موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢٥٣٩] مسألة ١٨ : الأحوط عدم تأخير القضاء إلى رمضان آخر مع التمكّن عمداً وإن كان لا دليل على حرمته (١).

______________________________________________________

صوم ثمانية عشر يوماً لدى العجز عن صوم الشهرين المتتابعين في الكفّارة إلّا فيما إذا كان الصوم المزبور متعيّناً عليه كما في كفّارة الظهار ، لاختصاص الدليل به دون ما إذا كان مخيّراً بينه وبين غيره كما في المقام ، وإلّا فمقتضى الجمع بين الأدلّة الاستغفار والتصدّق بما يطيق ، وتكون الصدقة فيما نحن فيه بإذن المولى بطبيعة الحال. وتمام الكلام قد تقدّم في محلّه (١).

(١) لا إشكال كما لا خلاف في التوسعة بالنسبة إلى السنة الاولى ، فلا تجب المبادرة إلى القضاء بعد انقضاء رمضان بلا فصل قطعاً ، بل يجوز التأخير إلى نهاية السنة. وقد ورد في بعض الأخبار أنّ نساء النبيّ (صلّى الله عليه وآله) كنّ يقضين ما فاتهنّ من صيام رمضان في شعبان كي لا يمنعن النبي (صلّى الله عليه وآله) عن الاستمتاع (٢).

وأمّا بالنسبة إلى مجموع السنة ، فهل يجوز التأخير إلى السنة الأُخرى اختياراً ولو مع التصدّي لدفع الكفّارة ، أو أنّه لا يجوز ذلك؟ فلو كان عليه عشرة أيّام من هذه السنة وقد بقي من شهر شعبان عشرة وجب عليه المبادرة إلى القضاء ، فلو أخّر عامداً عصى وارتكب محرّماً.

المشهور هو الثاني ، ولكن لم يظهر دليله كما نبّه عليه في المتن.

والذي قيل أو يمكن أن يقال في مقام الاستدلال أُمور :

__________________

(١) شرح العروة ٢١ : ٣٧٨ ٣٨٠.

(٢) الوسائل ١٠ : ٤٨٦ / أبواب الصوم المندوب ب ٢٨ ح ٢.

٢٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدها : التعبير بالتواني في صحيحة ابن مسلم ، وبالتهاون في رواية أبي بصير ، فإنّ هذين التعبيرين يشعران بالوجوب وأنّه لم يهتمّ به فتهاون وتسامح فيه.

وفيه ما لا يخفى ، لوضوح أنّ غاية ما يدلّ عليه التعبيران أنّ هناك واجباً موسّعاً لم يسارع إلى امتثاله فتوانى وأخّر وتهاون فليكن بمعنى تسامح ، ولكنّه تسامح عن التعجيل لا عن أصل الامتثال ، واين هذا من الإشعار بوجوب البدار فضلاً عن الدلالة؟! على أنّ كلمة التهاون إنّما وردت في رواية أبي بصير الضعيفة بعلي بن أبي حمزة الذي نصّ الشيخ على تضعيفه في كتاب الغيبة كما تقدّم (١) ، فلم يثبت صدورها.

الثاني : أنّه قد عبّر عن التأخير بالتضييع الذي لا يصحّ إطلاقه إلّا على ترك الواجب.

وهذا يتلو سابقه في الضعف ، لصحّة إطلاق التضييع في موارد ترك الراجح الأفضل واختيار المرجوح ، ولا إشكال في أنّ التقديم راجح ولا أقلّ من جهة أنّه مسارعة إلى الخير واستباق إليه ، وهو مستلزم لكون التأخير تضييعاً لتلك الفضيلة ، وقد أُطلق التضييع على تأخير الصلاة عن أوّل الوقت في غير واحد من النصوص.

مضافاً إلى أنّ هذا التعبير لم يرد إلّا في رواية أبي بصير وخبر الفضل بن شاذان ، وكلاهما ضعيف كما تقدّم (٢).

__________________

(١) في ص ١٩٦.

(٢) في ص ١٩١ و١٩٦.

٢٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الثالث : التعبير بكلمة الفدية أي الكفّارة فكأنّها ستر لأمر فيه حزازة فيكشف عن مرجوحيّته في نفسه.

وهذا واضح الدفع :

أمّا أوّلاً : فلأنّها لم ترد إلّا في رواية أبي بصير ، وهي ضعيفة كما عرفت.

وثانياً : أنّها لم تطلق حتّى في هذه الرواية على تأخير القضاء مع التمكّن منه ليتوهّم الحرمة إمّا من جهة التواني والتهاون أو البناء على العدم ، وإنّما أُطلقت بالإضافة إلى من استمرّ به المرض الذي لا يحتمل فيه الحرمة بوجه ، قال (عليه السلام) : «إذا مرض الرجل من رمضان إلى رمضان ثمّ صحّ فإنّما عليه لكلّ يوم أفطره فدية طعام» إلخ.

وعلى الجملة : لم يرد في شي‌ء من الأخبار لفظ الفدية فضلاً عن الكفّارة ليستكشف منه الحرمة ، وإنّما ورد لفظ الفدية في خصوص من استمرّ به المرض الذي لا إشكال في عدم الإثم والحرمة حينئذٍ كما هو ظاهر.

هذا ، مع أنّ في جملة من روايات الإحرام ورد الأمر بالفدية في موارد لا يحتمل الحرمة ، كمن أمرّ بيده على لحيته فسقطت شعرة بغير اختياره ، فإنّه لا يكون حراماً جزماً (١).

وأمّا الأمر بالصدقة فقد ورد في صحيح ابن مسلم وزرارة وعلي بن جعفر ، ولكنّه أعمّ من ترك الواجب فلا يدلّ على الوجوب بوجه ، بل أنّ هذا بنفسه واجب مستقلّ ، فأيّ مانع من الالتزام بالتخيير بين أن يبادر فعلاً إلى الصوم ولا شي‌ء عليه وبين أن يؤخّر بشرط أن يتصدّق؟! فلا يكشف الأمر بالصدقة عن وجوب المبادرة أو حرمة التأخير أبداً.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٧٠ / أبواب بقية الكفارات ب ١٦ ح ١ ، ٢ ، ٣.

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى الجملة : فليس في شي‌ء من هذه الأخبار إشعار فضلاً عن الدلالة على الوجوب ، بل أنّ رواية سعد بن سعد دالّة على عدم الوجوب صريحاً ، قال : سألته عن رجل يكون مريضاً في شهر رمضان ثمّ يصحّ بعد ذلك فيؤخّر القضاء سنةً أو أقلّ من ذلك أو أكثر ، ما عليه في ذلك؟ «قال : أُحبّ له تعجيل الصيام ، فإن كان أخّره فليس عليه شي‌ء» (١).

ولكنّها أيضاً ضعيفة السند بالإرسال ، فلا يمكن الاستدلال بها.

وكيفما كان ، فيكفينا في عدم الوجوب عدم الدليل على الوجوب ، وليست المسألة إجماعيّة بحيث يقطع بقول المعصوم (عليه السلام) وإنّما استدلّ لها بما عرفت.

نعم ، رواية الفضل بن شاذان فيها دلالة على الوجوب ، لقوله (عليه السلام) : «... لأنّه دخل الشهر وهو مريض فلم يجب عليه الصوم في شهره ولا في سنته ، للمرض الذي كان فيه ، ووجب عليه الفداء» إلخ ، دلّت على وجوب الصوم في تلك السنة لدى عدم استمرار المرض وأنّه من أجل ترك الواجب أُبدل بالفداء كما هو ظاهر ، إلّا أنّها من أجل ضعف السند غير صالحة للاستدلال كما تقدّم (٢).

فتحصّل : أنّ الأظهر ما ذكره في المتن من عدم الدليل على حرمة التأخير ، فالأقوى أنّ وجوب القضاء موسّع وإن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه ، والله سبحانه أعلم.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٣٧ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٧.

(٢) في ص ١٩١.

٢٠٤

[٢٥٤٠] مسألة ١٩ : يجب على وليّ الميّت قضاء ما فاته من الصوم (١) ،

______________________________________________________

(١) على المعروف والمشهور في الجملة وإن وقع فيه الخلاف من بعض الجهات كتعيين الولي وأنّه الولد الأكبر أم غيره ، وأنّ الميّت هل يختصّ بالأب أو يعمّ الامّ ، وأنّ الحكم هل يخصّ ما فاته لعذر أو يعمّ غيره.

واستقصاء الكلام يستدعي البحث في جهات :

الاولى : في أصل الوجوب ، وقد عرفت أنّه المشهور ، ولكن نُسب الخلاف إلى ابن أبي عقيل فأنكره وأوجب التصدّق عنه إمّا من ماله أو من مال الولي ، وادّعى تواتر الأخبار به ناسباً القول بالقضاء إلى الشذوذ (١).

وقد استغرب هذه الدعوى منه غير واحد ، نظراً إلى عدم ورود رواية تدلّ على الصدقة ما عدا روايتين ، فكيف تُنسَب إلى التواتر؟! استدلّ له بإحداهما العلّامة في التذكرة ، وبالأُخرى غيره :

الاولى : ما رواه في الفقيه عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ، قال : قلت له رجل مات وعليه صوم ، يصام عنه أو يتصدّق؟ «قال : يتصدّق عنه ، فإنّه أفضل» (٢).

وقد غفل صاحب الوسائل عن هذه الرواية فلم يذكرها في الباب المناسب أعني : باب ٢٣ من أبواب أحكام شهر رمضان ولا في غيره ، وإنّما تعرّض لها في الحدائق بعد أن وصفها بالصحّة (٣).

__________________

(١) رسالتان مجموعتان من فتاوى العلمين (فتاوى ابن أبي عقيل) : ٨٠.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٣٦ / ١١١٩.

(٣) الحدائق ١٣ : ٣٢٠ ٣٢١.

٢٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وكيفما كان ، فيمكن الخدش في الاستدلال بها سنداً تارةً ودلالةً اخرى :

أمّا السند : فبمناقشة كبرويّة غير مختصّة بالمقام ، وهي أنّ الشيخ الصدوق (قدس سره) ذكر في مشيخة الفقيه طريقه إلى جملة ممّن روى عنه في كتابه ، منهم : ابن بزيع المزبور ، فقال : وما كان فيه عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع فقد رويته عن محمّد بن الحسن (رضي الله عنه) ، عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع (١). وطريقه إليه صحيح.

إنّما الكلام في أنّ هذه الطرق التي يذكرها إلى هؤلاء الرجال هل تختصّ بمن يروي بنفسه عنه مثل أن يقول : روى محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، أو روى عبد الله بن سنان أو أنّها تعمّ مطلق الرواية عنهم ولو لم يسند بنفسه تلك الرواية إلى الراوي ، بل أسندها إلى راوٍ مجهول عنه ، مثل أن يقول : روى بعض أصحابنا عن عبد الله بن سنان ، أو روي عن ابن سنان ، ونحو ذلك ممّا لم يتضمّن إسناده بنفسه إلى ذلك الراوي؟

والمتيقّن إرادته من تلك الطرق هو الأوّل.

وأمّا شموله للثاني بحيث يعمّ ما لو عثر على رواية في كتاب عن شخص مجهول فعبّر بقوله : روى بعض أصحابنا عن فلان ، أو روي عن فلان فمشكل جدّاً ، بل لا يبعد الجزم بالعدم ، إذ لا يكاد يساعده التعبير في المشيخة بقوله : فقد رويته عن فلان كما لا يخفى. فهو ملحق بالمرسل.

وحيث إنّ روايتنا هذه مذكورة في الفقيه بصيغة المجهول حيث قال (قدس سره) : وروى عن محمّد بن إسماعيل ، فهي غير مشمولة للطريق المذكور في المشيخة عنه ، بل هي مرسلة تسقط عن درجة الاعتبار وإن عبّر عنها صاحب الحدائق بالصحيحة حسبما عرفت.

__________________

(١) الفقيه (المشيخة) ٤ : ٤٥.

٢٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا الدلالة فلأنه لم يفرض في الرواية أنّ القاضي عن الميّت وليّه أو ولده كي يكون السؤال عمّا يجب عليه ، بل ظاهره أنّ الميّت رجل أجنبي ، فالسؤال عن أمر استحبابي وهو التبرّع عنه وأنّ أيّاً من التبرّعين والعبادتين المستحبّتين أفضل ، هل الصيام عنه أو الصدقة؟ ولا شك أنّ الثاني أفضل كما نطقت به جملة من النصوص ، فإنّ التصدّق عن الميّت أفضل الخيرات وأحسن المبرّات.

وعلى الجملة : فالصوم المفروض في السؤال وإن كان واجباً على الميّت إلّا أنّه مستحبّ عن المتبرّع ، فإذا دار الأمر بينه وبين الصدقة قُدِّم الثاني ، وأين هذا ممّن كان واجباً عليه كالولي الذي هو محلّ الكلام؟! فغاية ما تدلّ عليه هذه الرواية أنّه إذا دار الأمر في الإحسان إلى الميّت بين تفريغ ذمّته وبين الصدقة عنه وكلّ منهما مستحبّ على المحسن كانت الصدقة أفضل ، فكيف يكون هذا منافياً لما دلّ على القضاء على خصوص الولي؟! الثانية : ما استدلّ به العلّامة في التذكرة من صحيحة أبي مريم الأنصاري التي رواها المشايخ الثلاثة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : إذا صام الرجل شيئاً من شهر رمضان ثمّ لم يزل مريضاً حتّى مات فليس عليه شي‌ء (قضاء) ، وإن صحّ ثمّ مرض ثمّ مات وكان له مال تصدّق عنه مكان كلّ يوم بمدّ ، وإن لم يكن له مال صام عنه وليّه» (١) ، كذا في روايتي الكليني والصدوق ، وفي رواية الشيخ : «وإن لم يكن له مال تصدّق عنه وليّه».

وهي من حيث السند صحيحة كما عرفت ، فإنّ في طريق الكليني وإن وقع معلّى بن محمّد وفيه كلام ، إلّا أنّ الأظهر وثاقته ، لوقوعه في أسناد كامل الزيارات ، على أنّ طريق الصدوق خالٍ عن ذلك وفيه كفاية ، فهي من جهة

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٣١ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٧ ، الكافي ٤ : ١٢٣ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٩٨ / ٤٣٩ ، التهذيب ٤ : ٢٤٨ / ٧٣٦ ، الاستبصار ٢ : ١٠٩ / ٣٥٧.

٢٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

السند تامّة.

وقد دلّت على أنّ الواجب إنّما هو التصدّق بمال الميّت إن كان وإلّا فبمال الولي. وكيفما كان ، فلا يجب القضاء عنه.

وأورد عليه في الجواهر بابتناء الاستدلال على رواية الشيخ ، وأمّا على رواية الكليني والفقيه فكلّا ، لدلالتها حينئذٍ على وجوب الصيام على الولي المطابق لمذهب المشهور ، ولا ريب أنّ الكافي والفقيه أضبط فتتقدّم روايتهما على رواية الشيخ لدى المعارضة ، فتكون الرواية من أدلّة المشهور ، ولا تصلح سنداً لابن أبي عقيل (١).

أقول : في كلامه (قدس سره) مناقشتان :

الاولى : لا شك أنّ الكافي والفقيه أضبط ، إلّا أنّ هذا إنّما يوجب التقديم فيما إذا كانت هناك رواية واحدة مرويّة بزيادة ونقيصة ، أو نفي وإثبات ، أو تبديل لفظ بلفظ ، فيرجّح حينئذٍ ما أثبته الأولان لأضبطيّتهما وكثرة اشتباه التهذيب كما نصّ عليه في الحدائق.

وأمّا إذا كان التهذيب ناقلاً لكلتا الروايتين ، فروى تارةً ما أثبته الكافي أو الفقيه بعين ما أثبتناه ، وروى ثانياً بكيفيّة اخرى بطريق آخر هو أيضاً صحيح كما في المقام ، فهذا ليس من الاختلاف في اللفظ ليرجع إلى قانون الأضبطيّة ، بل هما روايتان مرويّتان بطريقين لا يدري أنّ الصادر عن المعصوم (عليه السلام) أيّ منهما ، وأنّ أبا مريم نقل بأيّ من الكيفيّتين ، فهذا أجنبي عن الترجيح بالأضبطيّة كما لا يخفى.

الثانية : أنّ الرواية لو كانت مشتملة واقعاً على كلمة : «تصدّق» كما ذكره العلّامة ورواه الشيخ أمكن المناقشة حينئذٍ بأنّ هذا لا ينافي القضاء ، فيجب

__________________

(١) الجواهر ١٧ : ٣٦.

٢٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

على الولي التصدّق من مال الميّت من جهة التأخير ، وإلّا فمن ماله زيادةً على القضاء ، إذ لا دلالة في الرواية على نفي القضاء بوجه ، بل لعلّ مقتضى المقابلة مع الصدر المشتمل على نفي القضاء بوجه ، بل لعلّ مقتضى المقابلة مع الصدر المشتمل على نفي القضاء لدى استمرار المرض ثبوت القضاء هنا أي في فرض عدم الاستمرار الذي تعرّض له في الذيل فيمكن أن تجب الكفّارة أيضاً من جهة التواني ، لأنّه صحّ ولم يقض اختياراً فيكون موته في البين بمنزلة استمرار المرض.

وكيفما كان ، فبناءً على هذه النسخة ليست في الرواية أيّة دلالة على نفي القضاء.

وأمّا بناءً على نسخة الكافي والفقيه التي رجّحهما في الجواهر فهي حينئذٍ واضحة الدلالة على عدم القضاء ابتداءً ، حيث علّق الصوم على ما إذا لم يكن له مال فوجوبه في مرتبة متأخّرة عن التصدّق. وهذا كما ترى ينطبق على مذهب ابن أبي عقيل القائل بعدم وجوب الصوم ابتداءً ، فالاستدلال له بناءً على هذه النسخة أولى من النسخة الأُخرى.

والذي يسهّل الخطب أنّ هذه النسخة لم تثبت أيضاً ، فإنّ الرواية كما عرفت مرويّة بطريقين كلّ منهما صحيح من غير ترجيح في البين.

على أنّه لو ثبتت النسخة وتمّت الصحيحة وكذا الرواية السابقة وأغمضنا عن كلّ مناقشة سنديّة أو دلاليّة وفرضنا دلالتهما على نفي القضاء كما يقوله ابن أبي عقيل ، فهما معارضتان للروايات الكثيرة المستفيضة جدّاً ، الصحيحة أكثرها سنداً ، والصريحة دلالةً على وجوب القضاء على الولي ، وحملها على صورة عدم التمكّن من الصدقة بعيدٌ غايته كما لا يخفى. وبما أنّ أكثر العامّة ذهبوا إلى الصدقة فلا محالة تُحمل الروايتان على التقيّة.

وعلى الجملة : بعد فرض استقرار المعارضة والانتهاء إلى إعمال قواعد

٢٠٩

لعذر من مرض أو سفر أو نحوهما ، لا ما تركه عمداً أو أتى به وكان باطلاً من جهة التقصير في أخذ المسائل (١) ، وإن كان الأحوط قضاء جميع ما عليه (*) وإن كان من جهة الترك عمداً.

نعم ، يشترط في وجوب قضاء ما فات بالمرض أن يكون قد تمكّن في حال حياته من القضاء وأهمل ، وإلّا فلا يجب ، لسقوط القضاء حينئذٍ كما عرفت سابقاً.

______________________________________________________

الترجيح ، لا ريب أنّ الترجيح مع نصوص القضاء ، لمخالفتها للعامّة ، فما ذكره ابن أبي عقيل لا يمكن المساعدة عليه بوجه.

(١) الجهة الثانية : بعد الفراغ عن أصل الوجوب ، فهل يختصّ الحكم بمن فات عنه الصوم لعذر من مرض أو سفر أو حيض أو نفاس على تقدير شمول الحكم للُامّ ونحو ذلك ، أو يعمّ مطلق الترك ولو عامداً أو لكون صومه باطلاً لجهل ولو عن تقصير؟

المشهور ما ذكره في المتن من الاختصاص ووجهه غير ظاهر ، فإنّ جملة من الروايات وإن وردت في المعذور من مرض أو سفر كموثّقة أبي بصير (١) ومرسلة ابن بكير (٢) إلّا أنّ ذلك موردٌ لها لا أنّ الحكم مقيَّد به ، ولا ريب أنّ المورديّة لا تستدعي التخصيص ، على أنّ الثانية مرسلة.

إذن فليس في البين ما يمنع عن التمسّك بإطلاق بعض النصوص ، مثل صحيحة

__________________

(*) لا يترك.

(١) الوسائل ١٠ : ٣٣٢ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٣٣ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٣.

٢١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام «قال : يقضي عنه أولى الناس بميراثه» (١) ، فإنّها تدلّ بمقتضى ترك الاستفصال على الإطلاق وشمول الحكم للمعذور وغيره ، ونحوها مكاتبة الصفّار (٢).

ودعوى أنّ الإطلاق منصرف إلى الغالب ومنزّل عليه ، حيث إنّ الغالب في الترك أن يكون لعذر.

غير مسموعة ، لمنع الغلبة أوّلاً ، فإنّ الترك متعمّداً ولا أقلّ في أوائل الشباب أيضاً كثيرٌ وإن كان غيره أكثر ، ولو سُلّم فليست بحيث توجب الانصراف وتمنع عن الإطلاق كما لا يخفى.

فلم يبق إلّا مجرّد الاستبعاد وأنّه كيف يجب على الولد قضاء ما تركه أبوه عامداً؟! ولكنّه لا يصلح مدركاً حكم شرعي بعد مساعدة الدليل ، ومن الجائز أن يكون ذلك أداءً لبعض حقوق الوالد أو الوالدين العظيمة.

نعم ، إنّما يجب القضاء فيما إذا كان القضاء واجباً على الميّت نفسه بأن كان متمكّناً ولم يقض وإلّا فلا ، لأنّه متفرّع عليه ومتلقّى منه ، كما دلّت عليه صحيحة محمّد بن مسلم : عن رجل أدركه رمضان وهو مريض فتوفّي قبل أن يبرأ «قال : ليس عليه شي‌ء ، ولكن يُقضى عن الذي يبرأ ثمّ يموت قبل أن يقضي» (٣).

وأصرح منها صحيحة أبي بصير : عن امرأة مرضت في شهر رمضان ... إلى أن قال (عليه السلام) : «كيف تقضي عنها شيئاً لم يجعله الله عليها؟!» (٤).

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٣٠ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٥.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٣٠ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٠ : ٣٢٩ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٢.

(٤) الوسائل ١٠ : ٣٣٢ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٢.

٢١١

ولا فرق في الميّت بين الأب والأُمّ (١) على الأقوى ،

______________________________________________________

(١) الجهة الثالثة : هل يختصّ الحكم بما فات عن الوالد أو يعمّ الوالدين؟

ذهب جماعة منهم الماتن إلى التعميم.

ويستدلّ لهم بروايتين :

إحداهما صحيحة أبي حمزة : عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان ، هل يُقضى عنها؟ «قال : أمّا الطمث والمرض فلا ، وأمّا السفر فنعم» (١).

والأُخرى موثّقة محمّد بن مسلم (٢) التي هي بمضمونها ، ولكن موردهما مطلق المرأة ، ولا نظر فيهما إلى الولي ، فهما في مقام بيان أصل المشروعيّة لا الوجوب ، نظير ما تضمّنته صحيحة أبي بصير.

وأمّا بقيّة الروايات فكلّها مشتملة على لفظ الرجل ، فلا وجه للتعدّي إلى المرأة ، لعدم الدليل عليه بوجه.

وأمّا الاستدلال له بقاعدة الاشتراك إلّا ما خرج بالدليل مثل ستر البدن في الصلاة ونحوه ، فغريب جدّاً ، ضرورة أنّ مورد القاعدة ما لو كان الرجل مورداً للحكم ومتعلّقاً له ، مثل : أن يسأل عن رجل يتكلّم في صلاته فيقول (عليه السلام) : يعيد ، ونحو ذلك ممّا تتضمّن حكماً لموضوع تكليفاً أو وضعاً إلزاماً أو ترخيصاً ، وكان الرجل متعلّقاً للخطاب ومورداً للحكم ، فإنّه يتعدّى إلى المرأة ما لم يثبت الاختصاص بقانون الاشتراك بين الرجال والنساء وتساويهما في الأحكام التي هي عامّة لجميع المسلمين.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٣٠ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٤.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٣٤ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٦.

٢١٢

وكذا لا فرق بين ما إذا ترك الميّت ما يمكن التصدّق به عنه وعدمه (١) ، وإن كان الأحوط في الأوّل الصدقة ((١)) عنه برضاء الوارث مع القضاء.

______________________________________________________

وأمّا لو كان الرجل بنفسه موضوعاً لحكم متعلّق بشخص آخر مثل : ما لو ورد أنّه يجوز الاقتداء بالرجل فإنّه لا وجه حينئذٍ للتعدّي ، وليس ذلك من قاعدة الاشتراك في شي‌ء كما هو ظاهر. ومقامنا من هذا القبيل ، فإن مقتضى ظواهر النصوص أنّ الفوت من الرجل موضوع لوجوب القضاء على الولي ، فلا يمكن التعدّي من هذا الموضوع إلى المرأة التي هي موضوع آخر حسبما عرفت.

(١) يشير بذلك إلى ما ورد في صحيحة أبي مريم الأنصاري المتقدّمة واسمه عبد الغفّار بن القاسم ، وهو ثقة جليل القدر من قوله (عليه السلام) : «وإن لم يكن له مال صام عنه وليّه» (٢) على نسخة الكافي والفقيه ، حيث علّق وجوب الصيام حينئذٍ على عدم مال للميّت يتصدّق به عنه.

ولكن عرفت أنّ هذه النسخة غير ثابتة ، لمعارضتها مع نسخة التهذيب المرويّة بطريق آخر أيضاً صحيح ، المشتملة على قوله : «تصدّق» بدل قوله : «صام» من غير ترجيح في البين ، لعدم كون المقام من موارد الترجيح بالأضبطيّة كما تقدّم.

على أنّ تقييد إطلاقات القضاء بهذه الصحيحة مستلزم لحمل هاتيك

__________________

(١) لا يترك الاحتياط بالتصدّق عن كل يوم بمدّ في هذه الصورة.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٣١ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٧ ، وقد تقدّمت في ص ٢٠٧.

٢١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

النصوص المتظافرة على الفرد النادر جدّاً ، بل لعلّه يكاد لم يقع خارجاً ، لبعد فرض ميّتٍ لم يكن له أيّ مال يُتصدّق به عنه ، ولا أقلّ من ثيابه الملاصقة ببدنه ولا سيّما إذا كان الفائت عنه صيام يوم أو أيّام قلائل ، فالتقييد المزبور بعيدٌ غايته.

ومع الغضّ فغايته المعارضة بين الصحيحة وبين نصوص القضاء ، ومقتضى الصناعة تقديم الثاني ، لمخالفتها للعامّة.

ومن ذلك يظهر أنّه لا فرق في وجوب الصيام على الولي بين ما إذا ترك الميّت ما يمكن التصدّق به عنه أم لا كما ذكره في المتن.

نعم ، يبقى شي‌ء ، وهو أنّ هذه الصحيحة وإن كانت معارضة في ذيلها باعتبار اختلاف النسختين المرويّتين بطريقين كما مرّ ، إلّا أنّ صدرها المشتمل على وجوب التصدّق عنه مكان كلّ يوم بمدّ فيما إذا كان له مال سليم عن المعارض ، لتطابق النسختين ، وثبوت ذلك على التقديرين ، فلا وجه لطرح الصحيحة بالنسبة إلى هذه الفقرة ، ومقتضى الصناعة الجمع بينها وبين نصوص القضاء بالالتزام بوجوب الأمرين معاً ، لعدم التنافي بينهما من هذه الجهة بوجه ، فيلتزم بوجوب القضاء عنه وبوجوب التصدّق بماله ، عملاً بكلا الدليلين ، كما كان يجب ذلك على الميّت نفسه حال حياته لفرض عدم استمرار مرضه ، لسلامته عن المعارض كما عرفت.

ولو لا أنّ هذا لم يعرف له قائل لكان القول به وجيهاً ، غير أنّ عدم التزام أحد به يوهن المصير إليه.

نعم ، هذا يوجب الاحتياط في المسألة ولو استحباباً كما ذكره في المتن ، فيتصدّق قبل القضاء مع رضاء الورثة ورعاية حقوق الصغار إن كانوا فيهم.

٢١٤

والمراد بالولي هو الولد الأكبر (١) وإن كان طفلاً أو مجنوناً حين الموت ، بل وإن كان حملاً.

______________________________________________________

(١) على الأشهر ، بل المشهور شهرة عظيمة ، وتدلّ عليه صحيحة حفص ابن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام «قال : يقضي عنه أولى الناس بميراثه» قلت : فإن كان أولى الناس به امرأة؟ «فقال : لا ، إلّا الرجال» (١).

بتقريبٍ قد تقدّم في كتاب الصلاة (٢) ، وملخّصه : أنّها ظاهرة في أنّ القاضي هو الأولى من جميع الناس بالميراث بقولٍ مطلق وعلى نحو القضية الحقيقيّة ، أي من كلّ من يفرض في الوجود ، سواء أكان موجوداً بالفعل أم معدوماً ، وهذا ينحصر مصداقه في الولد الأكبر ، فإنّه الأولى بميراث الميّت من جميع البشر ، حتّى ممّن هو في طبقته في الإرث ، كالأبوين ، فإنّ لكلّ واحد منهما السدس ، وكالبنات ، لأنّ للذكر مثل حظّ الأُنثيين ، وكسائر الأولاد الذكور ، لمكان اختصاص الأكبر بالحبوة ، بناءً على ما هو الصحيح من عدم احتسابها من الإرث ، فهو الأوفر نصيباً من الكلّ ، ولأجله كان هو الأولى بالميراث من جميع الناس بتمام معنى الكلمة.

ومنه تعرف أنّ الصحيحة لو كانت عارية من الذيل المتضمّن لنفي الانطباق على المرأة والاختصاص بالرجل لكانت بنفسها وافية لإثبات ذلك ، لما عرفت من أنّ سهم الذكر ضعف الأُنثى ، فكان هو الأولى بطبيعة الحال ، وإنّ لم يفهم حفص بنفسه ذلك ، ولأجله تصدّى للسؤال عن المرأة ، ولا ضير فيه فإنّ العبرة

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٣٠ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٥.

(٢) شرح العروة (كتاب الصلاة ٥) : ٢٠٠ ٢٠٤.

٢١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بروايته لا بدرايته كما لا يخفى.

ويدلّ عليه أيضاً قوله (عليه السلام) في موثّقة أبي بصير : «يقضيه أفضل أهل بيته» (١).

فإنّ الظاهر من إضافة الأفضل إلى أهل البيت أنّ المراد الأفضليّة من هذه الحيثيّة وبهذا العنوان أي بعنوان كونه من أهل البيت لا بلحاظ الضمائم الخارجيّة من العلم والتقى ونحوهما ، الذي قد ينطبق بهذا الاعتبار على الأبعد أو الولد الأصغر ، ومن المعلوم أنّ الأفضل بهذا العنوان خاصّ بالولد الأكبر ولا يعمّ غيره حتّى الأب ، لعدم كونه من أهل بيت الولد ، بل الولد من أهل بيت أبيه.

وتدلّ عليه أيضاً مكاتبة الصفّار ، حيث قال (عليه السلام) : «يقضي عنه أكبر وليّيه عشرة أيّام ولاءً إن شاء الله تعالى» (٢).

وإن كانت قابلة للمناقشة من حيث تضمّنها الولاء ، ولم يقل باعتبار التوالي أحد ، اللهمّ إلّا أن يحمل على الاستحباب ، ومن حيث كون السؤال عن الجواز لا الوجوب الذي لا إشكال في ثبوته في حتّى الأجنبي فضلاً عن أصغر الوليّين ، فكيف خصّ الجواز بالأكبر؟! فلا بدّ من ردّ علمها من هذه الجهة إلى أهلها.

وكيفما كان ، فالمكاتبة قابلة للمناقشة ، والعمدة ما عرفت من الصحيحة والموثّقة ولا سيّما الصحيحة حسبما عرفت.

ثمّ إنّ الماتن تعرض لجملة من الفروع المتعلّقة بالمقام في طيّ مسائل نتعرّض إليها وإن كان جلّها بل كلّها قد تقدّمت مستقصًى في كتاب الصلاة.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٣٢ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٣٠ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٣.

٢١٦

[٢٥٤١] مسألة ٢٠ : لو لم يكن للميّت ولد لم يجب القضاء على أحد من الورثة (١) ، وإن كان الأحوط قضاء أكبر الذكور من الأقارب عنه.

[٢٥٤٢] مسألة ٢١ : لو تعدّد الولي اشتركا (*) (٢) ، وإن تحمّل أحدهما كفى عن الآخر ، كما أنّه لو تبرّع أجنبي سقط عن الولي.

______________________________________________________

(١) لانتفاء الموضوع بعد ظهور الأدلّة في اختصاص الحكم بالولي المنحصر في الولد الأكبر ، ومثله ما لو كانت أولاده منحصرة في البنات حسبما ظهر ممّا مرّ.

(٢) تقدّم في مبحث الصلاة أنّ المستفاد من صحيحة حفص أنّ الولي هو طبيعي الأولى بالميراث ، وهو وإن كان منحصراً في الولد الأكبر كما مرّ ، إلّا أنّ هذا الطبيعي قابل للانطباق على الواحد والمتعدّد كمن ولد له ولدان في ساعة واحدة إمّا من زوجتين أو من زوجة واحدة كما في التوأمين ، فإنّ عنوان الولد الأكبر صادق حينئذٍ على كلّ منهما ، فيكون موضوع الحكم هو الطبيعي الجامع بينهما ، ونتيجة كون الوجوب كفائيّاً يشتركان فيه ، بمعنى : أنّه لو قام به أحدهما سقط عن الآخر ، ولو خالفا عوقبا معاً ، كما أنّه لو تبرّع الأجنبي سقط عنهما. وحينئذٍ فلو كان على الميّت صوم يوم واحد أو ثلاثة أيّام ونحوهما ممّا لا يقبل التكسير لعدم تبعّض الصوم ، كان هو واجباً على الجامع لأعلى خصوص كلّ منهما ، فإن قام به أحدهما سقط عن الآخر وإلّا أثما معاً كما عرفت.

__________________

(*) الظاهر أنّ الوجوب على النحو الكفائي كما تقدّم في الصلاة.

٢١٧

[٢٥٤٣] مسألة ٢٢ : يجوز للولي أن يستأجر من يصوم عن الميّت وأن يأتي به مباشرةً (١) ، وإذا استأجر ولم يأت به المؤجر أو أتى به باطلاً لم يسقط عن الولي.

______________________________________________________

(١) إمّا للقطع الخارجي بعدم الفرق ، إذ المقصود تفريغ ذمّة الميّت المتحقّق بكلّ منهما من غير خصوصيّة للفاعل ، وإمّا لأجل أنّ القطع وإن سلّمنا عدم حصوله ، ومقتضى الجمود على ظواهر النصوص اعتبار المباشرة ، إلّا أنّه تكفينا في التعدّي إلى التسبيب بالاستئجار أدلّة النيابة وصحّة التبرّع من الأجنبي إذ الكلام هنا بعد الفراغ عن تماميّة تلك الأدلّة حسبما تقدّم في محلّه بضميمة ما دلّ على جواز استئجار الغير واستنابته عن الميّت ، أخذاً بعموم أدلّة الإجارة بعد كون متعلّقها في المقام عملاً مشروعاً سائغاً حسب الفرض ، فإذا كان الاستئجار المزبور صحيحاً وأتى به الأجير خارجاً فقد سقط ما في ذمّة الميّت بطبيعة الحال ، وبتبعه يسقط الوجوب عن الولي ، لأن موضوعه بمقتضى صحيحة حفص : رجل يموت وعليه صلاة أو صيام ، وهذا ليس عليه صيام بعدئذٍ ، فيخرج عن موضوع تلك الصحيحة.

نعم ، يختصّ ذلك بما إذا أتى به المؤجر خارجاً ، وأمّا إذا لم يأت به أو أتى به باطلاً بحيث لم يتحقّق التفريغ لم يسقط عن الولي ، إذ لم يكن ذلك من قبيل الوجوب التخييري بين مجرّد الاستئجار وبين المباشرة ليسقط الثاني باختيار الأوّل ، بل الواجب معيّناً إنّما هو التفريغ وإبراء ذمّة الميّت ، والتسبيب بالاستئجار طريق إليه ، فإذا لم يتعقّب بفعل الأجير خارجاً فعلاً صحيحاً مستتبعاً للتفريغ كان وجوده كالعدم ولم يسقط التكليف عن الولي ، فلا بدّ له من التصدّي للتفريغ أمّا مباشرةً أو باستئجار شخص آخر كما هو ظاهر.

٢١٨

[٢٥٤٤] مسألة ٢٣ : إذا شك الولي في اشتغال ذمّة الميّت وعدمه لم يجب عليه شي‌ء (١) ، ولو علم به إجمالاً وتردّد بين الأقلّ والأكثر جاز له الاقتصار على الأقلّ.

[٢٥٤٥] مسألة ٢٤ : إذا أوصى الميّت باستئجار ما عليه من الصوم أو الصلاة سقط عن الولي بشرط أداء الأجير صحيحاً ، وإلّا وجب عليه (٢).

______________________________________________________

(١) لأصالة البراءة عن وجوب القضاء بعد الشك في تحقّق موضوعه الذي هو الفوت كما استظهرناه سابقاً إلحاقاً له بالصلاة أو الإفطار أو دخول شي‌ء في الجوف لدى المضمضة ، ونحو ذلك من العناوين الوجوديّة التي عُلِّق عليها عنوان القضاء في لسان الأدلّة ، وليس موضوعه عنواناً عدميّاً ليمكن إحرازه بالاستصحاب.

وبالجملة : الأمر بالصوم أداءً قد سقط بخروج الوقت يقيناً وتعلّق أمر جديد بالقضاء على تقدير الفوت ، وحيث إنّ التقدير مشكوك فالأمر به مدفوع بأصالة البراءة.

ومنه يظهر الحال فيما لو علم بالقضاء إجمالاً وتردّد بين الأقلّ والأكثر ، إذ الشكّ بالإضافة إلى الأكثر شكّ في أصل الفوت ، وقد عرفت أنّ المرجع فيه أصالة البراءة ، فلا جرم جاز له الاقتصار على الأقلّ كما ذكره في المتن.

(٢) إذ الإيصاء بنفسه لم يكن مسقطاً كالاستئجار حسبما عرفت في المسألة الثانية والعشرين ، وإن حكي القول به عن بعض ، لكنّه واضح الضعف ، بل العبرة بتفريغ الذمّة المنوط بأداء الأجير صحيحاً ، فبدونه يبقى تكليف الولي على حاله ، لبقاء موضوعه أعني اشتغال ذمّة الميّت إذ ليس هو من قبيل الحقوق القابلة للإسقاط ليسقط بالإيصاء ونحوه ، بل حكم شرعي لا مناص

٢١٩

[٢٥٤٦] مسألة ٢٥ : إنّما يجب على الولي قضاء ما علم اشتغال ذمّة الميّت به ، أو شهدت به البيّنة ، أو أقرّ به عند موته (*) (١).

وأمّا لو علم أنّه كان عليه القضاء وشكّ في إتيانه حال حياته أو بقاء شغل ذمّته (٢) فالظاهر عدم الوجوب عليه (**) باستصحاب بقائه.

______________________________________________________

من امتثاله كما هو ظاهر.

(١) لا إشكال في الوجوب مع العلم بالاشتغال أو قيام البيّنة ، وأمّا مع الإقرار به عند الموت ففي الثبوت به تأمّل ، بل منع ، إذ لا أثر له بالإضافة إلى المقرّ نفسه ، وإنّما يظهر الأثر في تعلّق التكليف بغيره وهو الولي ، ومن المعلوم أنّ الإقرار لا يكون نافذاً بالإضافة إلى الغير.

ولا يقاس ذلك بالإقرار على الدين ، فإنّه وإن استلزم حرمان الورثة عن التركة فيكون ذا أثر بالإضافة إلى الغير أيضاً ، إلّا أنّ ذلك من شؤون النفوذ على النفس ، لكونه ذا أثر بالنسبة إليه أيضاً ، كيف؟! وبعد الإقرار يطالَب بالدين ، فلو بقي حيّاً لطالبه المقرّ له ، وإذا ثبت الدين بموجب الإقرار فلا حقّ بعدئذٍ للورثة ، لأنّ الإرث بعد الدين بمقتضى قوله تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ) (١) ، ولا كذلك الإقرار بالقضاء ، لعدم مطالبته حينئذٍ بشي‌ء بعد أن لم يكن مورداً للدعوى مع أحد.

(٢) قد يعلم باشتغال ذمّة الميّت بالقضاء لدى موته ، وأُخرى يشكّ فيه.

__________________

(*) في ثبوت وجوب القضاء على الولي بإقراره إشكال ، بل منع ، إلّا إذا كان مفيداً للاطمئنان ، فإنّه عندئذٍ يثبت وجوب القضاء على الولي.

(**) لا يبعد الوجوب فيه ، بل هو الأظهر.

(٣) النساء ٤ : ١٢.

٢٢٠