موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

فمجرّد كنز الذهب وادّخاره تحت الأرض أو فوقه لا حرمة فيه ما لم يمتنع عن أداء ما تعلّق به من الحقّ الشرعي.

إذن فمفاد الآية المباركة وجوب أداء زكاة الذهب والفضّة.

ومقتضى إطلاقها وجوب الزكاة في مطلق الذهب والفضّة حتى لو كان بمقدار دينار أو أقلّ.

إلّا أنّا نقطع بعدم الوجوب فيما دون العشرين دينار ، للتسالم وتطابق النصوص عليه ، فالآية بهذا المقدار مخصّصة يقيناً.

وأمّا العشرون فما زاد فالنصوص المتقدّمة تدلّ على ثبوت الزكاة فيه ، وهو مطابق لإطلاق الآية.

وهذه الصحيحة أي صحيحة الفضلاء تدلّ على العدم ما لم يبلغ الأربعين ، وهذا مخالف لإطلاقها ، فلا جرم تتقدّم تلك عليها ، لأنّ الموافقة لعموم الكتاب أو إطلاقه من المرجّحات (١) ، فتطرح هذه الصحيحة ويردّ علمها إلى أهله.

فتحصّل : أنّ الصحيح ما عليه المشهور من أنّ النصاب الأوّل للذهب عشرون ديناراً ، وخلافُ ابني بابويه لا يُعبأ به.

__________________

(١) لا يخفى أنّ المرجّح إنّما هو الموافقة للكتاب نفسه لا بضميمة الرواية الواردة في تفسيره كما في المقام ، على أنّها ضعيفة السند وكذا غيرها ممّا رواه في المجمع ، مع أنّ إطلاق الآية حتى بضميمة التفسير غير واضح ، إذ بعد كون الكنز كناية عن عدم أداء الزكاة كما تضمّنته الرواية المفسّرة يكون محصّل الآية المباركة : حرمة منع الزكاة وأنّ من لم ينفقها في سبيل الله فله من الوزر كذا ، فهي نظير الأمر بإتيان الزكاة الوارد في مقام أصل التشريع ، وأمّا أنّها ثابتة في الأموال بأيّ مقدار فلم تكن بصدد البيان من هذه الناحية لينعقد لها الإطلاق ، ومنه يظهر النظر في التمسّك بإطلاق الآية في غير موردٍ من المباحث الآتية.

٢٦١

والثاني : أربعة دنانير (١) وهي ثلاثة مثاقيل صيرفيّة ، وفيه : ربع العشر أي من أربعين واحد فيكون فيه قيراطان ، إذ كلّ دينار عشرون قيراطاً.

ثمّ إذا زاد أربعة فكذلك.

وليس قبل أن يبلغ عشرين ديناراً شي‌ء ، كما أنّه ليس بعد العشرين قبل أن يزيد أربعة شي‌ء ، وكذلك ليس بعد هذه الأربعة شي‌ء ، إلّا إذا زاد أربعة أُخرى ، وهكذا.

والحاصل : أنّ في العشرين ديناراً ربع العشر ، وهو نصف دينار.

وكذا في الزائد إلى أن يبلغ أربعة وعشرين وفيها ربع عشره ، وهو نصف دينار وقيراطان.

وكذا في الزائد إلى أن يبلغ ثمانية وعشرين ، وفيها نصف دينار وأربع قيراطات ، وهكذا.

وعلى هذا ، فإذا أخرج بعد البلوغ إلى عشرين فما زاد من كلّ أربعين واحداً فقد أدّى ما عليه ، وفي بعض الأوقات زاد على ما عليه بقليل ، فلا بأس باختيار هذا الوجه من جهة السهولة.

وفي الفضّة أيضاً نصابان :

الأوّل : مائتا درهم ، وفيها خمسة دراهم.

الثاني : أربعون درهماً ، وفيها درهم.

______________________________________________________

(١) على المشهور بين الأصحاب ، بل إجماعاً كما ادّعاه غير واحد ، فلو أُضيفت الأربعة على العشرين وجب فيها ربع العشر وهو قيراطان ، وكذا لو أُضيفت أربعة أُخرى ، وهكذا.

٢٦٢

والدرهم نصف المثقال الصيرفي وربع عشره.

وعلى هذا ، فالنصاب الأوّل مائة وخمسة مثاقيل صيرفيّة ، والثاني أحد وعشرون مثقالاً.

وليس فيما قبل النصاب الأوّل ولا فيما بين النصابين شي‌ء على ما مرّ.

وفي الفضّة أيضاً بعد بلوغ النصاب إذا أخرج من كلّ أربعين واحداً فقد أدّى ما عليه ، وقد يكون زاد خيراً قليلاً.

______________________________________________________

ونسب الخلاف هنا إلى ابن بابويه أيضاً (١) ، فجعل النصاب الثاني أربعين مثقالاً ، فليس بينه وبين العشرين شي‌ء ، وهذه النسبة تخالف النسبة المتقدّمة في النصاب الأوّل ، حيث نُسِب إليه أنّ الأربعين هو النصاب الأوّل كما عرفت (٢).

وكيفما كان ، فلم يُعرَف وجهٌ لهذا القول ، صَحّت النسبة أم لا.

اللهمّ إلّا أن يستظهر من قوله (عليه السلام) في غير واحد من النصوص : «في كلّ عشرين ديناراً نصف دينار» (٣) أنّ النصاب كلّي منطبق على كلّ عشرين عشرين فصاعداً ، ففي العشرين الأوّل نصف دينار ، وفي الثاني البالغ مجموعة أربعين دينار ، وفي الثالث البالغ مجموعة ستّين دينار ونصف ، وهكذا ، نظير ما تقدّم في النصاب الثاني عشر للإبل من أنّه في كلّ خمسين حقّة ، وفي كلّ أربعين بنت لبون (٤).

__________________

(١) لاحظ الجواهر ١٥ : ١٦٩.

(٢) راجع ص ٢٥٦.

(٣) الوسائل ٩ : ١٣٨ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ٣ و ٤.

(٤) في ص ١٥٠.

٢٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكنّه كما ترى ، فإنّ هذا العموم ناظرٌ إلى أفراد العشرين المتحقّقة خارجاً والمضافة إلى الأشخاص ، أعني : عشرين ديناراً لزيد ، وعشرين ديناراً لعمرو ، وهكذا من الأفراد العرضيّة دون الطوليّة ، فإنّها خلاف المنسبق إلى الذهن بحسب الفهم العرفي جدّاً كما هو ظاهر.

على أنّه لو سُلِّم فلا دلالة لها بوجه على نفي الزكاة فيما بين العشرينين ، إذ أقصى مفادها ثبوت نصف دينار آخر في العشرين الثاني أي تعلّق دينار لدى بلوغ الأربعين وأمّا عدم تعلّق الزكاة في المتخلّل بينهما أي في أربعة وعشرين أو ثمانية وعشرين وهكذا فلا دلالة لها ولا تعرّض فيها لذلك أبداً ، فلا تنافي بينها وبين النصوص الأُخر الصريحة في ثبوت الزكاة في كلّ أربعة زيدت على العشرين بنسبة واحد في الأربعين أي ربع العشر وهو قيراطان كما سبق.

ثمّ إنّه لو راعى في الزائد على العشرين هذا المقدار أي ربع العشر الذي هو أسهل تناولاً ، فأدّى من كلّ أربعين واحداً ، فقد أدّى ما عليه وبرئت الذمّة ، بل زاد خيراً قليلاً في بعض الأوقات ، وهو ما لو زاد على النصاب السابق ولم يبلغ اللاحق ، كما لو كان ما عنده اثنين وعشرين أو خمسة وعشرين ديناراً مثلاً كما أشار إليه في المتن ، وهذا ظاهر.

يبقى الكلام في تحديد الدرهم والدينار بحسب الوزن بعد وضوح تعذّر معرفة الوزن الحقيقي بحسب المداقّة العقليّة ، وأنّ المراد تشخيص الوزن العرفي المبنيّ على نوعٍ من المسامحة ولو يسيراً حتى في مثل الذهب ، فإنّ الصائغين أيضاً يسامحون في أوزانهم شيئاً ما ، بل يختلف أوزان بعضهم مع بعض كما أخبر به بعض الثقات.

وكيفما كان ، فالمراد بالدينار هو المثقال الشرعي الذي هو ثلاثة أرباع المثقال

٢٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الصيرفي ، فإنّ المثقال الصيرفي المتداول في عصرنا الحاضر أيضاً أربع وعشرون حمّصة بالحمّصة المتعارفة ، فيكون الشرعي ثماني عشرة حمّصة أي يكون الصيرفي مثقالاً شرعيّاً وثلثه كما نصّ عليه غير واحد من الأعلام ووصل إلينا كذلك خلفاً عن سلف.

وعلى هذا فيكون النصاب الأوّل خمسة عشر مثقالاً بالمثقال الصيرفي ، وزكاته ربع مثقال وثمنه الذي هو ثلاثة أرباع النصف.

كما أنّهم ذكروا أيضاً أنّ الدرهم سبعة أعشار المثقال الشرعي ، أي أنّ كلّ عشرة دراهم تساوي سبعة مثاقيل شرعيّة ، فإذا كان المثقال الشرعي ثلاثة أرباع الصيرفي كان الدرهم نصف المثقال الصيرفي وربع عشره.

ونتيجة ذلك : أنّ النصاب الأوّل للفضّة الذي هو مائتا درهم مائة وخمسة مثاقيل صيرفيّة ، كما أنّ النصاب الثاني الذي هو أربعون درهماً واحد وعشرون مثقالاً صيرفيّاً على ما ذكره في المتن.

فإن تمّ ما ذكره الأصحاب من التحديد المزبور كما هو الصحيح لأنّهم تلقّوها كذلك خلفاً عن سلف كما سمعت فلا كلام ، وإلّا بحيث شككنا فيما هو المراد من المثقال المجعول موضوعاً للنصاب ، حيث إنّ تفاوت الحمّصات وإن كان يسيراً لدى الانفراد لكنّه تفاوتٌ فاحش لدى الاجتماع ، ولا سيّما إذا كانت الكمّيّة كثيرة كألف دينار مثلاً فالمرجع حينئذٍ عموم قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) ، حيث عرفت أنّ مقتضاه وجوب الزكاة في مطلق النقدين ، خرجنا عن ذلك فيما يقطع بكونه أقلّ من عشرين ديناراً ، وأمّا الزائد عليه المشكوك فيه بشبهةٍ مفهوميّة فالمرجع فيه عموم الآية المباركة المقتضية لوجوب دفع الزكاة.

٢٦٥

الثاني : أن يكونا مسكوكين بسكّة المعاملة (١) ،

______________________________________________________

(١) إجماعاً كما عن غير واحد.

ولا يكفي في إثبات هذا الشرط التقييد بالدينار أو الدرهم في جملة من النصوص غير المنفكّين عن كونهما مسكوكين ، وذلك للإطلاق في جملة أُخرى ، حيث جعل فيها مطلق الذهب والفضّة موضوعاً للزكاة إذا بلغت القيمة مائتي درهم أو عدلها من الذهب ، كما في صحيحتي الحلبي (١) وابن مسلم (٢) وغيرهما.

بل عمدة المستند روايات ثلاث :

الأُولى : صحيحة علي بن يقطين عن أبي إبراهيم (عليه السلام) ، قال : قلت له : إنّه يجتمع عندي الشي‌ء الكثير قيمته فيبقى نحواً من سنة ، أنزكّيه؟ «فقال : لا ، كلّ ما لم يحلّ عليه الحول فليس عليك فيه زكاة ، وكلّ ما لم يكن ركازاً فليس عليك فيه شي‌ء» قال : قلت : وما الركاز؟ «قال : الصامت المنقوش ثمّ قال : إذا أردت ذلك فاسبكه فإنّه ليس في سبائك الذهب ونقار الفضّة شي‌ء من الزكاة» (٣).

أمّا من حيث السند ، فهي صحيحة ولا أقلّ من أنّها حسنة بإبراهيم بن هاشم في طريق الكليني ، كما أنّها كذلك بطريق الشيخ أيضاً وإن اشتمل على محمّد بن عيسى العبيدي ، فإنّه وإن استثناه ابن الوليد إلّا أنّه اعترض عليه ابن نوح وغيره وقال : من مثل العبيدي. فهو ثقة على الأظهر ، كما مرّ غير مرّة ،

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٣٧ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ١٣٧ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ٢.

(٣) الوسائل ٩ : ١٥٤ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٨ ح ٢ ، الكافي ٣ : ٥١٨ / ٨ ، التهذيب ٤ : ٨ / ١٩ ، الإستبصار ٢ : ٦ / ١٣.

٢٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فتعبير الجواهر عنها بالخبر (١) المشعر بالضعف في غير محلّه.

كما أنّها واضحة الدلالة ، إذ المراد بالمنقوش إنّما هو المسكوك لا مطلق النقش ، إذ قلّما يوجد ذهب ولا سيما الحلي خالٍ عن النقش نوعاً ما ، فيكشف ذلك عن أنّ المراد هو المنقوش المعهود ، أعني : خصوص المسكوك كما هو ظاهر.

الثانية : مرسلة جميل أنّه : «قال : ليس في التبر زكاة ، إنّما هي على الدنانير والدراهم» (٢).

وهي واضحة الدلالة بمقتضى الحصر فيما لا يكون إلّا مسكوكاً ، غير أنّها ضعيفة السند من جهة الإرسال أوّلاً ، ومع الغضّ بدعوى أنّ جميلاً من أصحاب الإجماع فلا أقلّ من أجل علي بن الحديد ، فإنّه ضعيف ، فلا يعتمد عليها.

الثالثة : ما رواه الشيخ بإسناده عن جميل بن درّاج عن أبي عبد الله أو أبي الحسن (عليهما السلام) أنّه : «قال : ليس في التبر زكاة ، إنّما هي على الدنانير والدراهم» (٣).

وهي واضحة الدلالة ، غير أنّ في السند جعفر بن محمّد بن حكيم ، ولم يوثّق في كتب الرجال ، بل حكى الكشّي روايةً في ذمّه (٤) وإن كان الراوي لتلك الرواية مجهولاً.

وكيفما كان ، فهذه الرواية ضعيفة عند القوم ، وتعبير المحقّق الهمداني عنها

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ١٨٠.

(٢) الوسائل ٩ : ١٥٥ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٨ ح ٣.

(٣) الوسائل ٩ : ١٥٥ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٨ ح ٥ ، التهذيب ٤ : ٧ / ١٨ ، الاستبصار ٢ : ٧ / ١٦.

(٤) رجال الكشي ٦ : ٥٤٥ / ١٠٣١.

٢٦٧

سواء كان بسكّة الإسلام أو الكفر (١) ، بكتابةٍ أو غيرها ،

______________________________________________________

بالموثّقة (١) في غير محلّه على مسلكه.

نعم ، الظاهر صحّة الرواية ، لوجود الرجل في أسناد كامل الزيارات ، فلا بأس بالاعتماد عليها (٢).

(١) لا فرق بمقتضى إطلاق النصوص في المسكوك بين سكّة الإسلام أو الكفر ، كما لا فرق فيها بين أن تكون بكتابة أو غيرها من سائر النقوش من عمارة أو منارة ونحوها ، لوحدة المناط في الكلّ ، فإنّ العقلاء قد بنوا رعايةً لرواج المعاملات وسهولتها على وضع شي‌ء متمحّضاً في الثمنيّة لينتفع به في كافّة المعاملات والمبادلات ، إذ لو اقتصروا على تبادل البضائع والأمتعة أنفسها بعضها مع بعض كما في بعض أهل القرى النائية عن الحضارة اختلّ بذلك نظامهم ، فإنّ الإنسان مدني بالطبع يحتاج في إدارة شؤون معاشه من مأكله وملبسه ومسكنه وسائر حاجياته إلى بني نوعه ليتعاون الكلّ في الوصول إلى الأهداف الاجتماعيّة ، فربّما يتعلّق غرض شخص ببضاعة خاصّة ككتاب مثلاً فيريد شراءها وليس لديه ما يتعلّق به غرض الآخر كالغنم أو بالعكس ، فمن ثمّ دعتهم الضرورة إلى وضع شي‌ء متمحّض في الثمنيّة ، ولولاه لا نسدّ باب أكثر المعاملات ، فاخترعوا النقود وجعلوها أثماناً في معاملاتهم بما لها من الهيئات الخاصّة ، سواء أكانت مادّتها من الذهب والفضّة كالدراهم والدنانير أو من غيرهما كصفر ونحوه مثل : عشرة أفلس الدارجة في عصرنا الحاضر ـ

__________________

(١) مصباح الفقيه ١٣ : ٣٠١.

(٢) ولكنّه (دام ظلّه) عدل عن ذلك أخيراً وبنى على اختصاص التوثيق بمشايخ ابن قولويه بلا واسطة ، وحيث إنّ الرجل لم يكن من مشايخه فلا يشمله التوثيق.

٢٦٨

بقيت سكّتها أو صارا ممسوحين (١) بالعارض. وأمّا إذا كانا ممسوحين بالأصالة فلا تجب فيهما ، إلّا إذا تعومل بهما فتجب على الأحوط.

______________________________________________________

وسواء أكانت مادّتها لها ماليّة تقدّر بنفس تلك النقود كالدرهم والدينار أيضاً أم لا كالأوراق النقديّة من الدينار والتومان ونحوهما فإنّ مادّتها قرطاس لا يسوى بشي‌ء ، وجعلوا تلك الأثمان ممّا يقدّر به ماليّة سائر الأموال. وهذا كما ترى لا يفرق فيه بين كون تلك الهيئة المحصّلة للسكّة مستندة إلى الإسلام أو الكفر وأنّ نقشها بكتابة كانت أم بغيرها.

(١) أمّا في الممسوح بالأصالة ، فقد احتاط الماتن بأداء الزكاة في صورة جريان المعاملة.

والاحتياط وإن كان حسناً إلّا أنّ الأقوى عدم الوجوب ، لتقييد الصامت بالنقوش في صحيحة علي بن يقطين المتقدّمة (١) ، المراد به المسكوك كما مرّ (٢) ، فلا يشمل الممسوح بالأصل وإن كان مضروباً ، ومجرّد جريان المعاملة لا يجدي بعد عدم صدق المنقوش وعدم كونه من الدرهم والدينار كما هو المفروض.

وأمّا الممسوح بالعارض ، فالظاهر وجوب الزكاة فيه ، لعدم تقييد المنقوش في صحيحة ابن يقطين بكونه تامّاً ، وجريان العادة على مسح السكّة على أثر كثرة الاستعمال والمداولة في مثل خمسين سنة أو أكثر.

هذا فيما إذا لم يكن المسح بمثابةٍ يخرج عن صدق اسم الدرهم والدينار ، وإلّا سقط وجوب الزكاة ، لحصر الوجوب في صحيحة جميل ابن درّاج المتقدّمة (٣) فيما

__________________

(١) في ص ٢٦٦.

(٢) في ص ٢٦٧.

(٣) في ص ٢٦٧.

٢٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

كان مصداقاً لأحدهما وعدم كونه بعدئذٍ من المنقوش في شي‌ء.

وربّما يستدلّ حينئذٍ للوجوب بالاستصحاب ، بدعوى أنّه قبل المسح كانت زكاته واجبة والآن كما كان.

وفيه أوّلاً : إنّا لا نرى جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة ولا سيّما التعليقي منه كما في المقام ، حيث إنّ الوجوب السابق لم يكن منجّزاً ، بل كان مشروطاً بحلول الحول وغيره من سائر الشرائط ، فهو كان معلّقاً بطبيعة الحال ، وفي مثله لا يجري الاستصحاب على أيّ حال.

وثانياً : أنّ الموضوع قد تبدّل حتى عرفاً ، فإنّ معروض الوجوب لم يكن مطلق الذهب والفضّة ، بل خصوص المتّصف بعنوان الدرهم والدينار على نحوٍ يكون الوصف العنواني مقوّماً للموضوع ، وقد زال هو حسب الفرض وتبدّل بموضوعٍ آخر ، فلا معنى للاستصحاب.

هذا ، ويمكن أنّ يُستَدلّ لعدم الوجوب مضافاً إلى ما عرفت بالتعليل الوارد في صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) : «قال : لا تجب الزكاة فيما سُبِك فراراً به من الزكاة ، ألا ترى أنّ المنفعة قد ذهبت فلذلك لا تجب الزكاة» (١).

فإنّها صحيحة السند وإن اشتمل على إسماعيل بن مرار المجهول الحال ، لوجوده في أسناد تفسير علي بن إبراهيم.

وقد علّل فيها نفي الزكاة فيما لو أُبدلت السكّة بالسبيكة بذهاب المنفعة التي هي بمعنى ما يُنتفَع به ، فإنّها تأتي في اللغة بمعنيين :

أحدهما : من النفع الذي هو مصدر ، والمنفعة اسم للمصدر.

والثاني : ما يُنتَفع به ، كما يقال : الثمرة منفعة الشجرة ، والسكنى منفعة الدار ،

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٦٠ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١١ ح ٣.

٢٧٠

كما أنّ الأحوط ذلك أيضاً إذا ضُرِبت للمعاملة ولم يتعامل بهما (١) أو تُعومِل بهما لكنّه لم يصل رواجهما إلى حدٍّ يكون دراهم أو دنانير.

______________________________________________________

أي شي‌ء يُنتفَع به.

وحيث لا سبيل للمعنى الأوّل في المقام ، ضرورة عدم زوال النفع رأساً بتبديل السكّة سبيكة ، فيتعيّن الثاني ، أي قد زال بالتبديل المزبور الشي‌ء الذي يُنتفَع به وهو كونه ديناراً الذي كان متمحّضاً في الثمنيّة وممّا يُنتفَع به في شراء الأموال فقد أصبح الآن مجرّد ذهب محض لا يُنتفَع به ما كان ينتفع به حال كونه ديناراً. فبهذه العناية يصحّ أن يقال : إنّه قد زالت المنفعة.

فإذا كان هذا هو المناط في سقوط الزكاة لا يفرق في ذلك بين أن يكون بالاختيار ولغاية الفرار كما هو مورد النصّ ، أم صار كذلك قهراً لأجل المسح العارض الناشئ من كثرة الاستعمال على نحوٍ سقط عنه اسم الدرهم والدينار كما هو محلّ الكلام.

(١) قد عرفت أنّه يعتبر في الزكاة أن تكون المادّة من الذهب والفضّة ، وأن يكونا مسكوكين ، اي على هيئة الدرهم أو الدينار بحيث يكون متمحّضاً في الثمنيّة ويُقدّر بها الأموال ، فلا زكاة عند انتفاء أحدهما.

وحينئذٍ نقول : إنّ للدرهم أو الدينار حالات ثلاثاً :

إحداها : أن يكون المسكوك متّصفاً بهذا العنوان فعلاً ، بحيث يعامَل معهما خارجاً معاملة دارجة ، فيعدّان من الأثمان ويقدّر بهما الأموال. ولا إشكال في وجوب الزكاة في مثل ذلك ، فإنّه القدر المتيقّن من الأدلّة المتضمّنة لتعلّق الزكاة بالدرهم والدينار كما هو ظاهر.

الثانية : أن تكون السكّة قد ضُرِبت للمعاملة إلّا أنّ التعامل بالمسكوك لم يقع بعدُ أمّا أصلاً ، أو لو كان فهو قليل نادر ، بحيث لم يكن فعلاً رائج المعاملة

٢٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

على حدٍّ يكون من الدرهم أو الدينار ، وإنّما يتّصف بهذا العنوان في المستقبل ، كشهرٍ مثلاً.

والظاهر أنّه لا ينبغي التأمّل في عدم تعلّق الزكاة بمثل ذلك ، لعدم الاكتفاء بمطلق المنقوش ، بل اللازم الاتّصاف بعنوان الدرهم أو الدينار على ما يقتضيه الحصر في صحيحة جميل المتقدّمة ، المنفيّ في المقام حسب الفرض إلّا بنحوٍ من التجوّز والعناية باعتبار ما يؤول ، وظاهر الدليل اعتبار الاتّصاف الفعلي الحقيقي كما لا يخفى.

والظاهر أنّ هذه الصورة متسالَمٌ عليها بين الأصحاب ، وإنّما لم يتعرّضوا لها إيكالاً على وضوحها وعدم الخلاف فيها.

الثالثة : أن يكون المسكوك رائج المعاملة ومندرجاً في مسمّى الدرهم والدينار سابقاً ، أمّا الآن فقد زال العنوان وهجرت المعاملة وسقطت السكّة عن درجة الاعتبار ، إمّا لتغيير الحكومة ، أو لغير ذلك من مناشئ الهجر والسقوط ، فلا يعدّ فعلاً من الأثمان ، وإنّما يُرغب فيه لمادّته ، أو لأجل كون السكّة من الآثار العتيقة.

والمعروف والمشهور حينئذٍ وجوب الزكاة ، بل ادُّعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد ، وفي الجواهر : لم أرَ فيه خلافاً (١).

ويُستَدلّ له بوجوه :

أحدها : الاستصحاب ، فإن هذا المسكوك كان يجب فيه الزكاة سابقاً والآن كما كان.

وفيه أوّلاً : أنّ الموضوع قد تبدّل ، إذ لم يكن معروض الوجوب ذات المسكوك

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ١٨١.

٢٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بحيث يكون الاتّصاف بالدرهم أو الدينار من قبيل تبدّل الحالات ، بل الوصف العنواني دخيل ومقوّم للموضوع كما لا يخفى ، ومعه لا مجرى للاستصحاب.

وثانياً : أنّ الاستصحاب تعليقي ، إذ الوجوب لم يكن ثابتاً وفعليّاً سابقاً ، بل معلّقاً على تقدير حلول الحول وبقاء العين واستجماع الشرائط العامّة ، فلم يكن حكماً منجّزاً ليُستصحَب ، ولا نقول بالاستصحاب التعليقي كما هو محرّر في محلّه (١).

وثالثاً : أنّ الشبهة حكميّة ، ولا نقول بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة مطلقاً ، من غير فرق بين التنجيزي والتعليقي ، للمعارضة بين مقام الجعل والمجعول ، كما حقّقناه في الأُصول (٢).

الثاني : الإجماع.

وفيه : أنّ التعبّدي منه الكاشف عن رأي المعصوم لعلّه مقطوع العدم ، لاستناد أكثر المجمعين إلى الاستصحاب المزبور ، ومعه لا وثوق بمثل هذا الاتّفاق ، فالمحصّل غير حاصل ، والمنقول غير مقبول.

الثالث : دعوى أنّ المشتق وما يلحق به من الأوصاف الجارية على الذوات كالحرّ والرقّ والملك ، ومنه الدرهم والدينار كما في المقام حقيقةٌ في الأعمّ من المتلبّس وما انقضى عنه المبدأ ، وعليه فيشمله إطلاق ما دلّ على وجوب الزكاة في الدرهم والدينار.

وفيه : أنّ المبنى خلاف التحقيق ، ولا يكون المشتقّ حقيقة إلّا في خصوص المتلبّس كما هو موضح في محلّه (٣).

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ١٣٨.

(٢) مصباح الأُصول ٣ : ٤٧ ٤٨.

(٣) محاضرات في أُصول الفقه ١ : ٢٤٧.

٢٧٣

ولو اتّخذ الدرهم أو الدينار للزينة (١) : فإن خرج عن رواج المعاملة لم تجب فيه الزكاة ، وإلّا وجبت (*).

______________________________________________________

إذن لا دليل على وجوب الزكاة في المقام ، لضعف هاتيك الوجوه حسبما عرفت.

بل يمكن إقامة الدليل على العدم ، وهو التعليل الوارد في صحيحة ابن يقطين المتقدّمة (١) ، حيث علّل سقوط الوجوب في السبيكة بذهاب المنفعة ، أي ما ينتفع به كما مرّ وهو كونه ديناراً ، الجاري بعينه في المقام ، لسقوطه بعد الهجر عن الثمنيّة والاتّصاف بكونه درهماً أو ديناراً أو غيرهما من النقود كما هو المفروض.

فإن تمّ هذا الوجه فهو ، وإلّا فيكفينا عدم الدليل على الوجوب حسبما عرفت.

فالأقوى : عدم الوجوب وإن كان الاحتياط الذي ذكره في المتن ممّا لا ينبغي تركه.

(١) لو اتّخذ المضروب بالسكّة للزينة كالحلي أو غيرها فقد يفرض أنّ التزيّن المزبور استوجب تغييراً بحيث خرج عن مسمّى الدرهم والدينار ، ولا ينبغي الإشكال حينئذٍ في عدم الوجوب ، لدوران الحكم مدار الوصف العنواني المفروض زواله.

وقد يفرض عدم التغيّر وبقاؤها على ما كانا عليه قبل التزيّن من صدق العنوان ورواج المعاملة كما هو محلّ الكلام.

__________________

(*) فيه إشكال ، نعم الوجوب الأحوط.

(١) الوسائل ٩ : ١٦٠ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١١ ح ٣ ، وقد تقدّمت في ص ٢٧٠.

٢٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد وقع الخلاف في وجوب الزكاة حينئذٍ ، ولعلّ الأشهر هو الوجوب ، ولكن الأظهر عدمه ، فإنّ المورد وإن كان مشمولاً لإطلاقات أدلّة الدرهم والدينار المحكومة بوجوب الزكاة ولا ينبغي التشكيك في ذلك ، ولكنّه مشمولٌ أيضاً لإطلاقات الأدلّة النافية للزكاة عن الحلي كما سيجي‌ء إن شاء الله تعالى ، إذ هي تشمل الدرهم والدينار المتّخذ حليّاً كغيرهما بمناطٍ واحد.

ولا يبعد تقديم الثاني ، نظراً إلى التعليل الوارد في بعض هذه النصوص ، وهي صحيحة يعقوب بن شعيب ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحلي؟ أيزكّى؟ «فقال : إذن لا يبقى منه شي‌ء» (١).

المؤيّدة بخبر علي بن جعفر وإن كان ضعيفاً بعبد الله بن الحسن قال : سألته عن الزكاة في الحلي «قال : إذن لا يبقى» (٢).

حيث يظهر من هذا التعليل أنّ الزكاة إنّما شُرِّعت في المسكوك الذي من شأنه الصرف والتبديل والنقل والتحويل كالنقود المصروفة في الأثمان ، وأمّا ما يكون المطلوب منه البقاء والتمتّع بالتزيّن بها كالحلي فلا زكاة فيها ، وإلّا لأدّى إلى الزوال والاضمحلال ولم يبق منه شي‌ء بعد سنين عديدة ، وهذه العلّة تستدعي عدم تعلّق الزكاة بالدينار المتّخذ للحلية ، إلّا إذا خرج عن التحلّي وصار كسائر النقود بحيث لا يكون المطلوب في نوعه البقاء.

فإن تمّ هذا الوجه ، وإلّا فمن الواضح أنّ النسبة بين الدليلين عمومٌ من وجه ، فإنّ أدلّة الدينار تعمّ المتّخذ للحلي ، كما أنّ أدلّة الحلي تعمّ ما كان من الدينار ، فيتعارضان في مادّة الاجتماع وهي الدرهم أو الدينار المتّخذ للحلي فتجب الزكاة بمقتضى الطائفة الأُولى ، ولا تجب بمقتضى الثانية.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٥٦ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٩ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ١٥٨ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٩ ح ٩.

٢٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فقد يقال حينئذٍ : أنّهما يتساقطان بعد التعارض ، فيرجع بعد ذلك إلى العامّ الفوق ، وهي النصوص الدالّة على وجوب الزكاة في مطلق الذهب والفضّة لعدم العلم بخروج مثل هذا الفرض عنها من الكتاب والسنّة ، كقوله تعالى (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) إلخ ، وقوله (عليه السلام) : «في عشرين مثقال من الذهب نصف دينار» ، وغير ذلك.

ولكن الظاهر عدم وصول النوبة إلى التعارض ، ولزوم تقديم نصوص الطائفة الثانية ، أعني : نصوص الحلي.

وذلك لما ذكرناه مراراً من أنّه لو كان بين عنوانين عمومٌ من وجه ، وكان تقديم أحدهما مستلزماً للغويّة العنوان في الجانب الآخر دون العكس ، قُدِّم الثاني الذي هو سليم عن هذا المحذور ، وذكرنا لهذه الكبرى موارد :

منها : ما دلّ على عدم انفعال الماء القليل ، فإنّ النسبة بينه وبين أدلّة اعتصام الجاري عمومٌ من وجه ، ويتعارضان في مادّة الاجتماع وهو القليل الجاري الذي له مادّة ولكن المتعيّن تقديم الثاني أعني : أدلّة الاعتصام إذ لا محذور فيه عدا ارتكاب التقييد في أدلّة الانفعال ، فتحمل على القليل غير الجاري ، وهذا بخلاف العكس ، إذ لو قدّمنا أدلّة الانفعال وحملنا دليل الاعتصام على الجاري غير القليل أي الكرّ لم يبق لوصف الجريان مدخل في هذا الحكم ، لأنّ غير الجاري الكرّ أيضاً معتصم.

ومنها : قوله (عليه السلام) : «كلّ طائر يطير بجناحيه فلا بأس ببوله وخرئه» (١) ، فإنّ النسبة بينه وبين ما دلّ على نجاسة بول غير مأكول اللحم مثل قوله (عليه السلام) : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» (٢) ـ

__________________

(١) لاحظ الوسائل ٣ : ٤١٢ / أبواب النجاسات ب ١٠ ح ١.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٠٥ / أبواب النجاسات ب ٨ ح ٢.

٢٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

عمومٌ من وجه ، لأنّ الأوّل يعمّ غير المأكول ، كما أنّ الثاني يعمّ الطائر ، فيتعارضان في مادّة الاجتماع وهي الطائر غير مأكول اللحم كالباز والصقر إذ مقتضى كونه طائراً طهارة بوله ، كما أنّ مقتضى كونه غير مأكول اللحم نجاسته.

ولكن المتعيّن تقديم الأوّل ، إذ لا محذور فيه عدا تقييد الثاني بغير الطائر ، فيفصل في غير المأكول بين الطائر وغيره ، وتكون النجاسة مختصّة بالثاني. وأمّا لو قدّمنا الثاني المستلزم لحمل الأوّل على مأكول اللحم ، كان لازمه إلغاء العنوان وإهمال وصف الطيران ، إذ لا فرق حينئذٍ في طهارة المأكول بين الطائر وغيره ، مع أنّ ظاهر الدليل أنّ لهذا الوصف العنواني خصوصيّة في تعلّق الحكم.

ومنها : المقام ، فإنّ النسبة بين أدلّة عدم تعلّق الزكاة بالحلي وبين أدلّة تعلّقها بالدرهم والدينار وإن كانت عموماً من وجه إلّا أنّ المتعيّن ترجيح الأوّل ، إذ لا محذور فيه عدا تقييد الثاني وحمله على الدرهم والدينار غير المستعملين في الحلي ، وهذا بخلاف العكس ، إذ لو قدّمنا الثاني وقيّدنا أدلّة الحلي بغير الدرهم والدينار لم تبق حينئذٍ خصوصيّة لعنوان الحلي في الحكم بعدم الزكاة ، ضرورة أنّ غير الحلي أيضاً من غير الدرهم والدينار لا زكاة فيه ، فالحلي وغير الحلي سيّان من هذه الجهة بعد فرض كون الموضوع غير الدرهم والدينار كما هو مقتضى التقييد المزبور فيلزم إلغاء هذا العنوان ، مع أنّ ظاهر الدليل لزوم رعايته وأنّ له دخلاً في تعلّق الحكم ، ومعه لا مناص من ترجيح أدلّة الحلي وتقييد أدلّة الزكاة في الدرهم والدينار بغير المتّخذ للحلية كما عرفت.

فالأقوى ما اختاره غير واحد من عدم تعلّق الزكاة بالدرهم والدينار المتّخذين للزينة وإن كان الوجوب الذي عليه المشهور هو الأحوط.

٢٧٧

الثالث : مضيّ الحول (١)

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه ولا إشكال كما كان معتبراً في زكاة الأنعام أيضاً على ما تقدّم (١).

وتدلّ عليه جملة وافرة من النصوص المعتبرة :

منها : صحيحة محمّد الحلبي : عن الرجل يفيد المال «قال : لا يزكّيه حتى يحول عليه الحول» (٢).

وصحيحة علي بن يقطين قال : قلت له : إنّه يجتمع عندي الشي‌ء فيبقى نحواً من سنة ، أنزكّيه؟ «قال : لا ، كلّ ما لم يحلّ عندك عليه الحول فليس عليك فيه زكاة» (٣).

وصحيحة زرارة : «الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول ولم يحرّكه» (٤).

وصحيحة الحلبي ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : ما في الخضر؟ «قال : وما هي؟» قلت : القضب والبطّيخ ومثله من الخضر «قال : ليس عليه شي‌ء ، إلّا أن يباع مثله بمال فيحول عليه الحول ففيه الصدقة» (٥).

وصحيحة رفاعة النخّاس ، قال : سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال : إنّي رجل صائغ أعمل بيدي ، وإنّه يجتمع عندي الخمسة والعشرة ، ففيها زكاة؟

__________________

(١) في ص ٢١٠.

(٢) الوسائل ٩ : ١٦٩ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٥ ح ١.

(٣) الوسائل ٩ : ١٦٩ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٥ ح ٣.

(٤) الوسائل ٩ : ١٧٠ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٥ ح ٤.

(٥) الوسائل ٩ : ٦٧ / أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١١ ح ٢.

٢٧٨

بالدخول في الشهر الثاني عشر (١) ، جامعاً للشرائط التي منها النصاب ، فلو نقص في أثنائه عن النصاب سقط الوجوب ، وكذا لو تبدّل بغيره من جنسه أو غيره ، وكذا لو غُيِّر بالسبك ، سواء كان التبديل أو السبك بقصد الفرار من الزكاة أو لا على الأقوى (٢) ، وإن كان الأحوط الإخراج على الأوّل.

______________________________________________________

«فقال : إذا اجتمع مائتا درهم فحال عليها الحول فإنّ عليها الزكاة» (١).

ونحوها غيرها كما لا يخفى على من لاحظها.

(١) فيكفي مضيّ أحد عشر شهراً بكاملها ، فمتى هلّ هلال الشهر الثاني عشر استقرّ الوجوب ، ولا يجوز له التصرّف والتغيير حينئذٍ ، فلا عبرة بمضيّ هذا الشهر ، كما أنّه لا يحسب من السنة الجديدة أيضاً ، بل مبدؤها الشهر الثالث عشر كما دلّت عليه صريحاً صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم ، حيث قال (عليه السلام) فيها : «... إنّه حين رأى هلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة» (٢) وقد تضمّنت تشبيه من وهب ماله بعد رؤية هذا الهلال بمن سافر بعد الإفطار ، كما شُبِّهت فيها الهبة خلال السنة أي قبل هذه الرؤية بمن أفطر بعد ما سافر ، حيث يجوز الثاني دون الأوّل.

وقد تقدّم الكلام حول ذلك مستقصًى في زكاة الأنعام ، فلاحظ (٣).

(٢) لا يخفى أنّ مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن النصوص الخاصّة ـ : سقوط الزكاة مع التبديل أو السبك ولو كان ذلك بقصد الفرار من الزكاة ، عملاً بإطلاق أدلّة اعتبار مضيّ الحول والعين باقية بحالها ، إذ مفادها أنّها لو لم تكن

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٤٣ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٢ ح ٢.

(٢) الوسائل ٩ : ١٦٣ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٢ ح ٢.

(٣) في ص ٢١٠ ٢١٥.

٢٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

باقية فتغيّرت خلال السنة بتبديلٍ أو تسبيكٍ أو الصرف في الحلي ونحو ذلك فلا زكاة ، سواء أكان ذلك لحاجة ماسّة أو لمجرّد الفرار من الزكاة ، إذ يصدق معه أيضاً أنّه لم يحلّ عليه الحول ، كما يقتضيه إطلاق ما دلّ على أنّ السبائك والحلي ليس فيها زكاة.

وأمّا بالنظر إلى الروايات الخاصّة الواردة في المقام ، فقد ورد في غير واحد من الأخبار سقوط الزكاة ولو كان بقصد الفرار ، التي منها صحيحة عمر بن يزيد ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى به أرضاً أو داراً ، أعليه شي‌ء؟ «فقال : لا ، ولو جعله حليّاً أو نقراً فلا شي‌ء عليه ، وما منع نفسه من فضله أكثر ممّا منع من حقّ الله الذي يكون فيه» (١) ، ونحوها صحيحتا علي بن يقطين (٢) وصحيحة ابن خارجة (٣) وغيرها.

وبإزائها روايات اخرى دلّت على عدم السقوط ، التي منها صحيحة محمّد ابن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحلي ، فيه زكاة؟ «قال : لا ، إلّا ما فرّ به من الزكاة» (٤).

فلو كنّا نحن وهاتان الطائفتان لأمكن الجمع بالحمل على الاستحباب ، نظراً إلى أنّه وإن كان في نفسه متعذّراً في أمثال المقام ممّا تضمّن النفي والإثبات فيه زكاة وليس فيه زكاة لكونهما متهافتين في نظر العرف ، وإنّما يتيسّر في مثل : افعل ، و : لا بأس بتركه ، كما أشرنا إليه مراراً.

إلّا أنّ صحيحة زرارة تدلّنا على إمكان هذا الجمع في خصوص المقام ،

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٥٩ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١١ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ١٦٠ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١١ ح ٢ و ٣.

(٣) الوسائل ٩ : ١٦٠ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١١ ح ٤.

(٤) الوسائل ٩ : ١٦٢ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١١ ح ٧.

٢٨٠