ثمرات الأعواد - ج ١

علي بن الحسين الهاشمي الخطيب

ثمرات الأعواد - ج ١

المؤلف:

علي بن الحسين الهاشمي الخطيب


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مكتبة الحيدريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٨٣
الجزء ١ الجزء ٢

فقالوا : يا سبحان الله ، فما يقول الناس لنا؟ وماذا نقول لهم؟ إنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ، ولم نرم معهم بسهم ، ولم نطعن معهم برمح ، ولم نضرب معهم بسيف ، ولا ندري ما صنعوا ، لا والله لا نفعل ذلك ولكنّا نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهالينا.

وقام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي فقال : أنحن نخلّي عنك وقد أحاط بك هذا العدو؟! وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقك؟ لا والله ... لا يراني الله أبداً وأنا أفعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي ، وأضاربهم بسيفي ما ثبت قائمة بيدي ، ولو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به أقذفهم بالحجارة ولا افارقك أو أموت معك.

وقام سعيد بن عبدالله الحنفي فقال : لا والله يابن رسول الله لا نخلّيك أبداً حتى يعلم الله أنّا قد حفظنا فيك وصيّة رسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله لو علمت أنّي اُقتل فيك ثم أحيا ثم أُحرق حيّاً ثم أُذري ويفعل بي ذلك سبعين مرّة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك ، وكيف لا أفعل ذلك؟ وإنما هي قتلة واحدة ثم أنال الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً.

وقام زهير بن القين وقال : والله يابن رسول الله لوددت أنّي قُتلت ثم نُشرت ألف مرة ، وإنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من إخوتك وولدك وأهل بيتك.

وتكلّم جماعة من أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً وقالوا : أنفسنا لك الفداء نقيك بأبداننا وأنفسنا ، فإذا نحن قتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربّنا وقضينا ما علينا.

وكان من جملة أصحابه وهب بن عبدالله الكلبي ، وكان رجلاً نصرانياً نازلاً على بئر اُم عمير بالكوفة ، ولمّا بعث ابن زياد الجيوش إلى حرب الحسين عليه‌السلام

٢٠١

جعل يسأل العسكر : إلى أين ماضين؟ فيقولون له : الى حرب الحسين ؛ فسألهم : ابن من؟ فقالوا له : ابن بنت رسول الله. قال : فجاء هو واُمّه وزوجته حتى وافوا كربلاء ، فجاء الى الحسين عليه‌السلام فأسلم هو واُمّه وزوجته على يد الحسين ، ولما كانت اليوم العاشر من المحرم أراد البراز فأقبلت زوجته تمانعه فصاحت به اُمّه : بني دع كلامها وانصر ابن بنت رسول الله ، فتركها وحمل سيفه وأقبل إلى الحسين يستأذنه ، فأذن له الحسين فحمل على القوم ، فبينما هو يقاتل وإذا زوجته أتت إليه من خلفه وهي تنادي : وهب ... قاتل دون الطيبين آل رسول الله ؛ فرجع إليها وقال لها ، ويلك الآن كنت تنهيني عن القتال ؛ قالت : وهب لا تلمني إنّ واعية الحسين كسرت قلبي ، ثم قال لها : ارجعي إلى خدرك ، فلم ترجع لأنّها مدهوشة ... أقبل وهب إلى الحسين وقال له : سيدي ارجعها. فجاء إليها الحسين وأرجعها ، فحمل وهب على القوم وجعل يقاتل حتى قتل منهم مقتلة عظيمة ، فتعطّفوا عليه أعداء الله وقتلوه واحتزوا رأسه رموا به نحو معسكر الحسين ، فأخدته أمّه ووضعته في حجرها وجعلت تقول : بني وهب بيّض الله وجهك ... ، وحملت على القوم وجعلت تقول :

أنا عجوز في النسا ضعيفه

خاوية بالية نحيفة

اضربكم بضربة عنيفة

دون بني فاطمة الشريفة (١)

يقول الراوي : فأصابت رجلين فقتلتهما ، نظر الحسين عليه‌السلام وإذا بامرأة تقاتل فعندها أقبل إليها وقال لها : يا اُم وهب ارجعي إلى الخدر.

كتب القتل والقتال علينا

وعلى المحصنات جرّ الذيول

__________________

(١) توضيح ذكر صاحب الإبصار أنّ صاحبة الرجز هي اُم عمرو بن جنادة وإنّ ام وهب قتلها رستم غلام الشمر بعمود والله أعلم.

٢٠٢

اقول : سيدي أبا عبدالله أشفقت على امرأة عجوز برزت بين العساكر!! إذاً كيف حالك وما كنت صانعاً لو نظرت الى حال مخدراتك وقد أحاط بهنَّ العدو من كل جانب ومكان ، وهنَّ يلذن ببعضهن وقد أشعلوا النار في خدورهنّ فخرجنّ من الخدور ناشرات الشعور مشققات الجيوب.

لقد فزعت من هجمة الخيل ولّهاً

إلى ابن أبيها وهو فوق الثرى مغف

ونادت عليه حين الفته عارياً

على جسمه تسفى صبا الريح ما تسفي (١)

__________________

(١)

(عاشوري)

لمّن لفتها الخيل غاره

وعلى المخيّم غدت داره

طلعت تحشّم للمعارة

شافت وليها البي نماره

عالگاع دم نحرة ايتجارة

صاحت يابن حمّاي جاره

گوم الخواتك سوي چاره

ولتها العدى وظلت حياره

(ابوذية)

انگطع بت گلبي من الحزن والتل

على الهامت ابذاك الشعب والتل

گوم احمي الحرم يحسين والتل

جبتها ابشيمتك للغاضرية

(تخميس)

أخي يا تاج عزّي وافتخاري

ويا بدر المنير لكلّ ساري

أخي كيف السلوّ وأنت عار

أخي لم لا يفارقني اصطباري

وممَّ وكيف لا يعلوا نحيبي

٢٠٣

المطلب التاسع والثلاثون

في ترجمة حبيب بن مظاهر رحمه الله

ذكر صاحب «إبصار العين» أنّه كان حبيب بن مظاهر الأسدي (١) صحابياً ، وقيل : تابعياً ، وكان من خواص أمير المؤنين عليه‌السلام ، والمقتبسين علومه ، فمن علومه ما رواه الكشّي ، قال : مر ميثم التمار (٢) على فرسٍ له فاستقبله حبيب بن مظاهر عند

__________________

(١) في ابصار العين : حبيب بن مظهر : قال أهل السير إنّ حبيباً نزل الكوفة وصحب علياً في حروبه كلّها ، وكان من خاصته وحملة علومه.

انظر : إبصار العين : ٥٦ ، وتاريخ من دفن في العراق من الصحابة.

(٢) ميثم التمار : كان من حواري أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقد أطلعه على علوم جمة وأسرار خفية ، فكان ميثم يحدّث ببعض ذلك ، فمنه ما يروى عن أبي خالد التمار قال : كنت مع ميثم التمار بالفرات يوم الجمعة ، فهبّت ريح وهو في سفينة من سفن الرّمان ، قال : فخرج ونظر إلى الريح وقال : شدوا برأس سفينتكم ، أن هذا الريح عاصف مات معاوية الساعة ، قال : ولمّا كانت الجمعة القادمة وقدم البريد من الشام فلقيته واستخبرته وقلت له : يا عبدالله ما الخبر؟ قال : الناس على احسن حال ، هلك معاوية وبايع الناس يزيداً. قلت : أي يوم هلك؟ قال : يوم الجمعة.

وروى المفيد وقال : كان ميثم الثمار عبداً لأمرأة من بني أسد فاشتراه أمير المؤمنين عليه‌السلام وأعتقه وقال : اسمك؟ فقال : سالم ، فقال عليه‌السلام : أخبرني حبيبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن اسمك الذي أسماك به أبوك ميثم. قال : صدق رسول الله وصدقت يا أمير المؤمنين والله إنّه لاسمّي ؛

٢٠٤

مجلس بني أسد ، فتحادثا حتى اختلفت أعناق فرسيهما ، فقال حبيب : لكأنّي بشيخ اصلع ضخم البطن يبيع البطّيخ عند سوق الطعام يصلب في حب آل البيت نبيّه وتبقر بطنه على الخشبة ؛ وقال ميثم : واني لأعرف رجلاً أحمر له ضفيرتان يخرج إلى نصرة ابن بنت نبيّه فيقتل بين يديه ويجال برأسه في الكوفة معلّق بلبان الفرس ؛ فضحكا وافترقا. قال أهل المجلس : ما رأينا أحد أكذب من هذين.

قال الراوي : ولم يفترق أهل المجلس حتى اقبل رشيد الهجري (١)

__________________

فقال عليه‌السلام : ارجع الى اسمك الذي سمّاك به رسول الله ودع سالماُ. فرجع الى ميثم وكنّى بأبي سالم.

وقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام يوماً : كيف بك يا ميثم إذا دعاك دعيّ بني أمية عبيدالله ابن زياد إلى البراءة منّي؟ قال : فقلت : يا أمير المؤمنين والله لا أبرء منك : قال عليه‌السلام : إذاً والله يقتلك ويصلبك ، قلت : اصبر فذاك في الله قليل. فقال : إذاً تكون معي في درجتي.

وحج ميثم في السنة التي قتل فيها ، ولمّا رجع قبضه ابن زياد وحبسه مع المختار ابن أبي عبيدة الثقفي ، ثم أخرجه وصلبه على خشبة حول باب عمرو بن حريث فجعل ميثم يحدّث بفضائل أمير المؤمنين ، فقيل لابن زياد : قد فضحكم هذا العبد ، قال : الجموه ، فكان ميثم أول من الجم في الإسلام ، ولمّا كان اليوم الثامن طعن بالحربة ثم انبعث في آخر النهار فمه وانفه دماً فمات رحمه الله ، كان قتله بعد شهادة مسلم بأيام قليلة ، قال : وبقي مصلوباً حتى اجتمع سبعه من التمارين وسرقوا جثّته ، وجاءوا به الى فيض ماء في مراد فدفنوه ورموا الخشبة في خربة هناك. انظر رجال الكشي : ٨٠ / ١٣٥ و ٨٣ / ١٣٩.

(١) كان رشيد الهجري من رجال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ومن أعيان الشيعة المشهورين ، وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام يسميه رشيد المنايا ، علّمه أمير المؤمنين علم المنايا والبلايا ، كان يقول : فلان يموت بموته كذا وكذا ، وفلان يقتل بقتله كذا وكذا.

روى الشيخ الكشي رحمه الله في رجاله عن أبي حيان البجلي ، عن قنواء بن رشيد الهجري رحمه الله ، قال : قلت لها : اخبريني بما سمعت من أبيك ، قالت : سمعت أبي يقول : أخبرني مولاي أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : يا رشيد كيف صبرك إذا ارسل إليك دعيّ بني أمية فقطع يديك

٢٠٥

فطلبهما ، فقالوا : له : افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا ، فقال رشيد : رحم الله ميثماً ، نسي ويزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس مائة درهم ، ثم أدبر .. فقال القوم : هذا والله اكذبهم.

فقال القوم : والله ما ذهبت الأيام والليالي حتى رأينا ميثماً مصلوباً على باب عمرو بن حريث ، وكذلك قتل حبيب بن مظاهر مع الحسين عليه‌السلام وجيء برأسه ، ورأينا كلّما قالوه (١).

وذكر أهل السير : أنّ حبيب بن مظاهر كان ممن كاتب الحسين عليه‌السلام وحبّذ له القدوم الى الكوفة ، وكان رحمه الله هو ومسلم بن عوسجة يأخذان البيعة للحسين في الكوفة ، حتى إذا دخل عبيدالله ابن زياد الكوفة وخذل أهلها عن مسلم بن عقيل أخفوهما عشايرهما ، ولمّا ورد الحسين عليه‌السلام كربلاء خرجا إليه مختفيين يسران الليل ويكمنان النهار حتى وصلى إليه ليلة السابعه أو الثامنة من المحرم.

وذكر صاحب «أسرار الشهادة» : أنّه لمّا نزل الحسين عليه‌السلام كربلاء عقد اثني

__________________

ورجليك ولسانك؟ فقلت : يا أمير المؤمنين آخر ذلك في الجنّة؟ فقال عليه‌السلام : يا رشيد أنت معي في الدنيا والآخرة.

قالت : فوالله ما ذهبت الأيام والليالي حتى أرسل إليه عبيد الله بن زياد فدعاه الى البراءة من أمير المؤمنين عليه‌السلام فأبى أن يتبرأ منه ، فقال له الدعي : فأيّ ميتة قال لك مولاك تموت؟ فقال : أخبرني خليلي إنك تدعوني الى البراءة منه فلا أتبرأ ، فتقدمني قتقطع يدي ورجلي ولساني ، فقال : والله لأكذبن قوله فيك. قالت : فقدّموه فأمر به فقطعت يديه ورجليه وترك لسانه ، فحملت أطراف يديه ورجليه فقلت له : يا أبتاه هل تجد ألماً أصابك؟ فقال : لا يا بنية إلا كالزحام بين الناس ، فلمّا احتملناه واخرجناه من القصر اجتمع الناس حوله ، فقال : ائتوني بصحيفة ودواة أملي لكم ما يكون الى يوم الساعة! فأرسل إليهم الحجام فقطع لسانه فمات في ليلته رحمه‌الله عليه ، انتهى. انظر رجال الكشي : ٧٥ / ١٣١.

(١) رجال الكشي : ٧٨ / ١٣٣.

٢٠٦

عشر راية وقسّمها على أصحابه ، فبقيت في يده راية واحدة فأقبل إليه رجل من أصحابه فقال له : سيّدي سلمني هذه الراية ، فقال له الحسين عليه‌السلام : انت نعم رجل ولكن لهذه الراية رجلاً يركزها في صدور القوم وهو يعرفني حق المعرفة وسأكتب إليه كتاباً يأتي ان شاء الله تعالى ؛ فقال له : سيدي ومن تعني بذلك؟ فقال له عليه‌السلام : أعني حبيب بن مظاهر الأسدي ، فقال : انه لكفؤ كريم.

قال الراوي : ثم دعى الحسين عليه‌السلام بدواة وبياض وكتب إليه كتاباً يقول فيه :

بسم الله الرحمن الرحيم

من الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ...

إلى أخيه النجيب حبيب ...

أمّا بعد ... يا حبيب فقد نزلنا كربلاء وقد بانت من أهل الكوفة الخيانة كما خانوا بأبي سابقاً ، وبأخي لاحقاً ، فإن كنت يا حبيب تروم أن تحظى بالسعادة الأبدية فبادر الى نصرتنا والسلام.

ثم ختم الكتاب بخاتمه الشريف ودفعه الى رجل من أصحابه فأقبل به يجد السير حتى دخل الكوفة ، وكان حبيب حينئذ قد قدّمت اليه زوجته طعاماً يتغذّى به وهي واقفة على رأسه تروّح له ، فبينا هو يأكل تغير لونه ، فقالت له زوجته : مالي أراك كففت عن الاكل وتغيّرت؟! فسكت رحمه الله ، ثم قالت : إن صدق ظنّي الان يأتيك رسول من الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فبينا هما بالكلام وإذا بالباب تطرق فقام حبيب وفتح الباب ، وإذا برسول الحسين عليه‌السلام سلّم فرد عليه‌السلام ثم قال : الله الله صدقت الحرّة بمقالتها ، ثم دخل الرسول الى الدار وخرج الكتاب وسلّمه إلى حبيب.

فضه وقرأه ، ولما علم بما فيه جرت دموعه على شيبته ووضع الكتاب على عينيه وعلى رأسه وقال : أفديه بنفسي وأهلي وولدي ، ثم قال لرسول ، ابلغ سيدي عني السلام وقل له يأتي خلفي ان شاء الله.

٢٠٧

ثم خرج الرسول من عنده فجاءت اليه زوجته وقالت له : يا أبا القاسم سمعت كلمات حدّثك بها الرسول ، فقال حبيب : اسكتي لا يشعر بسرّنا أحد ، فقالت له : كأنّك خائف من أخبر أحداً ، والله يا حبيب إن لم تمض إلى نصرة سيدي ومولاي الحسين عليه‌السلام لألبسن ملبوس الرجال وأنا أمضي الى نصرته.

قال الراوي : وكان حبيب في كل يوم يخرج خارج البساتين في زي المتنزه فالتفت ذلك اليوم إلى عبده وقال له : خذ الجواد وامض به خارج البساتين وانتظرني هناك ، فخرج العبد بالجواد فودّع حبيب أهله واولاده ثم خرج حتى إذا صار قريباً من العبد سمع العبد يخاطب الجواد وهو يقول : والله إن لم يأت إليك صاحبك ويركبك لأنا أركبك وأمضي الى نصرة سيدي ومولاي الحسين.

فلما سمع حبيب ما سمع من العبد بكى وقال : بأبي أنت واُمّي يا أبا عبدالله العبيد تريد نصرتك ومؤازرتك فكيف بنا؟

قال : فجاء إليه حبيب وأخذ منه الجواد وقال له : انطلق أنت حر لوجه الله ، فوقع العبيد على قدميه وهو يقول : سيّدي أيسرّك أن تمضي الى الجنّة وأنا أمضي إلى النار؟ لا كان ذلك أبداً بل أمضي معك الى نصرة سيّدي ومولاي الحسين عليه‌السلام ، فقال له حبيب : امض بارك الله فيك.

قال : فجاء حبيب يجد السير ومعه عبده حتى ورد كربلاء في اليوم الثامن من المحرم ، وكان الحسين عليه‌السلام جالساً في خيمته ومعه أخوته وأولاده وأصحابه ، إذ التفت الى اصحابه وقال لهم : هذا حبيب قد أقبل ، ثم إنه لما قرب من خيم الحسين عليه‌السلام نزل من على ظهر جواده الى الأرض وأقبل يمشي حتى دخل على الحسين عليه‌السلام ووقع على قدميه يقبلهما وهو يبكي ويقول : سيدي لعن الله غادريك.

قال : واستبشر أصحاب الحسين بقدوم حبيب ، وكذلك عيالات الحسين استبشرن بقدومه.

(للشيخ قاسم محي الدين رحمه الله) :

٢٠٨

بنفسي أنصاراً فدوا سبط أحمد

وجدّوا بنصر السبط في كلّ مشهد

وفوا حيث وافوا طالبين لنصره

وبالعزم كلّ والبسالة مرتدي

وقد آثروا الموت الزؤام وورده

بنصر ابن هاديها على كلّ مورد (١)

__________________

(١)

گام ابنة الوصي البيه الكفاية

عدل عسكره او شد الروايه

جسمها اعلى اهلها او بگت رايه

ذاخرها لعد ضنوة الطيبين

ذاخرها لعد ذاك المچنّه

حبيب اوليه الطارش من تعنة

طلع ليه ايتلگّه وجذب ونّه

يگله انته يطارش مگصدك وين

يگلّه وينحب الطارش على الباب

الك گاصد ومتعني ابهالكتاب

گله اسدر او دمع العين سچّاب

لبو اليمة أجي على الراس والعين

هله صاحت حبيب احسين ينخاك

أظن بالغاضريه اليوم يتناك

بالله اعليك اخذني الزينب اوياك

اشوفنها وشوف الهاشميين

يگلها الهلچ روحي امودّعه اليوم

گطع لرض الطفوف افجوع واحزوم

وصل للطف وشاف الخيل والگوم

كلها امدرچله او خيمت صوبين

گصد يبچي او يهل دمعه على خدّه

لمخيم الحسين اوياه عبده

حب ايد الإمام او فاخ وجده

هله ابجية حبيب ايصيح لحسين

ولمّا سمعت بذلك مولاتنا زينب عليها‌السلام قالت : اقرؤه عني السلام ، ولمّا بلغه ذلك استأذن من الحسين عليه‌السلام في السلام على بنات الرسالة وقال : السلام عليكنّ يا بنات رسول الله ، وعليك السلام يا عم يا حبيب وكأني بها :

(نصاري)

اوصيك يا عمّي بالحسين

اولاده واهل بيته قليلين

انا خايفه من هجمة البين

على العباس يا عمّي والحسين

(تخميس)

رجالٌ تواصوا حيث طابت أصولهم

وأنفسهم بالصبر حتى قضوا صبراً

حماةٌ حموا خدراً أبى الله هتكه

فعظّمه شأناً وشرّفه قدرا

فأصبح نهباً للمغاوير بعدهم

ومنه بنات المصطفى ابرزت حسرى

٢٠٩

المطلب الأربعون

في استنصار حبيب بن مظاهر لبني أسد

ذكر صاحب «أسرار الشهادة» : أنّ حبيب بن مظاهر كان ذات يوم بالكوفة واقفاً عند عطّار يشتري صبغاً لكريمته ، فمرّ عليه مسلم بن عوسجة فالتفت إليه حبيب وقال له : يا مسلم إنّي أرى أهل الكوفة يجمعون الخيل والرجال والأسلحة فبكى مسلم وقال : صمموا على قتال ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فبكى حبيب ورمى الصبغ من يده وقال : لا والله لا تصبغ هذه إلا من هذه. وأشار إلى نحره ثم سار حتى وافى كربلاء.

وذكر محمد بن أبي طالب في مقتله : إنّه لمّا رأى حبيب بن مظاهر كثرة العساكر وتصميمهم على حرب الحسين أقبل إلى الحسين وقال له : سيدي إنّ هاهنا حي من بني أسد أفتأذن لي أن أمضي إليهم وأدعوهم الى نصرتك؟ فقال له الحسين عليه‌السلام : بلى امض. فانسل حبيب في جوف الليل حتى إذا جاء الى ذلك الحي اجتمعوا عليه ورحبوا به ، ثم قالوا له : ما حاجتك؟ فقال : إني أتيتكم خير ما أتى به وافد على قومه ، جئتكم أدعوكم الى نصرة ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا ابن سعد أحاط به وأنتم عشيرتي أطيعوني تنالوا شرف الدنيا والآخرة ، والله لا

٢١٠

يقتل احد منكم إلّا وكان لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفيقاً يوم القيامة.

فقام إليه رجل يسمى عبدالله بن بشير ، فقال : يا حبيب أمّا أنا فأول من يجيبك إلى هذه الدعوة ، وها أنا ماض معك. قال : فتبادروا حتى اجتمعوا تسعون رجلاً وأقبلوا معه يريدون الحسين عليه‌السلام.

قال : وخرج رجل من ذلك الحي وأقبل الى ابن سعد فأخبره ، فدعى اللعين بالأزرق الشامي وضم إليه خمسمائة فارس ووجّههم معه إلى بني أسد ، فاستقبلهم الأزرق ليلاً على شاطيء الفرات ، فتصادموا معه بنو أسد سويعة ، وصاح به حبيب : ويحك يا أزرق دع يشقى بنا غيرك ؛ قال : ولمّا رأوا بنو أسد أن لا طاقة لهم على القوم تراجعوا الى حيّهم ورحلوا عن منازلهم ، وبقي حبيب وحده فرجع الى الحسين عليه‌السلام وأخبره بالخبر ، فقال الحسين : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، وما تشاؤون إلّا أن يشاء الله ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.

قال الراوي :

واعترضه علي الأكبر فقال : يا عم حبيب إنّ أهل الكوفة قد تألبوا لقتال أبي الحسين واستلّوا سيوفهم عليه ، ونحن اسرة قليلة لا تنهض بالدفاع عنه ولا عن سلامته ، فلو إنّ أبي يسلم ونحن نقتل ما بالينا بالموت ، فالله في هذه النسوة والأطفال إذا جن عليهم الليل وهم من غير محام ولا كفيل ولا حمى ولا ولي.

فأطرق حبيب رأسه إلى الأرض هنيئة ثم رفع رأسه وقال : ما الذي تريد يابن سيّدنا؟ قال : اريد منك أن تشير على والدي بالرجوع الى المدينة.

فقال حبيب : هيهات يابن سيّدنا قد جرى في علم الله ما تحاذر ، ولأجل أبيك طلّقنا حلائلنا وفارقنا أهالينا وأعرضنا عن زهرة دنيانا ، أمّا عمّك حبيب

٢١١

فشيخ كبير قد أعرض عنه النعيم الفاني ، أفلا تحب أن يرحل إلى النعيم الباقي؟ وما أشوقني أن أكون أول قتيل بين أيديكم ولا أسمع واعيتكم ولا أرى هاشمية تسبى.

فقال علي بن الحسين : أمّا أنت يا عم فقطب رحاها وليث وغاها وأنا إنّما استعملت خبرك بكلامي معك لأواجه به عمّتي زينب ، فإنّها قالت لي ، يابن أخي إنّ أباك الحسين خطب أصحابه وأذن لهم بالتفرق والموت ، يابن أخي مُر وكربه مطعمه أفلا تتعرض لعمّك حبيب وترى ما عنده؟ وبقي حبيب على هذا الحال ، وكان حبيب بوّاباً على خيمة الحسين عليه‌السلام وحاملاً لوائه يوم عاشوراء.

قال : ولما كان اليوم العاشر من المحرم جلس حبيب بإزاء خيمة النساء واضعاً رأسه في حجره يبكي ثم رفع رأسه وقال : آه آه لو جدك يا زينب يوم تحملين على بعير ظالع يطاف بك البلدان ورأس أخيك الحسين أمامك ، وكأنّي برأسي هذا معلق بلبان الفرس تضربه بركبتيها.

فضربت زينب رأسها بعمود الخيمة وقالت : بهذا أخبرني البارحة ، لوددت أن أكون عمهاء (١).

ثم جاء حبيب واستأذن الحسين عليه‌السلام للبراز ، فأذن له ، فحمل على القوم وهو يقول :

أقسم لو كنّا لكم أعدادا

أو شطركم ولّيتم اكتادا (٢)

ثم قاتل القوم فأخذ يحمل فيهم بسيفه وهو يقول :

__________________

(١) عمهاء : من العمة ، (انظر لسان العرب ١٣ / ٥١٩).

(٢) اكتاد جمع كتد وهو مجتمع الكتفين من الإنسان وغيره انتهى.

٢١٢

أنا حبيب وأبي مُظهَّر

فارس هيجاء وليث قسور

أنتم أعد عدة وأكثر

ونحن أوفى منكم واصبر

ونحن أعلى حجة وأظهر

حقّاً ، وأتقى منكم وأعذر

ولم يزل يقاتل حتى قتل من القوم مقتلة عظيمة ، فحمل عليه بديل بن صريم العقفاني (١) فضربه بسيفه ، وحمل عليه آخر من تميم فطعنه برمح فوقع إلى الأرض ، فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فسقك إلى الارض ، فنزل اليه الحصن فاحتزّ رأسه.

وروى عن أبي مخنف قال : لمّا قتل حبيب هدّ قتله الحسين عليه‌السلام ، فجاء إلى مصرعه وقال : عند الله احتسب نفسي وحماة اصحابي ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، قتل والله أسد من آساد الله ، يذبّ عن حرم الله ، رحمك الله يا حبيب ، لقد كنت شجاعاً فاضلاً تختم القران في ليلة واحدة (٢).

وفي ذلك يقول الشيخ محمد السماوي رحمه الله :

إن يهدُّ الحسين قتل حبيب

فلقد هدّ قتله كلّ ركن

بطل قد لقى جبال الاعادي

من حديد فردّها كالعهن

لا يبالي بالجمع حيث توخّى

فهو ينصب كأنصاب المزن

أخذ الثار قبل أن يقتلوه

سلفاً من منية دونَ منّ

قتلوا منه للحسين حبيباً

جامعاً للفعال من كلّ حسن

(فائدة) : وإنّما دفنت بنو أسد حبيباً عند رأس الحسين عليه‌السلام اعتناء به ، أو

__________________

(١) العقفاني بالعين المهملة والقاف والفاء نسبة الى عقفان بضم العين وهو (حي من خزاعة).

(٢) مقتل أبي مخنف : ١٤٥ ـ ١٤٧.

٢١٣

ولكونه كان يوم الطف بوّاباً على خيمة الحسين عليه‌السلام ، وكان لحبيب أولاد ثلاثة : محمد وعبدالله والقاسم أكبرهم ، ولمّا أن سمعت زوجته بقدوم السبايا وأنّهم دخلوا الكوفة دعت ولدها القاسم وقالت له : ولدي إنطلق الى السبايا وقل لهم إنّ أُمي تقول : أبي حبيب بيّض وجوهنا أم لا؟

فأقبل الغلام حتى قرب من السبايا فرأى رأس أبيه معلّق بلبان الفرس ، فجعل يصرخ ويبكي ، ثم أقبل على الموكل برأس أبيه وقال له : إدفع لي هذا الرأس وأنا إعطيك مقداراً من الدنانير.

فقال اللعين : إنّ جائزة الأمير خير لي. ولمّا قاربوا دار حبيب رفع الغلام حجراً وضرب رأسه ، ودخل على اُمّه باكياً يصيح : اُمّاه قومي واستقبلي رأس أبي. فخرجت أُمّه ولما رأت رأس زوجها معلق بلبان الفرس صاحت : حبيب بيّض الله وجهك كما بيّضت وجهي عند الزهراء عليه‌السلام.

ويروى أنّ القاسم سأل عن قاتل أبيه فعرّفوه ، فجعل يتربّص به الدوائر مدّة من الزمن إلى زمن مصعب بن الزبير ، فلمّا غزا مصعب باجميرا (١) جاء القاسم ودخل في معسكر مصعب ، فإذا قاتل أبيه في فسطاطه نائماً فجثى القاسم على صدره فانتبه اللعين ، فقال له القاسم : أتعرفني من أنا؟ قال : لا ، قال : أنا ابن حبيب بن مظاهر ، فعرفه ، ثم إن القاسم إحتزّ رأسه وأقبل به حتى دخل على مصعب بن الزبير فوقف أمامه وقال له : إعلم يا أمير ما نامت عيناي منعمة إلي إن أخذت ثاري

__________________

(١) باجمير الباء المفردة والجيم المضمومة والميم المفتوحة والياء المثناة والراء المهملة والألف المقصورة موضع من أرض الموصل كان مصعب ابن الزبير يعسكر في محاربه عبدالملك بن مروان حين يقصده من الشام أيّام منازعتهما في الخلافة. انظر معجم البلدان : ١ / ٣١٤.

٢١٤

من قاتل أبي ، فقال له : من أنت؟ قال : أنا ابن حبيب بن مظاهر ، فشكره ابن الزبير على صنعه وأطلقه.

أقول : أجل ومتى يؤخذ بثار الحسين عليه‌السلام :

متى ينجلي ليل النوى عن صبحه

نرى الشمس فيها طالعتنا من الغرب (١)

__________________

(١)

(موشّح)

بحشاك النوايب خلّفت شطّار

والهم جرح دلّالك يراعي الثار

اول جرح كسر الضلع والبسمار

ومغيبك يبدر العصر تاليه

متى اتگوم او تجرد السيف من غمده

ونشوف المنايا اتلوح ابحدّه

حيدر من سجد ما تمم السجده

وبن ملجم جسم هامته ابماضيه

دلّالك تمرمر لون من مرمر

چان انفطر من عظم الصبر وتفطّر

من تذكر امصاب الحسن تتحسّر

يالصاحب اومن تسمع ابطاريه

مهر احسين انشده امن انچتل يمّه

چله اشلون بالطف طاح ابو اليمّه

يخربرك من تحنّت گصته ابدمّه

وسدّر يصهل او زادت بواچيه

گلبك خلص من كثر الهضم والهم

من خلصوا هلك ما بين چتل وسم

حتى الطفل يوم الطف سبح بالدم

يالغايب شله ويالگوم من سيّه

متى يابن الحسن تنهض او يمته اتگوم

او تاخذ ثار طفل البسهم مفطوم

يا يوم المبارك يا بدر مخزوم

تروي السيف بالدم من بني اُميه

* * *

ادرك تراتك أيها الموتور

فلكم بكل يدٍ دمٍ مهدور

ما صارم إلّا وفي شفراته

نحر لآل محمّد منحور

٢١٥

المطلب الواحد والأربعون

في ترجمة العباس بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام

ولد العباس بن علي عليه‌السلام سنة ست وعشرين من الهجرة (١) ، واُمّه اُم البنين فاطمة بنت حزام الكلابية ، وقد أشار عليه عقيل بأخذها كما رواه السيد الداودي في العمدة ، قال :

إن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال لأخيه عقيل ـ وكان نسّابه عارفاً بأخبار العرب وأنسابهم ـ : اريد منك أن تختار لي امرأة من ذوي البيوت والشجاعة ، حتى اُصيب منها ولداً ينصر ولدي الحسين بطفّ كربلاء ، فأطرق عقيل برأسه إلى الأرض هنيئة ، ثم رفع رأسه وقال له : أخي أين أنت عن فاطمة بنت حزام الكلابية ، فإنه ليس في العرب اشجع من أبنائها (٢).

وفي آبائها يقول لبيد للنعمان ملك الحيرة :

نحن بنو ام البنين الأربعة

ونحن خير عامر بن صعصعه

الضاربين الهام وسط المعمعه

__________________

(١) انظر بحار الانوار : ٤٥.

(٢) عمدة الطالب : ٣٥٧ (بتصرف).

٢١٦

فلا ينكر عليه أحد من العرب ، ومن قومها ملاعب الأسنة أبو برآء (١) الذي لم يُعرف في العرب مثله في الشجاعة ، والطفيل بن مالك فارس فرزل (٢) ، وابنه عامر ابن الطفيل فارس للزنوق (٣).

قال : فتزوّجها أمير المؤمنين عليه‌السلام فولدت له أربعة أولاد أنجبت بهم ، وأول ما ولدت العباس ، وبعده عبدالله ، وبعده جعفر ، وبعده عثمان (٤) ، وعاش العباس مع أبيه أربعة عشر سنة ، ومع أخيه الحسن أربعة وعشرين سنة ، ومع أخيه الحسين أربع وثلاثين سنة ، وذلك مدّة عمره وكان يلقب قمر بني هاشم ، ويكنّى أبا الفضل ، وقال المؤرخون : حضر العباس بن علي بعض حروب أبيه كالجمل وصفّين والنهروان ولم يقاتل ، وكان يقال له السقّا.

ويروى أنّ امير الؤمنين عليه‌السلام كان جالساً في المسجد وحوله الحسن والحسين عليهما‌السلام والعباس ، وإذ عطش الحسين عليه‌السلام فقام العباس وهو صبي صغير وجاء إلى اُمّ البنين فقال لها : امّاه إن أخي الحسين عطشان ، فقامت فاطمة اُمّ البنين وملئت له الركوة ووضعتها على رأس العباس ، فجاء به الى المسجد والماء يتصبب على كتفيه حتى جاء به الى الحسين ، فلما رآه امير المؤمنين عليه‌السلام صاح : ولدي عباس أنت ساقي عطاشا كربلاء ؛ فسمّي عند ذلك السقّاء.

ويقال إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام لمّا عمّمه ابن ملجم (لعنه الله) بسيفه وحضرته

__________________

(١) انظر بطل العلقمي : ١ / ١٢١.

(٢) اسم فرس له ، والفرزل : الضخم ، وقيل : القيد ، وقيل : المقراض (وهو الذي يقطع به الحداد الحديد) : والرجل الفرزل : كالقنفذ الضخم. تاج العروس : ٨ / ٥٧ ، ولسان العرب : ١١ / ٥١٨ ، وانظر ما كتبه الشيخ المظفر في ترجمته في كتاب بطل العلقمي : ١ / ١١٨.

(٣) اسم فرس له

(٤) انظر بطل العلقمي : ١ / ٩١.

٢١٧

الوفاة ، جمع أولاده وجعل يوصيهم واحداً بعد واحد ، ثم دعى العباس وأوصاه بوصيّة خاصّة ، فقال له : «ولدي أبا الفضل إذا كان يوم عاشوراء وملكت المشرعة لا تشرب الماء وأخوك الحسين عطشاناً».

قال : ولمّا كتب ابن سعد الى ابن زياد كتابه الذي يقول فيه : «الحمد لله الذي أطفأ النائرة ، وجمع الكلمة ، وأصلح أمر الأُمّة ، وهذا الحسين قد اعطاني عهداً أن يرجع إلى المكان الذي أتى منه». فقام إليه شمر ابن ذي الجوشن وتلّكم بما ذكرنا آنفاً ، وكتب الى ابن سعد يعرض على الحسين عليه‌السلام النزول على حكمه ... إلى آخر الكتاب. فقام إليه عبدالله ابن أبي المحل بن حزام بن خالد ـ وكانت عمته اُم البنين ـ فطلب من عبيد الله كتاباً فيه أماناً للعباس وأخوته ، فكتب عبيدالله له كتاباً فيه أماناً للعباس وأخوته وسلّمه الى الشمر فجاء به إلى كربلاء.

ولمّا كان اليوم التاسع من المحرم ركب جواده وجاء حتى وقف إزاء خيم الحسين عليه‌السلام ، وصاح : أين بنو اختنا ، أين العباس وأخوته؟ وكان العباس حينئذ جالساً بين يدي الحسين ، فأطرق برأسه حياء من الحسين عليه‌السلام ، فصاح الشمر ثانياً ، وثالثاً ، فالتفت الحسين إلى أخيه العباس وقال : أخي قم وانظر ما يريد هذا الفاجر ؛ فقام العباس وركب جواده وأقبل إليه وقال له : ما تريد يا ابن ذي الجوشن؟ فقال : هذا كتاب من ابن زياد يذكر فيه إنك أنت الأمير على هذا الجيش ، وأنت وإخوتك آمنون ، فلا تعرض نفسك للقتل ؛ فقال له العباس : لعنك الله ولعن أمانك ، أتؤمّنا وابن رسول الله لا أمان له؟! ويلك أفبالموت تخوّفني؟! وأنا المميت خوّاض المنايا ، أأترك من خلقني الله لأجله وأدخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء؟! ويلك أنا أدعوك الى الجنة وأنت تدعوني الى النار؟! يابن ذي الجوشن فأقبل نصيحتي ، وكن مع غريب رسول الله ولك عند جدّه الجائزة العظمى.

فلما سمع الشمر كلام العباس لوى عنان جواده ، ورجع أبو الفضل العباس

٢١٨

يتهدرس كالأسد الغضبان ، استقبلته الحوراء زينب وقد سمعت كلامه مع الشمر ، قالت له : يا أخي [اُريدُ] ان احدّثك بحديث ؛ قال : حدّثيني يا زينب ، لقد حلا وقت الحديث. قالت : اعلم يابن والدي لمّا ماتت اُمّنا قال أبي لأخيه عقيل : اُريد منك أن تختار لي امرأة من ذوي البيوت والشجاعة حتى اُصيب منها ولداً ينصر ولدي الحسين بطفّ كربلاء ، وقد ادّخرك أبوك لمثل هذا اليوم ، فلا تقصر يا أباالفضل. فلمّا سمع العباس كلامها تمطى في ركاب سرجه حتى قطعهما وقال لها : أفي مثل هذا اليوم تشجعيني وأنا ابن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فلمّا سمعت كلامه سرّت سوراً عظيماً.

بطل إذا ركب المطهّم خلّته

جبلاً أسمّ يخفّ فيه مطهّم

بطل تورّث من أبيه شجاعة

فيها أنوف بني الظلالة ترغم (١)

__________________

(١)

بالطف صوّل العباس

صولت علي الماصوفه

سل سيفه وصرخ بيها

او كوّر عسكر الكوفه

كوّر كل رواياها

او عملت بدر راواها

چدسها اوتاه منواها

وبالمذهب مناياها

تموج الخيل خلاها

او غوجه ايخوض بدماها

الملازم والزلم والخيل

طواها على المردوفة

شبل المرتضى الكرار

صوّل على الخيل او غار

مشهر صارمه البتّار

سم يگطر ويلهب نار

بالطف حارب الكفّار

حرب الماجره او لا صار

أبدك الرمك ثار اغبار

منه الشمس مكسوفه

سم جتّال سل او داي

ما خلّة بصير او داي

صال اعلى الشريعه احماي

صاح العلگمي بحماي

٢١٩

(فائدة) : زوجته لبابة بنت عبيدالله بن العباس بن عبدالمطلب ، كان له من الأولاد خمسة : عبيدالله والفضل والحسن والقاسم ، وبنتاً. وعدّ ابن شهرآشوب في الطف ولد له وهم : محمد وعبيدالله والفضل أمهما لبابة بنت عبيدالله.

__________________

خاضه والگلب حمّاى

ذبّه او گال أضوگ الماي

او عبدالله الطفل ظامي

او روح السبط ملهوفه

سل سيفه او لگف جوده

او رمحه فصم اعجوده

وفده من بحر جوده

دون ابن النبي او جوده

ابغفله گطعوا ازنوده

او طر هامته ابعاموده

الكندي او جاه ابو السجاد

شافه المگطعه اچفوفه

او عينه انطفت والهامه

ابذاك العمد مخسوفه

يروحي ويا ضوة اعيوني

ناده او صبّن ادموعه

گلت حيلتي او صبري

او عليه اتحنّت اضلوعه

(عاشوري)

تخوصر يم عضيده وصاح اويلي

يشمس انهاري ويا بدر ليلي

يبو فاضل يخويه اگطعت حيلي

او طود الصبر من بعدك تهدّم

(تخميس)

عباس يا حامي الضعينه والحرم

بحماك قد نامت سكينه بالخيم

صرخت ونادت يوم قد سقط العلم

اليوم نامت اعين بك لم تنم

وتسهّدت اُخرى وعزِّ منامها

٢٢٠