حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣

باقر شريف القرشي

حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣

المؤلف:

باقر شريف القرشي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مدرسة العلمية الايرواني
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦
الجزء ١ الجزء ٣

مصارع العترة الطّاهرة

٢٤١
٢٤٢

وبعد ما استشهدت الصفوة العظيمة من أصحاب الامام هبت ابناء الأسرة النبوية شبابا واطفالا للتضحية والفداء ، وهم بالرغم من صغر اسنانهم كانوا كالليوث لم يرهبهم الموت ولم تفزعهم الأهوال وتسابقوا ـ بشوق ـ إلى ميادين الجهاد ، وقد ضنّ الامام على بعضهم بالموت فلم يسمح لهم بالجهاد الا انهم اخذوا يتضرعون إليه ، ويقبلون يديه ورجليه ليأذن لهم في الدفاع عنه.

والمنظر الرهيب الذي يذيب القلوب ، ويذهل كل كائن حي هو أن تلك الفتية جعل يودع بعضهم بعضا الوداع الأخير فكان كل واحد منهم يوسع أخاه وابن عمه تقبيلا وهم غارقون بالدموع حزنا وأسى على ريحانة رسول اللّه (ص) حيث يرونه وحيدا غريبا قد احاطت به جيوش الأعداء ويرون عقائل النبوة ومخدرات الوحي وقد تعالت اصواتهن بالبكاء والعويل ... وساعد اللّه الامام على تحمل هذه الكوارث التي تقصم الأصلاب ، وتذهل الألباب ، ولا يطيقها أي انسان الا من امتحن اللّه قلبه للايمان ... أما الذين استشهدوا من ابناء الرسول (ص) فهم.

علي الأكبر :

وأجمع المؤرخون ان علي بن الحسين الأكبر كان يضارع جده الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم ، في خلقه وأخلاقه التي امتاز بها على سائر النبيين ، وأعظم بهذه الثروة التي ملكها سليل هاشم فقد ملك جميع الطاقات الانسانية والمثل الكريمة التي يسمو بها العظماء والمصلحون.

وكان البارز من معاني أخلاقه الاباء والشمم وعزة النفس والاندفاع الهائل في ميادين الكرامة الانسانية ، فقد آثر الموت واستهان بالحياة في

٢٤٣

سبيل كرامته ، ولا يخضع لحكم الدعي ابن الدعي ، وقد بعث عمر بن سعد رجلا من أصحابه فناداه :

«ان لك قرابة بامير المؤمنين ـ يعني يزيد ـ ونريد أن نرعى هذا الرحم ، فان شئت آمناك؟»

فسخر منه علي بن الحسين وصاح به :

«لقرابة رسول اللّه احق ان ترعى» (١)

وكان من ابر ابناء الامام واكثرهم مواساة وحرصا عليه ، وهو أول من اندفع بحماس بالغ من الهاشميين إلى الحرب ، وكان عمره فيما يقول المؤرخون ثماني عشرة سنة (٢) ، فلما رآه الامام اخذ يطيل النظر إليه ، وقد ذابت نفسه حزنا واشرف على الاحتضار ، لأنه رأى ولده الذي لا ند له قد ساق نفسه إلى الموت ، فرفع شيبته الكريمة نحو السماء وراح يقول بحرارة وألم ممض :

«اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس برسولك محمد (ص) خلقا وخلقا ومنطقا ، وكنا إذا اشتقنا الى رؤية نبيك نظرنا إليه ... اللهم امنعهم بركات الأرض ، وفرقهم تفريقا ، ومزقهم تمزيقا ، واجعلهم طرائق قددا ، ولا ترضي الولاة عنهم أبدا ، فانهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا».

ويلمس في هذه الكلمات الحزينة مدى اساه على ولده الذي استوعب

__________________

(١) نسب قريش (ص ٥٧)

(٢) الفتوح ٥ / ٢٠٧ وقيل كان عمره ثلاثا وعشرين سنة كما في عمدة الطالب (ص ١٨٢) وقيل كان عمره سبعا وعشرين سنة حسب ما ذكره المقرم في مقتل الحسين.

٢٤٤

نفسه حبا له ، وقد دعا اللّه ـ بحرارة ـ ان ينزل على تلك العصابة المجرمة عذابه الأليم في هذه الدنيا وتقطع قلب الامام حزنا على ولده فصاح بالمجرم الأثيم عمر بن سعد.

«ما لك قطع اللّه رحمك ، ولا بارك لك في أمرك ، وسلط عليك من يذبحك بعدي على فراشك ، كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول اللّه (ص) ثم تلا قوله تعالى : (إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفىٰ آدَمَ ونُوحاً وآلَ إِبْرٰاهِيمَ وآلَ عِمْرٰانَ عَلَى اَلْعٰالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهٰا مِنْ بَعْضٍ واَللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ..).

وشيع الامام ولده بدموع مشفوعة بالحزن والزفرات ، وخلفه نساء أهل البيت وقد علا منهن الصراخ والعويل على شبيه رسول اللّه (ص) الذي ستتناهب شلوه السيوف والرماح.

وانطلق الفتى إلى حومة الحرب مزهوا لم يختلج في قلبه خوف ولا رعب ، وهو يحمل هيبة الرسول (ص) وشجاعة امير المؤمنين وبأس حمزة واباء الحسين ، وتوسط حراب الأعداء وسيوفهم وهو يرتجز بعزة وتصميم محاميا عن دين اللّه.

أنا علي بن الحسين بن علي

نحن ورب البيت أولى بالنبي

تالله لا يحكم فينا ابن الدعي (١)

أجل واللّه يا فخر هاشم أنت وأبوك أولى بالنبي واحق بمقامه ، فأنتم أقرب الناس إليه والصقهم به ولكن الأطماع السياسية التي تغلبت على القوم هي التي دفعتكم عن مقامكم ، وسلطت عليكم هذه الطغمة الجائرة فعمدت الى تقطيع أوصالكم واستئصال شأفتكم ليخلو لها الجو في التأمر على المسلمين بغير الحق.

__________________

(١) تأريخ ابن الأثير ٣ / ٢٩٣ ، انساب الأشراف ق ١ ج ١

٢٤٥

واعلن علي بن الحسين في رجزه عن روعة بأسه وشدة إبائه ، وانه يؤثر الموت على الخنوع للدعي ابن الدعي .. والتحم مع اعداء اللّه وقد ملأ قلوبهم رعبا وفزعا وابدى من البسالة ما يقصر عنه الوصف ، فقد ذكّرهم ببطولات جده امير المؤمنين ، وقد قتل فيما يقول بعض المؤرخين مائة وعشرين فارسا (١) سوى المجروحين وألح عليه العطش فقفل راجعا الى أبيه يشكو إليه ظمأه القاتل ويودعه الوداع الأخير ، واستقبله أبوه بحرارة فبادره علي قائلا :

«يا أبة العطش قد قتلني ، وثقل الحديد قد أجهدني ، فهل الى شربة ماء من سبيل اتقوى بها على الأعداء؟»

والتاع الامام كأشد ما تكون اللوعة ألما ومحنة ، فقال له بصوت خافت وعيناه تفيضان دموعا.

«وا غوثاه ما اسرع الملتقى بجدك ، فيسقيك بكأسه شربة لا تظمأ بعدها أبدا».

وأخذ لسانه فمصه ليريه ظمأه فكان كشقه مبرد من شدة العطش ودفع إليه خاتمه ليضعه في فيه (٢).

لقد كان هذا المنظر الرهيب من افجع ما رزىء به الامام الحسين لقد رأى فلذة كبده وهو في غضارة العمر وريعان الشباب ، وقد استوعبت الجراحات جسمه الشريف وقد اشرف على الهلاك من شدة العطش وهو لم يستطع أن يسعفه بجرعة ماء ليروي ظمأه ، يقول الحجة الشيخ عبد الحسين صادق في رائعته :

يشكو لخير أب ظماه وما اشتكى

ظمأ الحشا الا إلى الظامي الصدي

 __________________

(١) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣٠

(٢) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣٠

٢٤٦

كل حشاشته كصالية الغضا

ولسانه ظمأ كشقة مبرد

فانصاع يؤثره عليه بريقه

لو كان ثمة ريقه لم يجمد

وقفل علي بن الحسين راجعا الى حومة الحرب قد فتكت الجروح بجسمه وفتت العطش كبده ، وهو لم يحفل بما هو فيه ، وانما استوعبت فكره وحدة أبيه وتضافر اعداء اللّه على قتله ، وجعل يرتجز :

الحرب قد بانت لها حقائق

وظهرت من بعدها مصادق

واللّه رب العرش لا نفارق

جموعكم أو تغمد البوارق (١)

لقد اعرب فخر هاشم بهذا الرجز بأن الحقائق قد ظهرت في هذه الحرب ، وتجلت للجميع الأهداف النبيلة التي ينشدها أهل البيت ، وانهم سيبقون يناضلون عنها حتى تغمد البوارق.

وجعل علي الأكبر يقاتل أشد القتال واعنفه حتى قتل تمام المائتين (٢) وقد ضج العسكر فيما يقول المؤرخون من شدة الخسائر التي مني بها ، فقال الوضر الخبيث مرة بن منقذ العبدى (٣) علي آثام العرب إن لم اثكل أباه (٤) وأسرع الخبيث إلى شبيه رسول اللّه (ص) فطعنه بالرمح

__________________

(١) الفتوح ٥ / ٢٠٩

(٢) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣١

(٣) مرة كان أبوه منقذ من قادة جيش الامام في معركة الجمل ، واستشهد في تلك الواقعة وحمل ابنه مرة اللواء من بعده وخاض المعركة وشهد مع علي صفين والنهروان ، ثم ارتد على عقبه وانحرف عن الاسلام فانضم إلى معسكر ابن سعد واقترف في هذه الحرب افظع الجرائم التي منها قتله لشبيه رسول اللّه (ص) على الأكبر.

(٤) مقتل الحسين للمقرم (ص ٣١٦) مقاتل الطالبيين (ص ١١٦)

٢٤٧

في ظهره وضربه ضربة غادرة بالسيف على رأسه ففلق هامته ، واعتق علي فرسه يظن انه يرجعه إلى أبيه ليتزود بالنظر إليه ، إلا ان الفرس حمله الى معسكر الأعداء فأحاطوا به من كل جانب ولم يكتفوا بقتله وانما راحوا يقطعونه بسيوفهم اربا اربا تشفيا منه لما الحقه بهم من الخسائر الفادحة ، ونادى علي رافعا صوته :

«عليك مني السلام أبا عبد اللّه ، هذا جدي رسول اللّه قد سقاني بكأسه شربة لا اظمأ بعدها ، وهو يقول : إن لك كأسا مذخورة».

وحمل الأثير هذه الكلمات الى أبيه الثاكل الحزين فقطعت قلبه ومزقت احشاءه ففزع إليه وهو خائر القوى منهد الركن فانكب عليه ، ووضع خده على خده ، وهو جثة هامدة قد قطعت شلوه السيوف في وحشية قاسية ، فأخذ يذرف أحر دموعه وهو يقول بصوت خافت قد لفظ شظايا قلبه فيه :

«قتل اللّه قوما قتلوك ، يا بني ما اجرأهم على اللّه ، وعلى انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفا» (١).

وهرعت إليه الفتية من عمومته وأبناء عمومته فالقوا بنفوسهم عليه وهم يوسعونه تقبيلا ويلثمون جراحاته ، ويقسمون على أن يمضوا على ما مضى عليه ، وأمرهم الامام أن يحملوه إلى المخيم.

وهرعت الطاهرة البتول حفيدة النبي (ص) زينب (ع) فانكبت على جثمان ابن أخيها تضمخه بدموعها ، وتندبه بأشجى ما تكون الندبة ، وقد انهارت امام ابن أخيها الذي كان قبل ساعة يملأ العين اهابه ، وأثر منظرها الحزين في نفس الامام فجعل يعزيها بمصابها الأليم ، وهو يردد :

«على الدنيا بعدك العفا».

__________________

(١) تأريخ ابن الأثير ٣ / ٢٩٣ ، نسب قريش (ص ٥٧)

٢٤٨

لقد كان علي بن الحسين الرائد والزعيم لكل ابي شريف مات عصيا على الضيم في دنيا الاباء والشرف

وداعا يا بطل الاسلام

وداعا يا فخر هاشم

وداعا يا فجر كل ليل

ونحن نودعك بالأسى والحزن ونردد مع أبيك كلماته الحزينة «على الدنيا بعدك العفا».

مصارع آل عقيل :

واندفعت الفتية الطيبة من آل عقيل الى الجهاد وهي مستهينة بالموت وقد نظر الامام (ع) إلى بسالتهم واندفاعهم إلى نصرته فكان يقول :

«اللهم اقتل قاتل آل عقيل صبرا آل عقيل ان موعدكم الجنة» (١).

وكان علي بن الحسين زين العابدين (ع) يميل أشد الميل لآل عقيل ويقدمهم على غيرهم من آل جعفر ، فقيل له في ذلك فقال : اني لأذكر يومهم مع أبي عبد اللّه فارق لهم (٢).

وقد استشهد منهم تسعة في المعركة دفاعا عن ريحانة رسول اللّه (ص) وفيهم يقول الشاعر :

عين جودي بعبرة وعويل

واندبي ان ندبت آل الرسول

سبعة كلهم لصلب علي

قد اصيبوا وتسعة لعقيل (٣)

 __________________

(١) بطل العلقمي ١ / ٢٢٧

(٢) البحار ١١ / ١٢٣

(٣) المعارف (ص ٢٠٤)

٢٤٩

وقد علوا بارادتهم وعزمهم الجبار على ذلك الجيش «وانزلوا به أفدح الخسائر» ومن بينهم.

عبد اللّه بن مسلم :

وانبرى فتى هاشم عبد اللّه بن مسلم (١) إلى ساحة الجهاد فخاض غمرات الحرب واهوالها في شوق إلى الشهادة ، وقد بهر الابصار بجماله وبسالته وهو يرتجز :

اليوم القى مسلما وهو أبي

وفتية ماتوا على دين النبي

ليسوا كقوم عرفوا بالكذب

لكن خيار وكرام النسب

من هاشم السادات أهل الحسب (٢)

لقد عرف نفسه بأنه نجل الشهيد الخالد مسلم بن عقيل ، وانه سيلقى أباه في يومه ويلتقي بالفتية من ابناء عمومته الذين استشهدوا في سبيل الاسلام وماتوا على دين النبي (ص) وانهم ليسوا كأهل الكوفة الذين عرفوا بالغدر والخيانة والكذب ، وانما ينميهم هاشم سيد العرب ، وبهم تلتقي كل فضيلة وشرف في الاسلام.

وقاتل الفتى قتالا عنيفا فقتل جماعة في ثلاث حملات ، وسدد له الوضر الأثيم يزيد بن الرقاد (٣) سهما غادرا فاتقاه الفتى بيده فسمرها

__________________

(١) عبد اللّه بن مسلم : أمه رقية بنت الامام امير المؤمنين (ع) جاء ذلك في نسب قريش (ص ٤٥).

(٢) الفتوح ٥ / ٢٠٣

(٣) في تأريخ ابن الأثير ٣ / ٢٩٣ ان الذي رماه عمرو بن صبيح الصدائي.

٢٥٠

الى جبهته ، فما استطاع ان يزيل السهم وقد اخذ منه الألم القاسي مأخذا عظيما فراح يدعو على السفكة المجرمين قائلا :

«اللهم انهم استقلونا واستذلونا فاقتلهم كما قتلونا»

وشد عليه وغد فطعنه بالرمح في قلبه ، فتوفي الفتى شهيدا مدافعا عن أقدس الحرمات في الاسلام (١).

جعفر بن عقيل :

وبرز إلى ساحات الجهاد جعفر بن عقيل (٢) فتوسط في ميدان الحراب وهو يرتجز :

أنا الغلام الأبطحي الطالبي

من معشر في هاشم وغالب

ونحن حقا سادة الذوائب

هذا حسين سيد الأطائب (٣)

لقد عرفهم نفسه بأنه من الأسرة النبوية التي هي أشرف الأسر العربية واعلاها مجدا ، وانه انما يدافع عن سيده الحسين الذي هو سيد الاطائب وفخر هذه الدنيا.

وقاتل الفتى قتالا عنيفا ، فرماه عروة بن عبد اللّه الخثعمي فقتله (٤).

__________________

(١) مقتل الحسين للمقرم (ص ٣١٧)

(٢) جعفر بن عقيل : أمه أم الثغر بنت عامر العامري من بني كلاب ، مقاتل الطالبيين (ص ٩٣).

(٣) الفتوح ٥ / ٢٠٣

(٤) مقاتل الطالبيين (ص ٩٣)

٢٥١

عبد الرحمن بن عقيل :

وانطلق عبد الرحمن بن عقيل (١) الى حومة الحرب وأخذ يصول ويجول وهو يرتجز :

أبي عقيل فاعرفوا مكاني

من هاشم وهاشم اخواني

كهول صدق سادة القران

هذا حسين شامخ البنيان (٢)

لقد أدلى بنسبه الوضاح فهو نجل عقيل ابن عم رسول اللّه (ص) وانه من السادة الاماجد الذين هم من أروع امثلة الوفاء والنبل والشرف في الأرض ، كما اشاد بالامام الحسين بأنه شامخ البنيان بمثله ومواهبه وقرابته من النبي (ص) ... وقاتل قتال الأبطال فشد عليه عثمان بن خالد الجهني وبشير بن حوص القايض فقاتلاه (٣).

محمد بن عقيل :

وكان محمد بن عقيل من الفقهاء ، وقد برز مدافعا عن ريحانة رسول اللّه (ص) واستشهد بين يديه (٤).

__________________

(١) عبد الرحمن بن عقيل : أمه أمّ ولد ، مقاتل الطالبيين (ص ٩٢)

(٢) الفتوح ٥ / ٢٠٣

(٣) مقاتل الطالبيين (ص ٩٢)

(٤) محمد بن أبي سعيد الأحول بن عقيل ، أمه أمّ ولد ، مقاتل الطالبيين (ص ٩٤).

٢٥٢

عبد اللّه الأكبر :

وبرز عبد اللّه الأكبر (١) فقاتل ، وشد عليه عثمان بن خالد بن أسير الجهني ورجل من همدان فقاتلاه (٢).

محمد بن أبي سعيد بن عقيل :

وكان محمد بن أبي سعيد بن عقيل متكلما سريع الجواب ، وقد برز الى حومة الحرب واستشهد بين يدي الامام (٣).

محمد بن مسلم :

وبرز محمد بن مسلم (٤) الى الحرب فشد عليه ابو مرهم الأزدي ولقيط بن اياس الجهني فقاتلاه (٥).

علي بن عقيل :

وبرز علي بن عقيل فقاتل قتالا شديدا ، واستشهد بين يدي أبي عبد اللّه (ع) (٦).

__________________

(١) عبد اللّه الأكبر أمه أمّ ولد ، مقاتل الطالبيين (ص ٩٢)

(٢) مقاتل الطالبيين (ص ٩٣)

(٣) مقاتل الطالبيين (ص ٩٤)

(٤) أمه أمّ ولد

(٥) مقاتل الطالبيين (ص ٩٤)

(٦) مقاتل الطالبيين (ص ٩٥)

٢٥٣

لقد ابدى شباب آل عقيل من البطولة والبسالة ما لا يوصف ، وتنافسوا على الشهادة بين يدي الحسين ، وفدوه بأرواحهم.

ابناء الحسن :

وتقدمت الفتية من ابناء الامام الحسن وهم في غضارة العمر وريعان الشهاب فجعلوا يتسابقون الى الموت ليفدون عمهم بأرواحهم ، وهم :

عبد اللّه بن الحسن :

ويكنى أبا بكر ، وأمه أم ولد يقال لها رملة ، وقد برز إلى الحرب فتناهبت جسمه السيوف والرماح وخر صريعا إلى الأرض يتخبط بدمه الزاكي (١).

القاسم بن الحسن :

وفي طليعة ابناء الامام الحسن القاسم ، وكان فيما وصفه المؤرخون كالقمر في بهائه وجماله ، وكرونق الزهور في زهوه ونضارته ، وقد انعم اللّه عليه وهو في سنه المبكر باشراق العقل وفطنة النفس وعزة الايمان ، وقد غذاه عمه بمواهبه ، وأفرغ عليه اشعة من روحه حتى صار مثلا للكمال وقدوة للايمان.

وكان القاسم يرنو الى عمه ويتطلع إلى محنته ، ويود أن يرد عنه

__________________

(١) حياة الامام الحسن ٢ / ٤٦٢ ، الدر النظيم (ص ١٧٠)

٢٥٤

عوادي الاعداء بدمه ، وكان يقول :

«لا يقتل عمي وأنا أحمل السيف» (١)

ولما رأى وحدة عمه احاطت به الآلام الهائلة ، واندفع يطلب منه الأذن ليجاهد بين يديه فاعتنقه الامام وعيناه تفيضان دموعا ، وأذن له بالجهاد بعد الحاحه ، وانطلق الفتى ببطولة رائعة وهو لا يعرف الخوف ويهزأ من الحياة ، ولم يضف على جسده لامة حرب ، وانما صحب معه سيفه ، والتحم مع الأعداء يضرب الأعناق ، ويحصد الرءوس كأن المنايا كانت طوع أمره يقذف بها من يشاء ، وبينما هو يقاتل اذ انقطع شسع نعله ، فانف سليل النبوة ان تكون احدى رجليه بلا نعل فوقف يشده متحديا تلك الوحوش الكاسرة وغير حافل بها ، واغتنم هذه الفرصة الوغد الخبيث عمرو بن سعد الأزدي ، فقال : واللّه لأشدن عليه ، فانكر عليه ذلك حميد بن مسلم وراح يقول له :

«سبحان اللّه!! وما تريد بذلك؟ يكفيك هؤلاء القوم الذين ما يبقون على أحد منهم».

فلم يعن به ، وشد عليه فضربه بالسيف على رأسه الشريف ، وهوى إلى الارض صريعا كما تهوى النجوم ، ونادى رافعا صوته :

«يا عماه.»

وتقطع قلب الامام ، وهرع نحو ابن أخيه ، فعمد إلى قاتله فضربه بالسيف فاتقاها بساعده فقطعها من المرفق ، وطرحه أرضا ، فحملت خيل اهل الكوفة لاستنقاذه الا انه هلك الاثيم تحت حوافرها وانعطف الامام

__________________

(١) البستان الجامع لجميع تواريخ أهل الزمان (ص ٢٥) لعماد الدين الأصفهاني من مصورات مكتبة الامام الحكيم.

٢٥٥

نحو ابن أخيه فجعل يقبله والفتى يفحص بيديه ورجليه ، وجعل الامام يخاطبه بذوب روحه قائلا؟

بعدا لقوم قتلوك ، ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك ...

عزّ واللّه على عمك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا ينفعك صوت واللّه هذا يوم كثر واتره ، وقل ناصره» (١).

وحمل الفتى بين ذراعيه وهو يفحص برجليه كالطير المذبوح (٢) وجاء به فالقاه بجوار ولده علي الأكبر وسائر القتلى من اهل البيت ، وأخذ يطيل النظر إلى تلك الكواكب المشرقة من أهل بيته ، فجعل يدعو على السفكة المجرمين من أعدائه ، ويدعو البقية الباقية من أهل بيته بالخلود الى الصبر قائلا :

«اللهم احصهم عددا ، ولا تغادر منهم أحدا ، ولا تغفر لهم أبدا صبرا يا بني عمومتي ، صبرا يا أهل بيتي لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم أبدا ..» (٣).

لك اللّه يا أبا عبد اللّه على هذه الرزايا والكوارث التي تميد من هولها الجبال ، وتعصف بحلم أي انسان كان.

الحسن بن الامام الحسن :

وقاتل الحسن بن الامام الحسن قتال الأبطال حتى هوى الى الأرض جريحا ، ولما عمد انذال اهل الكوفة الى حز رءوس الشهداء وجدوا به

__________________

(١) الارشاد (ص ٢٦٨) البداية والنهاية ٨ / ١٨٦

(٢) البستان الجامع (ص ٢٥)

(٣) مقتل الخوارزمي ٢ / ٢٨ ، الدر النظيم في مناقب الأئمة (ص ٣٧١)

٢٥٦

رمقا فاستشفع به أسماء بن خارجة الفزاري وكان من اخواله فشفعوه فيه فحمله معه الى الكوفة وعالجه حتى برىء من جرحه ، ثم لحق في يثرب (١).

عبد اللّه بن الحسن :

كان غلاما له من العمر احدى عشرة سنة ، وقد رأى عمه قد احاطت به الأعداء فهرول إليه فعمدت إليه عمته زينب لتمنعه فامتنع عليها ، وجاء يركض الى عمه فاهوى ابحر بن كعب بالسيف ليضرب الحسين فصاح به الطفل في براءة الأطفال :

«يا ابن الخبيثة أتقتل عمي؟!!»

وعمد ابن الخبيثة الى الطفل فعلاه بالسيف فتلقاه بيده فأطنها إلى الجلد فاذا هي معلقة فصاح الطفل مستغيثا بعمه قائلا : يا عماه ، ووقع في حجر عمه فاعتنقه وجعل يواسيه ، ويصبره على ما نزل به قائلا :

«يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك ، واحتسب في ذلك الخير فان اللّه يلحقك بآبائك الصالحين».

وأخذ الامام يدعو على السفكة المجرمين :

«اللهم ان متعتهم إلى حين ففرقهم تفريقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترض الولاة عنهم أبدا فانهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا» (٢).

وبينما هو في حجر عمه إذ سدد له الباغي اللئيم حرملة بن كاهل

__________________

(١) حياة الامام الحسن

(٢) تأريخ الطبري ٦ / ٢٥٩

٢٥٧

سهما غادرا فذبحه (١) وحمله الامام فوضعه بين القتلى من أهل بيته ، لقد تجرد اولئك الممسوخون من كل نزعة انسانية فاستباحوا قتل الاطفال الأبرياء الذي كان محرما حتى في العرف الجاهلي.

ابناء عبد اللّه بن جعفر :

وتسابقت الفتية من ابناء عبد اللّه بن جعفر الى الجهاد بين يدي ريحانة رسول اللّه (ص) وهم :

١ ـ عون بن عبد اللّه

وأمه العقيلة زينب بنت الامام امير المؤمنين ، وقد برز إلى ساحة الجهاد فجعل يقاتل قتال الأبطال وهو يرتجز :

إن تنكروني فأنا ابن جعفر

شهيد صدق في الجنان أزهر

يطير فيها بجناح أخضر

كفى بهذا شرفا من معشر (٢)

وقد عرف نفسه بأنه ابن جعفر الشهيد الخالد في الاسلام الذي قطعت يداه في سبيل الدعوة الاسلامية ، فأبدله اللّه بهما جناحين يطير بهما في الفردوس الأعلى حسبما يقول الرسول الأعظم (ص) ويكفى عونا شرفا ومجدا انه حفيد هذا الرجل العظيم.

وجعل يقاتل فحمل عليه عبد اللّه بن قطبة الطائي فقتله (٣) ، وقد رثاه سليمان بن قتة بقوله :

__________________

(١) اللهوف (ص ٦٨)

(٢) الفتوح ٥ / ٢٠٤

(٣) الارشاد (ص ٢٦٨)

٢٥٨

واندبي إن بكيت عونا أخاه

ليس فيما ينوبهم بخذول

فلعمري لقد أصبت ذوي القر

بى فبكى على المصاب الطويل (١)

٢ ـ محمد بن عبد اللّه

وبرز إلى حومة الحرب محمد بن عبد اللّه بن جعفر ، وأمه الخوصاء من بني بكر بن وائل (٢) وجعل يقاتل وهو يرتجز :

نشكو إلى اللّه من العدوان

قتال قوم في الردى عميان

قد بدلوا معالم القرآن

ومحكم التنزيل والتبيان

واظهروا الكفر مع الطغيان (٣)

لقد شكا إلى اللّه بهذا الرجز ما يعاينه أهل البيت (ع) من الظلم والاعتداء من تلك العصابة الباغية التي عميت عن الحق وتردت في الضلال وبدلت احكام القرآن ، واظهرت الكفر والطغيان.

وقاتل الفتى اعنف القتال فحمل عليه عامر بن نهشل التميمي (٤) فضربه بالسيف فهوى جسمه الخضيب على رمضاء كربلا ، ولم يلبث أن لفظ انفاسه الأخيرة وقد رثاه سليمان بن قتة بقوله :

وسمي النبي غودر فيهم

قد علوه بصارم مصقول

فاذا ما بكيت عيني فجودي

بدموع تسيل كل مسيل (٥)

 __________________

(١) مقاتل الطالبيين (ص ٩١)

(٢) مقاتل الطالبيين (ص ٩٠)

(٣) الفتوح ٥ / ٢٠٤

(٤) الارشاد (ص ٢٦٨)

(٥) مقاتل الطالبيين (ص ٩٢)

٢٥٩

٣ ـ عبيد اللّه بن جعفر

وعبيد اللّه أمه الخوصاء بنت حفصة ، وقد برز إلى الجهاد فقتل (١).

اخوة الحسين :

وبعد ما استشهدت الصفوة الطيبة من أهل البيت (ع) ولم يبق مع الامام الحسين (ع) سوى اخوته من أبيه هبوا للجهاد ، ووطنوا نفوسهم على الموت ليفدوا ريحانة رسول اللّه (ص) بنفوسهم ومهجهم.

العباس مع اخوته :

ولما رأى بطل هاشم وفخر عدنان العباس بن الامام امير المؤمنين كثرة القتلى من أهل بيته التفت الى اخوته من أبيه وأمه فقال لهم :

«تقدموا يا بني أمي حتى اراكم نصحتم للّه ولرسوله فانه لا ولد لكم ..» (٢).

وكشفت هذه الكلمات عن مدى ايمانه العميق ، فهو يطلب من أخواته أن يكونوا قرابين للّه ، ويراهم في جهادهم قد نصحوا للّه ورسوله ولم يلحظ في جهادهم أي اعتبار آخر من النسب وغيره ... والتفت ابو الفضل الى أخيه عبد اللّه ، وكان اكبر اخوانه سنا فقال له :

__________________

(١) مقاتل الطالبيين (ص ٩٢)

(٢) الارشاد (ص ٢٦٩)

٢٦٠