موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

أيضاً ، ومعه لا مقتضي للتخصيص بالأحكام المذكورة في نفس هذه الصحيحة ، بل يعمّها وما ثبت من الخارج كحرمة الجماع حسبما عرفت.

وثالثاً : تدلّنا عليه صحيحة أبي ولّاد الحنّاط : عن امرأة كان زوجها غائباً فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها ، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها ، فتهيّأت لزوجها حتّى واقعها «فقال : إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تقضي ثلاثة أيّام ولم تكن اشترطت في اعتكافها فإنّ عليها ما على المظاهر» (١).

فإنّها ظاهرة في أنّ الموجب للكفّارة إنّما هو الوقاع لا مجرّد الخروج من المسجد ، كيف؟! وطبيعة الحال تقتضي أن يكون خروجها لحاجة لا بدّ منها مسوّغة لذلك ، فإن من كان زوجها غائباً وقد قدم من السفر ولا سيّما إذا كان السفر طويلاً كما في الأزمنة السابقة لا مثل هذا الزمان الذي يمكن الخروج أول النهار والرجوع وسطه أو آخره فالحاجة العرفيّة تقتضي لزوم الخروج لملاقاته ، فمثل هذا الخروج غير محرّم ولا يوجب الكفّارة قطعاً.

وعليه ، فإن كانت مشترطة فلها رفع اليد ، وإلّا فهي باقية على اعتكافها ، فلو مكّنت نفسها عندئذٍ من الجماع فقد تحقّق في حال الاعتكاف بطبيعة الحال ، وقد دلّت الصحيحة على حرمته ولزوم الكفّارة كما في الرجل ، غاية الأمر أنّها دلّت على أنّ الكفّارة هي كفّارة الظهار ، وهي محمولة على الاستحباب من هذه الجهة كما مرّ سابقاً.

وبالجملة : فاحتمال أنّ موجب الكفّارة هنا هو الخروج السابق على الوطء خلاف الظاهر جدّاً ، لما عرفت من أنّ مثل هذا الخروج جائز قطعاً ، فلاحظ.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٤٨ / أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ٦.

٤٨١

والأقوى عدم حرمة النظر بشهوة إلى من يجوز النظر إليه (١) ، وإن كان الأحوط اجتنابه أيضاً.

الثاني : الاستمناء على الأحوط (٢) وإن كان على الوجه الحلال كالنظر إلى حليلته الموجب له.

______________________________________________________

(١) وإن نُسبت الحرمة إلى بعض لعدم الدليل عليه ، فإنّا لو سلّمنا شمول المباشرة الواردة في الآية المباركة للّمس والتقبيل ، لكنّه لا يشمل النظر جزماً ، فلا يقال لمن نظر إلى أحد : أنّه باشره ، فيرجع حينئذٍ إلى أصالة البراءة.

(٢) وجه الاحتياط خلوّ نصوص الباب عن التعرّض له ، وإنّما هو منصوص في بابي الإحرام والصيام ، وأمّا في المقام فالنصوص مقصورة على الجماع ، غير أنّه ادّعي الإجماع على الإلحاق.

هذا ، ولكنّا ذكرنا في كتاب الصوم أنّه يمكن استفادة الحكم على سبيل العموم بحيث يشمل المقام من موثّقة سماعة المرويّة بطرق ثلاث كلّها معتبرة ، قال : سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل «قال : عليه إطعام ستّين مسكيناً ، مدّ لكلّ مسكين» (١).

فإنّها كما ترى لم تتقيّد بصوم رمضان ، إذن فليس من البعيد أن يقال : إنّها تدلّ على أنّ في كلّ مورد كان الجماع موجباً للكفّارة فالاستمناء بمنزلته ومنه المقام ، فإنّ من الواضح الضروري أنّه لا يراد بها ثبوت الكفّارة بمجرّد اللزوق مطلقاً حتّى من غير مقتضٍ لها من صومٍ أو إحرام أو اعتكاف ونحوها ، فإنّ ذلك غير مراد قطعاً كما هو ظاهر جدّاً ، فيختصّ موردها بما إذا كان الجماع موجباً للكفّارة ، فيكون الاستمناء بمنزلته فتشمل المقام.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٤٠ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤ ح ٤.

٤٨٢

الثالث : شمّ الطيب مع التلذّذ وكذا الريحان ، وأمّا مع عدم التلذّذ (١) كما إذا كان فاقداً لحاسّة الشمّ مثلاً فلا بأس به.

______________________________________________________

وبعبارة أُخرى : هذه الموثّقة نزّلت الاستمناء منزلة الجماع ، فكما أنّ الجماع يوجب الكفّارة ، فكذلك الاستمناء. وعليه ، فلا مانع من الحكم بالإلحاق.

هذا ، ولا فرق في حرمة الاستمناء على المعتكف بين الاستمناء المحلّل في نفسه كما لو خرج من المسجد لحاجة ضروريّة فأمنى بالنظر إلى حليلته وبين المحرّم كما لو أمنى في المثال بغير ذلك ، أو أمنى في المسجد ولو بذلك ، لحرمة الإجناب فيه من حيث هو ، فالحرمة في المقام تعمّ الصورتين كما نبّه عليه في المتن وإن كانت تتأكّد في الصورة الثانية.

(١) أمّا إذا كان عدم التلذّذ لأجل كونه فاقداً لحاسّة الشمّ فلا ينبغي الإشكال في الجواز ، لأنّ موضوع الحكم في صحيحة أبي عبيدة التي هي مستند الحكم في المسألة هو الشمّ :

فقد روى عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال : «المعتكف لا يشمّ الطيب ، ولا يتلذّذ بالريحان ، ولا يماري ، ولا يشتري ، ولا يبيع» إلخ (١).

ومن لم تكن له شامّة لا يصدق معه عنوان الشمّ ، وهذا واضح.

وأمّا لو كان عدم التلذّذ لأجل أن الشمّ تحقّق بداعٍ آخر من علاجٍ أو اختبارٍ ليشتريه بعد الاعتكاف وغير ذلك من الدواعي غير داعي التلذّذ ، فهل يحرم ذلك أيضاً كما هو مقتضى إطلاق الشمّ الوارد في الصحيحة ، أو يختصّ بما إذا كان بداعي التلذّذ؟

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٥٣ / أبواب الاعتكاف ب ١٠ ح ١.

٤٨٣

الرابع : البيع والشراء (١) ، بل مطلق التجارة مع عدم الضرورة على الأحوط. ولا بأس بالاشتغال بالأُمور الدنيويّة من المباحات حتّى الخياطة والنساجة ونحوهما ، وإن كان الأحوط الترك إلّا مع الاضطرار إليها ، بل لا بأس بالبيع والشراء إذا مسّت الحاجة إليهما للأكل والشرب مع تعذّر التوكيل أو النقل بغير البيع.

______________________________________________________

ادّعى في الجواهر الانصراف إلى صورة الالتذاذ (١). وهو غير بعيد ، لأنّ الظاهر عرفاً من إضافة الشمّ إلى الطيب رعاية الوصف العنواني ، أي شمّ الطيب بما هو طيب المساوق للتمتّع والالتذاذ ، لا شمّ ذات الطيب بداعٍ آخر ، فإنّ اللفظ منصرف عن مثل ذلك عرفاً كما لا يخفى.

ويعضده تقييد الريحان بالتلذّذ في الصحيحة ، سيّما بعد ملاحظة كونه في اللغة اسماً لكلّ نبات طيّب الرائحة.

(١) بلا خلافٍ فيه ولا إشكال في الجملة ، كما دلّت عليه صحيحة أبي عبيدة المتقدّمة.

وهل يختصّ الحكم بذلك ، أو يعمّ مطلق المعاملة والتجارة كالإجارة ونحوها؟

مقتضى الجمود على النصّ هو الأول ، ولكن قيل : إنّ البيع والشراء كناية عن مطلق التجارة. وهذا وإن كان محتملاً في نفسه ، إذ قد يستعمل بهذا المعنى ولا سيّما في اللغة الفارسية فيطلق كلمة «خريد وفروش» على مطلق المعاملة ، إلّا أنّ إثباته مشكل كما لا يخفى.

وعلى تقدير الثبوت فالظاهر اختصاصه بما يكون مثل البيع والشراء في

__________________

(١) الجواهر ١٧ : ٢٠٢.

٤٨٤

الخامس : المماراة أي المجادلة (١) على أمر دنيوي أو ديني بقصد الغلبة وإظهار الفضيلة ، وأمّا بقصد إظهار الحقّ وردّ الخصم من الخطأ فلا بأس به ، بل هو من أفضل الطاعات ، فالمدار على القصد والنيّة ، فلكلّ امرئ ما نوى من خير أو شرّ. والأقوى عدم وجوب اجتناب ما يحرم على المحرم من الصيد وإزالة الشعر ولبس المخيط ونحو ذلك وإن كان أحوط (*) (٢).

______________________________________________________

الاشتمال على نوع من المبادلة في العين أو العمل أو المنفعة كالمصالحة والمزارعة والإجارة ونحوها ، لا مطلق التمليك والتملّك ليعمّ مثل قبول الهديّة ، فإنّ الالتزام بحرمة مثل ذلك مشكل جدّاً.

وعلى الجملة : فالتعدّي إلى مطلق التجارة بعيد ، وإلى التملّك الشبيه بالبيع والشراء غير بعيد إلّا أنّ إثباته مشكل. فمقتضى الجمود على ظاهر النصّ الاقتصار على البيع والشراء ، فإن قام إجماع على التعدّي فهو ، وإلّا فلا يبعد عدم الحرمة.

(١) من غير خلاف فيه ، وتشهد له صحيحة أبي عبيدة المتقدّمة.

وهي كما نبّه في المتن الجدال لغاية فاسدة من إظهار الفضيلة ونحوها ، دون ما كان لغرض صحيح من إحقاق حقّ أو إبطال باطل ، فإنّه عبادة راجحة ، والفارق القصد وإن اتّحدت صورة العمل.

(٢) لا ريب أنّ ما يبطل الصوم يبطل الاعتكاف ، لتقوّمه به. وأمّا غيره من بقيّة الأفعال فلا مانع وإن كان ممّا يحرم على المحرم كإزالة الشعر ولبس المخيط ونحوهما.

نعم ، عن الشيخ في المبسوط أنّه روى : أنّه يجتنب ما يجتنبه المحرم (١) ، ولكن

__________________

(*) الظاهر أنّ جواز لبس المخيط ونحوه ممّا لا إشكال فيه.

(١) المبسوط ١ : ٢٩٣.

٤٨٥

[٢٦٠٣] مسألة ١ : لا فرق في حرمة المذكورات على المعتكف بين الليل والنهار (١). نعم ، المحرّمات من حيث الصوم كالأكل والشرب والارتماس ونحوها مختصّة بالنهار.

______________________________________________________

الرواية لم تثبت ، بل نقطع بالجواز في بعضها كلبس المخيط ونحوه ، فإنّ كيفيّة اعتكاف النبيّ (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) منقولة لدينا ، ولم يُذكر في شي‌ء منهما ترك المخيط أو لبس ثوبي الإحرام ، مع التعرّض للخصوصيّات التي منها : أنّه (صلّى الله عليه وآله) كان يطوي فراشه بأيّ معنى كان فلو كان تاركاً للمخيط أو لابساً لثوبي الإحرام لكان مرويّاً لدينا ، بل بنحو التواتر كما لا يخفى ، فلا ينبغي الإشكال في جواز ذلك ، وكذا غيره من سائر تروك الإحرام.

وأمّا الاشتغال بالمباحات فلا ينبغي الشكّ في جوازه أيضاً ، سواء أقلنا بأنّ الاعتكاف بنفسه عبادة كما قرّبناه أم أنّه مقدّمة للعبادة كما ذكره بعضهم.

أمّا على الأوّل فواضح ، إذ لا موجب للاشتغال بعبادة أُخرى زائدة على الفرائض اليوميّة ، فله صرف بقيّة وقته في المباحات.

وأمّا على الثاني فكذلك ، إذ ليس المراد أن يعتكف ليعبد الله تعالى في تمام الأيّام الثلاثة ، ولعلّ ذلك غير ميسور لغالب الناس ، بل ليعبده في الجملة.

وعلى كلّ حال ، فما كان مباحاً لغير المعتكف مباح له أيضاً كما هو ظاهر.

(١) لإطلاق الدليل ، بخلاف الحرمة الناشئة من ناحية الصوم ، فإنّها مختصّة بوقت الصوم ، وهو النهار كما هو ظاهر.

٤٨٦

[٢٦٠٤] مسألة ٢ : يجوز للمعتكف الخوض في المباح (١) ، والنظر في معاشه مع الحاجة وعدمها.

[٢٦٠٥] مسألة ٣ : كلّ ما يفسد الصوم يفسد الاعتكاف (٢) إذا وقع في النهار من حيث اشتراط الصوم فيه ، فبطلانه يوجب بطلانه ، وكذا يفسده الجماع سواء كان في الليل أو النهار ، وكذا اللمس والتقبيل بشهوة (*) ، بل الأحوط بطلانه بسائر ما ذكر من المحرّمات من البيع والشراء وشمّ الطيب وغيرها ممّا ذكر ، بل لا يخلو عن قوّة وإن كان لا يخلو عن إشكال أيضاً. وعلى هذا فلو أتمّه واستأنفه أو قضاه بعد ذلك إذا صدر منه أحد المذكورات في الاعتكاف الواجب كان أحسن وأولى (**).

______________________________________________________

(١) كما تقدّم آنفاً.

(٢) هل الحرمة الثابتة للمذكورات من الجماع والبيع والشراء والجدال ونحوها تكليفيّة ووضعيّة ، أو أنّها تكليفيّة فقط من غير أن تستوجب البطلان ، أو أنّها وضعيّة فقط دون أن تكون محرّمة تكليفاً ، كما لو خرج من المسجد بغير حاجة فإنّه يبطل اعتكافه ولكنّه لم يرتكب محرّماً إذا كان في اليومين الأولين. نعم ، في اليوم الثالث يحرم لحرمة الإبطال كما مرّ. فهل حكم تلك المذكورات حكم الخروج ، أو أنّها محرّمة تكليفاً لا وضعاً ، حتّى أنّه لو جامع في اليومين الأولين ارتكب محرّماً وصحّ اعتكافه وكذا غيره من سائر المذكورات؟

أمّا بالنسبة إلى الجماع فالظاهر أنّه لا شكّ في حرمته التكليفيّة والوضعيّة

__________________

(*) مرّ آنفاً الإشكال في حرمتهما.

(**) بل الأحوط ذلك ، وإن كان البطلان هو الأظهر.

٤٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

معاً من غير فرق بين اليومين الأولين والأخير.

والوجه فيه : أنّ استفادة كلا الحكمين وإن لم يمكن من نهي واحد نحو قوله (عليه السلام) : «المعتكف لا يأتي أهله» ، إذ هو في أحدهما إرشادي ، وفي الآخر مولوي ، والإرشاد يرجع في الحقيقة إلى الإخبار وإن كان بصورة الإنشاء ، فمرجع قولنا : المصلّى لا يتكلّم أو يستقبل ، إلى أنّ التكلّم مانع أو القِبلة شرط. ولا يمكن الجمع بين الإخبار والإنشاء في كلام واحد ، فلا يدلّ على التكليف والوضع معاً ، بل لا بدّ من الحمل على أحدهما.

إلّا أنّه يستفاد ذلك ممّا دلّ على أنّ المجامع أهله معتكفاً بمنزلة من أفطر في شهر رمضان ، فإنّ عموم التنزيل يقتضي ثبوت كلا الحكمين ، فكما أنّ الإفطار في شهر رمضان محرّم ومبطل ، بل وموجب للكفّارة ، فكذا في الاعتكاف ، فإنّ التنزيل لا يختصّ بالكفّارة وإن ذكرت في الرواية ، بل مفاده عموم الأحكام.

والظاهر أنّه لم يقع فيه أيّ خلاف من أحد ، وأنّ الجماع حرام ومبطل من غير فرق بين اليومين الأولين أو الأخير في الليل أو في النهار ، داخل المسجد أو خارجه.

وأمّا غير الجماع من اللمس والتقبيل بشهوة فقد تقدّم عدم حرمته فضلاً عن كونه مبطلاً (١) ، وعرفت أنّ الآية المباركة ظاهرة في المباشرة بمعنى الجماع ، وكذا الروايات.

وأمّا غير ذلك من سائر الأُمور من البيع والشراء وشمّ الطيب والجدال ونحوها فالحكم فيه يبتني على ما ذكرناه في الأُصول (٢) وتقدّم في مطاوي هذا

__________________

(١) في ص ٤٧٨ ٤٧٩.

(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ٨٦ وما يليها.

٤٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الشرح من أنّ النهي بحسب طبعه الأولي وإن كان ظاهراً في التحريم التكليفي المولوي ، أي اعتبار كون المكلّف بعيداً عن الفعل في عالم التشريع ، ولأجله يعبّر عنه بالزجر ، فكأنّ الناهي يرى المنهي محروماً عن العمل وأنّه لا سبيل له إليه والطريق مسدود.

إلّا أنّ هذا الظهور الأولي قد انقلب في باب المركّبات من العبادات والمعاملات العقود منها والإيقاعات إلى الإرشاد إلى الفساد واعتبار عدمه في ذلك العمل ، فلا يستفيد العرف من مثل قوله (عليه السلام) : «نهى النبي (صلّى الله عليه وآله) عن بيع الغرر» (١) أنّه محرّم إلهي كشرب الخمر ، بل معناه : أنّ الشارع الذي أمضى سائر البيوع لم يمض هذا الفرد ، وأنّه يعتبر في الصحّة أن لا يكون غرريّاً. فلا تستفاد الحرمة التكليفيّة بوجه إلّا إذا دلّ عليه دليل من الخارج ، كما في الربا بقرينة قوله تعالى (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ) (٢) ، وإلّا فنفس النهي لا يدلّ عليها بوجه.

وكذلك الحال في باب العبادات ، فإنّه لا يستفاد من النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه إلّا البطلان ، وتقيّد الصلاة بعدم ذلك.

وهذا الكلام بعينه يجري في باب الأوامر أيضاً ، فإنّ الأمر بالصلاة إلى القبلة ظاهر في الشرطيّة لا الوجوب التكليفي ، كما أنّ الأمر بالإشهاد في الطلاق في قوله تعالى (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٣) ظاهر في ذلك ، وأنّ الطلاق بلا شاهد باطل لا أنّه حرام ، وهكذا غيرها ، فقد انقلب الظهور من المولوي إلى الإرشادي ومن التكليفي إلى الوضعي ، وهذا يجري في جملة أُخرى من الموارد

__________________

(١) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ٢ : ٤٥ / ١٦٨.

(٢) البقرة ٢ : ٢٧٩.

(٣) الطلاق ٦٥ : ٢.

٤٨٩

[٢٦٠٦] مسألة ٤ : إذا صدر منه أحد المحرّمات المذكورة سهواً فالظاهر عدم بطلان اعتكافه (*) إلّا الجماع (١) ، فإنّه لو جامع سهواً أيضاً فالأحوط في الواجب الاستئناف أو القضاء مع إتمام ما هو مشتغل به وفي المستحبّ الإتمام.

______________________________________________________

كالأمر بالغسل في مثل قوله : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» (١) ، فإنّه إرشاد إلى النجاسة لا الوجوب التكليفي.

وعلى الجملة : لا تستفاد الحرمة التكليفيّة من النواهي الواردة في هذه الأبواب بتاتاً ، بل هي ظاهرة في الوضعي فقط.

وعليه ، فالنهي عن البيع أو الجدال ونحوهما في الاعتكاف ظاهر في البطلان فقط لا الحرمة التكليفيّة.

نعم ، هي محرّمة أيضاً في اليوم الثالث عن أجل الدليل الخارجي الدالّ على حرمة الإبطال حينئذٍ كما تقدّم.

(١) لا يخفى عدم وضوح الفرق بين الجماع وغيره في البطلان وعدمه ، فإنّ قسماً من الأخبار الواردة في الجماع ناظر إلى إثبات الكفّارة مثل قوله (عليه السلام) : «من جامع أهله وهو معتكف فعليه الكفّارة» (٢) ، ولا ينبغي الشكّ في اختصاصها بالعامد ، ضرورة ارتفاعها عن الناسي بمقتضى حديث الرفع ، إذ

__________________

(*) فيه إشكال والاحتياط لا يترك.

(١) الوسائل ٣ : ٤٠٥ / أبواب النجاسات ب ٨ ح ٢.

(٢) انظر الوسائل ١٠ : ٥٤٧ / أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ٣ ، المستدرك ٧ : ٥٦٤ / كتاب الاعتكاف ب ٦ ح ١.

٤٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

معناه رفع الآثار المترتّبة على العمل مع قطع النظر عن النسيان التي منها الكفّارة.

والقسم الآخر منها دلّ على عدم إتيان المعتكف أهله ، وهو نظير ما ورد في البيع والشراء من أنّ المعتكف لا يبيع ولا يشتري ، كما في صحيحة أبي عبيدة وغيرها.

فإن ادّعي الانصراف في تلك النصوص إلى العامد ففي الجماع أيضاً كذلك ، وإلّا فالجميع على نسق واحد ، فالتفصيل بينهما بلا وجه ، اللهمّ إلّا أنّ يدّعى قيام الإجماع في الجماع ، ولكنه غير متحقّق ، فالأظهر أنّ الحكم في الجميع واحد.

ثمّ إنّك عرفت انعقاد الظهور الثانوي للنهي في باب المركّبات في الإرشاد إلى الفساد ، فهل يختصّ ذلك بصدور الفعل عن عمد ، أو يعمّ السهو أيضاً؟

ادّعى في الجواهر الانصراف إلى صورة العمد (١). ولكنّه غير ظاهر ، إذ لا مسرّح لمثل هذه الدعوى في الأحكام الوضعيّة التي هي بمثابة الجمل الخبريّة المتضمّنة للإرشاد إلى المانعيّة ونحوها ، فمرجع قوله (عليه السلام) : «المعتكف لا يشمّ الطيب» إلى أنّ عدم الشمّ قد اعتُبر في الاعتكاف غير المختصّ بحالٍ دون حال ، وإنّما تتّجه تلك الدعوى في الأحكام التكليفيّة ليس إلّا كما لا يخفى.

ولو لا التمسّك بذيل حديث : «لا تعاد» لما أمكننا الحكم بصحّة الصلاة الفاقدة لما عدا الأركان نسياناً ، فإنّ حديث رفع النسيان إنّما يتكفّل لرفع المؤاخذة والحرمة التكليفيّة وما يترتّب عليها من الكفّارة ونحوها ، ولا تعرّض له لصحّة العمل بوجه ، ولا بدّ في إثبات صحّة الباقي من قيام دليل خارجي ، وقد ثبت في باب الصلاة ولم يثبت في مثل المقام.

__________________

(١) لاحظ الجواهر ١٧ : ٢٠١.

٤٩١

[٢٦٠٧] مسألة ٥ : إذا فسد الاعتكاف بأحد المفسدات : فإن كان واجباً معيّناً وجب قضاؤه (*) (١) ، وإن كان واجباً غير معيّن وجب استئنافه ، إلّا إذا كان مشروطاً فيه أو في نذره الرجوع فإنّه لا يجب قضاؤه أو استئنافه.

______________________________________________________

ولو دلّ الحديث على الصحّة لدلّ عليها في مورد الإكراه والاضطرار أيضاً ولم تختصّ بالنسيان. وهو كما ترى ، لضرورة فساد الاعتكاف بالجماع وإن كان عن إكراه أو اضطرار.

وتوهّم أنّ الحديث يرفع القضاء قد مرّ الجواب عنه بأنّه ليس من آثار الإتيان بهذا الفعل ليرتفع ، بل من آثار ترك المأمور به ، ولذلك لم يقل أحد في باب الصلاة بأنّه إذا كان مضطرّاً إلى التكلّم لم تبطل صلاته.

والمتحصّل ممّا ذكرناه : أنّه لا فرق بين الجماع وغيره والكلّ بلسان واحد ، فإن كان المستفاد المانعيّة ففي كلا الموردين ، وإن كان الحكم التكليفي ففي كلا الموردين أيضاً ، وعلى ما استظهرناه من أنّه إرشادٌ إلى المانعيّة فلا وجه لتقييده بالعمد ، بل يعمّ غيره أيضاً ، ويلحق بالسّهو الإكراه والاضطرار.

(١) إذ بالإفساد يفوت الواجب المعيّن ، فيشمله عموم وجوب قضاء الفوائت بناءً على ثبوت هذا العموم وقد تقدّم منعه كما أنّ غير المعيّن الفاسد لم يقع مصداقاً للامتثال ، فلا جرم وجب استئنافه بعد عدم انطباق الطبيعي المأمور به عليه.

هذا فيما إذا لم يشترط الرجوع ، وإلّا لم يجب عليه القضاء ولا الاستئناف كما هو ظاهر.

__________________

(*) على الأحوط فيه وفيما إذا كان مندوباً وكان الإفساد بعد اليومين.

٤٩٢

وكذا يجب قضاؤه إذا كان مندوباً وكان الإفساد بعد اليومين ، وأمّا إذا كان قبلهما فلا شي‌ء عليه ، بل في مشروعيّة قضائه حينئذٍ إشكال (١).

[٢٦٠٨] مسألة ٦ : لا يجب الفور في القضاء (٢) وإن كان أحوط.

______________________________________________________

(١) كما هو الحال في عامّة النوافل غير المؤقّتة كالصلاة والصيام ومنها الاعتكاف ، إذ بعد كون الأوامر في مواردها انحلاليّة ، فكلّ وقت يصلح لوقوع العمل فيه فهو أداء للأمر المتوجّه في هذا الوقت ، لا أنّه قضاء لما سبق ، فلا يكاد يفهم معنى صحيح للقضاء في أمثال هذه الموارد ، إلّا إذا فرض أن للمستحبّ خصوصيّة زمانيّة كنوافل الليل فإنّها تقضى من أجل تلك الخصوصيّة.

وعليه يحمل ما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : كانت بدر في شهر رمضان ، ولم يعتكف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فلمّا أن كان من قابل اعتكف عشرين : عشراً لعامه ، وعشراً قضاءً لما فاته» (١) ، حيث كان القضاء لإدراك الاعتكاف من شهر رمضان.

(٢) لعدم الدليل عليه ، كما أنّ الأمر بنفسه لا يدلّ على الفور ، ومقتضى الأصل العدم.

نعم ، لا بدّ وأن لا يكون التأخير بمثابةٍ يعدّ توانياً وتهاوناً بحيث يؤدّي إلى ترك الواجب فيعاقب عليه حينئذٍ ، وإلّا فالفوريّة بنفسها لم يقم عليها أيّ دليل فضلاً عن الوجوب فوراً ففوراً.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٣٣ / أبواب الاعتكاف ب ١ ح ٢.

٤٩٣

[٢٦٠٩] مسألة ٧ : إذا مات في أثناء الاعتكاف الواجب بنذرٍ أو نحوه لم يجب على وليّه القضاء وإن كان أحوط. نعم ، لو كان المنذور الصوم معتكفاً وجب على الولي قضاؤه (*) ، لأنّ الواجب حينئذٍ عليه هو الصوم ويكون الاعتكاف واجباً من باب المقدّمة ، بخلاف ما لو نذر الاعتكاف فإنّ الصوم ليس واجباً فيه وإنّما هو شرط في صحّته ، والمفروض أنّ الواجب على الولي قضاء الصلاة والصوم عن الميّت لا جميع ما فاته من العبادات (١).

______________________________________________________

(١) تقدّم حكم قضاء المكلّف عن نفسه ، فتعرّض هنا لحكم قضاء الولي عن الميّت فيما لو مات أثناء الاعتكاف ، فذكر (قدس سره) أنّه لا يجب ، لعدم نهوض الدليل إلّا على وجوب ما فات عن الميّت من خصوص الصلاة والصيام لا جميع ما فاته من العبادات ، والاعتكاف وإن تضمّن الصوم إلّا أنّ حقيقته مجرّد الكون في المسجد الذي هو أجنبي عن الصوم وإن كان مشروطاً به ، فهو واجب بالتبع ، ولا دليل إلّا على قضاء الصوم الفائت الواجب بالأصالة.

نعم ، لو كان الواجب بالذات هو الصوم نفسه ولو لأجل أنّه نذر أن يصوم معتكفاً وجب القضاء على الولي ، لكون الأمر حينئذٍ بالعكس ، إذ يكون الواجب هو الصوم والاعتكاف مقدّمة له ، فهو الشرط لا أنّه المشروط.

أمّا لو كان الواجب عبادة أُخرى والصوم مقدّمة له كما لو نذر أن يقرأ القرآن صائماً فمات لم يجب قضاؤها على الولي وإن كان مقيّداً بالصيام ، فما لم يكن الصوم واجباً في نفسه لم يجب قضاؤه على الولي.

__________________

(*) فيه أنّ الواجب عليه قضاء الصوم فقط دون الاعتكاف وإن كان قضاؤه أيضاً أحوط ، وقد تقدّم نظير ذلك في الصوم المنذور فيه التتابع وقد احتاط الماتن في قضائه هناك ، وينبغي له أن يحتاط في المقام أيضاً.

٤٩٤

[٢٦١٠] مسألة ٨ : إذا باع أو اشترى في حال الاعتكاف لم يبطل بيعه وشراؤه وإن قلنا ببطلان اعتكافه (١).

______________________________________________________

أقول : قد يفرض الكلام في الواجب المعيّن كما لا يبعد أن يكون هذا هو محلّ كلامه لاتّصاله بالمسألة السابقة المحكوم فيها بالقضاء في المعيّن ، واخرى يفرض في غير المعيّن. وهذا على نحوين : إذ قد يفرض شروعه في الاعتكاف أوّل أزمنة التمكّن ، وأُخرى آخره لفرض سعة الوقت ، ثمّ اعتكف فصادف موته ، فالصور ثلاث.

لا ينبغي الشكّ في عدم وجوب القضاء في الصورتين الأُوليين ، لكشف الموت الطارئ عن عدم الوجوب من أوّل الأمر ، لعدم انعقاد النذر بعد عدم التمكّن من الوفاء في ظرفه وإن لم يكن يعلم به ، فلم يفت عن الميّت شي‌ء ليجب على الولي قضاؤه حتّى لو قلنا بوجوبه عن كلّ عبادة فائتة ، لاعتبار القدرة في متعلّق النذر ، والمفروض هو العجز.

نعم ، في الصورة الأخيرة يجري ما ذكره (قدس سره) من عدم الوجوب ، لعدم الدليل على القضاء عن كلّ ما فات عن الميّت.

إذن لا بدّ من التفصيل وأنّه في القسمين الأوّلين لا يجب القضاء قطعاً ، وفي الأخير يبتني على تعميم حكم القضاء لكلّ فائتة أو اختصاصه بالصلاة والصيام.

فتحصّل : أنّ الأظهر عدم وجوب القضاء مطلقاً ، ولكن في الأوّلين لا موضوع للقضاء ، لعدم الفوت بتاتاً ، وفي الأخير لا دليل عليه.

(١) لأنّ تحريم المعاملة لا يدلّ على فسادها ، إذ لا تنافي بين الحرمة وبين النفوذ الوضعي ، كما لا تنافي بين ارتكاب الإثم وبين حصول الطهارة فيما لو غسل المتنجّس بالماء المغصوب ، فالبيع نافذ بمقتضى إطلاق الأدلّة ، والنهي لا يدلّ

٤٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

على الفساد كما هو موضح في الأُصول.

بل قد يتوهّم دلالته على الصحّة كما عن أبي حنيفة (١) ، ووافقه في الكفاية (٢) ، نظراً إلى اعتبار القدرة في متعلّق التكليف ، فلو لم تقع المعاملة صحيحة فكيف يتعلّق النهي بها ، فالنهي يدلّ على الصحّة لا أنّه دليل الفساد.

ولكنّه مدفوع بما أوضحناه في محلّه ، ومحصّله : أنّ الاعتبار الشرعي الذي يتسبّب إليه المكلّف كاعتبار الملكيّة ونحوها فعل من أفعال المولى ، وخارج عن قدرة المتعاملين ، فهو غير قابل لتعلّق النهي به حتّى يقال : إنّه يدلّ على الصحة أو لا.

بل الذي يمكن تعلّق النهي به أحد أمرين : إمّا الاعتبار النفسي القائم بشخصي المتبايعين ، أو إبرازه بمبرزٍ ما من لفظٍ أو غيره ، حيث إنّ البيع يتقوّم بهذين الجزأين ، فلا يكفي الاعتبار المحض ، كما لا يكفي مجرّد اللفظ ، بل هو اسم للمجموع المركّب من الكاشف والمنكشَف.

وهذا قد يكون ممضى عند الشارع أو العقلاء بحيث تترتّب عليه الملكيّة الشرعيّة أو العقلائيّة ، وقد لا يكون ، وهو أي الإمضاء أمر آخر يعدّ من فعل الشارع أو العقلاء وخارج عن فعل المكلّف ، فلا يمكن تعلّق الأمر به أو النهي ، وإنّما يتعلّقان بفعله الذي هو منحصر في الاعتبار النفسي أو إبرازه حسبما عرفت.

ومن البديهي أنّ النهي المتعلّق بمثل ذلك أعمّ من الصحّة والفساد ، لعدم دلالته بوجه على أنّه ممضى عند الشارع أو العقلاء أو ليس بممضى ، فكما لا يدلّ على الفساد لا يدلّ على الصحّة أيضاً.

__________________

(١) روضة الناظر ٢ : ٦٥٣.

(٢) كفاية الأُصول : ١٨٧ ١٨٩.

٤٩٦

[٢٦١١] مسألة ٩ : إذا أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع ولو ليلاً وجبت الكفّارة (١) ،

______________________________________________________

(١) بلا خلاف ولا إشكال كما نطقت به الأخبار ، مصرّحاً في بعضها بعدم الفرق بين الليل والنهار ، إذ هي من أحكام الاعتكاف دون الصيام.

وقد روى الصدوق مرسلاً : أنّه إن جامع بالليل فعليه كفّارة واحدة ، وإن جامع بالنهار فعليه كفّارتان (١).

وبإسناده عن محمّد بن سنان ، عن عبد الأعلى بن أعين ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل وطئ امرأته وهو معتكف ليلاً في شهر رمضان «قال : عليه الكفّارة» قال : قلت : فإن وطئها نهاراً؟ «قال : عليه كفّارتان» (٢).

والأخيرة وإن كانت ضعيفة السند بمحمّد بن سنان كالأولى بالإرسال ، لكنهما تؤيّدان الإطلاقات المتضمّنة لوجوب الكفّارة من صحيحة زرارة وموثّقة سماعة وغيرهما (٣).

كما أنّ التقييد برمضان في الأخيرة ليس إلّا من أجل أنّه مورد الرواية ، ولا يدلّ على المفهوم ، لعدم احتمال الاختصاص بالضرورة.

وكيفما كان ، فالإطلاقات تدلّنا على وجوب الكفّارة من غير فرق بين الليل والنهار ، كما أنّها تتكرّر في نهار رمضان بعنوانين ، وأمّا في غيره فكفّارة واحدة

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٤٧ / أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ٣ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ذيل الحديث ٥٣٢.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥٤٧ / أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ٤ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٣٣.

(٣) الوسائل ١٠ : ٥٤٦ و٥٤٧ / أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ١ ، ٢.

٤٩٧

وفي وجوبها في سائر المحرّمات إشكال ، والأقوى عدمه (١)

______________________________________________________

وإن كان مقتضى الإطلاق في مرسلة الصدوق هو التكرّر في النهار مطلقاً ، فإن حملت على نهار رمضان كما لا يبعد بقرينة ورود جملة من الروايات في شهر رمضان ، وإلّا فلا قائل بذلك منّا ولا من غيرنا ، وهي رواية مرسلة.

(١) لاختصاص النصوص بالجماع ، ولم يحرز لدينا المناط ليلتزم بالإلحاق ، فالتعدّي لا يخرج عن كونه قياساً باطلاً كما لا يخفى.

نعم ، قد يقال بالتعدّي ، تمسّكاً بصحيحة أبي ولّاد ، بدعوى أنّ الظاهر منها أنّ الكفّارة إنّما هي من جهة الخروج عن المسجد عامداً السابق على الوطء لا من جهته ، لبطلان الاعتكاف بالمكث في خارج المسجد بغير ضرورة ، فالجماع وقع في غير حال الاعتكاف طبعاً.

ويندفع أوّلاً : بأنّ الصحيحة كالصريحة في أنّ الكفّارة إنّما هي من جهة الجماع الواقع حال الاعتكاف دون الخروج ، بناءً على ما عرفت من قضاء العادة بكون الخروج المزبور مورداً للضرورة العرفيّة المسوّغة لارتكابه ، ولا كفّارة في مثله قطعاً.

وثانياً : مع التنازل وتسليم أنّ الخروج المزبور كان زائداً على المقدار المتعارف وقد بطل به الاعتكاف ، فغايته أنّ الجماع المسبوق بمثل هذا الخروج وإن شئت فقل : الخروج المتعقّب بالجماع موجب للكفّارة ، لا أنّ كلّ ما يفسد به الاعتكاف يستوجبها ليبنى على ثبوتها على سبيل الإطلاق.

٤٩٨

وإن كان الأحوط ثبوتها ، بل الأحوط ذلك حتّى في المندوب فيه قبل تمام اليومين (١).

______________________________________________________

(١) هل الكفّارة تختصّ بالاعتكاف الواجب ، أو أنّها تعمّ اليومين الأوّلين من المندوب؟

فيه وجهان ، بل قولان : احتاط الماتن في التعميم ، نظراً إلى إطلاق نصوص الكفّارة بعد وضوح عدم منافاتها للندب.

ومال في الجواهر إلى العدم (١) ، مستظهراً ذلك من صحيحة أبي ولّاد المتقدّمة : عن امرأة كان زوجها غائباً فقدم وهي معتكفة (٢).

حيث إنّ تعليق وجوب الكفّارة فيها على عدم الاشتراط يكشف عن اختصاص الكفّارة بمورد تعيّن الاعتكاف وعدم تزلزله ، فلا تعمّ المندوب المحكوم بجواز الإبطال ورفع اليد.

أقول : لا موجب لما ذكره (قدس سره) ، فإنّ الذي تدلّ عليه الصحيحة أن إبطال الاعتكاف بالجماع لا يوجب الكفّارة إذا كان مع الاشتراط ، فيكون ذلك تخصيصاً لما دلّ على ترتّب الكفّارة على جماع المعتكف من دون فرق بين اليومين الأوّلين واليوم الثالث ، فإنّ جواز رفع اليد عن الاعتكاف في اليومين الأوّلين لا ينافي ترتّب الكفّارة على الجماع فيهما قبل رفع اليد عنه ووقوع الجماع حال الاعتكاف.

فالنتيجة : أنّ إبطال الاعتكاف بالجماع موجب للكفّارة مطلقاً إذا لم يكن

__________________

(١) الجواهر ١٧ : ٢٠٧ ٢٠٩.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥٤٨ / أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ٦.

٤٩٩

وكفّارته ككفّارة شهر رمضان على الأقوى (١) وإن كان الأحوط كونها مرتّبة ككفّارة الظهار.

[٢٦١٢] مسألة ١٠ : إذا كان الاعتكاف واجباً وكان في شهر رمضان وأفسده بالجماع في النهار (٢) فعليه كفّارتان : إحداهما للاعتكاف ، والثانية للإفطار في نهار رمضان.

وكذا إذا كان في صوم قضاء شهر رمضان وأفطر بالجماع بعد الزوال ، فإنّه يجب عليه كفّارة الاعتكاف وكفّارة قضاء شهر رمضان.

______________________________________________________

اشتراط ، ومع الاشتراط لا كفّارة كذلك.

(١) كما تقدّم في فصل صوم الكفّارة (١).

(٢) إذا جامع المعتكف في غير شهر رمضان في الليل أو النهار وجبت عليه كفّارة واحدة. وما في مرسلة الصدوق من الكفّارتين لو واقع في النهار محمولٌ على شهر رمضان كما تقدّم ، وإلّا فهي مضافاً إلى ضعف السند لم يقل بمضمونها أحد من الأصحاب.

وإذا جامع في نهار شهر رمضان وجبت كفّارتان : إحداهما عن الاعتكاف ، والأُخرى كفّارة الإفطار في شهر رمضان ، فيعمل بموجب كلّ من السببين بعد وضوح أنّ مقتضى الأصل هو عدم التداخل.

ولو أكره زوجته الصائمة وجبت كفّارة ثالثة ، وهي كفّارة الإكراه ، فيتحمّل عنها كفّارتها.

__________________

(١) في ص ٢٤١.

٥٠٠