موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : سقوط التكليف عنه رأساً ، لكون التكاليف متوجّهة بحكم الانصراف إلى الساكنين في البلدان المتعارفة.

الثالث : سقوط الصوم خاصّة ، لانعدام الموضوع أعني : شهر رمضان فإنّه إنّما يتحقّق فيما إذا كانت السنة اثني عشر شهراً لا في مثل هذا المكان الذي كلّها فيه يوم واحد.

وأمّا بالنسبة إلى الصلاة فيصلّى في مجموع السنة مرّة واحدة ، فيصلّي الفجر ما بين الطلوعين الذي عرفت أنّه يقرب من عشرين يوماً ، والظهرين في النهار بعد الزوال ، والعشاءين في الليل.

واحتمل رابعاً : أن يكون تابعاً للبلد الذي كان متوطّناً فيه سابقاً إن كان له بلد سابق.

هذا ، وقد يقال : إنّه لا يتصوّر الدلوك في حقّ هذا الشخص أبداً ، فلا يمكن تكليفه بصلاتي الظهرين المقيّدتين بهذا الوقت ، فإنّه عبارة عن زوال الشمس عن دائرة نصف النهار وميلها بعد نهاية الارتفاع إلى جهة المغرب. وهذا إنّما يتحقّق في حقّ من يفرض له مثل هذه الدائرة ، وأمّا من كانت هذه الدائرة افقاً له وكانت حركة الشمس رحويّة بالإضافة إليه حسبما عرفت فلا يتصوّر الدلوك والزوال بالنسبة إليه بوجه ، بل يقتصر في صلاته على الفجر والعشاءين.

ويمكن الجواب أوّلاً : بأنّ المراد من الدلوك : وسط النهار ، كما صرّح به في صحيحة حمّاد الواردة في تفسير الصلاة الوسطى من أنّ المراد بها صلاة الظهر التي هي في وسط النهار ، أو باعتبار توسّطها بين الفجر والعصر (١). ولا شك في تحقّق الدلوك بهذا المعنى بالإضافة إليه ، ضرورة انّا لو قسّمنا نهاره إلى قسمين

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٠ / أبواب أعداد الفرائض ب ٢ ح ١.

١٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

فبعد مضيّ النصف الأوّل وهو ثلاثة أشهر يتحقّق وسط النهار بطبيعة الحال ، ويفرض معه الزوال المأخوذ موضوعاً لوجوب الظهرين.

وثانياً : بالالتزام بتحقّق الدلوك في المقام أيضاً حتّى بمعناه المعهود ، إذ لا يعتبر فيه زوال الشمس عن قمّة الرأس وميلها عن كبد السماء ، لعدم نهوض أيّ دليل عليه من رواية أو غيرها ، بل معنى الدلوك : أخذ الشمس في الهبوط والاقتراب من الأُفق بعد نهاية الارتفاع والابتعاد عنه.

وهذا كما ترى معنى عام يجتمع مع الحركة الرحويّة كغيرها ، إذ فيها أيضاً تقترب من الأُفق بعد انتهاء البعد كالنزول من الجبل بعد الصعود عليه ، وإن لم يكن زواله عن قمّة الرأس كما هو موجود عندنا.

وكيفما كان ، فلا تمكن المساعدة على شي‌ء من الوجوه الأربعة التي احتملها في المتن ، لخروجها بأجمعها عن مقتضى الصناعة.

أمّا التبعيّة للبلدان المتعارفة المتوسطة فلا مقتضي لها بعد التصريح في جملة من الروايات بقوله (عليه السلام) : «إنّما عليك مشرقك ومغربك» (١) فلا عبرة بمشرق بلد آخر ولا بمغربه ، كما لا اعتبار بفجره ولا بزواله.

ومنه يظهر ضعف التبعيّة للبلد الذي كان يسكن فيه ، إذ لا عبرة به بعد الانتقال إلى بلد آخر له مشرق ومغرب آخر ، ولا سيّما وقد تبدّل طبعاً تكليفه في الطريق بمشرق ومغرب آخر ، فما هو الموجب بعدئذٍ للرجوع إلى مشرق بلده ومغربه؟!

وأمّا احتمال سقوط الصوم وحده أو هو مع الصلوات فهو أيضاً منافٍ لإطلاقات الأدلّة من الكتاب والسنّة الناطقة بوجوب الصلاة وكذلك الصيام

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٩٨ / أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ٢.

١٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

لكافّة الأنام عدا ما استثني من المسافر والمريض ونحوهما غير المنطبق على المقام ، قال سبحانه وتعالى (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) (١) ، وقال سبحانه (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ*) (٢) ، وقال تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) إلخ (٣) ، وقال تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (٤).

والنصوص المتواترة قد أطبقت على وجوبهما على سبيل الإطلاق وعلى كلّ مكلّف ، كحديث بناء الإسلام على الخمس (٥) ، وأنّ الصلاة بمنزلة الروح ، وأنّ من صلّى خمساً كمن غسل بدنه في كلّ يوم خمساً لا يبقى فيه شي‌ء من القذارات.

والحاصل : أنّ وجوبهما على كلّ أحد في كلّ وقت بحيث لا يسعه التفويت والتضييع بوجه من الوجوه أمرٌ مقطوع به لا تكاد تختلجه شائبة الإشكال.

ومن البيّن أنّ المكث والبقاء في أحد القطبين الخاليين عن ليل ونهار متعارف من أحد موجبات التضييع والتفويت ، إذ لا تتيسّر معه الصلاة والصيام على النهج المقرّر شرعاً بعد عدم الدليل على التبعيّة لسائر البلدان المتعارفة حسبما عرفت.

ومنه تعرف أنّ مقتضى الصناعة حرمة البقاء في تلك المواطن ووجوب الهجرة إلى المناطق المتعارفة مقدّمةً للإتيان بتلك الواجبات وعدم الإخلال بها.

__________________

(١) النساء ٤ : ١٠٣.

(٢) المائدة ٥ : ٥٥ ، الأنفال ٨ : ٣ ، النمل ٢٧ : ٣ ، لقمان ٣١ : ٤.

(٣) البقرة ٢ : ١٨٣.

(٤) البقرة ٢ : ١٨٥.

(٥) الوسائل ١ : ٢٣ / أبواب مقدّمات العبادة ب ١ ح ٢٤.

١٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ونظير ذلك ركوب طائرة تعادل سرعتها سرعة حركة الأرض أي تسير حولها في أربع وعشرين ساعة وكانت متّجهة من الشرق إلى الغرب ، فإنّ مثل هذا المسافر لا يزال في حالة واحدة لا يرى طلوعاً للشمس ولا غروباً لها ، فلو كان الإقلاع بعد ساعة من طلوع الشمس واستمرّ السير شهراً مثلاً فالوقت عنده دائماً هو ساعة بعد طلوع الشمس لا يشاهد زوالاً ولا غروباً ولا فجراً ، فلا جرم تفوته الصلوات في أوقاتها كما لا يتمكّن من أداء الصوم.

ومن ثمّ يحرم عليه مثل هذا السفر المستلزم لتفويت الفريضة وعدم التمكّن من أدائها.

ونظيره أيضاً السفر إلى كرة القمر التي يكون كلّ من نهارها وليلها خمسة عشر يوماً ويكون مجموع الشهر فيها يوماً وليلة ، فلا يتيسّر الصوم ولا الصلوات الخمس في أوقاتها.

وعلى الجملة : بعد ما علمنا من الخارج أنّ الصلاة والصيام من أركان الدين ولا يسوغ تركهما في أيّ وقت وحين ، والتبعيّة لُافقٍ آخر ليس عليها برهان مبين ، إذن لم يكن بدّ لهؤلاء الأشخاص من الامتناع عن السفر إلى هذه المناطق والهجرة عنها لو كانوا فيها ، إذ لا يجوز لهم تفويت الفريضة اختياراً.

ولو فرض الاضطرار إلى السكنى في مثل هذه البلاد فالظاهر سقوط التكليف بالأداء والانتقال إلى القضاء ، لعدم الدليل على التبعيّة لبلده ولا للبلدان المتعارفة كما تقدّم ، فإنّه كيف يصلّى المغرب والشمس بعدُ موجودة ، أو الظهرين وهي تحت الأُفق وقد دخل الليل؟!

وأمّا احتمال الاكتفاء بصلاة يوم واحد وليلة واحدة في مجموع السنة فهو ساقط جدّاً ، لخروج مثل هذا اليوم عن موضوع الأدلّة المتكفّلة لوجوب

١٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الصلوات الخمس في كلّ يوم وليلة ، فإنّ المنسبق منها هو اليوم الذي يكون جزءاً من السنة ، والذي قد يكون نهاره أطول من ليله ، وقد يكون أقصر ، وقد يتساويان ، وربّما يكون التساوي في تمام السنة كما في المدن الواقعة على خطّ الاستواء.

وأمّا اليوم الذي يستوعب السنة فاللفظ منصرف عنه جزماً ، بل لا يكاد يُطلَق عليه اليوم عرفاً ، فهو غير مشمول لموضوع الأدلّة.

فالصحيح ما عرفت من عدم جواز السكنى في هذه البلاد اختياراً ، ومع الاضطرار يسقط الأداء وينتقل الأمر إلى القضاء وإن كان الاحتياط بالجمع بينه وبين الإتيان بالصلوات الخمس في كلّ أربع وعشرين ساعة ممّا لا ينبغي تركه.

١٤٥

فصل

في أحكام القضاء

يجب قضاء الصوم ممّن فاته بشروط ، وهي : البلوغ ، والعقل ، والإسلام ، فلا يجب على البالغ ما فاته أيّام صباه (١).

______________________________________________________

(١) هذا الحكم من القطعيّات بل الضروريّات الغنيّة عن تجشّم الاستدلال ، بداهة أنّ القضاء لو كان واجباً على الصبيان بعد بلوغهم لاستقرّ عليه عمل المتشرّعة وكان من الواضحات الأوليّة ولأمر به الأولياء والأئمّة (عليهم السلام) صبيانهم ، مع أنّه لم يرد أيّ أمر به حتّى على سبيل الاستحباب.

على أنّه لا مقتضي له حتّى مع الغضّ عن ذلك ، فإنه سبحانه قسّم المكلّفين في قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) إلخ ، إلى ثلاثة أقسام :

قسم يجب عليه الأداء ، وهو الصحيح الحاضر الذي وضع عليه قلم التكليف طبعاً.

وقسم يجب عليه القضاء ، وهو المريض أو المسافر.

وقسم ثالث يجب عليهم الفداء ، وهم الذين لا يطيقون الصوم.

ومعلوم أنّ الصغير خارج عن هذه العناوين ، فإنّ القلم مرفوع عنه يحتلم.

ثمّ قد ثبت بالأدلّة القاطعة إلحاق جمع بالمريض والمسافر في وجوب القضاء ،

١٤٦

نعم ، يجب قضاء اليوم الذي بلغ فيه قبل طلوع فجره (١) أو بلغ مقارناً لطلوعه إذا فاته صومه.

وأمّا لو بلغ بعد الطلوع في أثناء النهار فلا يجب قضاؤه وإن كان أحوط (*) (٢).

______________________________________________________

كمن ترك الصوم عامداً أو ناسياً أو جاهلاً عن عذر أو غير عذر بحيث كان المقتضي ثابتاً في حقّه ، غير أنّه لم يصم لمانع إمّا مع الإثم أو بدونه.

وأمّا الصغير فلم ينهض أيّ دليل على وجوب قضائه بعد ما بلغ ، ومقتضى الأصل البراءة عنه.

(١) بلا إشكال فيه ولا خلاف ، لاندراجه بذلك تحت قوله سبحانه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) إلخ ، فإذا كان بالغاً مأموراً بالصوم ولم يصم وجب عليه القضاء بطبيعة الحال ، سواء أكان البلوغ مقارناً للطلوع أم سابقاً عليه ، لوحدة المناط.

(٢) مورد هذا الاحتياط ما لو أفطر أثناء النهار ، إمّا قبل البلوغ أو بعده ، وأمّا إذا لم يفطر بل صام استحباباً فبلغ في النهار وأتمّ صومه فمثله لا يحتمل في حقّه القضاء بتاتاً ، لأنّه إن كان مكلّفاً بالأداء فقد امتثله حسب الفرض ، وإلّا فلا قضاء عليه حتّى واقعاً ، فمورد الاحتياط غير هذه الصورة جزماً.

هذا ، والظاهر عدم وجوب القضاء سواء تناول المفطر قبل البلوغ أم بعده ، لعدم صدق الفوت بعد أن كان الصوم واجباً وحدانيّاً ارتباطيّاً محدوداً ما بين الطلوع إلى الغروب ، وهذا لم يكن مكلّفاً به ولو باعتبار فقد شرط البلوغ في

__________________

(*) لا وجه للاحتياط إذا صام اليوم الذي بلغ فيه.

١٤٧

ولو شكّ في كون البلوغ قبل الفجر أو بعده (١) فمع الجهل بتأريخهما لم يجب القضاء ، وكذا مع الجهل بتأريخ البلوغ.

وأمّا مع الجهل بتأريخ الطلوع بأن علم أنّه بلغ قبل ساعة مثلاً ولم يعلم أنّه كان قد طلع الفجر أم لا فالأحوط القضاء ، ولكن في وجوبه إشكال (*).

______________________________________________________

جزء منه ، فإذا لم يكن مكلّفاً بالصوم ولم يشمله الخطاب في قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) إلخ ، فلم يفت عنه أيّ شي‌ء ، ومعه لا موضوع لوجوب القضاء لو كان قد تناول المفطر.

كما لا دليل على وجوب الإمساك بعد بلوغه لو لم يكن متناولاً.

وعلى تقدير الالتزام بوجوب الإمساك فلا دليل على وجوب قضائه ، فإنّ الثابت بحسب الأدلّة إنّما هو قضاء الصوم لا قضاء الإمساك الواجب عليه خلال بضع ساعات وإن لم يكن صوماً ، فالاحتياط المزبور وإن كان حسناً هنا إلّا أنّه غير لازم المراعاة حسبما عرفت.

(١) قد يفرض الشكّ في تأريخ كلّ من البلوغ والطلوع ، وأُخرى يكون أحدهما معلوم التأريخ.

أمّا في صورة الجهل بالتأريخين فلا مجال لشي‌ء من الاستصحابين ، إمّا لعدم المقتضي لجريانهما كما هو خيرة صاحب الكفاية (قدس سره) (١) ، أو لوجود المانع وهو التعارض الموجب للتساقط. وعلى التقديرين فلم يحرز تكليفه بالصوم

__________________

(*) والأظهر عدمه.

(١) كفاية الأُصول : ٤١٩.

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ليجب القضاء لو أفطر ، ومقتضى الأصل البراءة عنه.

وأوضح حالاً ما لو كان تأريخ الفجر معلوماً ، لجريان استصحاب عدم البلوغ إلى ما بعد الطلوع المنتج لعدم الوجوب من غير معارض.

وأمّا لو انعكس الأمر فكان تأريخ البلوغ معلوماً دون الطلوع. فبناءً على ما هو الحقّ من عدم الفرق في تعارض الاستصحابين في الحادثين المتعاقبين بين الجهل بالتأريخين ، أو العلم بأحدهما ، نظراً إلى أنّ المعلوم وإن لم يجر فيه الاستصحاب بالنظر إلى عمود الزمان لعدم الشكّ فيه ، إلّا أنّه بالقياس إلى الزمان الواقعي للحادث الآخر فهو طبعاً مشكوك التقدّم عليه والتأخّر عنه. فلا مانع من جريان الاستصحاب بهذه العناية ، ولا أساس للتفصيل بين المعلوم والمجهول كما فصّلنا البحث حوله مستقصًى في الأُصول (١).

فعلى هذا المبنى جرى عليه حكم مجهولي التأريخ وقد تقدّم.

وأمّا على المبنى الآخر والالتزام بعدم الجريان في المعلوم بتاتاً فاستصحاب عدم طلوع الفجر إلى ما بعد البلوغ وإن كان سليماً وقتئذٍ عن المعارض ، إلّا لا أثر له ، إذ لا يثبت به كونه بالغاً حال الفجر ليجب عليه الصوم ويجب قضاؤه لو فاته ، فإنّه من أو ضح أنحاء الأُصول المثبتة التي لا تقول بحجّيّتها ، فالاستصحاب المزبور غير جارٍ في نفسه ، ومعه كانت أصالة البراءة عن وجوب القضاء محكّمة.

والحاصل : أنّ الأثر مترتّب على البلوغ حال الفجر لا على عدم الفجر حال البلوغ ، ولا يكاد يثبت الأوّل بالاستصحاب الجاري في الثاني إلّا على القول بالأصل المثبت.

فتحصّل : أنّ في شي‌ء من فروض الشكّ لا يجب القضاء ، وإنّما يجب فيما إذا أحرز البلوغ قبل الفجر أو عنده وقد أفطر أو لم ينو الصوم.

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٢٠٣ ٢٠٦.

١٤٩

وكذا لا يجب على المجنون ما فات منه أيّام جنونه (١) ، من غير فرق بين ما كان من الله أو من فعله على وجه الحرمة أو على وجه الجواز (٢).

______________________________________________________

(١) الدليل عليه هو الدليل المتقدّم تقريره في الصبي ، حيث عرفت أنّ المستفاد من الآية المباركة أنّ المفروض في حقّه الصوم أداءً أو قضاءً هو الذي كُتب عليه الصيام ، فغير المكتوب عليه لصغرٍ أو جنونٍ خارجٌ عن الحكمين.

نعم ، ثبت بدليل خاصّ وجوب القضاء في طائفة من غير المكلّفين كالنائم والغافل والناسي ونحوهم ، الكاشف عن فوات الملاك عنهم وكفايته في وجوب القضاء عليهم وإن لم يتعلّق الأمر بهم ، وأمّا من لم يكن مكلّفاً ولم يثبت القضاء في حقّه بدليل خارجي كالمجنون فلا مقتضي لوجوب القضاء عليه ، سيّما بعد ملاحظة أنّ العقل كالبلوغ ممّا له دخل في ملاك التكليف على ما يفصح عنه قوله (عليه السلام) : «أول ما خلق الله العقل قال له : أقبِل فأقبَل ، ثمّ قال له : أدبِر فأدبَر ، فقال : بك أُثيب وبك أُعاقب» (١) وغير ذلك ممّا دلّ على اشتراطه به وارتفاع القلم عن فاقده.

وبعبارة اخرى : القضاء إمّا بالأمر الأوّل أو بأمر جديد ، فإن كان الأوّل فلم يتعلّق أمر بالمجنون حال جنونه ليجب قضاؤه ، وإن كان الثاني فبما أنّ موضوعه الفوت ولم يفت عنه شي‌ء لا خطاباً ولا ملاكاً بعد كون العقل شرطاً في التكليف ودخيلاً في المقتضي ولم يقم عليه دليل من الخارج ، إذن لا مقتضي للقضاء بتاتاً ، سواء أقلنا بوجوبه على المغمى عليه أم لا ، فلا يناط الحكم به ولا يكون مترتّباً عليه.

(٢) لوحدة المناط في الكلّ بعد إطلاق الدليل ، وعدم وجوب حفظ شرط

__________________

(١) انظر الكافي ١ : ١٠ / ١.

١٥٠

وكذا لا يجب على المغمى عليه ، سواء نوى الصوم قبل الإغماء أم لا (١).

______________________________________________________

التكليف ، فإنّه بالآخرة مجنون بالفعل مرفوع عنه القلم ، وإن حصل بتسبيبه المحرّم فإنّه كالتسبيب إلى الموت ، فكما أنّ الميّت لا تكليف عليه وإن كان موته بانتحاره فكذا لو جنّ المجنون باختياره.

(١) خلافاً لما نُسب إلى جماعة من التفصيل بين ما كان مسبوقاً بالنيّة وما لم يكن ، فيقضي في الثاني.

وكأنّه مبني على ما تقدّم من عدم اشتراط الصوم بعدم الإغماء ، فإنّه بناءً عليه وأنّ حال الإغماء حال النوم لا حال الجنون ، غايته أنّه نوم شديد لا يستيقط بسرعة ، وقد كان مسبوقاً بالنيّة ، صحّ صومه ، ولم يكن أيّ موجب للقضاء ، فإنّه كمن نوى الصوم ونام ولم يستيقظ إلّا بعد الغروب أو قبله الذي لا قضاء عليه بلا كلام. وهذا خارج عن محلّ البحث.

وأمّا بناءً على الاشتراط كعدم الجنون ، أو لم يكن ناوياً للصوم قبل الإغماء كما لو أُغمي عليه من الليل واستمرّ إلى النهار ، أو كان ناوياً ولم تكن نيّته نافعة كما لو أُغمي عليه قبل الغروب من آخر شعبان واستمرّ إلى الغد حيث إنّ النيّة قبل شهر رمضان لا أثر لها جزماً ، وجامعه كلّ مورد حكم بعدم تحقّق الصوم من المغمى عليه إمّا لخلل في النيّة أو لاشتراط الصوم بعدم الإغماء. فإنّ هذا هو محلّ الكلام في وجوب القضاء.

فربّما يقال بالوجوب :

تارةً : من أجل اندراجه في موضوع المريض فيشمله كلّ ما دلّ على وجوب القضاء عليه من الكتاب والسنّة.

وأُخرى : باستفادته ممّا دلّ على وجوب قضاء الصلوات الفائتة منه.

١٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذان الوجهان لا يرجعان إلى محصّل وإن صدرا من مثل العلّامة (١) على جلالته ومقامه ، لوضوح أنّ المغمى عليه يغاير عنوانه مع عنوان المريض عرفاً.

وعلى تقدير كونه منه فالروايات الخاصّة الآتية صريحة في عدم وجوب القضاء ، فتكون تخصيصاً في أدلّة المريض.

وأمّا قياس الصوم بالصلاة ففيه أوّلاً : عدم ثبوت حكم في المقيس عليه ، فإنّ الصلاة أيضاً لا يجب قضاؤها على المغمى عليه كالصوم ، للنصوص الكثيرة المعتبرة الصريحة في ذلك ، ولأجلها يحمل ما دلّ على القضاء على الاستحباب جمعاً.

وثانياً : لو سُلّم فلا ملازمة بينهما بعد أهمّيّة الصلاة في الشريعة المقدّسة ، فلا موجب لقياس الصوم عليها.

وثالثاً : على تقدير الملازمة فتكفينا الروايات الخاصّة الناطقة بعدم القضاء في الصوم ، وهي كثيرة وجملة منها معتبرة :

منها : صحيحة أيّوب بن نوح ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أسأله عن المغمى عليه يوماً أو أكثر ، هل يقضي ما فاته أم لا؟ فكتب (عليه السلام) : «لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة» (٢).

وصحيحة علي بن مهزيار ، قال : سألته عن المغمى عليه يوماً أو أكثر ، هل يقضى ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب (عليه السلام) : «لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة» (٣) ، ونحوهما غيرهما.

__________________

(١) لاحظ تذكرة الفقهاء ٦ : ١٦٧ ١٦٨.

(٢) الوسائل ١٠ : ٢٢٦ / أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٤ ح ١.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٦٢ / أبواب قضاء الصلوات ب ٣ ح ١٨.

١٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، بإزائها روايتان :

إحداهما : صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) : سأله عن المغمى عليه شهراً أو أربعين ليلة ، قال : «فقال : إن شئت أخبرتك بما آمر به نفسي وولدي ، أن تقضي كلّ ما فاتك» (١).

ولكنّها منصرفة عن الصوم ، إذ لا يكون أربعين يوماً ، فإن دلّت على وجوب القضاء فإنّما تدلّ عليه في الصلاة فحسب.

ثانيتهما : ما رواه الشيخ بإسناده عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : يقضي المغمى عليه ما فاته» (٢).

ولكن دلالتها إنّما هي بالإطلاق القابل للتقييد. على أنّ السند ضعيف ، لضعف طريق الشيخ إلى ابن البختري.

وكيفما كان ، فلو فرضنا صحّة الروايتين وورودهما في خصوص الصوم لم يكن بدّ من حملهما على الاستحباب ، لصراحة النصوص المتقدّمة في عدم الوجوب.

ثمّ إنّ من جملة النصوص الدالّة على عدم القضاء صحيحة علي بن مهزيار : أنّه سأله يعني : أبا الحسن الثالث (عليه السلام) عن هذه المسألة يعني : مسألة المغمى عليه «فقال : لا يقضي الصوم ولا الصلاة ، وكلّما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر» (٣).

وهاهنا بحث قد تقدّم الكلام حوله مستوفى في كتاب الصلاة (٤) ، وهو أنّ

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٢٢٧ / أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٤ ح ٤.

(٢) الوسائل ١٠ : ٢٢٧ / أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٤ ح ٥ ، التهذيب ٤ : ٢٤٣ / ٧١٦.

(٣) الوسائل ١٠ : ٢٢٧ / أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٤ ح ٦.

(٤) شرح العروة (كتاب الصلاة ٥) : ٣٣ ٣٦.

١٥٣

وكذا لا يجب على من أسلم عن كفر (١) ، إلّا إذا أسلم قبل الفجر ولم يصم ذلك اليوم فإنّه يجب عليه قضاؤه.

______________________________________________________

عدم القضاء هل يختصّ بما إذا كان الإغماء مستنداً إلى غلبة الله تعالى وخارجاً عن اختيار المكلف ، أو يعمّه وما استند إلى اختياره كما هو الحال في الجنون؟

فقد يقال بالأوّل ، نظراً إلى انصراف الأخبار إليه ، ودلالة الصحيحة المشار إليها عليه باعتبار استفادة العلّيّة المنحصرة منها.

ولكنّك عرفت منع الاستفادة ، وأنّ التقييد بغلبة الله مبني على أنّ الغالب في الإغماء هو ذلك لا الدلالة على العلّيّة المنحصرة ، فغايته أنّها لا إطلاق لها بحيث لو كان الدليل منحصراً بها لما أمكن الالتزام بالتعميم ، لا أنّها تدلّ على الاختصاص وإن كان موردها ذلك. فلا مانع إذن من الأخذ بالإطلاق في بقيّة الروايات.

ودعوى الانصراف غير مسموعة وعهدتها على مدّعيها.

وكيفما كان ، فهذا البحث مُعنوَن في كتاب الصلاة ، فبين قائل بالاختصاص ، وقائل بالعدم ، ولم أر من تعرّض له في المقام مع وحدة المناط والاشتراك في المستند. فإمّا أن يلتزم بالاختصاص في كلا الموردين لاستظهار العلّيّة المنحصرة ، أو لا يلتزم في شي‌ء منهما ، ولم يتّضح وجه لتعرض الأصحاب له في ذاك الباب وإهماله في المقام.

(١) بلا خلاف فيه ولا إشكال.

وهذا بناءً على عدم تكليف الكفّار بالفروع كما لم نستبعده وإن كان على خلاف المشهور فظاهر ، لعدم المقتضي حينئذٍ للقضاء بعد عدم فوت الفريضة وعدم الدليل على فوات الملاك عنه.

١٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا بناءً على المشهور من تكليفهم بالفروع كالأُصول فيحتاج عدم وجوب القضاء إلى إقامة الدليل.

ويدلّ عليه أوّلاً : السيرة القطعيّة ، فإنّ النبيّ الأكرم وكذا وصيّه المعظّم والمتصدّين للأمر من بعده لم يعهد منهم تكليف أحد ممّن يتشرّف بالإسلام بقضاء ما فاته من الصلاة أو الصيام.

وثانياً : طائفة من الأخبار وجملة منها معتبرة :

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) : أنّه سُئل عن رجل أسلم في النصف من شهر رمضان ، ما عليه من صيامه؟ «قال : ليس عليه إلّا ما أسلم فيه» (١).

وموثّقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عن آبائه (عليهم السلام) : «إنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول في رجل أسلم في نصف شهر رمضان : إنّه ليس عليه إلّا ما يستقبل» (٢).

وصحيحة العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيّام ، هل عليهم أن يصوموا ما مضى منه ، أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ «فقال : ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه ، إلّا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر» (٣) ، ونحوها غيرها.

فالحكم ممّا لا كلام فيه ولا غبار عليه.

وإنّما الكلام في أن الكافر هل هو مكلّف بالقضاء وبإسلامه يسقط عنه ، أو أنّه غير مكلّف بخصوص هذا الفرع وإن بنينا على تكليفه بسائر الفروع

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٢٨ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٤ ح ٢ ، ٤.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٢٨ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٤ ح ٢ ، ٤.

(٣) الوسائل ١٠ : ٣٢٧ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٤ ح ١.

١٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

كالأُصول سواء أسلم أم بقي على كفره؟

المعروف هو الأوّل ، واختار الثاني في المدارك (١) ، وهو أوّل من ناقش في ذلك ، نظراً إلى أنّ التكليف بالقضاء كغيره مشروط بالقدرة ، والكافر لا يتمكّن منه أسلم أم لم يسلم. أمّا على الأوّل فواضح ، لدلالة النصوص على سقوط القضاء عنه باختيار الإسلام. وكذا على الثاني ، لعدم صحّة العمل من الكافر واشتراط وقوعه في حال الإسلام ، فهو غير قادر عليه في شي‌ء من الحالتين ، إمّا لسقوطه عنه ، أو لعدم صحّته منه ، وما هذا شأنه لا يعقل تعلّق التكليف به.

وغير خفي أنّ كلامه هذا متين جدّاً.

نعم ، يمكن أن يقال بناءً على تكليف الكفّار بالفروع وتسليم قيام الإجماع عليه كما ادُّعي ـ : إنّ الكافر وإن لم يكن مكلّفاً بالقضاء بعد انقضاء شهر رمضان لامتناع توجيه الخطاب إليه كما ذكر ، إلّا أنّ هذا الامتناع لأجل انتهائه إلى الاختيار باعتبار تمكّنه من اختيار الإسلام في ظرف العمل فيصوم أداءً وإن فاته فقضاءً وقد فوته على نفسه بسوء اختياره ، وقد تقرّر في محلّه أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، فهو لا جرم يستحقّ العقاب على تفويت الملاك الملزم على نفسه وإن لم يكن مشمولاً للخطاب.

ولكنّه يتوقّف على إحراز وجود الملاك بعد سقوط الأمر ، ليصدق التفويت بالإضافة إليه ، وأنّى لنا بإثباته بعد عدم السبيل إلى استكشافه من غير ناحية الأمر المفروض سقوطه (٢).

__________________

(١) المدارك ٦ : ٢٠٠ ٢٠١.

(٢) تقدّم البحث حوله بنطاق أوسع في الجزء الخامس من كتاب الصلاة.

١٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وكيفما كان ، فلا إشكال في عدم وجوب القضاء على الكفّار بعد الإسلام ، لما عرفت من الأخبار التي من أجلها يحمل الأمر به الوارد في صحيح الحلبي قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أسلم بعد ما دخل (من) شهر رمضان أيّام (ما) «فقال : ليقض ما فاته» (١) على الاستحباب ، أو على محامل أُخر كالمرتدّ كما فعله الشيخ (قدس سره) (٢) ، وإلّا فالحكم قطعي لا سترة عليه كما عرفت.

هذا ، وربّما يستدلّ لسقوط القضاء في المقام بالرواية المشهورة المعروفة من أنّ الإسلام يجبّ ما قبله ويهدم (٣).

ولكنّها بعد الفحص التامّ والتتبّع الكامل غير موجودة في كتب أحاديثنا جزماً ، ولا مأثورة عن أحد من المعصومين (عليهم السلام) قطعاً ، وإنّما هي مرويّة بغير طرقنا عن علي (عليه السلام) تارةً ، وعن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) اخرى.

نعم ، رويت في بعض كتبنا مرسلاً كمجمع البحرين وغوالي اللئلئ عنه (صلّى الله عليه وآله) (٤) ومجرّد كونها مشهورة في كتب المتأخّرين فإنّ كتب السابقين أيضاً خالية عنها لا يستوجب اعتبارها بوجه.

إذن فالرواية لا أساس لها ولا تستأهل بحثاً حولها. والعمدة إنّما هي النصوص الخاصّة مضافاً إلى السيرة القطعيّة حسبما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٢٩ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٢ ح ٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٠٧.

(٣) غوالي اللئلئ ٢ : ٢٢٤ ، مسند أحمد ٤ : ١٩٩ و٢٠٤ و٢٠٥.

(٤) مجمع البحرين ٢ : ٢١ ، غوالي اللئلئ ٢ : ٢٢٤.

١٥٧

ولو أسلم في أثناء النهار لم يجب عليه صومه (*) وإن لم يأت بالمفطر ولا عليه قضاؤه (١) ، من غير فرق بين ما لو أسلم قبل الزوال أو بعده ، وإن كان الأحوط القضاء (**)

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه ولا إشكال فيما لو أسلم بعد الزوال ، كما صرّح به في صحيحة العيص المتقدّمة ، النافية للصوم عن اليوم الذي أسلموا فيه إلّا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر.

وإنّما الإشكال فيما لو أسلم قبل الزوال ، فقد نُسب إلى الشيخ وجوب الصوم حينئذٍ بعد تجديد النيّة ، لبقاء وقتها ، فيُحسب له صوم هذا اليوم ، ولو خالف ثبت عليه القضاء (١).

وهو (قدس سره) مطالَب بالدليل ، فإنّ ظرف النيّة عند الفجر ، وقيام الناقص مقام التامّ خلاف الأصل ، ودليل التجديد خاصّ بالمسافر الذي يقدم أهله ، ولا دليل على التعدّي عن مورده ، فمقتضى القاعدة عدم صحّة الصوم منه أداءً ولا وجوبه قضاءً.

على أنّ ذلك هو مقتضى إطلاق صحيحة العيص المتقدّمة ، حيث تضمّنت نفي القضاء إلّا عن اليوم الذي أسلموا فيه قبل طلوع الفجر ، فلا قضاء فيما لو أسلموا بعده ، سواء أكان قبل الزوال أم بعده ، مع الإفطار أم بدونه ، فما ذكره (قدس سره) لم يُعرف له وجه صحيح.

__________________

(*) بناءً على ما هو المعروف من تكليف الكفّار بالفروع يجب عليه الإمساك فيما بقي من النهار على الأظهر.

(**) لا وجه للاحتياط إذا صام اليوم الذي أسلم فيه.

(١) المبسوط ١ : ٢٨٦.

١٥٨

إذا كان قبل الزوال (١).

______________________________________________________

(١) مورد هذا الاحتياط ما لو أفطر قبل أن يسلم ، أو لم يفطر ولم يجدّد النيّة ، أمّا لو جدّد قبل أن يفطر فلا موضوع للاحتياط ، لأنّه إن كان مأموراً بالصوم فقد فعل ، وإلّا فلم يفت عنه شي‌ء كي يقضيه. فعبارة المتن لا تستقيم على إطلاقها ، وقد تقدّم نظيره في الصبي.

بقي هنا شي‌ء ، وهو : أنّه بعد الفراغ عن عدم وجوب القضاء ولا الأداء لليوم الذي أسلم فيه سواء أكان قبل الزوال أم بعده بمقتضى إطلاق صحيحة العيص الناطقة بأنّه يكلَّف بالصوم فيما إذا أسلم قبل الفجر كما مرّ ، فهل يجب عليه الإمساك بقيّة النهار تأدّباً وإن لم يكن مأموراً بالصوم؟

لا يبعد القول بالوجوب ، بناءً على تكليف الكفّار بالفروع كالأُصول كما عليه المشهور حتّى لو أسلم بعد الزوال فضلاً عمّا قبله ، نظراً إلى أنّه حال الكفر كان مأموراً بالصوم كبقيّة الفروع وكان مقدوراً له بالقدرة على مقدّمته وهي اختيار الإسلام ، غايته أنّه عصى فبطل منه الصوم ، والصوم الباطل محكوم صاحبه بوجوب الإمساك بقيّة النهار كما استفيد من الروايات السابقة ، ومن المعلوم أنّه نصوص المقام لا تنفي ذلك ، بداهة أنّها ناظرة إلى حكمه من حيث الصوم بما هو صوم ، لا من حيث وجوب الإمساك الذي هو حكم تكليفي محض.

نعم ، بناءً على ما هو الأصحّ من عدم تكليفهم إلّا بالأُصول لم يجب الإمساك المزبور ، إذ لم يكن مخاطباً بالصوم حال الكفر حسب الفرض ، فتركه الصيام إلى زمان الإسلام لم يتضمّن مخالفةً لتكليفٍ شرعي ، وبعد ما أسلم لم يكن مأموراً بصوم هذا اليوم حسب الفرض أيضاً ، ومن البيّن أنّ دليل وجوب الإمساك تعبّداً خاصّ بمن وجب عليه الصوم وأبطله ، أو لم يتمّ في حقّه ، أمّا

١٥٩

[٢٥٢٢] مسألة ١ : يجب على المرتدّ قضاء ما فاته أيّام ردّته ، سواء كان عن ملّة أو فطرة (١).

______________________________________________________

من لم يكن مكلّفاً به من الأوّل كما لو بلغ الصبي أثناء النهار فلا دليل على وجوب الإمساك بالإضافة إليه.

وبالجملة : فعلى المسلك المشهور ينبغي القول بوجوب الإمساك بقيّة النهار حتّى لو كان إسلامه قبل الغروب بساعة أو أقلّ ، لكونه مكلّفاً بالصوم من الأوّل وقد تركه باختياره حسبما عرفت.

(١) بلا خلاف فيه ، واستدلّ له في الجواهر (١) بعموم : «من فاتته فريضة فليقضها». ولكنّه مرسل لم يُذكَر إلّا في بعض الكتب الفقهيّة ، والظاهر أنّه لا أساس له.

نعم ، ورد في باب الصلاة أنّه : «يقضي ما فاته كما فاته» إلخ (٢). ولكنّه أجنبي عن محلّ الكلام ، ولم نعثر على رواية معتبرة تتضمّن الأمر بقضاء ما فات بصورة عامّة بحيث تشمل الصوم الفائت مطلقاً ليتمسّك بها في المقام.

إذن فعمدة المستند في وجوب القضاء على المرتدّ شمول أدلّة التكاليف له كغيره من المسلمين ، فكما أنّهم مأمورون بالصلاة والصيام وغيرهما من سائر الأحكام وبالقضاء لدى فواتها ، فكذا المرتدّ بعد قدرته على امتثالها بأن يتوب ويرجع إلى ما كان عليه.

والنزاع المعروف في أنّ الكفّار مكلّفون بالفروع كالأُصول أو لا غير

__________________

(١) الجواهر ١٧ : ١٥.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٦٨ / أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ١.

١٦٠