موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

ويشترط في صحّته أُمور :

الأوّل : الإيمان ، فلا يصحّ من غيره (١).

______________________________________________________

إلى الأقرب أعني : «ميّتين» كما يساعده الاعتبار ، فإنّ مصاديق البرّ بهما حيّين واضح ، وإنّما الذي يحتاج إلى التنبيه لخفائه هو البرّ وهما ميّتان ، فذكر (عليه السلام) : أنّه الصلاة والصيام والتصدّق ونحوها.

إذن لا دلالة فيها على جواز النيابة عن الحيّ بوجه ، فهي ساقطة سنداً ودلالةً.

(١) تقدّم استقصاء الكلام حول اعتبار الإيمان في العبادات في بحث تغسيل الميّت عند التكلّم في اشتراط الإيمان في الغاسل فيما إذا كان الميّت مؤمناً دون غيره ، وإلّا فيجوز تغسيل المخالف لمثله بقاعدة الإلزام ، وقلنا : إنّ هناك روايات كثيرة دلّت على أنّ صحّة العبادات بأسرها منوطة بالولاية ، فغير الموالي للأئمّة الاثني عشر صلوات الله عليهم أجمعين أعماله كسراب بقيعة وجودها كالعدم ولا تنفعه إلّا الحسرة والندم.

فإذا كان الحال هكذا في فاقد الإيمان ففي فاقد الإسلام بطريق أولى.

على أنّ الكافر ممنوع من اللبث في المسجد الذي يتقوّم به الاعتكاف ، ولا أقلّ من أجل كونه جنباً غالباً ، مضافاً إلى أنّه مشروط بالصوم كما سيجي‌ء (١) ، ولا يصحّ الصوم من الكافر كما مرّ (٢).

فظهر أنّه لا يصحّ الاعتكاف من غير المؤمن من غير فرق بين المخالف والكافر.

__________________

(١) في ص ٣٥٠.

(٢) شرح العروة ٢١ : ٤٥٢.

٣٤١

الثاني : العقل ، فلا يصحّ من المجنون (١) ولو أدواراً في دوره ، ولا من السكران وغيره من فاقدي العقل.

______________________________________________________

(١) لعدم الاعتبار بقصده بعد أن كان مرفوعاً عنه القلم ، ومن هنا كان عمده خطأ وديته على العاقلة ، فقصده في حكم العدم ، ولا عبادة إلّا مع القصد.

وقد ورد في النصّ : أنّ أوّل ما خلق الله العقل وأنّه تعالى خاطبه بقوله : بك أُثيب وبك أُعاقب ... إلخ (١) ، فالعقل إذن هو المناط في الثواب والعقاب ، والمدار في الطاعة والعصيان ، فلا أثر لعبادة المجنون.

وحديث رفع القلم وإن كان وارداً في الصبي أيضاً حتّى يحتلم ، إلّا أنّا استكشفنا مشروعيّة عباداته ممّا ورد من قوله (عليه السلام) : «مروا صبيانكم بالصلاة والصيام» (٢) ، بل في بعضها الأمر بضرب الصبي وتأديبه لو لم يصلّ لسبع (٣) ، وقد ذكرنا في الأُصول أنّ الأمر بالأمر بالشي‌ء أمر بذلك الشي‌ء (٤) ، فنفس العبادة الصادرة من الصبي متعلّق لأمر الشارع بمقتضى هذا الدليل ، غير أنّ الأمر استحبابي لا وجوبي ، ومن هنا كان المرفوع قلم الإلزام لا قلم التشريع ، وبذلك افترق عن المجنون ، لعدم ورود مثل هذا الدليل فيه ، ولأجله بنينا في محلّه على أنّ عبادات الصبي شرعيّة وليست بتمرينيّة ، فيصحّ الاعتكاف منه دون المجنون.

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٦٧.

(٢) الفقيه ١ : ١٨٢ / ٨٦١ ، الكافي ٣ : ٤٠٩ / ١.

(٣) لاحظ الوسائل ٤ : ٢٠ / أبواب أعداد الفرائض ب ٣ ح ٧.

(٤) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ٧٦.

٣٤٢

الثالث : نيّة القربة كما في غيره من العبادات (١) ، والتعيين إذا تعدّد ولو إجمالاً (٢) ،

______________________________________________________

(١) للإجماع والتسالم على عباديّته ، بل هي من مرتكزات المتشرّعة ، ويدلّنا عليه قبل ذلك قوله تعالى (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (١) ، فإن أمر الله تعالى نبيّه بتطهير البيت لا يكون إلّا لأن يتعبّد فيه من طوافٍ واعتكاف وركوع وسجود ، لا لمجرّد اللبث والمكث ولو لغير العبادة من سكنى أو بيتوتة أو بيع ونحو ذلك ، فالآية بنفسها ظاهرة الدلالة بمقتضى مناسبة الحكم والموضوع في العباديّة واعتبار قصد التقرّب من غير حاجة إلى التشبّث بالإجماع والارتكاز وإن كانا حاصلين أيضاً كما عرفت.

(٢) تقدّم في مطاوي بعض الأبحاث السابقة أنّ اشتغال الذمّة بعملين أو أكثر مشاركين في الصورة ومسانخين في الظاهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

فتارةً : لا يترتّب أثر على شي‌ء منهما بخصوصه ولم يكن بينهما أيّ امتياز حتّى واقعاً ما عدا الاثنينيّة. وهذا كمن فات عنه يومان أو أيّام من شهر رمضان ، أو صلاتان من صلاة الآيات ، ونظيره في الماليّات من كان مديناً لزيد بدرهم ، ثمّ صار مديناً له بدرهم آخر ، فإنّ الذمّة في هذه الفروض مشغولة بمجرّد صوم يومين أو قضاء صلاتين ، أو أداء درهمين من غير خصوصيّة للسابق ولا للّاحق ، إذ لا يلزمه قصد خصوصيّة ما فاته أو استدانه أوّلاً أو ثانياً بالضرورة ، ففي مثل ذلك لا يجب عليه قصد التعيين لدى التصدّي للقضاء أو الوفاء ، فإنّه فرع التعيّن ، والمفروض أنّه لا تعيّن في البين حتّى واقعاً ، ولا امتياز

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٢٥.

٣٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لأحدهما حتّى في علم الله ، فلو أتى بواحد منهما برئت ذمّته عن واحد لا بعينه وبقيت مشغولة بواحد آخر مثله إلى أن يتحقّق امتثاله خارجاً ، وهذا ظاهر.

وأُخرى : يترتّب الأثر على أحدهما بالخصوص دون الآخر ، وهذا كمن كان عليه صوم يومين قضاء أحدهما من رمضان هذه السنة ، والآخر من السنة الماضية ، فإنّ الأوّل يختصّ بأثر وهو تعلّق الكفّارة لو حال الحول ولم يقضه بخلاف الثاني ، فهما يشتركان في وجوب القضاء ، ويمتاز أحدهما بالفداء ، وحينئذٍ لا بدّ في سقوط الكفّارة من تعلّق القصد بما له الأثر بخصوصه ، فلو صام قضاء وأطلق النيّة فلم يقيّد بهذه السنة وقع قضاء عن السنة الماضية التي هي أخفّ مئونةً ، لأنّ وقوعه عن هذه السنة يحتاج إلى عناية خاصّة وقصد لها بالخصوص ، والمفروض عدم مراعاتها ، فبطبيعة الحال يقع عمّا لا عناية فيه ، فتستقرّ الكفّارة عليه لو بقي كذلك إلى حلول السنة الجديدة.

وثالثةً : يترتّب الأثر على كلّ منهما بالخصوص ويمتاز عن الآخر بعنوانه المخصوص ، وهذا كما في الأداء والقضاء ، والفريضة والنافلة ، ونحو ذلك ، فإنّ تفريغ الذمّة عن كلّ منهما يتوقّف على قصد عنوانه ، وإلّا لم يقع امتثالاً عن شي‌ء منهما ، فلو صلّى في الوقت أربع ركعات من غير قصد الأداء والقضاء ولو إجمالاً ، أو صلّى بعد الفجر ركعتين من غير قصد فريضة الفجر ولا نافلته لم يقع مصداقاً لشي‌ء منهما ، لأنّ كلّاً منهما متقوّم بعنوانه الخاصّ ، فلا مناص من قصده.

وعلى ضوء هذه الكبرى الكلّيّة نقول في المقام :

إنّ من عليه اعتكافان فتارةً : لا يكون بينهما امتياز ، لعدم ترتّب الأثر على شي‌ء منهما ، كما لو نذر إن رزقه الله ولداً اعتكف ، ثمّ نذر إن شفي مريضه اعتكف ، فحصل الشرطان ووجب الاعتكافان ، فإنّه يصحّ الإتيان حينئذٍ بكلّ

٣٤٤

ولا يعتبر فيه قصد الوجه كما في غيره من العبادات (١) ، وإن أراد أن ينوي الوجه ففي الواجب منه ينوي الوجوب وفي المندوب الندب ، ولا يقدح في ذلك كون اليوم الثالث الذي هو جزء منه واجباً لأنّه من أحكامه ،

______________________________________________________

منهما بلا تعيين ، فلا حاجة منا إلى قصد التعيين.

وأُخرى : يترتّب الأثر على كلّ منهما ، كما لو كان أجيراً في الاعتكاف عن زيد ثمّ صار أجيراً فيه عن عمرو أيضاً ، فإنّ اللّازم حينئذٍ قصد النيابة عن كلّ منها وتعيينه بالخصوص ، وإلّا لم يقع عن شي‌ء منهما.

وثالثةً : يترتّب الأثر على أحدهما دون الآخر ، كما لو كان أجيراً عن زيد وعليه نذر أيضاً فوجب اعتكافان : أحدهما بالإجارة ، والآخر بالنذر ، فإنّ الأول يفتقر إلى القصد ، إذ ما لم يقصد النيابة عن الغير لا يقع عنه فهو من العناوين القصديّة ، بخلاف الوقوع وفاءً عن نذره ، فإنّه يتحقّق وإن كان غافلاً عن نذره ، لأنّ الأمر بالوفاء توصليّ فيتحقّق كيفما اتّفق ، فلو نذر أن يصلّى ليلة الجمعة صلاة الليل فصلّى تلك الليلة اتّفاقاً غافلاً عن نذره فإنّه قد وفى ولم يحنث وإن لم يقصد عنوان الوفاء.

هذا ، ولا ينبغي الشكّ في أنّ مراد الماتن حيث حكم بوجوب التعيين ليس هو القسم الأول ، لما عرفت من أنّه لا تعيّن فيه ليحتاج إلى التعيين ، بل مراده (قدس سره) القسم الثاني أو الأعمّ منه وممّا بعده كما لا يخفى.

(١) قد عرفت أنّ الاعتكاف مندوب في أصل الشرع ويعرضه الوجوب بالعنوان الثانوي الطاري من نذر أو يمين أو شرط ونحو ذلك ، فهو إذن ينقسم إلى واجب ومستحبّ ، ولكن لا يجب قصد شي‌ء من الخصوصيّتين ، لعدم الدليل على اعتبار قصد الوجه في شي‌ء من العبادات كما تعرّضنا له في محلّه في الأُصول

٣٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

في مبحث التعبّدي والتوصلي (١) ، فلا يلزمه في المقام إلّا الإتيان بداعٍ قربى وعلى وجه العبادة ، فإنّ الأمر الناشئ من العنوان الثانوي كالنذر ونحوه وإن كان توصليّاً إلّا أنّه حيث تعلّق بما هو عبادة في نفسه فلا مناص من الإتيان به عباديّاً ، لأنّ الأمر لا يدعو إلّا إلى متعلّقه ، فلا بدّ من الإتيان به على وجهه كما ذكرنا نظير ذلك في بحث مقدّمة الواجب عند التكلّم حول ما إذا كانت المقدّمة عبادة كالطهارات الثلاث ، فإنّ الأمر الغيري أيضاً توصليّ كما في المقام ، وأشرنا هناك إلى أنّه لا يلزم في تحقّق العبادة قصد الأمر الاستحبابي النفسي العبادي المتعلّق بالطهارات (٢) ، كيف؟! وهو مغفول عنه عند عامّة الناس كما لا يخفى ، بل يكفي فيه الإضافة إلى المولى نحو الإضافة الحاصلة بقصد امتثال الأمر الغيري وإن كان توصليّاً ، فإنّ التوصلية غير مانعة عن إمكان التقرّب بالضرورة ، فكما يمكن التقرّب بالأمر الندبي النفسي ، كذلك يمكن بالأمر الوجوبي الثابت بعنوان المقدّمة ، أو النذر أو الإجارة ونحو ذلك. وتمام الكلام في محلّه.

وكيفما كان ، فلا يعتبر قصد الوجه.

نعم ، لو أراد أن ينوي الوجه ففي الواجب منه ينوى الوجوب ، وفي المندوب الندب.

وأمّا بالإضافة إلى اليوم الثالث فيأتي به بعنوان التكملة والتتميم لما شرع ، ولا يجب فيه قصد الوجوب وإن كان متّصفاً به ، لأنّ القائلين باعتبار قصد الوجه وهم المتكلّمون وتبعهم بعض الفقهاء إنّما يقولون به في العبادات المستقلّة ، لشبهة عرضت عليهم ، حاصلها : أنّ الحركات والسكنات الحاصلة في مثل الصلاة والصيام والاعتكاف ونحوها من سائر العبادات لا تتّصف في

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٨١ وما يليها.

(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٣٩٧ ٤٠٠.

٣٤٦

فهو نظير النافلة إذا قلنا بوجوبها بعد الشروع فيها ، ولكن الأولى ملاحظة ذلك حين الشروع فيه ، بل تجديد نيّة الوجوب في اليوم الثالث ، ووقت النيّة قبل الفجر ، وفي كفاية النيّة في أوّل الليل كما في صوم شهر رمضان (١) إشكال. نعم ، لو كان الشروع فيه في أوّل الليل أو في أثنائه نوى في ذلك الوقت.

______________________________________________________

نفسها بالعباديّة إلّا بتوسيط انطباق عنوان حسن عليها ، وحيث إنّ ذلك العنوان الواقعي الذي هو المناط في الاتّصاف بالحسن مجهول لدينا فلا مناص من قصد عنوان آخر به نشير إليه ، وليس هو إلّا الوجوب أو الندب.

وهذه الشبهة وإن كانت واهية تعرّضنا لدفعها في محلّها ، إلّا أنّه يظهر منها أنّ مورد كلامهم إنّما هو العبادات المستقلّة المتأصّلة دون الضمنيّة التي هي من أجزاء العمل وتابعة للمركّب كما في المقام ، حيث إنّ الاعتكاف في مجموع الثلاثة أيّام عمل وحداني محكوم بالندب لدى الشروع ، وإن وجب التكميل بعد يومين فإنّه حكم ثانوي عارضي نظير وجوب الإتمام في الحجّ بعد الإحرام مع كون الشروع فيه مستحبّاً ، وكذا الحال في النافلة على القول بوجوب تكميلها بعد الشروع فيها ، ففي أمثال هذه الموارد لا يجب قصد الوجه قطعاً ، ولم يقل به أحد حتّى القائلين بالاعتبار فيجزئ الإتيان حينئذٍ بعنوان الإكمال والإتمام حسبما عرفت.

(١) لا إشكال فيه قطعاً فيما إذا كانت النيّة التي حقيقتها الداعي باقية في أُفق النفس إلى طلوع الفجر ولو ارتكازاً وبصورتها الإجمالية التي لا تنافيها الغفلة الفعليّة بحيث لو سُئل عن سبب اللبث لم يحر في الجواب ، كمن يشرع في عملٍ كالصلاة أو الذهاب إلى داره ويتمّه جرياً على الارتكاز الكامن في النفس وإن ذهلت صورتها التفصيليّة ، لانشغال الذهن بأُمور أُخر كما هو ظاهر ، بناءً

٣٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

على تفسير النيّة بما عرفت.

إنّما الإشكال فيما لو زالت النيّة عن صقع النفس بالكلّيّة ، أو عرضه النوم ولم يستيقظ إلّا بعد طلوع الفجر.

أمّا في الأوّل : فالظاهر البطلان ، للزوم مقارنة النيّة للعبادة ، والتقديم على خلاف الأصل لا يصار إليه إلّا مع قيام الدليل كما في الصوم.

وأمّا في الثاني : فلا يبعد الصحّة ، وأنّ النصوص الواردة في الصوم الدالّة على عدم قادحيّة النوم مطابقة لمقتضى القاعدة فيسري مفعولها إلى المقام. وذلك فلأجل أنّ من دخل المسجد ناوياً اللبث فيه من الفجر ثمّ نام عن هذه النيّة فذلك اللّبث مستند إليه ويعدّ فعلاً اختياراً صادراً عن قدرته وإرادته وإن حصل حال النوم الذي لا شعور له آن ذاك ، لوضوح أنّ المقدور بالواسطة مقدور بالقدرة على مقدّمته ، فمن ينام وهو يعلم بترتّب اللبث عليه فذلك اللبث فعل اختياري له. ومن هنا يعدّ من القتل العمدي فيما لو فعل باختياره فعلاً يعلم بترتّب القتل عليه ، ولا دليل على اعتبار العباديّة في المقام بأزيد من هذا.

وبالجملة : فاللبث في المسجد حال النوم مع سبق النيّة مثل الوقوف بعرفة حال النوم مع سبقها في صحّة الإسناد والاجتزاء في مقام الامتثال.

ومنه تعرف أنّ النصّ الوارد في الصوم وأنّه لا يضرّه النوم مطابق لمقتضى القاعدة كما أشرنا إليه.

نعم ، لو نام في بيته ثمّ حُمل إلى المسجد وبقي فيه نائماً إلى الفجر لم يكف وإن كان من نيّته الذهاب والمكث قبل أن ينام ، بل أنّ هذا أوضح إشكالاً من الفرض الأوّل أعني : من غفل عن النيّة بالكلّيّة لأنّ العبادة يعتبر فيها القصد والإرادة قبل اعتبار القربة ، فهي تتقوّم بقيدين أحدهما في طول الآخر ، ففي فرض الغفلة لم يكن المفقود عدا نيّة القربة مع صدور الفعل أعني : اللّبث عن

٣٤٨

ولو نوى الوجوب في المندوب أو الندب في الواجب اشتباهاً لم يضرّ ، إلّا إذا كان على وجه التقييد (*) (١) ، لا الاشتباه في التطبيق.

______________________________________________________

الاختيار والإرادة وأمّا هنا فلم يصدر منه أيّ فعل إرادي ، فقد انعدم ما هو أعظم شأناً ، إذ لم يستند الفعل إليه بوجه ، فهو كمن نام ثمّ حُمل إلى السفر حال النوم ، فكما لا يكون هذا السفر اختياريّاً له ومستنداً إليه ، فكذا اللّبث في المقام.

هذا كلّه فيما لو كان الشروع في الاعتكاف من الفجر.

وأمّا لو شرع فيه في أوّل الليل أو في أثنائه فوقت النيّة هو هذا الزمان ، وهو مبدأ الاعتكاف ، فلا يضرّه النوم بعدئذٍ قطعاً ، كالنوم الحاصل خلال الثلاثة وقد تحقّقت المقارنة حينئذٍ ، ولا شكّ في صحّة مثل هذا الاعتكاف ، لأنّه لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام ، وأمّا الأكثر منه فلا بأس به ، سواء أكان الزائد بعد الثلاثة أم قبلها بدخول الليلة الأُولى أو مقدار منها كما سيجي‌ء إن شاء الله تعالى (١).

وقد أشار الماتن إلى ذلك بقوله : نعم ، لو كان المشروع فيه ... إلخ.

(١) قد أشار في مطاوي هذا الشرح مراراً إلى أنّه لا أثر للتقييد في أمثال المقام ، إذ مورده ما إذا كان هناك كلّي ذو حصص ليقبل التضييق والتقييد بحصّة دون اخرى ، كما لو صلّى بعنوان الأداء ثمّ بان أنّه قد صلّاها ، فإنّها لا تُحسب قضاءً لأنّه قيّد الطبيعي بحصّة خاصّة فلا يقع عن غيرها إلّا إذا كان ناوياً للأمر الفعلي واعتقد أنّه الأداء ، فإنّها تحسب حينئذٍ عن القضاء ، ويكون من باب

__________________

(*) مرّ أنّه لا أثر للتقييد في أمثال المقام.

(١) في ص ٣٥٤ ٣٥٦.

٣٤٩

الرابع : الصوم ، فلا يصحّ بدونه (١) ، وعلى هذا فلا يصحّ وقوعه من المسافر في غير المواضع التي يجوز له الصوم فيها.

______________________________________________________

الاشتباه في التطبيق ، ونحوه في باب المعاملات فيما لو باع مقيّداً بصفة ولم يتّصف كما ذكرناه في محلّه.

وأمّا الجزئي الخارجي فلا توسعة فيه كي يقبل التضييق : فلو نوى الائتمام خلف الإمام بتخيّل أنّه زيد فبان أنّه عمرو ، فهذا الائتمام جزئي خارجي وشي‌ء وحداني ودائر أمره بين الوجود والعدم ، فلا معنى لتقييده بوجود زيد في المحراب بحيث يتحقّق على تقدير وجوده دون عدمه ، فإنّ هذا نظير أن تضرب أحداً مقيّداً بكونه زيداً بحيث ينتفي بانتفائه ، إذ لا محصّل لذلك ، ضرورة وقوع الضرب خارجاً سواء أكان المضروب زيداً أم عمرواً كوقوع الائتمام بمن في المحراب ، سواء أكان هو زيداً أم عمرواً ، فلا معنى للتقييد في أمثال هذه الموارد : بل كلّها من باب تخلّف الداعي والخطأ في التطبيق الذي لا يكون قادحاً في الصحّة.

ومقامنا من هذا القبيل ، فإنّ الاعتكاف الصادر منه جزئي خارجي قد تحقّق ، سواء أكان واجباً أم مندوباً ، فلا معنى لإناطة وجوده بتقديرٍ دون تقدير كي يقبل التقييد ، فالتخلّف فيه يكون دائماً من باب الاشتباه في التطبيق حسبما عرفت.

(١) بلا خلاف فيه ، بل في الجواهر : أنّ الإجماع عليه بقسميه (١) ، وتشهد به جملة وافرة من النصوص وفيها الصحاح ، وقد تضمّن بعضها نفي الطبيعة عن

__________________

(١) الجواهر ١٧ : ١٦٤.

٣٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

فاقد الصوم وأنّه لا اعتكاف إلّا بصوم ، الذي يراد به نفي الصحّة نظير قولهم (عليهم السلام) : «لا صلاة إلّا بطهور» (١) ، وبذلك يرتكب التقييد في إطلاق الآية المباركة.

فمنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال : «لا اعتكاف إلّا بصوم» (٢) ونحوها صحيح ابن مسلم (٣).

وفي موثّقته : «لا يكون الاعتكاف إلّا بصيام» (٤) ونحوها موثّقة عمر بن يزيد (٥) وعبيد بن زرارة (٦) وغيرها.

فلا شكّ في اشتراط الاعتكاف بالصيام بمقتضى هذه النصوص.

ويترتّب على هذا الاشتراط ما ذكره في المتن من عدم صحّة الاعتكاف ممّن لا يشرع في حقّه الصيام كالمسافر ، وكما في يومي العيدين ، فإنّ انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط.

ولكن نُسب إلى الشيخ وابن إدريس وابن بابويه جوازه في السفر ، نظراً إلى الإطلاق في أدلّة الاعتكاف ، إذ لم يقيّد شي‌ء منها بالحضر ، فتدلّ بالدلالة الالتزاميّة على مشروعيّة ما يتوقّف عليه وهو الصوم (٧).

ولكنّه كما ترى ، بل لعلّ الجواب عنه أوضح من أن يخفى ، ضرورة أنّ إطلاقات الاعتكاف بعد أن كانت مقيّدة بالصيام بمقتضى النصوص المتقدّمة فتقيّد بما هو شرط في الصوم ، فكلّما هو شرط في صحّة الصوم شرط في صحّة الاعتكاف

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٦٥ / أبواب الوضوء ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥٣٦ / أبواب الاعتكاف ب ٢ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٠ : ٥٣٦ / أبواب الاعتكاف ب ٢ ح ٦.

(٤) الوسائل ١٠ : ٥٣٧ / أبواب الاعتكاف ب ٢ ح ٨ ، ٩ ، ١٠.

(٥) الوسائل ١٠ : ٥٣٧ / أبواب الاعتكاف ب ٢ ح ٨ ، ٩ ، ١٠.

(٦) الوسائل ١٠ : ٥٣٧ / أبواب الاعتكاف ب ٢ ح ٨ ، ٩ ، ١٠.

(٧) المبسوط ١ : ٢٩٢ ، السرائر ١ : ٣٩٤ ، المقنع : ١٩٩.

٣٥١

ولا من الحائض والنفساء (١) ، ولا في العيدين ، بل لو دخل فيه قبل العيد بيومين لم يصحّ (٢) وإن كان غافلاً حين الدخول.

______________________________________________________

بطبيعة الحال ، بحيث لو جمعنا بين الدليلين في كلام واحد وقلنا : لا اعتكاف إلّا بصوم ، ولا يجوز الصوم في السفر ، فلا جرم كانت النتيجة أنّه لا يجوز الاعتكاف في السفر ، ولم يكن في البين أيّة معارضة فضلاً عن أن يتمسّك بإطلاق الأوّل ويقدّم.

ولأجل ذلك لم يلتزموا بصحّة الاعتكاف في العيدين ، ولم يتمسّك أحد هنا بإطلاقات الأدلّة لإثبات المشروعيّة ، والمسألتان من وادٍ واحد.

اللهمّ إلّا أن يفرّق بأنّ حرمة الصوم في العيد ذاتيّة ، وفي السفر تشريعيّة ، فيمكن إثبات الأمر في الثاني بإطلاق الدليل دون الأوّل ، إذ لا يكون الحرام مصداقاً للواجب ، فتأمّل.

(١) لا يبعد أن تكون هذه العبارة سهواً من قلمه الشريف ، ضرورة أنّ الاعتكاف متقوّم باللّبث في المسجد الممنوع في حقّ الحائض والنفساء ، فلا يكون عدم الصحّة منهما من آثار الاشتراط بالصوم كما هو ظاهر تفريع المتن ، حيث جعل ذلك مترتّباً عليه وعدّهما في سياق عدم الصحّة من المسافر وفي العيدين ، فلو فرضنا صحّة الصوم منهما كالمستحاضة لم يكد يصحّ الاعتكاف منهما أيضاً ، لما عرفت.

(٢) لامتناع صوم اليوم الثالث المصادف للعيد الذي لا يفرّق فيه بين الغفلة والالتفات ، ولا يصحّ الاقتصار على اليومين ، لعدم مشروعيّة الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام كما سيجي‌ء.

٣٥٢

نعم ، لو نوى اعتكاف زمان يكون اليوم الرابع (١) أو الخامس منه العيد : فإن كان على وجه التقييد بالتتابع لم يصحّ ، وإن كان على وجه الإطلاق لا يبعد صحّته (١) ، فيكون العيد فاصلاً بين أيّام الاعتكاف.

______________________________________________________

(١) لو نوى الاعتكاف أربعة أيام مثلاً فصادف العيد اليوم الرابع ، فقد يكون ذلك على وجه التقييد بالتتابع بأن تكون نيّته متعلّقة بالثلاثة المقيّدة بانضمام اليوم الرابع بنحو البشرط شي‌ء ، وأُخرى يكون على وجه الإطلاق وبنحو اللااقتضائيّ بشرط.

لا شكّ في البطلان على الأول ، لأنّ ما قصده يتعذّر امتثاله ، وما يمكن أعني : الاقتصار على الثلاثة لم يتعلّق به القصد ، فما قصده لا يقع ، وما يمكن أن يقع لم يقصد.

وأمّا الثاني : فلا مانع من صحّته ، فيقتصر على الثلاثة بعد أن كانت مقصودة حسب الفرض.

وأمّا لو نوى الاعتكاف خمسة أيّام مثلاً فصادف العيد اليوم الرابع : فإن كان على وجه التقييد فالكلام هو الكلام بعينه ، وإن كان على وجه الإطلاق فلا شكّ في صحّة الثلاثة ما قبل العيد كالبطلان فيه.

إنّما الكلام في اليوم الخامس ، فقد حكم في المتن بصحّته أيضاً والتحاقه بالثلاثة الأُول ، فيكون العيد فاصلاً بين أيّام الاعتكاف.

__________________

(١) نعم ، إلّا أنّ كون ما بعد العيد جزءاً لما قبله محلّ إشكال ، والأحوط الإتيان به رجاءً أو إنشاء اعتكاف جديد.

٣٥٣

الخامس : أن لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام (١) ، فلو نواه كذلك بطل.

______________________________________________________

ولكنّه مشكل ، فإنّ الفصل المزبور يوجب انقطاع الاعتكاف المعتبر فيه الموالاة ، فلا يصلح اللاحق للانضمام إلى السابق كي يكون المجموع اعتكافاً واحداً ، كما لو أفطر أثناء الثلاثة فإنّه يمنع عن الالتحاق ، لأجل اعتبار التوالي في الاعتكاف.

وعليه ، فيتعيّن أن يكون اليوم الخامس مبدأً لاعتكافٍ جديد ، ولأجله يعتبر ضمّ يومين آخرين ، إذ لا اعتكاف أقلّ من ثلاثة.

نعم ، لا بأس بالاقتصار عليه بعنوان الرجاء ، فيعتكف اليوم الخامس ويلحقه بما سبق رجاءً.

(١) بلا خلاف فيه ، بل الإجماع عليه بقسميه كما في الجواهر (١).

وتشهد به صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام» (٢).

ونحوها موثّقة عمر بن يزيد التي رواها الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن ابن فضّال ، عن محمّد بن علي ، عن الحسن بن محبوب (٣).

فإنّ طريق الشيخ إلى ابن فضّال وإن كان ضعيفاً (٤) إلّا أنّ طريق النجاشي

__________________

(١) الجواهر ١٧ : ١٦٦.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥٤٤ / أبواب الاعتكاف ب ٤ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٠ : ٥٤٤ / أبواب الاعتكاف ب ٤ ح ٥ ، التهذيب ٤ : ٢٨٩ / ٨٧٨ ، الإستبصار ٢ : ١٢٩ / ٤١٩.

(٤) انظر المعجم ١٢ : ٣٦٤.

٣٥٤

وأمّا الأزيد فلا بأس به وإن كان الزائد يوماً أو بعضه (١) أو ليلة أو بعضها.

______________________________________________________

صحيح (١) ، والكتاب واحد كما تكرّرت الإشارة إليه.

وأمّا محمّد بن علي فالمراد به هنا محمّد بن علي بن محبوب بقرينة روايته عن الحسن بن محبوب كثيراً ، ولا يراد به الكوفي الصيرفي الهمداني المعروف بأبي سمينة ، الذي استظهرنا إرادته من هذه الكلمة في رواية أُخرى تقدّمت وعرفت ضعفه (٢) ، وذلك لاختلاف الراوي والمروي عنه في هذه الرواية عن تلك.

وكيفما كان ، فالرواية معتبرة ، غاية الأمر أنّها موثّقة لا صحيحة من أجل علي بن الحسن بن فضّال.

(١) بلا خلافٍ فيه ، ويستدلّ له بمعتبرة أبي عبيدة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث «قال : من اعتكف ثلاثة أيّام فهو يوم الرابع بالخيار : إن شاء زاد ثلاثة أيّام أُخر ، وإن شاء خرج من المسجد ، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتّى يتمّ ثلاثة أيّام أُخر» (٣).

فإنّ مفهوم الشرطيّة الأخيرة جواز الخروج قبل استكمال اليومين بعد الثلاثة ، كأن يخرج في اليوم الرابع أو أثناء اليوم الخامس. فيدلّ بالدلالة الالتزاميّة على جواز نيّة الاعتكاف هذا المقدار من الأوّل ، وأنّ ذلك مشروع من حين الشروع.

__________________

(١) النجاشي : ٢٥٧ / ٦٧٦.

(٢) في ص ٣٤٠.

(٣) الوسائل ١٠ : ٥٤٤ / أبواب الاعتكاف ب ٤ ح ٣.

٣٥٥

ولا حدّ لأكثره (١).

______________________________________________________

ويندفع : بأنّ المفهوم وإن كان تامّاً إلّا أنّ الدلالة الالتزاميّة ممنوعة ، ضرورة عدم استلزام جواز رفع اليد بقاءً لمشروعيّته حدوثاً كي تسوغ نيّته كذلك من أوّل الأمر. ألا ترى أنّ النافلة يجوز قطعها ورفع اليد عنها بعد الإتيان بركعة واحدة ، ولا يجوز أن ينوي الركعة حين الشروع أو نصفها؟! وبالجملة : مفاد المعتبرة جواز الخروج عن المسجد فيما إذا بدا له ذلك ، ولا يدلّ هذا بوجه على جوازه من الأوّل لتدلّ على مشروعيّته الاعتكاف أربعة أيّام مثلاً.

فالأولى الاستدلال لجواز الزيادة على الثلاثة بإطلاقات مشروعيّة الاعتكاف من الكتاب والسنّة ، إذ لم يرد عليها التقييد إلّا التحديد من ناحية القلّة دون الكثرة ، فنفس الإطلاقات السليمة عن التقييد من طرف الزيادة وافية لإثبات المشروعيّة.

(١) وقد يستدلّ له ببعض النصوص المتعرّضة للتحديد من طرف الأقلّ من دون تعرّض للأكثر.

وفيه ما لا يخفى ، فإنّ عدم التعرّض أعمّ من عدم التحديد ، فلا دلالة له على النفي بعد أن لم تكن في مقام البيان إلّا من ناحية الأقلّ.

فالأولى أن يستدلّ هنا أيضاً بالإطلاقات كما عرفت آنفاً.

٣٥٦

نعم ، لو اعتكف خمسة أيّام وجب السادس (١) ، بل ذكر بعضهم أنّه كلّما زاد يومين وجب الثالث ، فلو اعتكف ثمانية أيّام وجب اليوم التاسع وهكذا ، وفيه تأمّل.

______________________________________________________

(١) لمعتبرة أبي عبيدة المتقدّمة الصريحة في عدم جواز الخروج من المسجد متى أقام يومين بعد الثلاثة حتّى يتمّ ثلاثة أيّام أُخر. فلا مناص من الالتزام به بعد وضوح الدلالة وصحّة السند ، ولا سيّما وقد أفتى المشهور ظاهراً على طبقها.

وسيجي‌ء إن شاء الله تعالى في المسألة الخامسة : أنّ من أتمّ اليومين الأولين وجب عليه الثالث ، لصحيح محمّد ابن مسلم الصريح في ذلك ، فيما إذا لم يشترط أي لم يشترط على نفسه بنذر ونحوه لا كالاشتراط في باب الإحرام وسيجي‌ء تفصيل الكلام حول ذلك قريباً إن شاء الله تعالى. فهذا أيضاً ممّا لا مناص من الالتزام به.

وأمّا وجوب اليوم الثالث كلّما زاد يومين لكي يجب اليوم التاسع لو اعتكف ثمانية أيّام وهكذا ، فهو وإن كان قد ذكره بعضهم ، بل عن المسالك والمدارك عدم الفصل بين السادس وكلّ ثالث (١) ، إلّا أنّ الماتن قد تأمّل فيه ، وهو في محلّه ، فإنّ انقلاب النفل إلى الفرض على خلاف القاعدة لا يصار إليه من غير دليل ، وقد قام الدليل عليه في الفرضين الأولين بمقتضى معتبرة أبي عبيدة وصحيحة ابن مسلم كما سمعت ، وأمّا هنا فلم يقم عليه أيّ دليل ، فيبقى تحت مقتضى القاعدة من عدم الانقلاب كما هو ظاهر ، إذ لا نقول بالقياس ، والأصل البراءة.

__________________

(١) المسالك ٢ : ٩٥ ٩٦ ، المدارك ٦ : ٣١٣.

٣٥٧

واليوم من طلوع الفجر (١) إلى غروب الحمرة (*) المشرقيّة (٢) ،

______________________________________________________

(١) فإنّ مبدأ اليوم وإن كان هو طلوع الشمس حسبما حقّقناه في مباحث الأوقات من كتاب الصلاة كما مرّ مستقصًى ، إلّا أنّ المراد به في خصوص المقام من طلوع الفجر ، لأجل الروايات الخاصّة المتضمّنة : أنّه لا اعتكاف من غير صيام ، حيث يظهر منها أنّ يوم الاعتكاف هو يوم الصوم ، فإنّه وإن أمكن التفكيك بأن يصوم من الفجر وينوي الاعتكاف من طلوع الشمس لكنّه بعيد عن الفهم العرفي جدّاً كما لا يخفى ، فإنّ العرف لا يكاد يشكّ في أنّ المستفاد من هذا الكلام أنّ يومهما واحد ، فمن أجل هذه القرينة نلتزم بإرادة خلاف الظاهر في خصوص المقام.

(٢) في العبارة (١) مسامحة واضحة كما أشرنا في التعليقة ، فإنّ الحمرة المشرقيّة تزول عن قمّة الرأس وتنتقل من ناحية الشرق إلى الغرب ، لا أنّها تغرب ، فهي باقية غير أنّها تذهب من مكانٍ إلى مكان ، وليست بمستترة كالقرص تحت الأُفق كي يطلق عليها الغروب.

وكيفما كان ، فالمراد أنّ اليوم ينتهي بانتهاء زمان الصوم الذي هو عنده ذهاب الحمرة المشرقيّة ، وقد تقدّم في مبحث الأوقات أنّ الغروب الذي هو منتهى وقت الظهرين وآخر زمان الصوم ومبدأ العشاءين إنّما يتحقّق باستتار القرص لا بذهاب الحمرة ، فراجع.

__________________

(*) في التعبير مسامحة ، وينتهي اليوم بانتهاء زمان الصوم.

(١) عبّر بمثل هذا التعبير في الجواهر أيضاً ١٧ : ١٦٧.

٣٥٨

فلا يشترط إدخال الليلة الأُولى (١) ولا الرابعة وإن جاز ذلك كما عرفت ، ويدخل فيه الليلتان المتوسّطتان.

______________________________________________________

(١) لا إشكال في دخول الليلتين المتوسّطتين ، لإطلاقات الأدلّة ، حيث لم يقيّد دليل المنع عن الخروج من المسجد أو عن الجماع ونحوهما من موانع الاعتكاف بالنهار ، فيعمّ الليل أيضاً ، فيكشف لا محالة عن الدخول ، هذا أولاً.

وثانياً : أنّ نفس التحديد بالثلاثة ظاهر بحسب الفهم العرفي في الاتّصال والاستمرار ، فإنّه المنصرف إلى الذهن في الأُمور القابلة للدوام والاستمرار كما في إقامة العشرة ونحوها ، فلو قلت : مكثت في البلدة الفلانية ثلاثة أيّام ، كان المنسبق إلى الذهن الاتّصال. فهو يستلزم دخول الليلتين المتوسّطتين بطبيعة الحال.

فما نُسب إلى الشيخ من عدم الدخول (١) غير قابل للتصديق.

كما لا ينبغي الإشكال في خروج الليلة الأخيرة ، لانتهاء اليوم بانتهاء النهار ، بمقتضى الفهم العرفي المؤيّد برواية عمر بن يزيد ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنّ المغيريّة يزعمون أنّ هذا اليوم لهذه الليلة المستقبلة «فقال : كذبوا ، هذا اليوم للّيلة الماضية ، إنّ أهل بطن نحلة حيث رأوا الهلال قالوا : قد دخل الشهر الحرام» (٢).

نعم ، هي ضعيفة السند بدهقان الذي اسمه عبد الله كما في الوسائل ، أو عبيد الله كما في روضة الكافي (٣). وكيفما كان ، فهو مجهول ، فلا تصلح إلّا للتأييد.

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٢٣٩.

(٢) الوسائل ١٠ : ٢٨٠ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٨ ح ٧.

(٣) الكافي ٨ : ٣٣٢ / ٥١٧ وهكذا في الوسائل المحقّق جديداً.

٣٥٩

وفي كفاية الثلاثة التلفيقيّة إشكال (*) (١).

______________________________________________________

فما يُنسب إلى بعض الأصحاب من احتمال الدخول لا ينبغي الإصغاء إليه.

إنّما الكلام في الليلة الأُولى ، فالمشهور عدم الدخول ، ولكن نُسب الدخول إلى العلّامة والشهيد الثاني كما في الليلتين المتوسّطتين (١) ، والصحيح ما عليه المشهور ، فإنّ اليوم ظاهر لغةً وعرفاً في بياض النهار في مقابل قوس الليل ، قال تعالى (سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيّامٍ) (٢).

نعم ، قد يستعمل اليوم في مجموع القوسين أعني : أربعة وعشرين ساعة لقرينة خارجيّة تدلّ عليه مثل قولك : كان سفرنا عشرة أيّام ، وأمّا من غير القرينة على الخلاف ولا قرينة في المقام فظاهر اللفظ هو بياض النهار كما سمعت ، ودخول المتوسّطتين إنّما كان لأجل اعتبار الاستمرار كما مرّ ، فلا وجه لقياس الاولى عليهما كما هو ظاهر.

(١) والأمر كما ذكره ، بل أوضح ممّا ذكره ، فإنّ اليوم اسم حقيقي لغةً وعرفاً لبياض النهار الذي مبدؤه طلوع الفجر أو طلوع الشمس ، ومنتهاه غروبها ، ولا سيّما في الاعتكاف المعتبر فيه الصوم الذي لا يكون إلّا في تمام اليوم.

أمّا الملفّق من نصفين فهو نصفان من يومين وليس بيوم واحد ، كما أنّ من يملك من كلّ من الدارين أو العبدين نصفاً فهو مالك لنصفين من دارين أو من عبدين ، وليس مالكاً لدار واحدة أو لعبد واحد بكامله.

__________________

(*) أظهره عدم الكفاية.

(١) الحدائق ١٣ : ٤٦٠ ، المسالك ٢ : ٩٤.

(٢) الحاقّة ٦٩ : ٧.

٣٦٠