موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

والظاهر أنّ المناط كون الشروع في السفر قبل الزوال أو بعده لا الخروج عن حدّ الترخّص (١) ، وكذا في الرجوع المناط دخول البلد ، لكن لا يُترك الاحتياط بالجمع إذا كان الشروع قبل الزوال والخروج عن حدّ الترخّص بعده ، وكذا في العود إذا كان الوصول إلى حدّ الترخّص قبل الزوال والدخول في المنزل بعده.

______________________________________________________

وأمّا الداخل بعد الزوال فحاله من حيث عدم وجوب الصوم عليه معلوم ، سواء أكل أم لا.

وكيفما كان ، فلم نعثر على ما يدلّ على الاستحباب في الثاني. نعم ، دلّت رواية سماعة المتقدّمة (١) التي عرفت أنّها ضعيفة السند بعلي بن السندي على عدم التجاهر بالأكل ظاهراً ، احتراماً لشهر رمضان ، ولكن هذا أمر آخر غير استحباب الإمساك حتّى في بيته ، الذي هو محلّ الكلام كما لا يخفى.

(١) تقدّم في بحث صلاة المسافر أنّ مبدأ المسافة الشرعيّة الامتداديّة أو التلفيقيّة المحكوم فيها بوجوب التقصير هو أوّل زمان يتّصف فيه المسافر بهذا الوصف العنواني أعني : كونه مسافراً وهو زمان الخروج من البلد والشروع في الابتعاد عنه. فلا جرم كان البلد هو مبدأ احتساب المسافة المزبورة حسبما هو مقتضى ظواهر الأدلّة ، ولا تنافي بين ذلك وبين أن لا يكون هذا المسافر محكوماً بالقصر إلّا بعد بلوغه حدّ الترخّص ، فإنّ ذلك من التخصيص في الحكم لا التحديد في الموضوع ، فهو قبل بلوغ الحدّ مسافرٌ لا يجب عليه القصر لا أنّه ليس بمسافر كما لا يجوز له الإفطار أيضاً ، للملازمة بين الأمرين حسبما مرّ.

__________________

(١) في ص ١٦.

٢١

[٢٥٠٧] مسألة ٢ : قد عرفت التلازم بين إتمام الصلاة والصوم وقصرها والإفطار ، لكن يُستثنى من ذلك موارد :

أحدها : الأماكن الأربعة ، فإنّ المسافر يتخيّر فيها بين القصر والتمام في الصلاة ، وفي الصوم يتعيّن الإفطار (١).

الثاني : ما مرّ من الخارج إلى السفر بعد الزوال ، فإنّه يتعيّن عليه البقاء على الصوم مع أنّه يقصّر في الصلاة (٢).

______________________________________________________

إذن فما دلّت عليه الروايات المتقدّمة من التفصيل بين الخروج إلى السفر قبل الزوال فيفطر إمّا مع التبييت أو مطلقاً ، أو بعده فيبقى على صومه ، يراد به الشروع في السفر الذي عرفت أنّ الاعتبار فيه بالخروج من البلد.

هذا في الذهاب.

وكذا الحال في الإياب ، فإنّ المذكور في الروايات هو عنوان قدوم الأهل أو البلد ، أو أرضاً يريد الإقامة فيها. فهذا أعني : مراعاة البلد نفسه هو الميزان والمدار في الصوم والإفطار ، ولا عبرة بحدّ الترخّص ، فإذا كان قدومه فيه بعد الزوال أفطر وإن كان قد بلغ حدّ الترخّص قبل الزوال ، لما عرفت من أنّ هذا الحدّ حدٌّ للأحكام لا للسفر نفسه ، فإنّه لا يصدق في الفرض المزبور أنّه قدم بلده أو أهله قبل الزوال لكي يبقى على صومه كما هو واضح.

(١) أخذاً بإطلاقات أدلّة الإفطار في السفر بعد اختصاص دليل التخيير بالصلاة خاصّة ، فيكون ذلك بمثابة التخصيص في دليل الملازمة.

(٢) تقدّم في بحث صلاة المسافر أنّ العبرة في القصر والتمام بملاحظة حال الأداء لا حال تعلّق الوجوب ، فلو كان في أوّل الوقت حاضراً فسافر قصر في

٢٢

الثالث : ما مرّ من الراجع من سفره ، فإنّه إن رجع بعد الزوال يجب عليه الإتمام مع أنّه يتعيّن عليه الإفطار.

[٢٥٠٨] مسألة ٣ : إذا خرج إلى السفر في شهر رمضان لا يجوز له الإفطار إلّا بعد الوصول إلى حدّ الترخّص (١) ، وقد مرّ سابقاً وجوب الكفّارة عليه إن أفطر قبله.

______________________________________________________

صلاته ، وفي عكسه أتمّ ، على ما استفدناه من الأدلّة حسبما تقدّم في محلّه (١).

وأمّا من حيث الصوم فقد تقدّم قريباً أنّ الخروج إلى السفر بعد الزوال يقدح في صحّة الصوم ، والرجوع منه بعده يقدح (٢). وبذلك يظهر الوجه في استثناء الموردين المذكورين في المتن من حكم التلازم.

(١) فكما أنّ الترخّص حدٌّ للتقصير فكذلك حدٌّ للإفطار ، لما عرفت من القاعدة المتضمّنة للملازمة بين الأمرين ، وحيث لا تقصير قبله قطعاً فلا إفطار أيضاً.

بل تجب عليه الكفّارة أيضاً لو أفطر قبله كما في الجواهر (٣) وغيره عملاً بإطلاقات الكفّارة لدى الإفطار العمدي ، وقد تقدّم (٤) أن تعقّب الإفطار بالسفر لا يوجب سقوط حكمه ، فلو أفطر في بلده أو قبل أن يرخّص فيه فسافر لم تسقط الكفّارة بذلك ، لإطلاق الأدلّة.

__________________

(١) شرح العروة (الصلاة ٨) : ٣٥٤ ٣٥٦.

(٢) شرح العروة ٢٢ : ١٤ ١٥.

(٣) لاحظ الجواهر ١٧ : ١٤٤.

(٤) شرح العروة ٢١ : ٣٥٥ ٣٦٠.

٢٣

[٢٥٠٩] مسألة ٤ : يجوز السفر اختياراً في شهر رمضان ، بل ولو كان للفرار من الصوم (١) كما مرّ. وأمّا غيره من الواجب المعيّن ، فالأقوى (*) عدم جوازه إلّا مع الضرورة ، كما أنّه لو كان مسافراً وجب عليه الإقامة لإتيانه مع الإمكان (٢).

______________________________________________________

(١) تقدّم البحث حول هذه المسألة في المسألة الخامسة والعشرين من فصل ما يوجب الكفّارة مستقصًى. وعرفت أنّ جملة من الروايات دلّت على عدم الجواز وكلّها ضعاف ، ما عدا رواية واحدة رواها في الخصال في حديث الأربعمائة (١) ، فإنّها معتبرة عندنا ، لأنّ الذي يُغمَز فيه وهو الحسن بن راشد الواقع في سلسلة السند موجود في أسناد كامل الزيارات.

ولكنّها محمولة على الكراهة جمعاً بينها وبين صحيحتي محمّد بن مسلم والحلبي الصريحتين في الجواز ، فراجع ولاحظ (٢).

(٢) قد عرفت أنّ صحّة صوم رمضان كوجوبه مشروطة بالحضر ، وأنّ المسافر موظّفٌ بعدّةٍ من أيّامٍ أُخر ، فهل الحكم يعمّ طبيعي الصوم المعيّن أمّا بالأصالة كنذر يوم معيّن ، أو بالعرض كالقضاء المضيّق على القول بالتضييق فكما ساغ له السفر اختياراً في رمضان ولو فراراً لإناطة الوجوب بالحضور الملازم لسقوطه بالسفر ، لعدم لزوم تحصيل شرط التكليف فكذا الحال في مطلق المؤقّتات المعيّنة فلا يجب عليه قصد الإقامة لو كان مسافراً وفاءً بنذره

__________________

(*) بل الأقوى أنّه في حكم شهر رمضان فيما إذا لم يكن صومه مملوكاً للغير كما في الإيجار ، أو متعلّقاً لحقّ الغير كما في الشرط ضمن العقد.

(١) الوسائل ١٠ : ١٨٢ / أبواب من يصح منه الصوم ب ٣ ح ٤ ، الخصال : ٦١٤.

(٢) شرح العروة ٢١ : ٤٠٧ ٤٠٩.

٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

مثلاً كما لا يُمنع عن السفر لو كان حاضراً ، لعدم استلزامه مخالفة النذر ، ولا عصياناً لقضاء الواجب المعيّن ونحوه ، بعد اشتراط الوجوب في الجميع بالحضور وانتفاء الموضوع باختيار السفر؟

أو أنّ الحكم خاصّ بشهر رمضان والاشتراط فيه لا يلازم الاشتراط في غيره ، فلا يجوز له السفر وتجب عليه الإقامة مقدّمةً للوفاء بالنذر ولامتثال الواجب المطلق المنجّز عليه إلّا لضرر أو ضرورة يسوغ معها ترك الواجب من أجل المزاحمة؟

فيه كلام بين الأعلام ، والكلام يقع فعلاً في النذر ونحوه ممّا وجب بالجعل والالتزام ، ومنه يُعرف الحال في غيره ممّا وجب بسببٍ آخر.

فنقول : يفرض النذر في المقام على ثلاثة أقسام :

إذ تارةً : يتعلّق بالصوم ولكن مشروطاً بالحضور ومعلّقاً على الإقامة ، فلا التزام بالصوم على تقدير السفر ، لقصور المقتضي من الأوّل ، وهذا خارج عن محلّ الكلام قطعاً ، ويجوز له السفر اختياراً بلا إشكال ، إذ ليس فيه أيّ مخالفة للنذر بعد أن كان التزامه النذري محدوداً لا مطلقاً كما هو واضح.

وأُخرى : يتعلّق النذر بكلٍّ من الصوم والإقامة ، فينذر البقاء في البلد والصيام في اليوم المعيّن ، وهذا أيضاً خارج عن محلّ الكلام ، إذ لا ريب في أنّه لو سافر فقد خالف نذره وكانت عليه كفّارة الحنث.

وإنّما الكلام في القسم الثالث ، وهو : ما لو تعلّق النذر بالصوم من غير تعليق على الحضور ومن غير التزام به فلم يتعلّق الإنشاء النذري إلّا بمجرّد الصوم في اليوم الكذائي ، غير أنّه قد علم من الخارج دخل الحضور في صحّة الصوم وبطلانه في السفر ، فهل يحرم عليه السفر وتجب الإقامة مقدّمةً للوفاء بالنذر ، أو لا؟ نظراً إلى أنّ متعلّق النذر لمّا كان هو الصوم الصحيح وهو متقوّم بالحضور ،

٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا جرم كان وجوب الوفاء مشروطاً به.

فنقول : لا ينبغي التأمّل في أنّ مقتضى القاعدة مع الغضّ عن ورود نصّ خاصّ في المقام هو عدم الاشتراط ، تمسّكاً بإطلاق دليل الوفاء بعد القدرة عليه بالقدرة على مقدّمته ، وهو ترك السفر أو قصد الإقامة ، فيجب من باب المقدّمة. ومن المعلوم أنّ ثبوت الاشتراط في صوم رمضان لدليل خاصّ لا يستلزم الثبوت في غيره بعد فرض اختصاص الدليل به ، وكون الصوم حقيقة واحدة لا ينافي اختصاص بعض الأقسام ببعض الاحكام كما لا يخفى.

إذن فلو كنّا نحن ودليل وجوب الوفاء بالنذر كان مقتضاه وجوب الوفاء وعدم جواز الخروج للسفر.

إلّا أنّ هناك عدّة روايات يستفاد منها أنّ طبيعي الصوم أيّاً ما كان مشروطٌ وجوباً وصحّةً بالحضور كما هو الحال في صوم شهر رمضان ، ولا ضير في الالتزام به حتّى في موارد النذر ، فإنّه وإن كان الالتزام النذري مطلقاً إلّا أنّه قابل للتقييد من ناحية الشرع ، فيقيِّد من بيده الأمر وجوب الوفاء بما التزم بما إذا كان مقيماً حاضراً ، لا على سبيل الإطلاق ، لكي تجب الإقامة بحكم العقل مقدّمةً للوفاء.

والعمدة منها روايتان كما ستعرف.

وأمّا الاستدلال لذلك برواية عبد الله بن جندب ، قال : سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عبّادُ بن ميمون وأنا حاضر عن رجل جعل على نفسه نذر صوم ، وأراد الخروج في الحجّ ، فقال عبد الله بن جندب : سمعت من زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه سأله عن رجل جعل على نفسه نذر صوم يصوم فمضى فيه (فحضرته نيّة) في زيارة أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : يخرج ولا

٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

يصوم في الطريق ، فإذ رجع قضى ذلك» (١).

ففي غير محلّه ، لاختصاص موردها بالنذر ، فيحتاج التعدّي لمطلق الصوم إلى دليل آخر. هذا أوّلاً.

وثانياً : أنّها قاصرة السند ، لعدم ثبوت وثاقة يحيى بن المبارك على المشهور ، على أنّها مرسلة ، فإنّ كلمة : من زرارة ، الموجودة في الوسائل هنا سهوٌ قطعاً إمّا من قلمه الشريف أو من النسّاخ ، والصحيح كما في الكافي والتهذيب ، وفي الوسائل نفسه في كتاب النذر : مَن رواه (٢) ، بدل : من زرارة ، ولعلّ تشابه الحروف أو جب التصحيف. إذن فلم يُعلَم من يروي عنه عبد الله بن جندب ، فتتّصف طبعاً بالإرسال.

وهناك اشتباهان آخران من صاحب الوسائل في هذه الرواية :

أحدهما : أنّه زاد في السند قوله : عن أبي جميلة (٣) ، مع أنّه غير موجود في الكافي والتهذيب ، ولم يذكره أيضاً في كتاب النذر ، بل رواها عبد الله بن جبلّة عن إسحاق بن عمّار بلا واسطة ، وهو الصحيح.

ثانيهما : كلمة «أبا عبد الله (عليه السلام)» (٤) ، بعد قوله : «سأل» فإنّها مستدركة ، لعدم استقامة المعنى حينئذٍ ، ضرورة أنّ المسئول لو كان هو الإمام (عليه السلام) فكيف تصدّى ابن جندب للجواب بما سمعه مرسلاً أو مسنداً

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١٩٧ / أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ٥.

(٢) الوسائل ٢٣ : ٣١٣ / كتاب النذر والعهد ب ١٣ ح ١ ، الكافي ٧ : ٤٥٧ / ١٦ ، التهذيب ٨ : ٣٠٦ / ١١٣٩.

(٣) لم ترد هذه الزيادة في الوسائل المحقّق جديداً.

(٤) غير موجودة في الوسائل المحقّق جديداً.

٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

عن أبي عبد الله (عليه السلام) وهو (عليه السلام) بنفسه حاضر؟! فالكلمة زيادة قطعاً ، ولذا لم تُذكَر لا في الكافي ولا في التهذيب ولا في نذر الوسائل ، بل المسئول إمّا أنّه غير مذكور لو كانت النسخة : سأل عبّاد بن ميمون كما في الكافي أو أنّه هو عبد الله بن جندب نفسه لو كانت النسخة : سأله (عليه السلام) ، كما في التهذيب.

وكيفما كان ، ففي هذه الرواية اشتباهات من صاحب الوسائل في المقام. وقد عرفت أنّها مع اختصاصها بالنذر غير نقيّة السند ، فلا تصلح للاستدلال بها بوجه.

والعمدة روايتان كما عرفت :

الأُولى : صحيحة علي بن مهزيار في حديث قال : كتبت إليه يعني : إلى أبي الحسن (عليه السلام) يا سيّدي ، رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة دائماً ما بقي ، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيّام التشريق أو سفر أو مرض ، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه؟ وكيف يصنع يا سيّدي؟ فكتب إليه : «قد وضع الله عنه الصيام في هذه الأيّام كلّها ، ويصوم يوماً بدل يوم إن شاء الله» (١).

قوله : يوماً من الجمعة ، إمّا أن يراد به يوماً معيّناً من الأُسبوع أو خصوص يوم الجمعة ، وعلى التقديرين فقد دلّت على أنّ طبيعي الصوم الذي أوجبه الله سواء أوَجب بسبب النذر أم بغيره مشروطٌ وجوبه بالحضور وأنّه ساقط في هذه الأيّام كلّها التي منها أيّام السفر ، وأنّه متى صادف هذه الأيّام يقضيه ويصوم يوماً بدل يوم. وهذا هو معنى الاشتراط.

__________________

(١) الوسائل ٢٣ : ٣١٠ / كتاب النذر والعهد ب ١٠ ح ١.

٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الثانية : موثّقة زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : إنّ أُمّي كانت جعلت عليها نذراً : إن الله ردّ (إن يردّ الله) عليها بعض ولدها من شي‌ء كانت تخاف عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت ، فخرجت معنا مسافرةً إلى مكّة فأشكل علينا لمكان النذر ، أتصوم أو تفطر؟ «فقال : تصوم ، قد وضع الله عنها حقّه ، وتصوم هي ما جعلت على نفسها» إلخ (١) ، وأوردها عنه بسند آخر مع نوع اختلاف في المتن في كتاب النذر (٢).

يعني : أنّ الله تعالى قد وضع حقّه المجعول ابتداءً فأسقط الصوم في السفر ، فكيف بالحقّ الذي جعلته هي على نفسها بسبب النذر؟! فإنّه أولى بالسقوط ، فإنّ جملة «وتصوم هي» إلخ ، بمثابة الاستفهام الإنكاري كما لا يخفى.

إذن فهذه الرواية المعتبرة كسابقتها واضحة الدلالة على أنّ طبيعي الصوم بأيّ سببٍ وجب من نذرٍ أو غيره مشروط وجوبه كصحّته بعدم السفر.

ومن هنا ذهب جمع من المحقّقين إلى عدم الفرق في الاشتراط بين صيام رمضان وغيره وأنّ الوجوب مطلقاً مشروط بالحضور ، ويسقط بالسفر استناداً إلى ما عرفت ، غايته أنّ الروايات من حيث وجوب القضاء بعد ذلك وعدمه مختلفة ، وذاك بحث آخر ، وكلامنا فعلاً في الاشتراط وعدمه ، وما ذكروه من الاشتراط هو الصحيح حسبما عرفت.

ثمّ إنّه قد صرّح بعضهم بجريان هذا الحكم فيما وجب بالإجارة أيضاً ، فلو كان أجيراً لزيد في صوم يومٍ معيّن ساغ له السفر وسقط عنه وجوب الوفاء ، لأنّ التكليف به كسائر أقسام الصيام مشروط بالحضر بمناط واحد.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١٩٦ / أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ٣.

(٢) الوسائل ٢٣ : ٣١٣ / كتاب النذر والعهد ب ١٣ ح ٢.

٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : لا ريب في أنّ الأجير المزبور لو سافر ليس له أن يصوم ، للنهي عنه في السفر كما مرّ ، إلّا أنّ الكلام في جواز السفر وعدمه ، وأنّ وجوب الوفاء هنا هل هو مشروط أيضاً ، أو أنّه مطلق؟

الظاهر هو الثاني ، بل لا ينبغي التأمّل فيه.

وتوضيحه : أنّك قد عرفت في وجوه تصوير النذر في المقام أنّه يمكن إنشاؤه معلّقاً على الحضور ، ومعه لا خلاف كما لا إشكال في جواز السفر ، لقصور المقتضي من الأوّل وعدم وجوب تحصيل شرط الوجوب.

ولكن هذا لا يجري في باب الإجارة ، لقيام الإجماع على بطلان التعليق في العقود إلّا فيما قام الدليل عليه كما في الوصيّة والتدبير.

نعم ، لو جرى التعليق فيها كان التمليك من الأوّل معلّقاً على الحضر كما في النذر ، لعدم استحالة التعليق في المنشئات ، غير أنّه باطل في غير ما ثبت بالدليل كما عرفت ، فلا بدّ إذن من فرض الكلام في الإجارة المطلقة غير المعلّقة على الحضور ، وإلّا لكانت الإجارة باطلة في نفسها سواء أسافر أم لا.

ومن البيّن أنّ الإجارة المزبورة غير مشمولة للنصوص المتقدّمة لتدلّ على انسحاب الاشتراط إليها ، كيف؟! وقد ملك المستأجر العمل في ذمّة الأجير بمجرّد العقد من غير إناطة على الحضر حسب الفرض ، ومعه كيف يرخّص الشارع في تضييع هذا الحقّ وعدم تسليم المال إلى مالكه؟! وبعبارة اخرى : النصوص المذكورة ناظرة إلى ما تضمّن الحكم التكليفي المحض وأنّ ما كان حقّا لله سبحانه إمّا ابتداءً أو بعد الجعل والالتزام كما في النذر فهو مشروط بالحضور وساقط عند السفر ، وأمّا ما تضمّن الوضع أيضاً وكان مشتملاً على حقّ الناس فتلك الأدلّة قاصرة وغير ناهضة لإسقاط هذا

٣٠

[٢٥١٠] مسألة ٥ : الظاهر كراهة (١) السفر في شهر رمضان قبل أن يمضي ثلاثة وعشرون يوماً إلّا في حجّ أو عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف هلاكه.

[٢٥١١] مسألة ٦ : يكره للمسافر في شهر رمضان بل كلّ من يجوز له الإفطار التملّي من الطعام والشراب ، وكذا يكره له الجماع في النهار ، بل الأحوط تركه وإن كان الأقوى جوازه (٢).

______________________________________________________

الحقّ كي تكون بمثابة التخصيص في دليل وجوب تسليم المال وإيصاله إلى صاحبه كما لا يخفى.

وعلى الجملة : لا تحتمل دلالة هذه النصوص على الترخيص في ارتكاب الغصب. إذن فلا مناص للأجير المزبور من ترك السفر ، ومن قصد الإقامة لو كان مسافراً مقدّمةً للصيام ، وتسليم العمل المملوك إلى مالكه ، فلاحظ.

(١) كما تقدّم في المسألة الخامسة والعشرين من فصل ما يوجب الكفّارة (١).

(٢) تدلّ على الحكمين المذكورين في هذه المسألة من كراهية الجماع والامتلاء صحيحة ابن سنان يعني : عبد الله قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يسافر في شهر رمضان ومعه جارية له ، أفله أن يصيب منها بالنهار؟ «فقال : سبحان الله ، أما يعرف هذا حرمة شهر رمضان؟! إنّ له في الليل سبحاً طويلاً» قلت : أليس له أن يأكل ويشرب ويقصّر؟ «قال : إنّ الله تبارك وتعالى قد رخّص للمسافر في الإفطار والتقصير رحمةً وتخفيفاً لموضع التعب والنصب ووعث السفر ، ولم يرخّص له في مجامعة النساء في السفر بالنهار في شهر رمضان

__________________

(١) شرح العروة ٢١ : ٤٠٦ ٤١١.

٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى أن قال : وإنّي إذا سافرتُ في شهر رمضان ما آكل إلّا القوت وما أشرب كلّ الري» (١).

فقد دلّ ذيلها على كراهية الامتلاء والارتواء ، واستحباب الاقتصار على مقدار الضرورة العرفيّة.

وبما أنّ الظاهر منها أنّ الإفطار ترخيصٌ ورحمة ومنّة على الأُمّة ، ولذلك حسن الاقتصار على مقدار الضرورة رعايةً لحرمة شهر رمضان ، فمن ثمّ يتعدّى إلى مطلق موارد الترخيص من غير خصوصيّة للسفر كما لا يخفى.

كما دلّ صدرها على النهي عن الجماع ، المحمول على الكراهة الشديدة ، جمعاً بينها وبين نصوص أُخر قد دلّت على الجواز صريحاً.

كصحيحة عمر بن يزيد قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يسافر في شهر رمضان ، إله أن يصيب من النساء؟ «قال : نعم» (٢).

وصحيحة أبي العبّاس البقباق عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في الرجل يسافر ومعه جارية في شهر رمضان ، هل يقع عليها؟ «قال : نعم» (٣) ، ونحوهما غيرهما.

وقد تقدّم جواز مواقعة الأهل لمن يقدم من السفر بعد الزوال ، لصحيح ابن مسلم : عن الرجل يقدم من سفر بعد العصر في شهر رمضان فيصيب امرأته حين طهرت من الحيض ، أيواقعها؟ «قال : لا بأس به» (٤).

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٢٠٦ / أبواب من يصح منه الصوم ب ١٣ ح ٥.

(٢) الوسائل ١٠ : ٢٠٥ / أبواب من يصح منه الصوم ب ١٣ ح ١.

(٣) الوسائل ١٠ : ٢٠٦ / أبواب من يصح منه الصوم ب ١٣ ح ٤.

(٤) الوسائل ١٠ : ١٩٣ / أبواب من يصح منه الصوم ب ٧ ح ٤.

٣٢

فصل

[في موارد جواز الإفطار]

وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لأشخاص ، بل قد يجب (*) :

الأوّل والثاني : الشيخ والشيخة إذا تعذّر عليهما الصوم ، أو كان حرجاً ومشقّة ، فيجوز لهما الإفطار (١) ،

______________________________________________________

(١) لا إشكال كما لا خلاف في سقوط الصوم عمّن كان حرجاً ومشقّة عليه وكلفة لا تتحمّل عادةً وإن كان قادراً عليه كالشيخ والشيخة.

ويدلّ عليه بعد عموم دليل نفي الحرج الكتاب العزيز المعتضد بالروايات الخاصّة الواردة في المقام الناطقة بأنّ وظيفته الفداء.

قال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. أَيّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (١).

__________________

(*) بل يجب مطلقاً.

(١) البقرة ٢ : ١٨٣ ١٨٤.

٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

تضمّنت الآية المباركة تقسيم المكلّفين إلى أقسام ثلاثة :

فمنهم من يتعيّن عليهم الصيام أداءً ، وهم الأفراد العاديّون من الحاضرين الأصحّاء ، حيث إنّ التعبير بـ (كُتِبَ) وكذا التعبير بـ (فَلْيَصُمْهُ) في ذيل الآية اللاحقة ظاهرٌ في الوجوب التعييني.

ومنهم من يتعيّن عليه القضاء ، وهو المريض والمسافر.

ومنهم من لا يجب عليه الصوم رأساً لا أداءً ولا قضاءً ، بل يتعيّن في حقّه الفداء ، وهم الذين يقعون من أجل الصوم في الإطاقة أي في كلفة ومشقّة كالشيخ والشيخة.

فالصيام إنّما هو وظيفة القسمين الأولين فحسب دون الثالث ، وظاهر الآية الكريمة أنّ الوجوب في كلّ من الأقسام الثلاثة تعييني حسبما عرفت.

ثمّ أشار بقوله سبحانه (فَمَنْ تَطَوَّعَ) إلى أنّ ما ذكر من الأقسام الثلاثة إنّما هو حكم الصوم الواجب وأمّا التطوّع فهو خيرٌ للمتطوّع.

ثمّ أكّد سبحانه ما بيّنه من الصوم في القسمين الأولين يقوله تعالى (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) أي أنّ خيره ونفعه عائد إليكم لا إليه سبحانه الذي هو غني على الإطلاق.

هذا ، وقد يتوهّم بل ذهب بعضهم إلى أنّ الآية المتقدّمة أعني : قوله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) إلخ ، منسوخة بقوله سبحانه بعد ذلك (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) باعتبار أنّ الإطاقة بمعنى القدرة ، فكأنّ المتمكّن من الصيام كان مخيّراً في صدر الإسلام بينه وبين الفداء.

ولكن الظاهر كما أشرنا آنفاً أنّ الآية المباركة تشير إلى قسم آخر من المكلّفين ، وأنّ المجعول في حقّهم من أوّل الأمر لم يكن إلّا الفداء ، فإنّ الإطاقة

٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

غير الطاقة ، ومعناها : المكنة مع المشقّة ، أي إعمال الجهد وكمال القدرة والقوّة وغاية مرتبة التمكّن ، بحيث تتعقّب بالعجز ، وهو المعبّر عنه بالحرج والمشقّة ، على ما فسّرها به في لسان العرب (١) وغيره.

وعليه ، فالآية الشريفة غير منسوخة بوجه ، بل تشير إلى الأقسام الثلاثة حسبما عرفت ، وأنّ في كلّ قسم حكم تعييني يخصّه ، وأنّ في القسم الثالث وهو من يتمكّن من الصيام مع الحرج الشديد والمشقّة العظيمة المتضمّنة لإعمال غاية الجهد والطاقة لا أمر بالصوم أصلاً ، بل يتعيّن الفداء.

ولأجل ذلك ذكر في الجواهر (٢) ناسباً له إلى أصحابنا وعلمائنا تعيّن الفدية في القسم الأخير ، وأنّه لو صام لم يصحّ ، لعدم الأمر حسبما اقتضاه ظاهر الكتاب كما عرفت والروايات على ما سيجي‌ء.

ولكن صاحب الحدائق (قدس سره) ذهب إلى صحّة الصوم أيضاً وعدم تعيّن الفداء ، وأنّ الحكم ترخيصي لا إلزامي ، بل ذكر (قدس سره) أنّ الصوم أفضل ، مستشهداً له بقوله سبحانه (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) فجعله متمّماً لقوله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) إلخ ، ومرتبطاً به. ونقل عن مجمع البيان قوله (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) يعني : من الإفطار والفدية (٣).

ولا يبعد استظهار ذلك من عبارة الماتن (قدس سره) أيضاً ، حيث عبّر بعد قوله : وردت الرخصة ... إلخ ، بقوله : بل قد يجب ، فكأنّ الإفطار لم يكن واجباً مطلقاً وإنّما هو حكم ترخيصي ربّما يصير واجباً كما لو استلزم الصوم ضرراً محرّماً ، ويشهد له ذيل عبارته أيضاً ، حيث قال : فيجوز لهما الإفطار.

__________________

(١) لاحظ لسان العرب ١٠ : ٢٣٢ ٢٣٣.

(٢) الجواهر : ١٧ : ١٤٤.

(٣) الحدائق ١٣ : ٤٢١.

٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وكيفما كان ، فهذا القول الذي صرّح به في الحدائق من التخيير بين الصيام والفداء لا يمكن المصير إليه بوجه ، لكونه على خلاف ظاهر الآية الكريمة جزماً ، فإنّ في العدول من الخطاب في قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) إلخ ، إلى الغيبة في قوله سبحانه (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) إلخ ، دلالة واضحة على أنّ المراد من المعدول إليه طائفة أُخرى غير المخاطَبين بالصيام المنقسمين إلى صحيح حاضر ومريض أو مسافر ، وأنّ الصوم وظيفة لغير هؤلاء حسبما تقدّم.

وعليه ، فالعود ثانياً إلى الخطاب في قوله تعالى (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) كاشفٌ عن رجوع هذه الفقرة إلى من خوطب أوّلاً وكونه من متمّمات الخطاب السابق لا من متمّمات الغيبة المعدول إليها ، وإلّا لكان مقتضى السياق التعبير بلسان الغيبة أيضاً بأن يقال هكذا : وأن يصوموا خير لهم ، بدل قوله سبحانه (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ).

وكأنّه سبحانه وتعالى أشار بذلك إلى أنّ التكليف بالصيام أداءً أو قضاءً يعود نفعه وفائدته إليكم لا إليه سبحانه الذي هو غني عن عباده. فهو إذن خيرٌ لكم كما ورد نظيره في آية التيمّم ، قال تعالى (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) (١) إيعازاً إلى أنّ الغاية من التيمّم تطهير النفوس وتزكية القلوب من غير رجوع أيّ نفع من أعمال العباد وطاعاتهم إليه سبحانه.

وعلى الجملة : فهذه الفقرة تأكيد للخطاب السابق ومن ملحقاته ، ولا علاقة ولا ارتباط لها بالجملة الغيابيّة المتخلّلة ما بين الخطابين لتدلّ على الترخيص وجواز الصيام فضلاً عن أفضليّته.

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦.

٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

إذن فالتكليف بالفداء في قوله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) الظاهر في الوجوب التعييني لا معدل عنه ولا محيص من الأخذ به بعد عدم اقترانه بما يوجب رفع اليد عنه وسلامته عن المعارض ، فلا يصحّ الصوم من هؤلاء بتاتاً ، لأنّ الموظّف به أداءً أو قضاءً غيرهم حسبما عرفت.

كما أنّ الروايات الواردة في المقام ظاهرة في أنّ الصدقة واجب تعييني تخييري ، التي منها صحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سألته عن رجل كبير ضعف عن صوم شهر رمضان «قال : يتصدّق كلّ يوم بما يجزئ من طعام مسكين» (١).

وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : «الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام ، ولا قضاء عليهما» (٢) ونحوهما غيرهما ممّا تضمّن الأمر بالتصدّق ، بل لم يرد الأمر بالصيام في شي‌ء من الروايات حتّى الضعيفة منها.

هذا ، ومن جملة الروايات الواردة في المقام ما رواه المشايخ الثلاثة بإسنادهم عن عبد الملك بن عتبة الهاشمي ، قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة التي تضعف عن الصوم في شهر رمضان «قال : تصدّق في كلّ يوم بمدّ حنطة» (٣).

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٢١١ / أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٥.

(٢) الوسائل ١٠ : ٢٠٩ / أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ١.

(٣) الوسائل ١٠ : ٢١١ / أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ٤ ، الكافي ٤ : ١١٦ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٨٥ / ٣٧٩ ، التهذيب ٤ : ٢٣٨ / ٦٩٦ ، الاستبصار ٢ : ١٠٣ / ٣٣٧.

٣٧

لكن يجب عليهما في صورة المشقّة (١)

______________________________________________________

وقد وصفها في المدارك بالصحّة (١) ، وتبعه غيره ، وليس كذلك كما نبّه عليه في الحدائق (٢) ، فإنّ عبد الملك المذكور مهمل في كتب الرجال ، والذي وثّقه النجاشي إنّما هو عبد الملك بن عتبة النخعي ، لا عبد الملك بن عتبة الهاشمي ، قال (قدس سره) : والكتاب المنسوب إلى الهاشمي والناسب هو الشيخ ليس له وإنّما هو للنخعي (٣).

وقد اشتبه الأمر بينهما على صاحب المدارك مع تضلّعه وسعة اطّلاعه.

وكيفما كان ، ففي ما عداها من الروايات غنى وكفاية.

وعلى الجملة : فهذه الروايات المعتضدة بظهور الآية والمقترنة بتسالم الأصحاب كما سمعت دعواه من الجواهر تكفينا في الدلالة على ابتناء الفداء على الإلزام وعدم كفاية الصيام ، وإن كان التعبير بالترخيص في كلمات بعض الأصحاب ومنهم الماتن كما تقدّم يشعر بخلافه ، إذ لا عبرة به تجاه الدليل القائم على خلافه حسبما عرفت.

(١) بعد ما عرفت من بطلان القول بالتخيير وعدم الاجتزاء بالصيام فاستقصاء الكلام في المقام يستدعي التكلّم في جهات :

الاولى : في وجوب الفداء ، وهو في الجملة ممّا لا إشكال فيه ، وقد قامت عليه الشهرة العظيمة ، بل ادّعي الإجماع عليه.

__________________

(١) المدارك ٦ : ٢٩٤.

(٢) الحدائق ١٣ : ٤١٧.

(٣) رجال النجاشي : ٢٣٩ / ٦٣٥.

٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن نُسب إلى أبي الصلاح القول بالاستحباب (١) ، فكما لا يجب عليهما الصوم لا تجب الفدية أيضاً.

وهذا كما ترى مخالف لظاهر الأمر الوارد في الكتاب والسنّة حسبما تقدّم.

نعم ، ربّما يستدلّ له بما رواه الشيخ بإسناده عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء لضعفه ولا يمكنه الركوع والسجود «فقال : ليومئ برأسه إيماءً» إلى أن قال : قلت : فالصيام؟ «قال : إذا كان في ذلك الحدّ فقد وضع الله عنه ، فإن كانت له مقدرة فصدقة مدّ من طعام بدل كلّ يوم أحبّ إليّ ، وإن لم يكن له يسار ذلك فلا شي‌ء عليه» (٢).

نظراً إلى أنّ ظاهر التعبير بـ «أحبّ» هو الاستحباب ، وقد استدلّ بها في الجواهر أيضاً لسقوط الصيام عنه (٣).

وكيفما كان ، فالاستدلال المزبور لا بأس به لو لا أنّ السند ضعيف ، فإنّ الكرخي المعبّر عنه تارةً بإبراهيم الكرخي ، وأُخرى بإبراهيم بن أبي زياد ، وثالثةً بإبراهيم بن أبي زياد الكرخي مجهول لم يرد فيه أيّ توثيق أو مدح ، فكيف يمكن التعويل عليه في الخروج عن ظواهر النصوص؟! على أنّه لا يبعد القول بعدم التنافي بين قوله : «أحبّ» وبين الوجوب ، لأنّ ظهوره في الاستحباب ليس بتلك المرتبة ، لجواز أن يراد أنّ إطاعة الله أحبّ إليه من معصيته ، لا أنّ تركه جائز ، يعني : بعد أن لم يتمكّن من الصوم الواجب

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٨٢.

(٢) الوسائل ١٠ : ٢١٢ / أبواب من يصح منه الصوم ب ١٥ ح ١٠ ، التهذيب ٣ : ٣٠٧ / ٩٥١.

(٣) الجواهر ١٧ : ١٤٦.

٣٩

بل في صورة التعذّر (*) أيضاً التكفير بدل كلّ يوم (١)

______________________________________________________

فأحبّ أن يعمل بوظيفته البدليّة ، فإنّ من المعلوم أنّ الله ورسوله وأولياءه يحبّون أن يعمل الناس بطاعاتهم وواجباتهم.

وكيفما كان ، فيكفينا ضعف الرواية. إذن فالقول بعدم الوجوب في غاية الضعف.

(١) الجهة الثانية : هل يختصّ وجوب الفداء بمن يشقّ عليه الصيام أي يتمكّن منه مع المشقّة الشديدة ، وهو المراد بالإطاقة كما تقدّم (١) أو يعمّ العاجز المعذور الذي لا يتمكّن منه حتّى مع المشقّة؟

المشهور هو الثاني واختاره في المتن.

إنّما الكلام في مستنده.

أمّا الآية المباركة : فهي قاصرة الدلالة على ذلك ، نظراً إلى توجيه الخطاب فيها إلى المتمكّنين خاصّة إمّا بلا مشقّة ، أو عن المشقّة كما هو معنى الإطاقة على ما مرّ ، وأنّه يجب الصوم على الأوّل إمّا أداءً كما في الصحيح الحاضر ، أو قضاءً كما في المريض أو المسافر ، والفداء على الثاني ، فهي ناظرة إلى بيان الوظيفة الفعليّة لجميع المكلّفين المتمكّنين بشتى أنحائهم ، وأمّا من لم يكن متمكّناً من الصيام فهو خارج عن موضوع الآية المباركة رأساً ، ومقتضى ذلك عدم توجيه تكليف إليه بتاتاً لا أداءً ولا قضاءً ولا فداءً كما لا يخفى.

وأمّا الروايات : فهي على طائفتين : إحداهما ما يدّعى إطلاقها للمعذور ،

__________________

(*) لا يبعد عدم الوجوب في هذه الصورة.

(١) في ص ٣٤ ٣٥.

٤٠