موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢٥٣٣] مسألة ١٢ : إذا فاته شهر رمضان أو بعضه بمرض أو حيض أو نفاس ومات فيه لم يجب القضاء عنه (١) ، ولكن يستحبّ النيابة (*) عنه في أدائه ، والأولى أن يكون بقصد إهداء الثواب.

______________________________________________________

حتّى اختياراً ، كما أنّ صوم يوم الشكّ بنيّة شعبان يحسب من رمضان ، سواء أكان الانكشاف قبل الزوال أم بعده أم بعد الغروب ، بمقتضى النصوص.

(١) سواء أكان الموت في شهر رمضان أم بعده مع استمرار العذر بحيث لم يتمكّن من القضاء ، ويدلّ عليه في المريض عدّة من الروايات :

منها : صحيحة محمّد بن مسلم : عن رجل أدركه رمضان وهو مريض فتوفّي قبل أن يبرأ «قال : ليس عليه شي‌ء ولكن يُقضى عن الذي يبرأ ثمّ يموت قبل أن يقضي» (١).

وصحيحة منصور بن حازم : عن المريض في شهر رمضان فلا يصحّ حتّى يموت «قال : لا يقضى عنه» إلخ (٢).

وموثّقة سماعة : عن رجل دخل عليه شهر رمضان وهو مريض لا يقدر على الصيام فمات في شهر رمضان أو في شهر شوّال «قال : لا صيام عليه ولا يقضى عنه» إلخ (٣) ، وغيرها.

وفي الحائض والنفساء ذيل روايتي منصور وسماعة المتقدّمتين وغيرهما.

فالحكم في الجملة ممّا لا إشكال فيه.

__________________

(*) لم يثبت الاستحباب.

(١) الوسائل ١٠ : ٣٢٩ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٣٢ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٩ ، ١٠.

(٣) الوسائل ١٠ : ٣٣٢ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٩ ، ١٠.

١٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

إنّما الكلام في أنّ نفي القضاء هل هو لعدم الوجوب فلا مانع من استحباب النيابة عنه ، أو أنّه أمر غير مشروع؟

اختار الماتن الأوّل ، وأنّ الساقط إنّما هو الوجوب ، فيستحبّ القضاء عنه ، وإن كان الأولى أن يصوم عن نفسه ثمّ يهدي ثوابه إليه.

ولكن الظاهر من هذه الروايات سقوط القضاء رأساً وأنّ ذمّة الميّت غير مشغولة أصلاً ، وحاله حال المجنون والمغمى عليه ونحوهما ممّن لم يفت عنه شي‌ء ، لتفرّعه على التمكّن ولا تمكّن. فالسؤال والجواب ينظران إلى المشروعيّة ، وإلّا فاحتمال الوجوب منفي قطعاً إلّا بالنسبة إلى الولي وأنّه يقضي عن أبيه أو امّه على كلامٍ سيأتي ، وأمّا سائر الناس كما هو منصرف السؤال في هذه الأخبار فلم يكن ثمّة احتمال الوجوب كي تتكفّل الروايات لنفيه ، فهي ظاهرة في نفي المشروعية جزماً.

وتدلّ عليه صريحاً صحيحة أبي بصير : عن امرأة مرضت في شهر رمضان وماتت في شوّال فأوصتني أن أقضي عنها «قال : هل برئت من مرضها؟» قلت : لا ، ماتت فيه «قال : لا يُقضى عنها ، فإنّ الله لم يجعله عليها» قلت : فإنِّي أشتهي أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك «قال : كيف تقضي عنها شيئاً لم يجعله الله عليها؟! فإن اشتهيت أن تصوم لنفسك فصم» (١).

حيث علّل (عليه السلام) عدم القضاء بأنّ الله لم يجعله عليها ، وهو كالصريح في عدم المشروعيّة.

إذن فالفتوى بالاستحباب كما صنعه في المتن مشكلة جدّاً.

ومن المعلوم أنّ أدلّة النيابة والقضاء عن الغير أجنبيّة عن محلّ الكلام ، إذ

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٣٢ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٢.

١٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

هو فرع اشتغال ذمّة الغير وصدق الفوت عنه ليستناب ويُقضى عنه ، وإلّا فهل يمكن التمسّك بتلك الأدلّة لإثبات القضاء عن المجنون أو المغمى عليه؟! فحال المريض والحائض والنفساء العاجزين عن القضاء إلى أن عرض الموت حال هذين في عدم التكليف عليهم رأساً ، فلم يفت عنهم شي‌ء أصلاً ، ومعه كيف يُقضى ويؤتى بالعمل النيابي بداعي سقوط ما في ذمّة الغير الذي هو معنى النيابة ، فإنّه إذا لم يكن في ذمّته شي‌ء فكيف يقصد النيابة؟! نعم ، لا بأس بالصوم عن نفسه وإهداء الثواب إلى الميّت كما ذكره في المتن ، ويشير إليه ذيل الصحيحة المتقدّمة ، فلاحظ.

ثمّ إنّه يظهر من تخصيص عبارة المتن بالمريض والحائض والنفساء أنّ الحكم لا يعمّ المسافر فيُقضى عنه لو سافر في شهر رمضان ومات فيه أو بعده قبل أن يحضر بلده ، فيختصّ الاستثناء عمّا ذكره سابقاً من لزوم القضاء عمّن فاته الصوم بالطوائف الثلاث فحسب ، فلا يلحق بهم المسافر.

ولكن قد يقال بالإلحاق ، لروايتين :

إحداهما : مرسلة ابن بكير : في رجل يموت في شهر رمضان إلى أن قال : «فإن مرض فلم يصم شهر رمضان ثمّ صحّ بعد ذلك ولم يقضه ، ثمّ مرض فمات ، فعلى وليّه أن يقضي عنه ، لأنّه قد صحّ فلم يقض ووجب عليه» (١).

فإنّ تعليل القضاء بقوله : «لأنّه قد صح» ... إلخ ، يكشف عن أنّ مورده من كان متمكّناً منه فلم يقض ، فيستفاد منه سقوطه عمّن لم يكن متمكّناً منه ، فيعمّ المسافر الذي مات قبل أن يتمكّن من القضاء.

وفيه ما لا يخفى ، فإنّه حكم مختصّ بمورده وهو المريض ، فقسّمه إلى قسمين :

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٣٣ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٣.

١٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

قسم استمرّ به المرض فلا يُقضى عنه ، وقسم برئ منه وصحّ ولم يقض فمرض ومات فيُقضى عنه ، فلا وجه للتعدّي عن مورده إلى كلّ من تمكّن ولم يقض كالمسافر كما لا يخفى.

على أنّها ضعيفة السند بالإرسال ، فلا تصلح للاستدلال.

الثانية : صحيحة أبي بصير المتقدّمة ، فإنّ مقتضى عموم التعليل في قوله (عليه السلام) : «فإنّ الله لم يجعله عليها» أنّ كلّ من لم يجعل الله عليه ذلك ومنه المسافر لا يُقضى عنه.

ويندفع : بأنّه إنّما يتّجه لو كان مرجع الضمير في قوله (عليه السلام) : «لم يجعله» هو الصوم ، ولم يثبت ، بل لا يمكن المساعدة عليه ، للزوم تخصيص الأكثر ، فإنّ كثيراً ممّن لم يجعل الله الصوم عليه يجب عليه أو عنه القضاء كالحائض والنفساء والمريض والمسافر إذا تمكّنوا من القضاء ، فالظاهر أنّ مرجع الضمير هو القضاء ، ويستقيم المعنى حينئذٍ ، وهو أنّ كلّ من لم يجعل الله عليه القضاء فلا يُقضى عنه ، لأنّ القضاء عنه فرع ثبوت القضاء عليه ، والمريض لا قضاء عليه بمقتضى النصوص المتقدّمة ، وأمّا المسافر فلم يرد فيه مثل تلك النصوص ، بل مقتضى إطلاق الآية المباركة وجوب القضاء ، فإن تمكّن يأتي به مباشرةً ، وإلّا فيُقضى عنه.

ولو تنازلنا وسلمنا أنّ للروايتين إطلاقاً يعمّ المسافر فلا بدّ من رفع اليد عنه ، للروايات الدالّة على وجوب القضاء عن المسافر الذي مات في سفره ، وهي :

موثّقة محمّد بن مسلم : في امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل أن يخرج رمضان ، هل يُقضى عنها؟ «فقال : أمّا الطمث والمرض فلا ، وأمّا السفر فنعم» (١).

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٣٤ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٦.

١٨٤

[٢٥٣٤] مسألة ١٣ : إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لعذرٍ واستمرّ إلى رمضان آخر : فإن كان العذر هو المرض سقط قضاؤه على الأصحّ (١) ،

______________________________________________________

وصحيحة أبي حمزة الثمالي الثقة الجليل القدر الذي أدرك أربعة أو خمسة من الأئمّة (عليهم السلام) عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان ، هل يُقضى عنها؟ «قال : أمّا الطمث والمرض فلا ، وأمّا السفر فنعم» (١).

المؤيّدتان برواية منصور بن حازم : في الرجل يسافر في شهر رمضان فيموت «قال : يقضى عنه» إلخ (٢).

وهذه الأخيرة ضعيفة بمحمد بن الربيع ، فإنّه لم يوثّق ، فلا تصلح إلّا للتأييد.

(١) بل هو المعروف والمشهور بين المتأخّرين ، بل القدماء أيضاً ، فإنّ مقتضى إطلاق الآية المباركة وكذا الروايات المتكاثرة وإن كان هو القضاء سواء استمرّ المرض إلى رمضان آخر أم لا ، إلّا أنّه لا بدّ من الخروج عنها ، للروايات الكثيرة الدالّة على سقوط القضاء حينئذٍ والانتقال إلى الفداء ، التي لم يستبعد صاحب الجواهر بلوغها حدّ التواتر (٣) ، والروايات الواردة في المقام وإن كانت متعدّدة لكن دعوى التواتر فيها بعيدة.

وكيفما كان ، فمنها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) ، قال : سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتّى أدركه رمضان

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٣٠ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٤.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٣٤ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ١٥.

(٣) الجواهر ١٧ : ٢٤ ٢٥.

١٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

آخر «فقالا : إن كان برئ ثمّ توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه وتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على مسكين وعليه قضاؤه ، وإن كان لم يزل مريضاً حتّى أدركه رمضان آخر صام الذي أدركه وتصدّق عن الأوّل لكلّ يوم بمدّ على مسكين وليس عليه قضاؤه» (١).

وصحيحة زرارة : في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان ويخرج عنه وهو مريض ولا يصحّ حتّى يدركه شهر رمضان آخر «قال : يتصدّق عن الأوّل ويصوم الثاني» إلخ (٢) ، ونحوهما غيرهما كصحيحة علي بن جعفر (٣) وغيرهما.

وبهذه النصوص يخرج عن عموم الكتاب بناءً على ما هو الصحيح من جواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد ، وبناءً على كون هذه النصوص متواترة فلا إشكال ، لثبوت تخصيصه بالخبر المتواتر بلا كلام.

وبإزاء المشهور قولان آخران :

أحدهما : ما نُسب إلى ابن أبي عقيل وابن بابويه وغيرهما من وجوب القضاء دون الكفّارة (٤).

وليس له مستند ظاهر سوى رواية أبي الصباح الكناني ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل عليه من شهر رمضان طائفة ثمّ أدركه شهر رمضان قابل «قال : عليه أن يصوم وأن يطعم كلّ يوم مسكيناً ، فإن كان مريضاً فيما بين ذلك حتّى أدركه شهر رمضان قابل فليس عليه إلّا الصيام إن صحّ ، وإن تتابع المرض عليه فلم يصحّ فعليه أن يطعم لكلّ يوم مسكيناً» (٥).

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٣٥ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ١ ، ٢.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٣٥ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ١ ، ٢.

(٣) الوسائل ١٠ : ٣٣٨ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٩.

(٤) الجواهر ١٧ : ٢٥.

(٥) الوسائل ١٠ : ٣٣٦ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٣.

١٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

حيث قسّم (عليه السلام) المكلّف على ثلاثة أقسام : قسم يجب عليه القضاء والفداء وهو الذي ذكره أوّلاً ، وقسم يجب عليه القضاء خاصّة وهو الذي استمرّ به المرض إلى رمضان قابل ، وقسم يجب عليه الفداء فقط وهو الذي تتابع أي استمرّ به المرض سنين عديدة.

ففي القسم الثاني الذي هو محلّ الكلام حكم (عليه السلام) بالقضاء فقط.

وفيه أوّلاً : أنّها ضعيفة السند بمحمد بن فضيل الراوي عن الكناني ، فإنّه كما تقدّم مراراً مشترك بين الأزدي الضعيف والظبّي الثقة ، وكلّ منهما معروف وله كتاب ويروي عن الكناني وفي طبقة واحدة ، وقد حاول الأردبيلي في جامعه لإثبات أنّ المراد به محمّد بن القاسم بن الفضيل الثقة (١) ، وقد أسند إلى جدّه وأقام على ذلك شواهد لا تفيد الظنّ فضلاً عن العلم ، فإنّه أيضاً معروف كذينك الرجلين وفي طبقة واحدة ولا قرينة يُعبأ بها على إرادته بالخصوص.

وعلى الجملة : لا مدفع لاحتمال كون المراد به الأزدي ، وهذا وإن كان مذكوراً في أسناد كامل الزيارات بل قد أثنى عليه المفيد في رسالته العدديّة (٢) إلّا أنّه ضعّفه الشيخ صريحاً (٣).

وثانياً : أنّها قاصرة الدلالة ، لتوقّفها على أن يكون المراد من قوله : «فإن كان مريضاً» إلخ : استمرار المرض بين رمضانين ، وليس كذلك ، بل ظاهره إرادة المرض فيما بين ذلك ، أي في بعض أيّام السنة.

وأمّا المرض المستمرّ المستوعب لما بين رمضانين فهو الذي أُشير إليه أخيراً

__________________

(١) جامع الرواة ٢ : ١٧٧.

(٢) الرسالة العددية (ضمن مصنفات الشيخ المفيد ٩) : ٤٤.

(٣) رجال الطوسي : ٣٤٣ / ٥١٢٤.

١٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بقوله (عليه السلام) : «وإن تتابع المرض عليه» إلخ ، الذي هو مورد كلام المشهور ، وقد حكم (عليه السلام) حينئذٍ بالكفّارة كما عليه المشهور.

وكذا استدلّ صاحب المدارك بهذه الرواية لمذهب المشهور (١) ، فهي من أدلّتهم لا أنّها حجّة عليهم.

وكيفما كان ، فالعمدة ما عرفت من ضعف السند.

القول الثاني : ما نُسب إلى ابن الجنيد من وجوب القضاء والكفّارة معاً (٢).

وهذا لم يُعرف له أيّ مستند أصلاً.

نعم ، يمكن أن يستدلّ له بموثّقة سماعة ، قال : سألته عن رجل أدركه رمضان وعليه رمضان قبل ذلك لم يصمه «فقال : يتصدّق بدل كلّ يوم من الرمضان الذي كان عليه بمدّ من طعام ، وليصم هذا الذي أدركه ، فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه ، فإنّي كنت مريضاً فمرّ عليّ ثلاث رمضانات لم أصح فيهنّ ثمّ أدركت رمضاناً آخر فتصدّقت بدل كلّ يوم ممّا مضى بمدّ من طعام ، ثمّ عافاني الله تعالى وصمتهن» (٣).

حيث جمع (عليه السلام) بين قضاء الماضي بعد الإفطار عن الحالي وبين الصدقة.

وقد حملها الشيخ (قدس سره) على استحباب القضاء (٤) ، جمعاً بينها وبين صحيحة عبد الله بن سنان الظاهرة في الاستحباب «قال : من أفطر شيئاً من

__________________

(١) المدارك ٦ : ٢١٣ ٢١٤.

(٢) لاحظ الجواهر ١٧ : ٢٦.

(٣) الوسائل ١٠ : ٣٣٦ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٥.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٥٢ ، الاستبصار ٢ : ١١٢.

١٨٨

وكفّر عن كلّ يوم بمدّ ، والأحوط مدّان (١).

______________________________________________________

رمضان في عذر ثمّ أدرك رمضان آخر وهو مريض فليتصدّق بمدّ لكلّ يوم ، فأمّا أنا فإنّي صمت وتصدّقت» (١).

ولا بأس بما ذكره ، بل الأمر كذلك حتّى مع الغضّ عن هذه الصحيحة ، للتصريح بنفي القضاء في الروايات المتقدّمة ، ولا سيّما صحيحة محمّد بن مسلم (٢) ، فهي محمولة على الاستحباب ، سواء أكانت صحيحة ابن سنان موجودة أم لا.

فتحصّل : أنّ هذين القولين ساقطان ، والصحيح ما عليه المشهور من سقوط القضاء والانتقال إلى الفداء ، وبذلك يخصَّص عموم الكتاب حسبما عرفت.

(١) قد عرفت سقوط القضاء والانتقال إلى الفداء.

وأمّا تحديده فالمذكور في النصوص مدّ عن كلّ يوم.

وأمّا المدّان فلم يرد في شي‌ء من الأخبار ، فليس له مستند ظاهر.

نعم ، حكي ذلك عن بعض نسخ موثّقة سماعة المتقدّمة ، لكنّه معارض بنسخ اخرى مصحّحة مشتملة على لفظة المدّ كما في الوسائل والتهذيب والاستبصار ، فلا يبعد أن تكون نسخة المدّين اشتباهاً من النسّاخ كما استظهره في الجواهر (٣) ، على أنّه لا يلتئم حينئذٍ مع رسم «طعام» بالجرّ ، فإنّ اللّازم حينئذٍ نصبه على التمييز بأن يرسم هكذا «طعاماً» ، اللهمّ إلّا أن يكون مشتملاً على كلمة «من» ، أي مدّين من طعام ، كما عن بعض النسخ.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٣٦ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٤.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٣٥ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ١.

(٣) الجواهر ١٧ : ٣٣.

١٨٩

ولا يجزئ القضاء عن التكفير (١). نعم ، الأحوط الجمع بينهما (٢).

وإن كان العذر غير المرض كالسفر ونحوه فالأقوى وجوب القضاء (٣) ، وإن كان الأحوط الجمع بينه وبين المدّ (*).

______________________________________________________

وكيفما كان ، فنسخة المدّين لم تثبت ، وعلى تقدير الثبوت فهي معارضة بالروايات الكثيرة المشتملة على كلمة «مد» حسبما عرفت ، فيكون ذلك من الدوران في التحديد بين الأقلّ والأكثر ، ومقتضى الصناعة حينئذٍ حمل الزائد على الاستحباب كما لا يخفى ، فيكون الواجب مدّاً واحداً والزائد عليه فضل.

(١) لظهور الأمر بالكفّارة الوارد في النصوص في التعيين وأنّ وظيفة القضاء انقلبت إلى الفداء فلا مجال للإجزاء.

وعن العلّامة في التحرير : الاجتزاء بها (١) ، وكأنّه لحمل الفدية على البدل الترخيصي ، وهو كما ترى مخالف لظواهر النصوص كما عرفت.

(٢) خروجاً عن خلاف ابن الجنيد القائل بذلك كما تقدّم.

(٣) فلا يلحق بالمرض في الانتقال إلى الفداء ، عملاً بإطلاقات الكتاب والسنّة الدالّة على وجوب القضاء ، المقتصر في تقييدها على خصوص المرض ، لورود النصوص فيه.

وأمّا السفر فلم يرد فيه أيّ نص ، عدا ما رواه الصدوق في العلل وفي العيون بإسناده عن الفضل ابن شاذان عن الرضا (عليه السلام) ، في حديث طويل قال فيه : «... إن قال : فَلِمَ إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج

__________________

(*) لا يترك الاحتياط فيه وفيما بعده.

(١) التحرير ١ : ٨٣.

١٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

من سفره أو لم يقو من مرضه حتّى يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للأوّل وسقط القضاء ، وإذا أفاق بينهما أو أقام ولم يقضه وجب عليه القضاء والفداء؟ قيل ...» إلخ (١).

وهذه الرواية وإن كانت صريحة الدلالة في إلحاق السفر بالمرض ، إلّا أنّ الشأن في سندها ، فقد وصفها في الجواهر بالصحّة ، وأنّها حاوية في نفسها لشرائط الحجّيّة ، غير أنّها ساقطة عنها من أجل هجر الأصحاب لها وإعراضهم عنها (٢) ، إذ الظاهر أنّه لم يقل بمضمونها أحد منّا ، فهي متروكة مهجورة ، ولولاها لكانت موصوفة بالحجّيّة. وتبعه على ذلك بعضهم.

أقول : لا أدري كيف وصفها (قدس سره) بذلك مع أنّ الرواية ضعيفة السند جدّاً حتّى مع الغضّ عن الهجر؟! فإنّ للشيخ الصدوق إلى الفضل بن شاذان طريقين : أحدهما ما يرويه الفضل عن الرضا (عليه السلام) ، والآخر ما يرويه من جوابه (عليه السلام) لمكاتبات المأمون.

أمّا الأوّل : فهو يرويه عن عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس ، عن علي بن محمّد بن قتيبة ، عن الفضل بن شاذان.

أمّا عبد الواحد : فهو غير مذكور بتوثيق ولا مدح إلّا أنّه شيخ الصدوق ، وقد تقدّم غير مرّة أن مجرّد كون الرجل من المشيخة لا يقتضي التوثيق ، ولم يلتزم الصدوق بأن لا يروي إلّا عن الثقة ، بل كان يسير في البلاد ولم يكن همّه إلّا جمع الروايات وضبط كلّ ما سمع من أي محدّث كان ، كيف؟! وفي مشايخه

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٣٧ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٨ ، علل الشرائع : ٢٧١ / ٩ ، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ٢ : ١١٧ / ١.

(٢) الجواهر ١٧ : ٣٢.

١٩١

وكذا إن كان سبب الفوت هو المرض وكان العذر في التأخير غيره مستمرّاً من حين بُرئه إلى رمضان آخر (١) أو العكس ، فإنّه يجب القضاء أيضاً في هاتين الصورتين على الأقوى ، والأحوط الجمع خصوصاً في الثانية.

______________________________________________________

من نصّ على نصبه قائلاً : لم أرَ أنصب منه ، حيث كان يصلّى على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) منفرداً بقيد الانفراد ، رفضاً منه للآل عليهم صلوات الملك المتعال آناء الليل وأطراف النهار.

وأمّا ابن قتيبة : فهو أيضاً لم يصرّح فيه بالتوثيق. نعم ، هو من مشايخ الكشّي ، وقد عرفت آنفاً أنّ هذا بمجرّده لا يقتضي التوثيق ولا سيّما وأنّ الكشّي يروى عن الضعفاء كثيراً كما نصّ عليه النجاشي عند ترجمته بعد الثناء عليه (١).

وأمّا الثاني : ففي طريقه جعفر بن علي بن شاذان ، عن عمّه محمّد بن شاذان ، وجعفر هذا لم يوثّق ، بل لم يذكر في كتب الرجال ولم تعهد له رواية ما عدا وقوعه في هذا الطريق.

فتحصّل : أنّ الرواية من ضعف السند بمكان ، ومعه كيف توصف بالصحّة واستجماعها شرائط الحجّيّة؟! وإنّما العصمة لأهلها.

وكيفما كان ، فإلحاق السفر بالمرض غير ثابت ، لعدم الدليل عليه بوجه ، بل مقتضى الإطلاقات هو العدم كما تقدّم.

(١) قد علم ممّا ذكرنا أنّه لو كان سبب الفوت والإفطار هو المرض وكان العذر المستمرّ الموجب للتأخير من لدن برئه إلى حلول رمضان آخر غيره من

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٧٢ / ١٠١٨.

١٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

السفر ونحوه ، وجب القضاء حينئذٍ أيضاً ، إذ النصوص الواردة في المرض المقيّدة للإطلاقات موردها ما لو استمرّ به المرض إلى رمضان قابل ، فلا يشمل غير المستمرّ وإن أفطر ، استناداً إلى أمر آخر ، بل يبقى ذلك تحت الإطلاق.

وأمّا لو انعكس الفرض بأن كان سبب الإفطار هو السفر ، وسبب التأخير استمرار المرض بين رمضانين ، فالظاهر سقوط القضاء حينئذٍ والانتقال إلى الفداء ، فإنّ النصوص المتقدّمة من صحاح محمّد بن مسلم وزرارة وعلي بن جعفر وإن لم تشمل هذه الصورة إذ موردها ما إذا كان العذر هو المرض حدوثاً وبقاءً ، فلا تشمل ما لو كان الاستمرار مستنداً إليه دون الإفطار ، ولعلّ في سببيّته للإفطار مدخلاً للحكم ولكن إطلاق صحيحة عبد الله بن سنان غير قاصر الشمول للمقام ، فقد روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : من أفطر شيئاً من رمضان في عذر ثمّ أدرك رمضان آخر وهو مريض فليتصدّق بمدّ لكلّ يوم ، فأمّا أنا فإنّي صمت وتصدّقت» (١).

فإنّ العذر يعمّ المرض وغيره بمقتضى الإطلاق ، كما أنّ ظاهرها ولو بمعونة عدم التعرّض لحصول البرء في البين استمرار المرض بين الرمضانين. ومع الغضّ والتنزّل عن هذا الاستظهار فغايته الإطلاق لصورتي استمرار المرض وعدمه ، فيقيّد بما دلّ على وجوب القضاء لدى عدم الاستمرار ، فلا جرم تكون الصحيحة محمولة بعد التقييد على صورة الاستمرار.

فإن قلت : إطلاق الصحيحة من حيث شمول العذر للسفر وغيره معارَض بإطلاق الآية المباركة الدالّة على وجوب القضاء على المسافر ، سواء استمرّ به المرض إلى رمضان قابل أم لا ، فكيف يمكن الاستناد إليها؟!

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٣٦ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٤.

١٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

قلت : كلّا ، لا معارضة بينهما وإن كانت النسبة بين الإطلاقين عموماً من وجه ، إذ الصحيحة ناظرة إلى الآية المباركة ، فهي حاكمة عليها شارحة للمراد منها ، لا من قبيل الحكومة المصطلحة ، بل بمعنى صلاحيّتها للقرينيّة بحيث لو اجتمعا في كلام واحد لم يبق العرف متحيّراً في المراد.

فلو فرضنا أنّ الصحيحة كانت جزء من الآية المباركة بأن كانت هكذا : فإن كنتم مرضى أو على سفر فعدّة من أيّام أُخر ، ومن كان معذوراً فأفطر استمر به المرض إلى رمضان آخر فليتصدق. لم يتوهّم العرف أيّة معارضة بين الصدر والذيل ، بل جعل الثاني قرينة للمراد من الأول ، وأنّ وجوب القضاء خاصّ بغير المعذور الذي استمرّ به المرض ، أمّا هو فعليه الفداء ليس إلّا.

وهذا هو المناط الكلّي في تشخيص الحكومة وافتراقها عن باب المعارضة كما نبّهنا عليه في بعض مباحثنا الأُصوليّة (١) ، فإذا لم يكن تعارض لدى الاتّصال وفي صورة الانضمام لم يكن مع الانفصال أيضاً. هذا أوّلاً.

وثانياً : لو سلّمنا المعارضة فإنّما هي بالإطلاق المتحصّل من جريان مقدّمات الحكمة لا في الدلالة الوضعيّة. وقد ذكرنا في محلّه (٢) أنّ في تعارض الإطلاقين بالعموم من وجه يحكم بالتساقط ولا يرجع إلى المرجّحات من موافقة الكتاب ونحوه ، لكون موردها ما إذا كانت المعارضة بين نفس الدليلين لا بين الإطلاقين ، بل المرجع بعد التساقط أمر آخر من عموم أو أصل ، ومقتضى الأصل في المقام البراءة عن القضاء الذي هو بأمر جديد مدفوع بالأصل لدى الشكّ فيه ، إذ ليس لدينا عموم يدلّ على القضاء عدا ما سقط بالمعارضة المفروضة ، ولكن يحكم بوجوب الفداء استناداً إلى عموم موثّقة سماعة الآتية.

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٢٤٨ ٢٥٠.

(٢) مصباح الأُصول ٣ : ٤٢٩ ٤٣٠.

١٩٤

[٢٥٣٥] مسألة ١٤ : إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر بل كان متعمّداً في الترك (١) ولم يأت بالقضاء إلى رمضان آخر ، وجب عليه الجمع بين الكفّارة والقضاء بعد الشهر.

وكذا إن فاته لعذر ولم يستمرّ ذلك العذر بل ارتفع في أثناء السنة ولم يأت به إلى رمضان آخر متعمّداً وعازماً على الترك أو متسامحاً واتّفق العذر عند الضيق ، فإنّه يجب حينئذٍ أيضاً الجمع.

وأمّا إن كان عازماً على القضاء بعد ارتفاع العذر فاتّفق العذر عند الضيق فلا يبعد كفاية القضاء (*) ، لكن لا يترك الاحتياط بالجمع أيضاً.

ولا فرق فيما ذكر بين كون العذر هو المرض أو غيره.

______________________________________________________

(١) تعرّض (قدس سره) في هذه المسألة لحكم من لم يستمرّ به العذر ، بل ارتفع أثناء السنة ولم يأت بالقضاء إلى رمضان آخر ، وقسّمه إلى ثلاثة أقسام :

إذ تارةً : يكون عازماً على الترك إمّا عصياناً ، أو لبنائه على التوسعة في أمر القضاء وعدم المضايقة.

واخرى : يكون متسامحاً لا عازماً على الفعل ولا على الترك واتّفق العذر عند الضيق.

وثالثةً : يكون عازماً على القضاء بعد ارتفاع العذر ، فاتّفق العذر عند الضيق.

أمّا في القسمين الأولين : فلا إشكال في وجوب الجمع بين القضاء والكفّارة ، لصحيحة محمّد بن مسلم : «... إن كان برئ ثمّ توانى قبل أن يدركه الرمضان

__________________

(*) لا يخلو من إشكال ، بل لا يبعد وجوب الفدية أيضاً.

١٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الآخر صام الذي أدركه وتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على مسكين وعليه قضاؤه» إلخ (١).

وصحيحة زرارة : «... فإن كان صحّ فيما بينهما ولم يصم حتّى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعاً ويتصدّق عن الأوّل» (٢) ، المؤيّدتين برواية أبي بصير (٣).

وأمّا في القسم الثالث : فلم يستبعد في المتن الاكتفاء بالقضاء ، فكأنّه استفاد من الأدلّة أنّ الموضوع للفداء والموجب له هو التسامح وعدم المبالاة بالقضاء والتهاون فيه ، كما صرّح بالأخير في رواية أبي بصير : «... فإن تهاون فيه وقد صحّ فعليه الصدقة والصيام جميعاً» إلخ (٤) ، لا مجرّد الترك. ومن الواضح عدم صدق ذلك مع العزم على القضاء.

وفيه أوّلاً : أنّ رواية أبي بصير ضعيفة السند بالراوي عنه ، وهو قائده علي ابن أبي حمزة البطائني ، فقد ضعّفه الشيخ صريحاً وأنّه كذّاب أكل من مال موسى (عليه السلام) الشي‌ء الكثير ، ووضع أحاديث في عدم موته (عليه السلام) ليتمكّن من التصرّف في أمواله (عليه السلام) (٥).

وثانياً : بقصور الدلالة ، فإنّ التهاون بمعنى التأخير في مقابل الاستعجال المجامع مع العزم على الفعل فاتّفق العذر ، فلا يدلّ بوجه على عدم المبالاة فضلاً عن العزم على الترك.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٣٥ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ١ ، ٢.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٣٥ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ١ ، ٢.

(٣) الوسائل ١٠ : ٣٣٧ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٦.

(٤) الوسائل ١٠ : ٣٣٧ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٦.

(٥) كتاب الغيبة : ٧٠.

١٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

على أنّ صحيحة ابن مسلم ظاهرة في الإطلاق ، لقوله (عليه السلام) : «إن كان برئ ثمّ توانى» إلخ ، فإنّ التواني ظاهر في التأخير في قبال المبادرة ، وهذا كما يجتمع مع العزم على الترك أو التردّد يجتمع مع العزم على الفعل أيضاً بالضرورة ، فمفاد الصحيحة أنّه إن كان قد استمرّ به المرض ليس عليه حينئذٍ إلّا الفداء ، وإلّا بأن برئ وأخّر فالقضاء أيضاً بأيّ داعٍ كان التأخير ولو لأجل سعة الوقت مع عزمه على الفعل.

ولو فرضنا إجمال هذه الصحيحة فتكفينا صحيحة زرارة ، فإنّها صريحة في أنّ الموضوع للحكم المزبور أعني : القضاء والفداء معاً مجرّد عدم الصوم ، قال (عليه السلام) : «فإن كان صحّ فيما بينهما ولم يصم حتّى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعاً وتصدّق عن الأوّل» (١).

ونحوها في صراحة الدلالة على الإطلاق وأنّ المناط في الحكم مجرّد عدم الصوم موثّقة سماعة : عن رجل أدركه رمضان وعليه رمضان آخر قبل ذلك لم يصمه «فقال : يتصدّق بدل كلّ يوم من الرمضان الذي كان عليه بمدّ من طعام ، وليصم هذا الذي أدركه ، فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه» إلخ (٢).

دلّت على وجوب الجمع بين القضاء والفداء مطلقاً ، خرج عنها صورة واحدة وهي ما لو استمرّ المرض فإنّه لا يجب حينئذٍ إلّا الفداء فقط بمقتضى النصوص المتقدّمة ، فيبقى الباقي تحت الإطلاق ، وأنّ مجرّد عدم الصوم لدى عدم الاستمرار موجب للقضاء والكفارة ، سواء أكان عازماً على الترك أم متردّداً أم عازماً على الفعل حسبما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٣٥ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٢ ، وقد تقدّمت قريباً.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٣٦ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٥ ح ٥.

١٩٧

فتحصّل ممّا ذكر في هذه المسألة وسابقتها (١) : أنّ تأخير القضاء إلى رمضان آخر إمّا يوجب الكفّارة فقط وهي الصورة الأُولى المذكورة في المسألة السابقة ، وإمّا يوجب القضاء فقط وهي بقيّة الصور المذكورة فيها ، وإمّا يوجب الجمع بينهما وهي الصور المذكورة في هذه المسألة.

نعم ، الأحوط الجمع في الصور المذكورة في السابقة أيضاً كما عرفت.

[٢٥٣٦] مسألة ١٥ : إذا استمرّ المرض إلى ثلاث سنين (٢) يعني : الرمضان الثالث وجبت كفّارة للأُولى وكفّارة اخرى للثانية ، ويجب عليه القضاء للثالثة إذا استمرّ إلى آخرها ثمّ برئ.

______________________________________________________

(١) بل قد تحصّل ممّا ذكرناه فيهما أنّ تأخير القضاء إلى رمضان آخر يوجب الجمع بين القضاء والفداء ، ما عدا صورة واحدة وهي ما لو كان العذر استمرار المرض سواء أكان الفوت لأجل المرض أم السفر على الأظهر حسبما عرفت مستقصًى ، فلاحظ.

(٢) المستفاد من ظواهر الأدلّة أنّ تأخير القضاء عن السنة الاولى لا يوجب إلّا كفارة واحدة ، سواء أصام في السنة الثانية أم أخّر القضاء سنين عديدة ، بمقتضى الإطلاق ، فلا تتكرّر الكفّارة بتكرّر السنين وإن نُسب ذلك إلى العلّامة في بعض كتبه وإلى الشيخ في المبسوط (١) ، ولكن لا دليل عليه.

نعم ، لو استمرّ به المرض في السنة الثانية أيضاً فحيث إنّه حدث حينئذٍ موجب جديد الكفّارة وجبت عليه كفّارة أُخرى ، ولو استمرّ في الثالثة فكذلك ، وهكذا فيجري على كلّ سنة حكمها.

__________________

(١) التذكرة ٦ : ١٧٣ ، المبسوط ١ : ١٨٦.

١٩٨

وإذا استمرّ إلى أربع سنين وجبت للثالثة أيضاً ويقضي للرابعة إذا استمرّ إلى آخرها ، أي الرمضان الرابع.

وأمّا إذا أخّر قضاء السنة الاولى إلى سنين عديدة فلا تتكرّر الكفّارة بتكرّرها ، بل تكفيه كفارة واحدة.

[٢٥٣٧] مسألة ١٦ : يجوز إعطاء كفّارة أيّام عديدة من رمضان واحد أو أزيد لفقير واحد (١) ، فلا يجب إعطاء كلّ فقير مدّاً واحداً ليوم واحد.

______________________________________________________

وعلى الجملة : مجرّد تكرّر السنة لا يستوجب تكرّر الكفّارة ما لم يتكرّر السبب أعني : استمرار المرض في تمام السنة فإن حدث هذا مكرّراً تكرّرت الكفارة بعدده وإلّا فلا ، وهذا ظاهر.

(١) بمقتضى إطلاق الأدلّة ، فإنّ الواجب الإعطاء عن كلّ يوم مدّاً للفقير الصادق هذا الطبيعي على الواحد والكثير ، فيجوز إعطاء ثلاثين مدّاً عن ثلاثين يوماً لفقير واحد ، إذ لم يشترط في الكفّارة عن اليوم الثاني الإعطاء لفقير آخر ، ولا يقاس هذا أي كفّارة التأخير على كفارة الإفطار متعمّداً في شهر رمضان ، لأنّ الواجب هناك إطعام ستّين مسكيناً لكلّ مدّ غير المنطبق على المسكين الواحد ، فإنّه إطعام لمسكين واحد ستّين مرّة لا إطعام لستّين مسكيناً ، ولا دليل على الاجتزاء بذلك ، فالعدد في المقام وصف للكفّارة تبعاً للأيام ، وهناك وصف للفقير ، ولأجله افترق المقامان فيكفي الواحد هنا ولا يكفى هناك.

١٩٩

[٢٥٣٨] مسألة ١٧ : لا تجب كفّارة العبد على سيِّده (١) من غير فرق بين كفّارة التأخير وكفّارة الإفطار ، ففي الاولى إن كان له مال وأذن له السيِّد أعطى من ماله وإلّا استغفر بدلاً عنها ، وفي كفّارة الإفطار يجب عليه اختيار صوم شهرين مع عدم المال والإذن من السيِّد ، وإن عجز فصوم ثمانية عشر يوماً (*) ، وإن عجز فالاستغفار.

______________________________________________________

(١) لعدم الدليل بعد عدم كونه من النفقة الواجبة ومقتضى الأصل لعدم.

نعم ، لو كان للعبد مال أعطى من ماله بشرط إذن السيّد ، فإنّ العبد وإن كان يملك على الأصحّ إلّا أنّه محجور عليه وأنّ مولاه مالك له ولماله ، فإنّه عبد مملوك لا يقدر على شي‌ء ، فهو وماله تحت سيطرة المولى وسلطانه ، ولا يكون شي‌ء من تصرّفاته نافذاً بدون إذنه ، ومن ثمّ لا يكون إقراره مسموعاً فيما يرجع إلى الأموال ، حيث إنّه يؤول إلى الدعوى على المولى ، فلو اعترف بقتل خطأ شبه عمد محكوم عليه بالدية أو بإتلافٍ يستتبع الضمان أو بدين لا يسمع شي‌ء من ذلك ويتبع به إلى ما بعد العتق.

وكذا الحال في كفّارة الإفطار ، فإنّه يجب عليه صوم شهرين مع عدم المال ، أو عدم الإذن من السيّد.

هذا فيما إذا لم يكن صومه منافياً لحق المولى.

وأمّا مع التنافي أو العجز عن ذلك ، فقد ذكر في المتن أنّه يصوم بدله ثمانية عشر يوماً ، وإن عجز فالاستغفار.

وقد تقدّم الكلام في كبرى هذه المسألة ، وقلنا : إنّه لا دليل على الانتقال إلى

__________________

(*) الأحوط اختيار التصدّق وضمّ الاستغفار إليه.

٢٠٠