موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

فيشتهي الطعام فيتركه لهم» (١).

وهذه الرواية صحيحة السند ، لصحّة طريق الصدوق إلى الفضيل وإن ناقش فيه الأردبيلي من أجل علي بن الحسين السعدآبادي (٢) ، إذ أنّ هذا الرجل وإن لم يوثّق صريحاً في كتب الرجال لكنّه من مشايخ ابن قولويه الذين هم القدر المتيقّن من عبارة التوثيق التي ذكرها في مقدّمة كتابه كامل الزيارات وإن استظهرنا منها التعميم لكلّ من وقع في إسناد هذا الكتاب ، سواء من يروي عنه بلا واسطة كمشايخه أم معها. وكيفما كان ، فلا ينبغي التأمّل في وثاقه الرجل.

وكان الأحرى عليه (قدس سره) أن يناقش في الطريق من أجل محمّد بن موسى بن المتوكّل ، الذي لم يرد فيه أيّ توثيق يعتمد عليه في كتب الرجال ، غير أنّنا بنينا على وثاقته ، نظراً إلى أنّ ابن طاوس يروي حديثاً يشتمل سنده عليه ، ثمّ يقول (قدس سره) : وجميع رواته ثقات اتّفاقاً (٣). ونحن وإن لم نعوّل على توثيق المتأخّرين إلّا أنّ هذا التعبير من مثل ابن طاوس الذي كلّ عبارات المدح دون شأنه يورث الاطمئنان بأنّ في جملة المتّفقين بعض القدماء الذين نعتمد على توثيقهم ولا أقلّ من شخص أو شخصين ، وهذا المقدار كافٍ في التوثيق.

إذن لا ينبغي التأمّل في صحّة السند.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٢٨ / أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٩ ح ١ ، الفقيه ٢ : ٩٩ / ٤٤٤ ، علل الشرائع : ٣٨٤ / ١.

(٢) جامع الرواة ١ : ٥٧٢.

(٣) لاحظ فلاح السائل : ٢٨٤ / ١٧٥ و٤٧٠ / ٣٢٠ ، لاحظ معجم رجال الحديث ١٨ : ٢٩٩ / ١١٨٧٨.

٣٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا من حيث الدلالة فهي ظاهرة في الكراهة ، إمّا لأجل ظهور كلمة : «لا ينبغي» في ذلك كما هو المشهور وإن لم نلتزم به أو لقرينتين في نفس الرواية تقتضيان ذلك :

إحداهما : التعليل بقوله : «لئلّا يعملوا» إلخ ، الذي يؤذن بوضوح بابتناء الحكم على التنزيه ، لاندفاع فساد الطعام إمّا بالتصدّق أو بالتوسعة على الأهل أو الجيران أو الادّخار في محلّ يؤمن من الفساد ونحو ذلك ، فالمراد عدم بلوغ المضيف مقصده من إكرام الضيف فيفسد عليه غرضه ، وهذا يناسب الكراهة والتنزيه كما هو ظاهر.

ثانيتهما : التذييل بقوله (عليه السلام) : «ولا ينبغي لهم أن يصوموا إلّا بإذن الضيف» المتضمّن لحكم عكس المسألة ، إذ لم يقل أحد هنا بالحرمة ، بل لم يتعرّضوا للكراهة أيضاً رغم دلالة الصحيحة عليها ، فيكشف ذلك بمقتضى اتّحاد السياق عن أنّ الحكم في الصدر أيضاً مبني على الكراهة.

ومنها : ما رواه الصدوق أيضاً بإسناده عن نشيط بن صالح ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : من فقه الضيف أن لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن صاحبه ، ومن طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوّعاً إلّا بإذنه وأمره ، ومن صلاح العبد وطاعته ونصيحته لمولاه أن لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن مولاه وأمره ، ومن برّ الولد بأبويه أن لا يصوم تطوّعاً إلّا بإذن أبويه وأمرهما ، وإلّا كان الضيف جاهلاً ، وكانت المرأة عاصية ، وكان العبد فاسقاً ، وكان الولد عاقّاً» (١).

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٣٠ / أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ١٠ ح ٢ ، الفقيه ٢ : ٩٩ / ٤٤٥.

٣٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذه الرواية صحيحة السند أيضاً على الأقوى ، فإن طريق الصدوق إلى نشيط بن صالح وإن لم يكن مذكوراً في مشيخة الفقيه ، فالرواية في حكم المرسل لجهالة الطريق ، إلّا أنّ هذه الرواية بعينها مع اختلاف يسير غير ضائر أوردها في العلل عن نشيط مسنداً بإسناد صحيح (١) ، إذ ليس فيه من يغمز فيه ما عدا أحمد بن هلال ، الذي رفضه كثير من الأصحاب وطعنوا في دينه ، لأنّه كان يتوقّع الوكالة فلمّا خرج التوقيع باسم أبي جعفر محمّد بن عثمان وكيل الناحية المقدّسة توقّف فيه ورجع عن التشيّع إلى النصب ، بل قيل : إنّه لم يُسمَع شيعي رجع إلى النصب ما عداه ، وقد وهم من تخيّل أنّه توقّف على أبي جعفر الجواد (عليه السلام) ، إذ لم يُعهد الوقوف عليه (عليه السلام) من أحد ، بل المراد بأبي جعفر هو محمّد بن عثمان وكيل الناحية كما سمعت.

وكيفما كان ، فلم يعملوا برواياته ، وقد فصّل الشيخ (قدس سره) بين ما رواه حال الاستقامة وما رواه بعدها (٢).

والذي تحصّل لدينا بعد التدبّر في حاله : أنّ الرجل فاسد العقيدة بلا إشكال ، إلّا أنّ ذلك لا يقدح في العمل برواياته ، ولا يوجب سقوطها عن الحجّيّة بعد أن كان المناط فيها وثاقة الراويى عندنا لا عدالته وعقيدته ، وتظهر وثاقة الرجل من عبارة النجاشي حيث قال في ترجمته : إنّه صالح الرواية (٣) ، فإنّها تكشف عن وثاقته في نفسه كما لا يخفى.

إذن فالرواية محكومة بالصحّة سنداً.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٣٠ / أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ١٠ ح ٣ ، علل الشرائع : ٣٨٥ / ٤.

(٢) لاحظ كتاب الغيبة : ٣٩٩.

(٣) رجال النجاشي : ٨٣ / ١٩٩.

٣٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا من حيث الدلالة : فالمتحصّل من سياقها المبالغة في تحقّق ما اشتملت عليه من الأوصاف ، فلسانها يفرغ عن الكراهة ، وإلّا فالجمود على ظاهرها غير قابل للتصديق ، للقطع بعدم عصيان المرأة ولا فسق العبد ولا عقوق الولد بمجرّد عدم الإذن ، ولم يقل بذلك أحد فيما نعلم. ومن هنا حملها المحقّق على صورة النهي ليتحقّق العصيان والفسوق والعقوق. فيراد من جهل الضيف مع نهي المضيف : عدم تفقّهه بما يجب عليه شرعاً من رعاية حقّه حينئذ ، ولأجله ذهب إلى التفصيل بين النهي وعدم الإذن كما عرفت.

ولكنّه كما ترى ، إذ لا يتعيّن الحمل على صورة النهي ، ومن الجائز أن يراد من عصيان المرأة وفسق العبد ما إذا كان الصوم منافياً لحقّ الزوج أو السيّد ، فإنّه يحرم حينئذٍ حتّى مع عدم النهي. ويراد أيضاً من العقوق ما إذا تأذّى الوالد من صوم الولد ، لحرمته حينئذٍ وإن لم ينه عنه.

فالتفصيل المزبور ساقط ، بل المنسبق من الصحيحة كما عرفت هي المبالغة المساوقة للكراهة.

فالصوم مع عدم الإذن مكروه ما لم يستلزم التحريم بعنوان آخر من تضييع الحقّ أو التأذّي حسبما عرفت.

ثم إنّ مورد الكراهة هو صوم التطوّع كما قيّدت به هذه الصحيحة فبناء على ما ذكرناه في الأُصول وإن كان على خلاف المشهور من دلالة الوصف على المفهوم لا بالمعنى المصطلح ، بل بمعنى الدلالة على عدم كون موضوع الحكم هو الطبيعي الجامع ، وإلّا كان التقييد من اللغو الظاهر (١) ، فيكشف التقييد في هذه الصحيحة عن عدم تعلّق الحكم بالطبيعي على سريانه ، غير أنّه يعارضها في

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٣٣ ١٣٤.

٣٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك الصحيحة الأُولى الدالّة على أنّ الموضوع هو الطبيعي ، ونتيجة ذلك الاقتصار بعد التعارض على المقدار المتيقّن المتّفق عليه الطرفان وهو صوم التطوّع ، فيرجع فيما عداه من سائر أقسام الصيام إلى إطلاق أدلّتها السليمة عمّا يدلّ على كراهتها ، فالأظهر اختصاص الحكم بصوم التطوّع كما نبّهنا عليه في التعليقة ، فتدبّر جيّداً.

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ الأصحّ كراهة صوم التطوّع من الضيف بدون إذن المضيف والولد بدون إذن الوالد ، وكذا الزوجة والعبد بدون إذن الزوج والسيّد ، من غير فرق بين النهي وعدمه ، كلّ ذلك للإطلاق في صحيحة هشام المتقدّمة (١) ، المحمولة على ذلك بعد امتناع الأخذ بظاهرها من تحقّق العقوق والفسوق والعصيان لدى عدم الإذن ، كما صرّح بذلك الصدوق في العلل حيث قال (قدس سره) بعد نقل الرواية ما مضمونه : إنّ ظاهرها مقطوع البطلان (٢) ، وهو كذلك ، إذ لم يقل أحد بوجوب الاستئذان في جميع المباحات فضلاً عن المستحبّات كالتطوّع أو التنفّل عن الوالد أو السيّد أو الزوج ، بحيث لو صلّى الولد صلاة الليل مثلاً بغير إذن والده كان عاقّاً فاسقاً ، بل قد ذكرنا في محلّه جواز ذلك حتّى مع نهيه فضلاً عن اشتراط الإذن ، إلّا أن يستوجب ذلك إيذاء الوالد أو الوالدة ، ومعه يحرم حتّى بدون النهي ، فالاعتبار فيهما بالإيذاء ، كما أنّ المدار في العبد والزوجة بالتنافي مع حقّ السيِّد أو الزوج. فحمل الصحيحة على صورة النهي الذي هو مستند تفصيل المحقّق في الشرائع ساقط جدّاً حسبما عرفت.

__________________

(١) في ص ٣٢٢.

(٢) علل الشرائع : ٣٨٥ / ٤.

٣٢٥

وأمّا المحظور منه ففي مواضع أيضاً :

أحدها : صوم العيدين الفطر والأضحى (١) وإن كان عن كفّارة القتل في أشهر الحرم ، والقول بجوازه للقاتل شاذّ ، والرواية الدالّة عليه ضعيفة سنداً ودلالةً (*).

الثاني : صوم أيّام التشريق ، وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجّة لمن كان بمنى (٢) ، ولا فرق على الأقوى بين الناسك وغيره.

______________________________________________________

(١) لا إشكال كما لا خلاف في حرمة صوم يومي العيدين حرمةً تشريعيّة ، فلا يجوز الصيام بقصد الأمر ، فإنّه تشريع محرّم ، وقد دلّت عليه النصوص المستفيضة.

هذا ، ولم يفرّق المشهور بين ما كان عن كفّارة القتل في أشهر الحرم وما لم يكن كذلك ، أخذاً بإطلاق دليل المنع.

ولكن عن الشيخ والصدوق في المقنع وابن حمزة : الجواز حينئذٍ (١) ، فيستثنى ذلك عن حرمة صوم العيد ، للنصّ الدالّ عليه. وقد تقدّم البحث حول ذلك مستقصًى في مطاوي المسألة الرابعة من الفصل السابق ، فراجع ولا نعيد (٢).

(٢) بلا خلاف معتدّ به أجده فيه كما في الجواهر (٣) ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه ، وقد تعدّى كاشف الغطاء فأسرى الحكم إلى من كان

__________________

(*) الرواية صحيحة سنداً وتامّة دلالةً ، ولا مقتضي لرفع اليد عنها.

(١) النهاية : ١٦٦ ، المقنع : ١٥٥ ، الوسيلة : ٣٥٤.

(٢) في ص ٢٧٢ ٢٨٠.

(٣) الجواهر ١٧ : ١٢٢.

٣٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بمكّة (١) ، ولا شاهد عليه.

وتدلّ عليه جملة من النصوص ، التي منها معتبرة زياد بن أبي الخلّال أي من يصنع الخلّ أو الحلّال كما في الوسائل باعتبار أنّ صانع الخلّ يحلّل الخمر بصنعه خلّاً وأمّا ما في الجواهر من الجلال فغلط من النسّاخ ولا معنى له كما لا يخفى. قال : قال لنا أبو عبد الله (عليه السلام) : «لا صيام بعد الأضحى ثلاثة أيّام ، ولا بعد الفطر ثلاثة أيّام ، إنّها أيّام أكل وشرب» (٢) ، ونحوها غيرها.

وهي وإن كانت مطلقة بالإضافة إلى من كان بمنى وغيره ، إلّا أنّها منزّلة على الأوّل بقرينة التقييد به في طائفة أُخرى :

كصحيح أبي أيّوب : «يصوم ذا الحجّة كلّه إلّا أيام التشريق في منى» إلخ (٣).

وصحيحة معاوية بن عمّار : عن صيام أيّام التشريق «فقال : أمّا بالأمصار فلا بأس به ، وأمّا بمنى فلا» (٤).

وصحيحته الأُخرى : عن صيام أيّام التشريق «فقال : إنّما نهى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن صيامها بمنى ، فأمّا بغيرها فلا بأس» (٥).

وموثّقة عمّار : سألته عن الأضحى بمنى «فقال : أربعة أيّام» إلخ (٦).

فيظهر منها اختصاص الحكم بمن كان بمنى ، فيكون عيده أربعة أيّام ، إلحاقاً لأيّام التشريق بالعيد كما تضمّنته الموثقة ، وأمّا في سائر الأمصار فالعيد يوم

__________________

(١) كشف الغطاء : ٣٢٤.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥١٩ / أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٣ ح ١.

(٣) الوسائل ١٠ : ٣٧٣ / أبواب بقيّة الصوم الواجب ب ٣ ح ٨.

(٤) الوسائل ١٠ : ٥١٦ / أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٢ ح ١.

(٥) الوسائل ١٠ : ٥١٧ / أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٢ ح ٢.

(٦) الوسائل ١٠ : ٥١٧ / أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٢ ح ٤.

٣٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

واحد.

ويقتضيه أيضاً ما تقدّم من نصوص التفرقة بين الثلاثة أيّام بدل الهدي وأنّه لو صام يوم التروية وعرفة أخّر الثالث إلى ما بعد أيّام التشريق.

هذا ، وللمحقّق (قدس سره) في الشرائع كلمة قد أشكل تفسيرها على الشارحين ، وهي قوله : على الأشهر (١) ، بعد أن عنون أيّام التشريق لمن كان بمنى وأنّ هذا القيد هل يرجع إلى أصل الصيام في هذه الأيّام أو إلى الاختصاص بمن كان بمنى ، مع أنّه لا خلاف (٢) في شي‌ء منهما ، فكيف يقول : على الأشهر؟! الدالّ على وجود الخلاف ، بل وشهرته ، غير أنّ هذا أشهر منه ، أو أنّه يرجع إلى شي‌ء آخر ، وقد ذكروا في شرحها وجوهاً كلّها بعيدة عن الصواب. وبالأخير لم يتّضح المراد ، وهو أعرف بما قال.

ثم إنّ مقتضى إطلاق الأدلّة عدم الفرق في الحرمة لمن كان بمنى بين الناسك وغيره ، غير أنّ بعضهم خصّ الحكم بالأوّل بدعوى الانصراف إليه ، ولا نعرف له وجهاً بعد الإطلاقات ، ولا سيّما التعليل في بعضها كما مرّ بأنّها أيّام أكل وشرب ، المقتضي للتعميم لكلّ من كان بمنى كما لا يخفى.

ثمّ إنّ الماتن (قدس سره) تعرّض في المقام لفروع قد ظهر الحال فيها ممّا مرّ في محالّها في مطاوي الأبحاث السابقة ، فلا حاجة إلى شرحها.

والحمد لله أوّلاً وآخراً ، وصلّى الله على سيِّدنا محمّد وآله الطاهرين ، واللّعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٤١.

(٢) بل كل منهما محلّ للخلاف ، وقد مرّ الخلاف في الأوّل في ص ٢٧٤ ، وفي الثاني في ص ٣٢٦ ، لاحظ الجواهر ١٧ : ١٢٣.

٣٢٨

الثالث : صوم يوم الشكّ في أنّه من شعبان أو رمضان بنيّة أنّه من رمضان ، وأمّا بنيّة أنّه من شعبان فلا مانع منه كما مرّ.

الرابع : صوم وفاء نذر المعصية ، بأن ينذر الصوم إذا تمكّن من الحرام الفلاني ، أو إذا ترك الواجب الفلاني ، يقصد بذلك الشكر على تيسّره ، وأمّا إذا كان بقصد الزجر عنه فلا بأس به.

نعم ، يلحق بالأول في الحرمة ما إذا نذر الصوم زجراً عن طاعةٍ صدرت منه أو عن معصيةٍ تركها.

الخامس : صوم الصمت ، بأن ينوي في صومه السكوت عن الكلام في تمام النهار أو بعضه بجعله في نيّته من قيود صومه ، وأمّا إذا لم يجعله قيداً وإن صمت فلا بأس به ، بل وإن كان في حال النيّة بانياً على ذلك إذا لم يجعل الكلام جزءاً من المفطرات وتركه قيداً في صومه.

السادس : صوم الوصال ، وهو صوم يوم وليلة إلى السحر ، أو صوم يومين بلا إفطار في البين ، وأمّا لو أخّر الإفطار إلى السحر أو إلى الليلة الثانية مع عدم قصد جعل تركه جزءاً من الصوم فلا بأس به ، وإن كان الأحوط عدم التأخير إلى السحر مطلقاً.

______________________________________________________

وكان الفراغ من كتاب الصوم في اليوم العاشر من شهر ذي القعدة الحرام من السنة الرابعة والتسعين بعد الألف والثلاثمائة من الهجرة النبويّة في جوار القبّة العلويّة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وأكمل التحيّة في النجف الأشرف.

٣٢٩

السابع : صوم الزوجة مع المزاحمة لحقّ الزوج ، والأحوط تركه (*) بلا إذن منه ، بل لا يترك الاحتياط مع نهيه عنه وإن لم يكن مزاحماً لحقّه.

الثامن : صوم المملوك مع المزاحمة لحقّ المولى ، والأحوط تركه من دون إذنه ، بل لا يترك الاحتياط مع نهيه.

التاسع : صوم الولد مع كونه موجباً لتألّم الوالدين وأذيّتهما.

العاشر : صوم المريض ومن كان يضرّه الصوم.

الحادي عشر : صوم المسافر ، إلّا في الصور المستثناة على ما مرّ.

الثاني عشر : صوم الدهر حتّى العيدين على ما في الخبر (١) ، وإن كان يمكن أن يكون من حيث اشتماله عليهما لا لكونه صوم الدهر من حيث هو.

[٢٥٥٩] مسألة ٣ : يستحبّ الإمساك تأدّباً في شهر رمضان وإن لم يكن صوماً في مواضع :

أحدها : المسافر إذا ورد أهله أو محلّ الإقامة بعد الزوال مطلقاً أو قبله وقد أفطر ، وأمّا إذا ورد قبله ولم يفطر فقد مرّ أنّه يجب عليه الصوم (٢).

الثاني : المريض إذا برئ في أثناء النهار وقد أفطر ، وكذا لو لم يفطر إذا كان بعد الزوال ، بل قبله أيضاً على ما مرّ من عدم صحّة صومه (٣) ، وإن كان الأحوط تجديد النيّة والإتمام ثمّ القضاء.

__________________

(*) هذا في التطوّع.

(١) الوسائل ١٠ : ٥٢٥ / أبواب الصوم المحرّم والمكروه ب ٧ ح ١ و٢ و٣.

(٢) في ص ١٥.

(٣) في ص ٧.

٣٣٠

الثالث : الحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار.

الرابع : الكافر إذا أسلم في أثناء النهار ، أتى بالمفطر أم لا (١).

الخامس : الصبي إذا بلغ في أثناء النهار.

السادس : المجنون والمغمى عليه إذا أفاقا في أثنائه.

تمّ كتاب الصوم

ولله الحمد

__________________

(١) تقدّم حكمه [في أوّل فصل أحكام القضاء].

٣٣١
٣٣٢

كتاب الاعتكاف

٣٣٣
٣٣٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

كتاب الاعتكاف

وهو اللبث في المسجد بقصد العبادة (١) ، بل لا يبعد كفاية قصد التعبّد بنفس اللبث وإن لم يضمّ إليه قصد عبادة أُخرى خارجة عنه ، لكن الأحوط الأوّل.

______________________________________________________

(١) الاعتكاف لغةً : هو الاحتباس والإقامة على شي‌ء بالمكان ، كما حكاه في الحدائق عن اللغويين (١).

وشرعاً : هو اللبث في المسجد للعبادة ، كما صرّح به الفقهاء على اختلاف تعابيرهم.

إنّما الكلام في أنّ اللبث هل هو بنفسه عبادة بحيث يكفي قصد التعبّد بنفس اللبث ، أو أنّه مقدّمة لعبادة اخرى خارجة عنه من ذكرٍ أو دعاءٍ أو قراءةٍ ونحوها ، فلا اعتكاف من دون قصدها ، فإنّ العبارة المتقدّمة عن الفقهاء قابلة للانطباق على كلّ من المعنيين كما لا يخفى ، وتظهر الثمرة فيما لو اعتكف مقتصراً على أقلّ الواجب أعني : الفرائض اليوميّة فإنّه يصحّ على الأوّل دون الثاني؟

والأقوى هو الأوّل ، ويدلّنا عليه أوّلاً ظاهر الكتاب ، قال تعالى :

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٣ : ٤٥٥.

٣٣٥

ويصحّ في كلّ وقت يصحّ فيه الصوم (١) ، وأفضل أوقاته شهر رمضان (٢) ،

______________________________________________________

(وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (١).

فإنّ جعل الاعتكاف قسيماً للطواف وللركوع والسجود أي الصلاة وعدّه قبالاً لهما فيه دلالة واضحة على أنّه بنفسه عبادة مستقلّة وأنّه مشروع لنفسه من غير اعتبار ضمّ قصد عبادة أُخرى معه ، ومعه لا حاجة إلى التماس نصّ يدلّ عليه.

وثانياً : الاستشعار من بعض الأخبار ، وعمدتها صحيحة داود بن سرحان ، قال : كنت بالمدينة في شهر رمضان فقلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنّي أُريد أن أعتكف ، فماذا أقول؟ وما ذا أفرض على نفسي؟ «فقال : لا تخرج من المسجد إلّا لحاجة لا بدّ منها ، ولا تقعد تحت ظلال حتّى تعود إلى مجلسك» (٢).

فإنّ ظاهرها السؤال عن حقيقة الاعتكاف قولاً وفعلاً ، فلم يجبه (عليه السلام) بأكثر من العزم على اللبث ، وانّه متى خرج لحاجة ملحّة يعود فوراً بعد قضائها ، فلا يعتبر في حقيقته شي‌ء آخر وراء ذلك.

(١) بلا خلاف ولا إشكال ، لإطلاق الروايات وعدم التقييد في شي‌ء الضعاف منها بوقت خاصّ.

(٢) للعناية بشأنه في هذا الشهر كما يفصح عنه موثّق السكوني عن الصادق (عليه السلام) : «قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : اعتكاف عشر في

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٢٥.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥٥٠ / أبواب الاعتكاف ب ٧ ح ٣.

٣٣٦

وأفضله العشر الأواخر منه (١).

______________________________________________________

شهر رمضان تعدل حجّتين وعمرتين» (١).

وهذه الرواية معتبرة ، إذ ليس في السند من يُتأمّل من أجله ما عدا السكوني والنوفلي الراوي عنه.

أمّا الأوّل : فهو وإن كان عامّيّاً إلّا أنّ الشيخ قد وثّقه في كتاب العدّة صريحاً (٢) ، ولا تعتبر في الراوي العدالة ، بل تكفي الوثاقة.

وأمّا الثاني أعني الحسين بن يزيد النوفلي ـ : فهو وإن لم يوثّق صريحاً في كتب الرجال لكنّه مذكور في إسناد كامل الزيارات.

(١) لمزيد الاهتمام بشأنه في هذا الوقت كما يظهر من صحيحة أبي العباس البقباق عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : اعتكف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في شهر رمضان في العشر الأُول منه ، ثمّ اعتكف في الثانية في العشر الوسطى ، ثمّ اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر ، ثمّ لم يزل (صلّى الله عليه وآله) يعتكف في العشر الأواخر» (٣).

فإنّ مواظبة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وكذا حكاية الإمام (عليه السلام) لوضوح كونه (عليه السلام) في مقام الحثّ والترغيب لا مجرّد نقل التأريخ تكشف عن مزيد الفضل في هذا الوقت.

وهي معتبرة السند وإن ناقش الأردبيلي في طريق الصدوق إلى داود بن

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٣٤ / أبواب الاعتكاف ب ١ ح ٣.

(٢) العدة : ٥٦.

(٣) الوسائل ١٠ : ٥٣٤ / أبواب الاعتكاف ب ١ ح ٤.

٣٣٧

وينقسم إلى واجب ومندوب (١) ، والواجب منه ما وجب بنذر أو عهد أو يمين أو شرط في ضمن عقد أو إجارة أو نحو ذلك ، وإلّا ففي أصل الشرع مستحبّ.

ويجوز الإتيان به عن نفسه وعن غيره الميّت. وفي جوازه نيابةً عن الحيّ (٢) قولان لا يبعد ذلك ، بل هو الأقوى (*).

ولا يضرّ اشتراط الصوم فيه فإنّه تبعي ، فهو كالصلاة في الطواف الذي يجوز فيه النيابة عن الحيّ.

______________________________________________________

الحصين باشتماله على الحكم بن مسكين وهو مهمل (١) ، فإنّه مذكور في إسناد كامل الزيارات.

(١) فإنّه في أصل الشرع مستحبّ ، للسيرة القطعيّة ، بل الضرورة ، وفي الجواهر : عليه إجماع المسلمين (٢) ، وإنّما يجب بالعنوان الثانوي الطارئ عليه من نذر أو عهد أو شرط في ضمن عقد أو إجارة ونحوها.

(٢) لا إشكال في جواز النيابة عن الميّت في الاعتكاف وغيره من سائر العبادات ، للنصوص الدالّة عليه ، كما مرّ التعرّض لها في بحث قضاء الصلوات عند التكلّم حول النيابة عن الأموات (٣).

__________________

(*) فيه إشكال والأظهر عدم الجواز.

(١) انظر جامع الرواة ١ : ٣٠٢ ٣٠٣.

(٢) الجواهر ١٧ : ١٦٠.

(٣) تقدّم البحث حوله مستوفى في الجزء الخامس من كتاب الصلاة من مستند العروة الوثقى ص ٢٣٥.

٣٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا النيابة عن الحيّ : ففي جوازها في الاعتكاف قولان :

قوّى الجواز في المتن وإن تضمّن الصوم الذي لا يجوز الاستنابة فيه عن الحيّ في حدّ نفسه ، معلّلاً بأنّ وجوبه هنا تبعي ، وإلّا فحقيقة الاعتكاف هو نفس اللبث ، فلا مانع من الاستنابة فيه وإن استتبع الصوم ، فالصوم في الاعتكاف نظير الصلاة في الطواف في أنّ الوجوب في كلّ منهما تبعي ، ولا إشكال في جواز الاستنابة عن الحي في الثاني ، فكذا الأوّل.

ولا يخفى غرابة هذا الاستدلال ، بل لم نكن نترقب صدوره من مثله ، فإنّ النيابة عن الحيّ في الحجّ منصوص عليها في الوجوبي والندبي ، وفي بعض الأخبار جواز استنابة المتعدّدين عن شخص واحد ، فلا يقاس عليه غيره من سائر العبادات بعد وجود الفارق وهو النصّ.

وعليه ، فإن نهض الدليل على جواز الاستنابة عن الحيّ على سبيل العموم قلنا به في المقام أيضاً وإلّا فلا ، ولا أثر للأصالة والتبعيّة في ذلك أبداً ، بعد وضوح كون الاستنابة في مثل ذلك على خلاف مقتضى القواعد ، فإنّ الخطابات المتعلّقة بالتكاليف الوجوبية أو الندبيّة متوجّهة نحو ذوات المكلّفين ، فيلزمهم التصدّي لامتثالها بأنفسهم ما داموا أحياء ، فلا معنى لأن يصوم زيد قضاءً عمّا وجب على عمرو الحيّ.

نعم ، هناك روايتان تقدّمتا في باب قضاء الصلوات ربّما يستدلّ بهما على جواز النيابة عن الحيّ ومشروعيّتها ما لم يقم دليل على الخلاف :

إحداهما : ما رواه ابن طاوس في كتاب غياث سلطان الورى عن الحسين ابن أبي الحسن العلوي الكوكبي في كتاب المنسك عن علي بن أبي حمزة البطائني ، قال : قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام) : أحجّ وأُصلّى وأتصدّق عن الأحياء والأموات من قرابتي وأصحابي؟ «قال : نعم. تصدّق عنه وصلّ عنه ولك أجر

٣٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بصلتك إيّاه» (١).

ولكنّها ضعيفة السند بعلي بن أبي حمزة ، كما أنّ الكوكبي مجهول ، على أنّ طريق ابن طاوس إليه غير معلوم ، فهي في حكم المرسل.

الثانية : ما رواه في الكافي بإسناده عن محمّد بن مروان ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيّين وميّتين ، يصلّى عنهما ، ويتصدّق عنهما ، ويحجّ عنهما ، ويصوم عنهما ، فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك ، فيزيد الله عزّ وجلّ ببرّه وصلته خيراً كثيراً» (٢).

وهي أيضاً ضعيفة السند ، فإنّ محمّد بن مروان مردّد بين الثقة والضعيف. نعم ، مَن هو من أصحاب الهادي (عليه السلام) ثقة جزماً ، إلّا أنّ هذا من أصحاب الصادق (عليه السلام) وهو مردّد كما عرفت. وهذا وإن كان وارداً في إسناد كامل الزيارات إلّا أنّه لا ينفع بعد عدم الجزم بالاتّحاد واحتمال التعدّد الناشئ عن التردّد المزبور ، وإن كان لا يبعد الانصراف إلى

الثقة وهو الذهلي المعروف ، الذي له كتاب كما نبّه عليه سيِّدنا الأُستاذ (دام ظلّه) في المعجم ١٨ : ٢٣٢ / ١١٧٧٧.

على أنّ في السند محمّد بن علي ، الذي هو الكوفي الصيرفي أبو سمينة بقرينة رواية أحمد بن محمّد بن خالد عنه كثيراً ، وهو ضعيف جدّاً.

وأمّا الحكم بن مسكين : فهو من رجال كامل الزيارات كما تقدّم.

هذا ، مضافاً إلى تطرّق الخدش في الدلالة ، فإنّها تتوقّف على أن يكون مرجع ضمير التثنية «والديه» ليعمّ الحيّ والميّت ، وهو غير ظاهر ، لجواز الرجوع

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٧٨ / أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ٩.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٧٦ / أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ١ ، الكافي ٢ : ١٢٧ / ٧.

٣٤٠