موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢٦٧١] مسألة ١٤ : لو أخرج شخص الماء بالدوالي على أرض مُباحة (١) مثلاً عبثاً أو لغرضٍ فزرعه آخر وكان الزرع يشرب بعروقه فالأقوى العشر ، وكذا إذا أخرجه هو بنفسه لغرضٍ آخر غير الزرع ثمّ بدا له أن يزرع زرعاً يشرب بعروقه ، بخلاف ما إذا أخرجه لغرض الزرع الكذائي ، ومن ذلك يظهر حكم ما إذا أخرجه لزرعٍ فزاد وجرى على أرض أُخرى.

______________________________________________________

الأمطار غالباً ، كما مرّ في المسألة الحادية عشرة ، فلاحظ.

(١) لو تصدّى شخص لإخراج الماء بالعلاج على أرضٍ مباحة إمّا عبثاً أو لغاية أُخرى من تجمع بحيرة ونحو ذلك فاستفاد شخص آخر من هذه الموقعيّة واغتنم الفرصة فزرع بحيث استقى الزرع بعروقه من تلك المياه ، حكم (قدس سره) حينئذٍ بأنّ فيه العشر. وهو الصحيح ، لصدق عدم التكلّف والعلاج في سقي الزرع الذي هو المناط في العشر بمقتضى الأدلّة.

نعم ، عالج في الإخراج في بادئ الأمر ، إلّا أنّه لم يكن للسقي ، لعدم كونه ناوياً له آن ذاك حسب الفرض ، والاعتبار في العلاج بكونه للسقي للزرع ، لاختصاص النصوص بذلك بمقتضى الفهم العرفي.

ونحوه ما لو كان الزارع هو المخرج نفسه لا شخص آخر ، بأن بدا له في الزرع بعد أن أخرجه عبثاً أو لغايةٍ أُخرى لعين ، المناط المتقدّم ، ضرورة عدم الفرق بينهما من هذه الجهة.

وهذا بخلاف ما إذا كان الإخراج لغرض الزرع الكذائي كما عبّر به في المتن أي لغرض الزرع الذي يشرب بعروقه ، كما لو جمع المياه المخرجة بالدوالي في موضعٍ قاصداً به الزرع في موضعٍ أسفل عنه يشرب بعروقه من تلك المياه النافذة في جوف الأرض ، فإنّ هذا فيه نصف العُشر ، لصدق أنّه سقي بالعلاج ،

٣٤١

[٢٦٧٢] مسألة ١٥ : إنّما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة (١) ، بل ما يأخذه باسم الخراج أيضاً (*) ، بل ما يأخذه العمّال زائداً على ما قرّره السلطان ظلماً إذا لم يتمكّن من الامتناع جهراً وسرّاً ، فلا يضمن حينئذٍ حصّة الفقراء من الزائد.

______________________________________________________

لانتهاء السقي بالآخرة إلى تلك الدوالي التي كانت بنيّة السقي حسب الفرض ، ولا فرق في السقي بالعلاج بين ان يكون مع الواسطة أو بدونها.

فمراده (قدس سره) بالزرع الكذائي هو ما ذكرناه ، ومعه يستقيم الفرق بين الصورتين.

كما أنّ مراده (قدس سره) بقوله : ومن ذلك يظهر حكم ما إذا أخرجه ... إلخ ، ما لو أخرج الماء لسقي كمّيّة خاصّة من المزرعة كألف متر مثلاً فزاد وسقى به ألفين ، وأنّ حكمه حكم الفرض الثاني الذي كان فيه نصف العشر ، لصدق السقي بالعلاج في المقدار الزائد كالمزيد عليه ، فإنّه وإن لم يكن حين الإخراج ناوياً لهذا المقدار من الزرع إلّا أنّه كان ناوياً لأصل الزرع ، وهو كافٍ في صدق السقي بالعلاج في كلّ زرع يُسقى بهذا الماء ، إذ لا يلزم العلم بكمّيّة الزرع حين التصدّي للإخراج ، وربّما لا يعلم بذلك أصلا.

(١) لا إشكال كما لا خلاف في استثناء ما يأخذه السلطان من نفس العين باسم المقاسمة ، سواء أكان سلطان عدل أم جور.

أمّا الأوّل : فظاهر ، لخروج حصّته عن الملك من أوّل الأمر ، فلم تكن ملكاً للزارع كي تجب فيه الزكاة ، فحال هذه المقاسمة حال المزارعة التي لم تدخل في

__________________

(*) إخراج غير ما يأخذه السلطان من نفس العين محل إشكال. فالاحتياط لا يترك ، ومنه يظهر الحال في المسائل الآتية.

٣٤٢

ولا فرق في ذلك بين المأخوذ من نفس الغلّة أو من غيرها إذا كان الظلم عامّاً ، وأمّا إذا كان شخصيّاً فالأحوط الضمان فيما أخذ من غيرها ، بل الأحوط الضمان فيه مطلقاً وإن كان الظلم عامّاً ، وأمّا إذا أخذ من نفس الغلّة قهراً فلا ضمان ، إذ الظلم حينئذٍ وارد على الفقراء أيضاً.

______________________________________________________

ملك الزارع إلّا حصّته من الزرع والباقي لصاحب الأرض.

وأمّا الثاني : فلعدم التمكّن من التصرّف فيما يأخذه السلطان الذي هو شرطٌ في تعلّق الزكاة كما تقدّم (١) ، فأخذه بمثابة التلف الوارد على العين أو الغصب أو السرقة ونحو ذلك ممّا هو محسوب على المالك وعلى الفقير معاً.

وعلى الجملة : فالحكم المزبور مطابق لمقتضى القاعدة ومورد للاتّفاق ، مضافاً إلى شهادة جملة من النصوص عليه التي منها صحيحة أبي بصير ومحمّد بن مسلم جميعاً عن أبي جعفر (عليه السلام) ، أنّهما قالا له : هذه الأرض التي يزارع أهلها ، ما ترى فيها؟ «فقال : كلّ أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك ممّا أخرج الله منها الذي قاطعك عليه ، وليس على جميع ما أخرج الله منها العشر ، إنّما عليك العُشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك» (٢) ، ونحوها صحيحة صفوان وأحمد بن محمّد بن أبي نصر وصحيحة أحمد بن أبي نصر (٣).

وإنّما الكلام في موردين :

أحدهما : في استثناء ما يأخذه السلطان باسم الخراج ، وهو المقدار الذي يأخذه من خارج العين من النقود أو غيرها كالضريبة الدارجة في هذا العصر

__________________

(١) في ص ٣٣.

(٢) الوسائل ٩ : ١٨٨ / أبواب زكاة الغلّات ب ٧ ح ١.

(٣) الوسائل ٩ : ١٨٨ و ١٨٩ / أبواب زكاة الغلّات ب ٧ ح ٢ ، ٣.

٣٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وبذلك يفترق عن المقاسمة التي تختصّ بما يأخذه من نفس الغلّة كما عرفت.

الثاني : في استثناء المؤن التي يصرفها في سبيل تحصيل النتاج من البذر والسقي وأُجرة الحارس ونحو ذلك ، فهل هي مستثناة في باب الزكاة كما أنّها مستثناة في باب الخمس بلا إشكال؟ لأنّه إنّما يتعلّق بالربح ولا ربح إلّا في الزائد على المؤنة.

فنقول : أمّا المورد الأوّل فالمصرّح به في كلمات غير واحد : أنّ الخراج عند الأصحاب بحكم المقاسمة في الاستثناء عمّا يتعلّق به الزكاة ، بل لم يُنسَب الخلاف إلّا إلى العلّامة في المنتهي (١) ، فكأنّ الحكم مورد للإجماع ، إلّا أنّ دليله غير ظاهر بعد عدم تعلّق الخراج بنفس العين الزكويّة ، بل بخارجها كما سبق.

نعم ، روى الشيخ في الصحيح عن رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل يرث الأرض أو

يشتريها فيؤدّي خراجها إلى السلطان ، هل عليه فيها عشر؟ «قال : لا» (٢).

ورواها الكليني أيضاً ، إلّا أنّها ضعيفة في هذا الطريق بسهل بن زياد.

وبمضمونها رواية سهل بن اليسع ورواية أبي كهمس (٣) ، وإن كانتا ضعيفتي السند ، أمّا الأُولى فبعبد الله بن مالك وفي أبي قتادة كلام ، وأمّا الثانية فبأبي كهمس أو كهمز فإنّه كابن مالك المزبور لم يوثّق.

ولكن ظاهرها عدم تعلّق الزكاة رأساً بالأرض التي يؤدّي خراجها إلى

__________________

(١) نسب الخلاف إلى العلّامة صاحب المدارك ٥ : ١٤٣.

(٢) الوسائل ٩ : ١٩٣ / أبواب زكاة الغلّات ب ١٠ ح ٢ ، الكافي ٣ : ٥٤٣ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٣٧ / ٩٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٥ / ٧١.

(٣) الوسائل ٩ : ١٩٢ و ١٩٣ / أبواب زكاة الغلّات ب ١٠ ح ١ ، ٣.

٣٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

السلطان لا استثناء مقدار الخراج عما يتعلّق به الزكاة كما هو مورد الكلام ، وهذا لعلّه مقطوع البطلان ، إذ لم يقل به أحد من الأصحاب ، بل ولا من العامّة ، عدا ما يُنسَب إلى أبي حنيفة من سقوط الزكاة عن الأراضي الخراجيّة (١).

على أنّها معارضة بما دلّ صريحاً على لزوم إخراج الزكاة بعد أداء الخراج ، كصحيحة صفوان وابن أبي نصر ، قالا : ذكرنا له الكوفة إلى أن قال : «وما أُخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالذي يرى كما صنع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بخيبر ، وعلى المتقبّلين سوى قبالة الأرض العُشر ونصف العُشر في حصصهم» (٢).

دلّت على لزوم أداء العُشر غير ما عليهم من وجه القبالة الذي يشمل الخراج والمقاسمة ، فإنّ التعبير بالقبالة يشملهما معاً كما لا يخفى.

وفي السند وإن كان علي بن أحمد بن أشيم ولم يوثّق صريحاً في كتب الرجال لكنّه مذكور في إسناد كامل الزيارات.

ونحوها غيرها ممّا تقدّم في روايات المقاسمة ، فإنّ المراد بها وبالخراج شي‌ء واحد في لسان الروايات ، والتفكيك اصطلاح حادث في لسان الفقهاء.

فهذه الروايات وعمدتها صحيحة رفاعة روايات شاذّة لا يمكن الأخذ بها بعد حكاية الإجماع على خلافها ، فهي إمّا مطروحة يردّ علمها إلى أهله ، أو محمولة على التقيّة ، وإن كان هذا بعيداً جدّاً ، لعدم القول بمضمونها من العامّة ما عدا أبو حنيفة ، وهذا بمجرّده لا يستوجب الحمل على التقيّة.

وقد حملها الشيخ (٣) على نفي الزكاة فيما أخذه السلطان وإن وجبت فيما يبقى

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٢ : ١٢٧.

(٢) الوسائل ٩ : ١٨٨ / أبواب زكاة الغلّات ب ٧ ح ٢.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٧ و ٣٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٥ و ٢٦.

٣٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

في يده ، فالمراد نفي الزكاة في مجموع الحصّتين الغير المنافي لثبوتها في الباقي ، واستشهد له بما تقدّم في أحاديث زكاة حصّة العامل مثل صحيحة أبي بصير ومحمد بن مسلم الواردة في المقاسمة ، التي دلّت على لزوم أداء العُشر فيما يحصل في اليد بعد المقاسمة ، نظراً إلى أنّ الخراج والمقاسمة شي‌ء واحد لغةً وفي لسان الروايات ، والتفكيك اصطلاح من الفقهاء كما تقدّم.

ولكن هذا الحمل بعيدٌ غايته ، فإنّ قوله في صحيح رفاعة : هل عليه فيها عشر ، بعد قوله : فيؤدّي خراجها ، كالصريح في السؤال عن تعلّق الزكاة بعد أداء الخراج وفيما يبقى من حصّته.

وأصرح منها رواية سهل ، فإنّها صريحة في إناطة الزكاة بعدم أخذ السلطان وإلّا فلا شي‌ء عليه ، فإنّ الشي‌ء المنفي في صورة الأخذ هو الذي أثبته في صورة عدمه الذي صرّح بأنّه العُشر ، فيكون هذا منفيّاً عن الغلّة رأساً لدى أداء الخراج. ونحوها رواية أبي كهمس.

فهذا الحمل ساقط جدّا.

ولعلّ أحسن المحامل لهذه الروايات حمل الخراج فيها على ما يعمّ الزكاة ، بأن يعامل السلطان مع الزارع على أن يدفع إليه هذا المقدار عن جميع ما يستحقّه من الزرع الحاصل في هذه الأرض ، أعمّ من الخراج والزكاة ، فيكون تقبيله بهذا المقدار في قوّة الاشتراط بأن تكون زكاته عليه ، كما هو المتداوَل إلى عصرنا الحاضر في المملكة العربيّة السعوديّة ، حيث يدفع الملّاك زكواتهم إلى عمّال الملك في ضمن ما يأخذونه منهم من الخراجات ، فيكون السؤال فيها ناظراً إلى الاجتزاء بذلك عن أداء الزكاة ثانياً إلى الإمام العادل.

فإنّ هذه المسألة محلّ للكلام ومورد للابتلاء لم يتعرّض إليها الماتن

٣٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ظاهراً ولعلّنا نتكلّم فيها في فرصة مناسبة.

وقد وردت فيها روايات متعارضة قد دلّ بعضها على السقوط معلّلاً بأنّه إذن لا يبقى له شي‌ء ، ودلّ بعضها الآخر على عدم السقوط. والروايات المتقدّمة تحدّ من الطائفة الأُولى التي لا بدّ لها من العلاج ، وتمام الكلام في محلّه إن شاء الله.

وكيفما كان ، فقد تحصّل من جميع ما قدّمناه أنّه لم ترد في المقام رواية تدلّنا على استثناء الخراج كما وردت في المقاسمة على ما عرفت. إذن لم يثبت هذا الاستثناء بعنوانه. فالصحيح ما ذكره العلّامة (قدس سره) من أنّ حكم الخراج حكم سائر المؤن. فإن قلنا بالاستثناء فيها ثبت فيه أيضاً ، وإلّا فلا.

وتوضح المقام أنّ هنا مسألتين :

إحداهما : في أنّ الزكاة هل تتعلّق بالأراضي الخراجيّة أم أنّها ساقطة عنها بالكلّيّة ويغني أداء الخراج عن أداء الزكاة؟ وهذا ما تكلّمنا فيه لحدّ الآن ، وعرفت أنّ المجمع عليه بين الخاصّة والعامّة ما عدا أبي حنيفة هو عدم السقوط ، وعرفت وجهه بما لا مزيد عليه.

الثانية : في أنّ ما يأخذه السلطان باسم الخراج من خارج النتاج من نقدٍ وغيره الذي هو بإزاء مقاطعة الأرض كإجارة لها سواء كانت ملكاً للمسلمين أو من المباحات الأصليّة ، بمثابة الضريبة في عصرنا الحاضر ، هل يستثني ممّا تتعلّق به الزكاة كما يستثني ما يأخذه من نفس العين باسم المقاسمة بلا إشكال ، أم لا؟

المشهور هو الاستثناء ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع ، ولم يُنسَب الخلاف إلّا إلى العلّامة في المنتهي كما عرفت.

ويستدلّ للمشهور بوجوه :

٣٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدها : التصريح بالاستثناء في روايات المقاسمة المتقدّمة من صحيحة أبي بصير ومحمّد بن مسلم وغيرها (١) ، إذ لا فرق بينها وبين الخراج في لسان الأخبار ، والتفكيكُ باختصاص المقاسمة بما يأخذه من نفس العين والخراج بخارجه اصطلاحٌ من الفقهاء ، فتلك الأخبار كافية في إثبات المطلوب.

وفيه : أنّ التفكيك وإن كان اصطلاحاً حادثاً من الفقهاء كما ذُكِر ، إلّا أنّ المراد في هذه الروايات خصوص المقاسمة المصطلحة ، أعني المقاطعة مع الزارع في نفس الحين بدفع حصّة منها للسلطان ، لأجل التعبير في صحيحتي أبي نصر بقوله : «في حصصهم» وبقوله في صحيحة أبي بصير : «فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك» ، فإنّها ظاهرة في أنّ المستثنى خصوص الحصّة التي يأخذها السلطان من نفس الغلّة ، دون ما يأخذه من الخارج المسمّى باسم الخراج الذي هو محلّ الكلام.

الثاني : ما تقدّم من الروايات النافية للزكاة عن الأراضي الخراجيّة (باب ١٠ زكاة الغلّات) من صحيحة رفاعة وغيرها ، بعد الحمل الذي ارتكبه الشيخ كما مرّ من إرادة النفي في مجموع الغلّة ، الأعمّ ممّا يأخذه السلطان وما يبقى ، غير المنافي لتعلّقها في حصّة الزارع ، فتكون النتيجة استثناء الخراج عمّا تتعلّق به الزكاة كما مرّ المطلوب.

وفيه ما لا يخفى ، فإنّ ظاهر تلك النصوص نفي الزكاة رأساً عن تلك الأراضي ، ولا قائل به كما مرّ ، ولا معنى لتأويلها ثمّ الاستدلال بها ، فإنّ مناط الحجّيّة هي الظهورات والمفروض عدم إمكان الأخذ بها في المقام ، ولا سبيل للاحتجاج بالرواية المؤوّلة كما هو واضح.

الثالث : ما ورد في الفقه الرضوي من التصريح باستثناء الخراج ، حيث قال :

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٨٨ / أبواب زكاة الغلّات ب ٧.

٣٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

«فإذا بلغ ذلك وحصل بعد خراج السلطان ومئونة العمارة والقرية أخرج منه العُشر» إلخ (١) ، وقد عبّر بمثله الصدوق في الفقيه (٢) ، بل قيل في الهداية والمقنع أيضاً (٣) وكذا المقنعة (٤) التي من شأنها التعبير بمتون الأخبار.

وفيه ما مرّ مراراً من عدم حجّيّة الفقه الرضوي ، إذ لم يثبت كونه رواية فضلاً عن أن تكون معتبرة ، ولعلّها مجموعة حاوية لفتاوى بعض فقهاء الشيعة كعليّ بن بابويه وغيره ، وإن تضمّنت الرواية عن المعصوم (عليه السلام) أيضاً أحياناً ، فلا يمكن التعويل على هذا الكتاب بوجهٍ حتّى على القول بالانجبار ، إذ لا صغرى له في المقام بعد ما عرفت من عدم إحراز كونه رواية عن المعصوم (عليه السلام) من أصله.

وأمّا الصدوق فهو يتبع في فتاواه والده كما أنّه يتبع في التصحيح والتضعيف للأسانيد مشيخة ابن الوليد كما صرّح هو بنفسه قدس سره بذلك (٥) ، فمن الجائز أنّه (قدس سره) وجد تلك العبارة في فتاوى والده علي بن بابويه فأثبتها في كتبه جرياً على عادته.

وعلى الجملة : فهذه الوجوه ساقطة ، ولم يبق في البين عدا الشهرة المحقّقة والإجماعات المنقولة وفي الخروج بها عن الإطلاقات المتضمّنة أنّ فيما سقته السماء من كلّ ما أنبتته الأرض العُشر الظاهر في تعلّقه بمجموع الغلّة تأمّل ، بل منع ، بعد عدم حجّيّة شي‌ء منهما ، ولا مجال للخروج عن الإطلاق إلّا بدليل

__________________

(١) فقه الرضا (عليه السلام) : ١٩٧.

(٢) الفقيه ٢ : ١٨ / ٣٤.

(٣) الهداية : ١٧٠ ، المقنع : ١٥٦.

(٤) لاحظ المقنعة : ٢٣٩.

(٥) الفقيه ٢ : ٥٥ / ذيل ح ٢٤١.

٣٤٩

[٢٦٧٣] مسألة ١٦ : الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها (١) من غير فرق بين المؤن السابقة على زمان التعلّق واللاحقة.

______________________________________________________

قاطع وحجّة معتبرة ، المفقودة في المقام. وعليه ، فالأقوى ما بنى عليه العلّامة من إنكار الاستثناء وإلحاق الخراج بسائر المؤن ، فإن ثبت الاستثناء فيها قلنا به فيه أيضاً ، وإلّا فلا.

(١) المورد الثاني ممّا وقع فيه الكلام بين الأعلام استثناء المؤن ، والمشهور وإن كان هو الاستثناء إلّا أنّ المخالف هنا أكثر ممّا مرّ في المسألة السابقة أعني : الخراج فقد نُسب الخلاف إلى الشيخ في الخلاف وابن سعيد في الجامع والشهيد الثاني في فوائد القواعد وصاحب المدارك وصاحب الذخيرة (١) ، وقوّاه الشيخ الأنصاري (قدس سره) (٢) ولكنّه في ذيل كلامه نفى البُعد عمّا ذهب إليه المشهور.

وكيفما كان ، فالمسألة ذات قولين وإن كان المشهور هو الاستثناء.

هذا ، ويدلّ على عدم الاستثناء إطلاقات العُشر ونصف العُشر الظاهرة في تعلّقه بمجموع الغلّة وما تنبته الأرض من غير لحاظ المؤن التي يصرفها في سبيل تحصيل النتاج من سقي أو كري النهر ونحو ذلك.

وأصرح رواية من هذه المطلقات هي الروايات المتقدّمة الواردة في المقاسمة ، مثل قوله (عليه السلام) في صحيحة أبي بصير ومحمّد بن مسلم : «إنّما عليك العُشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك» (٣) ، ونحوها صحيحة صفوان وابن

__________________

(١) نسبه الشيخ الأنصاري في كتاب الزكاة : ٢٢٧.

(٢) كتاب الزكاة (للشيخ الأنصاري) : ٢٢٨.

(٣) الوسائل ٩ : ١٨٨ / أبواب زكاة الغلّات ب ٧ ح ١.

٣٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

أبي نصر.

فإنّ الاقتصار على استثناء حصّة السلطان الكاشف عن كونه في مقام التحديد كالصريح في عدم الاستثناء ، وإلّا لتعرّض للمؤن أيضاً ، والمقام مقام البيان كما عرفت. فإن ثبت الاستثناء بدليلٍ قاطع وإلّا فهذه المطلقات بل العمومات بناءً على أنّ «ما» الموصولة في قوله (عليه السلام) : «فيما يحصل» من أدوات العموم هي المحكّم.

وقد استدلّ للمشهور بوجوهٍ لا طائل تحت غالبها ، قد تقدّم جملة منها في المسألة السابقة :

منها : الإجماع ، وهو كما ترى ، لوهن دعواه بعد مخالفة جمّ غفير من قدماء الأصحاب ومتأخّريهم كما عرفت.

ومنها : الفقه الرضوي المتضمّن للتصريح بذلك كما مرّ ، ومرّ جوابه.

ومنها : أنّ الزكاة إنّما تجب في النماء والفائدة العائدة من الغلّة فلا تتناول المؤنة ، إذ لا تلاحظ الفائدة إلّا بعد إخراجها ، فحالها حال الخمس الذي لا يجب إلّا بعد المئونة ، بل ربّما تكون المئونة المصروفة في سبيل تحصيل الغلّة معادلة لها فلا موضوع في مثله للزكاة.

وفيه : أنّ هذا أوّل الكلام ، بل عين الدعوى ، إذ لم يظهر من شي‌ء من الأدلّة تعلّق الزكاة بالفائدة لتلاحظ بعد إخراج المؤنة ، بل ظواهر النصوص تعلّقها بمطلق ما تنبته الأرض من الغلّات ، فلا تقاس بالخمس الذي مورد الربح المختصّ بما يحصل في اليد بعد إخراج المؤن المصروفة في سبيل تحصيله ، فلو اشترى متاعاً بمائة وباعه بمائة وعشرة دنانير وأعطى دينارين للدلّال فالربح ثمانية دنانير لا عشرة كما هو واضح.

مضافاً إلى ما ورد من أنّه لا خمس إلّا بعد المئونة ، بناءً على أنّ المراد مئونة

٣٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

الإخراج لا مئونة السنة.

وعلى الجملة : فالزكاة حقّ إلهي متعلّق بالزرع وما تنبته الأرض من غير لحاظ عنوان الربح أو الفائدة لتقتضي استثناء المئونة ، ولعلّه بإزاء ما أعدّه سبحانه في سبيل تحصيل الغلّة من إشراق الشمس والماء والهواء ، ونحو ذلك من المعدّات نظير المزارعة المصطلحة الواقعة بين الزارع وصاحب الأرض بنسبة معيّنة من الغلّة من نصف أو ثلث ونحوهما ، التي هي بمثابة الأُجرة للأرض ، فهل ترى أنّ الزارع لو كثرت مئونته المصروفة في سبيل النتاج ولو لعارض خارجي من أخذ جائر ونحوه بحيث استوعب النفع المترقب من الزرع في حصّته أفيؤثّر ذلك في سقوط ما يستحقّه صاحب الأرض بدعوى عدم حصول الربح؟! والحاصل : أنّ هذه الوجوه الاستحسانيّة لا تصلح مدركاً للأحكام الشرعيّة ، والمتّبع فيها ظواهر الأدلّة ، وحيث لم يعلّق الحكم فيها على الفائدة كما عرفت فلا وجه لاستثناء المئونة.

ومنها : التعليل الوارد في صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث «قال : يترك للحارس أجراً معلوماً ، ويترك من النخل معافارة وأُمّ جعرور ، ويترك للحارس يكون في الحائط العذق والعذقان والثلاثة لحفظه إيّاه» (١) هكذا في التهذيب ، وذكر في الكافي : «ويعطى للحارس أجراً» إلخ ، بدل «ويترك» ، وأمّا ما في الوسائل من إضافة كلمة «لا» قبل «يترك» فهو غلط من النسّاخ كما لا يخفى (٢).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٩١ / أبواب زكاة الغلّات ب ٨ ح ٤ ، الكافي ٣ : ٥٦٥ / ٣ ، التهذيب ٤ : ١٠٦ / ٣٠٣.

(٢) هذه الإضافة غير موجودة في الوسائل المحقّق جديداً.

٣٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ومعافارة وأُمّ جعرور نوعان رديّان من التمر غير قابلين للأكل.

ومحلّ الاستشهاد ذيلها المتضمّن لتعليل الترك للحارس يحفظه إيّاه ، فإنّ استثناء حصّة الحارس معلّلاً بكونها مئونة الحفظ يدلّنا على استثناء سائر المؤن أيضاً المصروفة في سبيل الاستنتاج من الزرع بمناط واحد بمقتضى عموم التعليل.

والجواب : أنّ مئونة الحفظ تمتاز عن سائر المؤن ، نظراً إلى أنّ الحاجة الماسّة إلى الحراسة لا تكون إلّا بعد بلوغ الثمر ، حذراً من السرقة أو التلف ، فهي مئونة حفظ العين بعد تحقّقه وتكوّنه ، وتصرف من نفس العين بعذق أو عذقين ، وأين هذا من المؤن السابقة على زمان التعلّق المصروفة في سبيل تحصيل العين وتكوينه؟! سيّما على القول المشهور في وقت التعلّق من أنّه زمان الاحمرار أو الاصفرار ، فإنّ استثناء مئونة الحفظ لا يلازم استثناء سائر المؤن المبذولة من الخارج ، بل أحدهما أجنبي عن الآخر ، ولا إشعار في البين فضلاً عن الدلالة.

ومنه يظهر الجواب عن عموم التعليل ، فإنّه تعليلٌ في مورده أعني : مئونة الحفظ التي هي من المؤن المتأخّرة عن زمان الخرص الذي هو بعد تعلّق الوجوب ولا ربط له بالمؤن السابقة كما لا يخفى.

وعلى الجملة : حفظ الثمر المستتبع لحقّ النظر يستلزم الانتفاع من العين بعذق أو عذقين بطبيعة الحال يصرفه لنفسه وعياله كما أُشير إليه في صحيحة ابن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في زكاة التمر والزبيب «قال : يترك للحارس العذق والعذقان ، والحارس يكون في النخل ينظره فيترك ذلك لعياله» (١) ، نظير ما يعطى من العين ضغثاً أو ضغثين يوم حصاد الحنطة والشعير للقانع والمعتر على ما نطقت به النصوص (٢) ، ونظير حصّة السلطان المدفوعة عن نفس العين

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٩١ / أبواب زكاة الغلّات ب ٨ ح ٣.

(٢) لاحظ الوسائل ٩ : ١٩٥ و ١٩٨ / أبواب زكاة الغلّات ب ١٣ و ١٤.

٣٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا يُقاس عليها سائر المؤن.

ومنها : ما ذكره المحقّق الهمداني (قدس سره) ، وملخّصه : أنّ مسألة الاستثناء وعدمه من الفروع العامّة البلوى الكثيرة الدوران في جميع الأعصار والأمصار ، فلا بدّ من معرفتها والفحص عنها على كلّ من يجب عليه الزكاة ، ومنهم أصحاب الأئمة (عليهم السلام) ، لامتناع الغفلة عنها عادةً بعد ما عرفت من شدّة الابتلاء ، فبطبيعة الحال يكون الحكم واضحاً لديهم من غير خفاء فيه يوجه.

وحينئذٍ فإمّا كانوا قائلين بالاستثناء ، أو بعدمه :

فعلى الأوّل : لم يكن ذلك إلّا لوصوله إليهم من الإمام (عليه السلام) ، لقضاء العادة بامتناع قيام السيرة في مثل هذا الحكم عن اجتهادٍ ورأي بمرأى منه ومسمع من غير مراجعته (عليهم السلام).

وعلى الثاني : فهو من غرائب التأريخ ، بل غير قابل للتصديق ، إذ كيف يمكن الشهرة في العصور المتأخّرة على خلاف السيرة الجارية في عصر الإمام (عليه السلام)؟! بل أنّ هذا شي‌ء ممتنع عادةً كما لا يخفى.

وعليه ، فيصحّ أن يدّعى في مثل المقام استكشاف رأي الإمام (عليه السلام) بطريق الحدس من رأي أتباعه المطابق لما عليه المشهور.

بل ذكر (قدس سره) أنّه لو جاز استكشاف رأي المعصوم (عليه السلام) من فتوى الأصحاب في شي‌ء من الموارد فهذا من أظهر مصاديقه (١).

ويندفع : بأنّ المتصدّي لأمر الزكاة في عصرهم (عليهم السلام) كان هو حكّام الجور والعمّال المنصوبون من قبلهم القائمون بجباية الزكوات ، والمشهور بين فقهاء العامّة بل المتسالم عليه لديهم ، ما عدا عطاء (٢) هو عدم الاستثناء ،

__________________

(١) مصباح الفقيه ١٣ : ٣٨٣.

(٢) الخلاف ٢ : ٦٧ / ٧٨.

٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فكانت السيرة العمليّة الجارية عليها عامّة الناس هو ذلك والناس على دين ملوكهم إذن لم يكن يتيسّر للإمام (عليه السلام) إبراز ما عنده في هذه المسألة نفياً أو إثباتاً ، فبطبيعة الحال كان الحكم الواقعي مخفيّاً ، أو لا أقلّ من أنّه لم يكن بتلك المثابة من الظهور كما يدّعيه المحقّق المزبور بحيث تكون السيرة جارية عليه ، ولا غرابة في ذلك فإنّ استثناء حصّة السلطان المتسالم عليه الآن كان خفيّاً آن ذاك على مثل محمّد بن مسلم على جلالته وعلوّ شأنه بحيث تصدّى للسؤال عنه في صحيحته المتقدّمة ، فليكن استثناء المئونة أيضاً كذلك.

بل قد يظهر من بعض النصوص المفروغيّة عن عدم الاستثناء ومغروسيّته في الأذهان ، وهي رواية محمّد بن علي بن شجاع النيسابوري : أنّه سأل أبا الحسن الثالث (عليه السلام) عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر ما يزكّى ، فأخذ منه العُشر عشرة أكرار ، وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّاً ، وبقي في يده ستّون كرّاً ، ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي‌ء؟ فوقّع (عليه السلام) : «لي منه الخمس ممّا يفضل من مئونته» (١).

فإنّ تعيين الزكاة في العشرة دون السبعة دليلٌ على اعتقاد عدم الاستثناء ، امّا اعتقاد الأخذ لو قرئ : «فأُخذ منه» مبنيّاً للمجهول ، أو اعتقاد المأخوذ بأن يكون هو بنفسه أفرز الزكاة في هذه الكمّيّة ليصرفها في محلّها لو قرئ مبنيّاً للمعلوم ، إذ لا يؤثّر ذلك فرقاً فيما هو مناط الاستشهاد بهذه الرواية من المفروغيّة والمغروسيّة حسبما عرفت ، ولا سيّما مع التقرير وعدم الردع.

نعم ، الرواية في نفسها ضعيفة السند ، لعدم ثبوت وثاقة النيسابوري ، فلا تصلح إلّا للتأييد.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٨٦ / أبواب زكاة الغلّات ب ٥ ح ٢.

٣٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّا لم نجد ما يصلح سنداً لمسلك المشهور كي يعوّل عليه في الخروج عن إطلاقات العُشر ونصف العُشر حسبما عرفت. إذن فالأقوى هو القول بعدم الاستثناء ، الذي اختاره جمع من الأعاظم من القدماء والمتأخّرين كما تقدّم.

ومن غريب ما استدلّ به للقول بالاستثناء الاستدلال بقوله تعالى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (١) بتقريب : أنّ العفو هو الزيادة من المال ، ولا زيادة إلّا بعد استثناء المئونة.

إذ فيه أوّلاً : أنّ العفو إنّما يكون بمعنى الزيادة إذا قيِّد بالمال ، فالعفو من المال هو الزيادة ، دون العفو المطلق الغير المضاف إليه كما في الآية المباركة ، فإنّه على هذا بمعنى العمل الطيّب.

قال في الأقرب : العفو خيار الشي‌ء وأجوده ، ومن المال ما يفضل من النفقة (٢).

فكأنّ الآية المباركة بصدد بيان منهج الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) والطريقة التي يسلكها في نفسه ومع غيره بالعقد الإيجابي والسلبي ، فأمره تعالى باتّخاذ العفو في عمل نفسه بالإتيان بصالح الأعمال وأطيبها وخيار الفعال وأجودها ، وأن يأمر غيره أيضاً بالمعروف وأن يترك ما يفعله الجاهلون ويعرض عنهم ، الذي هو العقد السلبي. وعليه ، فلا مساس للآية المباركة بباب الزكاة بتاتاً.

وثانياً : سلّمنا أنّ المراد من العفو هو الزيادة من المال ، إلّا أنّ الآية المباركة لم تختصّ بالمال الزكوي ، كما أنّ الزيادة لم تختصّ بالعُشر ولا بنصفه ، بل مقتضى الإطلاق دفع تمام الزائد حتّى من الأجناس غير الزكويّة ، وهو كما ترى ،

__________________

(١) الأعراف ٧ : ١٩٩.

(٢) أقرب الموارد ٢ : ٨٠٥ (عفو).

٣٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

والتخصيص بالعُشر أو نصفه من خصوص الزكوي يستوجب تخصيص الأكثر والحمل على الفرد النادر كما لا يخفى. فيستكشف من ذلك كلّه أنّ الآية المباركة غير ناظرة إلى باب الزكاة بوجه.

ثمّ إنّ مقتضى الإطلاقات التي استندنا إليها في الحكم بعدم الاستثناء عدم الفرق بين المؤن السابقة على زمان التعلّق وبين اللاحقة.

ولكن قد يفصل بينهما فيلتزم بالاستثناء في اللاحقة ، ولا وجه له ، فإنّ العين وإن كانت مشتركة بعد التعلّق بين المالك والفقير ولم يجب على المالك حفظ حصّة الفقير إلى أن تبلغ حدّ الكمال والنتاج كما بعد الحصاد مثلاً إلّا أنّه لو صرف مئونة في سبيل ذلك فلا ولاية له على الفقير في احتسابها عليه ليحكم باستثنائها.

نعم ، تحمّل هذه المئونة في سبيل حفظ مال الغير أعني : حصّة الفقير ضرر عليه ، إلّا أنّه بنفسه أقدم عليه ، ويمكنه التخلّص عنه ، إمّا بتسليم حصّة الفقير من عين المال أوّل زمان التعلّق ليكون هو المتصدّي لمئونة حفظ ماله مستقلا أو بنحو الشركة مع المالك ، أو بالاستئذان من وليّه وهو الحاكم الشرعي في صرف تلك المؤن ثمّ الاحتساب عليه فيتّجه الاستثناء في أحد هذين التقديرين ، وإلّا فلا فرق بين اللاحقة والسابقة في عدم الاستثناء بمناط واحد حسبما عرفت.

والمتحصّل من جميع ما سردناه لحدّ الآن : أنّا لم نجد بعد إمعان النظر في الأدلّة ما يستوجب الخروج عن إطلاقات العُشر ونصف العشر ليقتضي استثناء المؤن بحيث لو كانت مستوعبة للحاصل من الغلّة لم يبق موضوع للزكاة كما هو كذلك في الخمس ، بل الزكاة حقّ إلهي متعلّق بتمام ما تنبته الأرض بمنزلة الأُجرة عليها ، فكما أنّ الاستيعاب المزبور لا يستوجب سقوط الأُجرة ولا

٣٥٧

كما أنّ الأقوى اعتبار النصاب أيضاً بعد خروجها (١) وإن كان الأحوط (١) اعتباره قبله ، بل الأحوط عدم إخراج المؤن خصوصاً اللاحقة (٢).

______________________________________________________

ينقص عنها شي‌ء من المؤن المصروفة في سبيل الاستنتاج منها ، فكذا الزكاة من غير فرق بين المؤن السابقة على زمان التعلّق واللاحقة.

وقياسها على الخمس مع الفارق ، فإنّ موضوعه الغنيمة والفائدة التي لا موضوع لها إلّا بعد استثناء المؤن ، مضافاً إلى النصّ الخاصّ المتضمّن أنّ الخمس بعد المئونة ، وليست الزكاة كذلك كما عرفت ممّا لا مزيد عليه ، ولم يتحقّق في المسألة إجماع تعبّدي كاشف عن رأي المعصوم.

إذن ، فالأقوى هو القول بعدم الاستثناء.

(١) قد عرفت حال المؤن بالإضافة إلى الفرض نفسه من العشر ونصفه ، وعلمت أنّ الأقوى عدم استثنائها.

وأمّا حالها بالقياس إلى النصاب ، فهل يعتبر بلوغه بعد خروجها فيلاحظ النصاب بعد استثناء المؤن ، فلو أوجب النقص عنه كما لو بلغ خمسة أوسق مع المئونة وبدونها أربعة لم يجب عليه شي‌ء ، أم يلاحظ قبل الخروج فلا يستثني شي‌ء من المؤن ، أم يفصّل بين المؤن السابقة فتستثنى دون اللاحقة؟

فيه خلاف وإشكال ، والمسألة ذات أقوال ثلاثة.

وقد ذهب جمع كثير من الأعاظم إلى عدم الاستثناء هنا ، وليست هذه كالمسألة السابقة التي ذهب المشهور فيها إلى الاستثناء ، بل لعلّها كانت مظنّة

__________________

(١) لا يترك بل هو الأظهر.

(٢) الظاهر جواز احتساب المئونة اللاحقة على الزكاة بالنسبة مع الإذن من الحاكم الشرعي.

٣٥٨

والمراد بالمئونة كلّ ما يحتاج إليه الزرع والشجر من اجرة الفلّاح والحارث والساقي ، وأُجرة الأرض إن كانت مستأجرة ، وأُجرة مثلها إن كانت مغصوبة وأُجرة الحفظ والحصاد والجذاذ وتجفيف الثمرة وإصلاح موضع التشميس وحفر النهر ، وغير ذلك كتفاوت نقص الآلات والعوامل حتّى ثياب المالك ونحوها. ولو كان سبب النقص مشتركاً بينها وبين غيرها وزّع عليهما بالنسبة.

______________________________________________________

الإجماع والتسالم على ما ادّعي وإن كان في حيّز المنع.

وكيفما كان ، فالمسألة خلافيّة ، والأقوى هنا أيضاً عدم الاستثناء على خلاف خبرة الماتن (قدس سره).

والوجه فيه ما سبق في تلك المسألة من التمسّك بإطلاقات الأدلّة السليمة عمّا يصلح للتقييد ، فإنّ نصوص النصاب واردة في مقام البيان ، وصرف المؤن في سبيل النتاج أمر شائع متعارف مورد للابتلاء غالباً ، ولا أقلّ من البذر الذي لا محيص عنه ، فإنّ السقي مثلاً وإن أمكن الاستغناء عنه لكون الأرض جبليّة أو في ساحل البحر لكن البذر ليس كذلك قطعاً ، ومع ذلك فتلك النصوص وردت مطلقة وقد تضمّنت أنّه إذا بلغ الحاصل خمسة أوساق ففيه العُشر من غير أن تقيّد الخمسة بما بعد خروج البذر ، فلو كان النصاب ملحوظاً بعد خروج المؤن وجب التنبيه عليه وهي في مقام البيان ، ولم يحسن إيرادها على سبيل الإطلاق ، فنفس الإطلاق في هذه الأدلّة بمنزلة الدليل على العدم كما لا يخفى.

ثمّ إنّا لو تنازلنا وبنينا على الاستثناء فغايته استثناء المؤن السابقة على زمان التعلّق ، وأمّا اللاحقة فلا وجه لاستثنائها بتاتاً ، إذ بعد أن تعلّق الوجوب واستقرّت الزكاة في عهدة المالك وصار المال مشتركاً بينه وبين الفقير أي

٣٥٩

[٢٦٧٤] مسألة ١٧ : قيمة البذر إذا كان من ماله المزكّى أو المال الذي لا زكاة فيه من المؤن (١) ، والمناط قيمة يوم تلفه وهو وقت الزرع.

[٢٦٧٥] مسألة ١٨ : أُجرة العامل من المؤن ، ولا يحسب للمالك اجرة إذا كان هو العامل ، وكذا إذا عمل ولده أو زوجته بلا اجرة ، وكذا إذا تبرّع به أجنبي ، وكذا لا يحسب أُجرة الأرض التي يكون مالكاً لها ، ولا اجرة العوامل إذا كانت مملوكة له.

[٢٦٧٦] مسألة ١٩ : لو اشترى الزرع فثمنه من المئونة ، وكذا لو ضمن النخل والشجر ، بخلاف ما إذا اشترى نفس الأرض والنخل والشجر ، كما أنّه لا يكون ثمن العوامل إذا اشتراها منها.

______________________________________________________

مصرف الزكاة فبأيّ دليل يرفع اليد عن الوجوب بعد ثبوته؟! وكيف تؤثّر المؤن اللاحقة في سقوط الوجوب الثابت من ذي قبل؟! والشرط المتأخّر وإن كان معقولاً إلّا أنّه خلاف ظواهر الأدلّة جزماً لا يصار إليه من غير دليل قاطع ، فالقول بالاستثناء مطلقاً كما عليه المتن في غاية الضعف ، والأقوى عدم الاستثناء مطلقاً حسبما عرفت.

نعم ، للمالك التخلّص عن المؤن اللاحقة في حصّة الفقير بتسليم حقّه إليه أوّل زمان التعلّق أو الاستئذان من الحاكم الشرعي الذي هو وليّه أو من وكيله ثمّ الاحتساب عليه ونقصه من الفرض لا من النصاب كما تقدّمت الإشارة إليه.

(١) فيستثنى بناءً على القول باستثناء المؤن.

هذا ، ولم يتعرّض (قدس سره) لصورة ثالثة ، وهي ما إذا كان من المال الذي فيه الزكاة ولم يؤدّ زكاته.

٣٦٠