موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

حيث ورد في ذيلها : ... ثمّ قال زرارة : قلت له : إنّ أباك قال لي : «من فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤدّيها» «فقال : صدق أبي ، عليه أن يؤدّي ما وجب عليه ، وما لم يجب عليه فلا شي‌ء عليه فيه».

فإنّها تكون شارحة لنصوص عدم السقوط مثل : صحيحة ابن مسلم وأنّ المراد ما لو كان الفرار بعد استقرار الوجوب عليه أي بعد مضيّ الحول وأمّا لو كان قبله فلا شي‌ء عليه ، غير أنّه فوّت على نفسه الأفضل كما صرّح به في صحيحة عمر بن يزيد ، فتكون نتيجة الجمع حينئذٍ هو الاستحباب.

إلّا أنّ صحيحة معاوية بن عمّار آبية عن ذلك ، قال : قلت له : الرجل يجعل لأهله الحلي إلى أن قال : قلت له : فإن فرّ به من الزكاة؟ «فقال : إن كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة ، وإن كان إنّما فعله ليتجمّل به فليس عليه زكاة» ، ورواها ابن إدريس في آخر السرائر نقلاً عن كتاب معاوية بن عمّار (١).

لامتناع حملها على ما بعد مضيّ الحول ، إذ يبطل حينئذٍ ما تضمّنته من التفصيل بين صورتي قصد الفرار أو التجمّل ، ضرورة عدم جواز التبديل بالحلي بعد تماميّة الحول واستقرار الوجوب ، سواء أكان بقصد الفرار أم بقصد التجمّل كما هو ظاهر.

ولا يمكن التفكيك بين الشقّين بحمل قصد الفرار على ما بعد الحول ، وقصد التجمّل على ما قبله ، إذ فيه من الاستبشاع بحسب الفهم العرفي ما لا يخفى ، فلا مناص من كونها ناظرة إلى ما قبل مضيّ الحول ، فتستقرّ المعارضة حينئذٍ بينها وبين نصوص السقوط ، مثل : صحيحة عمر بن يزيد ونحوها.

وهذه الرواية وصفها في الحدائق بالصحّة باعتبار طريق ابن إدريس ، حيث

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٦٢ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١١ ح ٦ ، مستطرفات السرائر : ٢١ : ٢.

٢٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

قال : وعن معاوية بن عمّار في القوي بل الحسن ، ثمّ قال : ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلاً عن كتاب معاوية بن عمّار مثله فيكون الحديث صحيحاً (١).

وغير خفي ما في هذا الطريق من الضعف ، لجهالة طريق ابن إدريس إلى الكتاب المزبور ، ولم تقم قرينة تغنينا عن رعاية الطريق مثل ما ينقل أحياناً عن كتابٍ ويقول مثلاً : وجدته بخطّ الشيخ.

نعم ، هي صحيحة كما وصفناها ولكن بطريق الشيخ ، إذ ليس فيه من يغمز فيه ، عدا محمّد بن عبد الله المردّد بين الثقة والضعيف ، ولكن الظاهر أنّ المراد به هو محمّد بن عبد الله بن زرارة ، الذي هو ثقة على الأظهر ، بقرينة روايته عن محمّد بن أبي عمير ، فإنّ الراوي عنه غالباً هو هذا الشخص كما صرّح به في غير واحد من الموارد.

وكيفما كان ، فالرواية معتبرة ، والمعارضة مستقرّة كما عرفت ، وفتاوى العامّة مختلفة ، ولعلّ المشهور بينهم آن ذاك هو الوجوب ، إذ لم ينقل الخلاف إلّا عن أبي حنيفة والشافعي (٢) ، فإنّ حصر المذاهب في الأربعة إنّما حدث متأخّراً وقبله كان ينقل فتاوى ابن أبي ليلى وابن عيينة وأضرابهما من الفقهاء المعاصرين للصادقين (عليهما السلام) ، حتى ورد عن الصادق (عليه السلام) : «إنّي لا أقدر على مخالفة ابن أبي ليلى» ويظهر من صاحب المغني أنّ جماعة كثيرين من هؤلاء العامّة كانوا يفتون بعدم السقوط (٣). إذن لا يبعد أن يكون المشهور بين العامّة هو ذلك.

__________________

(١) الحدائق ١٢ : ٩٨.

(٢) نقل هذا الخلاف صاحب الجواهر ١٥ : ١٨٩.

(٣) المغني ٢ : ٥٣٤.

٢٨٢

ولو سبك الدراهم أو الدنانير بعد حول الحول لم تسقط الزكاة (١) ووجب الإخراج بملاحظة الدراهم والدنانير إذا فرض نقص القيمة بالسبك.

______________________________________________________

وعليه ، فروايات عدم السقوط أشبه بالتقيّة فتُحمَل عليها ويُؤخَذ بنصوص السقوط ، فإن تمّ هذا فهو ، وإلّا فتتساقط الطائفتان بالتعارض ، فيرجع حينئذٍ إلى ما تقتضيه القاعدة الأوّليّة من السقوط ولو كان بقصد الفرار ، أخذاً بإطلاقات أدلّة اعتبار الحول حسبما مرّت الإشارة إليه (١) ، والأدلّة النافية للزكاة في الحلي والسبائك وفي غير الدرهم والدينار ، الشاملة لصورة الفرار ، التي هي تقيّد الإطلاقات الأوّليّة المتضمّنة لوجوب الزكاة من الكتاب والسنّة ، مثل قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) وقوله (عليه السلام) : «في كلّ عشرين مثقال نصف دينار» ، فإنّ المرجع تلك الأدلّة النافية ، لا هذه المطلقات المثبتة كما هو ظاهر ، فلاحظ.

فتحصّل : أنّ الأقوى ما ذكره في المتن من السقوط ولو كان بقصد الفرار من الزكاة ، وإن كان الاحتياط بالإخراج ممّا لا ينبغي تركه.

(١) لاستقرار الوجوب بحلول الحول جامعاً للشرائط ، فيجب الخروج عن عهدته ، سواء بقي النقدان بحالهما أم سُبِكا.

ويترتّب عليه : أنّه لو فرض نقص القيمة بالسبك ضمنها ، لأنّ متعلّق الفرض إنّما هو نفس الدراهم والدنانير ، فيجب الإخراج بملاحظتهما كما هو واضح.

__________________

(١) في ص ٢٧٨.

٢٨٣

[٢٦٤٨] مسألة ١ : لا تجب الزكاة في الحلي (١) ولا في أواني الذهب والفضّة وإن بلغت وما بلغت ، بل عرفت سقوط الوجوب عن الدرهم والدينار إذا اتُّخِذا للزينة وخرجا عن رواج المعاملة بهما.

نعم ، في جملة من الأخبار : أنّ زكاتها إعارتها (٢).

______________________________________________________

(١) بلا خلافٍ فيه ولا إشكال ، للنصوص الكثيرة التي تقدّمت الإشارة إليها ، التي منها صحيحة الحلبي : سألته عن الحلي ، فيه زكاة؟ «قال : لا» ونحوها صحيحة يعقوب بن شعيب ورفاعة وغيرهما (١).

قال المحقّق في الشرائع : ولا تجب الزكاة في الحلي ، محلّلاً كان كالسوار للمرأة وحلية السيف للرجل ، أو محرّماً كالخلخال للرجل والمنطقة للمرأة وكالأواني المتّخذة من الذهب والفضّة.

والظاهر أنّ نظره (قدس سره) في التعميم إلى الخلاف الصادر من أهل الخلاف ، حيث فصّلوا بين المحلّل والمحرّم ، وخصّوا السقوط الأوّل ، فكأنّ الحلي عندهم بالإضافة إلى الزكاة كالمئونة عندنا بالإضافة إلى الخمس ، فكما أنّها خاصّة بالمقدار اللازم اللائق بالشأن ، فكذا الحلي يختصّ لديهم بما كان سائغاً محلّلاً ، واستدلّوا على ذلك بحججٍ واهية لا تليق بالذكر.

وكيفما كان ، فلا خلاف بين علمائنا أجمع في شمول الحكم لكلا القسمين ، عملاً بإطلاق النصوص الشامل للسائغ والمحظور وإن أطبق الجمهور على التفصيل المزبور ، إذ لا يصغي إليه تجاه الإطلاق المذكور.

(٢) لا يبعد أن يكون هذا سهواً من قلمه الشريف ، إذ لم يرد ذلك إلّا في

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٥٦ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٩.

٢٨٤

[٢٦٤٩] مسألة ٢ : لا فرق في الذهب والفضّة بين الجيّد منها والردي‌ء (١) ، بل تجب إذا كان بعض النصاب جيّداً وبعضه رديئاً.

______________________________________________________

مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «قال : زكاة الحلي عاريته» (١) ، وكذا في الفقه الرضوي (٢) الذي لم يثبت كونه رواية كما أشرنا إليه مراراً ، فلم ترد إلّا في رواية واحدة مرسلة لا في جملة من الأخبار كما ذكره.

وكيفما كان ، فيختصّ الاستحباب بما إذا لم يكن معرّضاً للفساد ، وإلّا فلا يستحبّ أيضاً على ما هو الشأن في مطلق العارية ، كما ورد ذلك في رواية أبي بصير في حديث ـ : أنّه قال لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنّ لنا جيراناً إذا أعرناهم متاعاً كسروه وأفسدوه ، فعلينا جناحٌ أن نمنعهم؟ «فقال : لا ، ليس عليكم جناح أن تمنعهم» (٣).

(١) لإطلاق الأدلّة الشامل لما إذا كان النصاب كلّه جيّداً أو رديئاً أو ملفّقاً منهما ، بعد صدق عنوان الذهب أو الفضّة على الجميع بمناطٍ واحد.

ولا يخفى أنّ الذهب وكذا الفضّة حسب ما ينقل عن مَهَرة الفنّ ذات واحدة ، ولا يختلف في حدّ نفسه باختلاف المعادن أو الأزمان والأماكن ، فلا ينقسم في ماهيّته إلى الجيّد والردي‌ء كما ينقسم إليهما غيره من المأكولات والملبوسات وغيرهما ، وإنّما يُنتزَع هذا التقسيم من خارج مقام الذات ، أي من كمّيّة الخليط الذي يمتزج بالذهب والفضّة ، فإنّ الذهب الجيّد أي الخالص عن كلّ مزيج لا يُستعمَل خارجاً ، إذ هو ليّنٌ في طبعه ، فيحتاج بطبيعة الحال إلى

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٥٨ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٠ ح ١.

(٢) لاحظ الفقه الرضوي : ١٩٨.

(٣) الوسائل ٩ : ١٥٩ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٠ ح ٣.

٢٨٥

ويجوز الإخراج من الردي‌ء (١) وإن كان تمام النصاب من الجيّد ، لكن الأحوط خلافه (*) ، بل يخرج الجيّد من الجيّد ويبعّض بالنسبة مع التبعّض ، وإن أخرج الجيّد عن الجميع فهو أحسن.

______________________________________________________

مزيجٍ من نحاسٍ أو غيره يستوجب صلابته وتماسك أجزائه ، غاية الأمر أنّ ذاك الخليط كلّما كان أقلّ كان الذهب أجود.

فالذهب الجيّد الراقي هو ما كان خليطه حمّصة ونصف في كلّ مثقال ، فإنّ المثقال أربع وعشرون حمّصة ، فإذا كان المثقال منه مشتملاً على اثنتين وعشرين حمّصة ونصف من الذهب الخالص والباقي أي الحمّصة والنصف خليطه فهو الذهب الأرقى الذي لا أجود منه كالليرة العثمانيّة ، فإذا كان الخليط أكثر فهو دونه في الجودة ، وكلّما ازداد الخليط نقص جودةً وازداد رداءةً ، وكذا الحال في الفضّة ، فالجودة والرداءة فيهما منتزعان من كمّيّة الخليط قلّةً وكثرة ، وإلّا فكلّ منهما في حدّ ذاته طبيعة واحدة.

(١) تارةً يُفرَض أنّ النصاب كلّه جيّد ، وأُخرى كلّه ردي‌ء ، وثالثةً مؤلّفٌ منهما كما لو كانت عشرة دنانير جيّدة والعشرة الأُخرى رديئة.

أمّا في الفرضين الأخيرين فلا ينبغي الإشكال في جواز دفع الردي‌ء وإخراجه زكاةً ، لوضوحه في الأوّل منهما وكذا الثاني ، بناءً على ما هو الصحيح في كيفيّة التعلّق بالعين من أنّها بنحو الشركة في الماليّة ، والمتولّي للإخراج هو المالك دون الفقير ، فله اختيار التطبيق على الردي‌ء كالجيّد.

نعم ، بناءً على الإشاعة والشركة الحقيقيّة لا مناص من التبعيض ، لأنّ كلّ

__________________

(*) بل الأظهر ذلك ، نعم يجوز إخراج الردي‌ء إذا كان في النصاب ردي‌ء.

٢٨٦

نعم ، لا يجوز دفع الجيّد عن الردي‌ء بالتقويم (*) (١) بأن يدفع نصف دينار جيّد يسوى ديناراً رديئاً عن دينار ، إلّا إذا صالح الفقير بقيمة في ذمّته ثمّ احتسب تلك القيمة عمّا عليه من الزكاة ، فإنّه لا مانع منه ،

______________________________________________________

جزء من النصاب مشتركٌ على هذا بين المالك والفقير بنسبة الواحد إلى الأربعين ، فالدفع من الردي‌ء تفويتٌ لحقّ الفقير بالإضافة إلى الجيّد.

لكن المبنى فاسد كما ستعرفه في محلّه إن شاء الله تعالى.

نعم ، الأولى والأحسن دفع الجيّد حينئذٍ ، ولا أقلّ من التبعيض كما ذكره في المتن.

وأمّا في الفرض الأوّل أعني : ما لو كان كلّه جيّداً فقد ذكر الماتن جواز دفع الردي‌ء حينئذٍ أيضاً.

ولكنّه مشكلٌ جدّاً ، فإنّ متعلّق الحقّ هو هذه العين الخارجيّة التي كلّها جيّد فكيف يسوغ الدفع من خارج مورد الحقّ الذي هو دونه في الوصف؟! ودليل جواز التبديل والإخراج من مالٍ آخر لا إطلاق له يشمل مثل ذلك كما لا يخفى ، بل المتيقّن منه ما لو كان الفرد الآخر مماثلاً لما في النصاب ومشاركاً له في الماليّة فله دفع فرد آخر جيّد من خارج النصاب لا كلّ فرد من الطبيعة وإن كان أدون ممّا في النصاب كما مرّ نظيره في زكاة الأنعام (١).

(١) فصّل (قدس سره) بين دفع الجيّد عن الردي‌ء المساوي معه في القيمة وبين العكس ، فمنع عن الأوّل وجوّز الثاني.

__________________

(*) على الأحوط ، وللجواز وجهٌ لا بأس به.

(١) في ص ٢٠٠.

٢٨٧

كما لا مانع من دفع الدينار الردي‌ء عن نصف دينار جيّد إذا كان فرضه ذلك.

______________________________________________________

فلو كانت عنده أربعون ديناراً رديئاً التي فيها دينار واحد لا يجوز له دفع نصف دينار جيّد وإن كانت قيمته مساوية مع قيمة الدينار الواحد من الردي‌ء كما لو كان كل منهما يسوى عشرة دراهم مثلاً إلّا إذا صالح الفقير بقيمته في ذمّته على نحو ما ذكره في المتن.

وأمّا عكس ذلك ، كما لو كانت عنده عشرون ديناراً جيّداً التي فيها نصف الدينار جاز له حينئذٍ دفع دينار واحد ردي‌ء عن نصف الدينار الذي هو فرضه فيما إذا تساويا في القيمة.

وكأنّ الوجه فيما ذكره (قدس سره) ملاحظة الكمّيّة الواردة في لسان الأدلّة ، إذ في الفرض الأخير يشتمل المخرج على الفرض وهو نصف دينار وزيادة ، فلا نقص في المقدار والكمّيّة كما لا نقيصة في القيمة والماليّة بعد فرض التساوي ، فلا قصور في شمول الأدلّة لمثله.

وهذا بخلاف الفرض الأوّل ، لنقصان في الكمّ ، إذ الواجب دفع الدينار وقد دفع النصف فلم يؤدّ الفرض وإن تساويا في القيمة ، ومثله غير مشمول للنصوص ، إلّا أن يدفع نصف دينار إلى الفقير عوضاً عن شي‌ء في ذمّته بصلحٍ ونحوه بحيث تسوى قيمته ديناراً رديئاً ، فيملك المالك حينئذٍ هذا الشي‌ء في ذمّة الفقير ثمّ يحتسبه زكاةً بعنوان القيمة ، فإنّ هذا لا إشكال في صحّته كما سيجي‌ء في محلّه إن شاء الله تعالى.

وما أفاده (قدس سره) وإن كان وجيهاً بحسب الصورة وفي بادئ الأمر ، إلّا أنّ دقيق النظر يقضي بخلافه ، فإنّ الفقير وإن كان شريكاً مع المالك في العين

٢٨٨

[٢٦٥٠] مسألة ٣ : تتعلّق الزكاة بالدراهم والدنانير المغشوشة إذا بلغ خالصهما النصاب (*) (١).

______________________________________________________

بنحو الشركة في الماليّة إلّا أنّ الاختيار بيد المالك ، وله ولاية التبديل والإخراج من غير العين من درهمٍ أو دينارٍ ونحوهما من النقود المتمحّضة في الثمنيّة مع مراعاة القيمة.

نعم ، في دفع القيمة من غير النقدين كلامٌ أقواه : العدم ، كما هو مذكور في محلّه.

وأمّا منهما فلا إشكال فيه ، فيجوز دفع الدرهم بدلاً عن الدينار أو الدينار بدلاً عن الدرهم ، بل في بعض النصوص التصريح بجواز الدفع بما تيسّر.

فهذه الأدلّة تدلّنا على أنّ ملاحظة الكمّيّة غير معتبرة وأنّ العبرة بمراعاة القيمة ، غايته من نفس النقدين لا من جنس آخر ، فلو جاز دفع خمسة دراهم بدلاً عن نصف دينار لتساويه له في القيمة إذ كلّ دينار من الذهب يسوى عشرة دراهم من الفضّة فدفع نصف دينار جيّد بدلاً عن دينار ردي‌ء بطريقٍ أولى كما لا يخفى.

فالأظهر عدم الفرق بين الصورتين ، وجواز دفع كلّ منهما ، أي من الجيّد والردي‌ء عن الآخر بدلاً عن قيمته حسبما عرفت.

(١) كما ذكره غير واحد من الأصحاب ، بل عن جماعة دعوى الإجماع عليه.

__________________

(*) إذا كان الغشّ قليلاً لا يضرّ بصدق اسم الذهب والفضّة فالظاهر وجوب الزكاة مع بلوغ النصاب وإن لم يبلغ خالصهما النصاب ، وإذا كان الغشّ بمقدارٍ لا يصدق معه اسم الذهب أو الفضّة ففي وجوب الزكاة مع بلوغ خالصهما النصاب إشكال ، والأظهر عدم وجوبها ، ومن ذلك يظهر الحال في الفروع الآتية.

٢٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ومحلّ الكلام ما لو كان الغشّ بغير الجنسين كالنحاس مثلاً أمّا لو كان بهما كما لو كان الدينار ممزوجاً بشي‌ء من الفضّة أو الدرهم بشي‌ء من الذهب فسيجي‌ء البحث عنه فيما بعد إن شاء الله تعالى (١).

فنقول : قد يفرض بلوغ الغشّ حدّا لا يخرج المغشوش معه عن صدق اسم الدرهم والدينار ، فإنّ الدينار الخالص كما عرفت لا يكاد يوجد خارجاً وإن كان فهو نادر جدّاً ، لكونه ليّناً في طبعه فيحتاج إلى مزيجٍ يوجب تماسك أجزائه أقلّه حبّة ونصف في كلّ مثقال ، وربّما يبلغ أكثره ثلث المثقال ، فهو مشتمل على الخليط والمزيج على كلّ حال حسب اختلاف المراتب التي منها تنتزع الجودة والرداءة كما مرّ (٢) ، وعرفت أنّ أرقى أنواعها الليرة العثمانيّة.

وكيفما كان ، فإن كان كذلك أي كان المغشوش من مصاديق الدرهم والدينار عرفاً ، لكون الغشّ قليلاً لا يضرّ بصدق اسم الذهب والفضّة فالظاهر وجوب الزكاة حينئذٍ لدى بلوغ المجموع من المزيج والممزوج حدّ النصاب وإن لم يبلغ خالصهما النصاب ، فإنّ الموضوع لهذا الحكم كغيره من سائر الأحكام كحرمة لبس الذهب للرجال ، ووجوب التقابض في المجلس في بيع الصرف ، ووجوب دفع ألف دينار في الدّية وهو ما صدق عليه عرفاً اسم الذهب والفضّة وإن كان مشتملاً على الغشّ والخليط ، عملاً بإطلاق الأدلّة ، إذ لم تتقيّد حرمة لبس الذهب مثلاً بالخلوص كما قُيِّد الحرير بذلك.

على أنّها قد دلّت على أنّ في كلّ عشرين مثقالاً نصف دينار ، مع أنّ نفس العشرين التي هي خمسة عشر مثاقيل صيرفيّة يشتمل كلّ مثقال منها على حبّة ونصف من المزيج على الأقلّ كما مرّ ، فيكون في مجموع العشرين من

__________________

(١) في ص ٢٩٧.

(٢) في ص ٢٨٥ ٢٨٦.

٢٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

المثاقيل الشرعيّة اثنان وعشرون حبّة من المزيج ، أي يكون خالص الذهب من العشرين أقلّ من تسعة عشر مثقالاً بحبّتين ونصف ، ومع ذلك يجب فيها الزكاة بلا إشكال.

فيكشف هذا عن عدم قدح المزيج المزبور وعدم لزوم مراعاة النصاب في خالص الذهب الذي يشتمل الدينار عليه ، بل المناط ملاحظة حال الموجود الخارجي على ما هو عليه.

وقد يفرض بلوغ الغشّ من الكثرة حدّا لا يصدق معه اسم الذهب والفضّة ولا يطلق عليه عنوان الدرهم والدينار منهما ، كما لو كان المزيج بمقدار النصف ، ولا سيّما إذا كان أكثر كالليرات الاستامبوليّة حيث إنّ ذهبها الخالص لا يتجاوز الثلث ، أي يشتمل كلّ مثقال منها على ثمان حبّات من الذهب وكالدراهم المتداولة في عصرنا الحاضر. ففي مثل ذلك يشكل وجوب الزكاة وإن بلغ خالصهما النصاب ، بل لا يبعد العدم ، لحصر الوجوب في صحيحة جميل بالدرهم والدينار ، أي بما كان مصداقاً للذهب والفضّة المسكوكين غير المنطبق على المقام حسب الفرض ، ولا دليل على أنّ الفضّة أو الذهب الخالصين المنبثّين في مطاوي تلك المغشوشات يتعلّق بهما الزكاة.

وبعبارة اخرى : إنّما تجب الزكاة في الدينار من الذهب لا في كلّ مسكوك تضمّن بعض أجزائه الذهب ، فإنّه لا يصدق عليه العنوان إلّا بنحوٍ من العناية والتجوّز ، فإن كان هناك إجماع فهو ، ويلتزم من أجله بثبوت الحكم في غير مورد الدرهم والدينار أيضاً ، وهو المسكوك المشتمل على الذهب أو الفضّة ولو في بعض أجزائه ، فيثبت الحكم في موردٍ ثالث بدليل آخر ، وهو الإجماع ، دون النصوص ، لقصورها عن الشمول لذلك كما هو ظاهر.

والظاهر عدم تحقّق الإجماع التعبّدي الكاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) ،

٢٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

وإنّما استند القائل بذلك إلى مقتضى القواعد الأوّليّة بزعم صدق الدرهم والدينار على المغشوش الذي عرفت منعه في الفرض.

نعم ، دلّت على ذلك رواية زيد الصائغ (١) ، حيث تضمّنت وجوب الزكاة في الدرهم الذي ثلثه فضّة وثلثاه مسّ (٢) ورصاص ، إلّا أنّه لا يمكن رفع اليد بها عن الروايات النافية للزكاة عن غير الدرهم والدينار ، فإنّه وإن أمكن الجمع بارتكاب التقييد في تلك النصوص والالتزام بثبوت الزكاة أيضاً في النقود التي يكون جزءٌ من مادّتها ذهباً أو فضّةً فيما لو بلغ حدّ النصاب ، إلّا أنّ هذه الرواية في نفسها ضعيفة السند ، لأنّ محمّد بن عبد الله بن هلال فيه كلام ، وزيد الصائغ مجهول.

ودعوى الانجبار بعمل الأصحاب ممنوعةٌ كبرى على ما حقّقناه في الأُصول (٣) ، وصغرىً أيضاً ، إذ لم يُعلَم استناد الأصحاب الأقدمين إليها الذين هم المناط في الاستناد ، وإن ذُكِرت في كتب المتأخّرين ، إذ لعلّهم جروا على مقتضى القواعد الأوّليّة بزعم ثبوت الزكاة في مطلق المسكوك المشتمل جزء من مادّته على الذهب والفضّة ، كما أنّ جماعة كثيرة ممّن تأخّر عن الشيخ كانوا يتبعون الشيخ فيما يقول ولم يتجرؤوا على مخالفته حتى سُمّوا بالمقلّدة.

وعلى الجملة : المدار في حجّيّة الخبر على أحد أمرين : إمّا وثاقة الراوي ، أو الوثوق بصدور الرواية لأجل الاحتفاف بقرائن تورث الاطمئنان بصدورها ، وشي‌ءٌ منهما لم يثبت في المقام.

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ الدراهم والدنانير المغشوشة إن صدق

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٥٣ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٧ ح ١.

(٢) المِسّ : النحاس لسان العرب ٦ : ٢١٩ (مسس).

(٣) مصباح الأُصول ٢ : ٢٠١ ٢٠٢.

٢٩٢

ولو شكّ في بلوغه ولا طريق للعلم بذلك (١) ولو للضرر لم تجب.

وفي وجوب التصفية ونحوها للاختبار إشكالٌ أحوطه ذلك ، وإن كان عدمه لا يخلو عن قوّة.

______________________________________________________

عليها عرفاً عنوان الذهب والفضّة وجبت زكاتها متى بلغ المجموع من المزيج والممزوج حدّ النصاب ، لا خصوص الخالص منهما ، لعدم الدليل على اعتبار الخلوص بعد فرض الصدق المزبور.

وإن لم يصدق لكثرة المزيج من غير الجنسين ، ولا سيّما إذا كان بحدٍّ يستهلك فيه الذهب أو الفضّة لم تجب وإن فرض بلوغ الخالص منهما حدّ النصاب ، لعدم وجوبها في مطلق الذهب والفضّة ، بل في خصوص المسكوكين المعنونين بعنوان الدرهم أو الدينار ، المنفي في المقام ، لأنّ النقد المسكوك لم تكن مادّته ذهباً ولا فضّة ، بل يصحّ سلبهما حسب الفرض ، والخالص من تلك المواد وإن كان ذهباً أو فضّة إلّا أنّه غير مسكوك ، بل سبيكة محضة ولا زكاة فيها. فعلى هذا ، لو كانت عنده ستّون من الليرات الاستامبوليّة التي ثلثها ذهب خالص لم تجب فيها الزكاة وإن كان الخالص بالغاً حدّ النصاب.

(١) لو بنينا على وجوب الزكاة في الخالص من الدراهم والدنانير المغشوشة ، فشككنا في بلوغ الخالص حدّ النصاب ، أو كانت عنده دراهم ودنانير غير مغشوشة وشُكّ في بلوغها حدّ النصاب ، فهل يجب الفحص والتفتيش؟ وعلى تقدير الوجوب فهل يسقط بالعجز؟ فهنا جهتان :

أمّا الجهة الأُولى : فقد يقال بالوجوب بالرغم من كون الشبهة موضوعيّة اتّفق الأُصوليّون والأخباريّون على عدم وجوب الفحص فيها ، نظراً إلى أنّ ترك الفحص في المقام وأمثاله كما في موارد الشكّ في بلوغ المال حدّ الاستطاعة ـ

٢٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

يوجب الوقوع في مخالفة الواقع غالباً ، كتأخير الحجّ عن أوّل عام الاستطاعة عند ترك المحاسبة وتضييع حقّ الفقراء أو السادة لدى ترك الفحص عن حصول الربح في التجارة أو بلوغ المال حدّ النصاب ، ومن هذا القبيل ترك الاستهلال في شهر رمضان. وبذلك يمتاز المقام عن سائر موارد الشبهات الموضوعيّة.

ويندفع بما ذكرناه في الأُصول من عدم العلم بالوقوع في خلاف الواقع بالإضافة إلى شخص المكلّف المجري للأصل ، لفرض عدم تنجّز التكليف عليه في المورد الذي هو محل ابتلائه ، إذ هو شاكٌّ حسب الفرض لا قاطع ، وإنّما يحصل العلم بالمخالفة القطعيّة لو لوحظ المكلّف المزبور بضميمة غيره من سائر المكلّفين المجرين لهذا الأصل ، فيعلم إجمالاً بأنّ كثيراً من هذه الأُصول مخالفٌ للواقع ، ومن المعلوم أنّ مثل هذا العلم الإجمالي المتعلّق به وبغيره من سائر المكلّفين لا يستوجب التنجيز ولا يكاد يؤثّر في إيجاب الاحتياط على من لا يعلم بتنجيز التكليف عليه ، فحال المقام حال سائر موارد الأُصول الجارية في الشبهات الموضوعيّة من أصل البراءة والحلّ والطهارة ونحوها ، حيث إنّ العلم بمخالفة كثير منها للواقع غير ضائر في جريانها.

وأمّا الجهة الثانية : وهي أنّا لو سلّمنا وجوب الفحص ، فهل يسقط بالعجز التكويني كما لو كان محبوساً ، أو كان النقدان في خزانة قد ضاع مفتاحها أو التشريعي ، كما لو كان الفحص مستوجباً للضرر ، إذ لو سبك الدنانير والدراهم المغشوشة وأذابها ينعدم مقدارٌ معتدٌّ به منها؟

الظاهر : عدم السقوط ، لأنّ وجوب الفحص على تقدير ثبوته لم يكن حكماً تكليفيّاً نفسيّاً أو غيريّاً كي يسقط بالعجز ، وإنّما هو حكم طريقي بمناط المحافظة على الواقع ، ومرجعه إلى عدم جريان أصالة البراءة بحيث يكون المنجّز حينئذٍ نفس

احتمال العقاب غير المقترن بالمؤمّن الشرعي أو العقلي ، لاستقلال

٢٩٤

[٢٦٥١] مسألة ٤ : إذا كان عنده نصاب من الجيّد (١)

______________________________________________________

العقل حينئذٍ بوجوب دفع الضرر أي العقاب المحتمل ، وهذا الملاك لا يفرق فيه بين صورتي التمكّن من الفحص وعدمه. فيجب عليه الاحتياط بأداء الزكاة ولو من مالٍ آخر.

ولكن عرفت أنّ الفحص غير واجب من أصله ، فلا موجب للاحتياط.

نعم ، رواية زيد الصائغ المتقدّمة (١) واضحة الدلالة على الوجوب ، فإنّ موردها وإن كان هو العلم بأصل النصاب والشكّ في مقداره دون الشكّ في أصله الذي هو محلّ الكلام ، إلّا أنّ الفرض الأوّل يرجع إلى الثاني لدى التحليل ، لأنّ مرجع الشكّ في المقدار بعد العلم بأصل النصاب إلى الشكّ في النصاب الثاني بعد العلم بالأوّل ، فهو بالإضافة إلى النصاب الثاني للنقدين شاكٌّ في أصل وجوده ، فإذا حكم فيه بوجوب الفحص يعلم أنّ هذا من أحكام الشكّ في أصل النصاب الذي لا يفرق فيه بين النصاب الأوّل والثاني بالضرورة.

إلّا أنّ الرواية في نفسها ضعيفة السند كما مرّ ، فلا يمكن التعويل عليها في الحكم بوجوب الفحص.

(١) أشرنا فيما سبق إلى أنّ الزكاة حقٌّ متعلّق بالعين على نحو الشركة في الماليّة (٢) ، فيساهم الفقير مع المالك في ماليّة العين وقيمتها ، وأنّه يجوز الدفع والإخراج من خارج العين كما دلّ عليه قوله (عليه السلام) : «أيّما تيسّر فلا بأس» (٣) ولكن بشرط التساوي مع ما في العين في القيمة ، كما هو مقتضى طبيعة

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٥٣ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٧ ح ١.

(٢) في ص ٢٠١.

(٣) لاحظ الوسائل ٩ : ١٦٧ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٤ ح ١ ، ٢.

٢٩٥

لا يجوز أن يخرج عنه من المغشوش ، إلّا إذا علم اشتماله على ما يكون عليه من الخالص ، وإن كان المغشوش بحسب القيمة يساوي ما عليه ، إلّا إذا دفعه بعنوان القيمة ، إذا كان للخليط قيمة.

[٢٦٥٢] مسألة ٥ : وكذا إذا كان عنده نصاب من المغشوش لا يجوز أن يدفع المغشوش ، إلّا مع العلم على النحو المذكور.

______________________________________________________

طبيعة الشركة في الماليّة ، المقتضية لمراعاة الخصوصيّات التي تشتمل عليها العين الدخيلة في القيمة.

وقد عرفت أيضاً أنّه لا اعتداد بوصفي الغشّ والخلوص في تعلّق الزكاة ، بل المدار على صدق اسمي الدرهم والدينار ، فمتى صدق وجبت وإن لم يبلغ خالصهما النصاب ، ومتى لم تصدق لم تجب وإن بلغ خالصهما النصاب.

وذكرنا أنّ الجودة والرداءة إنّما تنتزعان من كمّيّة الخليط ، فكلّما كان أقلّ كان الذهب أو الفضّة أجود ، وإلّا فهما في حدّ نفسهما ذاتٌ واحدة.

ومن ذلك كلّه يظهر الحال في جملة من الفروع المذكورة في المتن ، التي منها ما ذكره في هذه المسألة من عدم جواز دفع المغشوش أي الردي‌ء عن الجيّد لأنّه لو كان عنده نصابٌ من الجيّد فاللازم الدفع إمّا من نفس العين أو من الخارج ممّا كان مشاركاً ما في العين في الماليّة ، بمقتضى تعلّق الحقّ على نحو الشركة في الماليّة حسبما عرفت. وبما أنّ ماليّة الردي‌ء دون الجيّد وقيمتها أقلّ فلا تجتزئ به ، إلّا إذا فرض تساويهما في القيمة وقد دفع بعنوان القيمة سواء أكان التساوي من أجل أنّ للخليط قيمة يتدارك بها التفاوت ما بين الجودة والرداءة ، أم لم يكن للخليط قيمة أصلاً ، وإنّما نشأ التدارك من السكّة التي يتّصف بها الردي‌ء ، فكان مسكوكاً بسكّة راقية ، إمّا لكونها عتيقة أو لغير ذلك

٢٩٦

[٢٦٥٣] مسألة ٦ : لو كان عنده دراهم أو دنانير بحدّ النصاب (١) وشكّ في أنّه خالصٌ أو مغشوش ، فالأقوى عدم وجوب الزكاة وإن كان أحوط.

[٢٦٥٤] مسألة ٧ : لو كان عنده نصابٌ من الدراهم المغشوشة بالذهب (٢) أو الدنانير المغشوشة بالفضّة لم يجب عليه شي‌ء ، إلّا إذا علم ببلوغ أحدهما أو كليهما حدّ النصاب ، فيجب في البالغ منهما أو فيهما ، فإن علم الحال فهو ، وإلّا وجبت التصفية.

______________________________________________________

من الاعتبارات الموجبة لازدياد القيمة ، فلا يشترط في جواز دفع الردي‌ء بعنوان القيمة فرض أنّ للخليط قيمة كما صنعه في المتن.

وممّا ذكرنا يظهر الحال في المسألة الآتية ، فلاحظ.

(١) وقد ظهر الحال في هذه المسألة أيضاً ممّا مرّ ، فإنّ المغشوش إن كان بحيث يصدق عليه اسم الدرهم والدينار وعنوان الذهب والفضّة وجبت فيه الزكاة وإن لم يبلغ الخالص النصاب ، وإن لم يصدق لا تجب وإن بلغ.

ولو شكّ في الصدق لم تجب أيضاً ، لأصالة البراءة الجارية في الشبهات الموضوعيّة الوجوبيّة باتّفاق الأُصوليّين والأخباريّين.

(٢) ما قدّمناه لحدّ الآن كان في الدراهم والدنانير المغشوشة بغير الذهب والفضّة من سائر الفلزات كالنحاس مثلاً.

والكلام فعلاً يقع في خلط كلّ منهما بالآخر ، بأن تكون الدراهم مغشوشة بالذهب أو الدنانير مغشوشة بالفضّة ، والمعروف بين الصاغة أنّ الذهب إن كان يميل إلى الحمرة فهو مغشوش بالنحاس ، وإن كان يميل إلى الصفرة فهو مغشوش بالفضّة.

٢٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وكيفما كان ، فلا إشكال فيما لو كان الغشّ قليلاً جدّاً بحيث كان أحدهما مندكّاً ومستهلكاً في الآخر ، كما لو كان عنده عشرون ديناراً وكان الجزء الواحد من خمسين جزء من كلّ دينار فضّة ، أو بالعكس فيما لو كان عنده مائتا درهم ، فإنّ الحكم حينئذٍ تابعٌ للعنوان المستهلك فيه ، وهذا ظاهر.

وأمّا لو كان الغشّ كثيراً فامتزج أحدهما بالآخر على نحوٍ لا يصدق على المركّب منهما شي‌ء من العنوانين ، لعدم حصول الاستهلاك ، كما لو كان نصفه ذهباً ونصفه فضّة بنحوٍ لا يطلق عليه فعلاً اسم الذهب ولا الفضّة ، فالظاهر وجوب الزكاة أيضاً مع بلوغ النصاب ، فإنّ الأدلّة وإن لم تشمله بمدلولها اللفظي لعدم كون المورد لا من الذهب ولا من الفضّة حسب الفرض ، ولا زكاة إلّا فيما صدق عليه أحد العنوانين إلّا أنّ المستفاد منها بمعونة الفهم العرفي شمول الحكم لذلك ، فإنّهم لا يشكّون في أنّه لو تألّف مركّبٌ من عدّة أجزاء مشاركة في الحكم فذاك الحكم يثبت للمركّب أيضاً وإن لم يكن في حدّ نفسه مندرجاً في شي‌ءٍ من عناوين أجزائه.

فلو صنعنا معجوناً مؤلّفاً من الطحال والدم المتخلّف في الذبيحة ودم ميتة السمك وسائر ما في الذبيحة من الأجزاء الطاهرة المحرّم أكلها كالقضيب والأُنثيين والفرث والنخاع والمرارة ونحو ذلك ، فإنّه لا يرتاب العرف في استفادة تحريم المركّب من أدلّة تحريم الأجزاء وإن لم يستهلك بعضها في بعض ولم يكن المركّب معنوناً بشي‌ءٍ منها.

نعم ، لا ريب في زوال الحرمة في فرض الاستهلاك في الحلال ، كما لو استهلك التراب في الدقيق ، فإنّه يجوز أكل الخبز منه وإن اشتمل كلّ رغيف على كمّيّة من التراب كمثقال مثلاً بحيث يحرم أكله لو كان مستقلا.

وأمّا في فرض عدم الاستهلاك فالمركّب لا يعدو أجزاءه في أحكامها المماثلة ،

٢٩٨

ولو علم أكثريّة أحدهما مردّداً ولم يمكن العلم (١) وجب إخراج الأكثر من كلٍّ منهما ، فإذا كان عنده ألف وتردّد بين أن يكون مقدار الفضّة فيها أربعمائة والذهب ستمائة وبين العكس ، أخرج عن ستمائة ذهباً وستمائة فضّة. ويجوز أن يدفع بعنوان القيمة ستمائة عن الذهب وأربعمائة عن الفضّة بقصد ما في الواقع.

______________________________________________________

بل يشاركها فيها بمقتضى الفهم العرفي حسبما عرفت.

وعليه ، فالمركّب من الذهب والفضّة محكومٌ بوجوب الزكاة أيضاً كالأجزاء ، بشرط بلوغ النصاب في كلٍّ منهما أو في أحدهما بحسابه ، وإلّا فلا زكاة وإن كان المجموع بمقدار النصاب ، كما هو الحال في حال الانفراد أيضاً ، فلو كان له مقدارٌ من النقود قد امتزج ما يعادل مائة درهم من الفضّة منها بما يعادل عشرة دنانير من الذهب بحيث كان المجموع بمقدار عشرين ديناراً ، لم تجب الزكاة ، كما دلّت عليه النصوص على ما سيأتي ، فيعتبر مراعاة النصاب في كلٍّ منهما بحياله ، وحينئذٍ فإن علم بالحال فهو ، وإلّا بأن شكّ في بلوغ النصاب فيهما أو في أحدهما فقد حكم في المتن بوجوب الفحص والاختبار بالتصفية.

ولكنّه غير ظاهر ، لعدم الملزم للفحص بعد كون الشبهة موضوعيّة ، ورواية زيد الصائغ قد عرفت ضعفها ، فلا تصلح للاستناد إليها.

نعم ، لو أراد أن يحتاط أمكنه الدفع من الخارج بعنوان القيمة بمقدارٍ يتيقّن معه بالفراغ على تقدير الاستقلال ، بلا حاجة إلى التصفية ، وإلّا فله الاكتفاء بالمقدار المتيقّن لو كان والرجوع فيما عداه إلى أصالة البراءة المتّفق عليها في مثل المقام بين الأُصولي والأخباري كما مرّ.

(١) فكانت عنده كمّيّة من النقود قد غشّ الذهب منها بالفضّة وهو يعلم

٢٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بأنّ أحدهما أكثر ولكنّه مردّد بينهما ، فحينئذٍ يجب إخراج الأكثر من كلٍّ منهما ، عملاً بالعلم الإجمالي.

أقول : للمسألة صورتان ، إذ :

تارةً : يفرض أنّ الأكثر أي المقدار الزائد على الآخر غير بالغ حدّ النصاب إلّا على تقديرٍ دون تقدير ، فلا تجب الزكاة فيه بقولٍ مطلق.

وهذا كما لو كانت عنده ثمانمائة وعشرون من النقود : أربعمائة منها من الذهب ، وأربعمائة من الفضّة ، وتردّد العشرون الزائد بينهما ، فإنّه إن كان عشرين مثقالاً من الذهب كان نصاباً ، وأمّا إذا كان من الفضّة فهو دون النصاب لأنّ نصابه أربعون درهماً والعشرون مثقالاً أقلّ منه فلا تجب فيه الزكاة على هذا التقدير. ولا ينبغي التأمّل في عدم وجوب الزكاة في هذا المقدار الزائد المشكوك كونه نصاباً ، لأصالة البراءة عن تعلّق الزكاة به الجارية في الشبهة الموضوعيّة الوجوبيّة بلا كلام. فليكن هذا الفرض خارجاً عن محلّ البحث.

وأُخرى : يفرض بلوغه حدّ النصاب على كلّ تقدير ، فوجبت فيه الزكاة مطلقاً ، كما لو كانت تلك النقود ثمانمائة وأربعين ، أو يفرض أنّها كانت ألفاً كما افترضه في المتن ، فكانت أربعمائة ذهباً وأربعمائة فضّة ، وتردّدت المائتان الباقية بينهما التي هي نصابٌ على كلّ تقدير.

وقد حكم في المتن بوجوب إخراج الأكثر ، أي بدفع زكاة المائتين مرّتين : تارةً بحساب الذهب وأُخرى بحساب الفضّة ، عملاً بالعلم الإجمالي بتعلّق أحد التكليفين ، فيدفع عن ستمائة ذهباً وستمائة فضّة.

ثمّ ذكر أنّه يجوز الاقتصار في المائتين على حساب الذهب بعنوان القيمة ، أي بقصد ما اشتغلت به الذمّة واقعاً ، المردّد بين كونه نفس الفريضة إن كان ذهباً وقيمتها إن كان فضّةً ، فيدفع ستمائة عن الأكثر قيمة وهو الذهب ، وأربعمائة عن الفضّة.

٣٠٠