حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣

باقر شريف القرشي

حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣

المؤلف:

باقر شريف القرشي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مدرسة العلمية الايرواني
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦
الجزء ١ الجزء ٣

الخلافة وزهد في الحكم ، وقد خطب في اهل الشام فندد في جده وأبيه وقال :

«الا ان جدى معاوية نازع الأمر من كان اولى به منه لقرابته من رسول اللّه (ص) وقديمه وسابقته اعظم المهاجرين قدرا ، واولهم ايمانا ابن عم رسول اللّه (ص) وزوج ابنته جعله لها بعلا باختياره لها ، وجعلها له زوجة باختيارها له فهما بقية رسول اللّه (ص) خاتم النبيين ، فركب جدي منه ما تعلمون ، وركبتم معه ما لا تجهلون (١) حتى اتته منيته فصار في قبره رهينا بذنوبه واسيرا بجرمه ثم قلد أبي الأمر فكان غير أهل لذلك ، وركب هواه واخلفه الأمل وقصر عنه الاجل وصار في قبره رهينا بذنوبه واسيرا بجرمه ثم بكى وقال : إن من اعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه ، وبئس منقلبه ، وقد قتل عترة رسول اللّه (ص) واباح الحرم وخرب الكعبة» (٢).

وتهدم ملك آل أبي سفيان على يد معاوية بن يزيد ، وما كان ينشده جده من استقرار الملك ودوامه في بيته ، فقد نسف قتل الحسين جميع ما بناه معاوية واسسه يزيد ، فقد احل ملكهم دار البوار ويقول المؤرخون :

إن بني أمية قد قامت قيامتهم على أثر خطاب معاوية الذي فضح فيه جده وأباه فعمدوا إلى مؤدبه عمر القصوص فقالوا له : أنت علمته هذا ، ولقّنته اياه وصددته عن الخلافة وزينت له حب علي وأولاده ، وحملته على ما وسمنا به من الظلم ، وحسنت له البدع حتى نطق بما نطق ، وقال : بما قال :

فانكر عمر ذلك ، وقال : واللّه ما فعلته ولكنه مجبول ومطبوع على حب علي ، فلم يقبلوا ذلك منه واخذوه فدفنوه حيا (٣).

__________________

(١) جواهر المطالب في مناقب الامام علي بن ابي طالب (ص ١٣٣)

(٢) النجوم الزاهرة ١ / ١٦٤

(٣) حياة الحيوان للدميرى ١ / ٧٣

٤٠١

مخاريق واباطيل :

وحاول بعض المتعصبين لبني أمية قديما وحديثا تنزيه يزيد وتبريره من قتله لريحانة رسول اللّه (ص) والقاء التبعة والمسئولية على ابن مرجانة ، وقد دعاهم الى ذلك الجهل والعصبية العمياء التي حرفتهم عن الحق والقتهم في شر عظيم ، ومن بين هؤلاء.

١ ـ ابن تيمية

وعظم حظ يزيد عند ابن تيمية ، فكان من أصلب المدافعين عنه فانكر أن يكون قد أمر بقتل الحسين وبالغ بحرارة في الدفاع عنه وقال :

«فيزيد لم يأمر بقتل الحسين ، ولا حمل رأسه بين يديه ، ولا نكث بالقضيب على ثناياه ، بل الذي جرى هذا منه هو عبيد اللّه بن زياد ، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري ، ولا طيف برأسه في الدنيا ولا سبي أحد من أهل الحسين» (١).

وهذا القول مما يدعو الى السخرية والاستهزاء به ، فقد تنكر للضرورات التي لا يشك فيها كل من يملك وعيه واختياره ، فقد اعرض عن جميع ما ذكره المؤرخون من اقتراف يزيد لهذه الجريمة النكراء التي لا يقره عليها من يحمل وعيا دينيا أو روحا اسلامية.

وقد عرف ابن تيمية بالتعصب المقيت حتى أعرض عن آرائه كل باحث حر ، وكاتب في التأريخ والبحوث الاسلامية.

__________________

(١) سؤال في يزيد بن معاوية لابن تيمية (ص ١٦)

٤٠٢

٢ ـ الغزالي

ومن المؤسف أن الغزالي قد هام حبا بحب يزيد ، وغالى في الاخلاص له والدفاع عنه فقال :

«ما صح قتله ـ يعني يزيد للحسين ـ ولا امره به ـ يعني لم يأمر يزيد ابن مرجانة بقتله ولا رضاه بذلك ، ومتى لم يصح ذلك عنده لم يجز أن يظن ذلك به ، فان اساءة الظن بالمسلم حرام قال اللّه تعالى : «يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ اَلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ اَلظَّنِّ إِثْمٌ» (١).

وسف الغزالي في كلامه على غير هدى فقد تنكر للبديهيات كما تنكر لها زميله ابن تيمية فهؤلاء المؤرخون أجمعوا على أن يزيد هو الذي أوعز لابن مرجانة بقتل الحسين وشدد عليه في ذلك وهدده بنفيه من آل أبي سفيان والحاقه بجده عبيد الرومي ان لم يخلص في حربه للامام ، وقد ذكرنا ذلك بما لا مزيد عليه في البحوث السابقة.

٣ ـ ابن العربي

وعرف ابن العربي بالبغض والكراهية لأهل البيت (ع) وقد ذهب الى أن يزيد امام زمانه وخليفة اللّه في أرضه وخروج الامام عليه كان غير مشروع وان الحسين قتل بشريعة جده (٢) حفنة من التراب عليه وعلى كل منحرف عن الحق وضال عن الطريق. بأي منطق كان يزيد القرود والفهود امام المسلمين وخليفة اللّه في الأرض ، أبقتله لسيد شباب اهل الجنة

__________________

(١) وفيات الأعيان ١ / ٤١٣

(٢) العواصم (ص ٢٣٢)

٤٠٣

أم باباحته لمدينة الرسول (ص) وحرقه للكعبة كان اماما للمسلمين؟ وقد سمع عمر بن عبد العزيز شخصا وصف يزيد بأمير المؤمنين فأمر بضربه عشرين سوطا (١).

ان الدفاع عن يزيد واضفاء الشرعية على حكومته ، وتبريره من الاثم في قتله لريحانة رسول اللّه (ص) انما هو دفاع عن المنكر ، ودفاع عن الباطل ، فيزيد وأمثاله من حكام الأمويين والعباسيين هم الذين عملوا على تأخير المسلمين وجروا لهم الفتن والخطوب والقوهم في شر عظيم.

٤ ـ ابن حجر

وانكر ابن حجر الهيثمي رضا يزيد او أمره بقتل الحسين (٢) وقد ساقته العصبية العمياء إلى هذا القول الذي يتنافى مع البديهيات من أن ابن مرجانة كان مجرد آلة من دون أن يكون له أي رأي أو ارادة في قتل الحسين ، وقد قال لمسافر بن شريح اليشكري : اما قتلي الحسين فانه أشار علي يزيد بقتله أو قتلي فاخترت قتله (٣) فلم يقدم ابن زياد على قتل الحسين إلا بعد أن هدده يزيد بالقتل إن لم يستجب له.

٥ ـ أنيس زكريا

ودافع انيس زكريا النصولي بحرارة عن يزيد فقال :

«لا شك أن يزيد لم يفكر البتة بقتل الحسين ، ولم يأمل أن

__________________

(١) شذرات الذهب ١ / ٦٩

(٢) الفتاوى الحديثة (ص ٩٣)

(٣) تأريخ ابن الأثير ٣ / ٣٢٤

٤٠٤

تتطور المسألة العلوية فتلعب هذا الدور المهيب ، ويقدم ابن زياد للفتك به» (١).

٦ ـ الدكتور النجار

وممن نزه يزيد الدكتور محمد النجار فقال : «ولا يتحمل يزيد بن معاوية شيئا من هذه التبعة ـ يعني تبعة قتل الحسين ـ لأنه على الرغم من أن تأريخه ملطخ بالسواد الا انه ـ فيما يبدو ـ برىء من تهمة التحريض على قتل الحسين» (٢).

٧ ـ محمد عزة دروزه

ومن أصلب المدافعين عن يزيد في هذا العصر محمد عزة دروزه فقد اشاد بيزيد ونزهه من هذه الجريمة ، كما نفى المسئولية عن ابن زياد وسائر القوات المسلحة التي قتلت الحسين والقى باللائمة على الحسين قال :

«وليس هناك ما يبرر نسبة قتل الحسين الى يزيد فهو لم يأمر بقتاله فضلا عن قتله ، وكل ما أمر به أن يحاط به ولا يقاتل إلا إذا قاتل ومثل هذا القول يصح بالنسبة لعبيد اللّه بن زياد فكل ما أمر به أن يخاط به ولا يقاتل إلا اذا قاتل ، وان يؤتى به ليضع يده في يده أو يبايع ليزيد صاحب البيعة الشرعية ، بل ان هذا يصح قوله بالنسبة لأمراء القوات المسلحة التي جرى بينها وبين الحسين وجماعته قتال ، فانهم ظلوا ملتزمين بما أمروا به ، بل

__________________

(١) الدولة الاموية في الشام (ص ٥٨)

(٢) الدولة الأموية في الشرق (ص ١٠٤)

٤٠٥

وكانوا يرغبون أشد الرغبة في أن يعافيهم اللّه من الابتلاء بقتاله فضلا عن قتله ، ويبذلون جاهدهم في اقناعه بالنزول على حكم ابن زياد ومبايعة يزيد فاذا كان الحسين أبى أن يستسلم ليدخل فيما دخل فيه المسلمون وقاوم بالقوة فمقابلته وقتاله من الوجهة الشرعية والوجهة السياسية سائغا» (١).

ويرى دروزه ان قتل ريحانة رسول اللّه (ص) وسيد شباب أهل الجنة كان سائغا من الوجهة الشرعية والوجهة السياسية ، لا اكاد اعتقد ان السفكة الجلادين من قتلة الحسين اكثر حقدا وعداء للامام من هذا الانسان الذي ران الباطل على ضميره فماج في تيارات سحيقة من المنكر والاثم.

رأي الدكتور طه حسين :

ويرى طه حسين ان يزيد مسئول عن اراقة دماء الامام ، وليس من الصحيح القول بأن تبعة هذه الجريمة ملقاة على ابن مرجانة قال :

«والرواة يزعمون أن يزيد تبرأ من قتل الحسين على هذا النحو فالقى عبء هذا الاثم على ابن مرجانة عبيد اللّه بن زياد ، ولكنا لا نراه لام ابن زياد ولا عاقبه ، ولا عزله عن عمله كله او بعضه ، ومن قبله معاوية قتل حجر بن عدي وأصحابه ، ثم القى عبء قتلهم على زياد وقال :

حملني ابن سمية فاحتملت» (٢).

ان ابن زياد لم يفعل ما فعل الا بأمر قاطع من يزيد ، ولو كان لم يرض بذلك لحاسبه على جريمته وما جلس وإياه في مجلس الشراب ولما

__________________

(١) تاريخ الجنس العربي ٨ / ٣٨٣.

(٢) الفتنة الكبرى ٢ / ٢٦٥

٤٠٦

جزل له في العطاء فان ذلك يدل على رضاه بقتل الحسين وعدم ندمه على مرارة المذبحة وهول الجناية.

كلمة التفتازاني :

قال التفتازاني : «اتفقوا على جواز اللعن على من قتل الحسين أو أمر به او اجازه او رضي به ... والحق ان رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك ، واهانته أهل بيت رسول اللّه (ص) مما تواتر معناه ، وإن كان تفصيله آحادا ، فنحن لا نتوقف في شأنه بل في كفره لعنة اللّه عليه وعلى أنصاره واعوانه» (١).

رأي اليافعي :

ويقول العلامة اليافعي : «واما حكم من قتل الحسين او امر بقتله فهو كافر ، فمن استحل ذلك فهو كافر» (٢).

رأي احمد بن حنبل :

وافتى احمد بن حنبل بالامساك عن لعن يزيد يقول ابو طالب :

سألت احمد عمن نال من يزيد بن معاوية فقال : لا تتكلم في هذا ، قال

__________________

(١) شذرات الذهب ١ / ٦٨

(٢) شذرات الذهب ١ / ٦٩

٤٠٧

النبي : لعن المؤمن كقتله (١) ومن الغريب هذه الفتيا فقد جعل مدركها الحديث النبوي وهو لا ينطبق على يزيد فانه لا نصيب له من الايمان والاسلام بعد اقترافه للجرائم الفظيعة كابادة العترة الطاهرة واباحة مدينة الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وحرق الكعبة المقدسة فان كل واحدة من هذه الموبقات تخرجه من حظيرة الاسلام.

وقد أنكر على أحمد ولده صالح فقد قال له : إن قوما ينسبونا إلى تولي يزيد؟ فقال له : وهل يتولى يزيد أحد يؤمن باللّه؟ فقال له ولده.

ـ ولم لا تلعنه؟

ـ ومتى رأيتني لعنت أحدا؟

ـ يا ابة ولم لا يلعن من لعنه اللّه في كتابه؟

ـ واين لعن اللّه يزيدا؟

ـ في قوله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي اَلْأَرْضِ وتُقَطِّعُوا أَرْحٰامَكُمْ أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ لَعَنَهُمُ اَللّٰهُ) فهل يكون فساد أعظم من القتل .. وأمسك احمد عن الجواب (٢).

كلمة المعتضد العباسي :

واصدر المعتضد العباسي كتابا نشر فيه مخازي بنى أمية ، واشاد فيه بآل البيت وأمر باذاعته ونشره في النوادي الحكومية والشعبية والمجتمعات

__________________

(١) الآداب الشرعية والمنح المرعية لشمس الدين الحنبلي ١ / ٣٠٤.

(٢) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص ٩٥)

٤٠٨

العامة أيام الجمعات والاعياد ، وقد جاء فيه مما يخص يزيد :

«ولما تكنّ الخلافة إلى يزيد طلب متحفزا يطلب بثأر المشركين من المسلمين فأوقع بأهل المدينة وقعة الحرة الوقعة التي لم تمر على البشرية مثلها ، ولا على المسلمين أفضع وابشع منها فشفا عند نفسه غليله ، وظن انه انتقم لاشياخه من أولياء اللّه ، وبلغ الثأر لأعداء اللّه والرسول (ص) وأضاف يقول :

«ثم ان أغلظ ما انتهك واعظم ما اجترم سفكه لدم الحسين بن علي (ع) مع علمه بموقعه من رسول اللّه (ص) وسماعه منه أنه قال :

«الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا ، الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» اجتراء منه على اللّه ورسوله وعداوة منه لهما فما خاف من عمله ذلك نقمة ولا راقبه في معصية» (١).

لقد كان قتل ريحانة رسول اللّه (ص) من اعظم الاحداث الجسام التي روع بها المسلمون وامتحنوا بها امتحانا شاقا وعسيرا ، كما انها من افجع الأحداث العالمية ، فقد كانت القسوة التي قوبلت بها عترة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من افظع ما جرى في تاريخ العالم.

فقد مارس اولئك الجفاة الممسوخون من جيش يزيد جميع ضروب الخسة وألوان اللؤم. وتنكروا لجميع القيم الانسانية والاعراف السائدة ، وما قننه الناس من معاني الفضيلة والاخلاق ، فقتلوا الرجال والأطفال والنساء بعد أن حرموهم من الماء ومثلوا بتلك الجثث الزواكي ، وحملوا الرءوس الطاهرة على الحراب ، وسبوا ودائع الرسول الأعظم (ص) على اقتاب الجمال يطاف بهن في الاقطار والامصار ، ليظهر الطاغية قهره لآل النبي (ص) وتغلبه عليهم ، وكل هذه الأحداث جرت بأمره

__________________

(١) شرح النهج لابن ابي الحديد ٢ / ٤٥٨

٤٠٩

والحاحه ، فهو المسئول عنها.

أما ابن زياد فلم يكن سوى آلة واداة بيده ، ومنفذ لرغباته كما دللنا على ذلك في البحوث السابقة.

ان تنزيه يزيد ، والقاء المسئولية على ابن مرجانة ما هو الا لون من الوان الانحراف عن الحق «والانقياد للعصبية العمياء التي لا يخضع لها من يملك وعيه واختياره.

وبهذا ينتهي بنا الحديث عما قيل في تبرير يزيد من المخاريق والأباطيل ، وما أثر من الأعلام في تجريم يزيد وتحميله المسئولية في اراقة دم الامام :

٤١٠

الى يثرب

٤١١
٤١٢

ولم يطل مكث اهل البيت في دمشق ، فقد خشي يزيد من وقوع الفتنة ، واضطراب الرأي العام ، ووقوع ما لا تحمد عقباه ، فقد أحدث خطاب العقيلة زينب وخطاب الامام زين العابدين انقلابا فكريا في جميع الأوساط ، فقد انارت تلك الخطب المشرقة العقول ، وأثارت العواطف واصبحت حديث الأندية والمجالس فكانت تغلي كالحمم على تلك الدولة الغاشمة وهي تنذر بانفجار شعبي يكتسح دولة يزيد ، فقد عرفت اهل الشام لؤم يزيد ، وخبث عنصره ، وقلبت الرأي العام عليه فجوبه بالنقد حتى في مجلسه وسقط اجتماعيا ، وذهبت مكانته من النفوس.

اعتذار الطاغية من زين العابدين :

ودعا الطاغية الامام زين العابدين (ع) فأبدى له معاذيره ، والقى المسئولية في هذه الجريمة على ابن مرجانة قائلا :

«لعن اللّه ابن مرجانة ، أما واللّه لو أني صاحبه ما سألني خصلة أبدا إلا اعطيته اياها ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي ، ولكن قضى اللّه ما رأيت يا بني كاتبني بكل حاجة تكون لك (١) وانه سيكون في قومك أمور فلا تدخل معهم في شيء» (٢).

واعرض عنه الامام فلم يجبه بشيء ، فقد عرف واقع اعتذاره ، وانه كان تهربا مما لحقه من العار والخزي.

__________________

(١) تأريخ ابن الأثير ٣ / ٣٠٠

(٢) تذهيب التهذيب ١ / ١٥٧

٤١٣

عرض الأموال لآل البيت :

وأمر الطاغية بانطاع من الابريسم ففرشت في مجلسه ، وصب عليها أموالا كثيرة ، وقدمها لآل البيت لتكون دية لقتلاهم وعوضا لأموالهم التي نهبت في كربلا فقال :

«خذوا هذا المال عوض ما اصابكم»

رد السيدة أمّ كلثوم :

والتاعت شقيقة الحسين السيدة أم كلثوم وتميزت غيظا فصاحت به.

«ما أقل حياءك ، واصلف وجهك تقتل أخي واهل بيتي وتعطيني عوضهم» (١).

وقالت سكينة :

«واللّه ما رأيت أقسى قلبا من يزيد ، ولا رأيت كافرا ، ولا مشركا شرا منه ، ولا أجفى منه» (٢).

وباء يزيد بالفشل ، فقد حسب أن اهل البيت تغريهم المادة ، ولم يعلم أنهم من صنائع اللّه قد اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

طلبة الامام زين العابدين :

وعرض الطاغية على الامام زين العابدين أن يعرض عليه حاجته فقال (ع) :

__________________

(١) مقتل الحسين لعبد اللّه

(٢) مقتل الحسين لعبد اللّه

٤١٤

أريد منك أن تريني وجه أبي ، وأن تعيد على النساء ما أخذ منهن ففيها مواريث الآباء والامهات ، وإذا كنت تريد قتلي فارسل مع العيال من يؤدي بهن الى المدينة».

واكبر الظن ان الامام أراد من رؤية رأس أبيه ان يعطيه الرأس الشريف ليواريه ، ولكن الطاغية لم يجبه إلى ذلك فقد أمر أن يطاف به في جميع أنحاء البلاد لاشاعة الذعر والفزع بين الناس ، وحتى يكون عبرة لكل من يخرج عليه ، وأما طلب الامام أن يعيد على النساء ما اخذ منهن فلم يرد بذلك الحلي والحلل وغيرها من الأموال التي نهبت منهن في يوم كربلا ، وانما أراد أن يرد عليهم المواريث النفيسة التي ورثوها من جدهم رسول اللّه (ص) كعمامته ودرعه وسيفه ، وغير ذلك مما هو أثمن من المال.

واطرق الطاغية برأسه الى الأرض يفكر في طلب الامام (ع) ثم رفع رأسه وقال له :

«اما وجه أبيك فلن تره ، واما ما اخذ منكم فيرد إليكم ، واما النسوة فلا يردهن غيرك ، وقد عفوت عن قتلك» (١).

السفر الى يثرب :

وعهد الطاغية الى النعمان بن بشير ان يقوم برعاية ودائع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، ويصحبهم إلى يثرب (٢) وامر باخراجهم من

__________________

(١) مقتل الحسين لعبد اللّه

(٢) تاريخ ابن الأثير ٣ / ٣٠٠

٤١٥

دمشق ليلا خوفا من الفتنة ، واضطراب الأوضاع (١).

وصول النبأ الى يثرب :

وانتهت انباء الكارثة الكبرى الى يثرب قبل وصول السبايا إليها ، وقد حمل النبأ عبد الملك بن الحارث السلمي بأمر من ابن زياد ، وقد اخذ يجذ في السير حتى انتهى إليها ، وقد اعياه السقر فاسرع إلى حاكم المدينة الأشدق ، وقد لقيه رجل فرابه ما هو فيه من الارتباك فأسرع إليه قائلا :

ـ ما الخبر؟

ـ الخبر عند الأمير

وفطن الرجل لهول الأمر فقال :

«انا للّه وانا إليه راجعون» قتل واللّه الحسين ، صدقت أمّ سلمة بما نبأت به» (٢).

ووافى رسول ابن زياد حاكم المدينة فأخبره بمقتل الحسين فاهتز فرحا وسرورا وراح يقول :

«واعية بواعية عثمان» (٣).

وامر الأشدق باذاعة ذلك بين الناس فهرعوا وقد علاهم البكاء نحو الجامع النبوي ليتعرفوا على تفصيل الحادث الأليم.

__________________

(١) جوهرة الكلام في مدح السادة الاعلام (ص ١٢٨)

(٢) زينب بنت علي لعبد العزيز سيد الأهل (ص ١٥٢)

(٣) مقتل الحسين لعبد اللّه

٤١٦

خطاب الأشدق :

واعتلى الطاغية عمرو بن سعيد الأشدق اعواد المنبر وهو يهز اعطافه مسرورا بقتل الامام ، وقد اظهر احقاده واضغانه فقال :

«أيها الناس : إنها لدمة بلدمة ، وصدمة بصدمة ، كم خطبة بعد خطبة ، حكمة بالغة فما تغني النذر ، لقد كان يسبنا ونمدحه ، ويقطعنا ونصله ، كعادتنا وعادته ، ولكن كيف نصنع بمن سل سيفه علينا يريد قتلنا الا ان ندفعه عن انفسنا».

وقطع عليه عبد اللّه بن السائب خطابه الذي اظهر فيه الشماتة بقتل ريحانة رسول اللّه (ص) ، فقال له :

«لو كانت فاطمة حية ورأت رأس الحسين لبكت عليه»

وكان هذا الاستنكار بداية نقد يجابه به والي المدينة وهو يخطب وقد لذعه نقده فصاح به.

«نحن احق بفاطمة منك ابوها عمنا ، وزوجها اخونا ، وامها ابنتنا ، ولو كانت فاطمة حية لبكت عينها ، وما لامت من قتله» (١).

وقد شذ الأشدق في قوله عن جميع الاعراف الاجتماعية فقد زعم ان فاطمة لو كانت حية لما لامت قاتل ولدها ، بل من المؤكد عنده انها تبارك القاتل الأثيم لأن بذلك دعما للحكم الأمري وبسطا لسلطانهم الذي يحمل جميع الاتجاهات الجاهلية.

ان فاطمة لو كانت حية وشاهدت فلذة كبدها على صعيد كربلا وهو يعاني من الخطوب والكوارث التي لم تجر على أي انسان لذابت نفسها حسرات ، وقد روى علي عن رسول اللّه (ص) انه قال :

__________________

(١) مقتل المقرم (ص ٤١٧)

٤١٧

«تحشر ابنتي فاطمة يوم القيامة ، ومعها ثياب مصبوغة بدم فتتعلق بقائمة من قوائم العرش ، فتقول : يا عدل احكم بيني وبين قاتل ولدي فيحكم لابنتي ورب الجنة» (١).

فجيعة الهاشميين :

ووقع النبأ المؤلم بقتل الحسين كالصاعقة على رءوس الهاشميين فقد علا الصراخ والعويل من بيوتهم ، وخرجت السيدة زينب بنت عقيل (٢) ناشرة شعرها ، وهي تصيح :

«وا محمداه ، وا حسيناه ، وا إخواتاه وا اهيلاه» (٣).

وجعلت تنظم ذوب روحها بابيات تخاطب بها المسلمين قائلة :

ما ذا تقولون : إن قال النبي لكم

ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبانصاري وذريتي

منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

فاجابها ابو الأسود وهو غارق في البكاء والشجون نقول :

«ربنا ظلمنا أنفسنا ، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين» وعلاه الجزع وراح يقول :

__________________

(١) الصراط السوى في مناقب آل النبي (ص ٩٣)

(٢) زينب بنت عقيل تزوجت بعلي بن ركانة من بني عبد المطلب اولدت منه ولدا ، ومن بناتها عبدة ، وهي أم أبي البختري القاضي المشهور جاء ذلك في انساب الاشراف ق ١ ج ١.

(٣) مرآة الزمان في تواريخ الاعيان

٤١٨

أقول : وزادني حنقا وغيظا

أزال اللّه ملك بني زياد

وابعدهم كما بعدوا وخافوا

كما بعدت ثمود وقوم عاد

ولا رجعت ركائبهم إليهم

إذا وقفت يوم التناد (١)

رساد البكاء وعمت اللوعة وانتشر الحزن في جميع انحاء يثرب ، فلم ير اكثر باك ولا باكية من ذلك اليوم.

مأتم عبد اللّه بن جعفر :

وأقام عبد اللّه بن جعفر مأتما للعزاء على ابن عمه الحسين فجعل الناس يفدون عليه يعزونه بمصابه الأليم ، ويقول المؤرخون : انه كان له مولى يسمى ابا السلاسل فقال له :

«هذا ما لقينا من الحسين»

وقد حسب الغبي أنه يتقرب إليه بذلك لأنه لو لا الحسين لما استشهد ولداه ، ولما سمع ابن جعفر مقالته فقد أهابه ، وحذفه بنعله قائلا :

«يا بن اللخناء تقول ذلك في الحسين؟ واللّه لو شهدته لأحببت أن لا افارقه حتى اقتل معه ، واللّه انه لمما يسخي نفسي عن ولدي ، ويهون علي المصاب بهما أنهما اصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه».

وأقبل على حضار مجلسه فقال لهم :

«الحمد للّه لقد عزّ علي المصاب بمصرع الحسين أن لا اكون واسيته بنفسي فقلد واساه ولداى (٢).

__________________

(١) مجمع الزوائد ٩ / ١٩٩ ، معجم الكبير للطبراني ١ / ١٤٠

(٢) تأريخ الطبري ٦ / ٢١٨

٤١٩

رزية ابن عباس :

ورزأ ابن عباس كأشد ما تكون الرزية محنة وألما حينما سمع بقتل الامام ، وكان في البيت الحرام فقد أسر إليه شخص ، وعرفه بالحادث المؤلم فذعر وفقد أهابه فقال له محمد بن عبد اللّه :

«ما حدث يا أبا العباس؟»

«مصيبة عظيمة نحتسبها عند اللّه»

ثم اجهش بالبكاء ، وانصرف الى منزله حزينا كثيبا ، وأقام مأتما في بيته فأقبل عليه الناس يعزونه بمصابه العظيم ويشاركونه الآسى واللوعة (١).

مسور مع ابن الزبير :

ولما جاء نعي الحسين إلى مكة التقى مسور بابن الزبير فقال له مسور :

«قد جاء ما كنت تتمنى من موت الحسين بن علي»

فراوغ ابن الزبير وقال :

«يا أبا عبد الرحمن تقول لي هذا؟ فو اللّه ليته ما بقي بالجما (٢) حجر واللّه ما تمنيت ذلك»

ورد عليه مسور :

«أنت اشرت عليه بالخروج الى غير وجه»

«نعم أشرت عليه ، ولم ادر أنه يقتل ، ولم يكن بيدي أجله ،

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ١٣ / ٨٦

(٢) الجما : هضبة قرب المدينة

٤٢٠