حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣

باقر شريف القرشي

حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣

المؤلف:

باقر شريف القرشي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مدرسة العلمية الايرواني
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦
الجزء ١ الجزء ٣

والسلام» (١) وهذه أوجز رسالة تكتب في مثل هذه المحن الشاقة التي تعصف بالصبر.

مع هرثمة بن سلمى :

والتحق هرثمة بن سلمى بمعسكر ابن زياد ، ولما انتهى الى كربلا تذكر حديثا مضت عليه حفنة من السنين فنساه فقد كان مع الامام امير المؤمنين في غزوة له ، وقد مر على كربلا فنزل إلى شجرة ، وصلى تحت ظلالها ، فلما فرغ من صلاته أخذ قبضة من تلك الأرض وشمها وأخذ يقول :

«واها لك من تربة ليقتلن بك قوم يدخلون الجنة بغير حساب!!» ومضى هرثمة إلى الحسين مسرعا فحدثه بما سمعه من أبيه ، فقال (ع) له :

«معنا أو علينا؟»

«لا معك ولا عليك ، تركت عيالا»

وساق له الامام نصيحته فأمره بمغادرة كربلا لئلا يشهد واعية أهل البيت قائلا له :

«ول في الأرض فو الذي نفس حسين بيده لا يشهد قتلنا اليوم رجل إلا دخل جهنم».

وانهزم هرثمة من كربلا حتى وافته الأنباء بمقتل الامام (٢) وقد حرم من الشهادة بين يدي ريحانة رسول اللّه (ص).

__________________

(١) كامل الزيارات (ص ٧٥)

(٢) تاريخ ابن عساكر ١٣ / ٧٧ ، وسيلة المال في عد مناقب الآل (ص ١٧٩).

١٠١

التحاق انس بن الحرث بالامام :

والتحق الصحابي الجليل انس بن الحرث بالامام ، وقد حدث الامام بما سمعه من رسول اللّه (ص) انه قال : «ان ابني هذا ـ يعني الحسين يقتل بأرض يقال لها كربلا ، فمن شهده منكم فلينصره» وظل انس ملازما للامام حتى رزق الشهادة بين يديه (١)

رسالة ابن زياد للحسين :

ولما علم ابن مرجانة أن الحر قد حاصر الحسين في كربلا ، بعث إليه رسالة دلت على مدى طيشه وغروره ، وهذا نصها :

«أما بعد : يا حسين فقد بلغني نزولك بكربلاء ، وقد كتب إلي امير المؤمنين يزيد أن لا أتوسد الوثير (٢) ولا اشبع من الخمير أو الحقك باللطيف الخبير او تنزل على حكمي وحكم يزيد ..».

أنت يا ابن مرجانة وسيدك يزيد خليقان بأن لا تشبعا من الخمر وخليقان بأن تقترفا كل منكر في الاسلام»

ولما قرأ الامام رسالة ابن مرجانة رماها من يده استهانة به واحتقارا لهذا الانسان الممسوخ وراح يقول :

«لا افلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق»

وطالبه الرسول بجواب يرجع به الى ابن زياد فقال (ع) :

«ماله عندي جواب لأنه قد حقت عليه كلمة العذاب»

وقفل الرسول راجعا فاخبر ابن مرجانة ، بمقالة الامام فاستشاط غضبا وأخذ يتهيأ للحرب ويزج بجميع ما لديه من القوى العسكرية لحرب ريحانة رسول اللّه (ص).

__________________

(١) تاريخ ابن عساكر ١٣ / ٧٧

(٢) الوثير : الفراش اللين

١٠٢

زحف الكوفة للحرب

١٠٣
١٠٤

وحينما اذيع النبأ باستيلاء جيش ابن زياد على الامام الحسين ، وفرض الحصار عليه في كربلاء سادت موجات رهيبة من الذعر والخوف في جميع أوساط الكوفة ، وتخدرت الجماهير تحت ضغط هائل من قوة السيوف والرماح فقد اشاع ابن زياد الارهاب ، واعلن الاحكام العرفية في جميع أنحاء الكوفة ، فكان يحكم بالموت والاعدام لمجرد الظنة والتهمة ، وصار الناس لا يملكون من أمرهم شيئا.

لقد تمت بوارق ابن مرجانة ، وتحققت احلامه حينما ظفر بابن فاتح مكة ومحطم أوثان قريش ليتقرب بقتله إلى حفيد أبي سفيان زعيم الأحزاب المناوئة للاسلام ، ويتخذ من ذلك وسيلة لاقرار نسبه اللصيق ببني أمية الذي شهد به ابو مريم الخمار (١).

وانفق ابن مرجانة جميع وقته لتهيئة الحرب ، واتخاذ جميع الوسائل الاحتياطية للتغلب على مجريات الأحداث ، وقد احتف به الوجوه والاشراف من الذين باعوا ضمائرهم عليه لوضع المخططات الرهيبة في عمليات الحرب.

انتخاب ابن سعد قائدا عاما :

وانتخب ابن مرجانة عمر بن سعد قائدا عاما لقواته المسلحة التي زج بها لحرب ريحانة رسول اللّه (ص) ، وقبل أن نعرض أسباب انتخابه نقدم عرضا لبعض شئونه.

__________________

(١) مروج الذهب ٢ / ٣١٠.

١٠٥

اخبار النبي بسوء عاقبته :

واجتاز ابن سعد على النبي (ص) فلما رآه نفر منه ، وأخبر (ص) عن سوء عاقبته وقال : «يكون مع قوم يأكلون الدنيا بألسنتهم كما تلحس الأرض البقرة بلسانها» (١).

وقد اخبر امير المؤمنين (ع) بسوء مصيره يقول الرواة انه نظر إليه وحدثه فرأى فيه طيشا واستهانة بالحق وجرأة على ارتكاب الباطل فقال له :

«ويحك يا ابن سعد!! كيف بك اذا قمت مقاما تخير فيه بين الجنة والنار فتختار النار» (٢).

كراهية سعد له :

وكان سعد ناقما على ولده عمر لما سمعه من رسول اللّه (ص) فيه ويقول الرواة : انه عهد الى ورثته أن لا يعطوه أي شيء من مواريثه (٣).

لعن الرشيد له :

ولعن هارون الرشيد عمر بن سعد وحكم عليه بالالحاد والمروق من الدين ، وذلك في قصة طريفة لا تخلو من متعة نسوقها إلى القراء يقول الرواة انه جيء باسحاق بن ابراهيم مخفورا إلى الرشيد بتهمة انه كان من

__________________

(١) مختصر البلدان (ص ٢٧١) لابن الفقيه

(٢) اعيان الشيعة ٤ / ٤٣٧

(٣) الف باء للبلوي

١٠٦

الملحدين ، فقال له اسحاق.

«يا امير المؤمنين إني مؤمن باللّه وبجميع رسله وأنبيائه ، وليس هذا ذنبي ، ولكن لي ذنبا آخر؟»

فبهر الرشيد وقال له :

ـ ما هو؟

ـ الولاء لكم أهل البيت ، فهل من يدين بحبكم ويراه فرضا عليه يحكم عليه بالالحاد؟

وتبسم الرشيد ، وأمر بأن يرفع عنه النطع والسيف ، واندفع اسحاق فقال له :

يا أمير المؤمنين ، ما رأيك في عمر بن سعد قاتل الحسين الذي يقول :

يقولون : إن اللّه خالق جنة ونار وتعذيب وغل يدين

فاطرق الرشيد برأسه ، وتأمل كثيرا ثم قال :

«لعن اللّه عمر بن سعد كان لا يثبت صانعا ، ولا يقول ببعثة ولا نبوة .. يا اسحاق أتدري من أين اخذ قوله هذا؟».

(نعم يا امير المؤمنين اخذه من شعر يزيد بن معاوية ..)

«ما قال يزيد؟»

«انه قال :»

علية هاتي ناوليني واعلني

حديثك اني لا أحب التناجيا

حديث أبي سفيان لما سجا به

الى أحد حتى أقام البواكيا

فرام به عمرو عليا ففاته

وادركه الشيخ اللعين معاويا

فان مت يا أم الأحيمر فانكحي

ولا تأملي بعد الممات تلاقيا

فان الذي حدثت في يوم بعثنا

احاديث زور تترك القلب ساهيا

ولو لا فضول الناس زرت محمدا

بمشمولة صرف تروي عضاميا

١٠٧

ولا خلف بين الناس ان محمدا

تبوأ قبرا بالمدينة ثاويا

فقد ينبت المرعى على دمن الثرى

له غصن من تحته السر باديا

ونفنى ولا نبقى على الأرض دمنة

وتبقى حزازات النفوس كما هيا

وتأثر الرشيد فاندفع يقول :

«لعن اللّه يزيد ما كان يثبت صانعا ، ولا يقول ببعثة ولا نبوة ، أتدري يا اسحاق من أين اخذه؟».

«نعم يا امير المؤمنين أخذه من شعر أبيه معاوية».

«ما قال معاوية؟»

«إنه قال :

سائلوا الدير من بصرى صبابات

فلا تلمني فلا تغنى الملامات

قم نجل في الظلماء شمس ضحى

نجومها الزهر طاسات وكاسات

لعلنا إن يدع داع الفراق بنا

نمضي وانفسنا منها رويات

خذ ما تعجل واترك ما وعدت به

فعل اللبيب فللتأخير آفات

قبل ارتجاع الليالي كل عارية

فانما خلع الدنيا استعارات

فلعن الرشيد معاوية ، وقال فيه ما قاله في يزيد (١).

توثيق العجلي لابن سعد :

ووثق العجلي عمر بن سعد ، فقال : كان يروي عن أبيه أحاديث ،

__________________

(١) الثاقب في المناقب للشيخ المفيد من مخطوطات مكتبة الامام امير المؤمنين.

١٠٨

وروى الناس عنه ، وهو تابعي ثقة ، وهو الذي قتل الحسين (١) ولم نعلم كيف كان ابن سعد ثقة مع قتله الريحانة رسول اللّه (ص) وابادته للعترة الطاهرة التي اوجب اللّه مودتها على عموم المسلمين ... لقد كان العجلي منحرفا عن الحق ، فكان ميزان التعديل عنده للرواة هو النصب لأهل البيت وبغضهم ، كما ان مقياس الجرح عنده هو الولاء والمودة لهم.

وقد انكر الاخبار والمتحرجون في دينهم على من يروي عن ابن سعد فقد روى عنه العيزار بن حريث فأنكر عليه رجل في مجلسه وقال له :

أما تخاف اللّه؟ تروي عن عمر بن سعد فبكى العيزار وقال : لا اعود لذلك (٢) ومن الغريب ان ابن حجر ترجمه في تهذيب التهذيب الذي لا يترجم فيه إلا الثقات من الرواة عنده.

نزعات ابن سعد :

ولم يحمل ابن سعد في دخائل نفسه أي نزعة شريفة ، فليس في ضميره المتحجر أي بصيص من الكرامة والشرف والنبل ، وهذه بعض مظاهر ذاتياته.

أ ـ الخنوع للسلطة

وكان الخنوع للسلطة هو الظاهرة البارزة من ذاتيات ابن سعد ، فكان ـ فيما اجمع عليه المؤرخون ـ يذوب أمام الولاة ، ويفقد توازنه ، طمعا بالحصول على المنصب والامارة ، وقد جاهد نفسه ، وحملها من أمره

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٧ / ٤٥١ ، ميزان الاعتدال ٣ / ١٩٨.

(٢) ميزان الاعتدال ٣ / ١٩٨

١٠٩

رهقا على الظفر بثقة ابن مرجانة به ، وقد قال له : بعد قتله للحسين ـ

«اما واللّه لقد نصحتك في الحسين نصيحة لو نصحتها أبي سعد ابن ابي وقاص لكنت قد اديت حقه» (١) انه لم تكن له شخصية مستقلة ولا ارادة كريمة ، وانما كان ذنبا للسلطة يسعى لكسب عواطفها بأي وسيلة يملكها.

ب ـ التهالك على السلطة :

وظاهرة أخرى من نزعات ابن سعد هي التهالك على السلطة والسعي وراء المناصب ، ويقول المؤرخون إنه كان يحث اباه على الحضور في التحكيم لعلهم يعدلون عن علي ومعاوية ويولونه الا ان أباه امتنع من ذلك وقنع بما هو فيه (٢) ولما ولاه ابن زياد ولاية الري ، وهدده بعزله عنها ان لم يخرج لحرب الحسين سمعه أهله يقول :

أأترك ملك الري والري بغيتي

أم ارجع مأثوما بقتل حسين

لقد رأى أنه اذا حصل على ولاية الري فسوف يظفر بالعيش الوفير والثراء الفاحش ، فاقدم على اخطر جريمة في الاسلام.

ج ـ خسة الطبع

ومن ذاتيات ابن سعد خسة الطبع ، فقد انمحت عن نفسه جميع افانين الشرف والكرامة فقد طلب منه مسلم بن عقيل حينما وقع اسيرا

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢٦٨

(٢) البداية والنهاية ٧ / ٢٨٣

١١٠

بيد ابن زياد أن يعهد بوصيته إليه فامتنع من اجابته تقربا لسيده ابن مرجانة ولم يستجب له حتى سمح له بذلك ولما عهد إليه مسلم بوصيته سرا انبرى مسرعا الى ابن زياد فاخبره بما أوصى به مسلم فأنكر عليه ابن زياد ذلك وقال : «لا يخونك الأمين ولكن قد يؤتمن الخائن»

ومن خسة طبعه أنه لما قتل الحسين (ع) عمد إلى سلب درعه فلبسها ولو كانت عنده صبابة من الشرف والنبل لما قدم على سلب ريحانة رسول اللّه (ص) فقد فتح بذلك باب النهب للجفاة من جيشه فعمدوا إلى سلب حرائر النبوة حتى لم يتركوا عليهن ملحفة ولا ازارا إلا سلبوه.

د ـ الجبن :

ولم تكن عند ابن سعد أية مسكة من البسالة والشجاعة ، وانما كان جبانا خائر العزيمة ضعيف النفس ، ولما ظهر أمر التوابين داخله خوف شديد فكان لا ينام في داره ، وانما ينام في قصر الامارة لتحرسه جنود القصر ، وهو وجل القلب ينفق الليل ساهرا من شدة الوجل والرعب ، ولما هجمت عليه شرطة المختار قام مرعوبا من فراشه ، ولكثرة ما داخله من الفزع عثر قبل أن يأخذ لامة حربه فقتلته الشرطة وهو على فراشه وقد استجيبت بذلك دعوة الامام الحسين ان يذبحه اللّه على فراشه. ، ومن الغريب ان خير الدين الزركلي وصفه بأنه من القادة الشجعان (١) ولو كان شجاعا ـ كما يقول الزركلي ـ لما ترك أهله ولجأ إلى قصر الامارة يطارد الرعب والفزع.

__________________

(١) الاعلام ٥ / ٢٠٥

١١١

ه‍ ـ الشك في البعث والنشور :

ولم يكن ابن سعد يؤمن بالبعث والنشور ، فقد كان شاكا فيهما كما جاء في شعره حينما ندب لحرب الحسين (ع) حيث يقول :

يقولون : إن اللّه خالق جنة

ونار وتعذيب وغل يدين

فهو لا يؤمن بحساب ولا جنة ولا نار كما يقول هارون الرشيد ...

هذه بعض نزعات ابن سعد ، وهي تكشف عن انسان ممسوخ متمرس في الجريمة والاثم.

دوافع انتخابه :

وانما انتخبه ابن مرجانة لحرب الامام الحسين (ع) ليغري به سواد الناس وجها لهم ، ويزج بهم لحرب ريحانة رسول اللّه (ص) فانه ابن فاتح العراق واحد المرشحين الستة من قبل عمر بن الخطاب لزعامة الخلافة الاسلامية ، وانه قرشي وممن يمت للامام بصلة ، ومضافا إلى ذلك فانه قد وقف على اتجاهاته الفكرية ، وعرف نقاط الضعف التي عنده ، فرأى أنه لا يقوم أحد باقتراف هذه الجريمة سواه.

١١٢

حيرة ابن سعد :

وكان ابن زياد قد كتب لابن سعد بولاية الري (١) وثغر دستبي والديلم (٢) فطلب منه أن يسير لحرب الحسين فاستعفى ابن سعد فهدده باسترجاع ولاية الري منه ، وطلب منه ليلته لينظر في الأمر ، فأمهله ، ومضى إلى داره ، وقد انفق ليله ساهرا يطيل التفكير في الأمر هل يقدم على حرب ريحانة رسول اللّه (ص) وفى قتله العذاب الدائم والخزي الخالد أو يستقيل من ذلك فتفوته امارة الري التي تضمن له العيش الوفير ، وسمعه أهله يقول.

أأترك ملك الري والري بغيتي

أم ارجع مأثوما بقتل حسين (٣)

وفي قتله النار التي ليس دونها

حجاب وملك الري قرة عيني

 __________________

(١) الري : مدينة مشهورة من امهات البلاد ، كثيرة الخيرات والفواكه تقع في فارس ، قال الاصطخري هي مدينة ليس بعد بغداد في المشرق اعمر منها ، وقال الاصمعي : هي عروس الدنيا إليها يتجر الناس جاء ذلك في معجم البلدان ٤ / ٣٥٥ ـ ٣٥٨.

(٢) الأخبار الطوال (ص ٢٥١)

(٣) مرآة الجنان ١ / ١٣٢ ويقول اليافعي ولو قال :

أأترك ملك الري بل هو بغيتي

وان عدت مأثوما بقتل حسين

لكان هذا الانشاد أدل على المراد

١١٣

العاذلون له :

ويقول المؤرخون : انه بادر إليه جماعة من المشفقين عليه فاشاروا عليه باعتزال الحرب ، وكان ممن أشار عليه ابن اخته حمزة بن المغيرة بن شعبة فقال له : يا خال إن سرت الى الحسين اثمت بربك ، وقطعت رحمك فو اللّه لئن تخرج من دنياك ومالك خير لك من أن تلقى اللّه بدم الحسين (١) ومنحه النصيحة قوم آخرون فقالوا له : انق اللّه ولا تفعل (٢) وقد حاول أن يجاهد نفسه على اعتزال الحرب الا انه لم يطق صبرا عن ولاية الري ، فقد سال لها لعابه ، وضعفت نفسه عن مقاومة رغباته فلم يسفر الصبح حتى استقر رأيه على حرب ابن رسول اللّه (ص) فاسرع إلى ابن مرجانة يخبره باستجابته ، وقد فرح ابن زياد برضا ابن سعد لأنه قد وجد فيه حجة تسند اباطيله ان لامه الناس على حرب ابن رسول اللّه (ص) ولو استجاب أحد غيره لما كان له مثل هذا السرور والرضا.

وسار ابن سعد ومعه جيشه البالغ اربعة آلاف ، وهو يعلم اتجاهه وانه خرج ليقاتل ذرية رسول اللّه (ص) الذين هم خيرة من في الأرض وانتهى الى كربلا فانضم إلى الجيش الرابض هناك بقيادة الحر بن يزيد الرياحي.

الاستعراض العسكري :

واستعرض ابن مرجانة جميع الكتائب التي بعثها لحرب الحسين ليرى قدرتها على القتال ومدى استعدادها للخوض في المعركة ، ويقول الطرماح :

__________________

(١) أنساب الأشراف ق ١ ج ١

(٢) الفتوح ٥ / ١٥٢

١١٤

رأيت قبل خروجي من الكوفة بيوم على ظهر الكوفة ، وفيه من الناس ما لم تر عيناي في صعيد جمعا اكثر منه فسألت عنهم فقيل اجتمعوا ليعرضوا ثم يسرحوا الى حرب الحسين (١) وقد زج بجميع ثقله العسكري في الحرب خوفا من الطوارئ وتقلب الأوضاع.

خطبة ابن مرجانة :

وأمر الطاغية بجمع الناس في رحاب المسجد الأعظم فهرعوا كالأغنام خوفا من الطاغية ورهبة منه وقد امتلأ الجامع منهم فقام فيهم خطيبا فقال :

«أيها الناس : إنكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبون وهذا امير المؤمنين يزيد قد عرفتموه حسن السيرة محمود الطريقة محسنا إلى الرعية ، يعطي العطاء في حقه ، وقد امنت السبل على عهده ، وكذلك كان ابوه معاوية في عصره ، وهذا ابنه يزيد يكرم العباد ويغنيهم بالأموال وقد زادكم في ارزاقكم مائة مائة ، وامرني أن اوفرها عليكم ، واخرجكم إلى حرب عدوه الحسين فاسمعوا له وأطيعوا» (٢) لقد خاطبهم باللغة التي يخضعون لها ، فمناهم بالأموال ، وزجهم لاقتراف افظع جريمة في تأريخ الانسانية.

وأوعز إلى كل من الحصين بن نمير التميمي وحجار بن ابجر وشمر ابن ذي الجوشن بالخروج إلى حرب الامام بعد أن اسند لكل واحد منهم القيادة على بعض الوحدات العسكرية فزحفوا بمن معهم الى كربلا لمساعدة ابن سعد.

__________________

(١) الطبري ٦ / ٢٣٠

(٢) الأخبار الطوال (ص ٢٥٣)

١١٥

تحريض سمرة لحرب الامام :

ولعب سمرة بن جندب الصحابي الكذاب دورا مهما في حث الناس على حرب ابن رسول اللّه (ص) فقد كان على شرطة عبيد اللّه بن زياد واخذ يدفع الناس إلى قتال ريحانة رسول اللّه (١).

تمارض شبث بن ربعي :

وكان المنافق شبث بن ربعي كارها للخروج إلى حرب الحسين فاظهر المرض تصنعا ولم يكن يخفى على ابن زياد ذلك فأرسل إليه ان رسولي يخبرني بتمارضك ، وأخاف أن تكون من الذين إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم انما نحن مستهزءون فان كنت في طاعتنا فاقبل إلينا مسرعا ، وأقبل إليه شبث مسرعا بعد العشاء لئلا ينظر إلى وجهه فلا يجد عليه أثر العلة ، وقد اجابه إلى ما أراد فخرج لحرب الحسين ، وتولى قيادة بعض الفرق.

النفير العام :

وأصدر ابن زياد أوامره المشددة بحمل اهل الكوفة في الحرب ، وارغامهم على الخوض في قتال الامام ، وقد اصدر موسوما ـ قبل أن يعسكر في النخيلة ـ جاء فيه «فلا يبقى رجل من العرفاء والمناكب (٢)

__________________

(١) شرح النهج ٤ / ٧٩

(٢) المناكب : جمع منكب عريف القوم أو عونهم

١١٦

والتجار والسكان إلا خرج فعسكر معي ، وايما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلفا عن المعسكر إلا برئت الذمة منه» (١) وامر باذاعة ذلك بين الناس ، وقد اوعز إلى كل من كثير بن شهاب الحارثي ، ومحمد بن الأشعث ، والقعقاع بن سويد بن عبد الرحمن المنقري ، وأسماء بن خارجة الفزاري ، أن يطوفوا في الناس يحثونهم على الطاعة ، ويحذرونهم من المعصية ، ويخوفونهم عواقب الأمور ، وقد طافوا بالكوفة واذاعوا ما أمروا به ، ثم لحقوا به في النخيلة إلا كثير بن شهاب فانه ظل مقيما بالكوفة يخذل الناس عن نصرة الامام ويشيع الارهاب والخوف على المتخلفين عن الحرب (٢) وقد القت الشرطة القبض على رجل من همدان قدم الكوفة يطلب ميراثا له ، فأتي به إلى ابن زياد فأمر بقتله ، ولما رأى الناس ذلك هرعوا إلى الحرب حتى لم يبق في الكوفة محتلم إلا خرج إلى المعسكر في النخيلة (٣) لقد حققت هذه السياسة ما توخاه ابن زياد من حمل الناس على حرب الامام ، وقد سيطر سيطرة تامة على الموقف ، فلم يدع لأي أحد حريته ولا اختياره.

الرقابة الدقيقة على الكوفة :

وفرض ابن زياد الرقابة الصارمة على الكوفة مخافة أن يخرج منها أحد لنصرة الامام (ع) فقد بث الجواسيس والعيون ، وفرض نوعا من الأحكام العرفية كانت في منتهى القسوة ، فاذا أتهم احد بالعمل ضد سياسة الدولة القي عليه القبض وسيق بلا هوادة ولا رحمة إلى الاعدام أو السجون

__________________

(١) انساب الأشراف ق ١ ج ١

(٢) انساب الأشراف ق ١ ج ١

(٣) انساب الأشراف ق ١ ج ١

١١٧

وقد كان عبد اللّه بن يسار يحفز الناس إلى نصرة الامام» وخذلان بني أمية فعلم به ابن زياد فأمر بالقاء القبض عليه ، فاخفى نفسه وأخذت الشرطة تبحث عنه ، فظفر به عبيد اللّه بن الحر فأتى به إلى السبخة فقتله (١) وهو غير عبيد اللّه بن الحر الجعفي.

وقد وضع ابن زياد المناظر ، ورتب المسالح حول الكوفة ، وجعل على الحرس زجر بن قيس الجعفي ، ورتب بينه وبين عسكر ابن سعد خيلا مضمرة مقدحة (٢) فكانت كل بادرة تحدث تأتيه في الوقت (٣).

هرب الجنود :

وهربت الأكثرية الساحقة من جيش ابن زياد من وحداتها العسكرية وقد لاذ الكثيرون منهم بالانهزام فرارا من حرب سبط رسول اللّه (ص) ويقول البلاذري : ان القائد يكون على الف مقاتل لا يصل الى كربلا الا ومعه ثلاث مائة أو اربع مائة أو اقل من ذلك ، فقد كانوا يفرون كراهة منهم لهذا الوجه (٤) لقد كانوا على يقين لا يخامره أدنى شك بضلال هذه الحرب وانهم انما يحاربون اللّه ورسوله ، ويقاتلون من أمروا بمودته وطاعته.

__________________

(١) أنساب الأشراف ق ١ ج ١

(٢) المضمرة المقدحة : هي الخيل التي يسار بها للجهاد

(٣) انساب الأشراف ق ١ ج ١

(٤) أنساب الأشراف ق ١ ج ١

١١٨

الطاغية في النخيلة :

ونزح الطاغية إلى النخيلة (١) فعسكر بها ومعه قطعات كبيرة من الجيش ، وقد استخلف على الكوفة عمرو بن حريث ، وقد بلغه أن الرجل والرجلين والثلاثة يتسللون إلى معسكر الامام عن طريق الفرات ، فأمر بضبط الجسر وحراسته فلم يترك أحدا يجوزه (٢).

محاولة لاغتيال ابن زياد :

وحاول البطل الشهم عمار بن أبي سلامة الدالابي أن يغتال ابن زياد في النخيلة إلا انه لم يتمكن من ذلك نظرا للرقابة الشديدة والحرس المكثف الذي يحرسه ، ولما فشل في مهمته لطف حتى لحق بالحسين واستشهد بين يديه (٣).

عدد الجيش الأموي :

واختلف المؤرخون في عدد الجيش الذي نزح لحرب الامام (ع) وفيما يلي بعض ما ذكروه.

__________________

(١) النخيلة : قريبة من (ذي الكفل) وتعرف اليوم بالعباسيات ذكر ذلك المقرم في مقتل الحسين (ص ٢٣٧).

(٢) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان مخطوط

(٣) انساب الأشراف ق ١ ج ١

١١٩

١ ـ ثمانون الف فارس (١)

٢ ـ خمسون الف فارس (٢)

٣ ـ خمسة وثلاثون الف فارس (٣)

٤ ـ ثلاثون الفا (٤)

٥ ـ اثنان وعشرون الفا (٥)

٦ ـ عشرون الفا (٦)

٧ ـ ستة عشر الف فارس (٧)

٨ ـ اثنا عشر الفا (٨)

٩ ـ ثمانية آلاف (٩)

١٠ ـ ستة آلاف (١٠)

__________________

(١) بغية النبلاء الجزء الثاني نقلا عن مقتل ابي مخنف

(٢) شرح شافية أبي فراس ١ / ٩٣ من مصورات مكتبة الامام الحكيم.

(٣) المناقب ٤ / ٩٨

(٤) مطالب السئول ، عمدة الطالب (ص ١٨١)

(٥) مرآة الجنان ١ / ١٣٢ ، شذرات الذهب ١ / ٦٧ ، مطالب السئول (ص ٧٥).

(٦) الصواعق المحرقة (ص ١١٧) الفصول المهمة لابن الصباغ (ص ١٧٨) اللهوف.

(٧) الدر النظيم في مناقب الأئمة (ص ١٦٨)

(٨) الدر النظيم في مناقب الأئمة (ص ١٦٨)

(٩) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص ٩٢)

(١٠) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص ٨٧)

١٢٠