخلاً في ملكه من الأوّل ليتكلّم في استثناء المؤن المصروفة في سبيلها وعدمه ، فهي خارجة عن موضوع الكلام ، فإنّ محلّ البحث المؤن التي يصرفها في نتاج مملوك له لا ما هو مملوك لغيره ، وأمّا التسعة أعشار فهي في حكم المزكّى أو ما لا زكاة فيه كما لا يخفى ، وقد تعرّض لهما في المتن.

وأمّا بناءً على المختار في كيفيّة التعلّق بالعين من أنّها بنحو الشركة في الماليّة لا الكلّي في المعيّن فلا يستقيم ما أُفيد ، بل النتاج كلّه للزارع كنفس البذر ، فإنّ المملوك للفقير ماليّة العين لا نفسها وقد أتلف البذر بتمامه بالزرع ، وبذلك تنتقل حصّته من الماليّة إلى الذمّة ويكون تمام البذر للمالك. ومن البديهي أنّ النتاج نتاجٌ لنفس البذر لا لماليّته ، وقد عرفت أنّ كلّه للمالك بعد الإتلاف ، فلا جرم كانت الغلّة بتمامها له ، فعلى القول باستثناء المؤن ينبغي استثناء البذر أيضاً بكامله حسبما عرفت.

ثمّ إنّ الماتن ذكر في المقام وكذا في ذيل المسألة السابقة فروعاً مترتّبة على الاستثناء لا يهمّنا التعرّض إليها بعد إنكار المبنى فالإعراض عنها أحرى.

(١) لا إشكال كما لا خلاف في عدم اعتبار الاتّحاد فيما يتعلّق به الزكاة من الزروع والنخيل ونحوهما من حيث المكان ، ولا الزمان والإدراك ، فيلاحظ بلوغ المجموع حدّ النصاب ولو كانت في مزارع أو بساتين متعدّدة بل بلدان متباعدة ، أو كانت في أزمنة مختلفة فتفاوتت من حيث الإدراك بفاصل شهر أو شهرين

٣٦٢

هذا فإذا بلغ ما أدرك منها نصاباً أُخذ منه ثمّ يؤخذ من الباقي قلّ أو كثر ، وإن كان الذي أدرك أوّلاً أقلّ من النصاب ينتظر به حتّى يدرك الآخر ويتعلّق به الوجوب فيكمل منه النصاب ويؤخذ من المجموع ، وكذا إذا كان نخل يطلع في عام مرّتين يضمّ الثاني إلى الأوّل ، لأنّهما ثمرة سنة واحدة ، لكن لا يخلو عن إشكال ، لاحتمال كونهما في حكم ثمرة عامين كما قيل.

______________________________________________________

بعد أن كان المجموع ثمراً لعام واحد. فالاعتبار في بلوغ النصاب بمراعاة الكلّ واجتماعها في ملك واحد وإن كانت متفرّقة زماناً أو مكاناً بمقتضى إطلاق الأدلّة.

ونتيجة ذلك : لزوم ضمّ الثمار بعضها إلى بعض ، فمتى بلغ المجموع حدّ النصاب وجبت الزكاة وإن كان كلّ منها لولا الضمّ دون الحدّ وناقصاً عنه.

وهذا في الجملة ممّا لا ارتياب فيه ولا غبار عليه ، والعمدة إطلاق الأدلّة كما عرفت بعد عدم نهوض دليل على اعتبار الاتّحاد في شي‌ء من تلك الجهات.

وإنّما الكلام في موضعين :

أحدهما : لو أثمر النخل في عام واحد مرّتين بفاصل ستّة أشهر مثلاً فهل ينضمّ أحدهما بالآخر ويلاحظ النصاب في المجموع ، أم أنّهما في حكم ثمرة عامين ويعتبر النصاب في كلّ منهما بحياله ولا يكمل نقص أحدهما بالانضمام إلى الآخر؟

ثانيهما : هل يعتبر في الانضمام اجتماع النصاب في الملك في زمان واحد ، أم يكفي ولو خرج السابق عن ملكه بتلف أو إتلاف قبل بلوغ اللاحق ، فلو تفاوتت في الإدراك بفاصل شهر مثلاً وكان الذي أدرك أوّلاً دون النصاب فأخرجه عن ملكه ببيع أو إتلاف ونحو ذلك ، فهل ينضمّ ذلك بالنتاج الوارد متأخّراً ويتشكّل منهما النصاب أم لا؟

٣٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد ناقش صاحب الجواهر (قدس سره) في كلّ من الموضعين :

أمّا في الموضع الأوّل : فقد استشكل (قدس سره) في الانضمام ، معلّلاً ذلك بما لفظه : إنّ أهل العرف لا يشكّون في صدق التعدّد عليهما خصوصاً إذا فصل بين الثمرتين زمان معتدّ به (١).

أقول : لا ريب في صدق التعدّد في نظر العرف ، بل هو من الواضحات ، إلّا أنّ الكلام في منع ذلك عن الانضمام ، فإنّه أوّل الكلام ، بل ممنوع ، لعدم الدليل على اعتبار الوحدة المكانيّة ولا الزمانيّة في ملاحظة النصاب كما عرفت.

فإنّ من كانت له مزرعتان إحداهما في شرق البلد والأُخرى في غربه فضلاً عمّا إذا كانتا في بلدين متباعدين ، لا يشكّ العرف في أنّ الغلّة من إحداهما تغاير الأُخرى وأنّهما متعدّدان ، كما لا يشكّ في ذلك فيما لو اختلفا من حيث الجودة والرداءة ، ولا سيّما إذا كانت إحداهما في منتهى الجودة والأُخرى في منتهى الرداءة ، ومع ذلك لا يتأمّل فقيه في انضمامهما لدى ملاحظة النصاب.

بل لولا الارتكاز والفهم العرفي والتسالم الخارجي من جميع المسلمين لحكمنا بالانضمام حتّى ولو كانت الثمرتان من عامين أو أكثر ، عملاً بإطلاقات نصوص النصاب ، غير أنّ المنسبق منها إلى الأذهان بحسب الفهم العرفي إرادة الوارد من عام واحد ، مضافاً إلى التسالم من عامّة المسلمين كما عرفت.

وعلى الجملة : لا قصور في إطلاقات النصاب عن الشمول للمقام كغيره من سائر موارد الانضمام ، ولا ينبغي التشكيك فيه بوجه.

وأمّا في الموضع الثاني : فقد ناقش أيضاً في الانضمام بدعوى أنّ المنسبق من أدلّة النصاب مملوكيّته بتمامه في زمان واحد ، فلو خرج البعض عن الملك قبل استكمال الباقي واستنتاجه بتلفٍ أو إتلاف سقط عن صلاحيّة الانضمام ليتشكّل

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ٢٤٤.

٣٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

منه النصاب (١).

وهذه الدعوى كما ترى عهدتها على مدّعيها ، فإنّا لم نجد في تلك الأدلّة ما يستشعر منه الاجتماع في الملك في آن واحد فضلاً عن الدلالة ، بل مقتضى إطلاقها أنّه متى بلغ النتاج حدّ النصاب وجبت الزكاة ، سواء بقيت على الملك أم لا ، بل لعل الغالب في مثل الثمار عدم البقاء ، فإنّ الغلّات وإن كان إدراكها دفعيّاً غالباً ولكن الثمار من العنب والرطب حتّى من بستان واحد تدريجي الحصول ولو لأجل الاختلاف في النوع أو في الجودة والرداءة ، ولا يكون إدراكها في زمانٍ واحد إلّا شاذّاً ، بل يستمرّ النتاج الوارد من البستان بمقدار شهر أو شهرين ، والعادة جارية على صرف ما يستورده تدريجاً بأكلٍ أو بيعٍ أو هبةٍ ونحو ذلك ولا ينتظر في الصرف إدراك الكلّ.

فلو فرضنا أنّ ما يتحصّل لديه في كلّ وجبة كان دون النصاب ، والمفروض صرفه قبل استنتاج الوجبة اللاحقة ، فاللازم من عدم الانضمام عدم وجوب الزكاة في كثير من الموارد. وهو كما ترى ، لا يظنّ أن يلتزم به الفقيه.

وعلى الجملة : مقتضى الإطلاقات الأوّلية وجوب الزكاة في كلّ ما أنبتته الأرض ، خرجنا عن ذلك بمقتضى أدلّة اعتبار النصاب فيما إذا كان الثابت دونه فلا زكاة فيه ، والمتيقّن من التقييد اعتبار النصاب فقط ، وأمّا الزائد عليه بأن يكون باقياً في الملك أيضاً فلا دليل عليه ، فيقتصر على المقدار المتيقّن من التقييد ويرجع فيما عداه إلى تلك المطلقات التي مفادها وجوب الزكاة ، سواء بقي النصاب على الملك أم لا.

ثمّ إنّ المحقّق الهمداني (قدس سره) وافق صاحب الجواهر في اعتبار بقاء الملك ، فلا ينضمّ اللاحق المتجدّد بعد زوال الحاصل السابق ، لكن في خصوص

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ٢٤٣.

٣٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ما لو كان زواله مستنداً إلى سببٍ غير اختياري من سرقة أو غصب أو آفة سماويّة ونحو ذلك من مناشئ التلف ، دون الإتلاف المستند إلى الاختيار من أكل أو بيع ونحوهما ، لنقصان الملكيّة حال تعلّق الوجوب في الأوّل ، وأمّا في الثاني فحيث كان خروجه بالاختيار فهو بحكم الباقي عنده في كونه مشمولاً لعمومات أدلّة الزكاة.

ولكنّه أيضاً كما ترى مخالف لإطلاقات الأدلّة ، حيث إنّ مفادها ثبوت الحكم الوضعي وهي الشركة مع الفقير ويتبعه الحكم التكليفي بمجرّد بلوغ النابت من الأرض حدّ النصاب ، أي تحدث في ملكه هذه الكمّيّة من حاصل الزرع أو الثمر ، وأمّا اعتبار أن يكون هذا الحادث باقياً فلا دليل عليه.

وبعبارة اخرى : لا دليل إلّا على اعتبار ملكيّة النصاب حدوثاً لا حتّى بقاءً ، فإنّه مخالف للإطلاق كما عرفت ، ولم يقم عليه دليل بالخصوص ، فزوال الحاصل السابق وخروجه عن الملك لا يمنع عن الانضمام باللاحق ، وكونه بسبب قهري أو اختياري لا يستوجب فرقاً من هذه الجهة أبداً ، إذ كلاهما مشمول للإطلاق المزبور.

نعم ، بينهما فرق من ناحية أُخرى ، وهي أنّ التالف في السبب القهري محسوب على المالك والفقير ، إذ لا وجه لتحميل الضرر على المالك فقط ، بل يقسّط عليهما بالنسبة كما هو مقتضى الشركة ، مضافاً إلى النصّ الخاصّ الوارد في باب المقاسمة.

ونتيجة ذلك : أداء زكاة الباقي فقط دون التالف. وأمّا في الإتلاف فبما أنّه بالاختيار فاللازم إخراج الزكاة من المجموع ، وأين هذا من عدم الانضمام الذي هو محلّ الكلام؟! وبالجملة : انضمام اللاحق المتجدّد بعد زوال الحاصل السابق بسبب قهري

٣٦٦

[٢٦٨٢] مسألة ٢٥ : إذا كان عنده تمر يجب فيه الزكاة لا يجوز أن يدفع عنه الرطب على أنّه فرضه (١) وإن كان بمقدار لو جفّ كان بقدر ما عليه من التمر ، وذلك لعدم كونه من أفراد المأمور به. نعم ، يجوز دفعه على وجه القيمة.

وكذا إذ كان عنده زبيب لا يجزئ عنه دفع العنب ، إلّا على وجه القيمة (*). وكذا العكس فيهما.

نعم ، لو كان عنده رطب يجوز أن يدفع عنه (**) الرطب فريضة ، وكذا لو كان عنده عنب يجوز له دفع العنب فريضة.

وهل يجوز أن يدفع مثل ما عليه من التمر والزبيب من تمر آخر أو زبيب آخر فريضة ، أو لا؟

لا يبعد الجواز (***) ، لكن الأحوط دفعه من باب القيمة أيضاً ، لأنّ الوجوب تعلّق بما عنده ، وكذا الحال في الحنطة والشعير إذا أراد أن يعطي من حنطة أُخرى أو شعير آخر.

______________________________________________________

وتكميل النصاب به شي‌ء ، والإخراج من خصوص اللاحق واحتساب الخسارة عليهما شي‌ء آخر ، وبينهما بون بعيد ، والاستناد إلى الاختيار أو عدمه إنّما يؤثّر فارقاً في الثاني فقط دون الأوّل حسبما عرفت.

(١) لخروجه عن أفراد الفريضة وعدم كونه من المأمور به كما ذكره في المتن ، إلّا أن يدفع بعنوان القيمة ، بناءً على جواز دفع القيمة من غير النقدين كما عليه

__________________

(*) فيه إشكال كما تقدّم ، وكذا الحال فيما بعده.

(**) هذا مبني على تعلّق الزكاة قبل صدق كونه تمرا.

(***) فيه إشكال على كلا تقديري دفعه فريضة وبعنوان القيمة.

٣٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الماتن. وأمّا بناءً على المختار من الاختصاص بهما لكونهما أنفع بحال الفقير كما في النص على ما مرّ فلا يجوز الدفع لا فرضاً ولا قيمةً.

وكذا الحال في دفع العنب عن الزبيب وفي العكس من كلّ منهما بمناط واحد كما هو ظاهر.

ثمّ ذكر (قدس سره) أنّه لو كان عنده رطب يجوز أن يدفع عنه الرطب ، أي من نفس العين بقرينة المقابلة لما بعده بعنوان الفرض ، فلا يجب الصبر إلى أن يصير تمراً.

وهذا مبني على القول بتعلّق الزكاة قبل التسمية وصدق كونه تمراً ، وقد مرّ أنّ الأقوى خلافه (١).

هذا ، ولم يستبعد الدفع فرضاً من تمر أو زبيب آخر عمّا عليه من التمر أو الزبيب وإن احتاط بالدفع من باب القيمة ، لما تقدّم من الخروج عن أفراد المأمور به.

والصحيح هو التفصيل في المسألة بوجه آخر لا يبعد أن يكون هو مراد المتن وإن لم يكن صريحاً فيه.

وهو الفرق بين الدفع من عين ما تعلّقت به الزكاة وبين الدفع من خارجه ، فيجوز الأوّل وإن لم يكن المدفوع مماثلاً لما فيه الزكاة ، ولا يجوز الثاني وإن كان مماثلاً فضلاً عن غير المماثل.

فلو فرضنا أنّ النصاب مؤلّف من التمر والرطب أو العنب والزبيب كما لو كان الحاصل من أحد البستانين نصف النصاب وقد أنتج أوّلاً وصار تمراً أو زبيباً وبعد فاصل زماني أنتج البستان الثاني بقيّة النصاب وهي بعدُ عنب أو رطب ويمكن فرضه من بستان واحد أيضاً فحينئذٍ بما أنّ الزكاة غير متشخّصة

__________________

(١) في ص ٣١٩.

٣٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

في سنخ واحد وإنّما اللازم دفع العشر من هذا المجموع المركّب منهما فله اختيار التطبيق والدفع كيفما شاء ، إمّا من التمر ، أو من الرطب أو الملفّق منهما حتّى على مسلك الإشاعة فضلاً عن الكلّي في المعيّن ، أو الشركة في الماليّة التي هي المختار ، لقيام الدليل الخاصّ على أنّ اختيار التطبيق بيد المالك الذي هو الشريك الأعظم كما تقدّم ، فلا يتعيّن دفع الفرض من صنف خاصّ.

هذا ، لو كان الدفع من داخل ما فيه النصاب ، أعني نفس العين الزكويّة.

وأمّا لو دفع من خارج العين فلا يجوز حتّى في المماثل بأن يدفع مثل ما عليه من التمر مثلاً من تمر آخر فضلاً عن غير المماثل ، كأن يدفعه من الرطب بمقدار لو جفّ كان بقدر ما عليه من التمر ، لأنّ ظاهر الأدلّة دفع العشر من نفس العين الخارجيّة التي تعلّقت به الزكاة لا مجرّد مقدار العشر حتّى من خارج العين ، فإنّ هذا خلاف ظاهر التعبير بلفظ العشر كما لا يخفى.

فجواز الدفع من الخارج يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل إلّا بعنوان القيمة ، وقد عرفت ما فيه.

ومنه تعرف الفرق بين المقام وما تقدّم في نصب الأنعام من جواز الدفع من خارج العين في مثل قوله : «في كلّ أربعين شاة شاة واحدة» ، حيث عرفت أنّ الشاة المخرجة مطلقة من حيث كونها من العين أو خارجه ، فإنّ هذا الإطلاق ثابت في العدد الصحيح لا في الكسر المشاع من مثل العشر ونحوه كما في المقام كما لا يخفى.

وكيفما كان ، فليس الاعتبار بكون المدفوع مماثلاً لما فيه الزكاة أو مخالفاً كما ربّما يظهر من المتن ، بل بكونه من داخل العين الزكويّة وخارجها ، فيجوز في الأوّل دون الثاني ، مماثلاً كان أم مخالفاً حسبما عرفت.

٣٦٩

[٢٦٨٣] مسألة ٢٦ : إذا أدّى القيمة من جنس ما عليه بزيادة أو نقيصة لا يكون من الرِّبا (١) ، بل هو من باب الوفاء.

______________________________________________________

(١) لو بنينا على جواز دفع القيمة من غير النقدين كما عليه الماتن ، فلو اختلف المدفوع عمّا عليه من الزكاة في الكم بزيادة أو نقص ، كما لو كانت العين الزكويّة ، من القسم الجيّد فكانت عليه مثلاً خمسة أمنان يسوى كلّ مَنّ ديناراً فدفع من القسم الردي‌ء الذي يسوى كلّ مَنّ منه بنصف دينار ، المستلزم لدفع عشرة أمنان بطبيعة الحال ، فهل يكون هذا التفاوت مستوجباً للربا باعتبار أنّه عاوض ما عليه من خمسة أمنان بعشرة؟

لا ينبغي التأمّل في عدم توهّم الربا بتاتاً ، بناءً على ما هو الصحيح في كيفيّة التعلّق من أنّها بنحو الشركة في الماليّة ، لوضوح أنّه على هذا المبنى لا حقّ للفقير إلّا في مالية العين ، لا فيها بالذات ولا فيما لها من الخصوصيّات ، وقد تبدّل فرد من هذه الماليّة بفرد آخر ، فماله فيه الحقّ وهي الماليّة لم تتفاوت بزيادة ولا نقيصة ، وما تفاوت وهو الفرد لم يتعلّق به الحقّ من غير ناحية الماليّة كما عرفت ليتطرّق فيه احتمال الرِّبا ، وهذا ظاهر.

نعم ، على المسلك الآخر من الإشاعة أو الكلّي في المعيّن فلهذا الإشكال مجال ، إذ يمكن حينئذٍ أن يقال بأنّ تلك العمليّة تستوجب المعاوضة بين حصّة الفقير المتحقّقة في العين الخارجيّة وبين ما هو من جنسها مع التفاضل ، فيلزم منه الرِّبا.

ولكنّه يندفع بخروج المقام بحسب الفهم العرفي والارتكاز العقلائي عن باب المعاوضات ، وإنّما هو من باب الوفاء والتطبيق بالتراضي ، نظير من كان مديناً لزيد بمثقال من الذهب فدفع له ما يتضمّن المثقال وزيادة ، فإنّ الفهم العرفي آبٍ

٣٧٠

[٢٦٨٤] مسألة ٢٧ : لو مات الزارع مثلاً بعد زمان تعلّق الوجوب وجبت الزكاة مع بلوغ النصاب (١) ، أمّا لو مات قبله وانتقل إلى الوارث : فإن بلغ نصيب كلّ منهم النصاب وجب على كلّ زكاة نصيبه ، وإن بلغ نصيب البعض دون البعض وجب على من بلغ نصيبه ، وإن لم يبلغ نصيب واحد منهم لم يجب على واحد منهم.

[٢٦٨٥] مسألة ٢٨ : لو مات الزارع أو مالك النخل والشجر وكان عليه دين (٢) فإمّا أن يكون الدين مستغرقاً أو لا ، ثمّ إمّا أن يكون الموت

______________________________________________________

عن درج ذلك في باب المعاملة والمعاوضة ، بل يرى أنّ هذا تطبيقٌ لما في الذمّة على العين الخارجيّة بالمراضاة وفاءً عمّا في عهدته ، فلا موضوع للمعاوضة في أمثال هذه الموارد ومنه المقام ليتوهّم فيه الرِّبا.

(١) فلا تنتقل إلى الورثة إلّا تسعة أعشار المال الزكوي ، لعدم كون العشر الباقي من التركة بعد أن لم يكن داخلاً في ملك الميّت من الأوّل ، وإنّما هو ملك للفقير بمقتضى فرض تعلّق الزكاة حال الحياة.

نعم ، لو مات قبل التعلّق بحيث انتقل المال بكامله إلى الوارث يلاحظ النصاب حينئذٍ في حصّة الورثة ، فمن بلغت حصّته النصاب وجبت عليه الزكاة دون الآخر ، فلو مات وخلّف ذكراً وأُنثى وبلغت حصّة الولد النصاب دون البنت وجبت عليه خاصّة ، ولو لم تبلغ حصّة واحد منهم لم تجب على أحدهم وإن كان المجموع بالغاً حدّ النصاب ، للزوم ملاحظة النصاب في ملك مالك واحد ولا يضمّ ملك إلى ملك كالشريكين على ما تقدّم سابقاً ، فلاحظ (١).

(٢) قد يفرض حصول الموت بعد تعلّق الوجوب ، وأُخرى قبله بعد ظهور

__________________

(١) في ص ٧٩ و ١٧٥ ـ ١٧٧.

٣٧١

بعد تعلّق الوجوب أو قبله بعد ظهور الثمر أو قبل ظهور الثمر أيضاً.

فإن كان الموت بعد تعلّق الوجوب وجب إخراجها ، سواء كان الدين مستغرقاً أم لا ، فلا يجب التحاص مع الغرماء ، لأنّ الزكاة متعلّقة بالعين.

نعم ، لو تلفت في حياته بالتفريط وصارت في الذمّة وجب التحاص بين أرباب الزكاة وبين الغرماء كسائر الديون.

وإن كان الموت قبل التعلّق وبعد الظهور : فان كان الورثة قد أدّوا الدين قبل تعلّق الوجوب من مال آخر فبعد التعلّق يلاحظ بلوغ حصّتهم النصاب وعدمه ، وإن لم يؤدّوا إلى وقت التعلّق ففي الوجوب وعدمه إشكال ، والأحوط الإخراج (١) مع الغرامة للديّان أو استرضائهم.

وأمّا إن كان قبل الظهور وجب (٢) على مَن بلغ نصيبه النصاب من الورثة ، بناءً على انتقال التركة إلى الوارث وعدم تعلّق الدين بنمائها الحاصل قبل أدائه وأنّه للوارث من غير تعلّق حقّ الغرماء به.

______________________________________________________

الثمر من بدو الصلاح ونحوه ، وثالثةً قبل الظهور أيضاً ، وعلى التقادير : فإمّا أن يكون الدين مستغرقاً أو لا.

أمّا إذا كان الموت بعد التعلّق فلا ريب في وجوب إخراج الزكاة كان الدين مستغرقاً أم لا ، لكون الزرع أو الثمر مشتركاً فيه لدى الموت بين المالك والفقير بنحو من أنحاء الشركة ، فمقدار الزكاة لم يكن جزءاً من التركة من أوّل الأمر ولم يخلّف الميّت إلّا تسعة أعشار النتاج ، فيخرج الزكاة أوّلاً ثمّ يؤدّي الدين ، فإن

__________________

(١) لا بأس بتركه.

(٢) الظاهر أنّ حكمه حكم الموت بعد الظهور.

٣٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بقي شي‌ء كان للوارث وإلّا فلا.

وعلى الجملة : فلا مزاحمة بين الزكاة وبين الدين ليجب التحاص بين الفقراء والغرماء ، فإنّ الزكاة متعلّقة بالعين الخارجيّة ، والدين موطنه الذمّة ، فلم يردا في موضوع واحد ليزاحم أحدهما الآخر.

نعم ، لو تلفت الزكاة حال الحياة بالتفريط فانتقلت إلى الذمّة كانت حينئذٍ كسائر الديون المحكومة بالتحاص بين الغرماء.

وأمّا إذا كان الموت قبل التعلّق وبعد الظهور فلا إشكال فيما لو أدّوا الورثة الدين قبل تعلّق الوجوب من مال آخر ، أو تبرّع به متبرّع أو أبرأ المالك بحيث انتفى موضوع الدين وانتقل المال بكامله إلى الورثة ، فإنّه يلاحظ بعد التعلّق بلوغ حصّة كلّ منهم النصاب وعدمه ، إذ التعلّق إنّما يحدث في ملك الوارث فلا بدّ من رعاية الشرط في ملكه ، فمن بلغت حصّته النصاب وجبت عليه الزكاة دون من لم تبلغ ، وهذا ظاهر.

إنّما الكلام فيما إذا لم يؤدّ الدين وبقي إلى وقت التعلّق ، فإنّ في وجوب الإخراج حينئذٍ وعدمه إشكالاً كما ذكره في المتن. ومنشأ الإشكال التردّد في بقاء مقدار الدين على ملك الميّت ، فلا موضوع للزكاة أو انتقاله إلى الوارث وإن كان متعلّقاً بحقّ الديّان ، فإنّ هذا الحقّ لا يمنع من تعلّق الزكاة وإنّما يمنع من تصرّف الوارث في ماله لا في حصّة الفقير التي هي متعلّق الزكاة كما لا يخفى.

وكيفما كان ، فقد احتاط الماتن (قدس سره) بالإخراج مع الغرامة للديّان أو استرضائهم.

وغير خفي أنّ الإخراج المزبور وإن كان احتياطاً من جهة ولكنّه مخالف للاحتياط من جهة أُخرى ، ضرورة أنّا لو بنينا على أنّ مقدار الدين باقٍ على ملك الميّت ولم ينتقل إلى الورثة فبأيّ مسوّغ يتصرّف فيه الوارث بالإخراج

٣٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

حتّى مع الغرامة؟! فإنّه تصرّف في ملك الغير بغير إذنه ولا يكاد يسوّغه التغريم كما هو واضح.

نعم ، الاحتياط التامّ يتحقّق بما ذكره من الاسترضاء أو بالأداء من مال آخر أو بالإبراء ثمّ التصدّي للإخراج.

والتحقيق : عدم وجوب الإخراج مع الاستغراق وملاحظة النصاب في حصّة الوارث مع عدمه.

والوجه فيه : ما ذكرناه في محلّه من أنّه لا إرث إلّا بعد الدين ، ولا يعدّ من التركة إلّا ما زاد عليه كما نطقت به الآيات والروايات ، قال تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ*) (١) إلخ ، فما يقابل الدين لم ينتقل إلى الوارث بتاتاً ، لأنّ الناقل هي أدلّة الإرث ، وهي في أنفسها مقيّدة بما بعد الدين كما سمعت ، وبما أنّ الملك بلا مالك أمر غير معقول فلا جرم يبقى على ملك الميّت ولا محذور في إسناد الملكيّة التي هي أمر اعتباري إلى الميّت والحكم ببقاء علاقته بالإضافة إلى المال ميّتاً كعلاقته حيّاً متى ساعده الارتكاز العقلائي كما لا يخفى.

وعليه ، فإن كان الدين مستغرقاً لا موضوع للإرث من أصله ، وإلّا كان الزائد عليه للوارث ، فطبعاً يكون المال مشتركاً بينهما.

وذكرنا في محلّه أيضاً : أنّ هذه الشركة إنّما هي بنحو الكلّي في المعيّن فلا يقسّط التلف عليه. فلو فرضنا أنّه ترك ألفاً وكان الدين مائة وتلف نصف المجموع كان الدين محفوظاً بكامله في النصف الباقي.

وعلى هذا ، فإن كان الدين مستغرقاً لم تجب الزكاة بعد التعلّق أبداً لا على الوارث ، لفقد الملك ولا زكاة إلّا على المالك ، ولا على الميّت ، لعدم كونه قابلاً للخطاب حال التعلّق وإن كان مالكاً.

__________________

(١) النِّساء ٤ : ١٢.

٣٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، لو أدّى الدين من مال آخر أو تحقّق الإبراء بحيث انتقل المال إلى الورثة وجبت الزكاة على كلّ من بلغت حصّته النصاب.

وإن لم يكن مستغرقاً فلا جرم تتحقّق الشركة بين الوارث والميّت وتجب الزكاة على الوارث إن بلغت حصّته النصاب دون الميّت لفقد الحياة ، فهو كالمال المشترك بين الكبير والصغير ، حيث تختصّ الزكاة بالكبير إن بلغت حصّته النصاب.

وأمّا إذا كان الموت قبل التعلّق وقبل الظهور أيضاً فقد يقال بوجوب الزكاة حينئذٍ على من بلغ نصيبه النصاب من الورثة ، نظراً إلى أنّ النماء إنّما حدث في ملك الوارث لا الميّت ، فهو إذن سليم عن تعلّق حقّ الغرماء ، وإنّما يختصّ حقّهم بما تركه الميّت لا بما يحدث فيه من النماء.

ولكن الظاهر عدم الفرق بين هذه الصورة وسابقتها أعني : الموت قبل الظهور أو بعده فإنّ النماء يتبع العين ، والفرع يلحق بالأصل ، فلا يملك النماء إلّا من كان مالكاً للعين.

وعليه ، فمع الاستغراق لا إرث كما عرفت ، بل المال كلّه باقٍ على ملك الميّت ليصرف في دينه فطبعاً يكون النتاج له أيضاً ، ومع عدمه بما أنّ المال مشترك حينئذٍ بين الميّت والورثة فبقانون التبعيّة يكون النتاج والنماء أيضاً مشتركاً بينهما فتجب الزكاة حينئذٍ فيمن بلغت حصّته النصاب من الورثة ، وأمّا في فرض الاستغراق فلا تجب الزكاة على أحد أبداً لا الميّت ولا الورثة حسبما عرفت.

تذييل تلحق الوصيّة بالدين في جميع ما مرّ بمناط واحد ، لاشتراكهما في التقدّم على الإرث ، قال تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ*) (١).

__________________

(١) النِّساء ٤ : ١٢.

٣٧٥

[٢٦٨٦] مسألة ٢٩ : إذا اشترى نخلاً أو كرماً أو زرعاً مع الأرض أو بدونها قبل تعلّق الزكاة فالزكاة عليه بعد التعلّق مع اجتماع الشرائط ، وكذا إذا انتقل إليه بغير الشراء ، وإذا كان ذلك بعد وقت التعلّق فالزكاة على البائع ، فإن علم بأدائه أو شكّ في ذلك ليس عليه شي‌ء (١).

______________________________________________________

وعليه ، فلو أوصى بثلث ما عنده من النخل أو الكرم أو الزرع أو بتمامه الذي لا يكون نافذاً إلّا في الثلث فقد يفرض موته بعد تعلّق الوجوب ؛ وأُخرى قبله ، إمّا قبل الظهور أو بعده ، وقد عرفت أنّهما في حكم واحد.

فإن مات بعد التعلّق وجب إخراج الزكاة من الأصل أوّلاً ثمّ يقسّم المال أثلاثاً ، فثلث للوصيّة ، وثلثان للورثة.

وإن مات قبل التعلّق بقي الثلث على ملك الميّت تصرف في وصيّته ، ولا زكاة في نتاجه بعد مجي‌ء وقت التعلّق ، لفقد الحياة حال الخطاب ، وإنّما تجب في الثلثين الآخرين المنتقلين إلى الورثة مع استجماع الشرائط ، فمن بلغ نصيبه النصاب وجبت عليه وإلّا فلا حسبما تقدّم ، فلاحظ (١).

(١) تقدّم سابقاً أنّ الزكاة إنّما تجب على من كان مالكاً للزرع أو الثمر حال التعلّق دون غيره (٢).

وعليه ، فلو انتقل النخل أو الكرم أو الزرع بشراء أو بغيره من هبة ونحوها وكان ذلك قبل التعلّق فالزكاة إنّما تجب بعد التعلّق على المنتقل إليه ، دون المنتقل عنه وهو البائع مثلاً لعدم كونه مالكاً حال التعلّق الذي هو المناط في الوجوب كما عرفت ، وهذا ظاهر.

__________________

(١) في ص ٣٧١.

(٢) في ص ٣١٨.

٣٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا لو كان الشراء بعد وقت التعلّق فالزكاة حينئذٍ على البائع ، لكونه المالك آن ذاك.

ولا بدّ من فرض الكلام فيما لو باع المالك جميع العين الزكويّة من الزرع أو الثمر ، وإلّا فلو كان المبيع مقداراً منها بحيث بقي منه ما يعادل الزكاة لم تجب الزكاة في المبيع ، لأنّ اختيار التطبيق بيد المالك الذي هو الشريك الأعظم حتّى على مسلك الإشاعة كما تقدّم (١) ، فله التصرّف في العين الزكويّة ببيعٍ ونحوه والإخراج من الباقي.

وحينئذٍ ، فإن علم المشتري بأداء البائع الزكاة ولو من مال آخر عيناً أو قيمةً أو بالتضمين من قبل الحاكم الشرعي فلا كلام ، وإن علم بالعدم فسيجي‌ء (٢).

وأمّا لو شكّ في ذلك فقد ذكر في المتن أنّه ليس عليه شي‌ء وهو الصحيح.

لا لأصالة الصحّة الجارية في البيع ، لما ذكرناه في محلّه من أنّ الحمل على الصحيح بمعنى ترتّب الأثر على العمل في مقابل الفاسد لا الصحيح بمعنى عدم ارتكاب القبيح لم يدلّ عليه دليل لفظي لنتمسّك بإطلاقه ، وإنّما ثبت ذلك بالسيرة القطعيّة العمليّة من المتشرّعة المتّصلة بزمن المعصومين (عليهم السلام).

ومن الواضح أنّ السيرة دليل لبّي لا إطلاق له فيقتصر على المقدار المتيقّن منه ، وهو ما لو شكّ في صحّة المعاملة بعد إحراز القابليّة وسلطنة البائع وقدرته على البيع لكونه مالكاً أو وكيلاً فكان الشكّ في الصحّة لجهات خارجيّة من كونها غرريّة أو ربويّة ونحو ذلك ، وأمّا مع عدم الإحراز واحتمال عدم تسلّط البائع على البيع وعجزه عنه فلم تثبت السيرة في مثل ذلك أبداً ، فلو شكّ في أنّ البائع أصيل أو فضولي ولم تكن العين تحت يده لم يمكن إحراز الأصالة بأصالة

__________________

(١) في ص ٥ ، ١٨٧ ١٨٨ ، ١٩٥ ، ٢٣٠.

(٢) في ص ٣٧٩.

٣٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الصحّة ، لعدم قيام السيرة في مثل ذلك حسبما عرفت.

ومقامنا من هذا القبيل ، للشكّ في قدرة البائع وتسلّطه على النقل بالإضافة إلى عشر المبيع أعني : ما يعادل الزكاة فلا مجال للتمسّك بأصالة الصحّة في أمثال المقام.

بل الوجه فيه : الاستناد إلى قاعدة اليد التي هي أمارة شرعيّة على الملكيّة ، وبها يحرز أنّ البائع مالك حين البيع لتمام المبيع الذي هو تحت يده وتصرّفه ، ويرتفع الشكّ بعدئذٍ عن صحّة المعاملة.

نعم ، لا حجّيّة لليد الفعليّة المسبوقة بكونها يد عدوان أو يد أمانة ، كما لو كانت العين في يده وديعة أو عارية أو إجارة وقد ادّعى الآن الملكيّة بشراءٍ ونحوها مع اعترافه بعدم الملك سابقاً ، لانقلابه بذلك عن المنكر إلى المدّعى ، ولا بدّ له من إثبات النقل وإلّا كان المرجع أصالة عدم الانتقال.

وبعبارة اخرى : مورد حجّيّة اليد وكشفه عن الملكيّة ما إذا كان ذو اليد منكراً فلا تسمع الدعوى في مقابل اليد ما لم تقم عليه البيّنة ، وأمّا لو أصبح مدّعياً لإقراره بكون يده أمانيّاً سابقاً وادّعائه النقل إليه لاحقاً وله خصم ينكر هذه الدعوى ، فلا محيص له من إقامة البيّنة على صحّة ما يدّعيه ، ولا تجديد اليد الفعليّة ، لعدم كشفها والحال هذه عن الملكيّة أبداً ، بل يرجع إلى استصحاب عدم الملكيّة كما عرفت.

إلّا أن هذا إنّما يتّجه فيما إذا لم يحرز تسلّط ذي اليد وقدرته على الانتقال إلى نفسه ، وأمّا لو أحرز ذلك كما لو فرض العلم في المثال المزبور بكونه وكيلاً عن المالك في انتقال ما في يده إلى نفسه متى شاء والمالك أيضاً يعترف بذلك فلا قصور في دليل حجّيّة اليد وأنّه لولا هذا لما قام للمسلمين سوق عن الشمول للمقام ، سيّما إذا لم تقم دعوى مضادّة بإزائه.

٣٧٨

وإن علم بعدم أدائه فالبيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولي (١) ، فإن أجازه الحاكم الشرعي طالبه بالثمن بالنسبة إلى مقدار الزكاة ، وإن دفعه إلى البائع رجع بعد الدفع إلى الحاكم عليه ، وإن لم يجز كان له أخذ مقدار الزكاة من المبيع.

______________________________________________________

والمقام من هذا القبيل ، فإنّ يد البائع على عشر المبيع وإن كانت يد أمانة سابقاً لكونه حصّة الفقراء إلّا أنّه كان مسلّطاً على انتقاله إلى نفسه إمّا بدفع الزكاة من خارج النصاب جنساً أو قيمةً أو بالتضمين والاستجازة من الحاكم الشرعي ، فهو قادر على تملّك هذه الحصّة على الوجه الشرعي ، وليست ثمّة دعوى مضادّة في مقابله ، فإذا تصدّى مع هذه الحالة لبيع تمام العين فلا نرى أيّ محذور في التمسّك بقاعدة اليد لإحراز كون العين بتمامها ملكاً طلقاً له والحكم بصحّة المعاملة الصادرة منه.

(١) لكونه ملكاً للفقراء فتنوط صحّة البيع بالإضافة إليه بإجازة الحاكم الشرعي الذي هو وليّ الفقراء ، فإن أجاز نفذ البيع وطالب المشتري بالثمن بالنسبة إلى مقدار الزكاة.

وللمشتري مراجعة البائع واسترداد جزء من الثمن المقابل لمقدار الزكاة لو كان قد دفع الثمن إليه لعدم استحقاق البائع بعد أن لم يكن مالكاً ، ولا يكون الرجوع المزبور مقيّداً بما بعد الدفع إلى الحاكم كما هو ظاهر عبارة المتن ، بل له مراجعة البائع والاسترداد حتّى قبل الدفع ، لعدم استحقاق البائع على كلّ حال بعد عدم ملكيّته لهذا المقدار ، فهو كمن باع ما يملك وما لا يملك صفقة واحدة عالماً أو جاهلاً ، حيث إنّ للمشتري استرداد المقابل لما لا يملكه البائع ، سواء أجاز مالكه الواقعي ودفع الثمن إليه أم لا.

٣٧٩

ولو أدّى البائع الزكاة بعد البيع ففي استقرار ملك المشتري وعدم الحاجة إلى الإجازة من الحاكم إشكال (*) (١).

______________________________________________________

وأمّا لو لم يجز الحاكم وطالب مقدار الزكاة من المبيع وجب دفعه إليه أو الشراء منه ثانياً ، وربّما تتفاوت القيمة ولا يرضى الحاكم إلّا بأزيد ممّا اشتراه من البائع.

وكيفما كان ، فليس للمشتري الامتناع من دفع العين ، إذ لا ولاية له على الدفع من مال آخر كما كان ذلك ثابتاً للبائع ، لعدم الدليل عليه هنا كما هو ظاهر.

(١) لا ينبغي الإشكال في الاستقرار وعدم الافتقار إلى إجازة الحاكم الشرعي ضرورة أنّ ولايته كانت مراعاة من الأوّل ببقاء التكليف بالزكاة وعدم دفعها ولو من خارج النصاب ، وأمّا مع الدفع وسقوط التكليف فلا موضوع للولاية ولا مقتضي للمراجع كما هو واضح جدّا.

والظاهر أنّ في العبارة تصحيفاً ، والصحيح ذكر «البائع» بدل «الحاكم» فيستقيم المعنى ، لاندراج المقام حينئذٍ في مسألة : من باع شيئاً ثمّ ملك ، إذ البائع بعد دفع الزكاة من الخارج يملك ما يعادلها من المبيع بعد أن لم يكن مالكاً له حال البيع ، فيكون مصداقاً لمن باع شيئاً ثمّ ملكه ، فهل يستقرّ ملك المشتري أم يحتاج إلى إجازة البائع الذي أصبح مالكاً لاحقاً؟ استشكل فيه الماتن ، والمسألة محلّ للكلام بين الأعلام ، وهي محرّرة في محلّها.

وقد ذكرنا عند التعرّض لها ما ملخّصه : أنّ مقتضى القاعدة هو الاحتياج إلى الإجازة كغيره من سائر موارد البيع الفضولي ، نظراً إلى أنّ أدلّة نفوذ البيع

__________________

(*) أظهره الاستقرار.

٣٨٠