موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

نعم ، لو شكّ هو في حال حياته وأجرى الاستصحاب أو قاعدة الشغل ولم يأت به حتّى مات فالظاهر وجوبه على الولي.

______________________________________________________

لا كلام على الأوّل سواء أكان العلم وجدانيّاً أم تعبّديّاً من قيام البيّنة أو الإقرار على ما اختاره في المتن حسبما مرّ.

وعلى الثاني : فقد يكون الشكّ في الحدوث ، وقد عرفت أنّ المرجع فيه أصالة البراءة.

وأُخرى : في البقاء ، بأن يعلم بأصل الاشتغال وأنّه كان عليه القضاء ولكن يشكّ في تفريغ الذمّة والإتيان به حال حياته وعدمه. وهذا على نحوين :

إذ تارةً : يكون الشكّ من الميّت نفسه حال حياته فيشكّ هو في أنّه هل أتى على ما كان عليه أو لا؟ ولا ينبغي التأمّل في جريان الاستصحاب حينئذٍ الذي يعامل معه معاملة اليقين في ظرف الشكّ فيحرز به الاشتغال بالقضاء ويندرج تحت قوله (عليه السلام) في صحيحة حفص : رجل مات وعليه صلاة أو صيام ، فيكون الثبوت عنده ولو ببركة الاستصحاب موضوعاً للقضاء على الولي ، وهذا الموضوع محرز ، لعلمنا بأنّه شكّ واستصحب حسب الفرض ، وهذا واضح لا سترة عليه ، بل هو المتيقّن من جريان الاستصحاب في المقام كما لا يخفى.

وأُخرى : لم يعلم حال الميّت وأنّه كان شاكّاً أو متيقّناً بالوجود أو بالعدم ، وإنّما يكون الشكّ من الولي ، فهل له أن يتمسّك حينئذٍ بالاستصحاب ليحرز به أنّه مات وعليه القضاء ليجب عليه التصدّي للقضاء ، أو أنّ الاستصحاب ساقط في المقام والمرجع أصالة البراءة النافية للقضاء كما اختاره في المتن؟

قد يقال بابتناء ذلك على ما ورد من أنّ دعوى الدين على الميّت تحتاج إلى ضمّ اليمين ولا تثبت بمجرّد البيّنة ، فإنّ هذا ممّا لا إشكال فيه كما دلّت عليه

٢٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

صحيحة الصفّار.

وإنّما الإشكال في أنّ ضمّ اليمين لأيّ جهة؟ فهل هو من أجل التخصيص في دليل حجّيّة البيّنة فلا تكون حجّة في إثبات الدعوى على الميّت ما لم تقترن باليمين ، حيث إن الدعاوي مختلفة ، فبعضها تثبت بشاهد واحد ويمين ، وأُخرى لا بدّ فيها من شهادة رجلين عادلين ، وثالثة يكتفى بشهادة رجل وامرأتين ، بل وشهادة النساء فقط كما في مثل دعوى القذف ، ورابعة تعتبر فيها شهود أربعة كما في الزنا وما يلحق به من اللواط والسحق. فموارد الدعاوي مختلفة ، فمن الجائز أن تختصّ الدعوى على الميّت بعدم ثبوتها بمجرّد البيّنة ، بل لا بدّ من ضمّ اليمين بحيث يكون اليمين جزء من المثبت ويكون الدليل ملفّقاً منهما؟

أم أنّه لا تخصيص في دليل حجّيّة البيّنة ، بل هي بمجرّدها كافية في إثبات الدين على الميّت من غير حاجة إلى ضمّ اليمين من هذه الجهة أي من جهة إثبات أصل الدين وإنّما هو لأجل إبقاء الدين بعد ثبوته ، إذ لعلّ الميّت وفى ، أو أنّ الدائن أبرأ وعفا ، وليس الميّت حاضراً ليدافع عن نفسه ، كما أنّ الاستصحاب ساقط في خصوص المقام ، فلا بدّ إذن من اليمين ، فهو يمين استظهاري لدفع هذه الاحتمالات بعد أن لم يكن الاستصحاب جارياً هنا كما عرفت ، فالتخصيص إنّما هو في دليل الاستصحاب لا في دليل حجّيّة البيّنة؟

فإن قلنا بالثاني كما قال به جماعة الراجع إلى أنّ ما يثبت بالبيّنة شي‌ء ، وما يثبت باليمين شي‌ء آخر ، فلا فرق إذن بين البيّنة وبين غيرها من العلم الوجداني أو إقرار الورثة بالدين أو غير ذلك ، في أنّ الكلّ يحتاج إلى ضمّ اليمين ، لسريان الشكّ في البقاء بعد تطرّق احتمال الوفاء أو الإبراء في الجميع ، والمفروض سقوط الاستصحاب وإلغائه في هذا الباب. كما لا فرق بين دعوى الدين على الميّت أو شي‌ء آخر من صلاة أو صيام ، إذ لا خصوصيّة للدعوى ، بل المناط إثبات اشتغال ذمّة الميّت بشي‌ء وهو لا يمكن أن يدافع عن نفسه ،

٢٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فيكون الاستصحاب ساقطاً هنا أيضاً ، لعين المناط.

وأمّا بناءً على الأوّل وأنّ البيّنة وحدها لا تفي بإثبات الدين بل بضميمة اليمين ، فالاستصحاب لم يزل باقياً على حجّيّته والبقاء مستند إليه دون اليمين ، وإنّما هو جزء من المثبت ، ولذا لو أقرّ الوارث أو علم بالدين من الخارج لم تكن حاجة إلى اليمين ، لكونه متمّماً لدليليّة البيّنة دون غيرها من الأدلّة. فعليه ، كان الاستصحاب جارياً في المقام.

فهذا هو محلّ الكلام.

والذي يستدلّ به على الثاني أي أنّ اليمين يمين استظهاري هو رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله الواردة فيمن يدّعي حقّا على الميّت ، والمتضمّنة للزوم إقامة البيّنة والحلف ، حيث صرح فيها بأنّ الاستحلاف إنّما هو من أجل أنّا لا ندري لعلّه قد أوفاه (١).

فهي صريحة في عدم حجّيّة الاستصحاب في هذا الباب ، وأنّ اليمين إنّما هو لأجل دفع احتمال سقوط ذمّة الميّت عن الحقّ الثابت عليه.

ولكن الرواية ضعيفة السند ، لأنّ في سندها ياسين الضرير وهو مجهول.

إذن لا دليل على سقوط الاستصحاب في مسألة الدين.

نعم ، لا يثبت الدين بالبيّنة وحدها ، لصحيحة الصفّار وغيرها كما مرّ ، بل لا بدّ من اليمين لكنّه لإثبات أصل الدين ، وأمّا بقاؤه فمستند إلى الاستصحاب ، ولذلك لو أقرّ الوارث لا حاجة إلى ضمّ اليمين ، فلم يكن هناك ما يوجب تخصيص دليل الاستصحاب وسقوطه عن الحجّيّة في هذا الباب حتّى لو سلّمنا إلحاق المقام بمسألة الدين ، فلو علمنا باشتغال ذمّة الميّت بالصوم وشككنا في

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ٢٣٦ / أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ب ٤ ح ١.

٢٢٣

[٢٥٤٧] مسألة ٢٦ : في اختصاص ما وجب على الولي بقضاء شهر رمضان أو عمومه لكلّ صوم واجب قولان (١) ، مقتضى إطلاق بعض الأخبار الثاني وهو الأحوط.

______________________________________________________

بقائه لم يكن مانع من التعلّق بالاستصحاب.

على أنّا لو سلّمنا سقوطه عن الحجّيّة في مسألة الدين وبنينا على أنّ اليمين استظهاري استناداً إلى تلك الرواية ولو لأجل انجبارها بعمل المشهور ، لم يكن أيّ وجه للتعدّي عن موردها وهو الدين إلى المقام بعد أن لم يكن هناك دعوى من أحد على الميّت ، ولعلّ للدعوى خصوصيّة في اليمين الاستظهاري وعدم جواز التعلّق بالاستصحاب.

وعلى الجملة : فلا نرى أيّ مانع من التمسّك بالاستصحاب في المقام لإثبات وجوب القضاء على الولي ، فإنّه قد مات الميّت وجداناً وعليه صيام بمقتضى الاستصحاب ، فبضمّ الوجدان إلى الأصل يتمّ الموضوع ، فيترتّب عليه حكمه من وجوب القضاء على الولد الأكبر.

فتحصّل : أنّه لا فرق في جريان الاستصحاب بين أن يكون الشاكّ هو الميّت حال حياته أو كان هو الولي ، ومعه لا تصل النوبة إلى البراءة حسبما عرفت.

(١) هل يختصّ الوجوب بقضاء شهر رمضان كما هو مورد غير واحد من الأخبار ، أو يعمّ كلّ صوم واجب من كفّارة ونذر ونحوهما؟

ذهب جماعة كثيرون إلى الثاني ، بل نُسب ذلك إلى المشهور ظاهراً.

ولكن عن جماعة منهم الشيخ (١) التخصيص ، ولم يعلم له وجه صحيح

__________________

(١) لاحظ المبسوط ١ : ٢٨٦.

٢٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بعد الإطلاق في صحيحة حفص وغيرها ، فإنّ قوله : وعليه صلاة أو صيام ، يعمّ مطلق ما اشتغلت به الذمّة بأيّ سبب كان.

نعم ، تقدّم في كتاب الصلاة (١) عند التعرّض لهذه الصحيحة : أنّ المستفاد منها انسباقاً أو انصرافاً ما كان واجباً على نفس الميّت ابتداءً لا ما اشتغلت به ذمّته بسبب آخر ، كما لو كان عليه صلاة من أبيه فلم يأت بها حتّى مات فإنّه لا يجب على الولي أن يقضي ما فات عن جدّه ، فلا تعمّ الصحيحة ما كان واجباً على شخص آخر فانتقل إلى الميّت بسبب من الأسباب ، لانصرافها عن مثل ذلك قطعاً.

ومثله ما لو كان واجباً عليه بإجارة ونحوها ، فإنّه أيضاً غير مشمول للصحيحة ، فهي خاصّة بما فات عن الميّت من حيث وجوبه عليه بنفسه ، من غير فرق بين ما كان من شهر رمضان أو من غيره بمقتضى الإطلاق كما عرفت.

هذا ، وقد يستشهد للإطلاق أي عدم الاختصاص بقضاء شهر رمضان برواية الحسن بن علي الوشّاء عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ، قال : سمعته يقول : «إذا مات رجل وعليه صيام شهرين متتابعين من علّة فعليه أن يتصدّق عن الشهر الأوّل ويقضي الشهر الثاني» (٢).

ولا يخفى أنّ مرجع الضمير في قوله : «فعليه» غير مذكور في الرواية ، فهو غير معلوم وإن استظهر صاحب الوسائل عوده إلى الولي ، ولأجله ذكرها في باب قضاء الولي.

على أنّها مخدوشة في نفسها سنداً ودلالةً :

__________________

(١) شرح العروة (كتاب الصلاة ٥) : ٢٠٠.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٣٤ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٤ ح ١.

٢٢٥

[٢٥٤٨] مسألة ٢٧ : لا يجوز للصائم قضاء شهر رمضان إذا كان عن نفسه الإفطار بعد الزوال ، بل تجب عليه الكفّارة به (١) ، وهي كما مرّ إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ ، ومع العجز عنه صيام ثلاثة أيّام.

______________________________________________________

أمّا السند : فلاشتماله على سهل بن زياد ، ولم تثبت وثاقته ، لتعارض المدح والقدح فيه.

وأمّا المتن : فلعلّه والله العالم لا عامل به أبداً ، فإنّه إذا وجب على الميّت شهران متتابعان لأجل الكفّارة فإمّا أن يجب على الولي تمام الشهرين ، أو لا يجب شي‌ء منهما ، ولا معنى للتفكيك بالتصدّق عن أحدهما وقضاء الشهر الآخر ، فإنّ هذا ممّا لم يقل به أحد ، لعدم حصول التتابع بذلك اللازم على الميّت والذي لا بدّ للقاضي ولو تبرّعاً مراعاته ، سواء أكان هو الولي أم غيره.

ويحتمل بعيداً أن تُحمَل الرواية على الشهرين المتتابعين من قضاء رمضان ، بمعنى : أنّه فاته صوم شهر رمضان لعذر من مرض ونحوه ، ثمّ استمرّ العذر إلى الرمضان الثاني فحصل التتابع من أجل فوات رمضانين من سنتين ، ولا بدّ حينئذٍ من فرض برئه من مرضه بعد رمضان الثاني فلم يصم حتّى مات ، فإنّه يتمّ الجواب حينئذٍ من لزوم التصدّق عن الأوّل ، إذ لا قضاء له بعد فرض استمرار المرض حتّى لو كان الميّت حيّاً ، وإنّما يجب القضاء عن خصوص الثاني بعد ملاحظة الفرض المزبور.

فإن تمّ هذا التوجيه صحّ جوابه (عليه السلام) ، وإلّا فالرواية لا عامل بها كما عرفت. وعلى أيّ حال ، فلا يمكن الاستدلال بها بوجه.

(١) أمّا الكفّارة فقد مرّ الكلام فيها قريباً واستوفينا البحث عنها.

وأمّا الحكم التكليفي أعني : عدم جواز الإفطار بعد الزوال فقد دلّت

٢٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه بعد التسالم ظاهراً جملة من النصوص :

منها : صحية جميل بن درّاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) : أنّه قال في الذي يقضي شهر رمضان : «إنّه بالخيار إلى زوال الشمس ، فإن كان تطوّعاً فإنّه إلى الليل بالخيار» (١).

دلّت بمقتضى مفهوم الغاية ومقتضى المقابلة بل ومفهوم الشرط على عدم الجواز فيما بعد الزوال.

ومنها : موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : الذي يقضي شهر رمضان هو بالخيار في الإفطار ما بينه وبين أن تزول الشمس ، وفي التطوّع ما بينه وبين أن تغيب الشمس» (٢).

دلّت على المطلوب بمقتضى التحديد بالغاية والمقابلة ، وهي موثّقة كما وصفناها ، فإنّ طريق الشيخ إلى ابن فضّال وإن كان ضعيفاً في نفسه إلّا أنّا صحّحناه بوجه آخر كما مرّ ، وزكريا المؤمن موجود في أسناد كامل الزيارات وإن لم يوثّق صريحاً في كتب الرجال ، فهي تامّة سنداً ودلالةً.

بل يمكن الاستدلال أيضاً بموثّقة عمّار : عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان إلى أن قال : سُئل : فإن نوى الصوم ثمّ أفطر بعد ما زالت الشمس؟ «قال : قد أساء وليس عليه شي‌ء إلّا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه» (٣).

فإنّها إمّا ظاهرة في الحرمة أو لا أقلّ من ظهورها في مطلق المرجوحيّة القابل للانطباق على الحرمة.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١٦ / أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ٤.

(٢) الوسائل ١٠ : ١٨ / أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ١٠.

(٣) الوسائل ١٠ : ٣٤٨ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٤.

٢٢٧

وأمّا إذا كان عن غيره بإجارة أو تبرّع فالأقوى جوازه وإن كان الأحوط الترك ، كما أنّ الأقوى الجواز في سائر أقسام الصوم الواجب الموسّع وإن كان الأحوط الترك فيها أيضاً.

وأمّا الإفطار قبل الزوال فلا مانع منه حتّى في قضاء شهر رمضان عن نفسه ، إلّا مع التعيّن بالنذر أو الإجارة أو نحوهما ، أو التضيّق بمجي‌ء رمضان آخر إن قلنا بعدم جواز التأخير إليه كما هو المشهور (١).

______________________________________________________

وعلى أيّ حال ، فهي غير منافية للنصوص المتقدّمة وفيها غنى وكفاية.

وتؤيّدها النصوص الدالّة على وجوب الكفّارة حينئذٍ كما تقدّم سابقاً ، فإنّها وإن كانت أعمّ من الحرمة كما في جملة من كفّارات الإحرام الثابتة حتّى مع كون الفعل محلّلاً إلّا أنّها لا تخلو عن الإشعار والتأييد كما لا يخفى.

ومن جميع هذه النصوص يظهر جواز الإفطار قبل الزوال.

(١) هل يختصّ الحكم المزبور أعني : عدم جواز الإفطار بعد الزوال في قضاء شهر رمضان بما إذا كان القضاء عن نفسه ، أو يعمّ ما إذا كان عن غيره أيضاً إمّا بتبرّع أو باستئجار ونحوه؟ وهل يختصّ بقضاء شهر رمضان ، أو يعمّ مطلق الواجب الموسّع من كفّارة أو نذر ونحوهما؟

أمّا التبرّع فلا سبيل لاحتمال شمول الحكم له ، ضرورة أنّ وصف التبرّع يستدعي كون المتبرّع بالخيار حدوثاً وبقاءً ، فإنّ انقلاب الندب إلى الفرض بقاء وإن كان ممكناً كما في الحجّ والاعتكاف إلّا أنّه لا ريب في كونه على خلاف الأصل وموقوفاً على قيام الدليل المعلوم فقده في المقام ، فالنصوص المتقدّمة غير شاملة لذلك قطعاً ، فله الإفطار طول النهار حيثما شاء.

٢٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا في القضاء الواجب عن الغير كما في الأجير أو الولي فالظاهر عدم شمول الحكم له أيضاً ، لانصراف النصوص المتقدّمة عن مثل ذلك ، فإنّ المنسبق منها ما كان القضاء عن نفسه لا عن الغير كما لا يخفى ، فلا إطلاق لها يشمل ذلك ، كما أنّها قاصرة الشمول لسائر أقسام الصوم الواجب الموسّع من نذر أو كفّارة ونحوهما ، لاختصاص موردها بقضاء شهر رمضان ، فمقتضى أصالة البراءة هو الجواز في كلا الموردين.

نعم ، قد يقال بالشمول استناداً إلى رواية سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله : «الصائم بالخيار إلى زوال الشمس ، قال : إنّ ذلك في الفريضة ، فأمّا النافلة فله أن يفطر أيّ وقت شاء إلى غروب الشمس» (١).

ورواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى ما شئت ، وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر» (٢).

فإنّ الفريضة في الأُولى مطلق تعمّ كلّ صوم واجب ، سواء أكان قضاء شهر رمضان أم غيره ، وسواء أكان القضاء عن نفسه أم عن غيره ، كما أنّ قضاء الفريضة في الثانية يعمّ ما كان عن نفسه أو عن غيره وإن لم يشمل سائر أقسام الصوم.

ولكنّهما غير صالحتين للاستدلال ، لضعف السند ، أمّا الأُولى فبمحمّد ابن سنان ، وأمّا الثانية فبعبد الله بن الحسين الراوي عن عبد الله بن سنان والذي يروي عنه النوفلي أو البرقي ، فإنّ المسمّى بهذا الاسم الواقع في هذه الطبقة مجهول.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١٧ / أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ٨.

(٢) الوسائل ١٠ : ١٨ / أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ٩.

٢٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فتحصّل : أنّ الأظهر اختصاص الحكم بقضاء شهر رمضان عن نفسه كما خصّه به في المتن ، دون ما كان عن غيره ، ودون سائر أقسام الصوم ، فيجوز فيها الإفطار بعد الزوال كقبلة ، إلّا أن يكون هناك مانع آخر ، كما في صوم النذر المعيّن ، أو الأجير في يوم معيّن ، أو التضييق بمجي‌ء رمضان آخر بناءً على القول بالمضايقة لا مجرّد ترتّب الكفّارة ونحو ذلك ممّا لا يسوغ له التأخير ، فإنّه لا يجوز له الإفطار حينئذٍ حتّى قبل الزوال فضلاً عمّا بعده ، للزوم تفويت الواجب اختياراً من غير مسوّغ كما هو ظاهر ، ولكن هذا أمر عارضي اتّفاقي ، وإلّا فوجوب الصوم من حيث هو لا يستدعي المنع عن الإفطار لا قبل الزوال ولا بعده فيما عدا ما عرفت حسبما ذكر ، والله سبحانه أعلم.

٢٣٠

فصل

في صوم الكفّارة

وهو أقسام :

منها : ما يجب فيه الصوم مع غيره ، وهي كفّارة قتل العمد (١) ،

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه ولا إشكال بل إجماعاً كما نصّ عليه جماعة.

وإنّما الكلام في أنّ هذا الحكم هل هو عامّ يشمل جميع موارد القتل العمدي ، أو يختصّ بما ثبتت فيه الدية ولا يجتمع مع القصاص؟

ظاهر إطلاق كلمات الأصحاب ومعاقد الإجماعات هو الأوّل ، بل قد يظهر من المحقّق إرساله إرسال المسلّمات (١).

ولكن المستفاد من النصوص هو الثاني ، فإنّها لا تدلّ على الكفّارة إلّا لدى العفو عن القصاص والانتقال إلى الدية ، ويلحق به ما إذا لم يمكن تنفيذ القصاص لفقد بسط اليد في الحاكم الشرعي ، أو ما إذا لم يكن مشروعاً كما في قتل الوالد ولده أو الحرّ عبداً ، فإن الوالد أو الحرّ لا يقتل بالولد أو العبد ، ففي هذه الموارد التي تستقرّ فيها الدية تثبت الكفّارة.

وأمّا فيما استقرّ عليه القصاص لعدم عفو أولياء المقتول فلا دلالة في شي‌ء

__________________

(١) شرائع الإسلام ١ : ٢٣٥.

٢٣١

وكفّارة من أفطر على محرّم في شهر رمضان (١) ، فإنّه تجب فيها الخصال الثلاث (*).

ومنها : ما يجب فيه الصوم بعد العجز عن غيره ، وهي كفّارة الظهار (٢) ،

______________________________________________________

من النصوص على وجوب الكفّارة حينئذٍ بأنّ يكفّر أوّلاً ثمّ يقتل ، بل قد يظهر من بعض النصوص خلافه وأنّ توبة القاتل تتحقّق بمجرّد الاقتصاص منه ، فتوبته قتله من غير حاجة إلى ضمّ شي‌ء آخر ، فلا ذنب له بعدئذٍ ليكفّر ، فليس مورد التكفير إلّا من تعلّقت به الدية حسبما عرفت.

هذا ، ولم أرَ من تعرّض لهذه الجهة في هذه المسألة ، فإن كان هناك إجماع على الإطلاق وإلّا فإثباته بحسب الصناعة في غاية الإشكال.

(١) على إشكال تقدّم سابقاً لأجل المناقشة في مستند الحكم ، وهي رواية الهروي (١) ، حيث إنّها ضعيفة السند بعلي بن محمّد بن قتيبة الذي هو من مشايخ الكشّي ، وعبد الواحد بن محمّد بن عبدوس الذي هو شيخ الصدوق ، فإنّه لم تثبت وثاقتهما ، ومجرّد كونهما من المشيخة لا يقتضيها كما مرّ مراراً ، فإن كان إجماع وإلّا فالحكم محلّ تأمّل ، بل منع ، وإن كان الأحوط ذلك. وتمام الكلام قد تقدّم في محلّه ، فلاحظ إن شئت (٢).

(٢) فإنّ الواجب فيها أوّلاً العتق ، ومع العجز عنه صوم شهرين ، ومع العجز إطعام الستّين كما هو صريح الآية المباركة (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ)

__________________

(*) على الأحوط في الإفطار على الحرام.

(١) الوسائل ١٠ : ٥٣ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٠ ح ١.

(٢) شرح العروة ٢١ : ٣١٧ ٣١٩.

٢٣٢

وكفّارة قتل الخطأ (١) ، فإنّ وجوب الصوم فيهما بعد العجز عن العتق ، وكفّارة

______________________________________________________

إلى قوله تعالى (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) إلخ (١) ، وبمضمونها جملة وافرة من النصوص.

نعم ، في جملة أُخرى منها عطف هذه الخصال بلفظه «أو» الظاهرة في التخيير دون الترتيب ، فلو كنّا نحن وهذه لعملنا بها ، إلّا أنّ صراحة الآية المباركة وهاتيك النصوص مانعة عن الأخذ بهذا الظهور ، فلا مناص من رفع اليد عنه وحمل كلمة «أو» على إرادة التقسيم لا التخيير ، كما في قولك : الكلمة اسم أو فعل أو حرف. والمراد أنّ هذه الأُمور ثابتة في كفّارة الظهار ، فلا ينافي كون ثبوتها على سبيل الترتيب.

(١) فيجب فيها العتق أوّلاً ، ثمّ الصوم مع العجز عنه ، ثمّ الإطعام ، كما هو صريح الآية الشريفة ، قال تعالى في سورة النساء الآية ٩٢ (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) إلى قوله (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ).

نعم ، لا تعرّض في الآية المباركة للإطعام ، إلّا أنّ النصوص المتظافرة ناطقة ووافية وبها الكفاية.

هذا ، والمنسوب إلى المفيد وسلّار التخيير بين الخصال (٢).

ولم يُعرف لهما أيّ مستند حتّى رواية ضعيفة ، على أنّ الآية والنصوص المشار إليها حجّة عليهما.

__________________

(١) المجادلة ٥٨ : ٣ ٤.

(٢) المقنعة : ٥٢٤ و٧٤٥ ٧٤٦ ، المراسم : ١٨٦ ١٨٧.

٢٣٣

الإفطار في قضاء رمضان (١) ، فإنّ الصوم فيها بعد العجز عن الإطعام كما عرفت ، وكفّارة اليمين وهي عتق رقبة (٢) أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم وبعد العجز عنها فصيام ثلاثة أيّام ،

______________________________________________________

(١) فإنّ الواجب فيها أوّلاً إطعام عشرة مساكين ، ومع العجز عنه صيام ثلاثة أيّام كما تقدّم في المسألة الاولى من موجبات الكفّارة.

(٢) هذا الحكم هو المقطوع به بين الأصحاب ، وهو صريح الآية الكريمة والنصوص المتظافرة ، بل في بعضها التصريح بعدم إجزاء الصيام لدى التمكّن من الإطعام.

نعم ، في موثّق زرارة تقديم الصيام على الإطعام عكس ما ذكر ، قال : سألته عن شي‌ء من كفّارة اليمين «فقال : يصوم ثلاثة أيّام» قلت : إنّ ضعف عن الصوم وعجز؟ «قال : يتصدّق على عشرة مساكين» إلخ (١).

لكنّها وإن تمّ سندها لا تنهض للمقاومة مع صريح الآية وتلكم النصوص المستفيضة الناطقة بأنّ الواجب أوّلاً هو إطعام العشرة أو العتق أو الكسوة وبعد العجز فصيام الثلاثة ، فلا بدّ من طرحها أو ردّ علمها إلى أهلها أو تأويلها بوجهٍ ما ، مثل ما صنعه في الوسائل من حمل الإطعام هنا على ما دون المدّ ، كأن يعطى كلّ واحد من العشرة لقمة واحدة مثلاً فلا ينافي ما تضمّنته تلك النصوص وكذا الآية من تقديم الإطعام على الصيام الذي يراد به مدّ لكلّ مسكين ، وإن كان هذا الحمل بعيداً جدّاً كما لا يخفى.

__________________

(١) الوسائل ٢٢ : ٣٧٦ / أبواب الكفارات ب ١٢ ح ٦.

٢٣٤

وكفّارة صيد النعامة ، وكفّارة صيد البقر الوحشي ، وكفّارة صيد الغزال (١) ، فإنّ الأوّل تجب فيه بدنة (*) ومع العجز عنها صيام ثمانية عشر يوماً ، والثاني يجب فيه ذبح بقرة ومع العجز عنها صوم تسعة أيّام ، والثالث يجب فيه شاة ومع العجز عنها صوم ثلاثة أيّام.

______________________________________________________

(١) ما ذكره (قدس سره) من الكفّارة في هذه الموارد الثلاثة ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال ، فتجب في صيد النعامة بدنة ، وفي البقر الوحشي بقرة ، وفي الغزال شاة على ما يقتضيه ظاهر الآية المباركة ، قال تعالى (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (١) ، فإنّ المماثلة تقتضي ما ذكر كما لا يخفى ، والنصوص به متكاثرة متظافرة ، فلاحظ.

كما أنّ ما ذكره (قدس سره) من الانتقال لدى العجز عمّا ذكر إلى الصيام ثمانية عشر يوماً في الأوّل وتسعة أيّام في الثاني وثلاثة أيّام في الثالث ممّا لا إشكال فيه أيضاً ، كما أُشير إليه في الآية الشريفة ونطقت به النصوص المستفيضة.

وإنّما الكلام في جهتين :

الاولى : ظاهر إطلاق عبارة المتن عدم الواسطة بين الأنعام وبين الصيام ، فينتقل لدى العجز عن البدنة أو البقرة أو الشاة إلى الصيام على التفصيل المتقدّم.

وليس كذلك قطعاً ، بل الواسطة ثابتة نصّاً وفتوى ، فينتقل لدى العجز عن

__________________

(*) وجوب الصوم في كفّارة الصيد كما أنّه مترتّب على العجز عن البدنة والبقرة والشاة ، مترتّب على العجز عن إطعام ستّين مسكيناً في صيد النعامة ، وثلاثين مسكيناً في صيد البقرة ، وعشرة مساكين في صيد الغزال.

(١) المائدة ٥ : ٩٥.

٢٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

البدنة إلى إطعام ستّين مسكيناً ، ومع العجز عنه إلى صيام ثمانية عشر يوماً ، كما أنّ الوظيفة بعد العجز عن البقرة إطعام ثلاثين مسكيناً ، ومع العجز صيام تسعة أيّام ، واللّازم بعد العجز عن الشاة إطعام عشرة مساكين ، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيّام على ما صرّح بذلك في جملة وافرة من النصوص التي منها صحيحة علي بن جعفر (١) ، وقد استقرّت عليه فتوى الأصحاب كما عرفت.

فلا بدّ من تقييد إطلاق العبارة بذلك ، ولعلّ غرضه (قدس سره) مجرّد التعرّض للانتقال إلى الصيام بعد العجز عن غيره كما هو عنوان هذا القسم من غير تعرّض لخصوصيّات المطلب ، فتدبر.

الثانية : مقتضى إطلاق كلامه (قدس سره) الناشئ من كونه في مقام البيان حصر موارد الانتقال إلى الصوم من كفّارة الصيد في الموارد الثلاثة المذكورة في المتن أعني : صيد النعامة أو البقرة أو الغزال وليس كذلك ، بل الحكم ثابت في صيد الأرنب أيضاً بلا إشكال ، للنصوص الكثيرة الدالّة على أنّ حكمه حكم صيد الظبي أي أنّ فيه شاة وإلّا فإطعام عشرة مساكين ، وإلّا فصيام ثلاثة أيّام ، بل والثعلب أيضاً كما أفتى به جماعة وإن كان النصّ الوارد فيه ضعيفاً ، إمّا للأولويّة من الأرنب ، وإمّا لإطلاق الآية المباركة (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) فإنّ المماثل حجماً للثعلب فيما يكفّر به عنه من النعم إنّما هو الشاة ، كما أنّ المماثل للبقر الوحشي هو البقر وللنعامة هو البدنة كما تقدّم.

وفي صحيحة معاوية بن عمّار قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «من أصاب شيئاً فداؤه بدنة من الإبل ، فإن لم يجد ما يشتري به بدنة فأراد أن يتصدّق فعليه أن يطعم ستّين مسكيناً كلّ مسكين مدّاً ، فإن لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوماً مكان كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام ، ومن

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٠ / أبواب كفّارات الصيد ب ٢ ح ٦.

٢٣٦

وكفّارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب عامداً (١) وهي بدنة وبعد العجز عنها صيام ثمانية عشر يوماً ،

______________________________________________________

كان عليه شي‌ء من الصيد فداؤه بقرة ، فإن لم يجد فليطعم ثلاثين مسكيناً ، فإن لم يجد فليصم تسعة أيّام ، ومن كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام» (١).

وهي كما ترى صريحة في إعطاء ضابط كلّي ، وهو أنّ كلّ صيد كان فداؤه بدنة ينتقل لدى العجز عنه وعن الإطعام إلى الصيام ثمانية عشر يوماً ، وكذا الحال فيما كان فداؤه بقرة أو شاة.

وعليه ، فلو قلنا في موردٍ بثبوت البدنة كما في كفّارة صيد فرخ النعامة على ما أفتى به جماعة ثبت فيه الصيام لدى العجز بمقتضى هذه الصحيحة. وعليه ، فكان الأحرى على الماتن أن يجعل صيد النعامة مثالاً لما ثبتت فيه البدنة وكذا البقر والغزال ، لا أن يعبّر بنحوٍ يكون ظاهراً في الانحصار.

(١) فإنّ الواجب هو الوقوف في عرفات من الزوال على المشهور أو بعد ساعة منه على الأقوى إلى الغروب ، فلا تجوز الإفاضة قبل ذلك ، فلو أفاض أتمّ وإن لم يفسد حجّة ، لكون الركن منه هو مسمّى الوقوف وقد حصل ووجبت عليه الكفّارة وهي بدنة ، وإن لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوماً ، وهذا ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال كما نطقت به صحيحة ضريس الكناسي (٢).

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٣ / أبواب كفّارات الصيد ب ٢ ح ١٣.

(٢) الوسائل ١٣ : ٥٥٨ / أبواب إحرام الحجّ والوقوف بعرفة ب ٢٣ ح ٣.

٢٣٧

وكفّارة خدش المرأة (*) وجهها في المصاب حتّى أدمته (١) ونتفها رأسها فيه ، وكفّارة شقّ الرجل ثوبه على زوجته أو ولده ، فإنّهما ككفّارة اليمين.

______________________________________________________

(١) على المشهور في الموارد الأربعة المذكورة في المتن من الخدش والنتف والشقّ على الزوجة أو الولد ، غير أنّ الخدش في كلمات الأصحاب مطلق غير مقيّد بالإدماء المذكور في النصّ كما ستعرف ولعلّهم أهملوه تعويلاً على ما بينهما من الملازمة ، فإنّ الخدش يستلزم الإدماء غالباً كما نبّه عليه في الجواهر (١).

وكيفما كان ، فقد نُسب الخلاف إلى ابن إدريس فأنكر وجوب الكفّارة في المقام (٢) ، وأنكر هذه النسبة في الجواهر قائلاً : إنّ ابن إدريس أفتى بالوجوب استناداً إلى الإجماع المدّعى في المقام (٣). وذكر (قدس سره) أنّه لا خلاف في المسألة إلّا من صاحب المدارك ، حيث ذهب إلى الاستحباب صريحاً (٤).

وكيفما كان ، فمستند الحكم رواية خالد بن سدير أخي حنّان بن سدير : عن رجل شقّ ثوبه على أبيه إلى أن قال : «وإذا شقّ زوج على امرأته أو والد على ولده فكفّارته حنث يمين ، ولا صلاة لهما حتّى يكفّرا أو يتوبا من ذلك ، فإذا خدشت المرأة وجهها أو جزّت شعرها أو نتفته ففي جزّ الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكيناً ، وفي الخدش إذا ادميت وفي النتف كفّارة حنث يمين» إلخ (٥).

__________________

(*) على الأحوط ، ولا يبعد عدم وجوبها ، وكذا الحال فيما بعده.

(١) الجواهر ٣٣ : ١٨٦.

(٢) السرائر ٣ : ٧٨.

(٣) لاحظ الجواهر ٣٣ : ١٨٦.

(٤) لاحظ الجواهر ٣٣ : ١٨٦ وهو في المدارك ٦ : ٢٤٣.

(٥) الوسائل ٢٢ : ٤٠٢ / أبواب الكفّارات ب ٣١ ح ١.

٢٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ودلالتها على الحكم ظاهرة ، ولكن السند ضعيف ، لجهالة خالد بن سدير ، فإنّ هذا الرجل عنونه النجاشي بهذا العنوان من غير أن يذكره بمدح أو قدح مقتصراً على قوله : له كتاب (١) ، لبنائه (قدس سره) على ترجمة كلّ من له كتاب.

وعنونه الشيخ هكذا : خالد بن عبد الله بن سدير ، وذكر أنّ له كتاباً (٢) ، ولم يتعرّض أيضاً لحاله بوجه. وقد ذكر ابن بابويه عن شيخه ابن الوليد : أنّ الكتاب المنسوب إليه موضوع ، وضعه محمّد بن موسى الهمداني (٣).

هذا ، وقد زعم ابن داود اتّحاد الرجلين وأنّهما شخص واحد ، أسند تارةً إلى جدّه ، وأُخرى إلى أبيه (٤) ، ولأجله حكى إسناد الوضع المزبور في كلا الموردين.

ولكنّه كما ترى بعيدٌ غايته ، بل لعلّة مقطوع العدم ، فإن دعوى الاتّحاد وإن لم تكن بعيدة في نظائر المقام ممّا يمكن أن يسند فيه الشخص إلى أبيه تارةً وإلى جدّه اخرى على ما تعرّضنا له كثيراً في المعجم ، لكنّها غير محتملة في خصوص المقام ، لتوصيف خالد بن سدير الواقع في السند بأنّه أخو حنّان بن سدير ، إذ على تقدير الاتّحاد كان هو ابن أخي حنّان ، وهذا عمّه ، لا أنّه أخوه ، بعد وضوح أنّ حنّاناً هو ابن سدير من غير واسطة. وعليه ، فخالد بن عبد الله ابن سدير شخص آخر وهو ابن أخي خالد بن سدير ، لا أنّه هو بنفسه أسند إلى أبيه مرّة وأُخرى إلى جدّه.

وكيفما كان ، فالرجل مجهول ، سواء أكان شخصاً واحداً أم شخصين ، بل هو

__________________

(١) لاحظ النجاشي : ١٥٠ / ٣٩٠.

(٢) الفهرست : ٦٦ / ٢٧٠.

(٣) لاحظ رجال ابن داود : ٢٤٤ / ١٧٣.

(٤) لاحظ المعجم ٨ : ٢٦ ٢٧.

٢٣٩

ومنها : ما يجب فيه الصوم مخيّراً بينه وبين غيره (١) ، وهي كفّارة الإفطار في شهر رمضان ، وكفّارة الاعتكاف ،

______________________________________________________

من الجهالة بمكان ، إذ لم يذكر له في مجموع الروايات ما عدا هذه الرواية الواحدة المبحوث عنها في المقام ، ولأجله كانت الرواية ضعيفة ، غاية الأمر أنّ المشهور قد عملوا بها فتبتني المسألة على أنّ ضعف الخبر هل ينجبر بالعمل أو لا؟ وحيث إنّ الأظهر هو العدم كما هو المعلوم من مسلكنا كان الأوجه ما اختاره صاحب المدارك من إنكار الوجوب ، ولا يهمّنا توصيف صاحب الجواهر هذا المسلك بكونه ناشئاً من فساد الطريقة بعد ان ساعده الدليل القاطع حسبما أوضحناه في الأُصول (١) ، فإنّ هذا لو كان من فساد الطريقة والحال هذه فنحن نلتزم به ولا نتحاشى عنه.

وأمّا الذهاب إلى الاستحباب المصرّح به في كلام صاحب المدارك بعد إنكار الوجوب فهو مبني على القول بالتسامح في أدلّة السنن ، وحيث إنّا لا نقول به فالأظهر عدم ثبوت الاستحباب الشرعي أيضاً وإن كان الاحتياط خروجاً عن مخالفة المشهور ، بل عن دعوى الإجماع المنقول ممّا لا ينبغي تركه.

وممّا ذكرنا يظهر الحال في كفّارة جزّ المرأة شعرها في المصاب ، التي ذكرها الماتن في القسم الآتي أعني : ما يجب فيه الصوم مخيّراً بينه وبين غيره فإنّ مستندها هي هذه الرواية المتضمّنة للتخيير بين الخصال الثلاث وقد عرفت حالها.

(١) ذكر (قدس سره) لهذا القسم أيضاً المحكوم بالتخيير في كفّارته بين الخصال الثلاث موارد :

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٢٠١ ٢٠٢.

٢٤٠