موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

ولولاها لأشكل إثبات الحكم على سبيل العموم بحيث يشمل صيام الشهرين في الكفّارة المعيّنة والمخيّرة ، لاختصاص مورد النصوص بالأول ، فإنّ صحيحة منصور بن حازم موردها الظهار الذي يجب فيه صيام الشهرين معيّناً ، فقد روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال في رجل صام في ظهار شعبان ثمّ أدركه شهر رمضان «قال : يصوم شهر رمضان ويستأنف الصوم ، فإن هو صام في الظهار فزاد في النصف يوماً قضى بقيّته» (١).

وكذلك الحال في موثّقة سماعة ، قال : سألته عن الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين ، أيفرّق بين الأيّام؟ «فقال : إذا صام أكثر من شهر فوصله ثمّ عرض له أمر فأفطر فلا بأس ، فإن كان أقلّ من شهر أو شهراً فعليه أن يعيد الصيام» (٢).

فإنّها أيضاً ناظرة إلى الكفّارة التعيينيّة من ظهارٍ أو قتل ونحوهما ، إذ هي التي يصحّ أن يعبّر عنها بما تضمّنه الموثّق من قوله : عن الرجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين ... إلخ ، الظاهر في الوجوب التعييني.

أمّا في المخيّرة فلا يصحّ ذلك ، لأنّ الواجب حينئذٍ إنّما هو الجامع بين الخصال الثلاث لا خصوص صيام الشهرين.

ومن هنا مرّ أنّه لدى العجز عنه لا ينتقل إلى صوم الثمانية عشر الذي هو بدل عنه كما ينتقل إليه في الكفارة المعيّنة ، لاختصاص البدليّة بمورد وجوب المبدل منه ، ولا وجوب لصيام الشهرين في المخيّرة.

ومنه يظهر الحال في بقيّة النصوص المتضمّنة لمثل هذا التعبير.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٧٥ / أبواب بقية الصوم الواجب ب ٤ ح ١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٧٢ / أبواب بقية الصوم الواجب ب ٣ ح ٥.

٣٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى الجملة : فالنصوص غير وافية لإثبات الحكم في الكفّارة المخيّرة لولا التشبّث بذيل الصحيحة المتقدّمة التي هي حاكمة كما عرفت على جميع الأدلّة التي اعتُبر فيها تتابع الشهرين ، وأنّ المراد به في اصطلاح الشرع في كلّ مورد أُخذ موضوعاً لحكمٍ من الأحكام هو التتابع بين عنواني الشهرين المتحصّل من ضمّ جزء من الشهر الثاني إلى تمام الأول ، لا بين أجزاء الشهرين بأسرها.

ومنه يظهر الحال فيما لو نذر صوم شهرين متتابعين قاصداً به ما هو المفهوم الواقعي من هذا اللفظ في اصطلاح الشرع ، فإنّه يكتفي فيه أيضاً بالتتابع في شهر ويوم بمقتضى حكومة صحيحة الحلبي كما عرفت.

وأمّا لو اشترط الناذر تتابع الأيّام جميعها بأن نذر صوم ستّين يوماً متّصلاً أو صوم شهرين مع توالي الأيّام بأسرها ولا سيّما لو عيّن الشهرين كرجب وشعبان مثلاً فلا ينبغي التأمّل حينئذٍ في عدم الاكتفاء ولزوم الوفاء على حسب نذره ، فإنّ مورد الحكومة المزبورة ما إذا كان موضوع الحكم هذا العنوان الخاصّ أعني : شهرين متتابعين لا ما يستلزمه من سائر العناوين كصوم الستّين ونحو ذلك ، جموداً في الحكم المخالف لمقتضى القاعدة على مقدار قيام الدليل.

والحاصل : أنّ غاية ما يسعنا إنّما هو إلحاق النذر بمورد الصحيحة أعني : الكفّارة لكن مع المحافظة على العنوان المذكور فيها ، قضاءً للحكومة كما عرفت. وأمّا التعدّي إلى عنوان آخر وإن كان ملازماً له فيحتاج إلى الدليل ، وحيث لا دليل فالمتّبع إطلاق دليل وجوب الوفاء بالنذر.

فما صنعه في المتن من التقييد بعدم الاشتراط هو الصحيح.

٣٠٢

وألحق المشهور بالشهرين الشهر المنذور فيه التتابع (١) فقالوا : إذا تابع في خمسة عشر يوماً منه يجوز له التفريق في البقيّة اختياراً وهو مشكل ، فلا يترك الاحتياط فيه بالاستئناف مع تخلّل الإفطار عمداً وإن بقي منه يوم ، كما لا إشكال في عدم جواز التفريق اختياراً مع تجاوز النصف في سائر أقسام الصوم المتتابع.

______________________________________________________

(١) وهو الصحيح من غير اعتبار مجاوزة النصف هنا ، لصحيح موسى بن بكر ، إمّا عن الفضيل أو بدونه حسب اختلاف طريقي الكليني والشيخ كما تقدّم عن الصادق (عليه السلام) وروايته أيضاً عن الفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) : في رجل جعل عليه صوم شهر فصام منه خمسة عشر يوماً ثمّ عرض له أمر «فقال : إن كان صام خمسة عشر يوماً فله أن يقضي ما بقي ، وإن كان أقلّ من خمسة عشر يوماً لم يجزه حتّى يصوم شهراً تامّاً» (١).

وقد عرفت فيما تقدّم أنّ عروض الأمر يعمّ السفر الاختياري وأشباهه (٢).

ولا وجه للنقاش في سندها كما عن المدارك (٣) ليجاب بانجبار الضعف بالعمل ، فإن موسى بن بكر وإن لم يوثّق صريحاً في كتب الرجال لكنّه مذكور في إسناد تفسير علي بن إبراهيم كما تقدّم ، فالرواية معتبرة وقد أفتى بها المشهور ، فلا مانع من الفتوى على طبقها. فاستشكال الماتن في غير محلّه.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٧٦ / أبواب بقية الصوم الواجب ب ٥ ح ١ ، الكافي ٤ : ١٣٩ / ٦ ، التهذيب ٤ : ٢٨٥ / ٨٦٣ و٨٦٤.

(٢) في ص ٢٩٥ ٢٩٧.

(٣) المدارك ٦ : ٢٥٢.

٣٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ إنّه لا إشكال في عدم جواز التفريق الاختياري مع تجاوز النصف في سائر أقسام الصوم المشروط فيه التتابع كما نبّه عليه في المتن ، لعدم الدليل على الجواز في غير ما مرّ ، فيرجع إلى ما تقتضيه القواعد من الاستئناف ، رعايةً لشرطيّة التتابع.

نعم ، حكى المحقق في الشرائع عن بعضٍ وهو الشيخ ، وابن سعيد ، والعلّامة في غير المنتهي كما نصّ عليه في الجواهر (١) : أنّه الحق بالشهر المنذور في كفاية المتابعة في النصف من وجب عليه صوم شهر في كفّارة قتل الخطأ أو الظهار لكونه مملوكاً ، حيث إنّ كفّارته نصف كفّارة الحرّ ، مستدلّاً عليه بوجوه حكاها عن المختلف في الجواهر ، التي منها : أنّ ذلك لا يزيد على النذر المتتابع فيثبت الحكم في الأضعف بطريق أولى. ثمّ قال المحقّق : وفيه تردّد.

واعترض عليه في الجواهر بأنّ الأولى الجزم بالعدم دون التردّد ، لضعف تلك الوجوه ومنع الأولويّة ، ولا بدّ من الاقتصار في الحكم المخالف لمقتضى القواعد على المقدار المتيقّن وهو النذر الذي هو مورد النصّ.

أقول : ينبغي التفصيل بين الظهار وغيره ، فلا يحكم بالإلحاق فيما عداه ، لما ذكره (قدس سره) من عدم الدليل على التعدّي ، ولزوم الاقتصار على المقدار المتيقّن.

أمّا في الظهار فلا مانع من الإلحاق ، فإنّ نصوص هذا الباب وإن كان أكثرها وارداً في الحرّ لتضمّنها صوم الشهرين المتتابعين ، إلّا أنّ بعضها مطلق يشمل العبد أيضاً الذي كفّارته شهر واحد ، وهي صحيحة منصور بن حازم في حديث قال في رجل صام في ظهار فزاد في النصف يوماً «قضى بقيّته» (٢).

__________________

(١) الجواهر ١٧ : ٨٦.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٧٢ / أبواب بقية الصوم الواجب ب ٣ ح ٤.

٣٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنّ قوله (عليه السلام) في النصف يعمّ النصف من الشهرين كما في الحرّ ، ومن الشهر الواحد كما في العبد ، فلا قصور في شمولها له كالحرّ بمقتضى الإطلاق وإن كان صدرها وارداً في الحرّ. فإنّ ذلك لا يقدح في التمسّك بإطلاق الذيل كما لا يخفى.

وهي صحيحة سنداً كما عرفت ، ولا يقدح اشتماله على محمّد بن إسماعيل المردّد بين الثقة وغيره ، لوجوده بعين هذا السند أعني : محمّد ابن إسماعيل عن الفضل بن شاذان في كامل الزيارات ، فالرجل موثّق على كلّ تقدير ، وتعبير صاحب الجواهر عنها في غير هذا المقام (١) بالخبر لا يكشف عن الضعف ، لعدم التزامه (قدس سره) بهذا الاصطلاح.

وعلى الجملة : فلا يبعد الالتزام بهذا الحكم أعني : الاكتفاء بالتتابع في نصف الشهر وزيادة يوم في صوم الشهر في كفّارة الظهار من العبد ، لصحّة الرواية سنداً ، وكذا دلالةً ، فإنّها وإن روى تمامها في الوسائل وفيها : «فإن هو صام» إلخ (٢) ، فيكون صدرها وارداً في الحرّ ، إلّا أنّ مرجع الضمير هو طبيعي الرجل لا خصوص من حكم عليه بحكم الحرّ.

وإن شئت قلت : المتفاهم من قوله (عليه السلام) : «فإن هو صام في الظهار فزاد في النصف» إلخ : أنّ الاعتبار في باب الظهار بتجاوز النصف ، فهو المناط في التتابع من غير خصوصيّة للحرّ أو العبد ، فتشمل بإطلاقها تجاوز النصف من الشهرين أو الشهر الواحد. فلا مانع من التفريق الاختياري بعدئذٍ.

ولم أرَ مَن تعرّض لذلك ، بل مقتضى حصر الاستثناء عن التفريق الاختياري

__________________

(١) الجواهر ١٧ : ٧٩.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٧٥ / أبواب بقية الصوم الواجب ب ٤ ح ١.

٣٠٥

[٢٥٥٦] مسألة ٨ : إذا بطل التتابع في الأثناء لا يكشف عن بطلان الأيّام السابقة (١) ، فهي صحيحة وإن لم تكن امتثالاً للأمر الوجوبي ولا الندبي (*) ، لكونها محبوبة في حدّ نفسها من حيث إنّها صوم. وكذلك الحال في الصلاة إذا بطلت في الأثناء ، فإنّ الأذكار والقراءة صحيحة في حدّ نفسها من حيث محبوبيّتها لذاتها.

______________________________________________________

في كلام المحقّق في الشرائع في المواضع الثلاثة (١) أعني : الشهرين المتتابعين ، والشهر المنذور ، وثلاثة الهدي وإمضائه من صاحب الجواهر (٢) أنّهما لا يسوّغان التفريق فيما ذكرناه. ولا وجه له بعد مساعدة الدليل حسبما عرفت.

(١) من شرع في الصوم المشروط فيه التتابع فصام أيّاماً ثمّ بطل تتابعه إمّا لعذرٍ من الأعذار أو بدا له في الإفطار بناءً على ما عرفت من جواز الأبطال وتبديل الامتثال ، فهل يكشف ذلك عن بطلان الأيّام السابقة ، نظراً إلى أنّ ما قصد لم يقع ، وما وقع لم يقصد ، ولا عبادة إلّا عن قصد وإن ترتّب عليها الثواب من جهة الانقياد ، أو أنّها محكومة بالصحّة لكونها محبوبة في حدّ نفسها وإن لم تكن امتثالا للأمر الوجوبي ولا الندبي لعدم تعلّق القصد بشي‌ء منهما ، كما هو الحال في الصلاة إذا بطلت في الأثناء ، فإنّ القراءة والذكر محكومة بالصحّة ، إذ الأوّل قرآن تستحبّ تلاوته ، وذكر الله حسن على كلّ حال؟

__________________

(*) الظاهر ثبوت الأمر الندبي له ، نظراً إلى أنّ الصوم في نفسه مأمور به بأمر ندبي عبادي ، وأمّا الأمر الناشئ من قبل الكفّارة أو نحوها فهو توصليّ ، فالمكلّف في مفروض المقام إنّما لم يمتثل الأمر التوصلي وأمّا الأمر الندبي العبادي فقد امتثله.

(١) الشرائع ١ : ٢٣٦ ٢٣٧.

(٢) الجواهر ١٧ : ٧٩ ٨٣.

٣٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

اختار السيّد الماتن (قدس سره) الثاني ، وهو الصحيح.

والوجه فيه : ما تكرّرت الإشارة إليه في مواضيع عديدة من مطاوي هذا الشرح ، وتعرّضنا له في الأُصول في بحث مقدّمة الواجب (١) ، حيث قلنا : إنّ الأمر الغيري بناءً على وجوب المقدّمة توصليّ لا يتوقّف سقوطه على تعلّق القصد به كما هو الشأن في جميع الأوامر الغيريّة.

نعم ، لو تعلّق بما هو عبادة في نفسه كالطهارات الثلاث وجب الإتيان بها على جهة العبادة ، وإلّا بطلت ، لا لدخلها في الأمر ، بل لعدم حصول المتعلّق ، فإنّه بنفسه عبادي حسب الفرض ، فلا بدّ من قصد الأمر النفسي المتعلّق بها ، وأمّا الأمر الغيري المقدّمي فهو توصليّ كما عرفت لا دخل له في تحقّق العبادة ، ولذا تتحقّق حتّى مع فقده وانتفائه ، كما لو توضّأ للصلاة ولم يصلّ ، فإنّ هذا الوضوء غير موصوف بالوجوب الغيري بناءً على ما هو الصحيح تبعاً لصاحب الفصول (٢) من اختصاص الوجوب بالمقدّمة الموصلة وأنّها ما لم تتعقّب بالإيصال الخارجي لم تكد تتّصف بالوجوب المقدّمي ، ومع ذلك لا شكّ في كونه محكوماً بالصحّة ، وليس إلّا من أجل كونه عبادة في نفسه ، ففساد الأمر الغيري وبطلانه لا يستدعي فساد متعلّقه إذا كان عبادة في حدّ نفسه ، لأنّ عباديّته لم تنشأ من قبل هذا الأمر لتتبعه في الفساد ، بل هي ثابتة من ناحية أمرها النفسي كما عرفت. والأمر الغيري يدعو إلى ما هو عبادة في نفسه.

ومن هذا القبيل : النذر المتعلّق بالعبادة كصلاة الليل ، فإنّ العباديّة لم تنشأ من ناحية الأمر النذري لأنّه توصليّ ، بل هي مأخوذة في نفس المتعلّق ، فلو صلّى بغير القربة لم يفِ ، لا لأنّ الأمر عبادي ، بل لعدم حصول متعلّق النذر في

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٣٩٦ ٤٠٣.

(٢) الفصول الغروية للاصفهاني : ٨٦.

٣٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

حدّ نفسه.

وكذا الحال في العبادات الواقعة مورداً للإجارة كالحجّ الاستئجاري أو الحلف ، أو العهد ، أو الشرط في ضمن العقد ، أو أمر الوالد أو السيد ونحو ذلك من العناوين الثانويّة ، فإنّ الأمر الجائي من قبلها بأجمعها توصليّ ، وملاك العباديّة إنّما هو الأمر الثابت للمتعلّقات بعناوينها الأولويّة. فلو فُرض في موردٍ فساد الإجارة ، أو بطلان الشرط ، أو عدم انعقاد الحلف ونحو ذلك ، وقد أتى بالعبادة خارجاً ، فهي محكومة بالصحّة لا محالة وإن لم يكن مصداقاً للعنوان الثانوي ، لما عرفت من أنّ مناط العباديّة شي‌ء ، ومورد البطلان شي‌ء آخر ، ولا يسري الفساد إلى ذاك المناط أبداً.

والأمر بالكفّارة فيما نحن فيه من هذا القبيل ، ضرورة أنّ الأمر بالتكفير توصليّ لا تعبّدي ، فلا يعتبر في سقوطه قصد التقرّب ، وإنّما العباديّة معتبرة في نفس المتعلّق من الصوم والعتق لقوله (عليه السلام) : «لا عتق إلّا ما قُصد به الله» (١) دون الإطعام ، فلو أطعم بعنوان الكفّارة كفى وإن لم يقصد به القربة. وهذا أقوى شاهد على أنّ الأمر الناشئ من قبل الكفّارة توصليّ في حدّ نفسه ، وإلّا لما اختلفت الخصال الثلاث فيما ذكر كما لا يخفى.

وعليه ، فصوم الشهرين الواقع متعلّقاً للأمر بالكفّارة عبادي ، لكن لا من ناحية هذا الأمر الوجوبي الثابت بالعنوان الثانوي ، بل من أجل الأمر الاستحبابي المتعلّق بنفس الصوم بعنوانه الأوّلي ، فإنّ الصوم في كلّ يوم ما عدا الأيّام المحرّمة له أمر استحبابي مستقلّ ، وإنّما نشأ هذا الجمع والارتباط أعني : عنوان الشهرين وكذا التتابع من ناحية الأمر بالتكفير الذي هو توصليّ كما عرفت.

__________________

(١) انظر الوسائل ٢٣ : ١٤ / كتاب العتق ب ٤ ح ١ ، ٢.

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فلو صام يوماً أو أيّاماً ثمّ قطع إمّا اختياراً أو لعجز أو موت فبطل التتابع ، لم يكد يؤثّر ذلك في بطلان ما وقع ، فإنّ ملاك عباديّته الأمر الاستحبابي النفسي المتعلّق به بالعنوان الأوّلي لا التوصلي الثابت بالعنوان الثانوي ، وقد تحقّق على وجهه ولا ينقلب الشي‌ء عمّا وقع عليه ، فلا مناص من الحكم بالصحّة ، فإذا كان هناك أثر للصوم الصحيح يترتّب وإن لم يحسب من الكفّارة كما ذكره في المتن ، والله سبحانه أعلم.

٣٠٩

فصل

[في أقسام الصوم]

أقسام الصوم أربعة : واجب ، وندب ، ومكروه كراهة عبادة ، ومحظور.

والواجب أقسام : صوم شهر رمضان ، وصوم الكفّارة ، وصوم القضاء ، وصوم بدل الهدي في حجّ التمتّع ، وصوم النذر والعهد واليمين ، والملتزم بشرط أو إجارة ، وصوم اليوم الثالث من أيّام الاعتكاف.

أمّا الواجب فقد مرّ جملة منه.

وأمّا المندوب منه فأقسام :

منها : ما لا يختصّ بسبب مخصوص ولا زمان معيّن ، كصوم أيّام السنة عدا ما استثنى من العيدين وأيّام التشريق لمن كان بمنى ، فقد وردت الأخبار الكثيرة في فضله من حيث هو ومحبوبيّته وفوائده ، ويكفي فيه ما ورد في الحديث القدسي : «الصوم لي وأنا اجازي به» (١) وما ورد من أنّ «الصوم جُنّة من النار» (٢) وأنّ «نوم الصائم عبادة ، وصمته تسبيح ، وعمله متقبّل ،

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٤٠٠ / أبواب الصوم المندوب ب ١ ح ١٦.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٩٥ / أبواب الصوم المندوب ب ١ ح ١.

٣١٠

ودعاءه مستجاب» (١). ونِعم ما قال بعض العلماء من أنّه لو لم يكن في الصوم إلّا الارتقاء عن حضيض حظوظ النفس البهيميّة إلى ذروة التشبّه بالملائكة الروحانيّة لكفى به فضلاً ومنقبةً وشرفاً.

ومنها : ما يختصّ بسببٍ مخصوص ، وهي كثيرة مذكورة في كتب الأدعية.

ومنها : ما يختصّ بوقتٍ معيّن ، وهو في مواضع :

منها وهو آكدها ـ : صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر ، فقد ورد أنّه يعادل صوم الدهر ، ويذهب بوحر الصدر (٢).

وأفضل كيفيّاته : ما عن المشهور ويدلّ عليه جملة من الأخبار ، وهو أنّ يصوم أوّل خميس من الشهر وآخر خميس منه ، وأوّل أربعاء في العشر الثاني.

ومن تركه يستحبّ له قضاؤه ، ومع العجز عن صومه لكبرٍ ونحوه يستحبّ أن يتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام أو بدرهم.

ومنها : صوم أيّام البيض من كلّ شهر ، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر على الأصحّ المشهور ، وعن العماني : أنّها الثلاثة المتقدّمة (٣).

ومنها : صوم يوم مولد النبي (صلّى الله عليه وآله) ، وهو السابع عشر

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٤٠١ / أبواب الصوم المندوب ب ١ ح ١٧ ، ٢٤.

(٢) الوسائل ١٠ : ٤١٥ / أبواب الصوم المندوب ب ٧ ح ١.

(٣) لاحظ رسالتان مجموعتان من فتاوى العلمين (فتاوى ابن أبي عقيل) : ٧٧ ، الجواهر ١٧ : ٩٧.

٣١١

من ربيع الأوّل على الأصحّ ، وعن الكليني (رحمه الله) : أنّه الثاني عشر منه (١).

ومنها : صوم يوم الغدير ، وهو الثامن عشر من ذي الحجّة.

ومنها : صوم يوم مبعث النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، وهو السابع والعشرون من شهر رجب.

ومنها : يوم دحو الأرض من تحت الكعبة ، وهو اليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة.

ومنها : يوم عرفة لمن لا يضعفه الصوم عن الدُّعاء.

ومنها : يوم المباهلة ، وهو الرابع والعشرون من ذي الحجّة.

ومنها : كلّ خميس وجمعة معاً ، أو الجمعة فقط.

ومنها : أوّل ذي الحجّة ، بل كلّ يوم من التسع فيه.

ومنها : يوم النيروز.

ومنها : صوم رجب وشعبان كلّاً أو بعضاً ولو يوماً من كلّ منهما.

ومنها : أوّل يوم من المحرّم وثالثه وسابعه.

ومنها : التاسع والعشرون من ذي القعدة.

ومنها : صوم ستّة أيّام بعد عيد الفطر بثلاثة أيّام أحدها العيد.

ومنها : يوم النصف من جمادى الأُولى.

[٢٥٥٧] مسألة ١ : لا يجب إتمام صوم التطوّع بالشروع فيه ، بل يجوز له الإفطار إلى الغروب وإن كان يكره بعد الزوال.

__________________

(١) الحدائق ١٣ : ٣٦٧ ، الجواهر ١٧ : ٩٩.

٣١٢

[٢٥٥٨] مسألة ٢ : يستحبّ للصائم تطوّعاً قطع الصوم إذا دعاه أخوه المؤمن إلى الطعام ، بل قيل بكراهته حينئذ.

وأمّا المكروه منه بمعنى قلّة الثواب ـ : ففي مواضع أيضاً :

منها : صوم عاشوراء (١).

ومنها : صوم عرفة لمن خاف أن يضعفه عن الدعاء الذي هو أفضل من الصوم ، وكذا مع الشك في هلال ذي الحجّة خوفاً من أن يكون يوم العيد.

______________________________________________________

(١) عدّه (قدس سره) من الصيام المكروه تبعاً لغيره من بعض الأصحاب ، ولكن المحقّق (قدس سره) في الشرائع جعله من الصيام المستحبّ (١) ، وأقرّ عليه في الجواهر قائلاً : بلا خلافٍ أجده فيه (٢) ، بل في ظاهر الغنية الإجماع عليه (٣).

نعم ، قيده المحقّق بما كان على وجه الحزن لمصاب سيّد شباب أهل الجنّة أرواح العالمين فداه.

ونبّه في الجواهر بأنّ هذا التقييد لمتابعة الشيخ (قدس سره) ، حيث إنّه جمع بين الأخبار المتعارضة بذلك ، وإلّا فنصوص الباب عارية عن هذا القيد.

وكيفما كان ، فحينما يتعرّض المحقّق للصيام المكروه لم يذكر منه صوم هذا اليوم لا هو ولا صاحب الجواهر ، فيظهر منهما أنّهما يريان الاستحباب إمّا على وجه الحزن أو مطلقاً.

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٤٠.

(٢) الجواهر ١٧ : ١٠٥.

(٣) الغنية ٢ : ١٤٨ ١٤٩.

٣١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وذهب في الحدائق إلى التحريم وأنّه تشريع محرّم كيوم العيد (١) ، لنصوص سنتعرّض إليها ، وذكر أنّ ما بإزائها من الأخبار محمول على التقيّة لمطابقتها لمذهب العامّة من بني أُميّة وغيرهم ، حيث كانوا يتبرّكون بالصوم في هذا اليوم شكراً على ما جرى على آل الله.

هذه هي حال الأقوال وهي كما ترى بين مكروه ، ومندوب ، ومحظور.

وأمّا بالنظر إلى الروايات الواردة في المقام :

فقد ورد في جملة من النصوص المنع عن صوم هذا اليوم ، وهي وإن كثرت إلّا أنّ مرجعها إلى ثلاث روايات :

إحداها : ما رواه الكليني عن شيخه الحسين كما في الوسائل (٢) أو الحسن كما في الكافي بن علي الهاشمي ، ولهذا الشخص روايات أربع رواها في الوسائل (٣) ، إلّا أنّنا نعتبر الكلّ رواية واحدة ، لأنّ في سند الجميع رجلاً واحداً وهو الهاشمي ، وحيث إنّه لم يوثّق ولم يذكر بمدح فهي بأجمعهما محكومة بالضعف ، مضافاً إلى ضعف الاولى بابن سنان أيضاً ، والثالثة بزيد النرسي على المشهور وإن كان مذكوراً في إسناد كامل الزيارات. وما في الوسائل في سند الرابعة من كلمة «نجيّة» غلط ، والصواب «نجبة» ، ولا بأس به.

وكيفما كان ، فلا يعتدّ بشي‌ء منها بعد ضعف أسانيدها.

مضافاً إلى ما ذكره في الجواهر من أنّ مفادها المنع عن الصوم باتّخاذه كما

__________________

(١) الحدائق ١٣ : ٣٧١ ٣٧٧.

(٢) في الوسائل المحقّق جديداً : الحسن بن علي الهاشمي.

(٣) الوسائل ١٠ : ٤٥٩ ٤٦١ / أبواب الصوم المندوب ب ٢١ ح ٢ ، ٣ ، ٤ ، ٥ ، الكافي ٤ : ١٤٧ ، ١٤٦ / ٧ ، ٥ ، ٦ ، ٤.

٣١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

يتّخذه المخالفون يوم بركة وفرح وسرور ، وأنّ من فعل ذلك كان حظّه من صيامه حظ ابن مرجانة وآل زياد الذي هو النار كما في هذه الأخبار ، لا أنّ المنهي عنه مطلق صومه وبعنوانه الأوّلي كما في العيدين (١).

الثانية : رواية زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) «قالا : لا تصم في يوم عاشوراء ولا عرفة بمكّة ولا في المدينة ، ولا في وطنك ، ولا في مصر من الأمصار» (٢).

وهي أيضاً ضعيفة السند بنوح بن شعيب وياسين الضرير.

على أنّ صوم عرفة غير محرّم قطعاً ، وقد صامه الإمام (عليه السلام) كما في بعض الروايات.

نعم ، يكره لمن يضعفه عن الدعاء ، فمن الجائز أن يكون صوم يوم عاشوراء أيضاً مكروهاً لمن يضعفه عن القيام بمراسيم العزاء.

الثالثة : رواية الحسين بن أبي غندر عن أبي عبد الله (عليه السلام) (٣). وهي ضعيفة السند جدّاً ، لاشتماله على عدّة من المجاهيل.

فهذه الروايات بأجمعها ضعاف.

نعم ، إنّ هناك رواية واحدة صحيحة السند ، وهي صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم جميعاً : أنّهما سألا أبا جعفر الباقر (عليه السلام) عن صوم يوم عاشوراء «فقال : كان صومه قبل شهر رمضان ، فلمّا نزل شهر رمضان ترك» (٤).

ولكنّها كما ترى لا تتضمّن نهياً ، بل غايته أنّ صومه صار متروكاً

__________________

(١) الجواهر ١٧ : ١٠٨.

(٢) الوسائل ١٠ : ٤٦٢ / أبواب الصوم المندوب ب ٢١ ح ٦ ، ٧.

(٣) الوسائل ١٠ : ٤٦٢ / أبواب الصوم المندوب ب ٢١ ح ٦ ، ٧.

(٤) الوسائل ١٠ : ٤٥٩ / أبواب الصوم المندوب ب ٢١ ح ١.

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنسوخاً بعد نزول شهر رمضان ، ولعلّه كان واجباً سابقاً ، ثمّ أُبدل بشهر رمضان كما قد تقتضيه طبيعة التبديل ، فلا تدلّ على نفي الاستحباب عنه بوجه فضلاً عن الجواز.

ولقد سها صاحب الجواهر (قدس سره) فألحق سند هذه الرواية بمتن الرواية التي بعدها ، التي كانت هي الاولى من روايات الهاشمي الضعاف المتقدّمة ، فعبّر عنها بصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم (١) ، مع أنّها رواية عبد الملك التي يرويها عنه الهاشمي كما سبق ، وإنّما العصمة لأهلها.

وكيفما كان ، فالروايات الناهية غير نقيّة السند برمّتها ، بل هي ضعيفة بأجمعها ، فليست لدينا رواية معتبرة يعتمد عليها ليحمل المعارض على التقيّة كما صنعه صاحب الحدائق.

وأمّا الروايات المتضمّنة للأمر واستحباب الصوم في هذا اليوم فكثيرة ، مثل : صحيحة القدّاح : «صيام يوم عاشوراء كفّارة سنة» (٢).

وموثّقة مسعدة بن صدقة : «صوموا العاشوراء التاسع والعاشر فإنّه يكفّر ذنوب سنة» (٣) ، ونحوها غيرها.

وهو مساعد للاعتبار ، نظراً إلى المواساة مع أهل بيت الوحي وما لاقوه في هذا اليوم العصيب من جوع وعطش وسائر الآلام والمصائب العظام التي هي أعظم ممّا تدركه الأفهام والأوهام.

فالأقوى استحباب الصوم في هذا اليوم من حيث هو كما ذكره في الجواهر ،

__________________

(١) الجواهر ١٧ : ١٠٥.

(٢) الوسائل ١٠ : ٤٥٧ / أبواب الصوم المندوب ب ٢٠ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٠ : ٤٥٧ / أبواب الصوم المندوب ب ٢٠ ح ٢.

٣١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أخذاً بهذه النصوص السليمة عن المعارض كما عرفت.

نعم ، لا إشكال في حرمة صوم هذا اليوم بعنوان التيمّن والتبرّك والفرح والسرور كما يفعله أجلاف آل زياد والطغاة من بني أُميّة من غير حاجة إلى ورود نصّ أبداً ، بل هو من أعظم المحرّمات ، فإنّه ينبئ عن خبث فاعله وخلل في مذهبه ودينه ، وهو الذي أُشير إليه في بعض النصوص المتقدّمة من أنّ أجره مع ابن مرجانة الذي ليس هو إلّا النار ، ويكون من الأشياع والأتباع الذين هم مورد للعن في زيارة عاشوراء. وهذا واضح لا سترة عليه ، بل هو خارج عن محلّ الكلام كما لا يخفى.

وأمّا نفس الصوم في هذا اليوم إمّا قضاءً أو ندباً ولا سيّما حزناً فلا ينبغي التأمّل في جوازه من غير كراهة فضلاً عن الحرمة حسبما عرفت.

الرابعة : وهي التي رواها الشيخ في المصباح عن عبد الله بن سنان ، قال : دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) يوم عاشوراء ودموعه تنحدر على عينيه كاللؤلؤ المتساقط فقلت : مِمَّ بكاؤك؟ «فقال : أفي غفلة أنت؟! أما علمت أنّ الحسين (عليه السلام) أُصيب في مثل هذا اليوم؟!» فقلت : ما قولك في صومه؟ فقال لي : «صمه من غير تبييت ، وأفطره من غير تشميت ، ولا تجعله يوم صوم كملا ، وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء ، فإنّه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل رسول الله (صلّى الله عليه وآله)» (١).

وهي من حيث التصريح بعدم تبييت النيّة ، وعدم تكميل الصوم ، ولزوم الإفطار بعد العصر ، واضحة الدلالة على المنع عن الصوم الشرعي وأنّه مجرّد إمساك صوري في معظم النهار ، تأسّياً بما جرى على الحسين وأهله الأطهار

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٤٥٨ / أبواب الصوم المندوب ب ٢٠ ح ٧ ، مصباح المتهجّد : ٧٨٢.

٣١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

عليهم صلوات الملك المنتقم القهّار.

إلّا أنّ الشأن في سندها ، والظاهر أنّها ضعيفة السند ، لجهالة طريق الشيخ إلى عبد الله بن سنان فيما يرويه في المصباح ، فتكون في حكم المرسل.

وتوضيحه : أنّ الشيخ في كتابي التهذيب والاستبصار التزم أن يروي عن كلّ من له أصل أو كتاب عن كتابه ، فيذكر أسماء أرباب الكتب أوّل السند مثل : محمّد بن علي بن محبوب ، ومحمّد بن الحسن الصفّار ، وعبد الله بن سنان ، ونحو ذلك ، ثمّ يذكر في المشيخة طريقه إلى أرباب تلك الكتب لتخرج الروايات بذلك عن المراسيل إلى المسانيد ، وقد ذكر طريقه في كتابيه إلى عبد الله بن سنان ، وهو طريق صحيح.

وذكر (قدس سره) في الفهرست طريقه إلى أرباب الكتب والمجاميع ، سواء أروى عنهم في التهذيبين أم في غيرهما ، منهم : عبد الله بن سنان (١) ، وطريقه فيه صحيح أيضاً.

وأمّا طريقه (قدس سره) إلى نفس هذا الرجل لا إلى كتابه فغير معلوم ، إذ لم يذكر لا في المشيخة ولا في الفهرست ولا في غيرهما ، لأنّهما معدّان لبيان الطرق إلى نفس الكتب لا إلى أربابها ولو في غير تلكم الكتب.

وهذه الرواية مذكورة في كتاب المصباح ، ولم يلتزم الشيخ هنا بأنّ كلّ ما يرويه عمّن له أصل أو كتاب فهو يرويه عن كتابه كما التزم بمثله في التهذيبين حسبما عرفت.

وعليه ، فمن الجائز أن يروي هذه الرواية عن غير كتاب عبد الله بن سنان الذي له إليه طريق آخر لا محالة ، وهو غير معلوم كما عرفت ، فإنّ هذا الاحتمال

__________________

(١) الفهرست : ١٠١ / ٤٣٤.

٣١٨

ومنها : صوم الضيف بدون إذن مضيفه (*) (١) ، والأحوط تركه مع نهيه ، بل الأحوط تركه مع عدم إذنه أيضاً.

______________________________________________________

يتطرّق بطبيعة الحال ولا مدفع له ، وهو بمجرّده كافٍ في عدم الجزم بصحّة السند.

بل أنّ هذا الاحتمال قريب جدّاً ، بل هو المظنون ، بل المطمأنّ به ، إذ لو كانت مذكورة في كتاب عبد الله بن سنان فلما ذا أهملها في التهذيب والاستبصار مع عنوانه (قدس سره) فيهما : صوم يوم عاشوراء ، ونقله سائر الروايات الواردة في الباب وبنائه (قدس سره) على نقل ما في ذلك الكتاب وغيره من الكتب؟! فيكشف هذا عن أنّ روايته هذه عنه عن غير كتابه كما ذكرناه. وحيث إنّ طريقه إليه غير معلوم فالرواية في حكم المرسل ، فهي أيضاً ضعيفة السند كالروايات الثلاث المتقدّمة.

فصحّ ما ادّعيناه من أنّ الروايات الناهية كلّها ضعيفة السند ، فتكون الآمرة سليمة عن المعارض ، فلم تثبت كراهة صوم يوم عاشوراء فضلاً عن الحرمة التي اختارها في الحدائق ، بل هي جائزة ندباً ولا سيّما حزناً حسبما عرفت بما لا مزيد عليه.

(١) عدّ (قدس سره) من جملة الصيام المكروه بالمعنى المناسب للعبادة دون الكراهة المصطلحة المشتملة على نوع من المبغوضيّة والمرجوحيّة حسبما هو المحرّر في محلّه : صوم الضيف بدون إذن المضيف ، بل ذكر (قدس سره) أنّ الأحوط تركه ولا سيّما مع النهي.

__________________

(*) هذا في صوم التطوّع ، كما هو الحال في صوم الولد بدون إذن والده.

٣١٩

ومنها : صوم الولد بدون إذن والده ، بل الأحوط تركه خصوصاً مع النهي ، بل يحرم إذا كان إيذاءً له من حيث شفقته عليه ، والظاهر جريان الحكم في ولد الولد بالنسبة إلى الجدّ ، والأولى مراعاة إذن الوالدة ، ومع كونه إيذاءً لها يحرم كما في الوالد.

______________________________________________________

فنقول : الأقوال في المسألة حسبما ذكرها في الجواهر (١) ثلاثة :

فالمعروف والمشهور الكراهة مطلقاً.

وذهب جماعة كالشيخين والمحقّق في المعتبر وابن إدريس في السرائر والعلّامة في التبصرة (٢) وغيرهم إلى عدم الجواز ، فلا يصحّ الصوم بدون الإذن.

واحتمل في الجواهر تنزيل كلامهم على صورة النهي ليتّحد مع القول الثالث الذي اختاره المحقّق في الشرائع من التفصيل بين عدم الإذن فيكره ، وبين النهي فلا يصحّ ولا ينعقد (٣).

والأقوى ما عليه المشهور ، كما يظهر من ملاحظة الروايات الواردة في المقام :

فمنها : ما رواه الصدوق بإسناده عن الفضيل بن يسار ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) وفي بعض النسخ أبي جعفر (عليه السلام) «قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتى يرحل عنهم ، ولا ينبغي للضيف أن يصوم إلّا بإذنهم ، لئلّا يعملوا له الشي‌ء فيفسد عليهم ، ولا ينبغي لهم أن يصوموا إلّا بإذن الضيف ، لئلّا يحشمهم

__________________

(١) الجواهر ١٧ : ١١٨.

(٢) المقنعة : ٣٦٧ ، النهاية : ١٧٠ ، المعتبر ٢ : ٧١٢ ، السرائر ١ : ٤٢٠ ، التبصرة : ٥٦.

(٣) الشرائع ١ : ٢٤١.

٣٢٠