موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

ويؤيّده ما دلّ من الأخبار على جواز حجّ الرجعيّة مع الإذن حتّى الحجّ الاستحبابي ، فالخروج مطلقاً مع الإذن منصوص وكذلك الخروج لخصوص الحجّ ، وحال الاعتكاف حال الحجّ في أنّه مع رضاء الزوج لا ينبغي أن يستشكل في جوازه ، لإطلاق الأخبار وعدم المعارض كما عرفت.

إنّما الكلام في صورة واحدة ، وهي ما لو كان الاعتكاف واجباً معيّناً كما في اليوم الثالث ، أو كان واجباً بسبب آخر كالإجارة ونحوها وقد منع عنه الزوج ، فإنّه يجب الرجوع إلى البيت للاعتداد بمقتضى تلك الأخبار ، كما أنّه يجب البقاء في المسجد للاعتكاف بمقتضى إطلاق دليله ، فيقع الإشكال في تقديم أحد الدليلين بعد وضوح امتناع الجمع بين الأمرين.

والسيِّد الماتن (قدس سره) أدرج المقام في الواجبين المتزاحمين من غير أهمّيّة معلومة في البين ومن ثمّ حكم بالتخيير.

وهذا منه (قدس سره) مبني على ما يظهر من غير واحد بل لعلّه المشهور من أنّ الاعتداد في البيت وعدم الخروج بغير الإذن من أحكام العدّة.

وأمّا لو أنكرنا ذلك وبنينا على أنّ هذا من أحكام الزوجيّة لا من أحكام العدّة ، نظراً إلى أنّ المعتدّة رجعيّة زوجة حقيقةً لا أنّها بحكمها وأنّ حال هذا الطلاق حال البيع في الصرف والسلم ، فكما أنّ الإنشاء من الآن ولكن إمضاء الشارع منوط بالقبض وبه يتمّ البيع ، فكذلك الطلاق ينشأ من الآن ولكن الفراق والبينونة لا تحصل إلّا بعد انقضاء العدّة ، وقبله ليس إلّا مجرّد إنشاء محض مع بقاء جميع آثار الزوجيّة من جواز النظر والكشف والتزيين والتمكين ، حتى أنّ الزوج لو قاربها معتقداً أنّ هذا زنا محرّم لم يقع زنا ، بل يتحقّق به الرجوع ، كما استفدنا ذلك من الرواية المعتبرة الناطقة بأنّه : «إذا انقضت العدّة

٤٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

فقد بانت» (١) ، فحرمة الخروج من البيت بغير الإذن الثابتة للزوجة ثابتة للمعتدّة أيضاً بمناطٍ واحد ، وهو وجوب إطاعة الزوج من غير أن يثبت للمعتدّة بما هي كذلك حكم خاصّ.

فعلى هذا المبنى وهو الصواب لا مزاحمة في البين لينتهي الأمر إلى التخيير ، إذ ليس للزوج المنع عن الاعتكاف الواجب ، ولا عن غيره من سائر الواجبات ، لما ثبت من أنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وفي بعض الأخبار : أنّ المعتدّة تخرج للحجّ ولشهادة الحقّ من غير توقّف على الإذن.

وعليه ، فالمتعيّن في المقام هو الإتمام ثمّ الخروج.

نعم ، على المبنى الآخر الذي عليه الأكثر كما مرّ من أنّ الحكم المزبور من أحكام العدّة تعبّداً صرفاً من غير أن يكون بمناط إطاعة الزوج ، لإنكار الزوجيّة الحقيقيّة عن المطلّقة الرجعيّة ، وإنّما هي بحكمها في بعض الآثار ، فتستقرّ المزاحمة حينئذٍ ، ومعه لا مناص من التخيير كما أُفيد.

وملخّص الكلام : أنّا تارةً نلتزم بأنّ الاعتداد حكم خاصّ شرعي ثابت لذات العدّة تعبّداً من غير أن تكون الرجعيّة زوجة حقيقةً ، وأُخرى نبني على إنكار التعبّد الخاصّ وأنّ ذلك من أجل أنّها حقيقةً مصداقٌ للزوجة لا أنّها بحكمها كما هو المعروف ، وأنّ إنشاء الطلاق ما لم تنقض العدّة لا أثر له ولا بينونة قبله. ولأجله لم يكن معنى الرجوع إرجاع الزوجيّة بعد زوالها كما هو كذلك في مثل الفسخ ، بل هو رجوع عمّا أنشأ وإبطال لما أنشأه ، وإلّا فالزوجيّة بنفسها باقية حقيقةً وليست بزائلة لتحتاج إلى الإرجاع.

فعلى الأوّل : تقع المزاحمة بين الحكمين بعد عدم نهوض ما يقتضي جواز

__________________

(١) انظر الوسائل ٢٢ : ٢٢٨ / كتاب الطلاق ب ٢٧ ح ٢.

٤٦٢

[٢٥٩٨] مسألة ٣٩ : قد عرفت أنّ الاعتكاف إمّا واجب معيّن (١) أو واجب موسّع وإمّا مندوب ، فالأوّل يجب بمجرّد الشروع بل قبله ولا يجوز الرجوع عنه ، وأمّا الأخيران فالأقوى فيهما جواز الرجوع قبل إكمال اليومين ، وأمّا بعده فيجب اليوم الثالث ، لكن الأحوط فيهما أيضاً وجوب الإتمام بالشروع خصوصاً الأوّل منهما.

______________________________________________________

خروج الرجعيّة عن البيت بغير الإذن إلّا لواجبٍ أهمّ لا لمطلق الواجب ولم تثبت أهمّيّة الاعتكاف ، واحتمال الأهميّة ثابت من الجانبين ولا يمكن صرف القدرة إلّا في أحد الامتثالين ، فلا جرم تنتهي النوبة إلى التخيير بحكومة العقل.

وأمّا على الثاني : فالمتعيّن إتمام الاعتكاف وليس للزوج المنع عنه ، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وهذا هو الصحيح كما عرفت. فما ذكره في المتن مبني على الوجه الأوّل دون الثاني.

(١) الاعتكاف إمّا واجب أو مندوب ، والواجب إمّا موسّع أو مضيّق.

أمّا المضيّق : فيتعيّن من الأوّل.

وأمّا الموسّع والمندوب : فيجوز رفع اليد عنه في اليومين الأوّلين ، ولا يجوز في اليوم الثالث ، ولا مانع من أن يكون العمل مستحبّاً ابتداءً ، وواجباً بقاءً ، كما في الحجّ والعمرة ، لقوله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) (١). بل قيل ولو ضعيفاً ـ : إنّ الصلاة المستحبّة أيضاً كذلك.

والحاصل : أنّه لا مانع من استحباب الابتداء ووجوب الإتمام. وقد تقدّم شطر من الكلام حول هذه المسألة في المسألة الخامسة ، فلاحظ.

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٩٦.

٤٦٣

[٢٥٩٩] مسألة ٤٠ : يجوز له أن يشترط حين النيّة الرجوع متى شاء (١) في اليوم الثالث ، سواء علّق الرجوع على عروض عارض أو لا ، بل يشترط الرجوع متى شاء حتّى بلا سبب عارض.

______________________________________________________

(١) هذا الحكم في الجملة ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف ، وقد دلّت عليه الروايات المتظافرة.

وإنّما الإشكال في مقامين :

أحدهما : هل يختصّ الحكم باليومين الأولين ، أو أنّه يعمّ الثالث أيضاً فله أن يفسخ فيه؟

فيه كلام ، فقد نُسب إلى الشيخ في المبسوط منعه فيه ، نظراً إلى وجوبه حينئذٍ وعدم جواز رفع اليد عنه ، ومثله لا يقع مورداً للشرط (١).

ولكنّه كما ترى ، فإنّ عمدة المستند في وجوب اليوم الثالث إنّما هي صحيحة محمّد بن مسلم (٢) ، وهي في نفسها مقيّدة بعدم الاشتراط ، قال (عليه السلام) : «وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ» إلخ. وأمّا اليومان الأوّلان فله الفسخ بدون الشرط إلّا أن يكون قد اشترط الاستمرار كما أُشير إليه في هذه الصحيحة. ومنه تعرف أنّ فائدة الشرط لا تظهر إلّا في اليوم الثالث.

نعم ، لا يبعد ظهورها فيما لو شرع في الاعتكاف متردّداً في الإتمام ، حيث لا يسوغ له ذلك فيه ولا في غيره من العبادات إلّا بعنوان الرجاء ، كما لا يجوز

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٨٩.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥٤٣ / أبواب الاعتكاف ب ٤ ح ١.

٤٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الائتمام مع التردّد في الإتمام وإن ساغ له الانفراد لو بدا له ، وأمّا في المقام فيجوز مع الشرط حتّى عن نيّة جزميّة.

وكيفما كان ، فما ذكره الشيخ من التخصيص بالأولين والمنع عن الثالث لم يعلم وجهه أبداً.

ثانيهما : هل يختصّ اشتراط الرجوع بصورة وجود العذر ، أو له أن يشترط الرجوع متى شاء حتّى بلا سبب عارض؟

نُسب الأوّل إلى جماعة ، ولكنّه أيضاً لا وجه له.

بل الظاهر جواز الاشتراط مطلقاً ، كما دلّت عليه صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة ، حيث إنّ مفهومها جواز الرجوع مع الشرط ، وهو مطلق من حيث العذر وعدمه.

نعم ، استُدلّ للاختصاص بالعذر بروايتين :

إحداهما : صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث ـ : «قال : وينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم» (١).

ومعلومٌ أنّ المحرم يشترط الإحلال مع العذر وأنّه يتحلّل عند ما حبسه الله.

الثانية : موثّقة عمر بن يزيد وقد تقدّم غير مرّة صحّة طريق الشيخ إلى ابن فضّال عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «قال : واشترط على ربّك في اعتكافك كما تشترط في إحرامك أن يحلّك من اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علّة تنزل بك من أمر الله تعالى» (٢).

وهي أوضح دلالةً من الاولى في الاختصاص بالعذر.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٥٢ / أبواب الاعتكاف ب ٩ ح ١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥٥٣ / أبواب الاعتكاف ب ٩ ح ٢.

٤٦٥

ولا يجوز له اشتراط جواز المنافيات كالجماع ونحوه مع بقاء الاعتكاف على حاله (١).

ويعتبر أن يكون الشرط المذكور حال النيّة (٢) ، فلا اعتبار بالشرط قبلها أو بعد الشروع فيه وإن كان قبل الدخول في اليوم الثالث.

______________________________________________________

ولكن شيئاً منهما لا يستوجب تقييداً في إطلاق صحيحة ابن مسلم المتقدّمة ، إذ هما في مقام الأمر الاستحبابي بهذا الشرط ، وأنّه يستحبّ أن يشترط هكذا كما يقتضيه التعبير بـ «ينبغي» في الاولى والأمر بالشرط في الثانية ، فليكن المستحبّ كذلك. وأمّا الصحيحة فهي في مقام بيان الجواز وعدمه ، وأنّه في اليوم الثالث إن لم يشترط لم يجز الخروج وإلّا جاز ، ولا تنافي بين الحكمين أبداً ، لعدم ورودهما في موضع واحد ، فغايته أن يكون موضوع الحكم الاستحبابي هو العذر ، فلو تركه ترك أمراً مستحبّاً ، وأمّا أصل الجواز الذي تنظر إليه الصحيحة فهو مطلق من حيث العذر وعدمه.

(١) لعدم الدليل على نفوذ مثل هذا الشرط بعد أن كان مقتضى الإطلاقات حرمة المنافيات شرط أو لم يشترط ، والمتيقّن من النفوذ هو اشتراط الفسخ فيرفع اليد عن المطلقات بهذا المقدار كما مرّ ، ويرجع في شرط جواز المنافي إلى أصالة عدم النفوذ.

(٢) كما هو الحال في الاشتراط في باب الإحرام ، فإنّ وقته وقت النيّة على ما نطقت به النصوص ، ومن المعلوم اتّحاد المقامين في كيفيّة الاشتراط كما دلّت عليه الروايات أيضاً.

مضافاً إلى أنّ هذا هو مقتضى مفهوم نفس الشرط ، فإنّه على ما ذكرناه في

٤٦٦

ولو شرط حين النيّة ثمّ بعد ذلك أسقط حكم شرطه فالظاهر عدم سقوطه (١) ، وإن كان الأحوط ترتيب آثار السقوط من الإتمام بعد إكمال اليومين.

______________________________________________________

بحث الشروط من المكاسب بمعنى الارتباط (١) ، ومنه شريط المساحة ، وقد قال في القاموس : إنّه إلزام الشي‌ء والتزامه في البيع ونحوه (٢). ومن هنا ذكرنا في محلّه أنّ الوجه في عدم وجوب الوفاء بالشروط الابتدائيّة ليس مجرّد الإجماع وإن كان محقّقاً ، بل هو عدم إطلاق لفظ الشرط عليه ، لعدم كونه مرتبطاً بعقد أو إيقاع ، فلا يسمّى شرطاً ليشمله عموم : «المؤمنون عند شروطهم» (٣) ، وإنّما هو وعد محض يستحبّ للمؤمن أن يفي به ، فإنّه كدينٍ في عهدته كما في بعض النصوص.

وعليه ، ففي المقام لو أتى بالاشتراط أثناء النيّة فقد حصل الارتباط الملحوظ فيما بينه وبين الله ، وأمّا لو كان قبل الشروع أو بعده فهو شرط ابتدائي فلا دليل على اعتباره ، لاختصاص الإمضاء الشرعي بالقسم الأوّل فقط حسبما عرفت.

(١) هل الشرط في المقام من قبيل الحقوق القابلة للإسقاط كما في باب العقود والإيقاعات ، أو لا؟

فيه قولان ، اختار الماتن عدم السقوط وإن كان الإتمام مع الإسقاط هو مقتضى الاحتياط الذي هو حسن على كلّ حال.

__________________

(١) مصباح الفقاهة ٢ : ١٥٨.

(٢) القاموس ٢ : ٣٦٨ (شرط).

(٣) الوسائل ٢١ : ٢٧٦ / أبواب المهور ب ٢٠ ح ٤.

٤٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وما ذكره (قدس سره) هو الصحيح.

والوجه فيه : ما تعرّضنا له في مبحث الشروط من أنّ حقيقة الشرط في مثل قولنا : بعتك على أن تخيط ، أو على أن يكون العبد كاتباً ، ليس بمعنى تعليق العقد عليه بحيث إنّه لم ينشأ البيع لولا الخياطة أو الكتابة وإلّا كان العقد باطلاً من أصله لقيام الإجماع على بطلان التعليق في باب العقود والإيقاعات.

كما أنّه ليس أيضاً بمعنى مجرّد التزام مستقلّ مقارناً مع الالتزام البيعي أجنبيّا عنه من غير ربط بينهما ، فإنّ هذا وعد محض وليس من الشرط في شي‌ء كما مرّ آنفاً ، فما هو المعروف من أنّ الشرط التزام في التزام لا نعقله.

بل الصحيح في معنى الشرط تعليق الالتزام بالعقد بحصول الشرط من دون تعليق في نفس العقد بوجه ، فينشئ البيع مثلاً على كلّ حال ولكن الالتزام به بقاءً منوط بحصول الشرط ، فالتعليق في اللزوم لا في نفس البيع ، ومرجعه لدى التحليل إلى جعل الخيار وأنّه يلتزم بالبيع على تقدير الخياطة ، وإلّا فله خيار الفسخ.

فحقيقة الشرط في هذه الموارد على ما يساعده الارتكاز العقلائي ترجع إلى عدم التزام الشارط بالعقد إلّا على تقدير خاصّ ، فإنّ التعليق في نفس العقد وإن كان باطلاً كما عرفت إلّا أنّه في الالتزام الراجع إلى جعل الخيار لا بأس به ، فلو تخلّف الشرط صحّ العقد وثبت اختيار الفسخ.

ولكن هذا يتّجه في خصوص العقود القابلة للفسخ.

وأمّا ما لا يقبله كالطلاق والنكاح ونحوهما ممّا كان الخيار فيه على خلاف المرتكز العرفي فضلاً عن الشرعي فليس معنى الشرط فيه التعليق في الالتزام ، بل معناه التعليق في نفس العقد أو الإيقاع ، فيعلّق المنشأ فيهما على التزام الآخر بالشرط. ولا بأس بمثل هذا التعليق الذي هو تعليقٌ على أمر حاصل ، وإنّما

٤٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يجوز فيما إذا كان على أمر مستقبل إمّا مشكوك أو معلوم الحصول. وأمّا التعليق على الأمر الحالي المعلوم الحصول كأن يقول : بعتك الدار على أن يكون فلان ابن زيد ، وهو كذلك فلا مانع منه. وفي المقام أيضاً علّق المنشأ على نفس الالتزام من الطرف الآخر وقد التزم حسب الفرض ، وإلّا فيبطل من أجل عدم المطابقة ، فكان الشرط حاصلاً والعقد صحيحاً ونتيجته مجرّد الحكم التكليفي ، أعني : وجوب الوفاء بالشرط بمقتضى عموم «المؤمنون عند شروطهم».

وعلى الجملة : فالشرط المعقول مرجعه إلى أحد هذين الأمرين ، إمّا تعليق الالتزام الراجع إلى جعل الخيار ، أو تعليق المنشأ الراجع إلى الإلزام بالوفاء ، وبينهما عموم من وجه ، فقد يفترق الأوّل كما في الشرط في ضمن الطلاق أو النكاح حسبما عرفت آنفاً ، وقد يفترق الثاني كما في بيع العبد على أن يكون كاتباً فإنّه لا يقبل الإلزام بالوفاء لخروجه عن الاختيار فمرجعه إلى جعل الخيار فقط ، وقد يجتمعان كما في البيع بشرط الخياطة فإنّه يتضمن الإلزام بالوفاء والخيار مع التخلّف.

وعلى كلا التقديرين أي سواء رجع إلى جعل الخيار أم إلى أنّ الشارط يملك الإلزام على المشروط له فهو شي‌ء قابل للإسقاط بمقتضى السيرة العقلائيّة ، مضافاً إلى النصوص الواردة في الموارد المتفرّقة.

ولكنّه يختصّ بما إذا كان الشرط على النحو المعهود المألوف ، أعني : الشرط مع اشخاص آخرين في ضمن عقد أو إيقاع حسبما مرّ.

وأمّا الشرط مع الله سبحانه في ضمن عبادة وهي الاعتكاف في محلّ كلامنا فلم يدلّ أيّ دليل على جواز إسقاطه ، فإنّ الذي شُرِّع له من الأوّل إنّما هو هذا الاعتكاف الخاصّ أعني : ما فيه اختيار الفسخ والرجوع ـ

٤٦٩

[٢٦٠٠] مسألة ٤١ : كما يجوز اشتراط الرجوع في الاعتكاف حين عقد نيّته كذلك يجوز اشتراطه في نذره (١) ، كأن يقول : لله عليّ أن أعتكف بشرط أن يكون لي الرجوع عند عروض كذا أو مطلقاً. وحينئذٍ فيجوز له الرجوع (*) ، وإن لم يشترط حين الشروع في الاعتكاف فيكفي الاشتراط حال النذر في جواز الرجوع ، لكن الأحوط ذكر الشرط حال الشروع أيضاً ، ولا فرق في كون النذر اعتكاف أيّام معيّنة أو غير معيّنة متتابعة أو غير متتابعة ، فيجوز الرجوع في الجميع مع الشرط المذكور في النذر ، ولا يجب القضاء بعد الرجوع مع التعيّن ولا الاستئناف مع الإطلاق.

______________________________________________________

فإرجاع هذا إلى اللزوم وقلبه إليه ثانياً يحتاج إلى الدليل بعد كونه مخالفاً لإطلاق الصحيحة التي دلّت على أنّه مع الشرط يجوز له الفسخ أسقط أم لا.

وبعبارة أُخرى : باب الشرط هنا يغاير الشرط في باب العقود ، فإنّ معناه في الاعتكاف تحديد الالتزام من الأوّل باعتكاف خاصّ ، وهو الذي يجوز له الفسخ ، فإسقاطه يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل.

بخلاف العقود ، فإنّه يرجع إمّا إلى جعل الخيار أو إلزام المشروط عليه ، وكلّ منهما قابل للإسقاط. وهذا هو الفارق بين البابين ، فلاحظ.

(١) قد يفرض رجوع الشرط إلى النذر نفسه مع كون المنذور هو الاعتكاف المطلق ، فيشترط في ضمن النذر أن يكون له الرجوع في ذلك الاعتكاف.

__________________

(*) هذا فيما إذا كان اعتكافه بعنوان الوفاء بالنذر ، وإلّا فلا يجوز له الرجوع في اليوم الثالث ، فإذا خالف ورجع في هذا اليوم عصى وإن تحقّق منه الوفاء بالنذر ، ويجب عليه القضاء حينئذٍ على الأحوط.

٤٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد يفرض رجوعه إلى الاعتكاف نفسه بأن يكون المنذور الاعتكاف الخاصّ ، وهو المشروط بجواز الرجوع فيه في مقابل المطلق.

لا ينبغي التأمّل في أنّ الأوّل ليس محلّاً للكلام ، ولا هو مراد للماتن ، إذ لا خصوصيّة لنذر الاعتكاف حينئذٍ ، بل حكمه حكم نذر التصدّق ، أو صلاة الليل ، أو أيّ شي‌ء آخر ، إذا شرط في ذلك النذر أن يكون له الرجوع فيما يأتي به من المنذور ، وهذا الشرط باطل في الجميع ، لكونه شرطاً لأمرٍ غير سائغ ، لعدم جواز الرجوع في الاعتكاف المطلق مثلاً الذي هو المنذور حسب الفرض ، ولا نفوذ للشرط إلّا فيما إذا كان متعلّقه سائغاً في حدّ نفسه ، وإلّا فليس الشرط مشرّعاً ومحلّلاً للحرام ، بل يفسد بهذا الشرط الباطل النذر أيضاً كما لا يخفى.

فهذا الفرض غير مراد للماتن جزماً.

بل مراده (قدس سره) الفرض الثاني أعني : رجوع الشرط إلى الاعتكاف بأن يكون المنذور الاعتكاف الخاصّ ، وهو الذي يكون له فيه حقّ الرجوع ، أي الاعتكاف المشروط دون المطلق فحينئذٍ يصحّ ما ذكره (قدس سره) من نفوذ الشرط ، لرجوعه في الحقيقة إلى مراعاة الشرط في نفس الاعتكاف ، غايته ارتكازاً وإجمالاً لا تفصيلاً ، لأنّه لو أتى بالاعتكاف بعنوان الوفاء بالنذر فلا جرم كان ناوياً للاشتراط آن ذاك بنيّة ارتكازيّة ، إذ لا يكون مصداقاً للوفاء إلّا إذا كان حاوياً لهذا الاشتراط ، وإلّا فالاعتكاف المطلق ليس له فيه حقّ الرجوع ، والمفروض أنّه نذر اعتكافاً له فيه هذا الحقّ ، فبطبيعة الحال يكون الناوي للوفاء ناوياً لذلك الاشتراط ، غايته أنّ النيّة ارتكازيّة وإجماليّة ، ومن المعلوم عدم لزوم ذكر الشرط في ضمن الاعتكاف صريحاً ، بل يكفي البناء عليه والإشارة الإجماليّة ، وهي حاصلة في المقام كما عرفت ، فهو وإن لم يكن

٤٧١

[٢٦٠١] مسألة ٤٢ : لا يصحّ أن يشترط في اعتكافٍ أن يكون له الرجوع في اعتكافٍ آخر له غير الذي ذكر الشرط فيه (١) ، وكذا لا يصحّ أن يشترط في اعتكافه جواز فسخ اعتكاف شخص آخر من ولده أو عبده أو أجنبي.

______________________________________________________

مذكوراً لفظاً لكنّه منويٌّ ارتكازاً ، فلا حاجة بعد الاشتراط في النذر إلى ذكره ثانياً صريحاً حين الشروع في الاعتكاف.

ولا فرق في ذلك بين أن يكون المنذور الاعتكاف المعيّن أو غير المعيّن ، مع التتابع أو بدونه ، فيجوز له الرجوع في الجميع كما ذكره في المتن. ومعه لا يجب عليه القضاء في المعيّن ، ولا الاستئناف في الموسّع ، لأنّ ذلك هو مقتضى الوفاء بالنذر المتعلّق بالاعتكاف المشروط حسبما عرفت.

(١) لعدم الدليل على نفوذ الشرط الواقع في غير الاعتكاف الذي يراد الرجوع فيه. ومقتضى الأصل : العدم ، سواء أوقع الشرط في ضمن اعتكاف آخر ، أم في ضمن عقد آخر ونحوه ، أو كان الشرط في اعتكافه فسخ اعتكاف الغير ، فإنّه لا أثر للشرط في شي‌ء من ذلك ، لعدم الدليل كما عرفت.

هذا ، ونُسب إلى الجواهر (١) احتمال نفوذه عملاً بعموم : «المؤمنون عند شروطهم».

ولكنّه واضح الدفع ، لأنّ العموم ناظر إلى نفوذ الشرط على المشروط عليه ، وأنّ شرط المؤمن نافذ على نفسه لغيره ، وأنّه عند شرطه ، أي ملازم معه ولا ينفكّ عنه ، نظير قوله (عليه السلام) : «المؤمن عند عدته» ، لا أنّ من اشترط

__________________

(١) الجواهر ١٧ : ١٩٢ ١٩٣.

٤٧٢

[٢٦٠٢] مسألة ٤٣ : لا يجوز التعليق في الاعتكاف ، فلو علّقه بطل (١) ، إلّا إذا علّقه على شرط معلوم الحصول حين النيّة فإنّه في الحقيقة لا يكون من التعليق.

______________________________________________________

شيئاً بالنسبة إلى شخص آخر يكون نافذاً في حقّه ، كما لو باع داره لزيد واشترط أن يخيط له عمرو ثوباً ، فإنّ مثل هذا الشرط غير نافذ في حقّ ذلك الغير قطعاً.

والمقام من هذا القبيل ، فإن الشرط في الاعتكاف شرطٌ على الله سبحانه وهو تعالى أمضاه بالنسبة إلى نفس هذا الاعتكاف. وأمّا بالنسبة إلى غيره فلا دليل على نفوذه كي يرتفع حكمه بالشرط ، والعموم المزبور لا يرتبط بما نحن فيه ممّا هو شرط عليه سبحانه وأجنبي عنه كما لعلّه ظاهر جدّاً.

(١) لا ريب في جواز التعليق على أمر معلوم الحصول ، كما لو علّق اعتكافه على أن يكون هذا مسجد الكوفة وهو يعلم أنّه مسجد الكوفة ، فإنّه في الحقيقة ليس من التعليق في شي‌ء وإن كان كذلك صورةً كما صرّح به في المتن ، وهذا ظاهر.

وأمّا التعليق على أمر مشكوك فالمشهور بطلانه كما اختاره في المتن ، بل أرسله في الجواهر إرسال المسلّمات (١). وهو الصحيح ، لا لأجل الإجماع على البطلان ليجاب عنه باختصاص مورده بالعقود والإيقاعات ، ولم ينعقد إجماع في المقام.

بل الوجه فيه ما ذكرناه عند البحث عن بطلان التعليق في العقود

__________________

(١) الجواهر ١٧ : ١٩٩.

٤٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والإيقاعات من مباحث المكاسب (١).

وملخّصه : أنّا ذكرنا هناك أنّ التعليق في الأفعال الخارجيّة الصادرة من المكلّفين كالشرب والاقتداء والضرب ونحو ذلك أمر غير معقول ، إذ لا معنى لأن يشرب هذا المائع معلّقاً على كونه ماءً ، بداهة أنّ الشرب جزئي خارجي دائر أمره بين الوجود والعدم ، فإمّا أن يشرب أو لا يشرب ، ومع الشرب فقد تحقّق هذا المفهوم خارجاً ، سواء أكان المشروب ماءً أم غير ماء ، فلا معنى لتعليق شربه الخارجي على تقديرٍ دون تقدير.

نعم ، يمكن أن يكون الداعي على الشرب تخيّل أنّه ماء فيتبيّن الخلاف ، فيكون من باب التخلّف في الداعي والاشتباه في التطبيق ، لا من باب التعليق والتقييد.

ونحوه الاقتداء معلّقاً على أن يكون الإمام هو زيداً فبان أنّه عمرو ، فإنّ الاقتداء فعل خارجي إمّا أن يتحقّق أو لا ، ولا يكاد يتحمّل التعليق والتقدير بوجه. فإنّ هذا نظير أن يضرب أحداً معلّقاً على كونه زيداً ، فإنّه لا معنى لأن يتقيّد حصول الضرب بتقدير دون تقدير ، إذ الضرب قد حصل خارجاً بالضرورة ، سواء أكان المضروب هو زيداً أم عمرواً.

وبالجملة : فهذه الأفعال لا تكاد تقبل التعليق أبداً ، وإنّما هي من باب الاشتباه في التطبيق والتخلّف في الداعي.

كما أنّ الإنشاء بما هو إنشاء غير قابل للتعليق أيضاً ، فإنّه يوجد بمجرّد إبراز ما في النفس من الاعتبار ، فلا معنى لقوله : بعتك إن كان هذا يوم الجمعة ، ضرورة أنّه قد أبرز اعتبار البيع خارجاً ، سواء أكان اليوم يوم الجمعة أم لا ، فقد تحقّق الإنشاء بمجرّد الإبراز من غير إناطته بشي‌ء أبداً.

__________________

(١) مصباح الفقاهة ٢ : ٣٢٠ ٣٢٤.

٤٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فالتعليقات في باب العقود والإيقاعات ترجع بأجمعها إلى المنشإ دائماً ، فإنّ المنشأ قد يكون هو الملكيّة المطلقة ، وكذا الزوجيّة والحرّيّة ونحو ذلك ، وقد يكون الملكية المقيّدة ، أي المعلّقة بما بعد الوفاة مثلاً كما في الوصية ، ونحوها الحرّيّة المعلّقة كما في التدبير فينشأ الحصّة الخاصّة من الملكيّة أو الحرّيّة وهي الحاصلة بعد الموت ، فالتعليق بهذا المعنى أمر ممكن ومعقول.

وحينئذٍ فإن قام الدليل على صحّته يلتزم به كما في الوصيّة والتدبير وإلّا فلا ، كما لو قال : بعتك داري معلّقاً على مضيّ شهر ، بحيث يكون المنشأ الملكيّة بعد الشهر ، أو قالت المرأة : زوّجتك نفسي بعد مضيّ شهر ، فإنّ هذا لا دليل على صحّته ، ولم يكن ممضى عند العقلاء ، بل الإجماع قائم على بطلانه ، بل لولا الإجماع أيضاً لم يحكم بصحّته ، لما عرفت من أنّه غير معهود عند العقلاء ، فلا تشمله الإطلاقات ، فلأجل ذلك يحكم ببطلان التعليق في باب العقود والإيقاعات.

وهذا البيان بعينه يجري في المقام أيضاً ، فإنّ الاعتكاف أعني : نفس اللبث فعل خارجي لا يقبل التعليق ، فلا معنى لقوله : اعتكف إن كان هذا اليوم من رجب أو يوم الجمعة ، وهو لا يدري بذلك ، لتحقّق المكث واللبث خارجاً على التقديرين ، فهو نظير أن يضرب أحداً على تقدير أنّه زيد الذي عرفت بشاعته.

كما لا معنى للتعليق بالنسبة إلى نفس الإنشاء أي إبراز الالتزام بالاعتكاف لعين ما ذكر من تحقّق الإبراز على التقديرين.

فالتعليق الممكن إنّما يتصوّر في مرحلة المنشأ أعني : نفس الالتزام الذي تعلّق به الإنشاء فإنّه قد يلتزم بالاعتكاف مطلقاً ، وأُخرى معلّقاً على تقديرٍ دون تقدير كما في سائر الالتزامات ، إلّا أنّه لا دليل على صحّته في المقام ، فإنّ

٤٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

المنصرف من الروايات لزوم صدور الاعتكاف على سبيل التنجيز ، وعمدتها صحيحة داود بن سرحان ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنِّي أُريد أن اعتكف فماذا أقول وما ذا أفرض على نفسي ... إلخ (١)؟

حيث يستفاد منها بوضوح أنّ المعتكف لا بدّ وأن يفرض شيئاً على نفسه ، ومن الواضح أنّ الذي يتعلّق لم يفرض على نفسه شيئاً ، بل التزم على تقديرٍ دون تقدير ، فلا يصدق أنّه فرض على نفسه ، ولأجله يحكم بالبطلان ، لعدم الدليل على صحّة مثل هذا الاعتكاف حسبما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٥٠ / أبواب الاعتكاف ب ٧ ح ٣.

٤٧٦

فصل

في أحكام الاعتكاف

يحرم على المعتكف أُمور :

أحدها : مباشرة النساء بالجماع في القُبل أو الدُّبر (١)

______________________________________________________

(١) ليلاً كان أو نهاراً بلا خلاف فيه ، بل ادّعي الإجماع عليه بقسميه ، وتشهد له جملة من النصوص :

منها : موثّقة سماعة : عن معتكف واقع أهله «فقال هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان» (١).

دلّت على حرمة الوقاع ، لكونه بمنزلة الإفطار في شهر رمضان ، وهو حرام.

وموثّقته الأُخرى : عن معتكف واقع أهله «قال : عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان» (٢).

وموثّقة الحسن بن الجهم ، قال : سألته عن المعتكف ، يأتي أهله؟ «فقال : لا يأتي امرأته ليلاً ولا نهاراً وهو معتكف» (٣).

ونحوها غيرها ، وفي بعضها : أنّه إذا جامع نهاراً فعليه كفّارتان : كفّارة الصوم

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٤٧ / أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥٤٧ / أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ٥.

(٣) الوسائل ١٠ : ٥٤٥ / أبواب الاعتكاف ب ٥ ح ١.

٤٧٧

وباللمس والتقبيل بشهوة (*) (١).

______________________________________________________

وكفّارة الاعتكاف ، وفي الليل كفّارة واحدة.

والحكم مسلّم لا خلاف فيه ولا غبار عليه.

ومن المعلوم أنّ إطلاق الجماع في هذه النصوص يشمل المخرجين.

(١) على المشهور بين الفقهاء كما نُسب إليهم ، بل عن المدارك : أنّه ممّا قطع به الأصحاب (١) ، ولعلّه للقياس على المحرم ، وإلّا فلا دليل عليه ، ومقتضى الأصل العدم ، وكأنّه لأجله خصّ الحكم في التهذيب بالجماع (٢).

وكيفما كان ، فإن تمّ الإجماع فهو المستند ، وإلّا فالأصل عدم الحرمة كما عرفت.

وأمّا قوله تعالى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) (٣) فهو وإن كان ظاهراً في إرادة الاعتكاف الشرعي ، كما في قوله تعالى (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ) إلخ (٤) ، كيف؟! ولو كانت الآية المباركة ناظرة إلى بيان حكم المسجد من حيث هو مسجد لا إلى بيان حكم الاعتكاف لكان قوله تعالى (وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ) زائداً ، ولزم الاقتصار على هذا المقدار : ولا تباشروهنّ في المساجد ، كما لا يخفى.

__________________

(*) في حرمتهما إشكال والاجتناب أحوط.

(١) المدارك ٦ : ٣٤٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٩٢ / ٨٨٩.

(٣) البقرة ٢ : ١٨٧.

(٤) البقرة ٢ : ١٢٥.

٤٧٨

ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة (١) ، فيحرم على المعتكفة أيضاً الجماع واللمس والتقبيل بشهوة.

______________________________________________________

إلّا أنّ المراد بالمباشرة هو الجماع كما لعلّه الظاهر من اللفظ عرفاً. كيف؟! ولو أُريد المعنى الأعمّ لشمل حتّى مثل المخالطة والمحادثة واللمس والتقبيل بغير شهوة أيضاً ، وهو غير محرّم قطعاً. فيكشف ذلك عن إرادة الجماع خاصّة. فلا تدلّ الآية على حرمة غيره بوجه.

بقي شي‌ء ، وهو أنّه قد ورد في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «قال : كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد وضُربت له قبّة من شعر وشُمّر المئزر وطوى فراشه» وقال بعضهم : واعتزل النساء ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : «أمّا اعتزال النساء فلا» (١).

قوله (عليه السلام) : «طوى فراشه» لا يبعد أن يكون ذلك كناية عن ترك الجماع ، لا أنّه (صلّى الله عليه وآله) كان يطوي بساطه بحيث كان يجلس على التراب ، وأظنّ أنّ صاحب المدارك (قدس سره) أيضاً فسّره بذلك (٢).

وأمّا الاعتزال فليس المراد به ترك الجماع قطعاً ، لأنّه (صلّى الله عليه وآله) كان في المسجد فكيف نفاه (عليه السلام) عنه (صلّى الله عليه وآله) عند ردّ قول ذلك البعض؟! بل المراد : ترك المجالسة والمخالطة معهنّ كما لا يخفى.

وكيفما كان ، فليس المراد هنا الجماع يقيناً ولو بقرينة سائر الروايات.

(١) بلا خلافٍ فيه ، ويدلّنا عليه :

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٤٥ / أبواب الاعتكاف ب ٥ ح ٢.

(٢) المدارك ٦ : ٣٠٨ ٣٠٩.

٤٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أوّلاً : قاعدة الاشتراك ، فإنّ الظاهر عرفاً من مثل قوله : عن معتكفٍ واقع أهله ، أنّ الحكم من آثار الاعتكاف ، لا من آثار الرجوليّة كما في مثل قوله : رجل شكّ بين الثلاث والأربع ، فإنّه ظاهر أيضاً في أنّه من آثار الشكّ فيعمّ الرجل والمرأة بقاعدة الاشتراك.

وثانياً : قوله (عليه السلام) في ذيل صحيحة الحلبي : «واعتكاف المرأة مثل ذلك» (١) ، فإنّ المشار إليه بكلمة «ذلك» هو اعتكاف الرجل طبعاً المذكور في الصدر ، وقد رواها المشايخ الثلاثة كلّهم كذلك ، فقد تضمّنت تشبيه اعتكافٍ باعتكاف ، وأنّه لا فرق بين الاعتكافين ، وأنّهما متماثلان من جميع الجهات بمقتضى الإطلاق ويتساويان في جميع الأحكام ، غاية الأمر أنّ تلك الأحكام بعضها مذكور في هذه الصحيحة والبعض الآخر كحرمة الجماع غير مذكور هنا ومستفادٌ من الأدلّة الأُخر ، وهذا لا يضرّ باستفادة المساواة في جميع الأحكام بمقتضى إطلاق المماثلة ، ولا موجب للاقتصار على المذكورات في هذه الصحيحة ، فإنّه تقييد من غير مقيّد يقتضيه بعد انعقاد الإطلاقات في الذيل.

نعم ، لا تتمّ هذه الدعوى في صحيحة داود بن سرحان ، لأنّ المذكور في ذيلها هكذا : «والمرأة مثل ذلك» (٢) ، فتضمّنت تشبيه المرأة بالرجل ، لا تشبيه اعتكافها باعتكافه كما في تلك الصحيحة ، وكم فرقٌ بين الأمرين ، فإنّ تشبيه المرأة بالرجل ظاهرٌ في إرادة ما ذكر من الأحكام ، وإلّا فلا معنى لتشبيهها به على سبيل الإطلاق ، وهذا بخلاف الثاني ، فإنّ تشبيه الاعتكاف بالاعتكاف يعطينا بمقتضى الإطلاق أنّ كلّ حكم ثبت لذاك الاعتكاف فهو ثابت لهذا

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٤٩ / أبواب الاعتكاف ب ٧ ح ٢ ، الكافي ٤ : ١٧٨ / ٣ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٢٩ ، التهذيب ٤ : ٢٨٨ / ٨٧١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥٤٩ / أبواب الاعتكاف ب ٧ ح ١.

٤٨٠