موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢٥٥٠] مسألة ٢ : إذا نذر صوم شهر أو أقلّ أو أزيد لم يجب التتابع (١) إلّا مع الانصراف أو اشتراط التتابع فيه.

______________________________________________________

اليمين ، أيصومها جميعاً ، أو يفرّق بينها؟ «قال : يصومها جميعاً» (١).

وكان على الماتن التعرّض له ، إذ لا وجه لإهماله بعد فتوى الأصحاب به ودلالة النصوص المعتبرة عليه حسبما عرفت.

(١) قدّمنا الكلام حول الكلّيّة التي ادّعاها في الشرائع (٢) ، وأمّا الكلام في الموارد الأربع التي استثناها عنها :

فأحدها : ما تعرّض له الماتن في هذه المسألة من النذر ، فلا يجب فيه التتابع ما لم يتقيّد المنذور به كما هو المشهور.

والوجه فيه ظاهر ، فإنّ وجوب الوفاء بالنذر لم يكن حكماً ابتدائيّاً ليُتكلّم في دلالته في أمثال المقام على التتابع وعدمه ، وإنّما هو تابع لكيفيّة نذر الناذر وما قصده وجعله على نفسه ، فإن قصده مقيّداً بالتتابع وجبت رعايته وفاءً لنذره ، ولا يجزئ معه التفريق ، وإلّا أتى به كيفما شاء.

كما هو الحال في غير الصيام من الصلاة والصدقة ونحوهما ، فلو نذر أن يصلّى هذه الليلة خمسين ركعة مثلاً جاز له التفريق طول الليل إن لم يقيّد نذره بالمتابعة ، وإلّا وجبت متتالية.

ولا عبرة هنا بالانصراف العرفي أيضاً ، فإذا كان قصده الأعمّ لم تجب المتابعة وإن لم يصرّح به ، بل أطلق اللفظ وكان منصرفاً عرفاً إلى التتابع ، لأنّ العبرة

__________________

(١) الوسائل ٢٢ : ٣٧٧ / أبواب الكفارات ب ١٢ ح ٨.

(٢) في ص ٢٥٦.

٢٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

بقصده لا بلفظه ، والمفروض أنّه قصد الأعمّ منه ومن التفريق ، وهذا ظاهر.

ولكن نُسب الخلاف إلى أبي الصلاح وأنّه إن نذر صوم شهر مطلقاً فشرع فيه وجب عليه الإتمام (١).

وهذا كما ترى لم يظهر له أيّ وجه ، عدا ما احتمله الشيخ (قدس سره) في رسائله (٢) وجهاً لما نُسب إلى بعضهم من عدم جواز إبطال العمل ورفع اليد عنه ، استناداً إلى قوله تعالى (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) (٣).

وقد أشرنا إلى فساده في محلّه ، وأنّ الآية المباركة نظير الآية الأُخرى (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) (٤) ناظرة إلى عدم الإتيان بشي‌ء يوجب بطلان العمل السابق بحبطٍ ونحوه ، لا أنّه متى شرع يجب عليه الإتمام المستلزم حينئذٍ لتخصيص الأكثر كما لا يخفى. على أنّ صدق الإبطال في المقام يتوقّف على اعتبار المتابعة وهو أوّل الكلام.

وممّا ذكرنا يظهر أنّه لا وجه لما نُسب إليه (قدس سره) حتّى في النذر المشروط فيه التتابع فضلاً عن المطلق ، لأنّ معلّق النذر كلّي طبيعي لا محالة ، فله رفع اليد عن هذا الفرد والإتيان بفرد آخر متتابعاً ، وهذا ظاهر.

ونُسب إلى ابني زهرة والبرّاج أنّه إذا نذر صوم شهر أو أكثر فشرع ثمّ حدث في البين عارض غير اختياري جاز له بعد زواله البناء على ما كان ، وأمّا لو رفع اليد اختياراً فإن كان قد تجاوز النصف جاز له البناء أيضاً وإلّا

__________________

(١) الجواهر ١٧ : ٦٨.

(٢) الرسائل العشر (الجمل والعقود) : ٢١٧.

(٣) سورة محمّد (صلّى الله عليه وآله) ٤٧ : ٣٣.

(٤) البقرة ٢ : ٢٦٤.

٢٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وجب عليه الاستئناف ، فكأنّ النصفين من شهر واحد بمثابة الشهرين ، فكما يكتفى هناك في حصول التتابع بصوم شهر وشي‌ء من الشهر الثاني ، فكذا يكتفى في المقام برعاية الاتّصال في النصف الأوّل وجزء من النصف الثاني (١).

ونُسب هذا القول إلى المفيد أيضاً (٢) ، ولكنّه كما في الجواهر (٣) لم يصرّح بأنّه وإن لم يشترط التوالي كما صرّحا (قدس سرهما) بذلك.

وهذا أيضاً لم يُعرف وجهه ، إذ بعد أن لم يكن المنذور مشروطاً بالتتابع فلما ذا لا يسوغ رفع اليد اختياراً حتّى قبل النصف ، وأيّ فرق في ذلك بين الاختياري وغيره؟! نعم ، يمكن حمل كلام المفيد على ما إذا كان قد اشترط التوالي ، وكأنّ هنا نوع إرفاق من الشارع بأنّه إذا كان العارض غير اختياري يبني وإلّا يفصّل حينئذٍ بين النصف الأوّل والثاني.

وكيفما كان ، فكلّ هذا لا دليل عليه.

نعم ، هنا رواية واحدة إلّا أنّها لا تنطبق على ما ذكروه ، وهي ما رواه الكليني والصدوق بسندهما عن موسى بن بكر وفي الجواهر : بكير ، بدل : بكر (٤). وهو غلط من النسخة أو الطبعة عن الفضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في رجل جعل عليه صوم شهر فصام منه خمسة عشر يوماً ثمّ عرض له أمر «فقال : إن كان صام خمسة عشر يوماً فله أن يقضي ما بقي ، وإن كان أقلّ من

__________________

(١) ابن زهرة في الغيبة ٢ : ١٤٣ ، ابن البرّاج في المهذب ١ : ١٩٨.

(٢) المقنعة : ٣٦١ ٣٦٢.

(٣) الجواهر ١٧ : ٧٧ ٧٩.

(٤) الجواهر ١٧ : ٧٢.

٢٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

خمسة عشر يوماً لم يجزه حتّى يصوم شهراً تامّاً» (١).

ورواها الشيخ أيضاً بإسناده عن الكليني ولكن بإسقاط الفضيل ، والظاهر أنّه سقط من قلمه الشريف ، إذ هو (قدس سره) لم يروها بنفسه مستقلا كي يمكن أن يقال : إنّه رواها موسى بن بكر تارةً مع الواسطة ، وأُخرى بدونها ، بل رواها عن الكليني كما عرفت ، والمفروض أنّ الكافي لم يروها إلّا مع الواسطة.

ورواها أيضاً بطريق آخر مع وساطة فضيل ولكن عن أبي جعفر (عليه السلام).

وكيفما كان ، فهي مرويّة تارةً عن الصادق (عليه السلام) إمّا مع الواسطة كما في الكافي والفقيه ، أو بدونها كما في التهذيب ، وأُخرى عن الباقر (عليه السلام) مع الواسطة.

ومضمونها كما أشرنا لا ينطبق على ما ذكروه ، إذ لم يفصّل فيها بين الاختياري وغيره ، بل لا يبعد ظهور لفظة «عرض» في عدم الاختيار أو الأعمّ منه كالسفر الاختياري.

وكيفما كان ، فهي وإن تضمّنت التفصيل بين النصفين إلّا أنّها لم تفصّل في العارض بين الاختياري وغيره.

وأمّا نفس الرواية فلا بدّ من حملها على نذر الصوم مع شرط التتابع ، إذ مع الإطلاق يجوز التفريق مطلقاً حتّى اختياراً فضلاً عن غيره. فلا وجه للاستئناف ، ويبعد جدّاً بحسب الفهم العرفي أن يحكم في فرض الإطلاق بالإعادة والاستئناف الذي هو حكمٌ على خلاف ما قصده الناذر وجعله على نفسه ، لما تقدّم من أنّ

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٧٦ / أبواب بقية الصوم الواجب ب ٥ ح ١ ، الكافي ٤ : ١٣٩ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٩٧ / ٤٣٦ ، التهذيب ٤ : ٢٨٥ / ٨٦٣ و٨٦٤.

٢٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الوجوب الناشئ من قبل النذر لم يكن حكماً استقلاليّاً ، بل هو تابع لكيفيّة قصد الناذر ونيّته.

على أنّ سند الرواية غير خالٍ عن نوعٍ من الإشكال ، فإنّ موسى بن بكر لم يرد فيه توثيق ولا مدح غير ما رواه بنفسه من أنّ الصادق (عليه السلام) علّمه بعد أن رأى (عليه السلام) فيه ضعفاً وصفرةً أن يأكل اللحم كباباً لا طبيخاً (١). وهذا كما ترى لا دلالة فيه على شي‌ء منهما.

نعم ، روى في الكافي بسند معتبر عن جعفر بن سماعة وهو جعفر بن محمّد ابن سماعة الثقة أنّه كان يقول : لا بدّ في الخلع من انضمام صيغة الطلاق ، وأنّه كان يحتجّ في ذلك برواية موسى بن بكر عن أبي إبراهيم (عليه السلام) (٢) ، فيظهر منها أنّه كان يعمل بروايته.

ولكنّا ذكرنا غير مرّة : أنّ العمل من أحد كابن الوليد وغيره ، وكذا الصدوق حيث يقول : لا أذكر إلّا ما كان حجّة بيني وبين ربّي (٣) لا يدلّ على حجّيّة الرواية في نفسها ولا يكشف عن وثاقة الراوي بوجه ، إذ لا ندري لعلّ العامل كان معتمداً على أصالة العدالة ، كما هو غير بعيد في كثير من القدماء ، حيث كانوا يكتفون بكون الراوي مؤمناً اثني عشرياً لم يظهر منه فسق.

فاعتماد جعفر بن سماعة أو ابن الوليد أو غيرهما على روايةٍ مع عدم العلم بما يعتبرونه في حجّيّة الرواية لا يكون حجّة لنا ، بل مناط الحجّيّة عندنا منحصر في أحد أمرين : إمّا ثبوت وثاقة الراوي ، أو كونه ممدوحاً حسن الظاهر ، وأمّا

__________________

(١) لاحظ الكافي ٦ : ٣١٩ / ٣.

(٢) الكافي ٦ : ١٤١ / ٩.

(٣) الفقيه ١ : ٣ / مقدّمة الكتاب.

٢٦٥

[٢٥٥١] مسألة ٣ : إذا فاته النذر المعيّن أو المشروط فيه التتابع فالأحوط في قضائه التتابع (*) أيضاً (١).

______________________________________________________

مجرّد عدم رؤية الفسق ولو من جهة عدم المعاشرة فلا يكون كافياً لدينا في حجّيّتها.

هذا ، ولكن الذي يسهّل الخطب أنّ الرجل أعني : موسى بن بكر مذكور في إسناد تفسير علي بن إبراهيم ، وقد بنينا على وثاقة من وقع في هذا الإسناد ، لالتزامه كابن قولويه أن لا يروي إلّا عن الثقة.

إذن فالرواية معتبرة عندنا. وهي ناظرة إلى صورة اشتراط التتابع ، لبعد الحكم بالاستئناف في فرض الإطلاق عن الفهم العرفي جدّاً ، بعد أن كان على خلاف قصد الناذر كما سبق.

وسيجي‌ء مزيد البحث حول هذه الرواية عند تعرّض الماتن للإفطار فيما اشترط فيه التتابع لعذر من الأعذار ، أو لغير عذر ، فارتقب (١).

(١) الثاني من موارد الاستثناء : القضاء.

أمّا بالنسبة إلى قضاء شهر رمضان فلا إشكال في عدم وجوب التتابع ، وقد دلّت النصوص المستفيضة على جواز التفريق ، بل لا يجب ذلك حتّى في الأداء فضلاً عن القضاء ، فإنّ الصوم وإن كان واجباً في كلّ يوم من أيّام شهر رمضان متوالياً ومتعاقباً إلّا أنّ ذلك من أجل أنّ كلّ يوم منه يجب صيامه بحياله واستقلاله ، المستلزم لحصول التتابع في الخارج بطبيعة الحال ، لا من أجل أنّ

__________________

(*) لا بأس بتركه.

(١) في ص ٢٩٤.

٢٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

التتابع في نفسه واجب كي يتوهّم وجوبه في القضاء أيضاً ، ولذا لو أخلّ به فأفطر يوماً عصياناً أو لعذر لم يقدح فيما مضى ولم يمنع عن صحّة الصوم فيما بقي من الأيّام بلا إشكال كما هو ظاهر جدّاً.

ونُسب الخلاف إلى أبي الصلاح فاعتبر التتابع في قضاء شهر رمضان ، لا من حيث هو ، بل من أجل أنّه (قدس سره) يعتبر الفوريّة في القضاء المستلزمة له قهراً (١).

ولكنّه مدفوع بما أسلفناك في محلّه من عدم الدليل على الفوريّة ، فيجوز التأخير ما لم يصل حدّ التسامح والتهاون ، بل قام الدليل على جواز التأخير في خصوص المقام ، مثل : ما دلّ على أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) كان يأمر زوجاته بتأخير القضاء إلى شهر شعبان (٢).

وأمّا بالنسبة إلى قضاء الصوم المنذور فلا إشكال في عدم اعتبار التتابع فيما لم يكن معتبراً في أدائه ، كما لو نذر أن يصوم أوّل جمعة من شهر رجب وآخر جمعة منه ففاتتاه معاً فيجوز التفريق عندئذٍ قطعاً كما هو ظاهر.

وأمّا فيما كان معتبراً في الأداء كالنذر المشروط فيه التتابع فالمشهور على عدم اعتباره في القضاء.

واستقرب الشهيد في الدروس وجوبه (٣) ، وتردّد فيه العلّامة في القواعد من أنّ القضاء بأمر جديد ولا دليل على اعتبار المتابعة فيه ، ومن أنّ القضاء هو الأداء بعينه ما عدا تغاير الوقت ، فيتّحدان في جميع الخصوصيّات التي منها

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٨٤.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٤٥ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٧ ح ٤ ، الكافي ٤ : ٩٠ / ٤.

(٣) الدروس ١ : ٢٩٢.

٢٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

التتابع (١).

والأقوى ما عليه المشهور ، لما عرفت من أنّ القضاء بأمر جديد حدث بعد سقوط الأمر الأوّل المعتبر فيه التتابع ، ولا دليل على اعتباره في هذا الأمر الحادث ، ومقتضى الإطلاق عدمه.

ودعوى أنّ الدليل عليه هو دليل القضاء ، أعني قوله : «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» (٢) ، لكون الفائت هنا متتابعاً حسب الفرض.

يدفعها : أنّ الرواية بهذا المتن نبويّة لا يعتمد عليها.

نعم ، ورد هذا المضمون في صحيح زرارة : «يقضي ما فاته كما فاته» إلخ (٣) ، إلّا أنّ النظر في التشبيه مقصور على المماثلة من حيث القصر والتمام كما صرّح بذلك في ذيل الصحيحة ، فلا إطلاق لها كي يقتضي الاتّحاد من سائر الجهات حتّى يستدعي اعتبار المتابعة في المقام.

وعلى الجملة : بعد أن كان القضاء بأمر جديد فثبوته في كلّ مورد منوط بقيام الدليل عليه ، وإلّا فلا يحتمل وجوب القضاء عن كلّ فائت ، فلو نذر زيارة الحسين (عليه السلام) أوّل رجب وفاته لا يجب قضاؤه بلا إشكال.

ولو لا قيام الدليل على وجوب القضاء في الصوم المنذور لم نلتزم به ، لما عرفت من فقد الدليل العامّ على وجوب القضاء عن كلّ فائت ، فإنّ النبوي قد عرفت حاله ، والصحيح مورده الصلاة كما عرفت.

وإنّما التزمنا به للنصّ الخاصّ ، أعني قوله (عليه السلام) في صحيحة علي

__________________

(١) القواعد ١ : ٤٨٥ ٤٨٦.

(٢) غوالي اللئلئ ٢ : ٥٤.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٦٨ / أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ١.

٢٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ابن مهزيار : «يصوم يوماً بدل يوم» (١).

وهذا كما ترى لا يدلّ إلّا على أصل وجوب القضاء دون الخصوصيّات الأُخر المكانيّة والزمانيّة ونحوهما وإن جعلها الناذر على نفسه. فلو نذر أن يصوم يوماً من أيّام الصيف الطويلة الشديدة الحرّ ، أو أن يصوم في النجف الأشرف ، أو أن يشتغل حال الصوم بالعبادة ، ففاته لعذر أو لغيره ، فهل يحتمل عدم جواز القضاء في الشتاء أو في كربلاء؟ أو بغير العبادة؟ فشرط المتابعة مثل هذه الخصوصيّات غير واجب المراعاة ، فيجزي التفريق ، إذ يصدق معه أنّه صام يوماً بدل يوم الوارد في النصّ.

الثالث من موارد الاستثناء : صوم الثمانية عشر بدل البدنة ، أو التسعة بدل البقرة في جزاء الصيد.

ولا يخفى أن هذا الاستثناء عجيب ، إذ لم يرد في المقام ولا رواية واحدة ضعيفة تدلّ على المتابعة أو على عدمها ، فليس في البين عدا إطلاق الأمر بالصوم في هذه المدّة ، فإن تمّ الانصراف المدّعى في المستثنى منه المبني عليه اشتراط التتابع هناك كما أسلفناك عن صاحب الجواهر فلما ذا لا تتمّ هذه الدعوى في المقام ، وما الموجب للتمسّك بالإطلاق في هذا المورد بخصوصه كي يستثني عن تلك الضابطة الكلّيّة المدّعاة في كلام المحقّق كما مرّ؟! وإن لم يتمّ كما هو الحقّ على ما سبق (٢) فلما ذا ادّعى هناك وشيّد عليها بنيان تلك القاعدة والضابطة المزعومة؟! وعلى الجملة : لم نجد أيّ فارق بين المقام وبين سائر أقسام الصيام كي يدّعي

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٧٨ / أبواب بقية الصوم الواجب ب ٧ ح ١.

(٢) راجع في ذلك كلّه ص ٢٥٦ وما تلاها.

٢٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وجوب التتابع فيها ويستثنى عنه هذا المورد ، بل المناط فيهما واحد إطلاقاً أو انصرافاً حسبما عرفت.

الرابع : صوم السبعة أيّام بدل الهدي.

وهذا الاستثناء أعجب ، وذلك لورود النصّ الصحيح الصريح في المتابعة ، السليم عمّا يصلح للمعارضة ، إذ لم يرد هنا ما يدلّ على جواز التفريق كي يتمّ الاستثناء ، عدا رواية إسحاق بن عمّار الضعيفة السند بمحمّد بن أسلم ، قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) : إنِّي قدمت الكوفة ولم أصم السبعة الأيّام حتّى فزعت في حاجة إلى بغداد «قال : صمها ببغداد» قلت : أُفرّقها؟ «قال : نعم» (١).

وأمّا ما دلّ على وجوب المتابعة فروايات وفيها الصحيح :

منها : خبر الحسين بن زيد وفي الجواهر : يزيد ، بدل زيد (٢). وهو غلط منه أو من النسّاخ عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : السبعة الأيّام والثلاثة الأيّام في الحجّ لا تفرّق ، إنّما هي بمنزلة الثلاثة الأيّام في اليمين» (٣).

وهي ضعيفة بالحسين بن زيد ، فإنّه لم يوثّق.

ومنها : ما رواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن أحمد العلوي ، عن العمركي ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) ، قال : سألته عن صوم ثلاثة أيّام في الحجّ والسبعة ، أيصومها متوالية أو يفرّق بينها؟ «قال : يصوم الثلاثة لا يفرّق بينها ، والسبعة لا يفرّق بينها ، ولا يجمع السبعة والثلاثة

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٠٠ / أبواب الذبح ب ٥٥ ح ١.

(٢) جواهر الكلام ١٩ : ١٨٧ ، وفيه زيد.

(٣) الوسائل ١٠ : ٣٨٢ / أبواب بقية الصوم الواجب ب ١٠ ح ٢.

٢٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

جميعاً» (١).

وهذه الرواية وإن وقع الكلام في سندها من أجل العلوي الواقع في الطريق إلّا أنّ الأظهر أنّها معتبرة ، إذ يستفاد حسن الرجل من عبارة النجاشي كما تقدّم قريباً ، فتذكّر (٢).

ومع الغضّ عن ذلك وتسليم ضعفها فتكفينا الرواية الثالثة التي هي نفس هذه الرواية بعين ألفاظها ولكن بطريق آخر صحيح قطعاً ، وهو ما رواه صاحب الوسائل عن كتاب علي بن جعفر مباشرةً ، كما نبّه عليه في الوسائل في باب ٥٥ من الذبح ، وكأنّ صاحب الجواهر لم يلاحظ ذاك الباب واقتصر على ملاحظة أبواب الصوم ، ولأجله ناقش في سند الرواية من أجل العلوي.

وعلى أيّ تقدير ، فلا ينبغي التأمّل في وجوب المتابعة في السبعة ، استناداً إلى هذه الصحيحة الصريحة في ذلك بعد سلامتها عمّا يصلح للمعارضة ، لضعف الخبر المزبور كما عرفت.

هذا كلّه على مسلك المشهور من ضعف رواية إسحاق بن عمّار ، لوقوع محمّد بن أسلم في سندها ، فإنّه لم يرد فيه توثيق ولا مدح في كتب الرجال.

وأمّا بناءً على ما اخترناه من ثبوت وثاقته (٣) لوقوعه في إسناد تفسير علي ابن إبراهيم وكامل الزيارات فهي معارضة للصحيحة ، والجمع العرفي يقتضي الحكم بجواز التفريق واستحباب المتابعة.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٨٣ / أبواب بقية الصوم الواجب ب ١٠ ح ٥ ، التهذيب ٤ : ٣١٥ / ٩٥٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٨١ / ٩٩٩.

(٢) في ص ٢٤٨.

(٣) كما في المعجم ١٥ : ٩١ الطبعة القديمة ولكن فيما بعد استظهر عدم وثاقته كما في المعجم الطبعة الجديدة ١٦ : ٨٧.

٢٧١

[٢٥٥٢] مسألة ٤ : من وجب عليه الصوم اللازم فيه التتابع لا يجوز أن يشرع فيه في زمان يعلم أنّه لا يسلم له بتخلّل العيد (*) (١) ، أو تخلّل يوم يجب فيه صوم آخر من نذر أو إجارة أو شهر رمضان ، فمن وجب عليه شهران متتابعان لا يجوز له أن يبتدئ بشعبان ، بل يجب (**) أن يصوم قبله يوماً أو أزيد من رجب ، وكذا لا يجوز أن يقتصر على شوّال مع يوم من ذي القعدة أو على ذي الحجّة مع يوم من محرّم ، لنقصان الشهرين بالعيدين.

______________________________________________________

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه لحدّ الآن : أنّه كان من الأحرى على المحقّق وصاحب الجواهر أن يعكسا ما ادّعياه من الضابطة وما استثني عنها فيذهبا إلى ما هو الحقّ من أنّ مقتضى القاعدة عدم اعتبار المتابعة لإطلاق الأدلّة إلّا فيما قام الدليل الخاصّ على الاعتبار مثل الشهرين المتتابعين ونحو ذلك ، بالعكس ممّا ذكراه حسبما عرفت بما لا مزيد عليه.

(١) فلو شرع والحال هذه بأن قصد بصومه امتثال الأمر المتعلّق بصوم الكفّارة مثلاً المعتبر فيه التتابع ، ارتكب محرّماً ، لمكان التشريع ، إذ ما يأتي به بعنوان امتثال الأمر لم يتعلّق به أمر من قبل الشارع بعد فرض عدم اتّصافه بالتتابع من أجل التخلّل المزبور ، وما تعلّق به الأمر لم يقصده ، ومنه يظهر عدم صحّة الاجتزاء والاكتفاء به في مقام الامتثال.

هذا في فرض العلم.

__________________

(*) يستثني من ذلك صوم كفّارة القتل في الأشهر الحرم ، فإنّه يجب على القاتل صوم شهرين من الأشهر الحرم حتّى يوم العيد.

(**) الظاهر عدم كفاية ذلك أيضاً ، فإنّ اللازم هو صوم شهر هلالي وصوم شي‌ء ما من الشهر التالي ولو يوماً واحداً ، ولا يكفي التلفيق من شهرين في تحقّق ذلك.

٢٧٢

نعم ، لو لم يعلم من حين الشروع عدم السلامة فاتّفق فلا بأس على الأصحّ ، وإن كان الأحوط عدم الإجزاء (*).

ويستثنى ممّا ذكرنا من عدم الجواز مورد واحد (١) ، وهو صوم ثلاثة أيّام بدل هدي التمتّع إذا شرع فيه يوم التروية ، فإنّه يصحّ وإن تخلّل بينها العيد فيأتي بالثالث بعد العيد بلا فصل أو بعد أيّام التشريق بلا فصل لمن كان بمنى ، وأمّا لو شرع فيه يوم عرفة أو صام يوم السابع والتروية وتركه في عرفة لم يصحّ ووجب الاستئناف كسائر موارد وجوب التتابع.

______________________________________________________

وأمّا من لم يعلم به من حين الشروع لغفلةٍ أو خطأ في الاعتقاد بحيث كان معذوراً ، فلا بأس به كما ذكره في المتن. وسيجي‌ء التعرّض له مستقصًى فيمن أفطر لعذر (١).

(١) بل موردان وقع الخلاف في كلّ منهما :

أحدهما : ما إذا كان القتل في أشهر الحرم ، وقد اختلف فيه الأصحاب على أقوال :

الأول : ما هو المشهور بينهم على ما في الوسائل (٢) من أنّ القاتل في أشهر الحرم يصوم في هذه الأشهر كفّارة ، ولا يضرّه تخلّل العيد وأيّام التشريق ، والظاهر من صاحب الجواهر (قدس سره) اختيار هذا القول ، حيث إنّه حمل رواية زرارة على ذلك (٣) ، وعلى هذا فيكون ذلك أيضاً مستثنى من الحكم

__________________

(*) لا يترك ، بل عدم الإجزاء في غير الغافل لا يخلو من قوّة.

(١) في ص ٢٨٩.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٨٠ / أبواب بقية الصوم الواجب ب ٨ ح ١ و٢.

(٣) الجواهر ١٧ : ٨٨ ٨٩.

٢٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

المزبور.

الثاني : ما ذهب إليه الشيخ (قدس سره) ونُسب إلى الصدوق في المقنع وإلى ابن أبي حمزة واختاره صاحب الحدائق من أنّه لا بدّ من الصوم حتّى يوم العيد (١) ، حيث إنّ القتل في أشهر الحرم يمتاز عن القتل في غيرها بأمرين :

أحدهما : أنّ ديته غليظة كما صرّح بذلك في بعض الروايات وفسّرت في رواية معتبرة أُخرى بأنّها دية كاملة وثلث الدية.

ثانيهما : أنّه لا بدّ من أن يكون صوم الشهرين المتتابعين في أشهر الحرم وإن استلزم ذلك صوم يوم العيد ، وفي هذا أيضاً نوع من التغليظ.

وعلى هذا القول فليس هنا استثناء من الحكم المزبور ، وإنّما هو استثناء من حرمة الصوم يوم العيد.

وهذان القولان متّفقان على صحّة ما رواه زرارة في المقام ولزوم العمل بها ، ومختلفان من جهة كيفيّة استفادة الحكم منها.

الثالث : ما يظهر من الماتن والمحقّق (قدس سرهما) من عدم جواز الإتيان بهذا الصوم مع تخلّل العيد ، وقد صرّح الماتن (قدس سره) فيما يأتي بأنّ الرواية ضعيفة سنداً ودلالة.

وقال المحقّق (قدس سره) في الشرائع : وكلّ من وجب عليه صوم متتابع لا يجوز أن يبتدئ زماناً لا يسلم فيه إلى أن قال : وقيل : القاتل في أشهر الحرم يصوم شهرين منها ولو دخل فيها العيد وأيّام التشريق ، لرواية زرارة ، والأوّل أشبه (٢).

__________________

(١) النهاية : ١٦٦ ، المقنع : ٥١٥ ، الوسيلة : ٣٥٤ ، الحدائق ١٣ : ٣٨٨ ٣٩٠.

(٢) الشرائع ١ : ٢٣٧ ٢٣٨.

٢٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال في المعتبر : إنّ الرواية التي هي مستند الحكم نادرة ومخالفة لعموم الأحاديث المجمع عليها ، المانعة عن الصوم يوم العيد ، ولا يمكن ارتكاب التخصيص فيها ، فلا بدّ من رفضها (١).

أقول : أمّا ما ذكره المحقّق فلا تمكن المساعدة عليه بوجه ، فإنّ الرواية الواردة في المقام معمول بها على ما عرفت ، فكيف يمكن القول بأنّها نادرة؟! وأمّا مخالفتها لعموم الأحاديث فلا بأس بها ، فإنّه لا مانع من تخصيص العمومات وإن كثرت ، بل وإن تواترت ، بل حتّى عموم القرآن القطعي الصدور ، لأنّ المعارضة حينئذٍ بين الظاهر والنصّ ، ولا تعارض بينهما حقيقةً بعد وجود الجمع العرفي ، لكون النصّ قرينة عرفيّة للتصرّف في الظاهر ، فلا مانع من ارتكاب التخصيص في المقام ، كيف؟! والوارد في المقام أخبار آحاد دلّت بعمومها على المنع عن صوم يوم العيد ، فتخصَّص بالنصّ الخاصّ الوارد في محلّ الكلام.

وأمّا ما ذكره الماتن (قدس سره) من ضعف سند الرواية ودلالتها ، فهو أيضاً لا يمكن المساعدة عليه ، ولبيان ذلك لا بدّ من التكلّم في مقامين ، الأوّل في سند الرواية ، والثاني في دلالتها.

أمّا المقام الأول : فتحقيق الحال فيه أنّ الروايات الواردة في محلّ الكلام وإن كانت بعضها ضعيفة إلّا أنّ في الصحيح منها كفاية.

فمنها : رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل قتل رجلاً خطأً في الشهر الحرام «قال : تغلّظ عليه الدية ، وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرام» قلت : فإنّه يدخل في هذا شي‌ء «قال : ما

__________________

(١) المعتبر : ٢ : ٧١٣ ٧١٤.

٢٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

هو؟» قلت : يوم العيد وأيّام التشريق «قال : يصومه ، فإنّه حقّ لزمه» (١).

وهي ضعيفة بسهل بن زياد.

ومنها : ما رواه الشيخ بإسناده عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن زرارة ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل قتل في الحرم «قال : عليه دية وثلث ، ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم» قال : قلت : هذا يدخل فيه العيد وأيام التشريق؟ «فقال : يصوم ، فإنّه حقّ لزمه» (٢).

وهذه الرواية معتبرة جدّاً ، فإنّ طريق الشيخ إلى ابن أبي عمير صحيح ، وحال من ذكر في السند من جهة الجلالة والوثاقة معلوم ، فلا ينبغي التأمّل في صحّة الرواية.

وقد رواها صاحب الوسائل عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام). والظاهر أنّه سهو من قلمه الشريف ، وكأنّ الماتن (قدس سره) لم يعثر عليها ولا على رواية أُخرى لزرارة التي سنذكرها فحكم بضعف السند.

نعم ، هذه الرواية باختلاف يسير رواها محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن تغلب ، عن زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : رجل قتل رجلاً في الحرم «قال : عليه دية وثلث ، ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم ، ويعتق رقبة ، ويطعم ستّين مسكيناً» قال : قلت يدخل في هذا شي‌ء؟ «قال : وما يدخل؟» قلت : العيدان وأيّام التشريق «قال : يصوم ، فإنّه حقّ لزمه» (٣).

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٨٠ / أبواب بقيّة الصوم الواجب ب ٨ ح ١.

(٢) الوسائل ٢٩ : ٢٠٤ / أبواب ديات النفس ب ٣ ح ٣ ، التهذيب ١٠ : ٢١٦ / ٨٥١.

(٣) الوسائل ١٠ : ٣٨٠ / أبواب بقية الصوم الواجب ب ٨ ح ٢ ، الكافي ٤ : ١٤٠ / ٩.

٢٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وهي ضعيفة ، فإنّ ابن أبي عمير لا يمكن أن يروي عن أبان بن تغلب بلا واسطة ، وبما أنّ الواسطة مجهولة فالرواية ضعيفة ، ولكن ضعفها لا يسري إلى ما رواه الشيخ (قدس سره) ، فإنّهما روايتان إحداهما عن أبي عبد الله (عليه السلام) وهي التي رواها ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان بلا واسطة وثانيتهما عن أبي جعفر (عليه السلام) ، وهي التي رواها ابن أبي عمير عن أبان ابن تغلب مع الواسطة.

ولو تنزّلنا عن ذلك وبنينا على وحدة الروايتين فلا بدّ من البناء على صحّة ما ذكره الشيخ (قدس سره) والالتزام بوقوع التحريف في نسخ الكافي ، إذ لم تعهد رواية أبان بن تغلب عن زرارة ، ولا توجد له ولا رواية واحدة عنه في الكتب الأربعة غير هذه الرواية.

ومع التنزّل عن هذا أيضاً يكفينا في المقام ما رواه الشيخ بسنده الصحيح عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قتل رجلاً خطأً في أشهر الحرم «فقال : عليه الدية وصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم» قلت : إنّ هذا يدخل فيه العيد وأيّام التشريق «قال : يصومه ، فإنّه حقّ لزمه» (١).

ورواها الشيخ الصدوق (قدس سره) بإسناده عن ابن محبوب مثله (٢) ، غير أنّه رواها عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام).

فالمتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ الرواية ممّا لا ينبغي الشك في صحّة سندها ولا وجه للمناقشة في ذلك بوجه.

__________________

(١) الوسائل ٢٩ : ٢٠٤ / أبواب ديات النفس ب ٣ ح ٤ ، التهذيب ١٠ : ٢١٥ / ٨٥٠.

(٢) الفقيه ٤ : ٨١ / ٢٥٦.

٢٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا المقام الثاني : فتوضيح الحال فيه أنّ الماتن صرّح بضعف دلالة الرواية ، وقد تبع فيه صاحب الجواهر (قدس سره) ، ولكنّه لا موجب لذلك أصلاً غير ما ذكره في الجواهر ، حيث إنّه ذكر في المقام روايتين : إحداهما الرواية الأُولى ، وذكر عن العلّامة أنّ في طريقها سهلاً وهو ضعيف. وثانيتهما ما رواه الكليني (قدس سره) وناقش في دلالتها بقوله : بل إرادة صوم الشهرين وأنّه لا يضرّ هذا الفصل بالتتابع أظهر من الأوّل أي من جواز الصوم يوم العيد لاتّحاد ضمير «يصومه» والمتقدّم فيه العيدان ، مع أنّه ليس في هذه الأشهر إلّا الأضحى ، إلّا أن يريد بالآخر يوم الغدير وإن لم يحرم صومه (١).

أقول : الظاهر أنّه (قدس سره) غفل عن روايتين صحيحتين لزرارة غير هذه الرواية ، فإنّ المذكور فيهما كلمة : العيد ، لا : العيدان ، والمذكور في هذه الرواية أيضاً كلمة : العيد ، على ما في بعض النسخ ، وإن كان المذكور في أكثرها : العيدان.

وأمّا اتّحاد الضمير فلأجل أنّ مرجعه الداخل المستفاد من قوله : يدخل ، سواء أكان المذكور في النسخة العيد أم العيدان ، على أنّ بعض نسخ الكافي كالوسائل خالٍ عن الضمير.

وعلى كل حالٍ فقد عرفت أنّ هذه الرواية ضعيفة وغير قابلة للاعتماد عليها. وإنّما المعتمد غيرها ، وظهوره في وجوب صوم يوم العيد غير قابل للإنكار.

تتميم

فيه أمران :

الأوّل : ذكر المحقّق في كتاب الشرائع جواز التلفيق في صوم شهرين متتابعين ،

__________________

(١) الجواهر ١٧ : ٨٨ ٨٩.

٢٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فيجوز له أن يصوم الشهر الأوّل مقداراً منه في شهر ومقداراً منه في الشهر الثاني : وذكر أنّه لا بدّ في التتميم من عدّ ثلاثين يوماً وإن كان الشهر الأول ناقصاً (١).

ويظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) التسالم على جواز ذلك وإن كان قد تنظّر في لزوم العدّ ثلاثين يوماً إن كان الشهر الأوّل ناقصاً (٢).

ولكن الظاهر عدم جواز ذلك فإنّ الشهر حقيقةٌ فيما بين الهلالين ، قال الله سبحانه (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً) (٣) ، وإطلاقه على ثلاثين يوماً الملفّقة من شهرين يحتاج إلى العناية ، فإنّه على خلاف المعنى الحقيقي ، وإنّما يصار إليه فيما إذا قامت قرينة عليه كما في قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) (٤) ، فإنّ القرينة الخارجيّة وهي ندرة وقوع الموت في الآن الأوّل ما قبل هلال الشهر ولزوم اتّصال العدّة بالموت أو بالعلم به دلّتنا على أنّ المراد بالشهر مقداره.

ونحوه ما ورد في عدّة طلاق المسترابة من أنّها ثلاثة أشهر ، وكذا في نفس طلاقها من لزوم وقوعه بعد ثلاثة أشهر من وطئها رعايةً لحصول شرط الوقوع في طهر غير المواقعة ، لما عرفت من ندرة وقوع الطلاق أو الوقاع في آنٍ يرى الهلال بعده.

وكذا نحو قولك : مكثت في بلدة كذا شهراً ، أو كانت مدّة سفري شهراً ، فإنّ المراد في الجميع ما يعمّ التلفيق كالعشرة أيّام المعتبرة في قصد الإقامة ، لما عرفت

__________________

(١) الشرائع ٣ : ٧٣.

(٢) الجواهر ٣٣ : ٢٧٩.

(٣) التوبة ٩ : ٣٦.

(٤) البقرة ٢ : ٢٣٤.

٢٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

من القرينة الخارجيّة ، وإلّا فاللفظ مع قطع النظر عنها ظاهر في معناه الحقيقي أعني : ما بين الهلالين بداهة أنّ الملفّق من نصفي الشهرين نصفان من شهرين لا أنّه شهر واحد ، كما أنّ الملفّق من سورتين نصفان مثلاً من سورتين لا أنّهما سورة واحدة.

ومن البيّن أنّ هذه القرينة مفقودة فيما نحن فيه ، إذ لم يدلّ أيّ دليل على جواز التلفيق. إذن فلا مناص من صوم شهر كامل هلالي ويوم آخر أو أكثر من الشهر الثاني.

ويزيد ما ذكرناه وضوحاً قول الإمام (عليه السلام) في صحاح زرارة : «ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم» فإنّ أشهر الحرم : رجب وذو القعدة وذو الحجّة ومحرّم ، والملفّق من شهرين منها وإن قلنا بأنّه يطلق عليه الشهر حقيقةً إلّا أنّه ليس من أشهر الحرم ، غايته أنّه واقع في أشهر الحرم.

والمتحصّل : أنّه يستفاد من هذه الروايات بوضوح أنّ اللازم صوم شهر هلالي كامل ولا يجزي التلفيق في مقام الامتثال وإن كان لم نعثر على من تنبّه لذلك والله العالم.

الثاني : إنّه يظهر من صحاح زرارة أنّه كان يرى أنّ صوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم يلازم دخول العيد وأيام التشريق فيه وقد أقرّه الإمام (عليه السلام) على ذلك ، وهذا ينافي ما تقدّم من تحقّق التتابع بصوم شهر كامل وشي‌ء من الشهر الآخر ، فإنّه إذا وقع القتل في شهر محرّم أو رجب أمكنه أن يصوم شهر ذي القعدة ويوماً أو أيّاماً قبل العيد ويصوم الباقي بعد أيّام التشريق ، وإذا وقع القتل في ذي القعدة أو ذي الحجّة فإن قلنا بجواز التلفيق أمكنه ذلك غالباً ، وإن لم نقل به أو لم يمكن كما إذا وقع القتل في آخر ذي الحجّة يؤخّر الصوم إلى السنة الآتية ، وعلى كلّ تقدير فلا يستلزم صوم شهرين متتابعين دخول

٢٨٠