موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢٥٦٧] مسألة ٨ : لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام معيّنة أو أزيد فاتّفق كون الثالث عيداً ، بطل من أصله (١) ، ولا يجب عليه قضاؤه (٢) ، لعدم انعقاد نذره ، لكنّه أحوط.

______________________________________________________

يومين ، فالظاهر صحّته ، حيث إنّه بنفسه عبادة راجحة ، كما يستفاد ذلك ممّا ورد من أنّه يستحبّ أن يكون الشخص أوّل داخل في المسجد وآخر خارج عنه ، حيث دلّ على أنّ مجرّد المكث والكينونة فيه أمر مرغوب فيه عند الشارع ، ولذا حثّ على الازدياد وإطالة المكث ، فإذا كان هذا راجحاً ولا سيّما إذا انضمّت إليه عيادة أُخرى من صلاة أو ذكر أو قرآن ونحو ذلك فلا نرى أيّ مانع من انعقاد هذا النذر وصحّته بعد أن لم يعتبر فيه أيّ شي‌ء ما عدا الرجحان المتحقّق في المقام جزماً حسبما عرفت.

نعم ، لا يكون هذا الاعتكاف محكوماً بتلك الأحكام ، فيجوز بلا صوم وفي مطلق المسجد ومع البيع والشراء بل وفي الليل ونحو ذلك حسبما يفترضه الناذر على نفسه ، المستلزم لوجوب العمل على طبقه ، فيصحّ نذره ولا يجب تتميمه ثلاثاً كما لعلّه ظاهر جدّاً.

(١) سواء أعلم به بعد صوم اليومين الأولين أم قبله ، إذ بعد أن كان الاعتكاف مشروطاً بالصوم ولا يشرع الصوم يوم العيد فلا جرم كانت تلك المصادفة كاشفة عن عدم انعقاد النذر ، لعدم مشروعيّة متعلّقه كما هو ظاهر.

(٢) إذ هو تابع لعنوان الفوت ، وحيث لم يتعلّق به التكليف من أصله لعدم انعقاد نذره فلم يفت عنه شي‌ء بتاتاً حتّى شأناً واقتضاءً ، لوجود مانع عن الفعليّة كما في الحائض والمريض ونحوهما ، فلا موضوع للقضاء هنا أبداً بناءً على صحّة الاستدلال لإثبات القضاء في كلّ فريضة بقوله (عليه السلام) : «من

٤٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» (١) والإغماض عمّا فيه من الخدش سنداً ودلالةً ، لما عرفت من أنّ موضوعه الفوت غير المتحقّق في المقام بوجه.

نعم ، ذكر الماتن (قدس سره) أنّ القضاء أحوط ، ويكفي في وجهه مجرّد تطرّق الاحتمال واقعاً وإن لم يساعد عليه الدليل ظاهراً ، كيف؟! وقد ثبت القضاء في نظير المقام وهو الصوم المنذور المصادف للعيد ، فإنّه يجب قضاؤه بمقتضى صحيحة علي بن مهزيار : رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة دائماً ما بقي ، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيّام التشريق أو سفر أو مرض ، هل عليه صوم ذلك اليوم ، أو قضاؤه؟ وكيف يصنع يا سيّدي؟ فكتب إليه : «قد وضع الله عنه الصيام في هذه الأيّام كلّها ، ويصوم يوماً بدل يوم إن شاء الله تعالى» (٢).

فإنّ القضاء الثابت بهذه الصحيحة بما أنّه على خلاف القاعدة إذ لا مقتضي له أبداً بعد انكشاف عدم انعقاد النذر ، لأجل المصادفة المزبورة كما عرفت ، فلا بدّ من الاقتصار على موردها ، ولا يسوغ التعدّي عنه إلى المقام بوجه إلّا أنّ ذلك ربّما يؤكّد فتح باب الاحتمال المذكور ويوجب تقوية احتمال القضاء في المقام ، نظراً إلى أنّ الاعتكاف يتقوّم بالصوم ، فإذا كان الصوم في نفسه حكمه كذلك فلا يبعد أن يكون الاعتكاف المشتمل عليه أيضاً كذلك.

والحاصل : أنّ هذا الاحتياط استحبابي ويكفي في حسنه مجرّد احتمال القضاء واقعاً حسبما عرفت.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ١٦٤ / ٣٥٣.

(٢) الوسائل ٢٣ : ٣١٠ / كتاب النذر ب ١٠ ح ١.

٤٠٢

[٢٥٦٨] مسألة ٩ : لو نذر اعتكاف يوم قدوم زيد (١) بطل (*) ، إلّا أن يعلم يوم قدومه قبل الفجر. ولو نذر اعتكاف ثاني يوم قدومه صحّ ووجب عليه ضمّ يومين آخرين.

______________________________________________________

(١) فصّل (قدس سره) في مفروض المسألة بين ما لو علم قبل الفجر بيومٍ قدومه ، وبين ما إذا لم يعلم ، فيصحّ في الأوّل دون الثاني ، لعدم إمكان الاعتكاف في ذلك اليوم ، لأنّ منتصف النهار مثلاً لا يكون مبدأً لاحتساب الاعتكاف فيفوت المحلّ بطبيعة الحال ، إلّا أن ينذر اعتكاف ثاني يوم قدومه.

أقول : ما ذكره (قدس سره) وجيه لو كان مراد الناذر الاعتكاف من طلوع الفجر ، وأمّا لو أراد الاعتكاف من ساعة قدومه صحّ مع الجهل أيضاً ، فيتلبّس بالاعتكاف ساعة القدوم وإن كان أثناء النهار ، ويضيف عليها ثلاثة أيّام بحيث يكون أوّل أيّام اعتكافه الثلاثة هو الغد وهذا النصف المتقدّم زيادة على الثلاثة ، إذ لا مانع من الزيادة عليها ولو ببعض اليوم ، سواء أكانت الزيادة سابقة على الثلاثة أم لاحقة ، بمقتضى إطلاق الأدلّة ، ولا يعتبر الصوم فيما لو كان الزائد بعض اليوم ، بعدم الدليل عليه حينئذٍ كما لا يخفى.

وقد يقال بمنع البطلان في صورة الجهل بعد إمكان الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي ، بل وجوبه عليه ، لعدم الفرق في تنجيزه بين الدفعي والتدريجي ، فيجب عليه الاعتكاف في جميع تلك الأطراف المحصورة المحتمل وقوع القدوم فيها.

__________________

(*) بل صحّ ووجب عليه الاعتكاف من الفجر إن علم قدومه أثناء النهار ، وإلّا اعتكف من زمان قدومه وضمّ إليه ثلاثة أيّام ، نعم إذا كان من قصده الاعتكاف من الفجر بطل النذر في هذا الفرض.

٤٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ويندفع بما هو المحقّق في محلّه من أنّ العلم الإجمالي بنفسه لا يكون منجّزاً بالنسبة إلى الموافقة القطعيّة وإن كان كذلك بالإضافة إلى حرمة المخالفة القطعيّة بل المناط في التنجيز تعارض الأُصول ويكون المنجّز في الحقيقة حينئذٍ هو نفس الاحتمال العاري عن المؤمّن العقلي والشرعي.

وبعبارة اخرى : ليس العلم الإجمالي علّة تامّة للتنجيز ، بل هو مقتضٍ له ، فيتوقّف على شرط وهو تعارض الأُصول في تمام الأطراف ، فلا تنجيز مع عدم المعارضة ، بل المرجع حينئذٍ هو الأصل المفروض سلامته عن المعارض.

والمقام من هذا القبيل ، لأنّ تلك الأيّام المردّدة والأطراف المحصورة المعلوم وقوع القدوم فيها إجمالاً يجري في بعضها الأصل وهو استصحاب عدم القدوم من غير معارض ، لعدم جريانه في اليوم الأخير من تلك الأطراف ، إذ لا أثر له بعد العلم بتحقّق القدوم آن ذاك إمّا فيه أو فيما قبله ، فيكون جريانه فيما عدا ذلك اليوم إلى زمان العلم بالخلاف سليماً عن المعارض ، فيجري الاستصحاب في كلّ يوم إلى أن يعلم بالقدوم ، فإن علم به في ذلك اليوم فهو ، وإن علم بقدومه قبل ذلك كان معذوراً في الترك ، لأجل استناده إلى الأصل.

ولتوضيح المقام نقول : إنّ العلم الإجمالي بما أنّه يتعلّق بالجامع وكانت الأفراد مشكوكة بالوجدان ، فهو لا ينجّز إلّا بالإضافة إلى متعلّقه فتحرم مخالفته القطعيّة ، وأمّا بالنسبة إلى الموافقة القطعيّة فهو مقتضٍ للتنجيز وليس بعلّة تامّة ، والعبرة حينئذٍ بتعارض الأُصول ، فإن تعارضت كان العلم الإجمالي بل مجرّد الاحتمال غير المقرون بالمؤمّن الشرعي أو العقلي منجّزاً ، وإلّا انحلّ العلم وكان المرجع الأصل السليم عن المعارض.

وهذا كما لو علم إجمالاً ببطلان إحدى صلاتية من الحاضرة أو الفائتة ، فإنّه يرجع حينئذٍ بعد تعارض قاعدتي الفراغ فيهما إلى أصالة البراءة ، أو قاعدة

٤٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الحيلولة في الفائتة ، وقاعدة الاشتغال في الحاضرة ، فينحلّ العلم الإجمالي بالأصل المثبت والنافي اللذين لا تعارض بينهما بوجه.

وكما لو علم إجمالاً ببطلان وضوئه أو صلاته ، فإنّه يرجع حينئذٍ إلى قاعدة الفراغ في الوضوء السليمة عن المعارض ، للقطع ببطلان الصلاة على كلّ حال ، إمّا لفقد الطهور ، أو لفقد الركن مثلاً فلا موقع لجريان القاعدة فيها ، وبذلك ينحلّ العلم.

وبالجملة : ففي كلّ مورد كان الأصل في بعض الأطراف سليماً عن المعارض إمّا لعدم جريانه في الطرف الآخر ، أو لعدم معارضته معه لكون أحدهما نفياً والآخر مثبتاً لم يكن العلم الإجمالي منجّزاً من غير فرق بين الدفعي والتدريجي.

ومقامنا من هذا القبيل ، أمّا مع عدم العلم بالقدوم حتّى إجمالاً ، واحتمال عدم العود لموتٍ أو لهجرةٍ ونحو ذلك فظاهر ، فيرجع حينئذٍ إلى أصالة عدم القدوم ، لنفي الاعتكاف إلى أن يقطع بالخلاف.

وأمّا مع العلم الإجمالي كما هو المفروض فأطرافه محصورة لا محالة ، فلنفرض أنّها عشرة فعلم إجمالاً بالقدوم في إحدى هذه الأيّام ، وحينئذٍ فأصالة عدم القدوم لا تكاد تجري بالإضافة إلى اليوم الأخير ، لا بلحاظ لازمه العقلي وهو حدوث القدوم في الأيّام السابقة لعدم حجّيّة الأُصول المثبتة ، ولا بلحاظ نفسه ، لوضوح تقوّم الأصل بالشكّ ، وهو الآن يقطع بأنّه في اليوم الأخير وفي ظرف العمل متيقّن بالقدوم ، إمّا في نفس ذلك اليوم أو فيما تقدّمه ، فهو غير شاكّ في القدوم آن ذاك كي يجري الأصل هناك بالضرورة ، بل عالم بالقدوم إمّا في نفسه فيعتكف أو في سابقه فيكون معذوراً في تركه.

إذن كان الاستصحاب بالإضافة إلى كلّ واحد من الأيّام السابقة إلى اليوم التاسع جارياً وسالماً عن المعارض ، فيحرز في كلّ منها عدم القدوم ببركة

٤٠٥

[٢٥٦٩] مسألة ١٠ : لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام من دون الليلتين المتوسّطتين لم ينعقد (١).

______________________________________________________

الاستصحاب ، وينفى موضوع الاعتكاف بضمّ الوجدان إلى الأصل ، فإنّه يومٌ وجداناً ولم يقدم فيه زيد بالاستصحاب ، فلا يجب الاعتكاف.

وبالجملة : العبرة في جريان الأصل بمراعاة الشكّ في ظرف العمل ، وهو بالنسبة إلى اليوم الأخير لا شكّ له في ظرفه ، فلا معنى لجريان الأصل فيه ، فيكون جريانه في كلّ واحد من الأيّام السابقة إلى أن يقطع بالخلاف سليماً عن المعارض ، فإن حصل القطع في نفس اليوم اعتكف ، وإن تعلّق بالأيّام السابقة كان معذوراً في الترك ، لأجل استناده إلى الأصل.

فتحصّل : أنّ العلم الإجمالي في المقام وكلّ ما كان نظيراً له من التدريجيّات التي لا يجري الأصل في الفرد الأخير منها لا يكون منجّزاً ، ويختصّ التنجيز في التدريجي والدفعي بما إذا كانت الأُصول جارية في تمام الأطراف وساقطة بالمعارضة حسبما عرفت بما لا مزيد عليه.

(١) لعدم مشروعيّة الاعتكاف كذلك كما تقدّم (١) ، إلّا أن يريد مجرّد اللبث والعكوف والمكث والبقاء لا الاعتكاف الاصطلاحي المحكوم بأحكام خاصّة فإنّه أيضاً بنفسه عبادة كما تقدّم ، فيكون راجحاً ولا سيّما إذا كان مقروناً بعبادةٍ اخرى من ذكر أو قراءة ونحوهما ، فلا مانع من انعقاد نذره حينئذٍ لو تعلّق بمكث ساعة في المسجد فضلاً عن الأيّام الثلاثة ولو بغير الليالي ، فإنّه يتبع قصد الناذر كما هو ظاهر.

__________________

(١) في ص ٣٥٩.

٤٠٦

[٢٥٧٠] مسألة ١١ : لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام أو أزيد لم يجب إدخال الليلة الأُولى فيه (١) ، بخلاف ما إذا نذر اعتكاف شهر (*) فإن الليلة الأُولى جزء من الشهر.

______________________________________________________

(١) لخروجها عمّا به قوام الاعتكاف ، فإنّه متقوّم في أصل الشرع بالبدأة من الفجر وإن ساغت الزيادة بإدخال الليلة ، لكنّها تحتاج إلى عناية زائدة وتعلّق القصد بها ، فبدونه ينزّل على ما هو المجعول في أصل الشرع من خروج الليلة الاولى.

وهذا بخلاف النذر المتعلّق باعتكاف الشهر ، إذ الشهر حقيقة فيما بين الهلالين كما تقدّم في كتاب الصوم (١) ، فيعمّ الليلة لدخولها فيه ، وبذلك افترق الشهر عن اليوم.

هذا ، ولكن الصحيح أنّ الحكم بدخول الليلة في الشهر وخروجها تابع لقصد الناذر ، فإن قصد أحدهما فهو ، وأمّا لو أطلق نذر الشهر ولم يقصد إلّا ما تحت هذه العبارة فلا يبعد الخروج حينئذٍ ، لأنّ الشهر وإن كان حقيقة فيما بين الهلالين كما ذكر إلّا أنّ مناسبة الحكم والموضوع تستدعي إرادة البدأة من الفجر ، لأنّ هذا هو المعتبر في الاعتكاف ، وما يتقوّم به في أصل الشرع بحسب الجعل الأولي والتقديم عليه بإدخال الليلة يحتاج إلى عناية خاصّة ومئونة زائدة كما تقدّم ، فبدون رعايتها كما هو المفروض ، حيث أطلق ولم يقصد إلّا ما هو ظاهر اللفظ ينزّل الكلام على ما هو أخفّ مئونة كما لا يخفى.

__________________

(*) الحكم فيه تابع لقصد الناذر ، ومع الإطلاق لا يبعد عدم وجوب الإدخال وإن كان الإدخال أحوط.

(١) في ص ٢٧٩.

٤٠٧

[٢٥٧١] مسألة ١٢ : لو نذر اعتكاف شهر يجزئه ما بين الهلالين (*) وإن كان ناقصاً (١) ، ولو كان مراده مقدار شهر وجب ثلاثون يوماً (٢).

______________________________________________________

(١) بل هو المتعيّن عليه وليس مجرّد الإجزاء ، لما تقدّم من أنّ الشهر حقيقة في ذلك لغةً وعرفاً وأنّه اسم لنفس الهلال باعتبار أنّه يشهد ويظهر بعد الخفاء ثم يبقى إلى ظهور الهلال الجديد ، ولأجله كان اللفظ حقيقة فيما بين الهلالين ، ومن ثمّ أشرنا في كتاب الصوم إلى لزوم مراعاته في صوم الشهرين المتتابعين ، وعدم كفاية التلفيق. ففي المقام أيضاً لا يجزئ الملفّق من نصفي شهر أو أكثر ، لعدم صدق الشهر الذي هو حقيقة فيما بين الهلالين عليه بوجه.

وعليه ، فلا يفرق في ذلك بين كون الشهر تامّاً أو ناقصاً ، لصدق ما بين الهلالين على التقديرين.

نعم ، على تقدير النقص يجب تكميله بيوم ، بناءً على القول بأنّه كلّما زاد على الثلاثة يومين وجب تكميلهما ثلاثاً ، فإنّ الناقص يتألّف من تسع مرّات ثلاثة أيّام ويزيد عليها بيومين فوجب اليوم الثالث. وأمّا بناءً على إنكاره لضعف مستنده كما سبق فلا حاجة إلى التكميل.

وعلى أيّ حال ، فإضافة اليوم من أجل تكميل الاعتكاف لا لتكميل نقص الشهر.

(٢) لأنّ المنصرف من مقدار الشهر بحسب الظهور العرفي إنّما هو الثلاثون ، فلو قال : بقيت في بلدة كذا شهراً ، لا ينسبق إلى الذهن إلّا ذلك ، بحيث لا يحسن منه هذا التعبير لو كان دخوله يوم العشرين وخروجه يوم التاسع عشر من الشهر القادم مثلاً إلّا بنحوٍ من العناية ، وإلّا فقد بقي تسعة وعشرين يوماً لا

__________________

(*) ويجب إضافة يوم بناءً على وجوبها كلّما زاد يومين.

٤٠٨

[٢٥٧٢] مسألة ١٣ : لو نذر اعتكاف شهر وجب التتابع (١) ، وأمّا لو نذر مقدار الشهر جاز له التفريق ثلاثة ثلاثة إلى أن يكمل ثلاثون يوماً ، بل لا يبعد جواز التفريق يوماً فيوماً (*) ويضمّ إلى كلّ واحد يومين آخرين ، بل الأمر كذلك في كلّ مورد لم يكن المنساق منه هو التتابع.

______________________________________________________

مقدار الشهر ، فإنّه خلاف ظاهر اللفظ بمقتضى الانصراف العرفي كما عرفت.

ولو لا هذا الانصراف فمجرّد التقدير بالطبيعي الجامع بين الناقص والكامل بأن نذر اعتكاف مقدار شهر من شهور السنة وهي مختلفة من حيث الكمال والنقص يستدعي الاجتزاء بالناقص ، لانطباق الطبيعة عليه ، كما لو نذر أن يتصدّق بما يعادل ربحه إمّا في هذا اليوم أو اليوم الماضي وهو لا يعلم بذلك ، فانكشف أنّ ربحه هذا اليوم خمسة دنانير وفي الأمس ديناران ، فإنّه يجزئ التصدّق حينئذٍ بدينارين ، لما عرفت من أنّ تعليق الحكم على طبيعة مشتملة على فردين أحدهما تامّ والآخر ناقص وهي منطبقة على كلّ منهما حسب الفرض يستدعي جواز الاجتزاء بالفرد الناقص.

فالعمدة في المقام في الحمل على التمام أعني : الثلاثين إنّما هو الانصراف والظهور العرفي حسبما عرفت.

(١) لما عرفت من أنّ الشهر حقيقة فيما بين الهلالين فأجزاؤه متتابعة بالذات ، فلا جرم كان ملحوظاً في المنذور ، فلا مناص من رعايته ، فلو فرّق ولفّق ولو بأن يعتكف في النصف الأوّل من شهر رجب في سنة والنصف الثاني منه في سنة أُخرى حنث ولم يف بنذره ، لعدم الإتيان بمتعلّقه كما هو ظاهر.

__________________

(*) هذا مبني على أحد أمرين : إمّا على اعتبار القصد في الوفاء بالنذر ، وإمّا أن يكون في المنذور خصوصيّة ، وهي موجودة في اليوم الأوّل دون اليومين الآخرين.

٤٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا إذا تعلّق النذر بعنوان الشهر كشهر رجب مثلاً.

وأمّا إذا نذر اعتكاف مقداره ، فبما أنّ التتابع غير ملحوظ حينئذٍ في المنذور جاز التفريق والتوزيع كيفما شاء من التنصيف أو التثليث ونحوهما من أنحاء التقسيط مرّات عديدة وإن كانت عشر مرّات كلّ مرّة ثلاثة.

بل لم يستبعد في المتن جواز التفريق يوماً فيوماً إلى أن يكمل الثلاثون ، ولكن حيث إنّ الاعتكاف لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام فيلزمه حينئذٍ أن يضمّ إلى كلّ واحد يومين آخرين فيكون المجموع تسعين يوماً في ثلاثين وجبة كلّ وجبة ثلاثة أحدها نذراً والآخران تكميلاً.

فكأنه (قدس سره) يرى أنّ عشر وجبات غير مجزية وإن بلغ مجموعها ثلاثين يوماً.

وهو مبني إمّا على دعوى لزوم قصد عنوان الوفاء في امتثال الأمر النذري ، وحيث لم يقصده إلّا في الواحدة من كلّ ثلاثة فلا يقع الباقي وفاءً عن النذر.

ويدفعه : أنّ العنوان المزبور غير لازم القصد ، فإنّ الوفاء هو الإنهاء والإتمام والإتيان بذات المتعلّق ، كما في الوفاء بالعقد الذي يكون إنهاؤه وإتمامه بعدم الفسخ المساوق للّزوم ، وفي المقام بعدم حلّ النذر ولزوم العمل به ، والأمر الناشئ من قبل النذر توصليّ لا تعبّدي فلا يجب قصده والتقرّب به ، فمتى أتى بالمتعلّق كيفما اتّفق فقد أدّى ما عليه ولا يعتبر شي‌ء آخر أزيد من ذلك ، كما أوضحناه في محلّه عند التكلّم حول معنى الوفاء.

وعليه ، فاليومان الآخران يحسبان وفاءً عن النذر بطبيعة الحال ، وإن جي‌ء بهما بعنوان التكميل فلا حاجة إلى الزيادة على الواجبات العشر.

أو يبتني على أخذ خصوصيّة في المنذور لا تنطبق إلّا على واحد من الأيّام الثلاثة ، كما لو نذر أن يعتكف شهراً في أفضل مكان من مواطن مسجد الكوفة

٤١٠

[٢٥٧٣] مسألة ١٤ : لو نذر الاعتكاف شهراً أو زماناً على وجه التتابع (١) ، سواء شرطه لفظاً أم كان المنساق منه ذلك ، فأخلّ بيوم أو أزيد ، بطل وإن كان ما مضى ثلاثة فصاعداً واستأنف آخر مع مراعاة التتابع فيه.

______________________________________________________

كمقام إبراهيم (عليه السلام) وكان اعتكافه يوماً في المقام ويومين في سائر أماكن المسجد ، أو نذر أن يصوم في اعتكافه بعنوان الاعتكاف فصام يوماً كذلك ويومين بعنوان النيابة أو الكفّارة ونحوهما ، فحينئذٍ لا يحتسب من كلّ ثلاثة إلّا يوماً واحداً.

وبالجملة : فكلام الماتن (قدس سره) يبتني على أحد هذين الأمرين.

وأمّا إذا فرضنا أنّ متعلّق النذر مطلق لم تؤخذ فيه أيّة خصوصيّة ما عدا تعلّقه بمقدار الشهر كما هو المفروض في عبارة المتن وبنينا على عدم لزوم قصد عنوان الوفاء كما هو الصحيح حسبما عرفت فلم تكن حينئذٍ حاجة إلى ضمّ اليومين إلى كلّ واحد ليبلغ المجموع تسعين يوماً ، بل بمجرّد الانضمام ولو كان بعنوان التكميل يحتسب وفاءً عن النذر وتبرأ الذمّة عنه ، لأنّ الانطباق قهري والإجزاء عقلي ، فيكتفى بالواجبات العشر البالغ مجموعها ثلاثين.

(١) إذا نذر الاعتكاف في مدّة محدودة كشهر مثلاً مقيّداً بالتتابع إمّا للتصريح به أو لكونه المنساق من الكلام ، وقد أخلّ بهذا القيد ، فقد يكون المنذور كلّيّاً ، وأُخرى متعيّناً في زمان خاصّ كشهر رجب.

فعلى الأوّل : لا إشكال في البطلان ، لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه ، فلا ينطبق المنذور على المأتي به ، ولأجله لا مناص من الاستئناف والإتيان بفرد آخر مراعياً فيه التتابع كما في سائر موارد النذر ، فلو نذر أن يقرأ سورة تامّة متتابعاً فقرأ وأخلّ بالتتابع لم يجز ووجب الاستئناف ، وهذا ظاهر لا سترة عليه.

٤١١

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا في الثاني : فلا ريب في البطلان أيضاً ، لما ذكر ، بل العصيان ووجوب كفّارة الحنث إن كان متعمّداً ، وإلّا فلا شي‌ء عليه ، ولا فرق في ذلك بين ترك المنذور رأساً وبين الإخلال بقيد المتابعة.

والمعروف والمشهور وجوب القضاء مع الترك بالمرّة ، وسيجي‌ء البحث حول ذلك عند تعرّض الماتن إن شاء الله (١) ، ولا كلام من هذه الناحية.

وإنّما الإشكال بعد الفراغ عن أصل القضاء في جهتين :

إحداهما : إذا فاته الاعتكاف المنذور ولو بالإخلال بجميعه وعدم الإتيان بشي‌ء منه حتّى يوماً واحداً إمّا لعذر أو لغير عذر ، فهل يعتبر التتابع في القضاء كما كان معتبراً في المقضي؟

وقد تقدّم نظير هذا البحث في قضاء الصوم المنذور المشروط فيه التتابع ، وذكرنا ثمّة أنّه لم يساعد الدليل وهو صحيحة علي بن مهزيار إلّا على أصل القضاء دون كيفيّته ، وأقمنا شواهد على عدم لزوم مطابقة القضاء مع الأداء في الخصوصيّات ، فلو فاته الصيام من أيّام القيظ الشديدة الحرّ الطويلة النهار جاز القضاء من أيّام الشتاء القصيرة ، أو لو فات الصوم المنذور إيقاعه في بلد جاز القضاء في بلد آخر ، فلا تلزم مراعاة جميع الخصوصيّات ومنها التتابع.

وكيفما كان ، فذاك البحث جارٍ في المقام أيضاً ، وقد احتاط الماتن بالتتابع.

والظاهر أنّ الحكم في هذه المسألة مبني على ما يستند إليه في أصل القضاء :

فإن كان المستند فيه الدليل اللّفظي كالنبوي : «اقض ما فات كما فات» (٢) ـ

__________________

(١) في ص ٤٢١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٦٨ / أبواب قضاء الصلاة ب ٦ ح ١ ، بتفاوت يسير.

٤١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

كان اللازم اعتبار المتابعة أيضاً ، لأنّ نفس الدليل يدلّ على لزوم كون القضاء مماثلاً للأداء.

وإن كان المستند الدليل اللبّي وهو الإجماع فالمتيقّن منه أصل القضاء دون التتابع.

وستعرف إن شاء الله ضعف الاستناد إلى الدليل اللفظي.

وعليه ، فإن بنينا على تماميّة الإجماع كما لا تبعد فغايته ثبوت أصل القضاء دون المتابعة ، فيرجع في نفيها إلى أصالة البراءة.

وعلى الجملة : لا ينبغي التأمّل في أنّ الخصوصيّات الملحوظة في الاعتكاف أو الصوم المنذورين من الزمانيّة والمكانيّة وغيرهما كالوقوع في فصل الصيف والنهار الطويل أو النجف الأشرف مثلاً غير لازم المراعاة في القضاء لدى فوات المنذور لعذر أو لغيره ، فلو نذر أن يعتكف في مسجد الكوفة ففاته ولو عن عمد فلا ريب في جواز قضائه في أيّ مسجد جامع ، فليكن التتابع أيضاً من هذا القبيل بعد قصور الدليل عن إثبات وجوبه في القضاء كالأداء حسبما عرفت.

الجهة الثانية : لو أخلّ بالتتابع المعتبر في المنذور ، فهل يجب عليه قضاء المنذور من أصله ، أو خصوص ما أخلّ به؟ فلو نذر الاعتكاف من أوّل رجب إلى اليوم السادس مثلاً متتابعاً ، فتابع في الأربعة وأخلّ بالأخيرين ، فهل يختصّ القضاء بهما ، نظراً إلى أنّه قد أتى بالباقي متتابعاً وكان موافقاً للمنذور فلا وجه لقضائه ، أو انّه يجب قضاء الكلّ ، لعدم إغناء التتابع في البعض عن الكلّ بعد أن كان المجموع واجباً واحداً ارتباطيّاً لانتفاء المركّب بانتفاء جزئه ، فالإخلال بالبعض إخلال بالمركّب بطبيعة الحال ، كما هو مقتضى فرض

٤١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الارتباطيّة الملحوظة بين الأجزاء؟

المشهور هو الثاني ، أي قضاء المنذور بتمامه كما اختاره في المتن.

ولكن على ضوء ما قدّمناه في الجهة الأُولى حول اعتبار التتابع يظهر الحال هنا أيضاً وأنّه لا يجب إلّا قضاء ما أخلّ به فقط ، فإنّ المستند في القضاء لو كان دليلاً لفظيّاً تضمّن أنّ من فاته الاعتكاف المنذور وجب قضاؤه صحّ التمسّك بإطلاق الفوت الشامل لما فات رأساً أو ما فات ولو ببعض أجزائه ، باعتبار أنّ فوات الجزء يستدعي فوات الكلّ ، واتّجه الحكم حينئذٍ بقضاء المنذور بتمامه.

إلّا أنّك عرفت أنّ المستند إنّما هو الإجماع ، ومن المعلوم عدم ثبوته في المقام ، كيف؟! وقد ذهب جماعة من الأصحاب منهم صاحبا المدارك والمسالك (١) إلى الاقتصار على قضاء ما أخلّ به وإن ذهب المشهور إلى قضاء نفس المنذور ، فالمسألة خلافيّة ولا إجماع في المقام على قضاء المنذور بتمامه كي نلتزم به ، فعدم القول به لقصورٍ في المقتضى ، لا لأنّ التتابع في البعض يغني عن المركّب ليرد عليه ما أورده في الجواهر من الإيراد الظاهر وهو وضوح عدم الإغناء بعد فرض ارتباطيّة الأجزاء ، وكون الإخلال بالبعض إخلالاً بالكلّ كما مرّ.

نعم ، لا مناص من قضاء ما أخلّ به ، فإنّ المسألة وإن كانت خلافيّة كما عرفت إلّا أنّ الكلّ مطبقون على وجوب القضاء في هذا المقدار على سبيل الإجماع المركّب ، فلا سبيل لتركه بعد قيام الإجماع عليه.

__________________

(١) المدارك ٦ : ٣٣٦ ٣٣٧ ، المسالك ٢ : ١٠٥ ١٠٦.

٤١٤

وإن كان معيّناً وقد أخلّ بيوم أو أزيد وجب قضاؤه (*) ، والأحوط التتابع فيه أيضاً ، وإن بقي شي‌ء من ذلك الزمان المعيّن بعد الإبطال بالإخلال فالأحوط ابتداء القضاء منه (١).

[٢٥٧٤] مسألة ١٥ : لو نذر اعتكاف أربعة أيّام فأخلّ بالرابع (٢) ولم يشترط التتابع ولا كان منساقاً من نذره وجب قضاء ذلك اليوم (**) وضمّ يومين آخرين ، والأولى جعل المقضي أوّل الثلاثة وإن كان مختاراً في جعله أيّاً منها شاء.

______________________________________________________

(١) رعايةً للأداء في الزمان بقدر الإمكان ، ولكنّه استحسان لا يصلح مستنداً للحكم الشرعي ، بل لا يتمّ في نفسه ، إذ بعد الإخلال بالتتابع في الزمان المعيّن المضروب لم يبق فرق بين الباقي وما بعده في أنّ الكلّ خارج عن الأجل المعيّن والوقت المضروب ، فيكون قضاءً لا محالة.

نعم ، كان ذلك هو الأولى من باب استحباب الاستباق إلى الخير والمسارعة إليه والتعجيل فيه ، الذي هو أمر مندوب مرغوب فيه في جميع الواجبات والمستحبّات.

(٢) لا إشكال في وجوب قضاء الرابع حينئذٍ بمعنى الإتيان دون القضاء بالمعنى المصطلح كما لا يخفى وفي وجوب ضمّ يومين آخرين معه كما أفاده ، لعدم مشروعيّة الاعتكاف أقلّ من الثلاثة.

__________________

(*) على الأحوط.

(**) التعبير بالقضاء لا يخلو عن مسامحة.

٤١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وإنّما الإشكال في أنّ المقضي هل يتعيّن جعله أوّل الثلاثة ، أو أنّه مخيّر بين ذلك وبين جعله الوسط أو الأخير كما اختاره في المتن وأنّ جعل الأوّل أولى؟ وقد أفتى بمثل ذلك في الجواهر أيضاً (١).

والظاهر أنّ المسألة مبنيّة على لزوم قصد عنوان الوفاء في تفريغ الذمّة عن المنذور.

وأمّا بناءً على ما عرفت من عدم لزوم القصد لكون الوفاء هو الإنهاء وإتمام ما التزم به والإتيان بمتعلّق نذره ، والأمر الناشئ من قبله توصليّ لا يعتبر في سقوطه قصد التقرّب ، فلا حاجة حينئذٍ إلى التعيين من أصله ، لعدم المقتضي له ، فيحسب واحد من الثلاثة وفاءً ، والآخران متمّماً ، ويمكن أن يقال بانطباق ذلك الواحد على الفرد الأوّل قهراً وبطبيعة الحال كما لا يخفى.

بل حتّى إذا قلنا بلزوم قصد الوفاء جاز له أن يقصد الوفاء بمجموع الثلاثة ، لعدم الدليل على لزوم التشخيص والتعيين بوجه.

وقد يقال : إنّه بعد فرض عدم مشروعيّة الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام فالأمر بقضاء اليوم الفائت بنفسه أمرٌ بضمّ اليومين الآخرين ، وبما أنّ المجموع عبادة واحدة واعتكاف واحد فالكلّ واجب بوجوب واحد نفسي ومصداق للوفاء بالنذر ، فلا معنى للتعيين في اليوم الأوّل أو غيره ، إذ الكلّ متعلّق لأمر واحد نفسي كما عرفت.

ويندفع : بأنّ ضمّ اليومين لم يكن لمصلحة نفسيّة كي يكون الكلّ واجباً بالوجوب النفسي ، وإنّما هو من أجل المقدّميّة تحصيلاً لشرط الصحّة في اليوم الفائت بعد امتناع وقوعه مجرّداً عنهما ، نظير بقيّة الواجبات المقيّدة بشي‌ء

__________________

(١) الجواهر ١٧ : ١٨٩.

٤١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

كاشتراط الصلاة بالطهور ، فإنّ الأمر بالواجب المقيّد لا ينفك عن المقدّميّة.

وبعبارة اخرى : قد ذكرنا في محلّه أن جميع الواجبات المركّبة المتدرّجة في الوجود كالصلاة لا ينفك أجزاؤها بالأسر عن القيديّة والاشتراط ، فلكلّ جزء حيثيّتان : حيثيّة الأمر النفسي الضمني المنبسط عليه من ناحية الأمر بالمركّب ، وحيثيّة كونه قيداً في صحّة الجزء الآخر على ما هو مقتضى فرض الارتباط الملحوظ بين الأجزاء ، فالجزء من الصلاة ليس مطلق التكبير ، بل ما كان ملحوقاً بالركوع ، كما أنّ الركوع مشروط بكونه مسبوقاً بالقراءة وملحوقاً بالسجود ، وهكذا الحال في سائر الأجزاء ، فإنّها برمّتها مشروطة بالمسبوقيّة والملحوقيّة معاً ، ما عدا الجزء الأوّل والأخير ، فإنّهما مشروطان بواحد منهما ، إذ لا جزء قبل الأوّل ولا بعد الأخير ، فلو تجرّد الركوع مثلاً عمّا تقدّمه أو ما تأخّره لم يقع مصداقاً للواجب.

وهكذا الحال في الاعتكاف ، فإنّ كلّ يوم بالإضافة إلى اليوم الآخر مشروط بالمسبوقيّة أو الملحوقيّة أو هما معاً ، فلا جرم كان ذلك قيداً في الصحّة ، وبما أنّ الاعتكاف المفروض في المقام ليس بواجب من غير ناحية النذر وهو لم يتعلّق إلّا بيوم واحد كان انضمام اليومين الآخرين من جهة صحّة المنذور فقط ، من غير أن يتضمّنا ملاك النفسيّة بوجه ، لأنّه لم ينشأ إلّا من قبل النذر وهو مختصّ بواحد منها فحسب ، فلا محالة كان وجوبهما متمحّضاً في المقدّميّة.

وحينئذٍ فإن التزمنا بوجوب المقدّمة وجب اليومان شرعاً وكان المركّب مؤلّفاً من الواجب النفسي والغيري ، وإن أنكرناه كما هو الصحيح على ما حُقّق في الأُصول من عدم الوجوب إلّا عقلاً من باب اللابدّيّة بقيا على حكمهما الأوّل ، وإن وجب الثالث بملاك التتميم الثابت في كلّ اعتكاف ولا

٤١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ضير في تركّب الواجب من جزئين : أحدهما واجب نفسي والآخر غيري ، أو من واجب وغير واجب حكم العقل بوجوبه كما لا يخفى.

وعليه ، فالواجب النفسي وما هو مصداق للوفاء إنّما هو واحد من الثلاثة.

ثمّ إنّ الامتثال في المركّبات التدريجيّة ومنها الاعتكاف إنّما يتحقّق بالجزء الأخير فما لم يتعقّب به يبطل من الأوّل ، فسقوط الأوامر الضمنيّة واتّصافها بالامتثال دفعي وفي زمان واحد ، وهو آن الفراغ من المركّب ، وإنّما التدرّج في نفس العمل وذات المتعلّق كصيام الأيّام الثلاثة في الاعتكاف.

وعليه ، فلا يعلم أنّ أيّاً من هذه الأيّام مصداق للوفاء وامتثال للأمر النفسي ، إذ لا ميّز ولا تعيّن لواحد منها عن الآخر حتّى في صقع الواقع وفي علم الله تعالى ، لما عرفت من أنّ الكلّ تتّصف بالامتثال المستتبع لسقوط الأمر في آن واحد ، ومعه كيف يمكن التعيين بالقصد؟! نعم ، لا مانع منه وليس هو من التشريع ، ولكن لا ملزم له ولا حاجة إليه.

وهذا نظير ما لو كان زيد مديناً لعمرو بدرهم ، أو كان قد نذر ذلك فدفع إليه درهمين قاصداً بأحدهما الوفاء وبالآخر الهبة والعطاء ، فإنّه لا يتعيّن أحدهما في أحدهما بالخصوص ، لعدم التعيّن والامتياز حتّى بحسب الواقع ، فلا يتميّز الوفاء عن العطاء ليتعيّن بالقصد.

ومقامنا من هذا القبيل ، فإنّ الاعتكاف عبادة واحدة ، وليس هو في كلّ يوم عملاً مستقلا لينطبق النذر على الأول ، بل امتثال الكلّ في زمان واحد وبنسبة واحدة ، وقد أتى بالجميع بقصد الوفاء عن ذلك اليوم ، فلا تعيّن له في شي‌ء منها ليتعيّن بالقصد حسبما عرفت بما لا مزيد عليه.

٤١٨

[٢٥٧٥] مسألة ١٦ : لو نذر اعتكاف خمسة أيّام وجب أن يضمّ إليها سادساً ، سواء تابع أو فرّق بين الثلاثتين (١).

______________________________________________________

(١) أمّا مع التفريق فظاهر ، لوجوب ضمّ الثالث إلى اليومين بعد الثلاثة ، إذ لا اعتكاف أقلّ من الثلاثة.

وكذا مع التتابع والإتيان بالمجموع في اعتكاف واحد ، لما تقدّم عند التكلّم حول الشرط الخامس من صحيحة أبي عبيدة المصرّحة بأنّه «إن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتّى يتمّ ثلاثة أيّام أُخر» (١).

وعن الأردبيلي : عدم وجوب ضمّ السادس في صورة المتابعة ، نظراً إلى اختصاص دليل الضمّ وهو الصحيح المتقدّم بالمندوب ، فلا يعمّ المنذور ، مع إمكان التفرقة بأنّ في المندوب قد تحقّق الاعتكاف في أصل الشرع بالثلاثة الأُول وليس ثَمّة ما يدلّ على اتّصال الزائد وهو اليومان ، بل هما بمثابة اعتكاف جديد ، فلا جرم دعت الحاجة إلى التكميل ، إذ لا اعتكاف أقلّ من الثلاثة. وهذا بخلاف المنذور ، فإنّ الخمسة حينئذٍ اعتكاف واحد عن أمر وملاك واحد وهو النذر ، فلا نقص ليحتاج إلى التتميم ، ولا بأس بالزيادة على الثلاثة (٢).

واعترض عليه غير واحد بأنّ الصحيحة وإن كانت مختصّة بالمندوب إلّا أنّ المنذور ليس حقيقة أُخرى غيره ، بل هما فردان من طبيعة واحدة ، فإذا ثبت حكم لأحدهما ثبت للآخر بطبيعة الحال ، لاشتراكهما في الأحكام وعدم احتمال التفرقة فيها.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٤٤ / أبواب الاعتكاف ب ٤ ح ٣.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ٣٧١ ٣٧٢.

٤١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذا كما ترى قابل للمناقشة ، إذ لقائل أن يقول : إنّ الحكم إذا كان خاصّاً بموردٍ ومتعلّقاً بفرد فكيف يسوغ لنا التعدّي إلى الفرد الآخر وإن اتّحدا في الطبيعة؟! نعم ، لو كان الحكم متعلّقاً بالطبيعة عمّ جميع الأفراد كما لو ورد : لا اعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام ، دون ما كان خاصّاً بموردٍ ووارداً في فردٍ بخصوصه كما في المقام.

والصحيح فساد المطلب من أصله ، وأنّ الصحيحة غير مختصّة بالمندوب لا أنّه يسلم الاختصاص ويجاب بما لا يسلم عن النقاش إذ لا موجب لتوهّم الاختصاص عدا التعبير بقوله (عليه السلام) : «فهو يوم الرابع بالخيار» ، نظراً إلى عدم الخيار بين القطع والاسترسال في الاعتكاف الواجب ، ولزوم المضيّ فيه إلى أن يفرغ ، فيكشف ذلك عن إرادة المندوب.

ولكنّك خبير بأنّ هذا لازم أعمّ ، لثبوت التخيير في الواجب الموسّع أيضاً كالمندوب ، فيجوز في كلّ منهما رفع اليد في اليوم الرابع والخامس كاليومين الأوّلين ، فلا شهادة في هذا التعبير على إرادة المندوب بوجه.

نعم ، لا خيار في الواجب المعيّن بنذرٍ ونحوه ، كما لو نذر أن يعتكف من أوّل رجب من هذه السنة إلى اليوم الخامس ، فإنّه يجب عليه الإتمام ولا خيار في شي‌ء من الأيّام ، ولكن لا يحتمل الفرق بين الواجب الموسّع والمعيّن من هذه الجهة قطعاً ، لعدم القول بالفصل ، إذ لا قائل بالفرق بينهما وإن قيل بالفرق بين الواجب والمستحبّ كما عرفت.

فالصحيح أنّ الصحيحة بنفسها وافية لإثبات الحكم في كلّ من المندوب والمنذور ، لكونه معلّقاً فيها على طبيعي الاعتكاف الشامل لجميع الأفراد.

٤٢٠