موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

الروايات الواردة في استحباب المضمضة في الوضوء لم يرد شي‌ء منها في خصوص الصائم ولا ما يعمّه وغيره ، بل قد يظهر من بعض الأخبار عدم الاستحباب مطلقاً للصائم ، وإن كانت الرواية غير نقيّة السند ، وربّما يستفاد من بعضها أنّ المضمضة مستحبة في نفسها لا لأجل المقدّميّة للوضوء.

وكيفما كان ، فدعوى الكراهة في المرّة الثالثة حال الصوم للمتوضّئ مع فرض السبق في المرّتين الأُوليين غير بعيدة بمقتضى هذه الموثّقة كما عرفت.

فتحصّل : أنّه لو تمضمض عبثاً فدخل الماء جوفه يحكم بالقضاء ، عملاً بموثّقة سماعة التي بها يخرج عن مقتضى القاعدة وعن إطلاق موثّق عمار ، ولكن لا بدّ من الاقتصار على مورد الموثّقة من التمضمض بالماء ، فلا يتعدّى إلى التمضمض بالمائع المضاف أو إلى الاستنشاق ، جموداً في الحكم المخالف لمقتضى القاعدة على مورد النصّ ، إلّا أن يحصل الجزم بعدم الخصوصيّة.

ولا يبعد دعواه بالنسبة إلى المضمضة وأنّه لا خصوصيّة لها ، بل من جهة أنّها مصداق للعبث بالماء في مقابل الوضوء الذي هو بداعي امتثال الأمر الإلهي الوجوبي أو الاستحبابي ، ولأجله قوبل بين الأمرين في الموثّقة.

وعليه ، فلا يبعد دعوى شمول الحكم لما إذا أدخل الماء في فمه لغرض آخر غير المضمضة ، كتطهير أسنانه الجعليّة ، فدخل الحلق بغير اختياره ، فيتعدّى إلى هذه الصورة أيضاً بمقتضى الفهم العرفي ويحكم بالقضاء.

ثمّ إنّه يظهر من الموثّقة نفي القضاء في الغسل أيضاً كالوضوء فيما لو دخل الماء حلقه بغير اختياره عند المضمضة أو غيرها كما لعلّه يتّفق كثيراً ، لا لأجل أنّ المراد بالوضوء في الموثّقة مطلق الطهارة فإنّه بعيد جدّاً كما لا يخفى ، بل لأجل أنّ وقوع الوضوء في مقابل العبث يكشف عن عدم الخصوصيّة له وأنّ العبرة بما لا عبث فيه الشامل للغسل ، فلا يكون لقوله : «وإن كان في وضوء

٤٤١

[٢٤٩٨] مسألة ٣ : لو تمضمض لوضوء الصلاة فسبقه الماء لم يجب عليه القضاء ، سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة على الأقوى (*) (١) ، بل لمطلق الطهارة وإن كانت لغيرها من الغايات ، من غير فرق بين الوضوء والغسل ، وإن كان الأحوط القضاء فيما عدا ما كان لصلاة الفريضة ، خصوصاً فيما كان لغير الصلاة من الغايات.

______________________________________________________

فلا بأس به» مفهومٌ ليدلّ على ثبوت البأس في غير الوضوء ، فغايته أن يكون الغسل مسكوتاً عنه فيبقى تحت مقتضى القاعدة من عدم القضاء كما عرفت.

وعلى الجملة : فالرواية قاصرة الشمول للغسل ، فإنّ موردها العبث ولا يراد الحصر من الوضوء ، بل هو في مقابل العبث.

فما ذكره الماتن من عدم البطلان في الغسل هو الصحيح على ما يشير إليه في المسألة الآتية ، فحال الغسل حال من يعثر فيرتمس في الماء ويدخل في جوفه بغير اختياره في أنّ مقتضى القاعدة فيه عدم القضاء ، لصدوره من غير اختيار.

(١) كما هو المشهور ، حيث لم يفرّقوا في الوضوء بين ما كان لفريضة أو نافلة أو غاية أُخرى ، حتّى الكون على الطهارة بناءً على ثبوت استحبابه النفسي ، عملاً بإطلاق الوضوء الوارد في موثّقة سماعة المتقدّمة.

ولكن صحيحة الحلبي فرّقت بين وضوء الفريضة وغيرها ، فقد روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في الصائم يتوضّأ للصلاة فيدخل الماء حلقه «فقال : إن كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه شي‌ء ، وإن كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء» (٢).

__________________

(*) فيه إشكال والاحتياط فيما كان لغير صلاة الفريضة لا يترك.

(١) الوسائل ١٠ : ٧٠ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ١.

٤٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وهي صحيحة السند ، وقد عمل بها جماعة ، فليست مهجورة معرَضاً عنها حتى يقال بسقوطها عن الحجّيّة بالإعراض ، فعلى تقدير تسليم الكبرى فالصغرى غير متحقّقة في المقام.

هذا ، مضافاً إلى منع الكبرى على مسلكنا ، ومقتضاها تقييد موثّقة سماعة وحملها على الوضوء للفريضة ، فبالنتيجة يفصل بين الوضوء وغيره ، وفي الوضوء بين ما كان للفريضة وغيرها ، وهذا هو الصحيح ، فتقيَّد موثّقة عمّار المتقدّمة بموثّقة سماعة ، وتقيَّد هي بصحيحة الحلبي ، وتكون النتيجة اختصاص الحكم بوضوء الفريضة ، لكون كلّ من هذه الروايات أخصّ من سابقتها ، فيؤخذ بأخصّ الخاصّين ، ومورد هذه الصحيحة وإن لم يكن هو المضمضة ، لكنّها القدر المتيقّن منها ، فإنّ ما يكون معرضاً بحسب المتعارف الخارجي للدخول في الحلق لدى الوضوء إنّما هو المضمضة ، فلا يمكن حمل الصحيحة على غيرها ، فلا يتوهّم أنّ النسبة بينها وبين موثّقة عمّار عمومٌ من وجه ، لكونها خاصّاً من حيث الوضوء عامّاً من حيث المضمضة ، عكس الموثّقة ، فإنّ الأمر وإن كان كذلك صورةً ، ولكنّه بحسب الواقع عمومٌ مطلق ، لما عرفت من امتناع حملها على غير المضمضة.

ثمّ ، إنّ موثّقة سماعة وإن كان موردها المضمضة ولذا قلنا : إنّه لا بأس بالاستنشاق بمقتضى القاعدة من غير مخصّص كما مرّ ، إلّا أنّ هذه الصحيحة مطلقة تشمل المضمضة وغيرها من الاستنشاق ونحوه.

وعليه ، فلا يبعد التعدّي إلى غير المضمضة ، فكما دخل حلقه بغير اختيار حال الوضوء للفريضة سواء كان بسبب المضمضة أم غيرها فلا بأس به ، وإن كان في غير وضوء الفريضة ففيه القضاء. فما صنعه الشهيد الأوّل من التعدّي إلى الاستنشاق (١) هو الصحيح ، أخذاً بإطلاق الصحيحة ، ولو نوقش في الصحيحة

__________________

(١) الدروس ١ : ٢٧٤.

٤٤٣

[٢٤٩٩] مسألة ٤ : يكره المبالغة في المضمضة مطلقاً ، وينبغي له أن لا يبلع ريقه حتّى يبزُق ثلاث مرّات.

[٢٥٠٠] مسألة ٥ : لا يجوز التمضمض مطلقاً مع العلم بأنّه يسبقه الماء إلى الحلق أو ينسى فيبلعه.

العاشر : سبق المني بالملاعبة أو الملامسة إذا لم يكن ذلك من قصده ولا عادته على الأحوط ، وإن كان الأقوى عدم وجوب القضاء أيضاً (*) (١).

______________________________________________________

من جهة احتمال الهجر والإعراض فلا شكّ أنّ التعدّي أحوط.

(١) تقدّم الكلام في ذلك مفصّلاً في بحث مفطريّة الاستمناء (١) ، وملخّص ما ذكرناه : أنّ الملاعب ونحوه إن كان قاصداً للإنزال من الأوّل فهو داخل في الاستمناء حقيقةً فيشمله حكمه من القضاء والكفّارة ، ويلحق به من كانت عادته ذلك أي خروج المني عند الملاعبة فإنّه وإن لم يكن قاصداً للمنيّ ولكنّه في حكم القاصد بعد فرض جريان العادة.

وأمّا من لم يكن قاصداً ولا كانت عادته كذلك فإن احتمل عند الملاعبة خروج المني احتمالاً معتدّاً به فسبقه المني وجب عليه القضاء دون الكفارة ، وأمّا إذا لم يحتمله كذلك بل كان واثقاً من نفسه بعدم الخروج كما صرّح به في بعض الأخبار فاتفق سبق المني صحّ صومه ولا قضاء عليه حينئذٍ فضلاً عن الكفّارة.

__________________

(*) تقدّم التفصيل فيه [في المسألة ٢٤٠١].

(١) في ص ١٢١.

٤٤٤

فصل

في الزمان الذي يصحّ فيه الصّوم

وهو النهار من غير العيدين (١) ،

______________________________________________________

(١) أمّا أنّ مورده النهار فضروري ، وتدل عليه الآية المباركة ، قال تعالى (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ) إلخ ، إلى قوله (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (١) فيظهر منها أنّ ظرف الصوم في الشريعة الإسلاميّة متخلّل ما بين طلوع الفجر إلى الليل ، وهو معنى النهار ، والأخبار مطبقة على ذلك ، وفي بعضها : أنّه إذا طلع الفجر فقد دخل وقت الصلاة والصيام (٢) ، وهذا من الواضحات.

وأمّا استثناء العيدين من أيّام السنة فقد نطقت به جملة وافرة من النصوص ، وأنّه لا يشرّع الصيام في هذين اليومين ، حتّى ورد في بعضها : أنّ من جعل على نفسه صوم كلّ يوم حتّى يظهر القائم (عجّل الله تعالى) فرجه لا يصحّ نذره بالإضافة إلى يومي العيدين (٣) ، وقد ورد في روايات النذر : أنّ من نذر صوم يوم معيّن فصادف العيد أو السفر ينحلّ نذره ، لأنّ الله قد وضع عنه الصيام في هذه الأيّام (٤).

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٨٧.

(٢) انظر الوسائل ٤ : ٢٠٧ / أبواب المواقيت ب ٢٦ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٠ : ٥١٥ / أبواب الصوم المحرم والمكروه ب ١ ح ٨.

(٤) الوسائل ٢٣ : ٣١٠ / كتاب النذر والعهد ب ١٠ ح ١.

٤٤٥

ومبدأه طلوع الفجر الثاني ، ووقت الإفطار ذهاب الحمرة من المشرق (١) (١).

______________________________________________________

والظاهر أنّ اقتصاره (قدس سره) في الاستثناء على العيدين من أجل أنّ ذلك حكم لعامّة المكلّفين ، فإنّ صوم أيّام التشريق أيضاً حرام ولكن لمن كان بمنى لا لغيره ، فاليوم المحرّم صومه على كل أحد هو يوما العيدين كما ذكره (قدس سره).

(١) تقدّم الكلام من حيث المبدأ والمنتهى في مبحث الأوقات من كتاب الصلاة مفصّلاً ، إذ لا فرق بين الصوم والصلاة من هذه الجهة ، وقلنا : إنّ المبدأ هو الفجر المعترض في الأُفق المعبّر عنه في الآية المباركة بالخيط الأبيض ، والمشبّه في بعض النصوص بنهر سورا وبالقبطيّة البيضاء.

وأمّا المنتهي : فالمستفاد من أكثر الأخبار أنّ الاعتبار بغروب الشمس ، أي بغيبوبة القرص تحت الأرض ، أي تحت دائرة الأُفق ، ودخولها في قوس الليل.

وقلنا في محلّه : إنّ ما في جملة من الأخبار من التعبير بارتفاع الحمرة يراد به الحمرة من دائرة الأُفق من ناحية المشرق ، حيث إنّ الشمس حينما تغيب يظهر آن ذاك سواد من ناحية المشرق وبذلك ترتفع الحمرة من تلك الناحية كما لاحظنا ذلك مراراً ، وهو مقتضى طبع كرؤيّة الأرض ، وقد أُشير إلى ذلك في بعض الأخبار بأنّ المشرق مطلّ على المغرب.

هذا ، ولكن نُسِب إلى المشهور أنّ العبرة بذهاب الحمرة المشرقيّة عن قمّة الرأس أو عن ربع الفلك ، والظاهر من عبارة المحقّق في الشرائع عدم صحّة النسبة ، حيث قال بعد اختيار الاستتار : وقيل بالحمرة المشرقيّة (٢) ، فيظهر من

__________________

(١) على الأحوط.

(٢) الشرائع ١ : ٧٢.

٤٤٦

ويجب الإمساك من باب المقدّمة (١) في جزء من الليل في كلّ من الطرفين ، ليحصل العلم بإمساك تمام النهار.

______________________________________________________

الإسناد إلى القيل أنّ ذلك قولٌ غير مشهور.

وكيفما كان ، فالجمود على ظواهر النصوص يقتضي بأنّ الاعتبار بسقوط القرص ، ولكن الأحوط رعاية ذهاب الحمرة المشرقية ولو لأجل احتمال ذهاب المشهور إليه ، لكن هذا الاحتياط إنّما هو بالنسبة إلى الصوم وصلاة المغرب ، وأمّا تأخير الظهرين إلى ما بعد السقوط فغير جائز كما ذكرناه في محلّه.

(١) أي العلميّة كما يشير إليه ، لحكومة العقل بلزوم إحراز الامتثال بعد تنجّز التكليف ووصوله ، فإنّ الاشتغال اليقيني يستدعي فراغاً مثله ، فلا يكتفي باحتمال الامتثال بل لا بدّ من الجزم به ، المتوقّف على دخول جزء من غير الواجب وضمّه إلى الواجب ، ليحصل بذلك الجزم بتحقّق المأمور به ، ولأجل ذلك يحكم بوجوب ضمّ مقدار من خارج الحدّ في غسل الوجه واليدين في الوضوء.

وعليه يبتني وجوب الاجتناب عن أطراف العلم الإجمالي في الشبهات التحريميّة ، ووجوب الإتيان بها في الشبهات الوجوبيّة فهذه الكبرى أعني : حكم العقل بوجوب المقدّمة العلميّة من باب الاحتياط وتحصيلاً للجزم بالامتثال ممّا لا غبار عليها.

إنّما الكلام في تطبيقها على المقام ، فقد طبّقها عليه في المتن ، ولأجله حكم (قدس سره) بوجوب الإمساك في جزء من الليل في كل من الطرفين ، ولكن الظاهر أنّه لا يتمّ على إطلاقه.

امّا من حيث المنتهي : فالأمر كما ذكر ، فلا يجوز الإفطار إلّا بعد مضيّ زمان

٤٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

يتيقّن معه بدخول الليل ، ويكفي فيه استصحاب بقاء النهار وعدم دخول الليل ، ومع الغضّ عنه يدلّ عليه قوله تعالى (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) ، فلا بدّ من اليقين بدخول الليل ليحرز امتثال الأمر بالإتمام إلى الليل ، وعليه فلا مناص من الاحتياط.

وأمّا من حيث المبدأ : فلا نرى وجهاً للاحتياط بالإمساك في جزء من الليل ليتيقّن بحصول الإمساك من أوّل جزء من الفجر بعد جريان استصحاب بقاء الليل وعدم طلوع الفجر الذي نتيجته جواز الأكل ما لم يتيقّن بالفجر ، فإنّه بهذا الاستصحاب الموضوعي يحرز عدم دخول النهار شرعاً وبقاء الليل تعبّداً ، ومعه لا مجال للرجوع إلى الاحتياط المزبور كما لا يخفى.

هذا ، مضافاً إلى قوله تعالى (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ) إلخ ، حيث جُعِلت الغاية التبيّن ، فما لم يتبيّن وكان شاكّاً جاز له الأكل والشرب ولم يجب الإمساك وإن كان الفجر طالعاً واقعاً ، فهو في مرحلة الظاهر مرخّص في الأكل إلى أن يتبيّن الفجر وينكشف.

نعم ، لو لم يراع الفجر بنفسه ثمّ انكشف الخلاف وجب القضاء ولا يجب مع المراعاة. وهذا حكم آخر لا ربط له بوجوب الإمساك تكليفاً لدى الشكّ وعدمه الذي هو محلّ الكلام كما لا يخفى.

نعم ، يتّجه الاحتياط المزبور فيما لو سقط الاستصحاب فارتفع المؤمّن الشرعي ، كما لو علم من نفسه أنّه لو لم يحتط بالإمساك في جزء من الليل واستمرّ في التعويل على الاستصحاب لأفطر في جزء من النهار يقيناً ولو في يوم واحد من مجموع الشهر ، كما لا يبعد حصول هذا العلم لغير واحد من الأشخاص ، فهو يعلم بحصول الإفطار إمّا في هذا اليوم أو في الأيّام الآتية ، ففي مثله لا يجوز الرجوع إلى الاستصحاب ، لسقوطه في أطراف العلم الإجمالي ،

٤٤٨

ويستحبّ تأخير الإفطار حتّى يصلّي العشاءين لتكتب صلاته صلاة الصائم (١) ،

______________________________________________________

بناءً على ما هو الصحيح من عدم الفرق في تنجيزه بين الدفعي والتدريجي ، فلا مناص في مثله من الاحتياط بعد فقد المؤمّن الشرعي.

وأمّا من لم يحصل له مثل هذا العلم الإجمالي ، أو فرض الكلام في آخر الشهر من غير التفات إلى ما قبله ، أو في صوم آخر من نذر ونحوه ، فلا وجه في مثله لتحصيل المقدّمة العلميّة بعد جريان الاستصحاب حسبما عرفت ، فلا يجب الإمساك في جزء من الليل لا شرعاً كما هو ظاهر ، ولا عقلاً بعد فرض وجود المؤمّن.

(١) فقد دلّ على استحباب التأخير صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) : أنّه سُئل عن الإفطار أقبل الصلاة أو بعدها؟ قال : «فقال : إن كان معه قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم ، وإن كان غير ذلك فليصلّ ثمّ ليفطر» (١).

وعلى أنّه تُكتَب الصلاة صلاة الصائم موثّقة زرارة وفضيل وهي موثّقة باعتبار علي بن الحسن بن فضّال عن أبي جعفر (عليه السلام) : «في رمضان تصلّي ثمّ تفطر إلّا أنّ تكون مع قوم ينتظرون الإفطار ، فإن كنت تفطر معهم فلا تخالف عليهم فأفطر ثمّ صلّ ، وإلّا فابدأ بالصلاة» قلت : ولِمَ ذلك؟ «قال : لأنّه قد حضرك فرضان : الإفطار والصلاة ، فابدأ بأفضلهما ، وأفضلهما الصلاة ثمّ قال : تصلّي وأنت صائم فتُكتب صلاتك تلك فتختم بالصوم أحبّ إليّ» (٢).

والمشار إليه في قوله (عليه السلام) : «تلك» هي الصلاة وأنت صائم المذكورة

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١٤٩ / أبواب آداب الصائم ب ٧ ح ١.

(٢) الوسائل ١٠ : ١٥٠ / أبواب آداب الصائم ب ٧ ح ٢.

٤٤٩

إلّا أن يكون هناك من ينتظره للإفطار (١) ، أو تنازعه نفسه على وجهٍ يسلبه الخضوع والإقبال (٢) ولو كان لأجل القهوة والتتُن والترياك ، فإنّ الأفضل حينئذٍ الإفطار ثمّ الصلاة مع المحافظة على وقت الفضيلة بقدر الإمكان.

______________________________________________________

قبل ذلك ، فإنّ الأمر بالصوم وإن كان ساقطاً بانتهاء أمده المتحقّق بدخول الليل ، إلّا أنّه مقابل للإفطار كما تقدّم سابقاً ، فما لم يفطر فهو صائم وإن لم يكن صومه فعلاً مأموراً به ، وبهذا الاعتبار صحّ أن يقال : إن صلاته تُكتَب صلاة الصائم.

ومنه يظهر الوجه في إطلاق الفرض على الإفطار في قوله (عليه السلام) : «لأنّه قد حضرك فرضان» إلخ ، فإن وجوب الإفطار معناه : انتهاء أمد الصوم وعدم جواز قصده في الليل ، فلأجله وجب عليه الإفطار.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الموثّقة الحاكمة بالبدأة بالصلاة وأنّها أفضل من الإفطار شمولُ الحكم للعشاءين معاً ، لاشتراكهما في الوقت بمقتضى قوله (عليه السلام) في بعض النصوص : «وإذا غاب القرص فقد وجب الصلاتان إلّا أنّ هذه قبل هذه» كما تقدّمت في مبحث الأوقات من كتاب الصلاة ، فنفس المناط الذي اقتضى تقديم المغرب يقتضي تقديم العشاء أيضاً ، لتساويهما في الوقت ، والإطلاق المزبور غير قاصر الشمول لهما حسبما عرفت ، وإن لم يرد تنصيص بذلك.

(١) كما صرّح به في صحيحة الحلبي وموثّقة زرارة وفضيل المتقدّمتين وغيرهما.

(٢) كما دلّت عليه مرسلة المفيد في المقنعة : «قال : وإن كنت ممّن تنازعك نفسك للإفطار وتشغلك شهوتك عن الصلاة فابدأ بالإفطار ، ليذهب عنك

٤٥٠

[٢٥٠١] مسألة : لا يشرع الصوم في الليل ، ولا صوم مجموع الليل والنهار ، بل ولا إدخال جزء من الليل فيه إلّا بقصد المقدّميّة (١).

______________________________________________________

وسواس النفس اللوّامة» (١).

وهي وإن لم تصلح للاستدال لمكان الإرسال ، إلّا أنّ مضمونها مطابق للواقع ، لوقوع المزاحمة حينئذٍ بين فضيلة الوقت وبين مراعاة الخضوع وحضور القلب في الصلاة ، وكلّ منهما مستحبّ قد حثّ الشارع عليه ، ولكن لا يبعد أن يقال : إنّ الثاني أهمّ والملاك فيه أتمّ ، فإنّ الإقبال والحضور بمثابة الروح للصلاة ، وقد ورد في بعض النصوص : «إنّ مقدار القبول تابع لمقدار الحضور» (٢) ، فقد تُقبَل منها ركعة ، وأُخرى ركعتان ، وثالثة أكثر أو أقلّ ، لعدم كونه حاضر القلب إلّا بهذا المقدار ، بل ينبغي الجزم بأهمّيّة الثاني وتقديمه فيما لو تمكّن من الجمع بين الأمرين بأن يفطر أوّلاً ثمّ يصلّي مع الخضوع والإقبال في آخر وقت الفضيلة الذي يستمرّ زهاء ثلاثة أرباع الساعة تقريباً ، إذ لا مزاحمة حينئذٍ إلّا بين الخضوع وبين أول وقت الفضيلة لا نفسه ، ولم يدلّ أيّ دليل على أهمّيّة الثاني بالنسبة إلى مراعاة الخضوع والإقبال ، بل المقطوع به خلافه.

وكيفما كان ، فينبغي له المحافظة على وقت الفضيلة بقدر الإمكان كما ذكره في المتن.

(١) ما ذكره (قدس سره) في هذه المسألة من الضروريّات المسلّمة كما أُشير إليه في موثّقة زرارة وفضيل المتقدّمة ، حيث أُطلق فيها الفرض على الإفطار بعد انتهاء النهار ، ونحوها غيرها ، فلاحظ.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١٥١ / أبواب آداب الصائم ب ٧ ح ٥ ، المقنعة : ٣١٨.

(٢) انظر الوسائل ٥ : ٤٧٨ / أبواب أفعال الصلاة ب ٣ ح ٦.

٤٥١

فصل

في شرائط صحّة الصوم (١)

وهي أُمور :

الأوّل : الإسلام والإيمان (٢) ، فلا يصحّ من غير المؤمن ولو في جزء من النهار ، فلو أسلم الكافر في أثناء النهار ولو قبل الزوال لم يصحّ صومه ، وكذا لو ارتدّ ثمّ عاد إلى الإسلام بالتوبة ،

______________________________________________________

(١) وهي بين ما يكون شرطاً في الصحّة ، وما هو شرط في تعلّق التكليف ، وعلى أيّ حال فهي معتبرة في الصحّة إمّا لكونها شرطاً للأمر أو للمأمور به.

(٢) فلا يصحّ الصوم كغيره من العبادات من الكافر وإن كان مستجمعاً لسائر الشرائط ، كما لا يصحّ ممن لا يعترف بالولاية من غير خلاف.

أمّا الأوّل : فالأمر فيه واضح ، بناءً على ما هو الصحيح من أنّ الكفّار غير مكلّفين بالفروع ، وإنّما هم مكلّفون بالإسلام ، وبعده يكلّفون بسائر الأحكام كما دلّت عليه النصوص الصحيحة على ما مرّ التعرّض له في مطاوي بعض الأبحاث السابقة ، إذ بناءً على هذا المبنى يختصّ الخطاب بالصيام بالمسلمين ، فلم يتوجّه تكليفٌ بالنسبة إلى الكافر ليصحّ العمل منه ، فإنّه خارج عن الموضوع.

وأمّا بناءً على أنّهم مكلّفون بالفروع كتكليفهم بالأُصول فلا شكّ في عدم

٤٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الصحّة من المشركين ، ضرورة أنّ الشرك يوجب حبط الأعمال السابقة على الشرك بمقتضى قوله تعالى (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (١) فضلاً عن الصادرة حال الشرك.

وأمّا غير المشركين من سائر فرق الكفّار فيدلّ على عدم الصحّة منهم الإجماع المحقّق ، بل الضرورة ، بل قد يستفاد ذلك من بعض الآيات ، قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْ‌ءُ الْأَرْضِ ذَهَباً) إلخ (٢) ، فيظهر منها أنّ الكفر مانع عن قبول النفقة كما صرّح بذلك في آية أُخرى ، قال تعالى (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ) إلخ (٣) فإذا كان الكفر مانعاً عن قبول النفقة فهو مانع عن الصوم وغيره من سائر العبادات بطريقٍ أولى كما لا يخفى.

وكيفما كان ، فسواء تمّت الاستفادة من الآيات المباركة أم لا تكفينا بعد الإجماع المحقّق كما عرفت النصوص الكثيرة الدالّة على بطلان العبادة من دون الولاية ، فإنّها تدلّ على البطلان من الكفّار بطريق أولى ، فإنّ الكافر منكر للولاية وللرسالة معاً ، وقد عقد صاحب الوسائل لهذه الأخبار باباً في مقدّمة العبادات ، وهي وإن كان بعضها غير نقي السند وبعضها قاصر الدلالة ، إلّا أنّ فيها ما هو تامّ سنداً ودلالةً كصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : «كل من دان لله عزّ وجلّ بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول ، وهو ضالّ متحيّر ، والله شانئ لأعماله» إلخ (٤).

__________________

(١) الزمر ٣٩ : ٦٥.

(٢) آل عمران ٣ : ٩١.

(٣) التوبة ٩ : ٥٤.

(٤) الوسائل ١ : ١١٨ / أبواب مقدّمة العبادات ب ٢٩ ح ١.

٤٥٣

وإن كان الصوم معيّناً وجدّد النيّة قبل الزوال على الأقوى (١).

______________________________________________________

فإنّ من يكون الله شأنياً لأعماله ومبغضاً لأفعاله كيف يصحّ التقرّب منه وهو ضالّ متحيّر لا يقبل سعيه؟! فكل ذلك يدلّ على البطلان.

وفي ذيل الصحيحة أيضاً دلالة على ذلك كما لا يخفى على من لاحظها ، فإذا بطل العمل ممّن لا إمام له وكان كالعدم ، فمن لا يعترف بالنبي بطريق أولى ، إذ لا تتحقّق الولاية من دون قبول الإسلام.

وممّا ذكرنا يظهر الحال في اعتبار الإيمان في صحّة الصوم وأنّه لا يصحّ من المخالف لفقد الولاية ، وقد تعرّضنا لهذه المسألة بنطاقٍ أوسع في بحث غسل الميّت (١) عند التكلّم حول اعتبار الإيمان في الغسل الذي هو فرع الإسلام ، فلو لم يكن مسلماً أو كان ولكن لم يكن بهداية الإمام وإرشاده لم يصحّ تغسيله ، فراجع إن شئت.

(١) فإنّ الإسلام معتبر في جميع أجزاء الصوم الارتباطيّة من طلوع الفجر إلى الغروب ، بمقتضى إطلاق الأدلّة ، فالكفر في بعضها موجب لبطلان الجزء المستلزم لبطلان الكلّ ، فلا ينفعه العود إلى الإسلام بعد ذلك وإن جدّد النيّة ، فإنّ الاكتفاء بتجديد النيّة قبل الزوال حكمٌ مخالفٌ للقاعدة ، للزوم صدورها قبل الفجر ، وقد ثبت الاكتفاء بذلك في موارد خاصّة ، كالمريض الذي يبرأ قبل الزوال ، أو المسافر الذي يقدم أهله ، ولا دليل على الاجتزاء بالتجديد في المقام كما هو ظاهر.

__________________

(١) شرح العروة ٨ : ٣٧٤.

٤٥٤

الثاني : العقل ، فلا يصحّ من المجنون (١) ولو أدواراً وإن كان جنونه في جزء من النهار.

______________________________________________________

(١) والوجه فيه : أنّ المجنون غير مكلّف بالصوم كسائر الواجبات من العبادات وغيرها ، فهو مرفوع عنه القلم ، وحاله حال سائر الحيوانات ، لا عبرة بعمله ، للأدلّة الدالّة على اشتراط التكليف بالعقل الذي هو أوّل ما خلق الله وقال له : أقبل فأقبل ، ثمّ قال : أدبر فأدبر ، فقال تعالى : بك أُثيب وبك أُعاقب ، كما هو مضمون الروايات (١).

ومنه تعرف أنّه لا وجه لقياس الجنون بالنوم وإن كان القلم مرفوعاً عنه أيضاً ، وذلك لما علمناه من الخارج ومن إطلاق الأدلّة من أنّ الصوم غير متقيّد بعدم النوم ، بل قد ورد أنّ نوم الصائم عبادة ، فعباديّة الصوم بمعنى لا يكاد يتنافى مع النوم ، فإنّه بمعنى البناء على الاجتناب عن المفطرات وعدم ارتكابها متعمّداً بأن يكون على جانب منها وبعيداً عنها كما دلّ عليه قوله (عليه السلام) : «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب» إلخ ، وأن يكون ذلك لله تعالى ، فلو نوى الاجتناب المزبور قبل الفجر لله تعالى فقد أتى بالعبادة وإن نام بعد ذلك ، لحصول هذا المعنى حال النوم أيضاً ، فليست العباديّة في الصوم وكذا في تروك الإحرام بالمعنى المعتبر في العبادات الوجوديّة ، أي وقوع كلّ جزء بداعي امتثال الأمر حتّى ينافيه النوم ، ودليل رفع القلم عن النائم معناه : أنّه لو ارتكب شيئاً حال النوم فهو مرفوع عنه ولا يؤاخذ به ، وهذا كلّه كما ترى أجنبي عن محلّ الكلام.

وعلى الجملة : التكليف بالصوم مشروط بعدم الجنون وغير مشروط بعدم

__________________

(١) الكافي ١ : ٨ / ١ و ٢٠ / ٢٦.

٤٥٥

ولا من السكران (*) ولا من المغمى عليه ولو في بعض النهار وإن سبقت منه النيّة على الأصحّ (١).

______________________________________________________

النوم ، فلو فرضنا أنّ جنونه أدواري فكان ملتفتاً قبل الفجر فنوى وقصد الصوم ثمّ جنّ أثناء النهار ولو في جزء منه بطل صومه وإن كانت النيّة متحقّقة ، لفقد شرط التكليف.

ثمّ إنّ مقتضى الإطلاق في دليل اشتراط الصوم بالعقل ورفع التكليف عن المجنون عدم الفرق بين الإطباقي والأدواري ، فلو جنّ في بعض النهار قبل الزوال أو بعده بطل صومه ، فإنّ الواجب واحد ارتباطي يختلّ باختلال جزء منه ، واللازم اتّصاف الصائم بالعقل في مجموع الوقت من الفجر إلى الغروب ، فلو جنّ في جزء منه من الأوّل أو الوسط أو الأخير فهو غير مأمور بالصوم ولا يجب عليه الإمساك بعدئذ.

ودعوى الاكتفاء بتجديد النيّة فيما لو ارتفع جنونه قبل الزوال ، غير مسموعة ، لما عرفت من أنّه حكمٌ على خلاف القاعدة يحتاج إلى قيام دليل عليه ، وقد ثبت في المسافر والمريض ونحوهما ولم يثبت في المقام ، ومقتضى إطلاق ما دلّ على أنّ المجنون غير مكلّف بشي‌ء أنّه لا يعتدّ بصومه ، سواء جدّد النيّة أم لا.

(١) هل السكران والمغمى عليه في بعض الوقت أو في كلّه يلحق بالمجنون أو يلحق بالنائم.

__________________

(*) لا يترك الاحتياط فيه وفي المغمى عليه إذا كانا ناويين للصوم قبل طلوع الفجر ثمّ عرض عليهما السكر والإغماء إلى أن طلع الفجر.

٤٥٦

الثالث : عدم الإصباح جنباً أو على حدث الحيض والنفاس بعد النقاء من الدم على التفصيل المتقدّم (١).

الرابع : الخلو من الحيض والنفاس في مجموع النهار ، فلا يصحّ من الحائض والنفساء إذا فاجأهما الدم ولو قبل الغروب بلحظة أو انقطع عنهما بعد الفجر بلحظة (٢) ،

______________________________________________________

لا يبعد الثاني ، فإنّ الدليل على عدم صحّة الصوم من المجنون إذا كان هو اشتراط التكليف بالعقل كما ذكرنا فمثل هذا الاشتراط لم يرد في السكران ولا المغمى عليه ، ولا سيّما إذا كان السكر والإغماء بالاختيار ، فإذا كان التكليف مطلقاً من هذه الجهة ولم يكن مشروطاً بعدمها فلا إشكال إلّا من ناحية النيّة ، وقد عرفت أنّ النيّة المعتبرة في الصوم تغاير ما هو المعتبر في العبادات الوجوديّة وأنّها سنخ معنى لا تنافي النوم ، فإذن لا تنافي السكر والإغماء أيضاً ، لعين المناط.

وعلى الجملة : فحال السكران والمغمى عليه حال النائم من هذه الناحية ، فإن تمّ إجماع على بطلان صومهما ولم يتمّ فهو ، وإلّا فمقتضى الإطلاقات شمول التكليف لهما ، وصحّة العمل منهما كمن غلب عليه النوم ، فالحكم بالبطلان فيهما مبني على الاحتياط ، وإلّا فلا يبعد صحّة صومهما من غير فرق بين المستمرّ وغيره.

(١) كما تقدّم الكلام حوله مستقصًى في مبحث المفطرات ، وقد عرفت أنّ الاخبار دلّت على الكفّارة حينئذٍ فضلاً عن القضاء ، فلاحظ (١).

(٢) بلا خلاف فيه ولا إشكال ، فلو رأت الدم في جزء من النهار ولو لحظة من الأوّل أو الأخير أو الوسط فضلاً عن مجموعة بطل صومها ، كما دلّت عليه

__________________

(١) في ص ١٨٥ ٢٠٥.

٤٥٧

ويصحّ من المستحاضة (*) إذا أتت بما عليها من الأغسال النهاريّة.

______________________________________________________

النصوص المتضافرة الناطقة بأنّ نفس رؤية الدم توجب الإفطار ، وهي قويّة السند واضحة الدلالة.

ومنها : صحيحة الحلبي : عن امرأة أصبحت صائمة فلمّا ارتفع النهار أو كان العشي حاضت ، أتفطر؟ «قال : نعم ، وإن كان وقت المغرب فلتفطر» قال : وسألته عن امرأة رأت الطهر في أوّل النهار في شهر رمضان فتغتسل (لم تغتسل) ولم تطعم ، فما تصنع في ذلك اليوم؟ «قال : تفطر ذلك اليوم ، فإنّما فطرها من الدم» (١).

وقد دلّت على الحكم من الطرفين ، ونحوها غيرها كما لا يخفى على من لاحظها.

نعم ، يستفاد من بعضها استحباب الإمساك من غير أن تعتدّ بالصوم ، كموثّقة عمّار : في المرأة يطلع الفجر وهي حائض في شهر رمضان ، فإذا أصبحت طهرت ، وقد أكلت ثمّ صلّت الظهر والعصر ، كيف تصنع في في ذلك اليوم الذي طهرت فيه؟ «قال : تصوم ولا تعتدّ به» (٢).

ونحوها معتبرة محمّد بن مسلم عن المرأة ترى الدم غدوة أو ارتفاع النهار أو عند الزوال «قال : تفطر ، وإذا كان ذلك بعد العصر أو بعد الزوال فلتمض على صومها ولتقض ذلك اليوم» (٣).

هذا ، ولكن رواية أبي بصير تضمّنت التفصيل بين ما قبل الزوال وما بعده ، وأنّها لو رأت الدم بعد الزوال تعتدّ بصوم ذلك اليوم ، فتكون معارضة للنصوص

__________________

(*) على تفصيل تقدّم.

(١) الوسائل ١٠ : ٢٢٧ / أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٥ ح ١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٢٣١ / أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٨ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٠ : ٢٣٢ / أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٨ ح ٣.

٤٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المتقدّمة ، فقد روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : إن عرض للمرأة الطمث في شهر رمضان قبل الزوال فهي في سعة أن تأكل وتشرب ، وإن عرض لها بعد زوال الشمس فلتغتسل ولتعتدّ بصوم ذلك اليوم ما لم تأكل وتشرب» (١).

وهي كما ترى واضحة الدلالة ، معتبرة السند ، إذ ليس فيه من يغمز فيه ما عدا يعقوب بن سالم الأحمر الذي هو عمّ علي بن أسباط ، حيث إنّه لم يتعرّض له في كتب الرجال بمدحٍ أو ذمّ ، ولكن وثّقه المفيد في رسالته العدديّة صريحاً ، حيث ذكر جماعة من رواة أنّ شهر رمضان قد ينقص وقد يكمل كبقيّة الشهور ، ومنهم الرجل ، وقال في حقّهم : إنّهم فقهاء أعلام أُمناء على الحلال والحرام لا يُطعَن فيهم بشي‌ء (٢).

وهذا كما ترى من أعلى مراتب التوثيق. فالظاهر أنّ السند ممّا لا استشكال فيه كالدلالة.

ولكن الذي يهوّن الخطب أنّها رواية شاذّة لا عامل بها ، بل قد بلغت من الهجر مرتبةً لم يتعرّض لها في الجواهر ، بل ولا صاحب الحدائق مع أنّ دابة التعرّض لكلّ رواية تناسب المسألة وإن ضعفت أسانيدها.

وعليه ، فلا تنهض للمقاومة مع الصحاح المتقدّمة كصحيحة الحلبي وغيرها الصريحة في أنّها تفطر حين تطمث من غير فرق بين ما قبل الزوال وما بعده ، والمسألة مسلّمة لا خلاف فيها.

وقد عالج الشيخ تلك الرواية بحملها على وهم الراوي (٣) ، فكأنّ العبارة كانت هكذا : «ولا تعتدّ» فتخيّل أنّها «ولتعتدّ».

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٢٣١ / أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٨ ح ٤.

(٢) الرسالة العددية (ضمن مصنفات الشيخ المفيد ٩) : ٤٢ ، ٤٦.

(٣) التهذيب ١ : ٣٩٣ ، الاستبصار ١ : ١٤٦.

٤٥٩

الخامس : أن لا يكون مسافراً (١)

______________________________________________________

ولكنّه كما ترى بعيدٌ غايته ، لعدم مناسبته مع قوله : «فلتغتسل» ، ولقوله : «ما لم تأكل وتشرب» كما هو ظاهر.

ولا بأس بحمل الاعتداد فيها على احتساب الثواب كما ذكره في الوسائل (١) لا بعنوان رمضان ، فلا ينافي وجوب القضاء ، لعدم التصريح فيها بنفيه ، فتمسك استحباباً وتحتسبها لا صوماً فتوافق مضموناً مع صحيحة ابن مسلم المتقدّمة المتضمّنة أنّها تمضي على صومها وتقضي.

وكيفما كان ، فلا مناص إمّا من طرح الرواية أو حملها على ما ذكر ، ولا شكّ أنّ الثاني أولى.

(١) بلا خلاف فيه ولا إشكال ، وقد دلّت عليه النصوص الواردة في الأبواب المتفرّقة ممّا دلّ على اشتراطه في أصل الصوم أو في رمضان أو في قضائه أو صوم النذر أو الكفّارة ، ممّا يبلغ مجموعها حدّ التواتر ولو إجمالاً ، على أنّا في غنى عن الاستدلال بالأخبار في خصوص شهر رمضان بعد دلالة الآية المباركة على تعيّن القضاء على المسافر ، الظاهر في عدم مشروعيّة الصيام منه.

قال سبحانه (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (٢) ثمّ (٣) قال تعالى (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) ثمّ عقّبه بقوله عزّ من قائل :

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٢٣٢.

(٢) البقرة ٢ : ١٨٥.

(٣) لا يخفى تأخّر الآية المتقدّمة في المتن عن الآية اللّاحقة ، ولعلّ منشأ سهوه (قدس سره) تشابه نصّيهما.

٤٦٠