ثمرات الأعواد - ج ١

علي بن الحسين الهاشمي الخطيب

ثمرات الأعواد - ج ١

المؤلف:

علي بن الحسين الهاشمي الخطيب


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مكتبة الحيدريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٨٣
الجزء ١ الجزء ٢

«أنا سلم لمن سالمتم ، وحرب لمن حاربتم» (١).

وممّا جاء في فضلهما ما روي عن الصادق عليه‌السلام : أنّه اصطرع الحسن والحسين بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال رسول الله : «أيها حسن خذ حسيناً ، فقالت فاطمة : يا رسول الله أتستنهض الكبير على الصغير؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا جبرائيل يقول إيها حسين خذ حسناً » (٢).

وعن صحيح الترمذي بسنده ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنه» (٣).

وعن عبدالله ابن شدّاد ، عن أبيه ، أنه قال : خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في

_________________

العاص مجتمعين ففرقوا بينهما ، فأنهما لم يجتمعا على خير».

وذكر المنقري أيضا : أن زيد أبن أرقم قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ألا أدلكم على ما إنّ تسالمتم عليه لم تهلكوا؟ إن وليكم وامامكم علي بن ابي طالب ، فناصحوه وصدّقوه ، فإنّ جبرائيل أخبرني بذلك». هذا وقد روى زيد ابن أرقم الكثيرة من الأحاديث ، ومنها «حديث الثقلين».

وكان قد سكن الكوفة وابتنى بها له داراً في كندة ، وقد ردَّ على ابن زياد حين نكث ثغر الحسين عليه‌السلام بقضيبه وشهادته بأنّه رأى شفتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهما ، وتوفي زيد ابن أرقم بالكوفة ودفن فيها ، ولا يعرف له قبر اليوم في الكوفة فقد عُفي أثره ، وكانت وفاته سنة ثمان وستين وقيل : ست وستين وقيل : بعد مقتل سيد الشهداء عليه‌السلام ، رضي‌الله‌عنه وأرضاه فقد كان يُعدّ في خواص امير المؤمنين عليه‌السلام وكان محباً لأهل البيت عليهم السلام.

مصادر الترجمة كشذرات الذهب للحنبلي : ١ / ٧٤ ، الطبقات الكبير لأبن سعد : ٦ / ١٨ ، النجوم الزاهرة : ١ / ١٨١ ، الأغاني : ٦ / ٢ ، وقعة صفين : ٢١٨ ، تاريخ الاسلام للذهبي : ٣ / ١٨ ، سير أعلام النبلاء : ٣ / ١١٢ ، رجال الكشّي : ٣٨ / ٧٨ ، تاريخ من دفن في العراق من الصحابة : ١٨١.

(١) تاريخ ابن عساكر : ١٤ / ١٥٧ و ١٥٨ ـ رواه بأربعة طرق ـ.

(٢) كشف الغمة : ٢ / ٧ وذكره في اسد الغابة : ١ / ٤٩٧.

(٣) الجامع الصحيح للترمذي : ٥ : ٦٥٦ / ح ٣٧٦٨ ـ باب ٣١

٢١

إحدى صلاتي العشاء وهو حاملا حسناً أو حسيناً ، فتقدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضعه ثم تقدم كبّر للصلاة ، فأطال سجدة الصلاة ، فرفعت رأسي فأذال الصبي على ظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ساجد ، فرجعت الى سجودي فلمّا قضى الصلاة قيل له : يا رسول الله إنّك سجدت بين ظهري صلاتك سجدة اطلتها ، حتى ظننا أنّه قد حدث أمر وأنّه يوحي إليك ، قال : «كل ذلك لم يكن ولكن إبني إرتحلني فكرهت أن أعجله حتى ينزل هو» (١).

نعم هكذا كان حبه لولده الحسين وريحانته ، قالت اُمّ سلمة : دخل ذات يوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجرتي ونام ، فأقبل الحسين وجلس على صدر جده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتيت إليه وأردت أن أرفعه عن صدر جده لئلا ينتبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ففتح النبي عينيه وقال : «لا يا اُمّ سلمة ، دعي ولدي على كبدي» (٢).

وروى ابن الصباغ في «الفصول المهمة» عن زيد بن أبي زياد ، قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بيت عائشة ، فمر على بيت فاطمة فسمع صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسيناً يبكي ، فقال «ألم تعلمي أن بكائه يؤذيني» (٣).

كان يؤذيه بكائه وهو وفي المهد رضيع

بابنه قدما فداه وهو ذوالشأن رفيع

ليته اليوم يراه وهو في الرمضى صريع (٤)

_________________

(١) تاريخ ابن عساكر : ١٤ / ١٦٠ ، وآخره : حتى يقضي حاجته.

(٢) تاريخ ابن عساكر : ١٤ / ١٦٠ وآخره : حتى يقضي حاجته.

(٣) الفصول المهمة لابن الصباغ : ١٧١ ؛ ذكره ابن شهر آشوب في المناقب : ٤ / ٧١ ، عن كتاب فضائل العشرة لأبو السعادات ، قال يزيد ابن أبي زياد : ... (وساق الحديث).

(٤) نعم نظرت اليه الحوراء زينب عليها‌السلام وهو على أرض كربلاء فخاطبت جدها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وا محمّدا

٢٢

_________________

صلى عليك مليك السما هذا حسينك بالعرى مقطّع الأعضاء ولسان حالها :

(نصاري)

يجدّي مات محد وگف دونه

ولا نغّار غمّضله اعيونه

وحيد ايعالج ومنخطف لونه

ولا واحد ابحلگه ماي گطّر

(دكسن)

يجدي مات محد مدد ايديه

ولا واحد يجدّي عدل رجليه

يعالج بالشمس محد گرب ليه

يحطله اظلال يا جدّي من الحر

(عاشوري)

يجدّي الرمح بفّاده تثنه

يجدّي أو بالوجه للسيف رنّه

يجدي وشيبه ابدمّه تحنّه

يجدّي وبالرمل خدّه تعفّر

* * *

أحسين هل وافاكَ جدك زائراً

ورآك مقطوع الوريد معفّرا

٢٣

المطلب الرابع

في بكاء الأنبياء على الحسين عليه‌السلام

روى المجلسي عن كتاب الدُرّ الثمين ، قال : في تفسير قوله تعالى (فَتَلَقّى‏ آدَمُ مِنْ رَبّهِ كَلِمَاتٍ) (١) يروى أنّ آدم عليه‌السلام رأى على ساق العرش اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام ، فلقنه جبرائيل بها ، وقال له : قل يا حميد بحق محمد ، يا علي بحقّ علي ، يا فاطر بحقّ فاطمة ، يا محسن بحقّ الحسن والحسين ، [ومنك الاحسان] (٢). فلمّا ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه ، فقال : أخي جبرائيل مالي إذا ذكرت الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي؟ فقال جبرائيل : ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب ، قال : يقتل عطشاناً وغريباً وحيداً ، ولو تراه يا آدم هو ينادي وا عطشاه حتى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان ، فبكى آدم (٣).

وروى أنّ زكريا سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة ، فهبط جبرائيل فعلّمه إياها ، فكان زكريا عليه‌السلام اذا ذكر الحسين عليه‌السلام خنقته العبرة ، فقال ذات يوم الهي

_________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٣٧.

(٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) بحار الأنوار : ٤٤ : ٢٤٥ / ٤٤ ـ باب (٣٠).

٢٤

ما بالي اذا ذكرت اربعة منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي ، واذا ذكرت الحسين عليه‌السلام تدمع عيني؟! فأنبأه الله تعالى عن قصته ، وقال : (كهيعص) (١) فالكاف : اسم كربلاء ، والهاء : هلاك العترة الطاهرة ، والياء : يزيد وهو ظالم للحسين عليه‌السلام ، والعين : عطش الحسين عليه‌السلام ، والصاد : صبره ، فلما سمع زكريا علا بكاءه وزاد (٢).

ويروى أنّ رجلاً من بني اسرائيل سأل موسى ابن عمران أن يسأل ربه ليعفو عنه ، فسأل موسى ربه فقال عزّ من قائل : يا موسى اغفر لكلّ من سألني إلّا لقاتل الحسين عليه‌السلام ، فقال موسى : ومن يقتله؟ قال : تقتله اُمّة جدّه ، عطشاناً غريباً ، وينهب رحله ، وتسبى نسائه ، وتقتل أصحابه؟ ، وتشهر رؤسهم على أطراف الرماح ، يا موسى صغيرهم يميته العطش ، وكبيرهم جلده منكمش ؛ فبكى موسى ولعن قاتل الحسين عليه‌السلام (٣).

ومن مناجاة موسى عليه‌السلام قال : يارب ، بم فضلّت اُمّة محمد على سائر الامم؟ فقال الله تعالى لعشر خصال ، فقال موسى ، وما تلك الخصال التي يعملونها : قال تعالى : الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والجهاد ، والجمعة ، والجماعة ، والقرآن ، والعلم ، والعاشوراء ، قال موسى : يا ربي وما العاشوراء؟ قال : البكاء والتباكي على سبط محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمرثية والعزاء على مصيبته ، يا موسى ما من عبد من عبيدي في ذلك الزمان بكى أو تباكى وتعزى على سبط محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا وكانت له الجنة خالداً فيها ، ومن أنفق من ماله في محبة ابن بنت نبيه درهماً أو

_________________

(١) سورة مريم ١٩ : ١.

(٢) بحار الأنوار : ٤٤ : ٢٢٣ / ١ ـ باب (٣٠).

(٣) بحار الانوار : ٤٤ / ٣٠٨.

٢٥

ديناراً إلا وباركت له في دار الدنيا ، الدرهم بسبعين ، وكان منعّماً في الجنة ، وغفرت له ذنوبه ، يا موسى وعزتي وجلالتي ما من رجل من امتي أو أمة من إمائي جرت من دموع عينيه قطرة واحدة إلّا وكتبت له أجر مائة شهيد (١).

وروي أنّ نوحاً عليه‌السلام لما ركب السفينة طافت به جميع الدنيا ، فلمّا مر بكربلاء أخذه الموج ، وخاف نوح الغرق وفدعى ربه ، فنزل جبرائيل وقال : يا نوح في هذا الموقع يقتل الحسين عليه‌السلام سبط محمّد خاتم الأنبياء ، فبكى نوح : وقال : يا جبرائيل ومن قاتله؟ قال : لعين أهل السماوات والأرض ؛ فلعنه نوح وسارت السفينة (٢).

وروي أنّ إبراهيم عليه السلم مرّ بكربلاء وهو راكب على فرسه ، فعثرت به الفرس فسقط إلى الارض وشجّ رأسه وسال دمه ، فأخذ يكثر من الأستغفار وقال : الهي أي شئ حدث منّي؟ فنزل عليه جبرائيل وقال : يا إبراهيم ما حدث منك ذنب ، ولكن هنا يقتل سبط خاتم النبيين ، فسال دمك موافقة لدمه ، فبكى إبراهيم ثم قال : يا جبرائيل ومن القاتل له؟ قال : لعين أهل السماوات والأرض ، فرفع إبراهيم يديه الى السماء وقال : اللّهمّ العن قاتل الحسين عليه‌السلام (٣).

وروي أنّ إسماعيل كانت أغنامه ترعى بشط الفرات ، فأخبره الراعي إنّها لا تشرب الماء من هذه المشرعة ، فسأل إسماعيل ربه عن سبب ذلك ، فأوحي الله اليه : سل غنمك فإنّها تجيبك عن سبب ذلك ، فقال لها إسماعيل لم لا تشربين من هذا الماء؟ فأجابته بلسان فصيح : قد بلغنا إنّ ولدك الحسين عليه‌السلام سبط

_________________

(١) ذكره الفاضل الدربندي في أسرار الشهادات : ١ / ٢١٠ ، قائلاً : ذكر جمع من العلماء حديثاً ... (وساق الحديث).

(٢) بحار الأنوار : ٤٤ : ٢٤٣ / ٣٨ ـ باب (٣٠) عنه باختصار.

(٣) بحار الأنوار : ٤٤ : ٢٤٣ / ٣٩ ـ باب (٣٠) عنه باختصار.

٢٦

محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقتل هنا عطشاناً ، فنحن لا نشرب من هذه المشرعة ؛ فبكى إسماعيل وسألها عن قاتله ، قالت : هو لعين أهل السماوات والأرض ، فقال إسماعيل : اللّهمّ العن قاتل الحسين عليه‌السلام (١).

وروي أنّ سليمان كان يجلس على بساطه ويسير به في الهواء ، فمرّ ذات يوم بأرض كربلاء ، فأدار الريح بساطه ثلاث دورات حتى خاف سليمان السقوط ثم سكنت الريح ، فنزل البساط في أرض كربلاء ، فقال سليمان للريح : لم سكنتي؟ فقالت : إنّ هنا يقتل الحسين عليه‌السلام ، قال : ومن يكون الحسين؟ قالت : هو سبط محمد خاتم الأنبياء فبكى سليمان ، ولعن قاتله ، فهبت الريح وسار البساط (٢).

وروي أنّ عيسى عليه‌السلام كان سائحاً في البراري ومعه الحواريون ، فمرّوا بكربلاء ، فرأوا أسداً كاسراً قد أخذ الطريق ، فتقدم عيسى إلى الأسد وقال له : لم جلست في هذا الطريق ولا تدعنا نمرّ فيه؟ فنطق الأسد بكلام فصيح وقال : إني لا أدعكم تمرّون حتى تلعنوا يزيد بن معاوية قاتل الحسين؟ [فقال عيسى عليه‌السلام ومن يكون الحسين؟] قال : هو سبط محمّد النبي الأُمي ، فبكى عيسى ومن معه ، ثم قال : ومن يقتله قال : لعين أهل السماوات والأرض ، فلعنه عيسى ولعنه الحواريون ، فتنحى الأسد عن طريقهم فساروا لقصدهم (٣).

فالحسين عليه‌السلام بكاه آدم وجميع الأنبياء عليهم‌السلام ، وهو إذ ذاك بساق العرش ، وأمّا بعد ولادته بكاه جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبوه علي وأُمّه فاطمة عليهما‌السلام ، وأما بعد قتله

_________________

(١) بحار الأنوار : ٤٤ : ٢٤٣ / ٤٠ ـ باب (٣٠).

(٢) بحار الأنوار : ٤٤ : ٢٤٤ / ٤٢ ـ باب (٣٠).

(٣) بحار الأنوار : ٤٤ : ٢٤٤ / ٤٣ ـ باب (٣٠).

٢٧

فقد بكته الملائكة والشمس والقمر ، بل وكلّ العلوية والسفلية وكلّ ما خلق الله. ما يرى وما لا يرى ، فكيف إذاً لا تبكيه عيون المؤمنين إلى يوم القيامة :

على مثل هذا الرزء يستحسن البكا

وتقلع منّا أنفس من سرورها

وهو القائل : أنا عبرة كل مؤمن ومؤمنة ، ويحق للموالي أن يقول :

تبكيك عيني لا لأجل مثوبة

لكنّما عيني لأجلك باكيه (١)

_________________

(١)

(ابوذيه)

نياب الدهر عضني ولاچن

على الظل باشمس لا ظل ولا چن

ما لجل الثواب ابچيت لچن

لجل شخصك يبن حامي الحميّه

(بحراني)

يلّي تناشدني عليمن تهمل العين

كلّ البكا والنوح والحسرى على احسين

حبّه ابگلبي وتظهره ابصبها ادموعي

مجبور في حبّه ولاشوفة ابطوعي

ياليت گبل اضلوعه انرضّت ضلوعي

ومن گبل خدّه اتعفّرت منّي الخدّين

ابكي علي مصابه بكل صبح مسيّه

وانحب واساعد على البكا الزهرة الزكيه

ولا زال تندب يا ضحايا الغاضريّة

يا حسين يبني يا عزيزي يا گرّة العين

* * *

أفدي الذي رزؤه أبكى السماء دماً

وزعزع الدين والأركان والحرما

يا من بخيل الأعادي صدره حطما

أي المحاجر لا تبكي عليك دما

أبكيت والله حتى محجر الحجر

٢٨

المطلب الخامس

في بكاء فاطمة عليها‌السلام على ولدها الحسين عليه‌السلام

روى فرات بن إبراهيم في تفسيره عن الصادق عليه‌السلام ، أنّه قال : كان الحسين ابن علي عليه‌السلام مع امه تحمله فأخذه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : لعن الله قاتلك ، ولعن الله سالبك ، وأهلك الله المتوازرين عليك ، وحكم بيني وبين من أعان عليك ، فقالت فاطمة يا أبة أي شيء تقول؟ قال : يا بنتاه ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر [البغي] (١) وهو يومئذ في عصبة كأنهم نجوم السماء يتهادون الى القتل وكأني أنظر إلى معسكرهم وإلى موضع قتلهم (٢) وتربتهم. قالت : يا أبة وأين هذا الموضع الذي تصف؟ قال : هو موضع يقال له كربلاء وهي [دار] كرب وبلاء علينا وعلى الأُمة ، يخرج عليهم شرار أُمتي وإن أحدهما لو يشفع فيه السماوات والأرض ما شفعوا له ، وليأتيه قوم من محبينا ليس في الأرض أعلم بالله ولا أقوم بحقنا منهم ، اُولئك مصابيح الدجى وهم الشفعاء يوم القيامة ، واردون حوضي غداً ، أعرفهم إذا وردوا عليه بسيماهم فبكت فاطمة عليها‌السلام ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بنتاه إنّ أفضل أهل الجنة هم الشهداء الذين بذلوا أنفسهم

_________________

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) في المصدر : رحالهم.

٢٩

في مرضاة الله ، فما عند الله خير من الدنيا ومافيها ، ومن كتب عليه القتل خرج إلى مضجعه ، ومن لم يقتل فسوف يموت ، يا فاطمة بنت محمد أما تحبين إذا تأمرين غذاً بأمر فتطاعي في هذا الخلق؟ أما ترضين أن يكون ولدك من حملة العرش؟ أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه فيسألونه الشفاعة؟ أما ترضين أن يكون بعلك من يذود الخلق يوم العطش الأكبر عن الحوض كما يذاد البعير الصادر عن ثناء فيسقي منه أوليائه ويذود عنه أعدائه؟ يا فاطمة بنت محمد أما ترضين أن يكون بعلك قسيم الجنة والنار؟ يأمر النار فتطيعه ، يخرج منها من يشاء ويترك من يشاء ، يا فاطمة بنت محمد أما ترضين أن تنظري إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك وإلى ما تأمرين به؟ وينظرون إلى بعلك قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله؟ فما ترين الله صانعاً بقاتل الحسين عليه‌السلام وقاتليك وقاتلي بعلك؟ يا فاطمة بنت محمد أما ترضين أن الملائمه تبكي على ولدك؟ أما ترضين أن يكون من أبّن ولدك زائراً في ضمان الله؟ ويكون من أتاه بمنزلة من حج البيت واعتمر؟ ولم يخل من الرحمه طرفة عين ، وإذا مات مات شهيداً ، وإن بقى لم تزل الحفظة تدعوا له ما بقي ، ولم يزل في حفظ الله أمانه حتى يخرج من الدنيا؟ قالت فاطمة عليه‌السلام : يا أبة سلمت ورضيت بذلك (١).

وفي خبر آخر قالت عليه‌السلام : يا أبة متى يكون ذلك؟ قال : في زمان خال مني ومنك ومن بعلك ، فاشتد بكاءها ، وقالت : يا أبة فمن يبكي عليه ، ومن يلتزم بإقامة العزاء عليه؟ فقال لها : بنية إن نساء امتي يبكون على نساء أهل بيتي ، ورجالهم يبكون على رجال اهل بيتي ، ويجددون العزاء جيلا بعد جيل في كل سنة ، فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء ، وأنا أشفع للرجال ، وكل من يبكي

_________________

(١) تفسير فرات الكوفي : ١ : ١٧١٧ / ٢١٩.

٣٠

منهم على مصاب الحسين أخدناه بيده وأدخلناه الجنة ، يا فاطمة كل عين باكية يوم القيامة إلّا عين بكت على مصاب الحسين عليه‌السلام فإنّها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة (١).

وروي : أن فاطمة عليها‌السلام لما دنت منها الوفاة دعت ابنتها زينب ، فشمّتها من نحرها ، وقبلتها في صدرها ، وقالت لها : هذه وديعة لي عندك ، فإدا رأيت اخاك وحيداً فريداً شمّيه في نحره ، وقبّليه في صدره ، فإن نحره موضع سيف ابن ذي الجوشن وإنّ صدره موضع حوافر خيول بني أميه ، قال : فامتثلت الحوراء زينب ذلك ، ولما كان يوم عاشوراء وبقي الحسين وحيداً فريداً ، أراد أن يودع العيال ويمضي إلى القتال ، أقبلت إليه اُمّ المصائب وقالت له اخي اكشف لي عن صدرك وعن نحرك ، فكشف له الحسين عليه‌السلام عن صدره ، قلته في صدره وشمّته في نحره ، ثم وجّهت وجهها نحو المدينة صائحة : يا اماه قد إسترجعت الوديعة وأخذت الأمانة ، فتعجّب الحسين من كلامها فقال لها : أخية ومن الأمانة؟ قالت : اعلم يابن اُمّ لمّا دنت الوفاة من اُمّنا فاطمة ، قربتني اليها وشمّتني في نحري وقبّلتني في صدري ، وقالت لي : يا بنيّة هذه وديعة لي عندك ، فإذا رأيت أخاك الحسين وحيداً فريداً شميه في نحره وقبليه في صدره. قال الراوي : فلمّا سمع بذكر اُمّه بكى! وسمع مناد ينادي بين السماء والأرض : والولداه وا حسينا.

فالزهراء تبكي على ولدها ، بل وتحضر جميع المآتم كما روى : أن فضيل صنع مآتماً للحسين عليه‌السلام ، ولم يخبر به إمامنا الصادق عليه‌السلام ، فلمّا كان اليوم الثاني أقبل إلى الإمام روحي فداه ، فقال له : يا فضيل اين كنت البارحة؟ قال : سيدي شغل عاقني ، فقال : يا فضيل لا تخفي عليَّ ، أما صنعت مأتماً وأقمت بدارك عزاء في

_________________

(١) بحار الأنوار : ٤٤ / ٢٩٢ ـ الحديث (٣٧).

٣١

مصاب جدّي الحسين عليه‌السلام؟ فقال : بلى سيدي ، فقال عليه‌السلام : وأنا كنت حاضراً ، قال : سيدي إذا ما رأيتك؟! أين كنت جالس؟ فقال عليه‌السلام : لما أردت الخروج من البيت أما عثرت بثوب أبيض؟ قال : بلى سيدي ، قال عليه‌السلام : انا كنت جالسا هناك ، فقال له : سيدي لم جلست بباب البيت ولم ما تصدرت في المجلس؟ فقال الصادق عليه‌السلام : كانت جدتي فاطمة بصدر المجلس جالسة ، لذا ماتصدرت إجلالا لها.

ففاطمة عليه‌السلام تحضر في كل عزاء يعقد لولدها الحسين عليه‌السلام ، كما حضرت مصرعه فرأته يوم عاشوراء بعد الظهر بساعة.

تريب المحيا تظن السما

بأن على الأرض كيوانها (١)

_________________

(١)

(نصاري)

لون حاضرة يحسين يمّك

وابوك النفل والطيّار عمك

چا ما راح اضياع دمّك

وظلّيت متحيرة بلمّك

(بحراني)

تناديه يبني من گطع راسك والكفوف

من كسر اضلوعك يعقلي بضرب السيوف

ومن گطع اوصالك يعيني بضرب السيوف

يا مهجتي مذبوح لا مطلب ولا دين

يحسين گلّي من گطع بالسيف نحرك

يا نور عيني من وطا بالخيل صدرك

ومن سلّب ايتامك ويا هو حرگ خدرك

ويا هو الذي شتّت بناتي اشمال ويمين

(عاشوري)

مني الوالدة يحسين يبني

ويمن ريت ذبّاحك ذبحني

أسعدني على ابني يلتحبني

مصابك بهض حيلي وكتلني

* * *

فالمعالي بالعَزا قائمة

ودموع الأنبيا ساجمة

وعليه حورها لاطمة

ميت تبكي له فاطمة

وأبوها وعليّ ذو العُلى

٣٢

المطلب السادس

في بكاء الأئمّة وشيعتهم على الحسين عليه‌السلام

قال الله تعالى : (إِنّ عِدّةَ الشّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السّماوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافّةً وَاعْلَمُوا أَنّ اللّهَ مَعَ الْمُتّقِينَ) (١) ، وهذه الأشهر الأربعة هي : رجب ـ الذي بين جمادي وشعبان ـ الملقب : بالأصم ، وذوالقعدة ، وذوالحجة ، ومحرم (٢).

فهذه الأشهر الأربعة كانت محترمة في الجاهلية ، لا يوقعون فيها قتالا ، وإذا تنافسوا فيما بينهم جعلوا عدّة الأشهر غيرها ، بل وحرموا القتال فيها إحتراما لها ، فهذه الأشهر الأربعة محترمة سواء كانت في الجاهلية أو في الأسلام ، حتى حكي : أنّ ضبّة بن أركان كان له ابنان ، أحدهما يسمى «سعد» والثاني «سعيد» فخرجا إلى سفرٍ فهلك سعد ورجع سعيد ، فخرج والدهما مفتشاً عن إبنه الهالك في الأشهر الحرم ومعه الحارث بن كعب ، فبينما هما ذات يوم سائران يتحدثان ، إذ مرّا بمكان ، فقال الحارث لقيت في هذه المكان شابّا صفته كذا وكذا فقتلته ، وهذا

_________________

(١) سورة التوبة ٩ : ٣٦.

(٢) انظر تفسير الطبري : ١٤ ٢٣٤.

٣٣

سيفه ، فقال ضبّة : «الحديث ذو شجون» اي ـ حديثك محزن ـ فذهب قوله مثلاً ، ثم إنّ ضبة قتل الحارث فلامه الناس على إستحلال الأشهر الحرم ، فقال : «سبق السيف العذل» (١) فهكذا كانوا يحترمون الأشهر الحرم.

وذكر ابن أبي الحديد : أنّ العرب تسمى آخر يوم من شوّال فلتة ، من حيث إنّ كل من لم يدرك ثأره فيه فاته ، لأنّهم إذا كانوا إذا دخلوا الأشهر الحُرم لا يطالبون الثأر ، وذوالقعدة من الأشهر الحرم (٢).

في البحار عن إبراهيم ابن أبي محمود قال : قال الرضا عليه‌السلام : إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية «في مامضى» يحرّمون فيها القتال فاستحلّت فيه دماؤنا وهتكت فيه حرمتنا ، وسُبي فيه ذرارينا ونسائنا ، وأضرمت النيران في مضاربنا ، وانتهب منها ثقلنا ، ولم ترع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه حرمة في أمرنا.

ثم قال عليه‌السلام : إنّ يوم الحسين اقرح جفوننا ، [ وأسبل دموعنا ] ، واذلّ عزيزنا ، بأرض كرب وبلاء وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الإنقضاء ، فعلى مثل الحسين عليه‌السلام فليبك الباكون ، فأنّ البكاء عليه يحط الذنوب العظام.

ثم قال الرضا عليه‌السلام : كان أبي إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكاً وكانت الكآبة تغلب عليه حتى تمضي عشرة أيام ، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم مصيبته وحزنه وبكائه ، ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه‌السلام (٣).

وعن الريان بن شبيب قال : دخلت على الرضا عليه‌السلام في أول يوم من المحرّم ، فقال لي : يابن شبيب ، أصائم أنت؟ فقلت : لا ، قال : إنّ هذا اليوم هو اليوم الذي

_________________

(١) جمهرة الأمثال : ١ : ٣٧٧ / ٥٦٦.

(٢) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٦.

(٣) أمالي الصدوق : ١٩٠ / ١٩٩ ـ المجلس (٢٧) ـ الحديث (٢).

٣٤

دعا فيه زكريا عليه‌السلام ربه عزوجل ، فقال : «رَبّ هَبْ لِي مِن لَدُنْكَ ذُرّيّةً طَيّبَةً إِنّكَ سَمِيعُ الدّعَاءِ» (١) فاستجاب الله له ، وأمر الله ملائكته فنادت زكريا ، وذلك قوله تبارك وتعالى : (فَنَادَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي فِي الْمَحْرَابِ أَنّ اللّهَ يُبَشّرُكَ بِيَحْيَى‏ مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللّهِ وَسَيّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصّالِحِينَ) (٢) فمن صام في هذا اليوم ثم دعا الله فإنّه يستجيب له ، كما استجاب لزكريا عليه‌السلام.

ثم قال يابن شبيب ، إنّ المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية فيما مضى يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته ، فما عرفت هذه الاُمّة حرمة هذا الشهر ولا حرمة نبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته ، وسبوا نساءه ، وانتهبوا ثقله ، فلا غفر الله لهم ذلك أبداً ، يابن شبيب ، إن كنت باكياً لشئ فابك على الحسين عليه‌السلام ، فأنّه ذبح كما يذبح الكبش ، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ، ما لهم في الأرض شبيه ، لقد بكت السماوات السبع والأرضون السبع لقتله ، ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة لآلاف ملك لنصرته فلم يأذن لهم (٣).

وفي العيون والخبر الآخر ، أنهم نزلوا فوجدوه قد قتل ، فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم صاحب الأمر فيكونون من أنصاره ، وشعائرهم : يا لثارات الحسين (٤).

وكان الصادق عليه‌السلام أذا هل المحرم لا يرى شاحطاً قط ، وكذلك الأئمة واحداً بعد واحد ، بل وهذه سيرة سارت في مواليهم وشيعتهم إذا هل عاشوراء اجتمعت

_________________

(١) سورة ال عمران ٣ : ٣٨.

(٢) سورة ال عمران ٣ : ٣٩.

(٣) أمالي الصدوق : ١٩٢ / ٢٠٢ ـ المجلس (٢٧) ـ الحديث (٥).

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١ : ٢٩٩ / ٥٨ ـ الباب (٢٨). وانظر المصدر السابق أيضاً.

٣٥

عليهم الأحزان والكروب ؛ ولعل الخبر يشير إلى ذلك :

«شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا ، وعجنوا بنور ولايتنا ، يصيبهم ما أصابنا ، يفرحون لفرحنا ، ويحزنون لحزننا» (١) وكانوا عليهم الصلاة والسلام يجلسون للعزاء كما تجلس شيعتهم اليوم.

وكان الرضا عليه‌السلام يجلس في كل عشرة من المحرم كئيباً حزيناً ، ويعقد مجلساً للعزاء ، ويجلس نساءه وراء الستار ، وكان إذا دخل عليه أحد من الشعراء يأمره بالإنشاد على جده الحسين عليه‌السلام ، كما في قصة دعبل الخزاعي لما دخل عليه وقال له : أنشدني ، فأنشده التائية التي منها :

أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً

وقد مات عطشاناً بشط فرات (٢)

وكذلك الصادق عليه‌السلام لما دخل عليه هارون المكفوف ، فقال عليه‌السلام : أنشدني في جدي الحسين عليه‌السلام ، فأنشأ يقول :

أمرر على جدث الحسين

وقل لأعظمه الزكية

فبكى الصادق عليه‌السلام وقال : أنشدني كما تنشدون بالرقة فقال :

يا مريم نوحي على مولاك

وعلى الحسين ألا أسعدي ببكاك

فصاحت ابنة الصادق عليه‌السلام : واجداه واحسيناه (٣).

وهكذا ساير أهل البيت عليهم‌السلام ولا زالوا صارخين معولين عطاشا جائعين من أوّل شهر محرم إلى يوم العاشر.

وقيل للصادق عليه‌السلام : سيدي جعلت فداك ، إنّ الميت يجلسون له بالنياحه بعد

_________________

(١) أورده الفاضل الدربندي في أسرار الشهادة : ١ / ١٠٤ ، في كلامٍ للإمام الصادق عليه‌السلام.

(٢) بحار الأنوار : ٤٥ / ٢٥٧ ـ الحديث (١٥).

(٣) انظر ثواب الأعمال للشيخ الصدوق : ١٠٩ / ١ / باب (١٤٦).

٣٦

موته أو قتله ، وأراكم تجلسون أنتم وشيعتكم من أوّل الشهر بالمأتم والعزاء على الحسين عليه‌السلام!! فقال عليه‌السلام : «يا هذا إذا هل هلال محرم نشرت الملائكة ثوب الحسين عليه‌السلام وهو مخرق من ضرب السيوف ، وملطخ بالدماء ، فنراه نحن وشيعتنا بالبصيرة لا بالبصر ، فتنفجر دموعنا».

وقال عليه‌السلام فيما قال لمسمع كردين : «يا مسمع ما من عين بكت على الحسين عليه‌السلام إلّا ونعمت بالنظر إلى الكوثر ، أو شربت منه إلى يوم القيامة) (١).

فأي عين لا تبكي عليك يا أبا عبدالله ، السلام على من دمه غسله ، والتراب كافوره ، ونسج الرياح أكفانه ، والرماح الخطية نعشه ، وفي قلب من والاه قبره :

إن يبقي ملقى بلا دفن فإنّ له

قبراً بأحشاء من والاه محفورا (٢)

_________________

(١) بحار الأنوار : ٤٤ / ٢٨٩ ـ الحديث (٣١) ـ من حديث طويل.

(٢)

(ابوذية)

لو لاك الفرض يحسين ماتم

وحگ گلبك المنة ثلث ماتم

إلك ابگلوبنا يحسين ماتم

نجيمة ابكل صباح وكل مسيّة

(بحراني)

وحق راسك المقطوع يا شمس المضية

للحشر ما ننسا مصابك والرزيّة

ننسى وسهم الصاب گلبك يا ذرانا

ذللنة وفت اگلوبنا ونكس لوانا

وتگطيع جسمك بالثرى گطع امعانا

وخيل الوطت صدرك على حر الوطيّة

داست يبنى حيدر علي صدور المحبين

وبگلوبنا انخليك عاري بغير تكفين

وذبح الطفل ننساه هذا محال يحسين

ولا ننسى اركوب الوديعة اعلى المطيّة

* * *

غَدَت ربّة الأخدار ولهى أسيرةً

تقاذفُها البيدا ضُحىً وظهيرةً

وتهتف بالحامي الجوار مشيرةً

أترضى وأنت الثاقب العزم غيرةً

يلاحظها حسرى القناع يزيدُ

٣٧

المطلب السابع

في بكاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الحسين عليه‌السلام

وأنّ البكاء والرقّة من شأن المعصوم

العجب كل العجب ممن يزعم أنّ المعصوم عليه‌السلام لا يبكي ، أو أنّ البكاء لا يليق له وليس من شأنه ، فاذا خطر مثل هذا في البال فهو وهم صرف ، إذ أنّ البكاء والرقة من صفات المعصوم عليه‌السلام ، كما أنّ الرحمة والرقة مودوعة في قلب كل نبي وكل معصوم ، بل وكل مؤمن فضلاً عن النبي والمعصوم ، اُنظر الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد دلت الأخبار المتواترة أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكى في مواطن كثيرة ، كان أولها «يوم اُحد» ، وذلك لما رأى عمّه الحمزة عليه‌السلام قتيلاً ورأى ما مثل به شهق (١).

ذكر ابن أبي الحديد : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يومئذٍ إذا بكت عمّته صفيّة يبكي ، وإذا انشجت ينشج ، وكذلك لما رأى ابنته فاطمة عليها‌السلام تبكي على عمّها بكى (٢).

وذكر أحمد ابن حنبل : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما رجع من «احد» فجعلت نساء الأنصار يبكين على من قتل من أزواجهن ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ولكن عمّي حمزة لا

_________________

(١) المستدرك الحاكم : ٣ / ١٩٥ ، وانظر أيضاً : المحب الطبري في ذخائر العقبى : ١٨٠ ، والهيثمي في مجمع الزوائد : ٦ / ١١٨ ـ باب مقتل حمزه عليه‌السلام.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٥ / ١٧ ـ الباب (١٩).

٣٨

بواكي له» ، ثم نام وانتبه وهنّ يبكين : قال : «فهنّ اليوم اذا بكين يندبن بحمزة» (١).

ومنها : بكى على جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام يوم «مؤتة» لمّا قتل (٢) ، ومنها : لمّا اُصيب زيد ابن حارثة انطلق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى منزله فلمّا رأته إبنة زيد أجهشت بالبكاء ، فسالت دمعته (٣).

ومنها : عند موت ولده إبراهيم بكى ، فقيل له : أتبكي وأنت رسول الله؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّما أنا بشر مثلكم ، تدمع العين ويحزن القلب ، ولا أقول ما يغضب الرب ، وأنا بفراقك يا إبراهيم لمحزون». ذكره البخاري في «صحيحه في الجزء الأوّل منه» (٤).

ومنها : يوم ماتت إحدى بناته جلس على قبرها وعيناه تدمعان ، هكذا ذكر البخاري أيضاً (٥).

ومنها : يوم مات صبي لأحدى بناته ، إذ فاضت عيناه يومئذٍ فقال له سعد : ما هذا يا رسول الله؟! قال : «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده ، وإنّما يرحم من عباده الرحماء». هكذا في الصحيحين أيضاً (٦).

وأخرج الإمام أحمد من حديث ابن عباس ـ في الجزء الأوّل من مسنده ـ من جملة حديث ذكر فيه موت رقية بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبكاء النساء عليها ،

_________________

(١) مسند أحمد ابن حنبل : ٧ / ٩٨ ـ الحديث (٤٩٨٤).

(٢) تاريخ الإسلام للذهبي : ٢ / ٤٨٨ و ٨٨٤ ، وانظر أيضاً : مختصر تاريخ دمشق لابن منظور : ٦ / ٧٣ و ١٢ / ٧٣.

(٣) تاريخ الإسلام للذهبي : ٢ / ٤٩٦.

(٤) صحيح البخاري (بشرح الكرماني) : ٧ : ٩٦ / ١٢٢٨.

(٥) صحيح البخاري (بشرح الكرماني) : ٧ : ٨١ / ١٢١٣.

(٦) صحيح مسلم : ٢ : ٦٣٥ / ، وصحيح البخاري (بشرح الكرماني) : ٧ : ٨٠ / ١٢١٢.

٣٩

قال : فجعل عمر يضربهنّ بسوطه : فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «دعهنّ يبكين». ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «مهما يكن من القلب والعين فمن الله الرحمة». وقعد على شفير القبر وفاطمة إلى جنبه تبكي قال : فجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسمح بعين فاطمة بثوبه رحمة لها (١).

وممّا يعاضد ذلك بكاؤه على الحسين عليه‌السلام في مواطن كثيرة ، منها قبل ولادته وهبك عليه جبرائيل ، قال : يا محمد يولد لك تقتله شرار اُمّتك ، فبكى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : «لا حاجة لي فيه» فقال جبرائيل : يا رسول الله إن الإمامة تكون فيه وفي ولده؛ فسكت صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

وبكى عند ولادته ، وذلك لمّا جاءت به صفية بنت عبد المطلب تحمله أخذه وشمه ثم بكى ، فقالت له صفية : يا رسول الله وما هذا البكاء؟! فقال لها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ ولدي هذا تقتله شرار اُمّتي ، لا تخبري ابنتي فاطمة فإنّها جديدة عهد بولادتها».

ومنها : بكاءه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا دخل على فاطمة ورأى الحسين عليه‌السلام يبكي في المهد ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «بني سكتيه فأنّ بكاءه يؤذيني» ؛ ثم بكاه ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّما نظر إليه يبكي ، وإذا رآه في يوم عيد يبكي ، واذا رآه يلعب يبكي.

وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «حسين منّي» ، «حسين طمئنينتي» ، «حسين روحي التي بين جنبي» ، «حسين منّي وأنا من حسين» ، «أحب الله من أحب حسيناً».

قال (٣) : ودخل الحسن واخوه الحسين عليهما‌السلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً فشمَّ الحسن عليه‌السلام في فمه ، وشمَّ الحسين عليه‌السلام في نحره ، فقام الحسين وأقبل إلى اُمّه ،

_________________

(١) مسند الإمام أحمد : ٥ : ٤١ / ٣١٠٣.

(٢) اصول الكافي : ١ : ٣٨٦ / ٤ ، والبحار : ٤٤ : ٢٣٢ / ، الحديث.

(٣) والكلام لابن عباس.

٤٠