موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

وجوه ، بل أقوال.

لكن الوجه الأخير ساقطٌ جزماً ، إذ لا دليل على هذا النوع من التوزيع والتقسيط.

نعم ، ثبت ذلك فيما لو تلف بعض الإبل فينقص جزء من بنت المخاض بنسبة التالف.

وأمّا في مثل المقام فلا دليل عليه أصلاً ، ضرورة أنّ الستّة الزائدة على العشرين إنّما تستوجب دفع ستّة أجزاء من ستّة وعشرين جزءاً من بنت مخاض فيما إذا كان حلول الحول عليها منضمّةً إلى العشرين ، لا ما إذا حال عليها بنفسها ، وإلّا فليس فيها إلّا شاة واحدة فقط بمقتضى كونها مصداقاً للنصاب الأوّل.

وقد تقدّم ضعف الوجه الأوّل أيضاً (١).

فيدور الأمر بين الوجهين المتوسّطين ، والصحيح هو الأوّل منهما المطابق لما ذكره في المتن ، إذ لا موجب لإلغاء الحول بالإضافة إلى النصاب الأوّل بعد تحقّق موضوعه وفعليّة حوله وكونه مشمولاً لإطلاق دليله ، فرفع اليد عنه طرحٌ للدليل بلا موجب ومن غير سبب يقتضيه ، فلو كان عنده أوّل محرّم اثنتان وعشرون من الإبل ، وحصلت له أربع أُخرى في شهر رجب ، فعند مجي‌ء محرّم الثاني يصدق عليه أنّه حال الحول ولديه اثنتان وعشرون من الإبل ، فيشمله بالفعل إطلاق دليل النصاب الرابع وأنّ فيه أربع شياه ، فتجب فيه الزكاة بطبيعة الحال ، لفعليّة الموضوع من غير أيّة حالة منتظرة.

وبعد أن تعلّقت الزكاة بتلك الإبل أو الشياه فلا يبقى بعدئذٍ موضوعٌ لملاحظة

__________________

(١) لاحظ ص ٢٣٨.

٢٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

النصاب الثاني في شهر رجب ، لأنّ ذاك الوجوب سواء امتثله وادّى الزكاة خارجاً أم لا مُعدِمٌ لهذا الموضوع ، وذلك فلأجل أنّه بعد حلول شهر رجب وإن صدق أنّه حال عليه الحول ولديه ستّ وعشرون من الإبل وفيها بنت مخاض إلّا أنّها بعد أن كانت متعلّقة للزكاة في شهر محرّم أي في نفس الحول لم يكن بعد هذا مجالٌ لتعلّق الزكاة ثانياً ، لأنّها إنّما تتعلّق بإنعامٍ لم تكن متعلّقة للزكاة ، إذ لا يزكّى المزكّى أي المحكوم عليه بوجوب الزكاة ثانياً ، ولا زكاة في مالٍ في حولٍ من وجهين ، كيف؟! ولو تمّ ذلك للزم فيمن كانت عنده أربعون شاة مثلاً ومضى الحول وادّى الزكاة وهي الشاة الواحدة أو لم يؤدّ أن تجب عليه بعد شهرين مثلاً شاة أُخرى ، لصدق أنّه مضى حول وعنده أربعون ، وهو مقطوع الفساد ، وليس إلّا لأجل ما عرفت من أنّ الزكاة إنّما تتعلّق بشياه لم تكن متعلّقة للوجوب.

وعلى الجملة : فتعلّق النصاب الأوّل وحلول حوله لا يُبقي مجالاً للثاني ، فلا جرم يتقدّم ، لا لأجل الترجيح بالسبق الزماني ، لعدم كونه من المرجّحات في باب التعارض ، بل لأجل أنّ الأوّل مُعدِمٌ لموضوع الثاني دون العكس ، فهو بمثابة الدليل الحاكم ، والدوران بينهما كالدوران بين التخصّص والتخصيص الذي لا ريب في تقدّم الأوّل كما لا يخفى.

فالأقوى ما ذكره في المتن من تقديم الحول الأوّل واستئناف الحول لهما بعد انتهائه ، وإن كان الاحتياط في مراعاة النصابين ممّا لا ينبغي تركه.

وملخّص الكلام : أنّ الدليل قد قام على أنّ المال لا يزكّى في العام من وجهين :

المعتضد بفعل النبي (صلّى الله عليه وآله) ، حيث لم يطالب بالزكاة التي

٢٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

نزلت آيتها في شهر رمضان إلّا في العام القابل بعد الفطر كما نطق به النصّ (١).

والمعتضد أيضاً بالتسالم الخارجي القائم على أنّ من ملك النصاب وفي أثناء الحول ملك نصاباً آخر ، كما لو ملك في أوّل محرّم خمساً من الإبل ، وفي شهر رجب خمساً اخرى ، فأدّى زكاة النصاب الأوّل في محرّم القابل وهي شاة ثمّ عند حلول شهر رجب لا تجب إلّا شاة أُخرى لا شاتان وإن صدق عليه أنّه حال الحول وهو مالك لعشرة من الإبل وزكاتها شاتان ، وليس ذلك إلّا لأجل أنّه قد أدّى زكاة الخمس الاولى فلا تؤدّى ثانياً.

وعليه ، فالأمر دائر في محلّ الكلام بين احتمالين هما العمدة من بقية الاحتمالات ـ :

فإمّا أن يراعى النصاب الأوّل ويستأنف حول واحد للمجموع بعد انتهاء الحول الأوّل ، المستلزم لإلغاء بقيّة الحول بالإضافة إلى الملك الجديد.

أو يعكس ، فيراعى النصاب الثاني المستلزم لإلغاء ما تقدّمه من الحول.

ولا ينبغي التأمّل في أنّ المتعيّن هو الأوّل ، لفعليّة موضوعه ، وشمول الإطلاق له ، المستوجب لإعدام الموضوع بالإضافة إلى الثاني ، ولأجله يكون الإطلاق في الأوّل أظهر فيتقدّم نحو تقدّم الأظهر على الظاهر لدى الجمع بين المتعارضين.

وممّا يؤيّد ذلك بل يدلّ عليه أنّ فرض العكس يستلزم سقوط الزكاة سنين عديدة ، وهو مقطوع الفساد ، مثلاً : لو فرضنا أنّ عنده أوّل محرّم ستّ وعشرين من الإبل وبعد عشرة أشهر أي أوّل ذي القعدة ملك عشرة أُخرى ، فصار المجموع ستّ وثلاثين ، فعلى ما ذكرناه يلغى الشهران الباقيان

__________________

(١) المتقدّم في ص ٢١٢.

٢٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ويجب عليه عند حلول الحول أي أوّل محرّم الثاني بنت مخاض ، ثمّ يستأنف الحول لهما من الآن ويدفع بعد تماميّته بنت لبون التي هي فريضة النصاب السابع ، ولا محذور فيه.

وأمّا على القول الآخر بأن يكون مبدأ الحول زمان حدوث الملك الجديد المكمّل لنصاب آخر أي أوّل ذي القعدة المستلزم لإلغاء ما تقدّمه من الأشهر العشرة السابقة ، فلو فرضنا أنّه بعد عشرة أشهر من هذا المبدأ المنطبق على أوّل رمضان ملك عشراً اخرى من الإبل بحيث صار المجموع ستّ وأربعين الذي هو النصاب الثامن وفيها حقّة كان اللازم إلغاء الأشهر العشرة المتقدّمة عليها بعين المناط المذكور أوّلاً ، لأنّ حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز سواء ، فيكون مبدأ الحول من هذا الوقت ، وينتقل الأمر إلى النصاب الثامن من غير أن يدفع أو تجب عليه أي زكاة.

ثمّ لو فرضنا أنَّه بعد مضيّ عشرة أشهر أُخرى من هذا الوقت المنطبق على شهر رجب ملك خمس عشرة من الإبل ، بحيث صار المجموع إحدى وستّين وهي النصاب التاسع وفيها جذعة كان اللازم إلغاء العشرة أشهر المتقدّمة وابتداء الحول من هذا الوقت ، وهلمّ جرّا ، فينتقل ابتداء الحول من نصابٍ إلى نصابٍ إلى نصابٍ وهكذا ، فيلزم إلغاء الزكاة وسقوط وجوبها سنين عديدة ، وهو ممّا لا نظنّ أن يلتزم به متفقّةٌ فضلاً عن الفقيه ، بل هو مقطوع الفساد ، فيكشف ذلك عن بطلان المبنى بطبيعة الحال.

ثمّ إنّا أشرنا فيما مرّ إلى أنّ الماتن لم يذكر في القسم السابق أعني : ما إذا حصل الملك الجديد بعد تمام الحول السابق وقبل الدخول في اللّاحق إلّا صورةً واحدة ، وهي ما إذا كان مكمّلاً لنصابٍ آخر دون العفو ودون النصاب المستقلّ.

ولعلّ السرّ في ذلك : الإيعاز إلى أنّ الذي هو محلّاً للخلاف والكلام ومورداً

٢٤٤

ويلحق بهذا القسم على الأقوى ما لو كان الملك الجديد نصاباً مستقلا ومكمّلاً للنصاب اللاحق ، كما لو كان عنده من الإبل عشرون فملك في الأثناء ستّاً أُخرى (١) ، أو كان عنده خمس ثمّ ملك إحدى وعشرين. ويحتمل إلحاقه بالقسم الثاني (*).

______________________________________________________

للنقض والإبرام من هذه الصور الثلاث إنّما هي هذه الصورة أعني : المكمّل وإلّا فالحكم في صورتي العفو والنصاب المستقلّ واضحٌ لا كلام ولا نقاش فيهما حسبما عرفت.

فأشار بتخصيص المكمّل بالذكر إلى أنّ محلّ الخلاف فيه هو ما لو كان أثناء الحول كما عرفت الحال فيه مستقصًى ، وأمّا الحاصل بعد تماميّة الحول السابق وقبل الدخول في اللاحق أعني : خلال الشهر الثاني عشر الذي هو متخلّل بين الحولين فلا خلاف ولا إشكال في أنّه ينضمّ أحدهما إلى الآخر ويُحسَب للجميع حولٌ واحد مبدؤه السنة الجديدة ، أعني : الشهر الثالث عشر.

والظاهر أنّ الأمر كذلك ، أي لا خلاف ولا إشكال من أحدٍ في احتساب الحول الجديد مبدأً لهما ، لانتهاء الحول السابق بالإضافة إلى المكمَّل بالفتح بدخول الشهر الثاني عشر ، فلا وجه لاحتسابه ثانياً ، فطبعاً يكون الحول اللاحق حولاً لهما كما هو واضح.

(١) تقدّم حكم كلٍّ ممّا إذا كان الملك الحاصل أثناء الحول عفواً أو نصاباً مستقلا أو مكمّلاً لنصابٍ آخر.

بقيت هناك صورة واحدة ، وهي الحاوية للصورتين الأخيرتين ، أعني : ما إذا كان مكمّلاً وفي عين الحال نصاباً مستقلا ، كما لو كان في أوّل محرّم مالكاً

__________________

(*) وهذا هو الأحوط.

٢٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

لعشرين من الإبل ، ثمّ حصلت له في شهر رجب مثلاً ستّ اخرى ، التي هي مكمّلة للعشرين وفيها بنت مخاض ، وهي بنفسها أيضاً نصاب ، لأنّ في كلّ خمس من الإبل شاة.

فهل يجري عليها حكم المكمّل ، فينتظر حلول الحول وتُدفَع شياهٌ أربع زكاةً عن العشرين ، ثمّ يستأنف الحول للمجموع ويلغى بقيّة الحول الأوّل بالإضافة إلى الملك الجديد ، وبعد انتهاء هذا الحول يُدفَع بنت مخاض؟

أو يجري حكم المستقلّ ، فلكلّ نصاب حولٌ بحياله ، فيُدفَع عند حلول محرّم أربعة عن العشرين ، وعند حلول رجب شاة عن الستّ ، بعد وضوح عدم إمكان الجمع بين الأمرين ، لأنّ المال الواحد لا يزكّى في عام من وجهين كما تقدّم.

اختار الماتن (قدس سره) : الأوّل ، كما أنّ صاحب الجواهر (١) وجماعة كثيرين ذهبوا إلى الثاني.

والصحيح ما اختاره الماتن (قدس سره). والوجه فيه : أنّ المستفاد من قوله (عليه السلام) : «في كلّ خمس من الإبل شاة» بعد ملاحظة أنّ في ستّ وعشرين بنت مخاض ـ : أنّ كلّ خمس من الخمسات ملحوظة بنحو اللااقتضائيّ بشرط موضوعاً للنصاب ، إلّا الخمس الأخيرة المسبوقة بالعشرين التي يتكوّن منها النصاب الخامس ، فإنّها ملحوظة بنحو بشرط لا بالإضافة إلى زيادة الواحدة عليها ، وأمّا معها فليس فيها شاة ، بل بنت مخاض ، فالخمس الاولى فيها شاة ، سواء زيد عليها شي‌ء أم لا ، والثانية شاتان ، وهكذا إلى الخامسة فإنّ فيها خمس شياه لأنّ في كلّ خمس شاة بشرط أن لا يضاف عليها واحدة ، وإلّا ففيها بنت مخاض.

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ١٠٦ ١٠٧.

٢٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وعليه ، فالستّ من الإبل إذا كانت وحدها مجرّدة عمّا عداها كان فيها شاة ، لاشتمالها على النصاب باعتبار قوله (عليه السلام) : «في كلّ خمس من الإبل شاة» ، فهي نصاب مستقلّ.

وكذا الحال فيما لو كانت منضمّة إلى خمس أُخرى أو عشرٍ أو خمس عشرة.

وأمّا لو كانت مسبوقة بالعشرين فليست هي حينئذٍ نصاباً مستقلا ، ولا يصحّ أن يقال : إنّ فيها شاةً باعتبار أنّ في كلّ خمسٍ شاةً ، بل هي متمحّضة حينئذٍ في كونها مكمّلة لنصاب الستّ والعشرين التي فيها بنت مخاض ، فالخمس الأخيرة من نصب الإبل بوصف كونها أخيرة تمتاز عمّا تقدّمها من الخمسات في اختصاص كونها نصاباً مستقلا بحالة عدم زيادة شي‌ء عليها ، ومعها تخرج عن الاستقلال إلى الاستكمال ، فيجري عليها حكم مكمّل النصاب دون المستقلّ.

فإن قلت : هذه مناقشة صغرويّة تختصّ بهذا المثال ، فلِمَ لا يُنقَل الكلام إلى بقيّة الأمثلة من موارد نُصُب الأنعام ممّا يكون مستقلا وفي عين الحال مكمّلاً للنصاب؟

قلت : لا يختصّ الإشكال بالمقام ، بل يجري في الكلّ بمناطٍ واحد ، ولا يوجد قطّ مثالٌ للمكمّل المستقلّ أبداً ، بل إمّا مكمّل ، أو مستقلّ ، أو عفو ، ولا رابع كما يظهر للمتأمّل.

فإن قلت : على فرض وجود صغرى لهذه الكبرى ، فهل تلحق بالمستقلّ أو المكمّل؟

قلت : لا يظهر حكمها من الأدلّة الاجتهاديّة ، والمرجع حينئذٍ الأصل العملي ، فإن احتملنا أن يكون الحكم الواقعي هو التخيير كان المرجع أصالة البراءة البراءة عن تعيّن كلٍّ منهما فينتج التخيير الظاهري ، وإلّا فبما أنّ المال الواحد

٢٤٧

[٢٦٤٥] مسألة ١٤ : لو أصدق زوجته نصاباً وحال عليه الحول (١) وجب عليها الزكاة.

ولو طلّقها بعد الحول قبل الدخول رجع نصفه إلى الزوج ، ووجب عليها زكاة المجموع في نصفها.

ولو تلف نصفها يجب إخراج (*) الزكاة من النصف الذي رجع إلى الزوج ويرجع بعد الإخراج عليها بمقدار الزكاة.

هذا إن كان التلف بتفريطٍ منها.

وأمّا إن تلف عندها بلا تفريط ، فيخرج نصف الزكاة من النصف الذي عند الزوج ، لعدم ضمان الزوجة حينئذٍ لعدم تفريطها.

نعم ، يرجع الزوج حينئذٍ أيضاً عليها بمقدار ما أخرج.

______________________________________________________

لا يزكّى في عام واحدٍ مرّتين فنعلم إجمالاً بوجوب هذا أو ذاك ، ومقتضى القاعدة حينئذ الاحتياط عملاً بالعلم الإجمالي.

(١) ينبغي التكلّم في جهات :

الاولى : لو أصدق الزوجة نصاباً كأربعين شاة وحال عليه الحول قبل الدخول ، فهل يجب عليها الزكاة عملاً بإطلاق الأدلّة؟

أم لا ، نظراً إلى أنّ المال في معرض الزوال بالطلاق الموجب لرجوع النصف الذي هو دون النصاب حسب الفرض فلا يكون الملك مستقرّاً؟

الظاهر هو الأوّل ، فإنّ شرط الزكاة هو مطلق الملك سواء أكان مستقرّاً

__________________

(*) فيه إشكال ، والأظهر جواز إخراج الزكاة من مال آخر.

٢٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

لازماً أم متزلزلاً جائزاً ، وسواء أكان الجواز حكميّاً كما في الهبة أم حقّيّا كما في العقد الخياري ، كلّ ذلك لإطلاق دليل اعتبار الملك.

نعم ، بناءً على القول بأنّ الزوجة لا تملك بالعقد إلّا للنصف وأمّا النصف الآخر فإنّما تملكه بالدخول ولا ملك قبله حتى متزلزلاً ، اتّجه عدم وجوب الزكاة قبل الدخول ، لعدم كونها مالكة للنصاب حينئذ ، لكن المبنى ضعيف كما هو محقّق في محلّه.

الثانية : لو طلّقها قبل الدخول وبعد حلول الحول : فإمّا أن يكون بعد إخراجها الزكاة ، أو قبلها.

فإن كان بعد الإخراج فالمعروف والمشهور أنّ الزوج يرجع بنصف الموجود كتسعٍ وثلاثين من الغنم في المثال وبنصف قيمة التالف إن كان قيميّاً كما في المثال فيرجع بنصف قيمة الشاة المدفوعة زكاةً وبنصف المثل إن كان مثليّا كما لو كان الصداق ذهباً أو فضّة.

وهذا مبنيٌّ على ما هو المشهور من أنّ شركة الزوج مع الزوجة في الصداق بعد الطلاق شركة حقيقيّة في العين أي بنحو الإشاعة كما لعلّه الظاهر من قوله تعالى (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) (١) أي يرجع الزوج إلى نصف العين التي جُعِلت فريضةً وصداقاً.

وأمّا على القول بأنّه يملك بعد الطلاق النصف من الصداق على سبيل الكلّي في المعيّن ، فيرجع حينئذٍ بتمام النصف ، لسلامته عن عروض التلف عليه ليرجع إلى المثل أو القيمة ، فيرجع إلى عشرين من الشياه الموجودة على نحو الكلّي في المعيّن ، مثل ما لو كان مالكاً لصاعٍ من صبرة كذلك فتلف بعضها فإنّه يرجع

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٣٧.

٢٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى تمام الصاع ولا يردّ التلف عليه كما هو ظاهر.

لكن المبنى ضعيف ، والصحيح ما عليه المشهور كما عرفت ، ففي كلّ فرد من الشياه تشترك فيه الزوجة مع الزوج بنحو الإشاعة ، لأنّ محلّ الكلام في عنوان المسألة ما إذا كان الصداق عيناً شخصيّةً بالغةً حدّ النصاب لا الكلّي كما هو واضح ، فإذا طلّق الزوج ووجد العين تالفة حسب الفرض لصرفها في الزكاة الصادرة من أهلها في محلّها رجع في حصّته إلى القيمة بطبيعة الحال.

وإن كان قبل الإخراج ، فلا ينبغي التأمّل في وجوب زكاة المجموع عليها في نصفها وعدم ورود تلف في حصّة الزوج بوجهٍ لينتقل إلى البدل ، لعدم التنافي بين وجوب الزكاة ودفع حصّة الفقير وبين الرجوع إلى النصف على جميع المباني في تعلّق الزكاة بالعين حتى الإشاعة والشركة الحقيقيّة.

وبعبارة اخرى : يكون الصداق بعد الطلاق وحلول الحول مشتركاً فيه بين ثلاثة : فنصف للزوج ، وجزء من أربعين جزء للفقير ، والباقي للزوجة. ولا تنافي بين هذه السهام بوجه ، فيدفع النصف للزوج وشاة للفقير والباقي وهي تسعة عشر شاة للزوجة.

الثالثة : لو تلف قبل الإخراج نصف الصداق ، فقد فصّل الماتن (قدس سره) حينئذٍ بين ما إذا كان ذلك بتفريطٍ من الزوجة وما كان بلا تفريط.

فحكم (قدس سره) في الأوّل بوجوب الإخراج من النصف الذي رجع إلى الزوج ، لأنّ الزكاة متعلّقة بالعين ونسبتها متساوية إلى النصفين ، فمع تعذّر أحدهما يتعيّن الإخراج من الثاني ، ثمّ تضمن هي للزوج قيمة الزكاة.

وفي الثاني يسقط نصف الزكاة ، إذ لا ضمان مع عدم التفريط ، فيكون تلفه من مال الفقير ، ويخرج النصف الآخر من النصف الذي عند الزوج ، ثمّ يرجع الزوج إليها حسبما عرفت.

٢٥٠

[٢٦٤٦] مسألة ١٥ : إذا قال ربّ المال : لم يحل على مالي الحول. يُسَمع منه بلا بيّنة ولا يمين (١).

وكذا لو ادّعى الإخراج ، أو قال : تلف منّي ما أوجب النقص عن النصاب.

______________________________________________________

أقول : لا يستقيم ما أفاده (قدس سره) على جميع المباني في كيفيّة تعلّق الزكاة بالعين ، لما تقدّم من أنّ الولاية واختيار التطبيق بيد المالك دون الساعي ودون الفقير (١) ، بمقتضى صحيحة بريد المتقدّمة (٢) ، المعلّلة بأنّه الشريك الأعظم.

وعليه ، فبعد أن قُسِّم المال وأعطت النصف للزوج تعيّن الحقّ في النصف الباقي ، فتدفعه منه كما لها أن تدفعه من مالٍ آخر ، بناءً على الشركة في الماليّة كما هو الصحيح ومع فرض التلف يتعيّن الدفع من مالٍ آخر إن كان مع التفريط ، وإلّا فلا شي‌ء عليها كما لو تلف المال بأجمعه من غير تفريط.

وبالجملة : بعد فرض التنصيف وصحّة التقسيم ، كما هو مقتضى الصحيحة المتقدّمة لا وجه للالتزام بالإخراج من نصف الزوج أبداً كما لا يخفى.

(١) لقوله (عليه السلام) في صحيحة بريد بن معاوية : «... فهل لله في أموالكم من حقٍّ فتؤدّوه إلى وليّه؟ فإن قال لك قائل : لا ، فلا تراجعه» (٣).

فإنّها تدلّ على سماع الدعوى من صاحب المال في جميع الصور المذكورة في المتن ، بمقتضى الإطلاق ، من غير حاجة إلى الإثبات ببيّنةٍ أو يمين ، وإن كان مقتضى القاعدة المطالبة في بعض صور المسألة كما لا يخفى.

__________________

(١) في ص ١٨٧.

(٢) الوسائل ٩ : ١٢٩ / أبواب زكاة الأنعام ب ١٤ ح ١.

(٣) الوسائل ٩ : ١٢٩ / أبواب زكاة الأنعام ب ١٤ ح ١.

٢٥١

[٢٦٤٧] مسألة ١٦ : إذا اشترى نصاباً وكان للبائع الخيار (١) :

فإن فسخ قبل تمام الحول فلا شي‌ء على المشتري ، ويكون ابتداء الحول بالنسبة إلى البائع من حين الفسخ.

وإن فسخ بعد تمام الحول عند المشتري وجب عليه الزكاة.

وحينئذٍ فإن كان الفسخ بعد الإخراج من العين ضمن للبائع قيمة ما أخرج ، وإن أخرجها من مالٍ آخر أخذ البائع تمام العين (*).

وإن كان قبل الإخراج فللمشتري أن يخرجها من العين ويغرم للبائع ما أخرج وأن يخرجها من مال آخر ويرجع العين بتمامها إلى البائع.

______________________________________________________

(١) قد يفسخ البائع قبل تمام الحول ، وأُخرى بعده.

فعلى الأوّل : لا شي‌ء على المشتري ، لزوال الملك وانتقاله إلى البائع من حين الفسخ ، فهو المخاطب بوجوب الزكاة بعد حلول الحول على حصول الملك الذي مبدؤه زمان الفسخ.

وعلى الثاني : فلا ريب في وجوب الزكاة على المشتري لدى حلول الحول وإن كان ملكه متزلزلاً ، فإنّ ثبوت الخيار للبائع لا يمنع من تعلّق الزكاة كما مرّ التعرّض له في المسألة السادسة من مسائل الشرائط العامّة (١).

وحينئذٍ فقد يفرض الفسخ بعد الإخراج ، وأُخرى قبله.

__________________

(*) ويحتمل أن يكون مقدار المخرج له ، ويغرم للبائع مثله أو قيمته ، ومنه يظهر الحال فيما إذا كان الفسخ قبل الإخراج.

(١) في ص ٧٥.

٢٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى الأوّل : فقد يكون الإخراج من العين ، وأُخرى من مالٍ آخر.

أمّا الأوّل أعني : ما لو كان الإخراج ، السابق على الفسخ ، من العين ـ : فبما أنّ مقدار الزكاة قد أتلفه المشتري بالإخراج بل قد تلف بنفس تعلّق الزكاة كما لا يخفى فلا جرم يضمن للبائع قيمة ما أخرج إن كان قيميّاً ، وإلّا فمثله ، وهذا واضح.

وأمّا الثاني وهو ما لو كان الإخراج من مالٍ آخر ـ : فقد ذكر في المتن أنّ البائع يأخذ حينئذٍ تمام العين.

ولكنّه لا يستقيم ، بناءً على ما هو المعروف من زمن الشيخ وهو الصحيح من أنّ الفسخ حلّ العقد من حين العقد ، ورجوع العينين المملوكتين بنفس الملكيّة السابقة إن كانتا موجودتين كذلك ، وإلّا فينتقل إلى البدل. فلو كانت العين مملوكة بملكيّة جديدة كانت في حكم التالف في الرجوع إلى البدل ، كما لو انتقل العين من المشتري مع فرض ثبوت الخيار للبائع إلى شخصٍ آخر ببيعٍ أو هبةٍ أو نحوهما ، ثمّ عاد إليه ثانياً بشراءٍ أو إرثٍ ونحو ذلك ، ففسخ البائع عندئذ ، فإنّ العين وإن كانت موجودة حينئذٍ إلّا أنّها مملوكة بملكيّة جديدة غير الملكيّة الثابتة عند العقد ، فلا وجه لرجوعها إلى المالك السابق ، بل هي في حكم التالف يرجع فيها إلى البدل.

ومقامنا من هذا القبيل ، فإنّ تعلّق الزكاة موجبٌ لخروج مقدارها من العين إلى ملك الفقير ، والإخراج من مالٍ آخر الذي هو بمثابة المبادلة مع ما في العين موجبٌ لعوده إلى الملك ، فيكون هذا المقدار مملوكاً بملكيّة جديدة ، وقد عرفت أنّها في حكم التالف ، فيكون مقدار المخرج له ويغرم للبائع مثله أو قيمته.

وممّا ذكرنا يظهر الحال في الصورة الثالثة أعني : ما إذا كان الفسخ قبل

٢٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الإخراج إذ قد خرج مقدار الزكاة عن الملك بمجرّد الوجوب وتعلّق الزكاة ، فعند الفسخ يكون هذا المقدار خارجاً عن ملك المشتري ، غاية الأمر أنّ له أن يعيده إلى الملك بالمبادلة الحاصلة من الإخراج من مالٍ آخر ، فهو مخيّر بين الدفع من العين فيغرم للبائع حينئذٍ البدل ، وبين الدفع من الخارج ، كما أنّه يتخيّر حينئذٍ أيضاً بين دفع العين إلى البائع وبين دفع البدل ، لما عرفت من أنّ المملوك بملكيّة جديدة في حكم التالف من حيث الرجوع إلى البدل.

فتحصّل : أنّه لا ملزم لأخذ البائع تمام العين في جميع التقادير.

٢٥٤

فصل

في زكاة النقدين

وهما : الذهب والفضّة.

ويشترط في وجوب الزكاة فيهما مضافاً إلى ما مرّ من الشرائط العامّة أُمور :

الأوّل : النصاب (١) ، ففي الذهب نصابان :

الأوّل : عشرون ديناراً ، وفيه نصف دينار.

والدينار مثقال شرعي ، وهو ثلاثة أرباع الصيرفي.

فعلى هذا النصاب الأوّل بالمثقال الصيرفي : خمسة عشر مثقالاً ، وزكاته ربع مثقال وثمنه.

______________________________________________________

فصل

في زكاة النقدين

(١) لا إشكال كما لا خلاف في اعتباره في النقدين ، مضافاً إلى الشرائط العامّة المتقدّمة ، بل عليه إجماع المسلمين ، وتشهد به النصوص الآتية.

كما لا إشكال ولا خلاف أيضاً في حدّه بالنسبة إلى الفضّة وأنّه في كل مائتي درهم خمسة دراهم على ما نطقت به النصوص المتظافرة.

٢٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وإنّما الكلام في تعيين الحدّ في نصاب الذهب ، فالمعروف والمشهور بين الخاصّة والعامّة أنّه عشرون ديناراً أي مثقالاً يعبّر بهذا تارةً وبذلك اخرى ، والمرجع واحد ، لأنّ الدينار مثقال شرعي ، فلا زكاة ما لم يبلغ هذا لحدّ ، وفيه ربع العشر أي نصف دينار وعن جماعة : دعوى الإجماع عليه.

وذهب بعض العامّة إلى أنّ حدّه أربعون ديناراً ، وفيه دينار ، ولا زكاة فيما دون هذا الحدّ. وقد نُسِب هذا القول إلى ابني بابويه (١) وجماعة من الأصحاب.

ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات الواردة في المقام ، فقد ورد في جملة وافرة من النصوص المستفيضة التحديد بالعشرين :

إمّا تصريحاً ، كصحيح الحسين بن بشّار في حديث : «قال : في الذهب في كلّ عشرين ديناراً نصف دينار ، فإن نقص فلا زكاة فيه» (٢).

وموثّق سماعة : «ومن الذهب في كلّ عشرين ديناراً نصف دينار ، وإن نقص فليس عليك شي‌ء» (٣) ونحوهما غيرهما ، وهي كثيرة.

أو تلويحاً ، كصحيح الحلبي : عن الذهب والفضّة ، ما أقلّ ما يكون فيه الزكاة؟ «قال : مائتا درهم وعدلها من الذهب» (٤).

وصحيح ابن مسلم : عن الذهب ، كم فيه من الزكاة؟ «قال : إذا بلغ قيمته مائتي درهم فعليه الزكاة» (٥).

فإنّ عدل مائتي درهم وقيمتها من الذهب إنّما هو عشرون ديناراً ، إذ أنّ كلّ

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ١٦٩.

(٢) الوسائل ٩ : ١٣٨ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ٣.

(٣) الوسائل ٩ : ١٣٨ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ٤.

(٤) الوسائل ٩ : ١٣٧ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ١.

(٥) الوسائل ٩ : ١٣٧ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ٢.

٢٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

دينار يسوى عشرة دراهم في صدر الشريعة كما نصّ عليه الأصحاب ، بل شهدت به الآثار التي منها ما ورد في باب الدّيات من التصريح بالتخيير بين ألف دينار وبين عشرة آلاف درهم (١).

وإنّما جعل الاعتبار في هاتين الروايتين بالدرهم لكونه كالأصل في النقود ، حيث إنّه أكثر تداولاً وتعارفاً ، إذ يشترك فيه الفقير والغني ، بخلاف الدينار الذي لا يتعاطاه غالباً إلّا الأغنياء.

بل قد يظهر من بعض النصوص التسالم على هذا الحكم والمفروغيّة عنه عند الرواة ومغروسيّته في أذهانهم ، كما في موثّقة إسحاق بن عمّار : عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانير ، أعليه زكاة؟ «فقال : إن كان فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة» (٢).

فإنّ ظاهرها المفروغيّة عن ثبوت الزكاة في عشرين ديناراً ، وإنّما السؤال عن صورة التلفيق من نصفين يبلغ مجموعهما العشرين.

وتدلّ عليه أيضاً صحيحة أحمد بن أبي نصر قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عمّا أخرج المعدن من قليلٍ أو كثير ، هل فيه شي‌ء؟ «قال : ليس فيه شي‌ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً» (٣).

فإنّ ظاهرها الفراغ عن أنّ النصاب هو العشرون.

إلى غير ذلك من الروايات التي لا حاجة إلى استقصائها ، بل يضيق عن نقلها المقام.

وبإزائها روايتان :

إحداهما : صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) :

__________________

(١) الوسائل ٢٩ : ١٩٥ / أبواب ديات النفس ب ١ ح ٤.

(٢) الوسائل ٩ : ١٥١ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٥ ح ٣.

(٣) الوسائل ٩ : ٤٩٤ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٤ ح ١.

٢٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

«قالا : في الذهب في كلّ أربعين مثقالاً مثقال إلى أن قال : وليس في أقلّ من أربعين مثقالاً شي‌ء» (١).

وقد حملها الشيخ (٢).

تارةً : على أنّ الشي‌ء المنفي مطلقٌ يعمّ المثقال فما دون ، فليحمل على الأوّل ، جمعاً بينها وبين النصوص المتقدّمة المصرّحة بأنّ في العشرين نصف دينار ، لارتفاع التنافي بذلك.

وفيه : ما لا يخفى ، فإنّ ظاهر النفي الوارد في مقام التحديد عدم تعلّق الزكاة فيما دون الأربعين بتاتاً ، لا خصوص المثقال ، لبعده عن الفهم العرفي جدّاً ، ولذا لو قال : في كل ثمانين مثقالان وليس في أقلّ من ثمانين شي‌ء ، لا يفهم منه عرفاً إلّا نفي الزكاة عن الأقلّ رأساً ، لا خصوص المثقالين.

وأُخرى على التقيّة ، لموافقتها لبعض العامّة.

وهذا أيضاً بعيد ، لعدم تأتّي التقيّة لمجرّد الموافقة لقول بعض العامّة وإن كان شاذّاً نادراً كما في المقام ، بل لا بدّ وأن يكون معروفاً عندهم كي يصدق عنوان الاتّقاء كما لا يخفى.

وعليه ، فيدور الأمر بين وجهين آخرين.

إمّا حمل النصوص السابقة على الاستحباب بقرينة صراحة هذه في نفي الزكاة عمّا دون الأربعين.

أو المعارضة والتصدّي للترجيح.

وحيث لا سبيل إلى الأوّل ، لما عرفت سابقاً من أنّ قوله (عليه السلام) :

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٤١ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ١٣.

(٢) لاحظ التهذيب ٤ : ١١ ، الإستبصار ٢ : ١٣.

٢٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

«فيه الزكاة» و : «ليس فيه الزكاة» متعارضان عرفاً ومتهافتان ، ولا يصلحان للقرينيّة بوجه ، مضافاً إلى التسالم على الوجوب في العشرين من أكثر الأصحاب حسبما عرفت. فيتعيّن الثاني ، وستعرف الحال فيه.

ثانيتهما : صحيحة زرارة ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل عنده مائة درهم وتسعة وتسعون درهماً وتسعة وثلاثون ديناراً ، أيزكّيهما؟ «فقال : لا ، ليس عليه شي‌ء من الزكاة في الدراهم ولا في الدنانير حتى يتمّ أربعون ديناراً والدراهم مائتي درهم» هكذا في التهذيب (١).

ولكن الشيخ الصدوق رواها بعين السند والمتن إلّا أنّ المذكور فيها : «تسعة عشر ديناراً» بدل : «تسعة وثلاثون» كما نبّه عليه في الحدائق (٢) ، فيظهر من ذلك وقوع التحريف في التهذيب إمّا من الشيخ نفسه أو من النسّاخ ، وبذلك يضعف الاعتماد على رواية الشيخ.

وممّا يرشدك إلى وقوع التحريف من النسّاخ لا من الشيخ أنّه (قدس سره) نقل هذه الصحيحة ولم يعلّق عليها بشي‌ء كما علّق على صحيحة الفضلاء من التوجيه والحمل على التقيّة أو غيرها كما سمعت ، فإنّه يكشف عن أنّ الرواية كانت عنده مثل ما في الفقيه وإلّا لعلّق عليها كما علّق على أُختها (٣) ، فهذا ينبئ عن أنّها لم تكن مخالفة لمذهبه ، وإنّما وقع الاشتباه من النسّاخ في نقلها.

ومع الغضّ عمّا ذكر فغايته إجمال الرواية من أجل تردّد النسخة وتعدّدها ،

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٤١ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١ ح ١٤ ، التهذيب ٤ : ٩٢ / ٢٦٧.

(٢) الحدائق الناضرة ١٢ : ٨٨.

(٣) لعلّ الوجه في عدم التعليق أنّه (قدس سره) أورد الروايتين في بابين مختلفين ، لاحظ التهذيب ٤ : ١١ و ٩٢ ، والحاجة إلى التعليق إنّما تناسب الباب الأوّل كما لا يخفى.

٢٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

إذ لا يحتمل أن تكونا روايتين صدرتا عن المعصوم مرّتين ، وإنّما هي رواية واحدة قد تردّد الصادر عنه (عليه السلام) بين إحدى النسختين فلا يمكن الاعتماد عليها.

فلم يبق إلّا الرواية الأُولى أعني : صحيحة الفضلاء وقد عرفت أنّها معارضة مع النصوص السابقة ، ولكن لا ينبغي التأمّل في أنّ الترجيح مع تلك النصوص ، لأنّها معروفة مشهورة ، وهذه رواية شاذّة نادرة لا تكاد تنهض للمقاومة معها فتطرح ويردّ علمها إلى أهله.

ومع التنزّل عن هذا أيضاً ، فتلك الروايات موافقة لعموم الكتاب ، وهذه مخالفة ، فتتقدّم.

وتوضيحه : أنّه قد ورد في تفسير قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) (١) أنّ المراد : الامتناع عن أداء الزكاة ، كما رواه ابن الشيخ الطوسي في أماليه بإسناده عن الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) ، «قال : لمّا نزلت هذه الآية (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : كلّ مالٍ يؤدّى زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين ، وكلّ مالٍ لا يؤدّى زكاته فهو كنزٌ وإن كان فوق الأرض» (٢).

ونقل أيضاً في مجمع البيان ما يقرب من ذلك من روايات الخاصّة والعامّة (٣).

وعليه ، فالآية المباركة ناظرة إلى النهي عن الامتناع عن أداء الزكاة ، وإلّا

__________________

(١) التوبة ٩ : ٣٤.

(٢) الوسائل ٩ : ٣٠ / أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ٣ ح ٢٦ ، أمالي الطوسي : ٥١٩ / ١١٤٢.

(٣) مجمع البيان ٣ : ٢٦.

٢٦٠