موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

نعم ، لو كانت كلّها مراضاً أو معيبة أو هرمة يجوز الإخراج منها.

______________________________________________________

وثالثةً : بالاختلاف ، فبعضها صحيح والبعض الآخر مريض أو معيب.

أمّا في الصورة الاولى : فلا خلاف كما لا إشكال في عدم جواز دفع الهرم أو المريض ، فإنّها القدر المتيقّن من صحيحة أبي بصير الناطقة بذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث زكاة الإبل : «قال : ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلّا أن يشاء المصدّق» (١).

وموردها وإن كان هو الإبل إلّا أنّه لا ينبغي التأمّل في عدم خصوصيّةٍ لها ، وأنّ الحكم عامٌّ لجميع الأنعام بمقتضى الفهم العرفي ، فالتخيير في التطبيق الذي تقدّم أنّه ثابتٌ للمالك دون الساعي (٢) مقيّدٌ بهذه الصحيحة ، فلا خيار له من هذه الناحية ، والعوار : مطلق العيب ، كما في اللغة ، فيشمل المرض.

وأمّا في الصورة الثالثة : فالمشهور هو التقسيط على الصحيح والمعيب ، وهو وجيه ، بناءً على الإشاعة والشركة الحقيقيّة ، بأن يكون كلّ فرد من الشياه مشتركاً بالنسبة بين المالك والفقير ، وأمّا بناءً على ما هو الصحيح من الشركة في الماليّة ، أو على ما اختاره الماتن من الكلّي في المعيّن فلا وجه لملاحظة التقسيط أبداً ، بل مقتضى إطلاق صحيح أبي بصير المتقدّم لزوم دفع الصحيح ، لعدم قصوره عن الشمول للمقام كما لا يخفى.

وأمّا في الصورة الثانية : فالمشهور جواز دفع الهرمة أو المعيبة ، بل في الحدائق دعوى الإجماع عليه (٣) ، وناقش فيه غير واحد بمنافاته للإطلاق المتقدّم.

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٢٥ / أبواب زكاة الأنعام ب ١٠ ح ٣.

(٢) في ص ١٨٧.

(٣) الحدائق ١٢ : ٦٦.

٢٠١

الشرط الثاني : السوم طول الحول (١) ، فلو كانت معلوفة ولو في بعض الحول لم تجب فيها ولو كان شهراً بل أُسبوعاً.

______________________________________________________

والصحيح ما عليه المشهور ، فإنّ الزكاة حقٌّ متعلّقٌ بالعين كيفما قلنا في كيفيّة التعلّق ، فالواجب ابتداءً الدفع من نفس العين وإن جاز التبديل بالقيمة ، بمقتضى الدليل الثانوي الدالّ على جواز الإخراج من أيّما تيسّر كما في صحيح البرقي المتقدّم (١) ، ومقتضى الإطلاقات جواز الدفع من العين كيفما كان ، سواء أكان صحيحاً أم معيباً ، وقد خرجنا عنها بمقتضى صحيح أبي بصير ، ولأجله حكمنا بلزوم كون المدفوع من قسم الصحيح ، ولا ينبغي التأمّل في أنّ هذه الصحيحة ناظرة إلى صورة وجود القسم الصحيح في النصاب فيلزم حينئذٍ أن يختاره وليس له أن يعدل عنه إلى المعيب ، وأمّا لو كان الموجود في النصاب كلّه معيباً كما هو المفروض فإطلاق الصحيحة منصرفٌ عن هذه الصورة جزماً ، فتبقى الإطلاقات الأوّلية على حالها.

ولا يقاس ذلك أعني : قوله (عليه السلام) : «في كلّ أربعين شاة» بقوله (عليه السلام) : «في كلّ خمس من الإبل شاة» ، لعدم المسانخة بين الخارج والمخرَج عنه في الثاني ، فلا مقتضى لدعوى الانصراف فيه ، ولأجله نحكم بلزوم دفع الشاة الصحيحة في زكاة الإبل وإن كانت الآبال كلّها معيبة.

وهذا بخلاف الأوّل ، الذي يكون فيه الخارج من سنخ النصاب نفسه ، فإنّ الانصراف المزبور لعلّه غير قابل هنا للإنكار كما يظهر بأدنى تأمّل.

(١) بلا خلافٍ فيه منّا ، بل من الفريقين ، فعليه إجماع المسلمين على ما حكي ، ولا إشكال فيه في الجملة كما تشهد به جملة وافرة من النصوص :

__________________

(١) في ص ١٩٠.

٢٠٢

نعم ، لا يقدح في صدق كونها سائمة في تمام الحول عرفاً علفها يوماً أو يومين.

______________________________________________________

كصحيح الفضلاء في حديث زكاة الإبل ـ : «قال : وليس على العوامل شي‌ء ، إنّما ذلك على السائمة الراعية» (١).

وصحيحهم الآخر في حديث زكاة البقر ـ : «ولا على العوامل شي‌ء ، وإنّما الصدقة على السائمة الراعية» (٢).

وصحيحهم الثالث الوارد فيهما معاً عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) : «قالا : ليس على العوامل من الإبل والبقر شي‌ء ، إنّما الصدقات على السائمة الراعية» (٣).

وصحيح زرارة : «ليس على ما يعلف شي‌ء ، إنّما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل ، فأمّا ما سوى ذلك فليس فيه شي‌ء» (٤).

إنّما الكلام في تحديد السوم ، فقد حُدِّد بين إفراطٍ وتفريط ، فعن الشيخ والمحقّق في المعتبر : التحديد بالغلبة في مجموع السنة (٥) ، فلو كانت سائمة سبعة أشهر ومعلوفة في خمسة أشهر كفى في صدق السوم.

وبإزائه ما اختاره المحقّق في الشرائع (٦) وجملة ممّن تأخّر عنه من لزوم استمرار

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١١٨ / أبواب زكاة الأنعام ب ٧ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ١١٩ / أبواب زكاة الأنعام ب ٧ ح ٢.

(٣) الوسائل ٩ : ١٢٠ / أبواب زكاة الأنعام ب ٧ ح ٥.

(٤) الوسائل ٩ : ١١٩ / أبواب زكاة الأنعام ب ٧ ح ٣.

(٥) الخلاف ١ : ١٨٦ ولاحظ المعتبر ٢ : ٥٠٦ ٥٠٧.

(٦) الشرائع ١ : ١٧٠.

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

السوم في تمام الحول ، بحيث يقدح العلف في الأثناء ولو يوماً واحداً ، فيوجب ذلك انقطاع الحول الموجب لاستئناف السوم.

وذهب المشهور إلى إناطة الوصفين بالصدق العرفي ، فيتبع الحكم صدق عنواني السائمة أو المعلوفة عرفاً ، كما هو الحال في بقيّة العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام.

ولا يخفى أنّ هذا الأخير غير قابل للإنكار ، فإنّ المتّبع في تشخيص المفاهيم الواردة في متعلّقات الخطابات الشرعيّة إنّما هو الصدق العرفي كما هو واضح ، إنّما الكلام في تشخيص الصدق المزبور بعد وضوح امتناع إرادة الاستمرار الحقيقي من مبدأ الحول إلى منتهاه ليلاً ونهاراً ، لاحتياج الحيوان إلى النوم والراحة ، فلا يكاد يتّفق وقوعه بهذا المعنى خارجاً.

فالمراد : أن تكون سائمة في أوقات أكلها والساعات المعدّة لذلك بحسب المتعارف الخارجي ، بحيث لا يقدح العلف اليسير الذي ربّما يتّفق خلالها أحياناً.

وهل يلزم الاستمرار في ذلك بحيث يضرّ تخلّف يومٍ مثلاً أو يومين؟

الظاهر : العدم ، لعدم قدح ذلك في صدق السوم بنظر العرف كما هو الحال في سائر العناوين ، فكما أنّ الحدّاد والبنّاء والنجّار ونحو ذلك من الأوصاف العنوانيّة تصدق وإن تخلّف المتّصف بها عن التصدّي لها يوماً أو يومين بل وأكثر لعذرٍ أو غير عذر ، فكذا الحال في عنوان السائمة ، فلا يقدح في الصدق عدم ذهاب الدابّة إلى الاستيام يوماً أو يومين لعذرٍ من مرضٍ أو مطرٍ أو ثلج ، بل لغير العذر أيضاً.

فالمناط : أن تكون الشاة بحيث لو سُئل المالك عن كيفيّة إعاشتها لأجاب بأنّها تعيش بالسوم ، في قبال الأُخرى التي تعيش بعلف المالك ، فالعلف في كلّ شهر يوماً بحيث تعتلف في السنة اثني عشر يوماً لا يضرّ بصدق السوم ولا ينقطع به الحول.

٢٠٤

ولا فرق في منع العلف عن وجوب الزكاة بين أن يكون بالاختيار أو بالاضطرار (١) لمنع مانعٍ من السوم ، من ثلج أو مطرٍ أو ظالمٍ غاصبٍ أو نحو ذلك ولا بين أن يكون العلف من مال المالك أو غيره بإذنه أو لا بإذنه (٢) ، فإنّها تخرج بذلك كلّه عن السوم.

______________________________________________________

وأمّا لو اعتلف مقداراً أكثر بحيث شُكّ معه في صدق السوم كالاسبوع أو العشرة أيّام مستمرّة؟

فالظاهر وجوب الزكاة أيضاً ، للزوم الاقتصار في المخصِّص المنفصل الدائر بين الأقلّ والأكثر لشبهةٍ مفهوميّة على المقدار المتيقّن الذي يقطع بخروجه عن تحت العامّ كما هو محرّر في الأُصول (١).

وقد دلّت المطلقات على وجوب الزكاة في كلٍّ من الأنعام الثلاثة ، خرجنا عن ذلك بالدليل المنفصل في المعلوفة ، فما قطع بصدق المعلوفة عليه حكمنا بسقوط الزكاة عنه ، ورجعنا في ما عداه إلى المطلقات ، لسلامتها عمّا يصلح للتقييد.

ولا ريب أنّ الشكّ المزبور شخصي يتبع تحقّقه نظر الفقيه ، ولا يندرج تحت ضابط كلّي ، والحكم في فرض حصوله ما عرفت من التمسّك بالمطلقات.

(١) كنزول مطرٍ أو ثلج ، أو بالإكراه كمنع جائر أو ظلم غاصب ، كلّ ذلك لإطلاق الدليل ، إذ بالآخرة لم تكن الشاة سائمة بأيّ سببٍ كان ، فينتفي موضوع الوجوب.

(٢) للإطلاق أيضاً.

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٤٥٥ ٤٥٧.

٢٠٥

وكذا لا فرق بين أن يكون ذلك بإطعامها للعلف المجزوز ، أو بإرسالها لترعى بنفسها في الزرع المملوك (١).

نعم ، لا تخرج عن صدق السوم باستئجار المرعى أو بشرائه (*) إذا لم يكن مزروعاً ، كما أنّها لا تخرج عنه بمصانعة الظالم على الرعي في الأرض المباحة.

______________________________________________________

وما يقال من إلحاق الثاني بالسوم ، لاشتراكه معه في المجّانيّة وعدم المئونة فيكون واجداً لملاك الوجوب.

مدفوعٌ بأنّ العلّة المستنبطة لا يعوّل عليها بحيث ترفع اليد بها عن إطلاق الدليل كما هو موضح في محلّه.

(١) لما عرفت من الإطلاق بعد صدق عنوان المعلوفة على التقديرين ، إذ لا فرق في الصدق بين تقديم الطعام إلى الحيوان أو تقديم الحيوان إلى الطعام المملوك.

ودعوى إلحاق الثاني بالسوم ، لمشاركته معه في رعي الحيوان بنفسه مباشرةً فيصدق أنّها مرسلة في الرعي الذي هو المناط في السوم.

مدفوعةٌ وإن قوّاها في الجواهر (١) بعدم كفاية مطلق الإرسال للرعي في صدق السوم ، بل اللازم بمقتضى صحيحة زرارة المتقدّمة (٢) أن تُرسَل لترعى في مرجها.

والمرج كما في اللغة : الأرض الواسعة التي فيها عشب كثير.

فالاعتبار بالرعي في تلك الأراضي والانتفاع من زرعها المباح ، فلا يكفي

__________________

(*) عدم الخروج عن صدق السوم باستئجار المرعى أو شرائه لا يخلو من إشكال.

(١) الجواهر ١٥ : ٩٢.

(٢) في ص ٢٠٣.

٢٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الرعي من زرع المالك ، والصدق العرفي أيضاً مساعدٌ على ما ذكرناه ، فلا تصدق السائمة على ما ترتزق من الزرع المملوك كما لا يخفى.

نعم ، لا يضرّ بصدق السوم مصانعة الظالم على الرعي في الأرض المباحة ، بأن يأخذ شيئاً من المالك ظلماً ليسمح له في الرعي ، كما نبّه عليه في المتن ، فإنّ ذلك لا يضرّ بما هو الملاك في صدق السوم من الرعي في الأرض الواسعة المباحة ، لأنّ المال مبذولٌ بإزاء المقدّمات لا بإزاء نفس الزرع ، فهو كالمال المبذول لنفس الراعي اجرةً لرعيه ، وكالمال الذي يأخذه الظالم عن كلّ رأس من الأغنام أو الأنعام لدى الخروج عن البلد للرعي أو لغيره ، وكما لو توقّف الخروج إلى الرعي على استطراق أرض الغير ولم يرض إلّا ببذل المال ففي جميع ذلك لا يقدح صرف المال في صدق السوم ، لما عرفت من أنّه مبذولٌ بإزاء مقدّمات السوم الخارجة عن حقيقته.

نعم ، ربّما يشكل الصدق فيما لو استأجر المرعى أو اشترى أرضاً غير مزروعة فنبت فيها الزرع ، نظراً إلى صدق الرعي في المملوك عيناً أو منفعة.

والإنصاف : أنّه لو كنّا نحن وإطلاق جملة من النصوص المشتملة على التعبير بالسائمة الراعية أي المرسلة في رعيها لحكمنا بصدق السوم في المقام كما هو كذلك لغةً ، ولكن صحيحة زرارة المتقدّمة تضمّنت حصر الصدقة في السائمة المرسلة في مرجها وأنّ ما سوى ذلك ليس فيه شي‌ء.

والمرج كما عرفت : هي الأرض الواسعة التي فيها نبت كثير.

فيختصّ الحكم بالرعي في الأراضي المباحة ، ولا تعمّ المملوكة مثل البساتين ونحوها عيناً أو منفعة ، فلا يصدق السوم المأخوذ في لسان الشارع في هذه الموارد ، فلا زكاة فيها.

٢٠٧

الشرط الثالث : أن لا تكون عوامل (١) ولو في بعض الحول ، بحيث لا يصدق عليها أنّها ساكنة فارغة عن العمل طول الحول ، ولا يضرّ إعمالها يوماً أو يومين في السنة كما مرّ في السوم.

______________________________________________________

نعم ، لو فُرِض الشكّ فقد مرّ حكمه من وجوب الزكاة (١) ، عملاً بالإطلاقات بعد الاقتصار في المخصِّص المجمل المنفصل الدائر بين الأقلّ والأكثر على المقدار المتيقّن ، ولكن لا تصل النوبة إلى الشكّ كما لا يخفى.

(١) لا بدّ من فرض الكلام في العوامل من السوائم ، وإلّا فالعاملة المعلوفة لا زكاة فيها ، لعلفها ، وإن لم تكن عاملة فلا أثر فيها لهذا الشرط ، ولأجله قيّده في الشرائع بذلك فقال : الشرط الرابع : أن لا تكون عوامل ، فإنّه ليس في العوامل زكاة ولو كانت سائمة (٢).

وكيفما كان ، فلا خلاف في المسألة ، بل ادُّعي عليه الإجماع في كثيرٍ من الكلمات ، وتدلّ عليه جملة من النصوص التي تقدّمت في السوم وغيرها ، كصحاح الفضلاء الثلاث المتقدّمة وصحيحة زرارة (٣).

نعم ، بإزائها موثّقة إسحاق بن عمّار ، قال : سألته عن الإبل تكون للجمّال أو تكون في بعض الأمصار ، أتجري عليها الزكاة كما تجري على السائمة في البريّة؟ «فقال : نعم» (٤).

__________________

(١) راجع ص ٢٠٥.

(٢) الشرائع ١ : ١٧١.

(٣) الوسائل ٩ : ١١٨ / أبواب زكاة الأنعام ب ٧.

(٤) الوسائل ٩ : ١٢٠ / أبواب زكاة الأنعام ب ٧ ح ٧.

٢٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنّ إسناد الإبل إلى الجمّال ظاهرٌ في مراعاة الوصف العنواني ، فيراد به الإبل المعدّ للعمل بطبيعة الحال.

وموثّقته الأُخرى : سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الإبل العوامل ، عليها زكاة؟ «فقال : نعم ، عليها زكاة» (١).

وقد حملهما الشيخ تارةً على التقيّة نظراً إلى أنّ المشهور عند الجمهور عدم اعتبار هذا الشرط وأُخرى على الاستحباب (٢).

لكن الأظهر هو الأوّل ، لأنّ تقدّم الجمع الدلالي على التصرّف في الجهة خاصٌّ بما إذا تيسّر الجمع المزبور لا في مثل المقام ممّا يتعذّر فيه الحمل على الاستحباب ، لما أشرنا إليه سابقاً من أنّ بين قوله : فيه زكاة ، وقوله : ليس فيه زكاة ، مناقضة ومدافعة في نظر العرف ، بحيث لا يصلح أحدهما للقرينيّة ، فلا مناص من الحمل على التقيّة بعد أن كان الحكم ممّا انفردت به الإماميّة.

ثمّ إنّ المعتبر : عدم كونها عوامل في تمام الحول ، فيقدح العمل ولو في البعض ، والمتّبع في ذلك الصدق العرفي كما تقدّم في السوم (٣) ، فلا يقدح العمل اليسير المتّفق أحياناً ، كما لو ركب البعير السائمة للزيارة مثلاً إلّا أن يكون معدّاً للاكتراء في أيّام الزيارة ، فيقدح حينئذٍ ، لصدق أنّها عوامل ولو في خصوص هذه الأيّام التي هي قليلة بالإضافة إلى باقي أيّام السنة ، فينقطع الحول بذلك ، والمرجع في فرض الشكّ في المخصِّص المجمل الدائر بين الأقلّ والأكثر إطلاقات الزكاة كما تقدّم في السوم (٤).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٢١ / أبواب زكاة الأنعام ب ٧ ح ٨.

(٢) لاحظ التهذيب ٤ : ٤٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٤ ، ٢٥.

(٣) راجع ص ٢٠٧.

(٤) في ص ٢٠٥.

٢٠٩

الشرط الرابع : مضيّ الحول عليها (١) جامعةً للشرائط ، ويكفي الدخول في الشهر الثاني عشر (٢) ، فلا يعتبر تمامه ، فبالدخول فيه يتحقّق الوجوب ، بل

______________________________________________________

(١) بلا خلافٍ فيه عند الأصحاب ، بل المسلمين عامّة كما قيل ، فلو خرج عن الملك أثناء الحول ثمّ رجع ثانياً بشراءٍ أو إرثٍ ونحوهما استأنف الحول.

وتشهد له جملة من النصوص :

منها : صحيحة الفضلاء : «... وكلّ ما لم يحلّ عليه الحول عند ربّه فلا شي‌ء عليه فيه ، فإذا حال عليه الحول وجب عليه» (١).

ورواية زرارة : «لا يزكّى من الإبل والبقر والغنم إلّا ما حال عليه الحول ، وما لم يحلّ عليه فكأنه لم يكن» (٢).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : أُنزلت آية الزكاة في شهر رمضان ، فأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مناديه فنادى في الناس : إنّ الله قد فرض عليكم الزكاة إلى أن قال : ثمّ لم يعرض لشي‌ء من أموالهم حتى حال عليهم الحول» (٣).

(٢) بلا خلافٍ فيه ، بل الإجماع عليه بقسميه كما في الجواهر (٤).

ومستنده مصحّح زرارة ومحمّد بن مسلم ، قالا : «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : أيّما رجل كان له مال فحال عليه الحول فإنّه يزكّيه» قلت له : فإن

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٢١ / أبواب زكاة الأنعام ب ٨ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ١٢١ / أبواب زكاة الأنعام ب ٨ ح ٢.

(٣) الوسائل ٩ : ١٢٢ / أبواب زكاة الأنعام ب ٨ ح ٣.

(٤) الجواهر ١٥ : ٩٧.

٢١٠

الأقوى استقراره أيضاً ، فلا يقدح فقد بعض الشروط قبل تمامه ، لكن الشهر الثاني عشر محسوب من الحول الأوّل ، فابتداء الحول الثاني إنّما هو بعد تمامه.

______________________________________________________

وهبه قبل حلّه بشهر أو بيوم؟ «قال : ليس عليه شي‌ء أبداً» قال : وقال زرارة عنه أنّه «قال : إنّما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوماً في إقامته ثمّ خرج في آخر النهار في سفر فأراد بسفره ذلك إبطال الكفّارة التي وجبت عليه. وقال : إنّه حين رأى هلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة ولكنّه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز ولم يكن عليه شي‌ء بمنزلة من خرج ثمّ أفطر» إلخ (١).

ولا معارضة بينها وبين نصوص الحول ، فإنّ لسانها لسان الحكومة كما لا يخفى.

والمناقشة في سندها بإبراهيم بن هاشم ضعيفةٌ جدّاً ، إذ قد وثّقه ابن طاوس في فلاح السائل صريحاً مدّعياً اتّفاق الأصحاب عليه (٢) ، وهو ممدوحٌ بلا إشكال ، فغايته أن تُعدّ الرواية من الحسان المحكومة بالاعتبار وإن لم تكن من الصحيح الأعلائي ، كيف؟! وروايات علي بن إبراهيم تتجاوز الخمسة آلاف ، وقد روى أربعة آلاف منها بواسطة أبيه إبراهيم بن هاشم ، فلو بُني على هذه المناقشة لزم رمي طائفة كبرى من النصوص وإلغاؤها عن الحجّيّة ، وهو كما ترى لا يلتزم به الأصحاب جزماً.

وكيفما كان ، فلم يوجد مخالف في المسألة إلّا المحدّث الكاشاني (قدس سره) (٣) ،

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٦٣ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٢ ح ٢.

(٢) فلاح السائل : ٢٨٤.

(٣) الوافي ١٠ : ١٣٤ ١٣٥.

٢١١

.................................................................................................

______________________________________________________

حيث يظهر منه عدم الوجوب ، غايته أنّه لا يجوز تفويت الزكاة بعد دخول الشهر الثاني عشر ، ويجب التحفّظ عليها ، ولا يسوغ التصرّف ببيعٍ ونحوه ممّا ينافي بقاء المال ، أمّا الوجوب فلا يتأتّى إلّا بعد مضيّ الحول بكامله ، قائلاً : إنّ هذا من الضروريّات التي ثبتت بالروايات ، فكيف يمكن رفع اليد عن هذا الحكم الضروري بالخبر الواحد المتقدّم آنفاً الذي فيه ما فيه؟! مشيراً بذلك على الظاهر إلى اشتمال السند على إبراهيم بن هاشم كما عرفت.

واستجوده صاحب الحدائق (١) لولا أنّ الإجماع على خلافه ، وأيّده بصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : لمّا نزلت آية الزكاة (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) (٢) في شهر رمضان ، فأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مناديه فنادى في الناس : إنّ الله تبارك وتعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة إلى أن قال : ثمّ لم يتعرّض لشي‌ء من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا وأفطروا ، فأمر (صلّى الله عليه وآله) مناديه فنادى في المسلمين : أيّها المسلمون ، زكّوا أموالكم» (٣).

حيث إنّها دلّت صريحاً على أنّه (صلّى الله عليه وآله) لم يطالب المسلمين بشي‌ء قبل انقضاء السنة بكاملها ، فتدلّ لا محالة على عدم تعلّق الوجوب إلّا بعد مضيّ الحول التام.

أقول : أمّا ما أفاده من أنّ الحكم الضروري لا يرفع اليد عنه فلا يكاد يتحصّل منه معنىً صحيح ، لأنّه (قدس سره) إن أراد أنّ الاشتراط بالحول بمعنى السنة

__________________

(١) الحدائق ١٢ : ٧٥.

(٢) التوبة ٩ : ١٠٣.

(٣) الوسائل ٩ : ٩ / أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١ ح ١.

٢١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الكاملة ضروري ، فيمكن أن يقال : إنّ عدمه ضروري ، إذ لم يخالف أحدٌ من الفقهاء في الاكتفاء بدخول الشهر الثاني عشر كما مرّ (١).

وإن أراد بالحول أعمّ من ذلك الشامل لدخول الشهر المزبور ، فلا منافاة بينه وبين الخبر الواحد المتقدّم بوجه كما هو ظاهر.

وبعبارة أُخرى : لا ريب أنّ ظاهر الأخبار اعتبار الحول الكامل ، فإنّ إطلاقه على السنة باعتبار دورانها وتحويلها عند انتهاء سيرها من نقطة كأوّل الربيع مثلاً إلى ما بعدها ، إلّا أنّ الصحيحة الحاكمة دلّتنا على أنّ المراد بالحول مجرّد الدخول في الشهر الثاني عشر ، فلا بدّ من الأخذ به بعد حجّيّته وعمل الأصحاب به قديماً وحديثاً من غير خلافٍ من أحدٍ أبداً.

وأمّا مناقشته في الصحيحة بقوله : فيه ما فيه ، فقد عرفت ما فيه.

وأمّا استشهاد صاحب الحدائق بصحيحة عبد الله بن سنان فلا شهادة لها على مسلك المحدّث الكاشاني بوجه ، فإنّها إنّما دلّت على تأخير المطالبة إلى ما بعد تماميّة السنة ، وهو أجنبي عن محلّ الكلام من وجوب الزكاة على المالك ، ولعلّه (صلّى الله عليه وآله) أخّر إرفاقاً أو لمصلحةٍ أُخرى وإن تعلّق الوجوب قبل ذلك.

بل هو (صلّى الله عليه وآله) أخّر المطالبة عن ظرف التعلّق على كلّ تقدير ، لأنّ وجوب الزكاة قد نزل في شهر رمضان بمقتضى نفس هذه الصحيحة ، وحلول الحول الكامل يستدعي المطالبة في رمضان القابل ، مع أنّه (صلّى الله عليه وآله) أخّرها إلى ما بعد الفطر كما صرّح به فيها ، فقد أخّر المطالبة بأيّامٍ عديدة عن الوقت الذي حدث فيه الوجوب بإجماع المسلمين أعني : مضيّ السنة التامّة ـ

__________________

(١) في ص ٢١٠.

٢١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا فرق بين القول بحدوث الوجوب بعد مضيّ السنة أو بدخول الشهر الثاني عشر في أنّ المطالبة قد تأخّرت عن ظرف الوجوب على التقديرين ، فالإشكال مشترك الورود ، والحلّ ما عرفت من أنّ المطالبة شي‌ء ، والوجوب شي‌ء ، وأحدهما أجنبي عن الآخر.

وكيفما كان ، فالصحيحة واضحة الدلالة على حدوث الوجوب بحلول الشهر الثاني عشر ، ولا سيّما بملاحظة ما تضمّنته من تشبيه المقام بالإفطار في شهر رمضان ، حيث جعل الهبة بعد حلول الشهر بمنزلة السفر بعد الإفطار ، والهبة قبله بمنزلة الإفطار بعد السفر ، فإنّه كالصريح في حدوث وجوب الزكاة في هذا الوقت ، لا أنّه مجرّد حرمة التفويت ، بل الحرمة مترتّبة على وجوب الزكاة ، فكلام المحدّث الكاشاني لا يمكن المساعدة عليه بوجه.

نعم ، يبقى الكلام في بعض الجهات :

منها : أنّ الصحيحة قد دلّت كما عرفت على تحقّق الحول بدخول الشهر الثاني عشر ، فهل ذلك من أجل أنّ الحول حقيقة شرعيّة في باب الزكاة في أحد عشر شهراً بحيث يحتسب الشهر الثاني عشر مبدأ لسنة جديدة كي ينقضي حولان بمضيّ اثنين وعشرين شهراً وتجب عندئذٍ زكاة اخرى لسنة جديدة كما ذهب إليه فخر المحققين على ما نُسِبَ إليه (١)؟

الظاهر أنّ الأمر ليس كذلك ولا يمكن المساعدة على ما ذهب إليه بوجه ، إذ لم يظهر من الصحيحة أنّ للحول معنىً شرعيّاً غير معناه اللغوي ، بل غايتها الدلالة على أنّه قد حال عليه الحول المبنيّ لا محالة على ضربٍ من العناية ، كما هو المتعارف في الاستعمالات الدارجة عند أهل العرف ، فيقال فيمن بقي في بلدة

__________________

(١) لاحظ الحدائق ١٢ : ٧٣ ٧٤.

٢١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

تسعة وعشرين يوماً وبعد أن دخل في يوم الثلاثين : أنّه أقام فيها شهراً باعتبار تلبّسه بالجزء الأخير.

وعلى الجملة : فلم يظهر من الصحيحة التصرّف في معنى الحول ، بل حكم فيها أنّه حال الحول وأنّه يكفي هذا المقدار في وجوب الزكاة. وأمّا أنّه حقيقة شرعيّة فيه كي تؤخذ منه ويلحق بالسنة الجديدة فكلّا ، مضافاً إلى الروايات الدالّة على أنّ المال الواحد لا يزكّى في سنة مرّتين.

على أنّ صحيحة عبد الله بن سنان المتقدّمة (١) ظاهرةٌ في ذلك (٢) ، إذ لم يطالبهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلّا بعد ما أفطروا ، فحاسبهم بكلّ سنة سنة ، فليتأمّل.

إذن فلا موجب لاحتساب الشهر الثاني عشر من السنة الثانية ، بل لكلّ سنة زكاة واحدة ، فيلحق الشهر الثاني عشر بالسنة الأُولى ، غاية الأمر أنّ هذا الوجوب ليس فوريّاً ، بل يجوز تأخيره إلى آخر السنة ، لأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) طالب بعد انقضاء السنة ، فليس الحول في لسان الشرع غير الحول في لسان العرف.

ومنها : أنّه هل الوجوب العارض بحلول الشهر الثاني عشر منجّز مستقرّ؟ أو أنّه مراعى ببقاء سائر الشرائط إلى آخر السنة ، فلو ارتفع بعضها كما لو جنّ أو نقص المال عن النصاب ونحو ذلك سقط الوجوب؟

__________________

(١) في ص ٢١٢.

(٢) بل أنّ رواية خالد بن الحجّاج الكرخي كالصريحة في المطلوب [الوسائل ٩ : ١٦٦ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١٣ ح ٢] بيد أنّها ضعيفة السند ، لعدم ثبوت وثاقة الرجل ، فلا تصلح إلّا للتأييد.

٢١٥

[٢٦٤٠] مسألة ٩ : لو اختلّ بعض الشروط في أثناء الحول قبل الدخول في الثاني عشر بطل الحول (١) ، كما لو نقصت عن النصاب أو لم يتمكّن من التصرّف فيها أو عاوضها بغيرها وإن كان زكويّاً من جنسها ، فلو كان عنده

______________________________________________________

ذهب جماعة إلى الأوّل ، ونُسِبَ الثاني إلى الشهيدين والمحقّق الثاني (١).

ولم يظهر له وجهٌ صحيح ، فإنّ الصحيحة ولا سيّما بملاحظة التشبيه بمن أفطر ثمّ سافر ظاهرة في الوجوب المستقرّ ، فلا دليل على اعتبار بقاء الشرائط إلى نهاية السنة بعد ورود مثل هذا الدليل الحاكم ، المتضمّن لتفسير الحول بالدخول في الشهر الثاني عشر ، الكاشف عن أنّ هذا هو المراد ، ممّا دلّ على بقاء الشرائط إلى نهاية الحول.

نعم ، ما اختاره الشهيد الثاني في المسالك وجيهٌ على مسلكه ، حيث ارتأى ضعف الرواية ، وعوّل في المسألة على الإجماع (٢) ، وهو دليل لبّي يقتصر على المتيقّن منه ، وهو أصل الوجوب دون الاستقرار ، فما دلّ على لزوم كون الغنم سائمة في تمام الحول مثلاً هو المحكّم.

وأمّا على ما ذكرناه من صحّة الرواية وحجّيّتها فلا قصور لها ، وقد عرفت أنّ مقتضى إطلاقها هو الوجوب المستقرّ ، فلا موجب لكونه مراعى والالتزام بالشرط المتأخّر كما لا يخفى.

(١) كما هو ظاهرٌ ممّا تقدّم بعد وضوح انتفاء المشروط بانتفاء شرطه ، وإنّما الكلام في موردين :

__________________

(١) الشهيدين في اللّمعة ٢ : ٢٣ والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ١٠.

(٢) المسالك ١ : ٣٧٠ ٣٧١.

٢١٦

نصابٌ من الغنم مثلاً ومضى ستّة أشهر فعاوضها بمثلها ومضى عليه ستّة أشهر أُخرى لم تجب عليه الزكاة ، بل الظاهر بطلان الحول بالمعاوضة وإن كانت بقصد الفرار من الزكاة.

______________________________________________________

أحدهما : ما لو بدّل جنساً زكويّاً بمثله في أثناء الحول ، كما لو كانت عنده أربعون من الغنم وقد مضى ستّة أشهر فعاوضها بمثلها ومضى ستّة أشهر أُخرى.

فإنّ المنسوب إلى الشيخ في المبسوط وجوب الزكاة حينئذٍ (١) ، ووافقه فخر المحقّقين في شرحه على الإرشاد بعد أن نسبه إلى الشيخ وأنّه استدلّ بالرواية (٢).

ولكن الرواية لا وجود لها ، والشيخ أيضاً لم يستدلّ بها ولم يذكرها لا في كتب الحديث ولا الاستدلال ، وإنّما استند إلى الإطلاق ، لصدق أنّه ملك أربعين سائمة طول الحول وإن لم ينطبق على شخص معيّن بل كان منطبقاً على جنسه.

ولكنّك عرفت عدم الإطلاق في شي‌ءٍ من النصوص ، وأنّها ظاهرة في حلول الحول على شخص العين الزكويّة ، وأن يكون عند ربّه طول الحول ، فاستظهار الاكتفاء بالجنس دون الشخص في غير محلّه.

فالصحيح ما عليه المشهور شهرة عظيمة بل كادت تكون إجماعاً ، من سقوط الزكاة حينئذٍ ، عملاً بظواهر النصوص الدالّة على لزوم مراعاة الشرائط في نفس العين إلى تمام الحول كما عرفت.

الثاني : لا ريب في عدم وجوب الزكاة فيما لو خرج عن الملك أثناء الحول بسببٍ غير اختياري وكذا الاختياري لغاية أُخرى غير الفرار.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٠٦.

(٢) لاحظ الجواهر ١٥ : ١٠١.

٢١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وإنّما الكلام فيما لو أخرجه عن الملك بهبةٍ ونحوها بقصد الفرار من الزكاة ، فإنّ المشهور حينئذٍ سقوط الزكاة أيضاً أي عدم تعلّق الوجوب فلا فرق في ذلك بين قصد الفرار وبين غيره من سائر الدواعي ، لإطلاق النصوص ، بل التصريح في جملة منها بالسقوط عمّن فرّ عنها بالتبديل ، كما في صحيحة عمر ابن يزيد ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل فرّ بماله من الزكاة فاشترى به أرضاً أو داراً ، أعليه شي‌ء؟ «فقال : لا ، ولو جعله حليّاً أو نقراً فلا شي‌ء عليه ، وما منع نفسه من فضله أكثر ممّا منع من حقّ الله الذي يكون فيه» (١).

وعن جماعة كثيرين : ثبوت الزكاة حينئذٍ وعدم سقوطها فيما إذا كان بقصد الفرار ، ومنهم السيّد المرتضى (قدس سره) ، مستدلّاً عليه بعد دعوى الإجماع بجملة من الأخبار ، مدّعياً أنّها أقوى وأوضح طريقاً من النصوص المتقدّمة ، وأنّها محمولة على التقيّة ، لأنّ عدم الوجوب مذهب جميع المخالفين (٢).

أقول : أمّا ما أفاده من أنّ عدم الوجوب مذهب جميع المخالفين فليس الأمر كذلك ، بل المسألة عندهم أيضاً خلافيّة وهي ذات قولين ، فذهب أبو حنيفة والشافعي إلى عدم الوجوب ومالك وأحمد بن حنبل إلى الوجوب كما نبّه عليه في الحدائق

(٣) ، والمذاهب الأربعة وإن لم تكن كلّها مشهورة في زمن الصادقين (عليهما السلام) إلّا أنّه يعلم من ذلك وجود الخلاف بين العامّة آن ذاك ، المانع عن الحمل على التقيّة كما لا يخفى ، فليتأمّل.

وأمّا ما ذكره (قدس سره) من أنّ نصوص الثبوت أوضح طريقاً من نصوص

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٥٩ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١١ ح ١.

(٢) الانتصار : ١٥٤.

(٣) الحدائق ١٢ : ١٠٥.

٢١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

السقوط فليس كذلك أيضاً ، فإنّ نصوص السقوط كثيرة وجملة منها صحاح كصحيحة عمر بن يزيد المتقدّمة آنفاً ، وأمّا روايات الثبوت فهي أربع :

إحداها : ما رواه الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن بن فضّال ، عن محمّد ابن عبد الله ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : قلت له : الرجل يجعل لأهل الحلي إلى أن قال : قلت له : فإنّه فرّ به من الزكاة «فقال : إن كان فرّ به من الزكاة فعليه الزكاة ، وإن كان إنّما فعله ليتجمّل به فليس عليه زكاة» (١).

ولا مجال لحملها على ما إذا كان الفرار بعد حلول الحول ، لعدم الفرق حينئذٍ بين ما إذا كان بقصد الفرار أو بقصد التجمّل ، فلا يستقيم ما تضمّنته من التفصيل بينهما كما هو ظاهر ، فهي صريحة الدلالة ، غير أنّ سندها قابلٌ للخدش ، لمكان محمّد بن عبد الله ، فإنّ المسمّى بهذا الاسم الواقع في هذه الطبقة أعني : طبقة مشايخ ابن فضّال مشتركٌ بين الثقة وهو محمّد بن عبد الله بن زرارة بن أعين وبين الضعيف وهو محمّد بن عبد الله بن مهران ، فإنّه أيضاً معروفٌ وله كتاب ولكنّه كذّاب غال كما عن النجاشي (٢) وبين مجهول الحال وهو محمّد بن عبد الله بن عمرو ، الذي هو أيضاً معروف وله كتاب فالاسم مردّدٌ بين الثقة والضعيف والمجهول.

وما عن صاحب الحدائق من توصيفها بالصحّة ، نظراً إلى أنّ ابن إدريس رواها في مستطرفات السرائر نقلاً عن كتاب معاوية ابن عمّار نفسه ، فليس في الطريق محمّد بن عبد الله ليتأمّل من أجله (٣).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٦٢ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١١ ح ٦ ، التهذيب ٤ : ٩ / ٢٥ ، الاستبصار ٢ : ٨ / ٢٢.

(٢) رجال النجاشي : ٣٥٠ / ٩٤٢.

(٣) الحدائق ١٢ : ٩٨ ، مستطرفات السرائر : ٢١ / ٢.

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

كما ترى ، ضرورة أنّ ابن إدريس لم يكن معاصراً لمعاوية بن عمّار ، فبينهما واسطة لا محالة وهي مجهولة ، إذ لم يعلم طريقه إلى الكتاب ، لعدم تعرّضه إليه لا في السرائر ولا في غيره.

هذا ، ولكن الظاهر أنّ المراد به هو الثقة أعني : محمّد بن عبد الله بن زرارة ابن أعين الموثّق عندنا ولا أقلّ من أجل وقوعه في أسناد كامل الزيارات ، فإنّ المسمّى بهذا الاسم الواقع في هذه الطبقة وإن كان كثيراً إلّا أنّ من يروي عنه علي بن الحسن بن فضّال هو هذا الرجل ، لروايته عنه في مواضع كثيرة تبلغ نيفاً وثلاثين موضعاً ، فهو كثير الرواية عن هذا الرجل ، بل لم نظفر على روايته عن غيره ممّن يسمّى بهذا الاسم.

أجل ، روى في التهذيب عن علي بن الحسن بن فضّال ، عن محمّد بن عبد الله الحلبي ، إلّا أنّ في نسخة اخرى من التهذيب : عبيد الله ، بدل : عبد الله ، كما أنّه روى في مواضع أُخر أيضاً عن عبيد الله الحلبي ، فلم تثبت روايته عن غير محمّد ابن عبد الله بن زرارة ، فهذه القرينة تورث الاطمئنان بأنّ المراد به في المقام هو ابن زرارة كما ذكره الأردبيلي (١) ، إذن فالمناقشة في السند في غير محلّها.

الثانية : موثّقة زرارة ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنّ أباك قال : «من فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤدّيها» «فقال : صدق أبي ، إنّ عليه أن يؤدّي ما وجب عليه ، وما لم يجب عليه فلا شي‌ء عليه منه» إلخ (٢).

ولكن الدلالة كما ترى قاصرة ، بل يمكن أن يقال : إنّها ظاهرة في العدم ، حيث فسّر الصادق (عليه السلام) ما قاله أبوه ونزّله على ما إذا كان الفرار بعد استقرار الوجوب عليه أي بعد حلول الحول وأنّ عليه أن يؤدّي حينئذٍ ما

__________________

(١) جامع الرواة ٢ : ١٤١.

(٢) الوسائل ٩ : ١٦١ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ١١ ح ٥.

٢٢٠