موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

وأمّا في البقر فنصابان :

الأوّل : ثلاثون (١) ، وفيها تبيع أو تبيعة (*) ، وهو ما دخل في السنة الثانية.

الثاني : أربعون ، وفيها مسنّة ، وهي الداخلة في السنة الثالثة.

______________________________________________________

(١) لا خلاف كما لا إشكال في أنّ للبقر نصابين :

أحدهما : ثلاثون ، فلا شي‌ء فيما دونه.

والآخر : أربعون ، وفيها مسنّة ، أي البقرة التي حدث لها السنّ بالدخول في السنة الثالثة ، لا بالمعنى الذي ربّما يطلق على الإنسان ، أي كثير العمر.

والمعروف والمشهور أنّ الواجب في النصاب الأوّل : تبيع أو تبيعة ، وهو الذي أكمل حولاً ودخل في السنة الثانية ، ويطلق عليه الحولي أيضاً ، بمعنى ما أكمل الحول لا ما هو في الحول ، وقد فسّره بذلك جماعة من الأصحاب مضافاً إلى تصريح اللغويّين.

واستدلّ له في الجواهر (١) أيضاً بصحيح ابن حمران عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «التبيع ما دخل في الثانية» ، ولكن هذه العبارة لم تكن جزءاً من الحديث ، بل الحديث هكذا : «أسنان البقر تبيعها ومسنّها في الذبح سواء» (٢) ، وتلك العبارة زيادة من صاحب الوافي بياناً للحديث كما نبّه عليه معلّق الجواهر.

وكيفما كان ، فقد عرفت أنّ المشهور هو التخيير بين التبيع والتبيعة ، وعن

__________________

(*) الأحوط اختيار التبيع.

(١) والجواهر ١٥ : ١٢٥.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٠٥ / أبواب الذبح ب ١١ ح ٧.

١٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

جماعة من الأصحاب الاقتصار على التبيع.

ويستدلّ للمشهور :

تارةً : بصحيحة الفضلاء التي رواها المحقّق في المعتبر هكذا : «في البقر في كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة» (١).

ولكنّها مرويّة في الكافي والتهذيب والوسائل هكذا : «في البقر في كلّ ثلاثين تبيع حولي» (٢) من غير ضمّ التبيعة.

إذن لم يبق وثوق بنقل المحقّق لها بتلك الصورة ، ولعلّ ذلك كان اجتهاداً منه بزعم عدم الفرق ، لا عثوراً على ما كان عنده من الأُصول أو أنّه سهوٌ من قلمه الشريف ، وإلّا فكيف يمكن التعويل على ما تفرّد هو (قدس سره) بنقله ، ولم يذكر في شي‌ء من كتب الحديث ولا غيرها؟!

وأُخرى : بما في الجواهر من أنّ التبيعة أكثر نفعاً باعتبار الدرّ والنسل (٣).

وفيه : ما لا يخفى ، إذ مضافاً إلى أنّ هذا أمرٌ غالبي لا دائمي ، إذ قد يكون التبيع أنفع لمكان الحرث والضراب أنّه لا دليل على الإجزاء بكلّ ما هو أنفع بحيث يرفع اليد عن ظهور الدليل في الوجوب التعييني لأجل هذه العلّة ، فتدفع الحنطة مثلاً في مقام تفريغ الذمّة عن التبيع الواجب فيما لو كانت أنفع منه.

وثالثةً : بما ذكره في الجواهر أيضاً من قوله (عليه السلام) في صحيحة الفضلاء على رواية الكافي والتهذيب في المرتبة الرابعة أي التسعين ـ : «فإذا بلغت

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٥٠٢.

(٢) الوسائل ٩ : ١١٤ / أبواب زكاة الأنعام ب ٤ ح ١ ، الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧.

(٣) الجواهر ١٥ : ١١٥.

١٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

تسعين ففيها ثلاث تبايع حوليات» فإنّ هذا التعبير يكشف عن جواز دفع الأُنثى ، لأنّ تبايع جمعٌ لتبيعة كما يشهد له تذكير ثلاث ، ولا يحتمل الفرق بين هذه المرتبة وبين المراتب السابقة (١).

ويندفع : بأنّ الصحيحة وإن نُقلت في الوسائل (٢) كذلك ، إلّا أنّها مرويّة في الحدائق بلفظة : «تبيعات» (٣) بدل : «تبايع» التي هي في غير ذوي العقول جمعٌ للأعمّ من المذكّر والمؤنّث ، فلا تدلّ هذه الهيئة على أنّ مفردها هل هو تبيع أو تبيعة ، وأمّا الكافي فلم يذكر فيه لا «تبيعات» ولا «تبايع» ، بل اقتصر فيه على قوله : «ثلاث حوليات».

فإن قلت : كفى في الدلالة على الأُنوثة تذكير الثلاث ، فإنّ تمييز الأعداد فيما بين الثلاث والعشر تخالف المميّزات في الذكورة والأُنوثة ، وقد قيل : ذكّر أنّث بعكس ما اشتهرا.

قلت : يمكن أن يكون ذلك باعتبار تأنيث الجمع في «تبايع» أو «تبيعات» أو «حوليات» على اختلاف النسخ من جهة التأويل إلى الجماعة لا باعتبار تأنيث المفرد ، كما وقع نظيره في بعض النصوص ، كروايتين وردتا في باب الشهادة على الزنا (٤) قد عبّر فيهما بأربع شهود مع عدم ثبوته بشهادة أربع نسوة جزماً ، فكان اللّازم أن يعبّر فيهما بأربعة شهود كما في قوله (عليه السلام) : «أربعة من الشهداء» (٥).

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ١١٥.

(٢) الوسائل ٩ : ١١٤ / أبواب زكاة الأنعام ب ٤ ح ١.

(٣) الحدائق ١٢ : ٥٥.

(٤) الوسائل ٢٨ : ٩٤ و ٩٥ / أبواب حدّ الزنا ب ١٢ ح ١ و ٣.

(٥) لاحظ الوسائل ٢٨ : ٩٥ / أبواب حدّ الزنا ب ١٢ ح ٤.

١٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى الجملة : فالتعبير بالثلاث هنا كالتعبير بالأربع هناك ، إمّا مبني على المسامحة أو السهو في كلام الراوي أو التأويل إلى الجماعة. وعلى أيّ تقدير فلا يكشف عن التأنيث في مفرد التمييز.

بل أنّ سياق الصحيحة يشهد بأنّ المراد إنّما هو التبيع لا التبيعة ، وذلك لأنّ الحكم في المراتب اللّاحقة ليس حكماً ابتدائياً ، وإنّما هو تطبيقات وتفريعات على الضابط المذكور في الصدر من أنّ في كلّ ثلاثين تبيع وفي كلّ أربعين مسنّة ، ولأجله تنحصر أُصول نُصُب البقر في نصابين كما مرّ (١) ، فالستّون والسبعون والثمانون والتسعون والمائة والعشرون كلّها مصاديق لتلك الكبرى ، لا أنّها تتضمّن حكماً جديداً ، وحيث إنّ المذكور في الصدر تبيع في الثلاثين ولأجله ذكر تبيعان في الستّين فلا جرم يكون المراد ثلاثة تبايع ذكور في التسعين.

ومنه تعرف أنّ ما تضمّنه الصحيح من الاقتصار في المائة والعشرين على الثلاث مسنّات إنّما هو لأجل كونها إحدى فردي التخيير لا لخصوصيةٍ فيها ، إذ هي كما تتضمّن ثلاث أربعينات تتضمّن أربع ثلاثينات فيجوز دفع أربع تبيعات أيضاً.

ورابعةً : بما ورد في الفقه الرضوي (٢) ورواية الأعمش في الخصال (٣) من التصريح بجواز التبيعة.

ولكنّهما ضعيفان وغير صالحين للاستناد كما مرّ مراراً.

نعم ، روى المحدّث النوري في المستدرك والعلّامة المجلسي في البحار عن

__________________

(١) في ص ١٦١.

(٢) فقه الرضا (عليه السلام) : ١٩٦.

(٣) الوسائل ٩ : ٦٤ / أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١٠ ح ١ ، الخصال : ٦٠٥ / ٩.

١٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

كتاب عاصم بن حميد الحنّاط رواية تتضمّن التخيير (١) ، والرجل موثّق وكتابه معتبر ، ومن ثمّ قد يتوهّم الاستناد إليها في الفتيا بمقالة المشهور.

ولكن الذي يصدّنا عن ذلك عدم إحراز طريق النوري ولا المجلسي إلى الكتاب المزبور ، فإنّ الكتاب في نفسه وإن كان معتبراً كما عرفت ولكن الشأن في تطبيقه على الذي وصل إليهما ، ومن الجائز أنّهما وجدا تأليفاً مكتوباً على ظهره أنّه كتاب عاصم بن حميد من غير أن يكون هو ذاك الكتاب بحسب الواقع ، إذ بعد جهالة الطريق (٢) يتطرّق هذا الاحتمال بطبيعة الحال من غير دافع ، فيكفينا نفس عدم الثبوت لو لم يكن ثابت العدم.

كما لم يكن ثابتاً عند الشيخ أيضاً ، إذ هو مع أنّه عنونه في الفهرست (٣) وذكر أنّ له كتاباً وذكر طريقه إلى الرجل نفسه وطريقه إليه صحيح وروى عنه في التهذيب روايات كثيرة ، لم يرو عن كتابه (٤) ولا رواية واحدة ، فيكشف ذلك عن عدم ثبوت الكتاب عنده (قدس سره).

__________________

(١) المستدرك ٧ : ٦٠ / أبواب زكاة الأنعام ب ٣ ح ١ ، البحار ٩٦ : ٥٤ / ٧.

(٢) لا تبعد صحّة طريق المجلسي ، نظراً إلى صحّة طريقه إلى جميع مرويّات الشيخ (قدس سره) وصحّة طريق الشيخ إلى كتاب عاصم حسبما أشار إليه في الفهرست ، فإنّ نتيجة هذين الأمرين صحّة طريق المجلسي إلى الكتاب المزبور ، على ضوء ما أفاده (دام ظلّه) في موارد منها : تصحيح طريق صاحب الوسائل إلى كتاب علي بن جعفر ، لوحدة المناط وعدم فارق ظاهر ، فلاحظ.

(٣) الفهرست : ١٢٠ / ٥٤٣.

(٤) بل قد روى في غير موضع من التهذيب ، حيث ابتدأ السند باسم الرجل ، الكاشف عن النقل عن كتابه ، حسبما تعهّد به في المشيخة. لاحظ ج ٦ ح ٨٧٣ وج ٨ ح ٥٠ وح ١١٨٩ وج ٩ ح ٦٠٣.

١٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وبالجملة : فحال هذا الكتاب حال الأشعثيّات المنقولة إلى النوري من الهند ، الذي لم يعلم كون المنقول إليه هو ذاك الكتاب المعتبر في نفسه من جهة الشكّ في التطبيق المستند إلى جهالة الطريق.

وكيفما كان ، فالتخيير بين التبيع والتبيعة الذي ذكره المشهور لا يمكن إثباته بدليل ، ومناقشة صاحب الحدائق (قدس سره) في ذلك (١) في محلّها ، فالأحوط بل الأظهر لزوم الاقتصار على التبيع.

ثمّ إنّك عرفت أنّ التبيع مفسّر في كلمات الأصحاب وبعض اللغويين بما دخل في الثانية ، فإن تحقّق ذلك فهو ، وإلّا نظراً إلى معارضته بقول بعضٍ آخر من اللغويين من أنّه ولد البقر سمّي به لأنّه يتبع امّه في الرعي ، الصادق على ما في الحول أيضاً ، فلم تركن النفس إلى ما تثق به في معنى اللفظ فيكفينا حينئذٍ في صحّة التفسير المزبور توصيف التبيع بالحولي في صحيحة الفضلاء.

فإنّ معنى الحول ليس هو السنة كي يناقَش في اعتبار الخروج عنها والدخول في السنة الأُخرى ، بل معناه منطبقٌ على السنة ، فإنّه من التحويل والانتقال والدوران ، فلا يطلق الحول إلّا بعد أن دارت السنة وتحوّلت إلى أُخرى ، فلو كانت الولادة في رأس الحمل أو أوّل رمضان لا يقال : إنّ له حولاً ، أو : إنّه حولي ، إلّا فيما إذا دارت السنة ودخل المولود في رمضان القابل ، ومنه إطلاق الحوليّات على قصائد السيّد حيدر (قدس سره) باعتبار أنّ نظمها وتنسيقها استوعب من الوقت حولاً كاملاً.

على أنّ الحولي لو كان يطلق على ما في الحول لكان توصيف التبيع به في الصحيح مستدركاً ، فإنّ المولود منذ ولادته موصوفٌ بأنّه في الحول إلى أن

__________________

(١) الحدائق ١٢ : ٥٦ ٥٧.

١٦٦

وفيما زاد يتخيّر (*) بين عدّ ثلاثين ثلاثين (١) ويعطي تبيعاً أو تبيعة ، وأربعين أربعين ويعطي مسنّة.

______________________________________________________

تكمل السنة ، فأيّ حاجة إلى هذا التقييد؟! فلا مناص من أن يكون المراد إكمال الحول بالدخول في السنة الثانية ، احترازاً عمّا لم يكمل ولم يدخل بعدُ فيها ، فالعمدة في التفسير المذكور هي هذه الصحيحة حسبما عرفت.

(١) لا يخفى ما في العبارة من المسامحة الظاهرة ، فإنّ التخيير وإن أمكن المصير إليه في نُصُب الإبل وأفتى به جماعة منهم الماتن كما مرّ (١) إلّا أنّه غير محتمل في المقام بعد تنصيص الإمام (عليه السلام) بالتلفيق في صحيحة الفضلاء عند بلوغ العدد سبعين بدفع تبيع ومسنّة ، فإنّه كالصريح في لزوم العدّ على وجهٍ يستوعب العدد وإن استلزم التلفيق ، ومعه لا يبقى عفو إلّا فيما بين العقود كما مرّ في الإبل (٢).

وعليه ، فلا مجال للتخيير إلّا فيما إذا كان كلٌّ من العددين أعني : الثلاثين والأربعين عادّاً كالمائة والعشرين المتضمّنة لأربع ثلاثينات وثلاث أربعينات ، فيتخيّر بينهما كما أنّه يتخيّر في ضعف هذا العدد أعني : في المائتين والأربعين بين ما ذكر وبين التقسيط بأن يراعي في نصفه الثلاثينات وفي النصف الآخر الأربعينات فيدفع ثلاث مسنّات وأربع تبيعات.

وأمّا فيما عدا ذلك أعني : ما إذا كان أحدهما خاصّةً عادّاً كالستين والثمانين والتسعين ، أو لم يكن شي‌ء منهما كذلك كالسبعين والمائة والمائة والعشرة وهكذا ـ

__________________

(١) على التفصيل المتقدّم آنفاً.

(٢) في ص ١٥٠.

(٣) في ص ١٥٥.

١٦٧

وأمّا في الغنم فخمسة نُصُب (١) :

الأوّل : أربعون ، وفيها شاة.

الثاني : مائة وإحدى وعشرون ، وفيها شاتان.

الثالث : مائتان وواحدة ، وفيها ثلاث شياه.

الرابع : ثلاثمائة وواحدة ، وفيها أربع شياه.

الخامس : أربعمائة فما زاد ، ففي كلّ مائة شاة.

وما بين النصابين في الجميع عفو ، فلا يجب فيه غير ما وجب بالنصاب السابق.

______________________________________________________

فلا مجال للتخيير ، بل لا بدّ من الاستيعاب بالعدد العادّ أو بالملفّق منهما ، فيدفع تبيعين ومسنّتين وتباع ثلاثة في الفرض الأوّل ، وتبيعاً ومسنّة وتبيعين ومسنّة ومسنّتين وتبيعة في الفرض الثاني ، وهكذا. ومعه لا يبقى مورد للعفو إلّا فيما بين العقود ما عدا الخمسين كما لا يخفى.

(١) المعروف والمشهور أنّ للغنم خمسة نصب :

أحدها : أربعون وفيها شاة ، وليس فيما دونها شي‌ء.

وعن الصدوقين : أنّ مبدؤها واحد وأربعون (١) ، وليس له مستندٌ عدا الفقه الرضوي (٢) غير الصالح للاستناد.

ثانيها : مائة وإحدى وعشرون ، وفيها شاتان.

ثمّ مائتان وواحدة ، وفيها ثلاث شياه.

__________________

(١) حكاه في الجواهر ١٥ : ٨٣.

(٢) فقه الرضا (عليه السلام) : ١٩٦.

١٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ ثلاثمائة وواحدة ، وفيها أربع شياه.

ثمّ أربعمائة فما زاد ، ففي كلّ مائة شاة.

وتشهد له صحيحة الفضلاء (١) الناطقة بعين هذا المضمون.

هذا ، وعن جماعة من أجلّاء الأصحاب كالشيخ المفيد والسيّد المرتضى والصدوق وابن أبي عقيل وسلّار وابني حمزة وإدريس (٢) إنكار النصاب الخامس وأنّها إذا بلغت ثلاثمائة وواحدة فعلى كلّ مائة شاة.

وتشهد لهم صحيحة محمّد بن قيس عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «قال : ليس فيما دون الأربعين من الغنم شي‌ء ، فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاثة من الغنم إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الأغنام ففي كل مائة شاة» (٣).

وهذه الصحيحة معارضة بظاهرها مع الصحيحة السابقة ، لأنّ الواجب في مثل ثلاثمائة وخمسين بل ثلاثمائة وواحدة أربعة شياه بمقتضى صحيحة الفضلاء ، وثلاث شياه بمقتضى هذه الصحيحة ، لأنّها تتألّف من ثلاث مئات ، والمفروض أنّ في كلّ مائة شاة بعد التجاوز عن ثلاثمائة.

والأقوى ما عليه المشهور.

أمّا أوّلاً : فلإمكان الجمع الدلالي ، فإنّ الصحيحتين متطابقتان في النُّصُب إلى الثلاثمائة ، وأنّ الواجب إلى هذا العدد هو ثلاث شياه ، كما أنّهما متطابقتان أيضاً في الأربعمائة فما زاد ، وأنّه حينئذٍ في كلّ مائة شاة ، وإنّما الاختلاف فيما زاد على الثلاثمائة إلى الأربعمائة ، فإنّ صحيحة ابن قيس ساكتة عن التعرّض لذلك

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١١٦ / أبواب زكاة الأنعام ب ٦ ح ١.

(٢) حكاه في الحدائق ١٢ : ٥٨ ، وفي الجواهر ١٥ : ٨٣.

(٣) الوسائل ٩ : ١١٧ / أبواب زكاة الأنعام ب ٦ ح ٢.

١٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

إلّا بالظهور الإطلاقي ، فغايته أنّها ظاهرة الدلالة في ثلاث شياه بمقتضى أنّ في كلّ مائة شاة ، وأمّا صحيحة الفضلاء فهي ناصّة في هذا المورد وصريحة في أنّ الواجب حينئذٍ شياه أربع ، ولا ريب في تقدّم النصّ على الظاهر.

وبالجملة : فتلك ساكتة (١) وهذه ظاهرة واضحة فلا تعارض ، ومن الجائز أن يكون السكوت والإهمال مستنداً إلى التقيّة كما سنبيّن ، ولأجله قصر (عليه السلام) النظر على نفس المئات وأهمل ما بينها.

وثانياً : سلّمنا المعارضة إلّا أنّه لا ينبغي الشكّ في لزوم تقديم صحيحة الفضلاء ، لمخالفتها للعامّة ، فإنّ جمهورهم قد أفتوا بما يطابق صحيحة ابن قيس ، ما عدا أحمد بن حنبل ، حيث نُسِبَ إليه موافقة الخاصّة (٢) ، إذن يكون الترجيح لتلك الصحيحة بمقتضى أنّ الرشد في خلافهم ، فتُحمَل صحيحة ابن قيس على التقيّة.

نعم ، يبقى هنا سؤال الفائدة في تشريع النصاب الخامس وأنّه إذا كان الواجب في أربعمائة ما يجب في ثلاثمائة وواحدة فأيّ فائدة في جعلهما نصابين؟ وهذا بحث آخر سنتعرّض له ، وإلّا فصحيحة الفضلاء صريحة في تشريع النُّصُب الخمسة ، وهي سليمة عن المعارضة حسبما عرفت.

ثمّ إنّه لا ريب في العفو عمّا بين النصابين في جميع النُّصُب ، للتصريح به في كلتا الصحيحتين ، فلاحظ.

ثمّ إنّ ههنا سؤالاً مشهوراً ، وهو أنّه ما هي الفائدة في جعل النصاب الخامس وهو الأربعمائة وعدّه نصاباً بحياله مع اتّحاد الفرض بينه وبين النصاب الرابع؟ فإنّه إذا وجب أربع شياه عند بلوغها ثلاثمائة وواحدة ولم تتغيّر هذه

__________________

(١) دعوى كونها ساكتة مع ورودها في مقام التحديد غير واضحة.

(٢) المغني ٢ : ٤٦٣.

١٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الفريضة حتى تبلغ خمسمائة فأيّ فائدة تترتّب على جعل الأربعمائة نصاباً مستقلا؟

وبعبارة أُخرى : إذا كان يجب في أربعمائة ما يجب في ثلاثمائة وواحدة فأيّ فائدة في جعلهما نصابين؟

وينسحب مثل هذا السؤال في الثلاثمائة وواحدة على القول الآخر أي قول الصدوق المنكر للنصاب الخامس إذ لا يجب فيها إلّا ما يجب في النصاب الذي قبلها أي المائتين وواحدة وهي ثلاث شياه ، ولا تتغيّر الفريضة حتى تبلغ الشياه أربعمائة ، فحينئذٍ يتوجّه السؤال على هذا القول أيضاً عن فائدة جعل الثلاثمائة وواحدة نصاباً مستقلا.

وما أجاب عنه في الجواهر من التفرقة بالكلّيّة والشخصيّة وإن اتّحدت الفريضة ، وأنّ الواجب في شخص ثلاثمائة وواحدة أربع شياه ، وأمّا في الأربعمائة فالواجب كلّي ، وهو أنّ في كلّ مائة شاة وإن انطبق على الأربع أيضاً في هذا المورد بالخصوص (١).

غير حاسم لمادّة الإشكال ، إذ السؤال عن ثمرة التفرقة والفائدة المترتّبة على جعلهما نصابين مع وحدة الأثر ، وأنّه ما هو الفرق بين ذلك وبين ما لو أهمل الأربعمائة رأساً وانتقل من الثلاثمائة وواحدة إلى الخمسمائة وأنّ الواجب حينئذٍ على كلّ مائة شاة ، فما الفائدة في لحاظ الأربعمائة نصاباً بحياله؟ ومن البيّن أنّ التفرقة بالكلّيّة والشخصيّة لا تجدي في دفع هذا السؤال ولا ينفع في حلّ الإشكال أبداً.

وقد أُجيب عن الاشكال بجوابين تعرّض لهما المحقّق (قدس سره) في الشرائع (٢) :

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ٨٦.

(٢) الشرائع ١ : ١٦٩.

١٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدهما : أنّ الثمرة تظهر في محلّ الوجوب من حيث جواز التصرّف وعدمه ، فإنّ الأربعمائة إذا كانت نصاباً فمحلّ الوجوب هو هذا المجموع ، لأنّ المجموع نصاب ، فلا يجوز التصرّف فيها قبل إخراج الزكاة ، ولو فرض أنّه نقص منها واحدة فمحلّ الوجوب عندئذٍ هي الثلاثمائة وواحدة ، لأنّها النصاب وما بينهما عفو يجوز التصرّف فيه ، فلو كانت له ثلاثمائة وخمسون مثلاً يجوز له التصرّف فيما زاد على الثلاثمائة وواحدة أعني : التسعة والأربعين الباقية وهكذا إلى الثلاثمائة وتسعة وتسعين ، فإذا بلغت أربعمائة فلا يجوز التصرّف في شي‌ء منها كما عرفت.

هذا إذا كانت الأربعمائة نصاباً مستقلا ، وإلّا جاز التصرّف فيما زاد على الثلاثمائة والواحدة إلى أن تبلغ الخمسمائة إلّا واحدة. فجواز التصرّف في الأربعمائة وعدمه ثمرة بارزة تترتّب على اعتبارها نصاباً مستقلا وعدمه.

ومنه يظهر الحال على القول الآخر كما لا يخفى.

وهذه الثمرة وجيهة ، غير أنّها مبنيّة على القول بعدم جواز التصرّف في العين الزكويّة قبل الإخراج ، الذي مستندة دعوى الشركة الحقيقيّة بين المالك والفقير في نفس العين ، وأنّ المال مشتركٌ بينهما بنسبة الزكاة على سبيل الإشاعة ، لوضوح عدم جواز التصرّف في المال المشاع قبل الإفراز.

ولكنّه خلاف التحقيق ، بل الشركة كما سيأتي عند التعرّض لكيفيّة تعلّق الزكاة إن شاء الله تعالى (١) إنّما هي في الماليّة كما هو الأظهر ، ولازمه جواز التصرّف في الكلّ ودفع الزكاة من جنسٍ آخر.

أو أنّ تعلّق الزكاة على سبيل الكلّي في المعيّن كما عليه الماتن (قدس سره) ،

__________________

(١) في ص ١٨٧.

١٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الذي لازمه جواز التصرّف في النصاب إلى أن يبقى مقدار الكلّي ، نظير ما لو باع صاعاً من صبرة على نحو الكلّي في المعيّن ، حيث يجوز للبائع التصرّف في تلك الصبرة إلى أن يبقى منها مقدار الصاع.

فهذه الثمرة إنّما تتّجه على بعض المباني لا على سبيل الإطلاق.

ثانيهما : أنّ الثمرة تظهر في الضمان الذي هو أيضاً متفرّعٌ على محلّ الوجوب فيما لو تلف جزءٌ من المجموع بعد الحول من غير تفريط ولو لأجل التأخير في الدفع ، فإنّ المجموع إن كان نصاباً وُزِّع التالف على المالك والفقير بنسبة الزكاة فيسقط بتلك النسبة جزءٌ من الوجوب ، وإن كان زائداً على النصاب اختصّ التلف بالمالك ، لأنّ النصاب كلّي ولم يطرأ تلفٌ على هذا الكلّي ، فلو كانت عنده ثلاثمائة وخمسون مثلاً فتلفت منها شاة واحدة أو اثنتان إلى تسعة وأربعين ، كان من المالك ، لأنّ مورد النصاب ثلاثمائة وواحدة من هذا المجموع ، وهذا كلّي غير متشخّص في معيّن ، ومعه لم يطرأ التلف على هذا الكلّي بعد بقاء مقداره في المجموع ، كما لو باع صاعاً من صبرة مشتملة على صياع عديدة ، فتلف منها صاع ، فإنّه يحسب على البائع ، لعدم عروض التلف على الصاع الكلّي الذي يملكه المشتري في ضمن هذا المجموع.

وعليه ، فلو كانت الشياه أربعمائة وقد تلفت منها بعد الحول شاة من غير تفريط :

فإن كان هذا العدد نصاباً بحياله سقط من الفرض جزءٌ من مائة جزء من شاة ، وبعبارة أُخرى : أربعة أجزاء شاة من أربعمائة جزء ، إذ الواجب بعد أن كان في كلّ مائة شاة فكلّ شاة مشتركة في الماليّة أو في العين بين المالك والفقير بنسبة الأربعة في الأربعمائة ، فأربعة أجزاء للفقير وثلاثمائة وستّة وتسعون جزءاً للمالك ، فيكون التلف بهذه النسبة في حصّة الفقير لا محالة.

١٧٣

[٢٦٣٣] مسألة ٢ : البقر والجاموس جنسٌ واحد (١) ،

______________________________________________________

وهذا بخلاف ما إذا لم يكن العدد المزبور نصاباً ، فإنّ حاله حال ما لو كان العدد ناقصاً عن الأربعمائة ولو بواحدة في احتساب التلف من المالك وعدم السقوط من الفريضة شي‌ء ما دام النصاب السابق ، أعني : الثلاثمائة والواحدة باقية ، لما عرفت من أنّ النصاب إنّما هو كلّي هذا العدد ، ومثله سليمٌ عن ورود التلف عليه ما دام يوجد مصداق منه في الخارج.

ومنه يظهر الجواب عمّا قد يقال من أنّ مقتضى الإشاعة توزيعُ التالف على الحقّين وإن كان الزائد على النصاب عفواً.

وذلك لأنّه إنّما يتّجه لو كان النصاب حصّة مشاعة في مجموع المال ، وليس كذلك ، وإنّما هو عنوان كلّي وأنّ في الأربعين مثلاً شاة ، فطالما صدق هذا العنوان ولو لبقاء فرد من الكلّي فقد تحقّق مخرج النصاب.

ومن المعلوم أنّ التلف العارض لجزءٍ من المجموع لا يكون مانعاً عن صدق الكلّي ، فلا يكون عارضاً عليه ما دام الفرد باقياً كما عرفت ، نظير الصاع من الصبرة على وجه الكلّي في المعيّن فيما لو طرأ التلف على بعض أجزائها على ما مرّت الإشارة إليه.

وهذه الثمرة وجيهة جدّاً وبها يُدفَع الإشكال ويُجاب عن السؤال ، ويزيدها وضوحاً ما لو كان التلف كثيراً ، كما لو تلف من الأربعمائة خمسون شاة أو أكثر ، فإنّ الاختلاف حينئذٍ فاحش ، ولأجله تكون الثمرة أنفع وأظهر كما لا يخفى.

(١) إذ مضافاً إلى صدق الاسم عليهما لغةً وعرفاً الكاشف عن اتّحاد الجنس ، دلّت عليه صريحاً صحيحة زرارة ، قال : قلت له : في الجواميس شي‌ء؟ «قال :

١٧٤

كما أنّه لا فرق في الإبل بين العِراب والبَخاتي (١) ، وفي الغنم بين المعز والشاة والضأن (٢) ، وكذا لا فرق بين الذكر والأُنثى في الكلّ (٣).

[٢٦٣٤] مسألة ٣ : في المال المشترك إذا بلغ نصيب كلّ منهم النصاب وجبت عليهم (٤) ،

______________________________________________________

مثل ما في البقر» (١).

(١) ويُطلَق عليه : الخراساني أيضاً ، لإطلاق الأدلّة بعد صدق الإبل ، مضافاً إلى ما في صحيحة الفضلاء ، قال : قلت : فما في البخت السائمة شي‌ء؟ «قال : مثل ما في الإبل العربيّة» (٢).

(٢) لأنّ موضوع الحكم هو الغنم أو الشاة كما في صحيحة الفضلاء (٣) ، الصادق على الكلّ بمناطٍ واحدٍ لغةً وعرفاً.

(٣) لإطلاق الأدلّة.

وبالجملة : مقتضى إطلاق الأدلّة عدم الفرق في جميع المذكورات ، مضافاً إلى ورود النصّ في بعضها كما عرفت.

هذا كلّه فيما يجب فيه الزكاة ، أي يكون مكمّلاً للنصاب.

وأمّا الذي يُخرَج ويُدفَع في مقام الأداء والوفاء فسيجي‌ء البحث عنه وما يعتبر فيه في محلّه إن شاء الله تعالى.

(٤) بلا إشكالٍ فيه ولا خلاف ، وكذا فيما لو كان نصيب بعضهم فقط كذلك ،

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١١٥ / أبواب زكاة الأنعام ب ٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٩ : ١١٤ / أبواب زكاة الأنعام ب ٣ ح ١.

(٣) الوسائل ٩ : ١١٦ / أبواب زكاة الأنعام ب ٦ ح ١.

١٧٥

وإن بلغ نصيب بعضهم وجبت عليه فقط ، وإن كان المجموع نصاباً وكان نصيب كلّ منهم أقلّ ، لم يجب على واحد منهم.

______________________________________________________

لعدم اعتبار الإفراز في تعلّق الزكاة بمقتضى إطلاق الأدلّة.

وأمّا إذا لم يبلغ نصيب كلّ منهم النصاب وإن كان المجموع بالغاً حدّ النصاب ، فلا زكاة فيه قطعاً ، بل الإجماع عليه بقسميه كما في الجواهر (١).

ووجهه ظاهر ، فإنّ الخطاب بالزكاة انحلالي كما في سائر الأحكام وتقدير النُّصُب ملحوظٌ بالإضافة إلى مال من خوطب بالزكاة دون غيره ، فكلّ مكلّف يراعي مال نفسه ، فإن كان بالغاً حدّ النصاب تعلّقت به الزكاة ، وإلّا فلا ، لا أنّه يلاحظ مال نفسه مع مال غيره ، كيف؟! ومن الواضح أنّ مقدار النصاب كأربعين شاة مثلاً موجود دائماً ، فما هي الحاجة إلى اشتراط النصاب؟! إذن فنفس تقدير النُّصُب كاشفٌ عن الاعتبار بمال من خوطب بالزكاة ، أعني : آحاد المكلّفين لا مع ضمّ السائرين كما هو واضح جدّاً.

وقد صرّح بذلك في رواية زرارة ، قال : قلت له : مائتي درهم بين خمس أُناس أو عشرة حال عليها الحول وهي عندهم ، أيجب عليهم زكاتها؟ «قال : لا هي بمنزلة تلك يعني جوابه في الحرث ليس عليهم شي‌ء حتى يتمّ لكلّ إنسان منهم مائتا درهم» قلت : وكذلك في الشاة والإبل والبقر والذهب والفضّة وجميع الأموال؟ «قال : نعم» (٢).

ولعلّه إلى هذا يشير ما في ذيل صحيحة محمّد بن قيس من قوله (عليه السلام) :

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ٩١.

(٢) الوسائل ٩ : ١٥١ / أبواب زكاة الذهب والفضّة ب ٥ ح ٢.

١٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

«ولا يفرّق بين مجتمع ، ولا يجمع بين متفرّق» (١) أي المجتمع والمتفرّق في الملك.

فكما أنّ الأموال المتفرّقة في الأماكن المتعدّدة كالبلدان المختلفة التي يجمعها أنّ الكلّ لمالكٍ واحد ، لا يفرّق بينها أي يعتبر بلوغ المجموع حدّ النصاب وإن كان كلّ واحد بحياله دونه فكذا الأموال المجتمعة التي تفترق في الملك لتعدّد ملّاكها كالمال المشترك ، فإنّه لا يجمع بين هذه المتفرّقات في الملك في لحاظ النصاب ، بل لا بدّ من بلوغ حصّة كلّ مالك بخصوصه حدّ النصاب (٢).

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٢٦ / أبواب زكاة الأنعام ب ١١ ح ١.

(٢) قال المحدِّث الكاشاني في الوافي [ج ١٠ : ٩٤] : لعلّ المراد بالنهي عن الفرق والجمع : أن لا ينقل بعض الشياه من منزلٍ إلى آخر ، بل تؤخذ صدقتها في أماكنها ، ويأتي ما يؤيّد هذا المعنى في باب آداب المصدِّق.

وفي هامش الوافي [ص ١٦] : لعلّ المراد : أنّه لا يفرق بين غنم مجتمع في الملك ، بمعنى : أنّه لو كان لمالك أربعون من الغنم في مكان وأربعون في موضعٍ بعيد منه ، لا يفرّق المصدّق بينهما بأن يأخذ من كلّ واحد شاة ، بل يأخذ من المجموع شاة واحدة ، لأنّه لم يبلغ النصاب الثاني.

وفيه ردّ على أحمد بن حنبل ، حيث فرّق بينهما وجعل في كل أربعين شاة.

وقوله : «لا يجمع بين متفرّق» أي في الملك ، بمعنى : أنّه لو اختلط مال مالكين ولم يبلغ كلّ منهما نصاباً وبلغ المجموع النصاب لم يجب فيه الزكاة.

وفيه ردّ على الشافعي ، حيث أوجب الزكاة في أربعين من الغنم إذا كانت لمالكين مع تحقّق شرائط الخلط ، وهي اتّحاد المرعى والمراح والمشرع بل والراعي أو الرعاة والفحل وموضع الحلب والحالب.

وفي البحار [٩٦ : ٨٨ عن دعائم الإسلام] : وعنهم عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : أنّه نهى أن يجمع في الصدقة بين مفترق أو يفرّق بين مجتمع ، وذلك أن يجمع أهل المواشي مواشيهم للمصدِّق إذا أظلّهم ليأخذ من كلّ مائة شاة ، ولكن يحسب ما

١٧٧

[٢٦٣٥] مسألة ٤ : إذا كان مال المالك الواحد متفرّقاً (١) ولو متباعداً يلاحظ المجموع ، فإذا كان بقدر النصاب وجبت ، ولا يلاحظ كلّ واحد على حدة.

[٢٦٣٦] مسألة ٥ : أقلّ أسنان الشاة التي تؤخذ في الغنم والإبل من الضأن : الجَذَع ، ومن المعز : الثني (٢).

والأوّل : ما كمل له سنة واحدة ودخل في الثانية.

والثاني : ما كمل له سنتان ودخل في الثالثة (*).

______________________________________________________

وعليه ، فلو مات من يملك النصاب فانتقل إلى الورثة ولم يبلغ نصيب كلّ وارث حدّ النصاب فلا زكاة على أيّ واحد منهم ، وإن بلغ نصيب أحدهم اختصّ الزكاة به ، وإن بلغ نصيب الكلّ فعلى الكلّ.

(١) لا إشكال في المسألة بمقتضى الإجماع وإطلاق الأدلّة كما ظهر ممّا قدّمناه آنفاً.

(٢) كما هو المعروف والمشهور ، حيث قيّدوا الشاة التي تُدفَع زكاةً بذلك ، إلّا أنّه ليس عليه دليل ظاهر ، ومن ثمّ اختار جمعٌ من المتأخّرين عدم الاشتراط ،

__________________

عند كلّ رجل منهم ويؤخذ منه منفرداً ما يجب عليه ، لأنّه لو كان ثلاثة نفر لكلّ واحد منهم أربعون شاة فجمعوها لم يجب للمصدِّق فيها إلّا شاة واحدة ، وهي إذا كانت كذلك في أيديهم وجب فيها ثلاث شياه ، على كلّ واحد شاة.

وتفريق المجتمع : أن يكون لرجل أربعون شاة ، فإذا أظلّه المصدِّق فرّقها فرقتين ، لئلّا يجب فيها الزكاة.

(*) على الأحوط فيه وفيما قبله.

١٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

عملاً بإطلاق الشاة الواردة في النصوص.

والمضايقة عن انعقاد الإطلاق كما عن صاحب الجواهر (١) بدعوى عدم ورود الأدلّة في مقام البيان من هذه الجهة ، فلا إطلاق يعوّل عليه.

لعلّها واضحة الفساد ، لعدم قصور المقام من غيره من موارد التمسّك بالإطلاق من سائر الأدلّة ، فإنّ الحكم بوجوب شاة في كلّ أربعين مثلاً من غير تقييد لها بالجذع أو الثني وهو لا محالة في مقام البيان يكشف عن الإطلاق بطبيعة الحال كما في سائر المقامات.

وأوضح فساداً : المنع عن صدق الشاة قبل أن يكون جذعاً أو ثَنيّاً اي قبل أن يدخل في الثانية أو الثالثة بل أنّ هذا مقطوع العدم ، أفهل يحتمل أنّه باختلاف يومٍ يتغيّر الجنس بأن لم يكن الحيوان قبل يومٍ من دخوله في السنة الثانية شاةً وبعد مضيّ اليوم صار شاةً واندرج تحت هذه الطبيعة؟! فالإنصاف أنّ الإطلاقات غير قاصرة الشمول ولا مانع من التمسّك بها ، فيجوز له دفع كلّ ما صدق عليه الشاة وإن كان دون الجذع.

نعم ، لا يمكن فرض ذلك من نفس ما تعلّق به الزكاة لاعتبار الحول ، إلّا أنّه لا مانع من الدفع من الخارج ، لعدم اشتراط الإخراج عن نفس الأعيان ، كما أنّه يجوز دفع دون الثنيّ في المعز كما لو كان عمره سنة ونصف مثلاً لما عرفت من الإطلاق.

نعم ، ربّما يستدلّ للتقييد بوجهين :

أحدهما : رواية سويد بن غفلة ، أتانا مصدّق رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقال : نُهينا أن نأخذ المراضع ، وأُمرنا أن نأخذ الجذعة والثنيّة (٢).

__________________

(١) الجواهر ١٥ : ١٣٠ ١٣١.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٢ / ١٥٨٠ ، سنن النسائي ٥ : ٣٠.

١٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن المعلوم أنّ المقصود صدور الأمر والنهي ممّن بيده الأمر والنهي ، المنحصر في النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في ذلك العصر.

ويندفع : بأنّ الرواية عامّيّة وغير مرويّة من طرقنا ، فهي ضعيفة السند لا تصلح للتعويل عليها بوجه.

ودعوى الانجبار بعمل المشهور يردّها القطع بعدم استنادهم إلى مثل هذه الرواية ، التي لم توجد في شي‌ءٍ من كتب الأصحاب ، لا الروائيّة ولا الاستدلاليّة ، فكيف يمكن استنادهم إليها؟! على أنّ مضمونها من الجذعة والثنيّة أي اعتبار الأُنوثة لم يلتزم به أحدٌ فيما نعلم ، فإنّهم اكتفوا بالجذع والثنيّ ولم يشترطوا الأُنوثيّة.

هذا ، مع أنّ كبرى الانجبار ممنوعة عندنا كما هو المعلوم من مسلكنا.

ثانيهما : ما أرسله في غوالي اللئلئ عنه (عليه السلام) : أنّه أمر عامله أن يأخذ الجذع من الضأن والثنيّ من المعز. قال : ووجد ذلك في كتاب علي (عليه السلام) (١).

ولكنّها من جهة الإرسال والطعن في المؤلِّف والمؤلَّف حتى ناقش فيه من ليس من شأنه المناقشة كصاحب الحدائق (٢) غير صالحة للاستدلال ، ولا يحتمل استناد قدماء الأصحاب إلى الرواية الموجودة في هذا الكتاب المتأخّر تأليفه عنهم بزمانٍ كثير كي يحتمل فيه الانجبار لو سلّم الكبرى.

وعلى الجملة : فاعتبار هذا القيد مبنيٌّ على الاحتياط ، حذراً عن مخالفة المشهور.

والأقوى : عدم الاعتبار عملاً بإطلاق الأخبار السليم عمّا يصلح للتقييد

__________________

(١) عوالي اللئلئ ٢ : ٢٣٠ / ١٠ ، ١١.

(٢) في كتابه لؤلؤة البحرين : ١٦٧.

١٨٠