موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢٥٨٩] مسألة ٣٠ : يجوز للمعتكف الخروج من المسجد لإقامة الشهادة (١) أو لحضور الجماعة أو لتشييع الجنازة وإن لم يتعيّن عليه هذه الأُمور ، وكذا في سائر الضرورات العرفيّة أو الشرعيّة الواجبة أو الراجحة ، سواء كانت متعلّقة بأُمور الدنيا أو الآخرة ممّا ترجع مصلحته إلى نفسه أو غيره ، ولا يجوز الخروج اختياراً بدون أمثال هذه المذكورات.

______________________________________________________

الأمر الناشئ من قبل النذر يعتبر فيه أن لا يكون مزاحماً لواجبٍ آخر ، ومنه وجوب إطاعة المولى ، فكيف يرتفع به ذلك الوجوب حتّى تسوغ مخالفته؟! وقريبٌ منه المثال المعروف من أنّه لو نذر أن يزور الحسين (عليه السلام) كلّ ليلة عرفة فعرضته الاستطاعة انحلّ النذر حينئذٍ ، لأنّ تفويت الحجّ غير مشروع ، ولا يكون النذر مشرّعاً وإنّما يقتضي وجوب ما هو مشروع في نفسه ، وحال رجوع المولى عن الإذن حال عروض الاستطاعة في أنّه يوجب انحلال النذر.

والأولى أن يمثّل لهذه الكبرى أعني : عدم جواز الرجوع فيما إذا كان الاعتكاف واجباً بعد الشروع بالإجارة المشروطة ، فلو استؤجر العبد بإذن المولى للاعتكاف واشتُرط عليه الإتمام متى شرع فيه ، فإنّه ليس له الرجوع حينئذٍ عن الإذن ، لوجوب الإتمام بمقتضى عقد الإيجار ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولا يناط هذا الوجوب بالرجحان في ظرف العمل كما كان كذلك في النذر كما هو ظاهر.

(١) تقدّم الكلام حول هذه المسألة (١) وقلنا : إنّه لا دليل على جواز الخروج

__________________

(١) في ص ٣٨٤.

٤٤١

[٢٥٩٠] مسألة ٣١ : لو أجنب في المسجد ولم يمكن الاغتسال (*) فيه وجب عليه الخروج (١) ، ولو لم يخرج بطل اعتكافه (**) ، لحرمة لبثه فيه.

______________________________________________________

لمطلق الحاجة ، بل يعتبر كونها ممّا لا بدّ منها ولو عرفاً ، للتقييد بذلك في بعض النصوص ، كما أنّه لا دليل على جواز الخروج لمطلق الأمر الراجح من حضور مجلس تعزية أو فاتحة ونحو ذلك.

نعم ، دلّ الدليل على الجواز في موارد خاصّة ، مثل : تشييع الجنازة ونحوه ممّا تقدّم ، فيقتصر عليها ولا يتعدّى عنها.

(١) بل وجب وإن أمكن الاغتسال حال المكث إلّا أن لا يزيد زمانه على زمان الخروج فيجوز ، للعفو عن البقاء هذا المقدار بحكم الاضطرار كما تقدّم سابقاً (١) ، بل قد يشكل الخروج حينئذٍ ، لعدم الضرورة المسوّغة.

وكيفما كان ، فمتى وجب عليه الخروج ولم يخرج فقد حكم في المتن ببطلان الاعتكاف ، لحرمة لبثه فيه.

ولكنّه لا يتمّ على إطلاقه ، فإنّ هذا المكث وإن حرم ولا يكون جزءاً من الاعتكاف جزماً ، لأنّ الحرام لا يكون مصداقاً للواجب ، إلّا أنّ البطلان لا بدّ وأن يستند إلى أحد أمرين :

إمّا الإتيان بمانع ، أو ترك جزء أو شرط عمداً ، وقد يكون لغير العمد أيضاً ، وإلّا فالبطلان بلا سبب غير معقول.

__________________

(*) بل ولو أمكن حال المكث على ما تقدّم.

(**) في إطلاقه منع ، نعم لا يكون المكث الحرام جزءاً من الاعتكاف.

(١) في ص ٣٨٨.

٤٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا المانع فلم يتحقّق ، ضرورة أنّ ارتكاب الحرام لا يوجب البطلان ، فلو اغتاب أو افترى أو كذب أثناء اعتكافه أو ارتكب محرّماً آخر ومنه المكث في المسجد جنباً لم يقدح ذلك في صحّة الاعتكاف قطعاً وإن كان آثماً ، لعدم تقيّد الاعتكاف بعدم هذه الأُمور ، وهذا واضح.

وأمّا ترك الجزء ففيه تفصيل ، وتوضيحه : أنّ الأمر الوحداني المتعلّق بالاعتكاف والمكث في المسجد ثلاثة أيّام قد خُصِّص من الأوّل بمقدار الحاجة إلى الخروج وهو زمان الاغتسال بمقدّماته من تحصيل الماء أو تسخينه أو الذهاب إلى الحمّام ونحو ذلك ممّا يتوقّف عليه الغسل ، فليفرض أنّه يستوعب من الزمان مقدار نصف ساعة ، فهذا المقدار مستثنى من الثلاثة ولا جزئيّة له فلا يجب المكث فيه ، بل يحرم.

وعليه ، فلو فرضنا أنّه لا يفرق الحال بالنسبة إلى هذا المقدار بين الخروج وعدمه ، لمساواتهما في عدم ارتفاع الجنابة قبل ذلك ، كما لو فرضنا أنّه معتكف في مسجد الكوفة ولا بدّ من تحصيل الماء من الشطّ إمّا أن يذهب بنفسه أو يبعث من يجي‌ء به ، وعلى التقديرين يستوعب من الوقت مقدار نصف الساعة ، فلو اختار الجلوس في المسجد وانتظر مجي‌ء من أرسله لتحصيل الماء فهو لم يترك جزءاً من الاعتكاف ، لأنّ المفروض أنّ هذا المقدار من الزمان لا يجب المكث فيه ، غاية الأمر أنّه كان يجب عليه الانتظار خارج المسجد فخالف وارتكب الحرام ، وقد عرفت أنّ ارتكابه لا يوجب البطلان.

نعم ، لو فرضنا أنّه جلس في المسجد زائداً على المقدار المذكور ، فبما أنّه فوّت على نفسه الاعتكاف في المقدار الزائد من الزمان فقد ترك جزءاً من اللبث الواجب اختياراً ، وذلك موجب للبطلان.

فتحصّل : أنّه لا بدّ من التفصيل بين ما إذا كان مكثه موجباً لترك جزءٍ من

٤٤٣

[٢٥٩١] مسألة ٣٢ : إذا غصب مكاناً من المسجد سبق إليه غيره بأن أزاله وجلس فيه فالأقوى بطلان اعتكافه (*) (١) ، وكذا إذا جلس على فراش مغصوب.

______________________________________________________

الاعتكاف عامداً كما لو مكث أكثر من المقدار اللازم كنصف الساعة في المثال فيبطل وبين ما إذا لم يكن كذلك ، إذ لم يفرق الأمر بين الخروج وعدمه في أنّ كلّاً منهما لا يزيد على نصف ساعة مثلاً فلا موجب حينئذٍ للبطلان حسبما عرفت.

(١) يبتني ما ذكره (قدس سره) على أنّ السابق في المسجد الشاغل للمكان ذو حقّ بالإضافة إليه ، بحيث لا يجوز التصرّف فيه إلّا بإذنه ، كما في الأملاك ، فإنّه وإن لم يكن ملكاً له إلّا أنّه متعلّق لحقّ الاختصاص. فعلى هذا يكون التصرّف والمكث بغير الإذن محرّماً فيبطل الاعتكاف ، إذ لا يقع الحرام مصداقاً للواجب ، فهو مفوّت لجزءٍ من الاعتكاف بإشغال المكان.

وأمّا لو قلنا : إنّه لا يستفاد من الأدلّة ثبوت الحقّ بهذا المعنى كي لا يجوز التصرّف بغير الإذن ، وإنّما الثابت عدم جواز مزاحمته ، لكونه أحقّ وأولى ، فلا تجوز إزالته عن المكان ومنعه عن الاستفادة ، وأمّا بعد الإزالة وارتكاب المعصية فالمكان باقٍ على الإباحة للجميع من غير حاجة إلى الإذن ، فلا يكون المكث محرّماً ولا الصلاة أو الاعتكاف باطلاً. فهذا هو منشأ الكلام في بطلان الاعتكاف في المقام وعدمه.

__________________

(*) فيه إشكال ولا يبعد عدم البطلان ، وأمّا الجلوس على الفرش المغصوب ونحوه فلا إشكال في عدم البطلان به.

٤٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فنقول : الروايات الواردة في المقام ثلاث :

إحداها : ما رواه الكليني بإسناده عن محمّد بن إسماعيل ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث «قال : من سبق إلى موضع فهو أحقّ به يومه وليلته» (١).

وهي ضعيفة سنداً ودلالةً :

أمّا السند : فلأجل أنّ محمّد بن إسماعيل وإن كان ثقة لأنّ المعروف ممّن يسمّى بهذا الاسم مردّد بين ابن بزيع وابن ميمون وكلاهما ثقة ، فلا إشكال من هذه الناحية ولكنّها مرسلة ، وهي ليست بحجّة وإن كان مرسلها ثقة ، فإنّ كثيراً من الثقات لهم مراسيل ولا يعتمد عليها قطعاً ، لأنّ مجرّد كون الراوي ثقة لا يستوجب حجّيّة مراسيله إلّا إذا علم المراد من الواسطة من الخارج ، ولم يعلم في المقام ، وهذا ظاهر.

وأمّا الدلالة : فلأنّها تضمّنت الأحقّيّة يومه وليله ، وهذا لم يلتزم به أحد من الفقهاء ، بل الأحقّيّة تدور مدار مقدار إشغال المكان من ساعة أو ساعتين أو أقلّ أو أكثر.

نعم ، لو كان المكان هو السوق ، فبما أنّ الكاسب يشتغل غالباً طول النهار فهو يستوعب اليوم ، ولكنّه ينتهى بدخول الليل.

وعلى أيّ حال ، فلم يثبت حقّ الاختصاص في الليل جزماً ، سواءً أكان هو المسجد أم السوق ، ما لم يكن شاغلاً للمكان ، فالتقييد المزبور ممّا لا قائل به.

الثانية : ما رواه الكليني أيضاً بإسناده عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٢٧٨ / أبواب أحكام المساجد ب ٥٦ ح ١ ، الكافي ٤ : ٥٤٦ / ٣٣.

٤٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

(عليه السلام) «قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : سوق المسلمين كمسجدهم ، فمن سبق إلى مكان فهو أحقّ به إلى الليل» إلخ (١).

وربّما يستشكل في سندها بأنّ طلحة بن زيد لم يوثّق ، ولكن الظاهر وثاقته وإن كان من العامّة ، وذلك لأجل أنّ الشيخ ذكر في كتاب الفهرست عند ترجمته : إنّ له كتاباً معتمداً (٢). فإنّ الظاهر أنّه لا ينبغي الشكّ بحسب الفهم العرفي في أنّ الاعتماد من جهة وثاقته لا لخصوصيّةٍ في الكتاب ، إذ لو لم يكن ثقة فكيف يعتمد على كتابه؟! وإنّما تعرّض للكتاب لأجل أنّ الغالب الرواية عن أرباب الكتب فيذكرون الطرق إلى تلك الكتب ، فالتعبير المزبور بمثابة أن يقول : إنّه وإن كان من العامّة إلّا أنّه ثقة يؤخذ برواياته.

هذا ، مضافاً إلى وقوعه في إسناد كامل الزيارات وتفسير القمّي ، فالسند تامّ ولا مجال للخدش فيه.

وكذلك الدلالة ، إذ التقييد بالليل لأجل أنّ موضوع الكلام هو السوق وقد شبّهه بالمسجد في أنّ السبق يوجب الأحقّيّة ، وبما أنّ المتعارف الخارجي قيام السوق إلى اللّيل واشتغال الكاسب في تمام النهار فلأجله حدّده إلى اللّيل ، فليس هذا التقييد أمراً زائداً على ما يقتضيه نفس التعارف الخارجي ، فلا ينبغي أن يستشكل بأنّ الفقهاء لم يحدّدوه بهذا الحدّ ، بل حدّدوه بالحاجة ، إذ الحاجة بالإضافة إلى السوق الذي هو موضوع الكلام يقتضي التقييد باللّيل كما عرفت ، فالرواية تدلّ على أنّ السابق له الحقّ ، غير أنّ الحقّ في السوق إلى

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٢٧٨ / أبواب أحكام المساجد ب ٥٦ ح ٢ ، الكافي ٢ : ٤٨٥ / ٧ وج ٥ : ٥٥ / ١.

(٢) الفهرست : ٨٦ / ٣٧٣.

٤٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الليل ، وفي المسجد بمقدار الحاجة ، فلا إشكال من هذه الجهة.

الرواية الثالثة : مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سوق المسلمين كمسجدهم» يعني : إذا سبق إلى السوق كان له مثل المسجد (١).

وهي من حيث الدلالة أظهر من الكلّ ، لعدم التقييد باليوم والليل ، فإشكال التقييد مرتفع هنا.

وأمّا السند : فاعتباره يتوقّف على ما ذهب إليه الأكثر من أنّ مراسيل ابن أبي عمير كمسانيد غيره ، وأول من ادّعى ذلك فيما نعلم من هو الشيخ الطوسي في كتاب العدّة ، حيث ذكر جماعة كصفوان وابن أبي عمير والبزنطي وقال : إنّا علمنا أنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة (٢). ولأجله سوّى الأصحاب بين مراسيلهم ومسانيدهم.

فإنّ تمّ ذلك كانت الرواية معتبرة وكافية في إثبات المطلوب ، ولكنّه لم يتمّ ولم تثبت هذه الدعوى ، إذ لم ينسبها إلى أحد ، وإنّما هي اجتهاد من الشيخ نفسه ، حيث يقول : علمنا من حالهم هكذا ، فهو استنباط منه (قدس سره).

وقد ذكرنا في المعجم (٣) أنّ الشيخ (قدس سره) بنفسه لم يلتزم بذلك ، حيث روى في التهذيب رواية عن ابن أبي عمير ثمّ قال : أوّل ما فيها أنّها مرسلة. ونحن بعد التتبّع عثرنا على روايات لابن أبي عمير يروي عن جمعٍ من الضعفاء ، وهكذا صفوان والبزنطي ، بل قد رووا عمّن لا شكّ في ضعفه بتضعيف الشيخ والنجاشي.

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٤٠٦ / أبواب آداب التجارة ب ١٧ ح ٢.

(٢) العدة : ٥٨.

(٣) المعجم ٢٣ : ٢١٠ / ١٥١٥١.

٤٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وعليه ، فهذه الرواية ساقطة ، لضعفها سنداً ، وإن كان الاستدلال بها أولى دلالةً كما عرفت. وقد عرفت ضعف الرواية الأُولى أيضاً.

والعمدة في المقام رواية طلحة التي عرفت أنّها نقيّة السند ظاهرة الدلالة ، فلا بأس بالاستدلال بها.

إنّما الكلام في المراد بالأحقّيّة ، فهل معناها : أنّ هذا المكان يعامَل معه معاملة الملك في أنّه لا يجوز التصرّف فيه إلّا بالإذن ، أو أنّ المراد عدم جواز المزاحمة والمنع عن الاستفادة وأنّ السابق أولى وأحقّ بان يستفيد؟

لا ريب أنّ المعنى الأوّل يحتاج إلى مئونة زائدة وقرينة واضحة بعد أن كان المكان وقفاً للجميع من غير خصوصيّة لأحد ، فإنّ التخصيص بواحد بلا مقتضٍ ما لم يدلّ عليه دليل قاطع.

وبالجملة : القدر المتيقّن ممّا يستفاد من الأحقّيّة هو عدم جواز المزاحمة والإزالة عن المكان ، وأمّا بعد الإزالة وارتكاب المعصية فلا تعرّض في الرواية لجهة تصرّفه أو تصرّف غيره فيه. فلو أزال أحداً عن المكان ثمّ جلس فيه شخص ثالث ، أفهل يحتمل بطلان تصرّفه لكونه في حكم الملك للسابق يتوقّف على إذنه؟ لا يقول بذلك أحد قطعاً ، فإنّه لو تمّ فهو خاصّ بالمزاحم.

وبالجملة : فلا دليل على حرمة المكث ، بل المكان باقٍ على وقفيّته الأصليّ.

ونظير هذا ما ذكرناه في باب أولويّة الولي في الصلاة على الميّت وقلنا : إنّ ما ورد من أنّ أولى الناس بميراثه أولى الناس بالصلاة عليه ليس معناه : أنّه لا يجوز لغير الولي أن يصلّى على الميّت ، بل المراد : عدم جواز مزاحمته في الصلاة وأنّه أولى بذلك ، وإلّا فالوجوب الكفائي ثابت لجميع المكلّفين.

٤٤٨

بل الأحوط الاجتناب عن الجلوس على أرض المسجد المفروش بترابٍ مغصوب أو آجر مغصوب على وجهٍ لا يمكن إزالته (١) ، وإن توقّف على الخروج خرج على الأحوط ، وأمّا إذا كان لابساً لثوبٍ مغصوب أو حاملاً له فالظاهر عدم البطلان.

______________________________________________________

وكيفما كان ، فاستفادة ثبوت الحقّ للشاغل السابق بحيث يتوقّف التصرّف لغيره على الإذن أو رفع اليد مشكلة جدّاً ، ولا أقلّ من الإجمال ، والقدر المتيقّن عدم جواز المزاحمة حسبما عرفت.

وأولى من ذلك عدم بطلان الاعتكاف بالجلوس على الفراش المغصوب ، فإنّ الجلوس أمر والمكث أمر آخر وإن كانا متلازمين خارجاً ، فإنّ حرمة أحدهما لا تسري إلى الآخر بوجه ، فيبقى المكث الذي يتقوّم به الاعتكاف على ما كان عليه من الإباحة ، فحال الجلوس المزبور حال اللباس المغصوب الذي التزم هو (قدس سره) فيه بعدم البطلان ، لعدم سراية حرمة اللبس إلى المكث المعتبر في الاعتكاف ، فإنّهما من وادٍ واحد ، فكما أنّ الفرش يحرم الجلوس عليه كذلك اللباس يحرم لبسه ، وكلّ منهما مغاير مع المكث الذي يتقوّم به الاعتكاف ، فلا وجه لسراية الحرمة إليه ، كما لعلّه ظاهر جدّاً.

فلا وجه لما صنعه في المتن من التفرقة بينهما ، بل كلّ من الجلوس واللبس حرام مستقلّ ، وكلاهما أجنبي عن المكث الاعتكافي وإن تقارنا خارجاً ، فلا تسري الحرمة منهما إليه بوجه ، بل كلّ يبقى على حكمه حسبما عرفت.

(١) أمّا إذا أمكن الإزالة فحكمه حكم الفراش المغصوب ، وقد تقدّم.

٤٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا إذا لم يمكن كما لو صبّ فيه من السمنت ونحو ذلك بحيث لا يقبل القلع ولا يمكن الردّ إلى المالك ، فكان في حكم التالف في أنّه لا ينتفع به وإن قلع ورفع فقد ذكرنا في بحث المكاسب (١) أنّ ما يعدّ من التالف يخرج بذلك عن الماليّة والملكيّة بطبيعة الحال ، إلّا أنّه متعلّق لحقّ المالك ، فلو تلفت دابّة زيد أو كُسر كوزه فقد سقطت عن الماليّة وارتفعت الملكيّة ، غاية الأمر أنّ هذه الأجزاء التالفة متعلّق لحقّ المالك ، ونتيجة ذلك أنّه لا يجوز لأحدٍ مزاحمته في الاستفادة منها للصرف في المزرعة ونحوها ، وأمّا عدم جواز التصرّف فيها بغير الإذن فكلّا ، لأنّ ذلك من آثار الملكيّة المفروض انتفاؤها. وعلى ذلك بنينا حكم الشوارع المستحدثة التي تنشئها الحكومة من غير رضا ملّاكها إمّا مع العوض أو بدونه ، فإنّه لا مانع من التصرّف فيها من غير حاجة إلى الإذن ، لخروجها عن الملكيّة بعد كونها في حكم التالف.

نعم ، لا تجوز مزاحمته لو أراد أن يستفيد منها كما عرفت.

وعليه ، فلا مانع من الجلوس على أرض المسجد أو الحرم المفروش بآجر أو سمنت مغصوب ولا يغلق باب المسجد بذلك ، فلا يجب الخروج وإن كان أحوط كما ذكره في المتن ، فإنّ ذلك كلّه ليس إلّا تصرّفاً في متعلّق حقّ الغير ولا دليل على حرمته ، وإنّما الحرام التصرّف في أموال الناس لا حقوقهم ، وإنّما الثابت عدم جواز المزاحمة مع الملّاك حسبما عرفت. ولا مزاحمة في أمثال المقام كما هو ظاهر.

__________________

(١) مصباح الفقاهة ٢ : ٤٨٠ ٤٨٤.

٤٥٠

[٢٥٩٢] مسألة ٣٣ : إذا جلس على المغصوب ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً أو مضطرّاً لم يبطل اعتكافه (١).

______________________________________________________

(١) لو بنينا على بطلان الاعتكاف بالجلوس على المغصوب كما بنى عليه الماتن (قدس سره) ، فهل الحال كذلك لو وقع عن إكراه أو اضطرار أو نسيان أو جهل؟

ذكرنا في محلّه أنّ الإكراه والاضطرار وكذا النسيان فيما إذا لم يكن الناسي هو الغاصب يوجب رفع الحكم الواقعي ، ومقتضى ذلك التخصيص في أدلّة الأحكام الأوليّة في صقع الواقع ، فلو كان مضطرّاً في البقاء في المكان المغصوب أو مكرهاً جاز له ذلك وكان حلالاً حتّى واقعاً ، وما من شي‌ء حرّمه الله إلّا وقد أحلّه عند الضرورة. فلا مانع من الصلاة هناك ، إذ المانع ليس هو عنوان الغصب ، بل الحرمة المضادّة للوجوب والمانعة عن صلاحيّة التقرّب ، ولا حرمة في المقام لا ظاهراً ولا واقعاً حسب الفرض. كما أنّه يجوز التوضّؤ بالماء المغصوب أيضاً لو كان كذلك ، كما لو أجبره جائر بإتلاف ماء الغير بأيّ نحو كان فصرفه في الوضوء.

وكذا الحال في ناسي الغصبيّة إذا لم يكن الناسي هو الغاصب ، كما لو غصب المكان أو الماء شخص واطّلع عليه غيره ثمّ نسي فصلّى فيه أو توضّأ به ، فإنّه يصحّ ذلك ، لحديث رفع النسيان ، الذي هو رفع واقعي ، بخلاف ما لو كان هو الغاصب فعرضه النسيان فإنّه لا أثر لنسيانه حينئذٍ ، لاستناده إلى سوء الاختيار.

وعلى الجملة : ففي جميع هذه الموارد يحكم بالصحّة ، لأنّ المانع إنّما هي الحرمة الفعليّة وإن لم تكن منجّزة ، وأنّ المبغوض لا يكون مقرّباً ، وكلّ ذلك منتفٍ حسب الفرض.

٤٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا مع الجهل فالمعروف والمشهور أنّه ملحق بالنسيان والاضطرار ، ولكن الأمر ليس كذلك على ما حقّقناه في الأُصول (١) ، إذ الجهل لا يرتفع به الحكم الواقعي ، فمن كان شاكّاً في غصبيّة الماء مثلاً وهو متمكّن من الاحتياط فغاية ما هناك أن يحكم عليه بالحلّيّة الظاهريّة ، استناداً إلى قاعدة اليد أو أصالة الإباحة. وأمّا الواقع فهو باقٍ على حاله وقابل للامتثال ولو بالاحتياط ، فهو حكم فعلي ثابت في حقّه يتمكّن من امتثاله ، ومعه كيف يمكن أن يكون هذا الحرام الواقعي مصداقاً للواجب ومقرّباً من المولى بمثل صرفه في الوضوء ونحوه مع ما بينهما من التضادّ؟! فهذا داخل في الحقيقة في باب النهي عن العبادة ، لا في باب اجتماع الأمر والنهي كما اختاره في الكفاية (٢) وعليه المشهور ، بل ادّعي الإجماع كما في مفتاح الكرامة (٣) على صحّة الوضوء بالماء المغصوب جهلاً.

ولكنّها بمراحل عن الواقع ، إذ لا موقع لدعوى الإجماع التعبّدي في مثل هذه المسألة المبنيّة عندهم على القواعد ، وقد عرفت أنّ مقتضاها البطلان ، لعدم الاندراج في باب اجتماع الأمر والنهي ، بل هي من موارد النهي عن العبادة ، لكون الفعل بنفسه مصداقاً للحرام الواقعي.

فليس المانع من الصحّة عدم قصد القربة كما توهّمه في الكفاية حتّى يقال بإمكانه مع الجهل ، ولا الحرمة المنجّزة كي يقال بارتفاعها في ظرف الجهل ، بل المانع هو الحرمة الفعليّة الواقعيّة وإن لم تكن منجّزة ، إذ لا أثر للعلم فيما هو ملاك المانعيّة من امتناع كون الحرام مصداقاً للواجب ، وإنّما تختصّ المانعيّة بالحرمة

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٢٦٥.

(٢) الكفاية : ١٥٦ ١٥٧.

(٣) مفتاح الكرامة ١ : ١٢٩.

٤٥٢

[٢٥٩٣] مسألة ٣٤ : إذا وجب عليه الخروج لأداء دينٍ واجب الأداء عليه ، أو لإتيان واجب آخر متوقّف على الخروج ولم يخرج ، أثِم ، ولكن لا يبطل اعتكافه على الأقوى (١).

______________________________________________________

المنجّزة في باب التزاحم ، فمع الجهل يصحّ سواء أقلنا بالترتّب أم لا ، لأنّ المزاحمة لا تكون إلّا مع العلم ، وبدونه لا مزاحمة ، فلا يزاحم الواقع بوجوده مطلقاً ، بل بوجوده المنجّز.

وأمّا في باب التعارض كما في المقام فالفعل بنفسه حرام واقعاً ، ومعه كيف يقع مصداقاً للواجب سواء أعلم به المكلف أم لا؟! ولا فرق في ذلك بين الواجب التعبّدي والتوصلي ، لوحدة المناط ، فلو أنفق على الزوجة بمال مغصوب وهو لا يعلم ، لا يكفي ، لامتناع كون الإطعام الحرام مصداقاً للإنفاق الواجب فيبقى مشغول الذمّة لا محالة.

وملخّص كلامنا : أنّه كلّما كان شي‌ء مصداقاً للحرام الواقعي وكانت الحرمة فعليّة وإن لم تكن منجّزة وكان الاحتياط ممكناً فهذا لا يعقل أن يكون مصداقاً للواجب ، لما بينهما من التضادّ في صقع الواقع ، علم به المكلّف أم لم يعلم ، فلا يكاد يمكن اجتماعهما في موردٍ واحد ، ومعه لا مناص من الحكم بالبطلان.

فبناءً على ما ذكره (قدس سره) من بطلان الاعتكاف مع الجلوس على المغصوب لا يفرق فيه بين صورتي العلم والجهل.

نعم ، لا يبطل مع النسيان أو الاضطرار أو الإكراه وكلّما يكون رافعاً للتكليف الواقعي حسبما عرفت.

(١) فإنّ مثل هذا المكث الملازم لترك الواجب لا يضرّ باعتكافه ، إذ لا مانع من الأمر به على نحو الترتّب بأن يؤمَر أوّلاً بمزاحمة الأهمّ وهو الخروج ، وعلى

٤٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

تقدير الترك يؤمَر بالمكث بنيّة الاعتكاف وجوباً أو استحباباً ، بناءً على ما هو الصحيح من إمكان الترتّب.

ولا فرق في ذلك بين القول بأنّ الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضدّه الخاصّ أم لا ، إذ على القول بالاقتضاء يكون النهي تبعيّاً من باب أنّ ترك أحد الضدّين مقدّمة للضدّ الآخر ، فيكون فعله منهيّاً عنه ، ومن الواضح عدم المنافاة بين النهي التبعي وبين الأمر به على تقدير ترك ذي المقدّمة ، فيجري الترتّب في المقام حتّى على القول بالاقتضاء فضلاً عن القول بالعدم كما هو الصحيح.

على أنّه يمكن تصحيح الاعتكاف حتّى على القول بإنكار الترتّب والاكتفاء في البطلان بالنهي ، بل بمجرّد عدم الأمر باعتبار أنّه عبادة يعتبر في صحّته الأمر ولا يمكن الأمر بالضدّين معاً ولو مترتّباً.

والوجه في ذلك : أنّه لا شك في الصحّة على تقدير الخروج ، فهذا المقدار من المكث خارج عن الاعتكاف ومستثنى منه بمقتضى الأمر المتعلّق بالخروج ، فطبعاً تبقى بقيّة الأجزاء تحت الأمر ، وليس في البين عدا احتمال أن يكون الخروج دخيلاً في صحّة الاعتكاف ، ولكنّه احتمالٌ بعيد ، بل لعلّه مقطوع العدم ، إذ لا شكّ في عدم كونه شرطاً للاعتكاف ولا جزءاً منه ، فإذا صحّ الاعتكاف على تقدير الخروج صحّ على تقدير عدمه أيضاً وإن كان عاصياً.

وبعبارة اخرى : بعد أن لم يكن عدم المكث بمقدار الخروج قادحاً بشهادة الصحّة لو خرج فيبقى احتمال كون الخروج شرطاً في الصحّة ، وهو ساقط جزماً كما عرفت ، غايته أنّه ترك واجباً أو ارتكب محرّماً ، ولا يضرّ ذلك بالصحّة بالضرورة ، فلو بقي حتّى انتفى موضوع الخروج من إنقاذ غريق أو إطفاء حريق مثلاً لم يكن أيّ موجب للبطلان ، بل لا موجب حتّى إذا كان المكث حراماً بنفسه ، كما لو أجنب في المسجد ووجب الخروج للغسل فعصى ولم يخرج ، ولم يكن ذلك موجباً لتفويت مقدار من المكث الواجب على تفصيلٍ

٤٥٤

[٢٥٩٤] مسألة ٣٥ : إذا خرج عن المسجد لضرورة فالأحوط مراعاة أقرب الطرق (١) ، ويجب عدم المكث إلّا بمقدار الحاجة والضرورة ،

______________________________________________________

تقدّم سابقاً (١) ، فإنّ غايته ترك الواجب أو ارتكاب الحرام دون البطلان حسبما عرفت.

(١) بل هو الأقوى كما عليه المشهور ظاهراً.

وعن الجواهر ونجاة العباد : أنّه عبّر ب : «ينبغي» (٢) الظاهر في عدم الوجوب.

ولا وجه له ، إذ ليس معنى الخروج الذي سوّغته الضرورة مجرّد وضع القدم خارج المسجد ليتمسّك بإطلاقه ، بل معناه الكون في الخارج ، وإنّما عبّر بالخروج لعدم تحقّقه إلّا به.

وعليه ، فإذا كان أحد الطريقين يستوعب من الكون المزبور بمقدار عشر دقائق ، والآخر ثلاثين دقيقة ، فطبعاً يكون مقدار عشرين دقيقة خارج المسجد من غير حاجة تقتضيه ، فلا يجوز ، لاختصاص الجواز بالخروج بمقدار الحاجة التي تتأدّى بعشر دقائق حسب الفرض ، والزائد عليها ليس إلّا باشتهاء نفسه للتنزّه ونحوه.

وعلى الجملة : فلا يجوز اختيار أبعد الطريقين فيما إذا كان التفاوت فاحشاً.

نعم ، في التفاوت اليسير الذي لا يلتفت إليه العرف كمتر مثلاً بحيث يكون الاختلاف بمقدار الثواني لا بأس باختيار الأبعد كما هو ظاهر.

__________________

(١) في ص ٤٤٢.

(٢) لاحظ الجواهر ١٧ : ١٨٠.

٤٥٥

ويجب أيضاً أن لا يجلس تحت الظلال مع الإمكان (١) ،

______________________________________________________

وممّا ذكرناه تعرف عدم جواز المكث خارج المسجد أزيد من مقدار الحاجة ، فلا بدّ من الرجوع بعد قضائها ، لأنّ هذا هو مقتضى تخصيص الخروج بمقدار الحاجة ، وقد صرّح في بعض النصوص بقوله : «حتى يرجع إلى مجلسه» (١).

ثمّ إنّ الخروج للحاجة الذي دلّت النصوص على جوازه منزّل على المتعارف بعد عدم التعرّض لكيفيّة خاصّة ، فلا يعتبر الاستعجال في المشي كالركض ، كما لا يجوز الإهمال والتواني.

(١) للنهي عنه صريحاً في صحيحة داود بن سرحان : «ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك» (٢).

وأمّا التقييد بالإمكان فلأجل قصور المقتضي عن أزيد من ذلك ، إذ المذكور في صدر الصحيحة : وما ذا أفرض على نفسي. ومن البديهي أنّ الإنسان لا يفرض على نفسه إلّا الأمر الاختياري الذي هو تحت قدرته وإمكانه ، فغير الممكن غير داخل في الفرض من أوّل الأمر.

ثمّ إنّ صاحب الوسائل عنون الباب الثامن بقوله : باب أنّ المعتكف إذا خرج لحاجة لم يجز له الجلوس ولا المشي تحت الظلال ... إلخ. ثمّ قال : وتقدّم ما يدلّ على عدم جواز الجلوس والمرور (٣). ولم يذكر في هذا الباب ولا فيما تقدّم عليه ما يدلّ على المنع عن المشي ، وإنّما تقدّم المنع عن الجلوس فقط كصحيحة ابن سرحان المتقدّمة آنفاً ، وأمّا المشي تحت الظلال فلم نجد رواية تدلّ على

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٤٩ / أبواب الاعتكاف ب ٧ ح ١ و٢.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥٥٠ / أبواب الاعتكاف ب ٧ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٠ : ٥٥١ و٥٥٢.

٤٥٦

بل الأحوط (*) أن لا يمشي تحته أيضاً ، بل الأحوط عدم الجلوس مطلقاً (١) إلّا مع الضرورة.

______________________________________________________

المنع عنه للمعتكف ، وإنّما ورد ذلك في خصوص باب الإحرام ، ولا ندري من أيّة رواية استفاد الحكم في المقام ، وهو أعرف بما قال.

فالظاهر أنّ المشي المزبور لا بأس به وإن كان تركه أحوط.

(١) منشأ الاحتياط وجود روايتين يمكن أن يقال : إنّهما تدلّان على عدم جواز الجلوس مطلقاً :

إحداهما : صحيحة داود بن سرحان في حديث «قال : ولا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد الجامع إلّا لحاجة لا بدّ منها ، ثمّ لا يجلس حتّى يرجع» إلخ (١).

الثانية : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «قال : لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها ، ثمّ لا يجلس حتّى يرجع» إلخ (٢).

حيث تضمّنتا المنع عن الجلوس مطلقاً.

ولكن العطف بكلمة «ثمّ» في قوله : «ثمّ لا يجلس» يستوجب ظهور الكلام في إرادة المنع بعد قضاء الحاجة ، وأنّه لا يجوز التأخير زائداً على مقدار الاحتياج ، فلا تدلّ على المنع مطلقاً ، أي حتّى قبل القضاء. وعليه ، فتكون أجنبيّة عن محلّ الكلام كما لا يخفى.

__________________

(*) لا بأس بتركه فيه وفيما بعده.

(١) الوسائل ١٠ : ٥٤٩ / أبواب الاعتكاف ب ٧ ح ١ ، ٢.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥٤٩ / أبواب الاعتكاف ب ٧ ح ١ ، ٢.

٤٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، في ذيل صحيحة الحلبي هكذا : «ولا يخرج في شي‌ء إلّا لجنازة أو يعود مريضاً ، ولا يجلس حتّى يرجع» إلخ ، من غير أن يذكر هنا كلمة «ثمّ». وظاهر هذه الفقرة هو المنع مطلقاً قبل القضاء وبعدها تحت الظلال وغيرها. وحملها على الجلوس بعد العيادة أو الجنازة بلا موجب.

ولكن لا بدّ من رفع اليد عن هذا الإطلاق :

إمّا لأجل أنّه خلاف المتعارف جدّاً ، فإنّ التشييع بلا جلوس وإن أمكن ولكن العيادة بدونه غير ممكنة عادةً ، للافتقار إلى المكث عند المريض والاستفسار عن صحّته وانتظار يقظته لو كان نائماً ، ونحو ذلك ممّا يستلزم الجلوس بطبيعة الحال ، فلا مناص من حمل النهي على إرادة الجلوس بعد قضاء الحاجة ، فيخرج عن محلّ الكلام كما عرفت.

وإمّا لأجل التقييد بالظلال في صحيحة ابن سرحان المتقدّمة ، فإنّ القيد وإن لم يكن له مفهوم بالمعنى المصطلح إلّا أنّه يدلّ على عدم تعلّق الحكم بالطبيعي على إطلاقه ، وإلّا لكان القيد لغواً وبلا فائدة كما نبّهنا عليه في الأُصول (١) ، فلو كان الجلوس مطلقاً في المقام ممنوعاً فما هو وجه الخصوصيّة في التقييد بالظلال؟! فلا جرم يحمل المطلق على المقيّد ، لا لقانون الحمل عليه لعدم جريانه في النواهي كما لا يخفى ، بل لأجل المفهوم بالمعنى الذي عرفت. إذن لا دليل على ممنوعيّة الجلوس على سبيل الإطلاق ، بل المتيقّن هو الجلوس تحت الظلال حسبما عرفت.

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٣٧٧ ٣٨٠.

٤٥٨

[٢٥٩٥] مسألة ٣٦ : لو خرج لضرورة وطال خروجه بحيث انمحت صورة الاعتكاف بطل (١).

[٢٥٩٦] مسألة ٣٧ : لا فرق في اللبث في المسجد بين أنواع الكون (٢) من القيام والجلوس والنوم والمشي ونحو ذلك ، فاللازم الكون فيه بأيّ نحوٍ ما كان.

[٢٥٩٧] مسألة ٣٨ : إذا طُلِّقت المرأة المعتكفة في أثناء اعتكافها طلاقاً رجعيّاً (٣) وجب عليها الخروج إلى منزلها للاعتداد وبطل اعتكافها ، ويجب استئنافه إن كان واجباً موسّعاً بعد الخروج من العدّة.

______________________________________________________

(١) كما ظهر وجهه ممّا مرّ ، فإنّ الصورة قوام العمل ومن أهمّ الشرائط ، وبانتفائها ينتفي المشروط.

(٢) لإطلاق الأدلّة بعد ان كان الواجب مجرد اللبث والمكث.

(٣) أمّا إذا كان الطلاق بائناً أو مات عنها زوجها فلا إشكال ، فإنّها حينئذٍ كسائر النساء أجنبيّة عن الزوج لها ما لهنّ وعليها ما عليهن.

وأمّا إذا كان رجعيّاً فيجب عليها الاعتداد في بيتها ، ولا يجوز لها الخروج ، كما لا يجوز له إخراجها ما لم تأت بفاحشة مبيّنة كتاباً وسنّة.

ومن هنا قد يشكل الأمر في المقام ، نظراً إلى أنّ مقتضى كونها مطلقة وجوب الرجوع إلى البيت للعدّة ، كما أنّ مقتضى كونها معتكفة عدم الخروج من المسجد.

والذي ينبغي أن يقال : إنّه لا إشكال في وجوب الرجوع فيما إذا كان الاعتكاف استحبابيّاً مع عدم إذن الزوج بالبقاء ، أو كان واجباً موسّعاً ، كما لو

٤٥٩

وأمّا إذا كان واجباً معيّناً فلا يبعد التخيير بين إتمامه ثمّ الخروج وإبطاله والخروج فوراً ، لتزاحم الواجبين (*) ولا أهمّيّة معلومة في البين.

وأمّا إذا طُلِّقت بائناً فلا إشكال ، لعدم وجوب كونها في منزلها في أيّام العدّة.

______________________________________________________

وقع الطلاق في اليومين الأولين مع عدم الإذن أيضاً ، لعدم المزاحمة حينئذٍ كما هو ظاهر ، فيبطل الاعتكاف.

كما لا ينبغي الإشكال وإن لم يتعرّض له الأكثر في أنّ الاعتكاف إذا كان مع الإذن حدوثاً وبقاءً يجوز الاستمرار فيه وإن كان مستحبّاً فضلاً عن الواجب ، وذلك لأجل بعض الأخبار السليمة عن المعارض الناطقة باختصاص النهي عن الخروج من البيت بما إذا كان بغير إذن الزوج. وأمّا مع الإذن فيجوز لها الخروج. إذن فإذا فرضنا إذن الزوج بالبقاء في المسجد وكونها خارج البيت فلا مانع حينئذٍ من صحّة اعتكافها.

__________________

(*) أمّا بالإضافة إلى اليومين الأوّلين فلا موجب لوجوب الاعتكاف عليها فيهما إلّا بالنذر أو ما شاكله ، فعندئذ إن أذن الزوج الزوجة المذكورة بإتمام الاعتكاف وجب عليها الإتمام وفاءً بالنذر أو نحوه ، وأمّا إذا لم يأذن لها بذلك وجب عليها الخروج حيث إنّه يكشف عن بطلانه من الأوّل ، وعلى كلا التقديرين فلا تزاحم في البين ، وأمّا بالإضافة إلى اليوم الثالث فإن بنينا على أن وجوب الخروج عليها للاعتداد من أحكام العدة فحينئذ إن لم يأذن الزوج لها بإتمام الاعتكاف وقع التزاحم بين وجوب الخروج عليها وبين وجوب الاعتكاف في هذا اليوم ، وأمّا إذا أذن لها فلا تزاحم حيث لا يجب عليها الخروج عندئذ ، وأمّا إذا بنينا على أن وجوب الخروج عليها من أحكام الزوجية وجب عليها إتمام الاعتكاف حينئذ ، ولا يجوز لها الخروج وإن لم يأذن الزوج لها إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

٤٦٠