موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢٣٧٤] مسألة ١٥ : يجوز في شهر رمضان أن ينوي لكل يوم نيّة على حدة (١).

والأولى أن ينوي صوم الشهر جملةً ويجدّد النيّة لكلّ يوم ، ويقوى الاجتزاء بنيّة واحدة للشهر كلّه ، لكن لا يترك الاحتياط بتجديدها لكلّ يوم.

______________________________________________________

وهو كما ترى لم يظهر له أيّ وجه ، لوضوح عدم منافاة الإتيان به لا للنيّة على ما عرفت من معناها ولا للمنوي ، إذ المأمور به هو الإمساك في النهار لا في الليل ، إذ لم ترد ولا رواية واحدة تدلّ على لزوم الإمساك فيه بعد النيّة ، بل قد قام الدليل على العدم ، وقد ثبت استحباب الجماع في الليلة الأُولى الشامل بإطلاقه حتّى لما بعد النيّة. فكلام الشهيد عارٍ عن كلّ دليل كما هو ظاهر.

وملخص الكلام في ردّ مقالة الشهيد : أنّ ناوي الصيام في الليل إن نواه من الآن فهو تشريعٌ محرّم ، وإن نواه من الفجر فلا ينافيه تناول المفطر قبله كي يحتاج إلى تجديد النيّة كما هو أظهر من أن يخفى.

(١) تقدّم شطرٌ من الكلام حول هذه المسألة ، وذكرنا أنّ ظاهر الآية المباركة تعلّق الأمر بصوم شهر رمضان بكامله من أوّل الأمر على نحو الواجب التعليقي ، ولكن من الضروري عدم كون المجموع واجباً واحداً ارتباطيّاً بحيث لو أفطر يوماً لعصيانٍ ونحوه بطل الكلّ كما هو شأن الواجب الارتباطي ، بل هناك أوامر عديدة قد تعلّقت بأيّامٍ متعدّدة كلّ منها واجب مستقلّ بحياله على سبيل الانحلال الحقيقي وإن حدث الكلّ من أوّل الشهر.

وعليه ، فلا فرق بين أن ينوي لكلّ يوم في ليلته ، نظراً إلى تعلّق الأمر به

٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

بخصوصه ، وبين أن يقتصر على نيّة واحدة للكلّ في اللّيلة الاولى مع بقاء تلك النيّة وارتكازها في ذهنه إلى آخر الشهر ، نظراً إلى حلول جميع تلك الأوامر في اللّيلة الأُولى ، فيصحّ كلا الأمرين كلٌّ باعتبار.

والحاصل : أنّ ظرف العمل متأخّر عن زمان حدوث الأمر وبينهما فاصل زماني ، فالواجب تعليقي على كلّ حال ، غاية الأمر أنّ الفصل قد يكون قليلاً وبمقدار بضع ساعات فيما لو نوى صوم الغد بخصوصه ، وقد يكون أكثر فيما لو نوى صوم الأيام الآتية ، فلا فرق بينهما من هذه الجهة وله اختيار أيٍّ منهما شاء ، فيمكن نيّة الكلّ جملةً مع بقاء النيّة الارتكازيّة في أُفق النفس إلى آخر الشهر ، كما يمكن نيّة الغد بخصوصه ، لتردّده في صوم بعد الغد لأجل احتمال السفر ونحوه مثلاً فيوكل نيّة الأيام الآتية إلى ظرفها.

نعم ، الأحوط الأولى الجمع بين الأمرين ، فينوي صوم الشهر جملةً ويجدّد النيّة لكلّ يوم ، لما ذكره بعضهم من لزوم النيّة في كلّ ليلة.

وعلى كلّ حال ، فلا يحتمل أن يكون صوم شهر رمضان واجباً واحداً ارتباطيّاً كي تجب نيّة الكلّ من الأول ، لأجل عدم جواز تفريق النيّة على أجزاء العبادة الواحدة ، ضرورة أنّها واجبات عديدة استقلاليّة ، ولكلّ يوم حكم يخصّه من الثواب والعقاب والكفّارة الإفطار والإطاعة والعصيان ونحو ذلك ممّا هو من شؤون تعدّد العبادة ، غاية الأمر أنّ هذه الأوامر قد حدثت بأجمعها من الأول على سبيل الانحلال ، وبهذا الاعتبار صحّت النيّة بكلّ من النحوين ، فله قصد الجميع من الأول ، كما أنّ له نيّة كلّ يوم بخصوصه حسبما عرفت.

٦٢

وأمّا في غير شهر رمضان (*) من الصوم المعيّن فلا بدّ من نيّة لكلّ يوم إذا كان عليه أيّام كشهر أو أقلّ أو أكثر (١).

______________________________________________________

(١) كأن هذه المسألة ممّا وقع التسالم عليها ، بل صرّح في الجواهر بعدم وجدان الخلاف (١) ، وبذلك يفترق رمضان عن غيره من الواجب المعيّن بنذرٍ ونحوه إذا كان عليه أيام عديدة كشهر أو أقلّ أو أكثر ، فيجتزئ بنيّة واحدة في الأوّل دون الثاني.

أقول : لو كان الاجتزاء في شهر رمضان ثابتاً بدليل خاصّ وكان مقتضى القاعدة عدم الاجتزاء ، لكان اللازم ما ذكر من الاقتصار على رمضان ، جموداً في الحكم المخالف لمقتضى القاعدة على مقدار قيام الدليل ، لكنّك عرفت أنّ الحكم فيه هو مقتضى القاعدة ، من غير أن يستند إلى دليل بالخصوص ، حيث إنّ الأمر بصوم الشهر كلّه قد حدث من الأوّل بمقتضى قوله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (٢) ، وكذا الروايات ، فتعلّق عند ما هلّ هلال الشهر ثلاثون أو تسعة وعشرون أمراً بعدد الأيام على سبيل الواجب التعليقي وإن أُنشئ الكلّ بإنشاءٍ واحد ، ولكنّها تنحلّ إلى أوامر عديدة استقلالية لكلّ منها إطاعة وعصيان مغاير للآخر.

ولأجله كان مقتضى القاعدة جواز الاكتفاء بنيّة واحدة على ما سبق في

__________________

(*) الظاهر عدم الفرق بين صوم رمضان وصوم غيره في ذلك إذا كان الوجوب فعلياً من دون فرق بين أن يكون مجموع الشهر مثلاً واجباً بسببٍ واحد أو أسباب متعدّدة.

(١) جواهر الكلام ١٦ : ٢٠٢.

(٢) البقرة ٢ : ١٨٥.

٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

معنى النيّة المعتبرة في باب الصوم من العزم والبناء على عدم الإتيان بالمفطرات في ظرفها غير المنافي لكون الترك غير اختياري له لنومٍ أو عجزٍ ونحو ذلك ، فيكتفي باستناد الترك إلى الصائم بنحوٍ من الاستناد ، أي يبني على أن لا يرتكب تلك الأُمور باختياره قاصداً به التقرّب.

ومن هنا ذكرنا فيما تقدّم عدم الحاجة إلى تجديد النيّة في الليلة الثانية ، فلو نام نهار اليوم الأوّل ولم يستيقظ إلّا بعد الفجر من اليوم الثاني صحّ صومه ، استناداً إلى النيّة الحاصلة في الليلة الأُولى ، الباقية بطبيعة الحال ، فإذا كان هذا مقتضى القاعدة في صوم رمضان ثبت في غير رمضان أيضاً بمناطٍ واحد ، ولا نظنّ أنّ هناك إجماعاً تعبّديّاً استند إليه الفقهاء في الحكم بالتفرقة ، بل إنّهم بنوا ذلك على مقتضى القاعدة حسبما أدّى إليه نظرهم ، وإلّا فالإجماع التعبّدي لعلّه مقطوع العدم.

وقد عرفت أنّ القاعدة تقتضي الاجتزاء حتّى في غير رمضان ، لفعلية الأمر المتعلّق بالواجب المتأخّر ، كما في نذر صوم شهر مثلاً وكوجوب صوم اليوم الثالث من الاعتكاف ، فلو اعتكف يومين كان الأمر بالثالث ثابتاً من الأوّل ، فيكتفي بتلك النيّة السابقة ، فلو نام في اليوم الثاني ولم يستيقظ إلّا بعد الفجر من الثالث صحّ صومه وإن لم يجدّد النيّة ليلته.

والحاصل : أنّه لا فرق بين رمضان وغيره في جواز الاجتزاء بنيّة واحدة ، لعدم ورود رواية خاصّة في الأوّل ، ومقتضى القاعدة الصحّة في الجميع ، لكن على ما بيّناه سابقاً من اعتبار صدور النيّة بعد فعليّة الأمر لا قبلها لا تكفي النيّة قبل حلول رمضان ، فلاحظ.

٦٤

[٢٣٧٥] مسألة ١٦ : يوم الشك في أنّه من شعبان أو رمضان يبني على أنّه من شعبان (١) ، فلا يجب صومه ، وإن صام ينويه ندباً أو قضاءً أو غيرهما.

______________________________________________________

(١) فيجوز صومه بهذا العنوان ، لأصالة عدم دخول رمضان ، ومنه تعرف عدم جواز صومه بعنوان رمضان فضلاً عن عدم وجوبه ، لأنّه من الملتفت تشريعٌ محرّم ، مضافاً إلى النصوص الخاصّة الناهية عن الصوم بهذا العنوان ، بل ورد في بعضها (١) : أنّه لا يجزئ وإن انكشف كونه من رمضان فلا بدّ من قضائه ، لأنّ ما أتى به منهيٌّ عنه ، فلا يقع مصداقاً للمأمور به.

وعلى الجملة : لا شكّ في صحّة صوم هذا اليوم ، وأنّه في نفسه أمرٌ مشروع ما لم يقصد به رمضان ، وإلّا فهو ممنوع ، وقد دلّت الأخبار المتظافرة على الحكم من كلا الطرفين مضافاً إلى كونه مقتضى القاعدة حسبما عرفت.

نعم ، ورد في بعض النصوص كخبر الأعشى (٢) النهي عن صوم يوم الشكّ.

وقد نُسِب إلى المفيد (رضوان الله عليه) القول بكراهة الصوم في هذا اليوم (٣) ، وكأنّه حمل النهي المزبور عليها جمعاً بينه وبين ما دلّ على جواز الصوم وأنّه يحسب من رمضان.

ولكنه كما ترى ، فإنّ ما دلّ على المنع مطلقٌ يكشف القناع عنه ما تضمّن التفصيل بين قصد شعبان فيجوز ، وقصد عنوان رمضان فلا يجوز ، كموثّقة سماعة ،

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٢٥ / أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٦ ح ١ وص ٢٧ ب ٦ ح ٥.

(٢) الوسائل ١٠ : ٢٥ / أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٦ ح ٢.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٥٠ ، المسالك ٢ : ٥٥.

٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

قال (عليه السلام) فيها : «إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان ، ولا يصومه من شهر رمضان» إلخ (١).

وفي رواية الزهري : «وصوم يوم الشكّ أُمِرنا به ونُهينا عنه ، أُمِرنا به أن نصومه مع صيام شعبان ، ونُهينا عنه أن ينفرد الرجل بصيامه» إلخ (٢) ونحوهما غيرهما.

وعليه ، فالروايات الناهية محمولة على القسم الأخير بطبيعة الحال ، فلا موجب للحمل على الكراهة ، بل قد ورد في بعض الأخبار الحثّ على صوم هذا اليوم بعنوان شعبان وأنّه إن كان من رمضان أجزأه ، ويومٌ وُفِّق له ، وإلا فهو تطوّعٌ يؤجر عليه (٣).

نعم ، هناك رواية واحدة قد يظهر منها المنع وإن لم يكن بعنوان رمضان ، وهي صحيحة عبد الكريم بن عمرو الملقّب ب : كرام قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنِّي جعلت على نفسي أن أصوم حتّى يقوم القائم «فقال : صم ، ولا تصم في السفر ولا العيدين ولا أيّام التشريق ولا اليوم الذي يُشكّ فيه» (٤).

فإنّ الظاهر أنّ المراد من اليوم الذي يُشكّ فيه ما تردّد بين شعبان ورمضان ، وإلا فليس لنا يوم آخر تُستعمَل فيه هذه اللفظة وقد دلّت صريحاً على النهي ، مع أنّ المفروض صومه بعنوان الوفاء بالنذر ، لا بعنوان رمضان كما لا يخفى.

ويندفع بعدم ظهور الرواية في ورودها في فرض النذر ، بل ظاهرها مجرّد الجعل على النفس والالتزام بالصوم خارجاً ، ولو أراد النذر لقال : إنِّي جعلت

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٢١ / أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٥ ح ٤.

(٢) الوسائل ١٠ : ٢٢ / أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٥ ح ٨.

(٣) الوسائل ١٠ : ٢٠ / أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٥.

(٤) الوسائل ١٠ : ٢٦ / أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٦ ح ٣.

٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لله على نفسي ... إلخ كما لا يخفى ، ومن المعلوم أنّ متعلّق هذا الجعل هو الصوم الذي لا يكون واجباً في نفسه ، وإلّا فالواجب كرمضان غنيٌّ عن الجعل المزبور. وعليه ، فالنهي الوارد فيها قابلٌ للحمل على الصوم بعنوان رمضان.

وبعبارة اخرى : التزم هذا الجاعل أن يصوم طيلة حياته ، إن واجباً فلوجوبه وإن ندباً فلالتزامه به ، وبما أنّ الصوم يوم الشكّ مظنّة قصد الوجوب فمن الجائز أنّه (عليه السلام) منعه عن الصوم بهذا القصد وبعنوان رمضان ، وأمّا الصوم ندباً حسب التزامه وقراره فالرواية غير ظاهرة في المنع عنه بوجه.

ومع الغضّ عمّا ذكرناه وتسليم بُعده عن الرواية لكونها ظاهرة في المنع المطلق ، فهي معارضة للروايات السابقة الدالّة على مشروعيّة الصوم في هذا اليوم ، بل محبوبيّته ، وحيث إنّها لا تقاوم تلك النصوص الكثيرة المتواترة فلا مناص من طرحها أو حملها على التقيّة ، لالتزم العامّة على ما قيل بترك الصوم في هذا اليوم.

وعلى الجملة : لا ينبغي التأمّل في صحّة الصوم في يوم الشكّ وأنّه مشروع في حدّ نفسه ، للنصوص المتواترة ، والممنوع هو صومه بعنوان رمضان ، فلا تقاومها هذه الرواية وإن صحّ سندها ، فإن كانت قابلة للتأويل حسبما ذكرناه فهو ، وإلا فلتُطرح ، أو تُحمل على التقيّة.

وقد عرفت أنّ الصحّة هي مقتضى الاستصحاب الموضوعي أيضاً ، أعني : أصالة بقاء شعبان وعدم دخول رمضان فالحكم مطابق للقاعدة وإن لم ترد رواية أصلاً ، كيف؟! والروايات الصريحة في الجواز كافية ووافية حسبما عرفت.

ثم ، إنّ مقتضى الاستصحاب والروايات : عدم الفرق في صحة الصوم من شعبان بين أن يقصد به التطوع ، أو ينوي الوجوب من نذرٍ أو كفّارة أو استئجار

٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ونحو ذلك ، بل قد لا يشرع التطوّع كما لو كان عليه القضاء ولو من السنين السابقة ، فإنّ المتعيّن حينئذٍ التصدّي له ، ولا يسوغ له صوم التطوّع كما سيجي‌ء في محلّه إن شاء الله تعالى (١).

فالثابت في حقّه بمقتضى الأمرين المزبورين جواز الصوم على نحو ما يقتضيه تكليفه من التطوّع إن لم يكن عليه واجب مطلقاً أو خصوص القضاء وإلّا فيقصد الواجب.

ولم يرد في شي‌ء من الأخبار ما يدلّ على الاختصاص بالتطوّع عدا رواية واحدة ، وهي رواية بشير النبّال ، قال : سألته (عليه السلام) عن صوم يوم الشكّ؟ «فقال : صمه فإن يك من شعبان كان تطوعاً ، وإن يك من شهر رمضان فيوم وُفِّقت له» (٢).

ولكنّها كما ترى غير دالّة على الانحصار ، بل إنّ موردها ذلك أي من لم يكن عليه صوم واجب بقرينة ذكر التطوّع بضميمة ما سيجي‌ء من عدم مشروعيّة التطوّع ممّن عليه الفريضة (٣) ، فلا تدلّ على عدم جواز قصد الوجوب ممّن كان عليه صوم واجب بوجه كما هو ظاهر جدّاً ، على أنّها ضعيفة السند ببشير النبّال ، فلا تصلح للاستدلال.

وبقيّة الأخبار غير مذكور فيها التطوّع كما عرفت ، وإنّما ذكر فيها الصوم على أنّه من شعبان ، وهو كما يمكن أن يكون بنيّة الندب ، يمكن أن يكون بنيّة القضاء ، أو واجب آخر.

__________________

(١) في ص ٥٠٦ ٥١٧.

(٢) الوسائل ١٠ : ٢١ / أبواب وجوب الصوم ب ٥ ح ٣.

(٣) في ص ٥٠٣.

٦٨

ولو بان بعد ذلك أنّه من رمضان أجزأ عنه ، ووجب عليه تجديد النيّة إن بان في أثناء النهار ولو كان بعد الزوال (١) ،

______________________________________________________

ومنه تعرف أنّ الإجزاء أيضاً كذلك ، فيُحسَب له من رمضان لو تبيّن كون اليوم منه ، سواء أصام تطوّعاً أم وجوباً ، لإطلاق نصوص الاجتزاء من هذه الجهة ، والعمدة منها روايتان :

إحداهما : صحيحة سعيد الأعرج ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنّي صمت اليوم الذي يشكّ فيه فكان من شهر رمضان ، أفأقضيه؟ «قال : لا ، هو يوم وُفّقت له» (١).

والأُخرى : موثّقة سماعة ، قال (عليه السلام) فيها : «وإنّما ينوي من الليلة أن يصوم من شعبان ، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه» إلخ (٢).

وكلتاهما مطلقة من حيث التطوّع وعدمه ، فلا يختصّ بالأوّل لا تكليفاً ولا وضعاً.

(١) خلافاً لما نُسِب إلى بعضهم من عدم وجوب التجديد ، استناداً إلى إطلاق النصّ والفتوى.

وهو كما ترى ، فإنّ مورد الروايات هو الانكشاف بعد انقضاء اليوم ، وليس في شي‌ء منها فرض انكشاف الحال أثناء النهار الذي هو محلّ الكلام كي يتمسّك بإطلاقه ، والظاهر أنّ كلمات الأصحاب أيضاً ناظرة إلى ذلك.

وكيفما كان ، فلا شكّ في الاجتزاء بما سبق من الأجزاء وإن كانت فاقدة

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٢٠ / أبواب وجوب الصوم ب ٥ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٠ : ٢١ / أبواب وجوب الصوم ب ٥ ح ٤.

٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

للنيّة ، لاستفادة حكمها من النصوص بالأولويّة القطعيّة ، إذ لو حكم بالاجتزاء فيما إذا انكشف الحال بعد انقضاء النهار الذي هو مورد النصوص مع كون المجموع حينئذٍ فاقداً للنيّة ففي مورد الانكشاف في الأثناء المستلزم لفقد النيّة في البعض فقط بالطريق الأولى ، ولا سيّما مع التعليل بأنّه يومٌ وُفِّق له ، المقتضي لشمول كلتا الصورتين كما لا يخفى.

وأمّا لزوم تجديد النيّة بالنسبة إلى الآنات الباقية من النهار بعد انكشاف الحال فهذا أيضاً ينبغي أن يُستشكل فيه ، إذ لا يخلو الحال من القول بعدم الحاجة إلى النيّة بقاءً فلا يضرّه الخلوّ منها بحيث لو نوى المفطر ساغ له ذلك ، أو الاستمرار على النيّة السابقة نيّة الصوم من شعبان ندباً أو قضاءً أو غيرهما أو تجديد النيّة بعنوان رمضان ، ولا رابع.

أمّا الأوّل : فباطلٌ جزماً ، كيف؟! والصوم عبادة لا تصحّ بدون النيّة وقصد العنوان في تمام الآنات ومجموع الأجزاء بالضرورة حسبما مرّ في محلّه (١).

وأمّا الثاني : فكذلك ، للقطع فعلاً بعدم الأمر بالصوم من شعبان ، بمقتضى فرض انكشاف الخلاف ، فكيف يمكن البقاء والاستمرار على نيّته السابقة؟! فإنّ نيّة التطوّع مثلاً كانت مستندة إلى الحكم الظاهري ، وهو استصحاب بقاء شعبان الذي موضوعه الجهل وقد ارتفع ، فهو عالمٌ فعلاً بعدم الاستحباب وعدم الأمر بالصوم من شعبان ، فكيف يمكن نيّته؟! فلا مناص من الأخير ، وهو المطلوب.

وعليه ، فيجتزئ فيما مضى من اليوم بالنيّة السابقة من باب الاحتساب المستفاد من الأولوية القطعيّة كما مرّ ، ويجدّد النيّة فيما بقي ، وبذلك يصحّ صومه ويلتئم جزؤه اللاحق بالسابق.

__________________

(١) في ص ٥٧.

٧٠

ولو صامه بنيّة أنّه من رمضان لم يصحّ وإن صادف الواقع (١).

______________________________________________________

وبعبارة أُخرى : يستكشف بعد ظهور الخلاف أنّه كان مأموراً واقعاً بنيّة رمضان من أوّل الفجر ، غاية الأمر أنّه كان معذوراً فيما سبق وقد اكتفى به الشارع تعبّداً ، أمّا الآن فما بعد فلا عذر ، ومعه لا مناص من تجديد النيّة من غير حاجة إلى قيام دليل عليه ، بل هو مطابق لمقتضى القاعدة حسبما عرفت.

(١) أشرنا فيما مرّ إلى أنّ الروايات الواردة في صوم يوم الشكّ على طوائف ثلاث :

منها : ما تضمن المنع المطلق ، وأنّه لا يجزئه ، وعليه القضاء وإن تبيّن كون اليوم من رمضان.

ومنها : ما دلّ على الأمر به مطلقاً ، وأنّه يومٌ وُفِّق له ، ويجزئه لو كان منه.

وهما متعارضتان بالتباين :

وهناك طائفة ثالثة جامعة بين الأمرين وشاهدة للجمع بين الطائفتين ، حيث تضمّنت التفصيل بين صومه من شعبان فيجوز ويجزئ ، وبين صومه بعنوان رمضان فلا يجوز ولا يجتزي به وإن كان منه ، فتُحمَل الطائفة الأُولى على الثاني ، والثانية على الأول ، وبذلك يرتفع التنافي من البين ويتصالح بين الطرفين.

فمن الطائفة الأُولى : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) : في الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان؟ «فقال : عليه قضاؤه وإن كان كذلك» (١).

وكونها من هذه الطائفة مبني على أن يكون قوله : «من رمضان» متعلقاً

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٢٥ / أبواب وجوب الصوم ب ٦ ح ١.

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

بقوله : «يشكّ» لا بقوله «يصوم» كما لا يخفى.

ونحوها صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في يوم الشكّ : «من صامه قضاه وإن كان كذلك ، يعني من صامه على أنّه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه وإن كان يوماً من شهر رمضان ، لأنّ السنّة جاءت في صيامه على أنّه من شعبان ، ومن خالفها كان عليه القضاء» (١).

قوله : «يعني» إلخ ، يحتمل أن يكون من كلام الشيخ ، ويحتمل أن يكون من كلام بعض الرواة ، كما يحتمل أيضاً أن يكون من كلام الإمام (عليه السلام) ، وإن كان الأخير بعيداً كما سنبيّن.

وكيفما كان ، فيكفي كون الصدر من الإمام (عليه السلام) فيتّحد مفادها مع الصحيحة السابقة.

وهذه الرواية صحيحة بلا إشكال وإنّ عُبِّر عنها بالخبر في كلام الهمداني (٢) المشعر بالضعف.

ومنها صحيحة عبد الكريم بن عمرو الملقّب ب : كرام المتقدّمة ، قال (عليه السلام) فيها : «لا تصم في السفر ولا العيدين ولا أيام التشريق ولا اليوم الذي يشكّ فيه» (٣) ، ونحوها غيرها.

ثمّ لا يخفى أنّ قوله (عليه السلام) في الصحيحتين الأُوليين «وإن كان كذلك» لم يظهر له وجه ، لوضوح اختصاص القضاء بما إذا كان كذلك ، أي كان يوم الشكّ من رمضان ، وإلّا فلو كان من شعبان أو لم يتبيّن الحال أبداً لا يجب القضاء ،

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٢٧ / أبواب وجوب الصوم ب ٦ ح ٥ ، التهذيب ٤ : ١٦٢ / ٤٥٧.

(٢) مصباح الفقيه ١٤ : ٣٣٩.

(٣) الوسائل ١٠ : ٢٦ / أبواب وجوب الصوم ب ٦ ح ٣.

٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فحقّ العبارة أن يقال : قضاه إن ثبت أنّه من رمضان ، لا : وإن كان من رمضان.

إلّا أن يقال : إنّ المراد من قوله : «قضاه» المدلول الالتزامي ، وهو البطلان الذي هو ثابت على تقديرَي كونه من رمضان وعدمه. أمّا الثاني فواضح ، لأنّ ما قصد وهو الصوم بعنوان رمضان لم يقع ، وما وقع لم يقصد. وكذا الذي هو الفرد الخفي ، ولذا احتيج إلى كلمة «إن» الوصليّة ، فهو بمثابة أن يقول : لم يعتدّ به وإن كان من رمضان.

وبالجملة : بما أنّ القضاء مترتّب على البطلان فأُريد من الكلام المعنى الالتزامي دون المطابقي أعني : نفس القضاء إذ لا محصّل للعبارة حينئذٍ حسبما عرفت ، لعدم موضوع للقضاء لو لم يكن من رمضان ، فقوله : «وإن» إشارة إلى تعميم البطلان الملزوم لوجوب القضاء لبعض الموارد ، لا تعميم نفس وجوب القضاء ، وإنّما تعرّض للقضاء لثبوته ولو في الجملة وفي بعض الموارد.

والظاهر أنّ التفسير المذكور في صحيحة هشام بقوله : يعني من صامه إلى قوله لأنّ السنّة ، إنّما هو من الشيخ أو بعض الرواة لتوضيح هذا المعنى ، ففسّره بما يرجع إلى البطلان ، وأنّ المراد من القضاء المدلول الالتزامي ، يعني : بطلان الصوم الذي لازمه القضاء ، ولو في خصوص هذا المورد ، أعني : ما إذا كان اليوم من رمضان واقعاً وإلّا فلا يحتمل ثبوت القضاء على كلّ تقدير كما عرفت.

وعليه ، فالمظنون قويّاً أنّ التفسير المزبور قد صدر من أحدهما لا من الإمام نفسه كما لا يخفى ، خصوصاً مع التعبير بكلمة : يعني ، لا : أعني.

وبإزاء هذه الطائفة طائفةٌ أُخرى تضمّنت الأمر بالصوم في هذا اليوم وأنّه لو انكشف أنّه من رمضان يُحتسَب منه ، وأنّه يومٌ وُفِّق له ، فتدلّ لا محالة على المشروعيّة ، وهي كثيرة كما لا تخفى على من لاحظها.

والروايات الجامعة بين الطائفتين المصرّحة بالتفصيل بين الصوم من شعبان

٧٣

[٢٣٧٦] مسألة ١٧ : صوم يوم الشك يُتصوّر على وجوه (١) :

الأوّل : أن يصوم على أنّه من شعبان ، وهذا لا إشكال فيه ، سواء نواه

______________________________________________________

فيجوز ، ومن رمضان فلا يجوز ، فهي عديدة عمدتها موثّقة سماعة ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل صام يوماً ولا يدري أمن شهر رمضان هو أو من غيره؟ إلى أن قال (عليه السلام) ـ : «إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان ، ولا يصومه من شهر رمضان» (١).

وهي كما ترى واضحة الدلالة على أنّ متعلّق الأمر شي‌ء ومتعلّق النهي شي‌ء آخر ، وبما أنّها جامعة بين الأمرين ، فبها يجمع بين الطائفتين المتخاصمتين ويرتفع التعارض من البين.

هذا ، ولو فرضنا عدم وجود شي‌ء من هذه الروايات لحكمنا أيضاً بالبطلان لو صام يوم الشكّ بعنوان رمضان وإن صادفه ، لأنّه مع الالتفات تشريع محرّم ، نظراً إلى أنّ مقتضى الاستصحاب عدم حدوث رمضان ، فكيف يصوم بهذا العنوان؟! نعم ، لا يثبت به البطلان في فرض الغفلة ، أو اعتقاد جواز الصوم بهذا العنوان ، لعدم التشريع حينئذٍ ، وأمّا مع الالتفات فباطل ولا حاجة إلى النصّ.

(١) ذكر (قدس سره) أنّ فيه وجوهاً أربعة تقدّم الكلام حول الوجهين الأولين الذين يجمعهما الجزم بالعنوان من شعبان أو رمضان مسقصى (٢) ، فلا نعيد.

وأمّا الوجهان الآخران المشتملان على نوع من الترديد ، فقد فصّل (قدس سره)

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٢١ / أبواب وجوب الصوم ب ٥ ح ٤.

(٢) في ص ٦٥ ٧٣.

٧٤

ندباً ، أو بنيّة ما عليه من القضاء أو النذر أو نحو ذلك. ولو انكشف بعد ذلك أنّه كان من رمضان أجزأ عنه وحسب كذلك.

الثاني : أن يصومه بنيّة أنّه من رمضان ، والأقوى بطلانه وإن صادف الواقع.

الثالث : أن يصومه على أنّه إن كان من شعبان كان ندباً أو قضاءً مثلاً وإن كان من رمضان كان واجباً ، والأقوى بطلانه أيضاً.

الرابع : أن يصومه بنيّة القربة المطلقة بقصد ما في الذمة ، وكان في ذهنه أنّه إمّا من رمضان أو غيره ، بأن يكون الترديد في المنوي لا في نيّته ، فالأقوى صحّته وإن كان الأحوط خلافه.

______________________________________________________

بينهما من حيث الصحّة والفساد ، فذكر (قدس سره) : أنّه إن صام على أنّه إن كان من رمضان كان واجباً ، وإن كان من شعبان كان ندباً أو قضاءً ، بطل ، لكونه من الترديد في النيّة.

وأمّا إن قصد صوم هذا اليوم بقصد ما في الذمّة أي بقصد الأمر الفعلي المتوجّه إليه على ما هو عليه ، إذ الصوم في هذا اليوم مأمور به جزماً ، لعدم كونه من الأيام المحرّمة كيوم العيد ونحوه ، وإن لم يعلم خصوصيّة ذلك الأمر من الوجوب أو الندب ، فيقصد الأمر الفعلي بقصد القربة المطلقة فقد حكم (قدس سره) بالصحّة حينئذٍ ، لكونه من الترديد في المنوي ، لا في النيّة ، كما في الصورة السابقة.

أقول : يقع الكلام أوّلاً في بيان الفرق بين الصورتين وصحّة التفكيك بينهما موضوعاً ، وأُخرى في صحّة التفصيل حكماً ، فهنا جهتان :

٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا الجهة الأُولى : فمبنى الصورة الأُولى على الامتثال الاحتمالي ، بمعنى أنّ الباعث له على الصيام إنّما هو احتمال رمضان ، وأمّا الطرف الآخر أعني : الصوم الندبي من شعبان فلا يهتمّ به ، بل قد يعلم ببطلانه ، لعدم كونه مأموراً به في حقّه ، كما لو كان عبداً أو زوجة أو ولداً قد منعه المولى أو الزوج أو الوالد عن الصوم الندبي ، بناءً على الافتقار إلى الإذن منهم ، فيصوم يوم الشكّ برجاء أنّه من رمضان لا على سبيل البتّ والجزم ليكون من التشريع ، فيتعلّق القصد بعنوان رمضان ، لكن لا بنيّة جزميّة ، بل ترديديّة احتماليّة وأنّه إن كان من رمضان فهو ، وإلّا فليكن تطوّعاً أو قضاءً مثلاً أو لا هذا ولا ذاك ، بل باطلاً كما في صورة الحاجة إلى الإذن على ما سمعت ، فلا يدعوه إلى الصيام إلّا مجرّد احتمال رمضان.

وأمّا الصورة الثانية : فليس فيها رجاءٌ أبداً ، بل هو قاصد للأمر الفعلي الجزمي الجامع بين الوجوب والاستحباب ، للقطع بتعلّق الأمر بالصوم في هذا اليوم ، غاية الأمر أنّ الخصوصيّة مجهولة ، وصفة المنوي مردّدة بين الوجوب والاستحباب ، لتردّدها بين رمضان وشعبان ، فتلغى تلك الخصوصية في مقام تعلّق القصد ، ولم يقصد رمضان لا جزماً ولا احتمالاً ، بل يقصد طبيعي الصوم بداعي طبيعي الأمر ، وهذا هو الذي سمّاه بالترديد في المنوي دون النيّة عكس الصورة السابقة.

وأمّا الجهة الثانية : فالظاهر صحّة ما ذكره (قدس سره) من التفصيل بين الصورتين : بالبطلان في الأُولى ، والصحّة في الثانية.

أمّا الأول : فلأنّ الامتثال الاحتمالي والعبادة الرجائيّة وإن كانت محكومة بالصحّة كما في سائر موارد الرجاء والاحتياط إلّا أنّها محكومة بالفساد في خصوص المقام ، نظراً إلى أنّ المستفاد من إطلاق الروايات الواردة في المقام

٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بطلان الصوم في يوم الشكّ بعنوان رمضان ولو كان ذلك على سبيل الاحتمال والرجاء ، بل لا يبعد أن يقال : إنّ الروايات ناظرة إلى نفس هذه الصورة ، إذ من البعيد الاهتمام فيها بأمرٍ إمّا لا يقع خارجاً ، أو نادر الوقوع جدّاً ، وهو الصوم في يوم الشكّ بعنوان رمضان بنيّة جزميّة تشريعيّة ، أفهل يظنّ صدور ذلك من رواة هذه الأحاديث ، نظراء محمّد بن مسلم ، وهشام بن سالم ، وأضرابهم من الأكابر ، كي يهتمّ ذلك الاهتمام البليغ بردعهم ومنعهم؟! فمن القريب جدّاً أنّ النهي في هذه النصوص ناظر إلى ما هو المتعارف الخارجي ، ولا سيّما عند العوام من الصيام في نحو هذه الأيام بعنوان الاحتياط والرجاء كي لا يفوتهم الصوم من رمضان.

وبالجملة : فالروايات إمّا مختصّة بالرجاء ، أو أنّها مطلقة من هذه الجهة. وعلى التقديرين فتدلّ على البطلان في هذه الصورة.

وأمّا الثاني : فلأنّ الصيام في الصورة الثانية غير مشمول للنصوص الناهية ، لأنّها إنّما نهت عن صوم تعلّق بعنوان رمضان إمّا جزماً ، أو ولو احتمالاً حسبما عرفت ، وهذا لم يقصده حسب الفرض ، وإنّما قصد الطبيعي ، وقد ذكرنا سابقاً أنّ المأمور به في شهر رمضان هو طبيعي الصوم ولم يؤخذ فيه إلّا خصوصيّة عدميّة (١) ، وهي عدم قصد عنوان آخر ، وهي حاصلة في المقام ، لفرض عدم تعلّق القصد بعنوان آخر منافٍ لرمضان.

وعليه ، فلو انكشف بعدئذٍ أنّ اليوم من رمضان فقد أجزأ ، لأنّه قد أتى بمتعلّق الأمر على ما هو عليه ، فلا يدخل هذا الفرض في الأخبار الناهية بوجه.

فإن قلت : إنّ تلك الأخبار التي منها موثّقة سماعة كما تضمّنت النهي عن

__________________

(١) في ص ٢١.

٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الصوم بعنوان رمضان كذلك تضمّنت الأمر به بعنوان شعبان ، الظاهر في حصر الصحّة في هذا العنوان ، وهو غير منوي حسب الفرض ، فلا مناص من الحكم بالبطلان ، نظراً إلى خروج هذا الفرض عن العقد الإيجابي وإن لم يكن داخلاً في العقد السلبي كما ذكر.

قلت : لا ينبغي التأمل في أنّ الحصر المزبور إضافي ، والمقصود نفي الصوم بعنوان رمضان ، لا حصر الصوم المشروع بعنوان شعبان ، فالحصر إنّما هو بلحاظ ما هو المتعارف الخارجي من الصوم في مثل هذا اليوم ، إمّا بعنوان رمضان أو شعبان.

وأمّا الصوم بالعنوان الجامع وبقصد ما في الذمّة الذي هو المبحوث عنه في المقام فليس بمتعارف كما لا يخفى ، فتخصيص شعبان بالذكر يراد به أن لا يكون من رمضان ، لا لخصوصيّةٍ في شعبان نفسه ، فلو فرضنا أنّ شخصاً محبوساً جهل بالشهور وعيّنها بعدد الزوج والفرد ، ثمّ علم إجمالاً بمقتضى هذا الحساب أنّ هذا اليوم إمّا أنّه آخر رجب أو أوّل رمضان ، فهو طبعاً يصوم بعنوان رجب ، للقطع بعدم شعبان ، والمفروض عدم الجواز بعنوان رمضان ، والاستصحاب أيضاً ينفيه ، فلو صام كذلك وصادف من رمضان فهو يوم وُفِّق له ، وتشمله نصوص الصحّة بالضرورة ، فيكشف ذلك عمّا ذكرناه من عدم خصوصيّة لشعبان ، وإنّما يراد النهي عن قصد رمضان ولو رجاءً كما مرّ.

وعليه ، فلو صام بقصد الجامع ملغياً عنه كلّ خصوصيّة صحّ ولم يدخل في الأخبار الناهية بوجهٍ حسبما عرفت.

٧٨

[٢٣٧٧] مسألة ١٨ : لو أصبح يوم الشك بنيّة الإفطار ، ثمّ بان له أنّه من الشهر (١) : فإن تناول المفطر وجب عليه القضاء وأمسك بقيّة النهار وجوباً تأدّباً ، وكذا لو لم يتناوله ولكن كان بعد الزوال. وإن كان قبل الزوال ولم يتناول المفطر جدّد النية وأجزأ عنه (*).

______________________________________________________

(١) قد يُفرَض ذلك مع تناول المفطر ، وأُخرى بدونه. وعلى الثاني : فقد يكون قبل الزوال ، وأُخرى بعده.

أمّا في صورة عدم التناول : فقد تقدّم من الماتن جواز تجديد النيّة فيما إذا كان الانكشاف قبل الزوال ، والاجتزاء به عن رمضان إلحاقاً له بالمريض والمسافر الذي يقدم أهله قبل الزوال.

وعرفت أنّ هذا الحكم وإن كان هو المعروف بينهم إلّا أنّه لا دليل عليه بحيث يُجتزأ بنيّة الإمساك بقيّة النهار عن الإمساك من طلوع الفجر المتقوّم به الصوم ليكون الصوم الناقص بدلاً عن الكامل ، فإنّ هذا على خلاف القاعدة ، يقتصر فيه على مورد قيام الدليل ، وهو خاصّ بالمريض والمسافر دون غيرهما وإن لم يتناول المفطر ، فلا وجه للتعدّي عنهما بوجه.

وأمّا في صورة التناول : فلا إشكال في البطلان ، لأنّه قد أحدث شيئاً وأفطر ، ولا معنى للصوم في جزء من اليوم ، فإنّه متقوّم شرعاً بالإمساك من الفجر ، ولم يتحقّق حسب الفرض ، فلا مناص من القضاء.

وهل يجب عليه الإمساك إلى الغروب تأدّباً كما ذكره في المتن؟

__________________

(*) فيه إشكال كما مرّ.

٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الظاهر أنّه من المتسالم عليه بينهم ، بل لعلّه من الواضحات التي يعرفها حتى عوامّ الناس ، فإنّهم لا يشكّون في أنّ من كان مكلّفاً بالصوم وإن لم يكن منجّزاً عليه لجهله فأفطر ولو لعذرٍ وجب عليه الإمساك بقيّة النهار وجوباً تأديباً كما عبّر به في المتن وإن لم يُحسَب له الصوم ، فإن تمّ الإجماع والظاهر أنّه تامّ فلا كلام ، وإلّا فإثباته بحسب الصناعة مشكل ، لعدم الدليل عليه بوجه ، إذ الواجب بعد أن كان ارتباطياً وقد عرضه البطلان الموجب لسقوط الأمر بالصوم في هذا اليوم ، فبأيّ موجب يلزمه الإمساك في بقية النهار؟ فلولا قيام الإجماع لكفى في نفي هذا الوجوب أصالة البراءة عنه.

وبعبارة اخرى : الإمساك المزبور لو ثبت فليس هو بعنوان الصوم ، بل بعنوانٍ آخر ، ولذا عبّر (قدس سره) عنه بالتأدّب ، وهذا يفتقر إثباته إلى دليل آخر غير أدلّة وجوب الصوم ، وحيث لا دليل فالمرجع أصالة البراءة لولا الإجماع على الوجوب.

نعم ، يمكن أن يستفاد ذلك من الأخبار الواردة في الجماع ، فإنّ الروايات الواردة في سائر المفطرات كلّها مقيَّدة بالصائم ، مثل قوله (عليه السلام) : «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب» إلخ (١) ، ومثل قوله عليه السلام : «من أفطر متعمّداً فعليه» إلخ (٢) ، فإنّ الإفطار فرع الصوم ، وإذ لا صوم كما في المقام فلا إفطار.

ونحوها غيرها ، فإنّها برمّتها واردة في خصوص الصائم ، فالتعدّي إلى غيره ممّن أبطل صومه كي يجب عليه الإمساك لا دليل عليه.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣١ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١ ح ١.

(٢) انظر الوسائل ١٠ : ٤٩ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١١.

٨٠