موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

عرفت فهو غير مشمول للصحيحة جزماً ، على أنّه لا يمكن الالتزام فيها بالإطلاق لغير رمضان ، بل هي مختصّة به ، للأمر فيها بإتمام الصوم على نسخة الكافي التي هي أضبط كما مرّ الذي هو من مختصّات شهر رمضان ، فإنّه الذي يجب فيه الإتمام وإن كان الصوم فاسداً ، دون غيره ، لعدم الدليل عليه بوجه ، بل ذيل صحيحة الحلبي دالّ على العدم ، حيث قال (عليه السلام) : «فإن تسحّر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر» إلخ (١) ، وهي مطلقة من حيث المراعاة وعدمها.

نعم ، إطلاق الصدر محمول على المراعاة ، جمعاً بينه وبين موثّقة سماعة المفصّلة بين المراعاة وعدمها ، التي هي بمثابة التقييد للإطلاق المزبور ، وأمّا إطلاق الذيل فلا معارض له فيدلّ على البطلان وعدم وجوب الإتمام في غير رمضان من غير فرق بين المراعاة وعدمها.

وعلى الجملة : فصحيحة معاوية خاصّة بشهر رمضان من أجل تضمّنها الأمر بالإتمام المنفي عن غيره بمقتضى صحيحة الحلبي كما عرفت ، بل ومقتضى القاعدة ، إذ بعد عدم تحقّق المأمور به خارجاً المستلزم لعدم الإجزاء فالتكليف بالإمساك تعبّداً حكمٌ جديد يحتاج إلى دليل خاصّ ، ولا دليل إلّا في صوم شهر رمضان فحسب.

إذن فصحيحة معاوية لا تدلّ على الصحّة في غير رمضان حتّى مع المراعاة ، ويكفي في إثبات البطلان الأصل ، إذ بعد أن لم يتحقّق المأمور به خارجاً فإجزاء الناقص عن الكامل يحتاج إلى الدليل ولا دليل ، فلا يمكن الاستدلال بالصحيحة على الصحّة في الواجب المعيّن حتّى فيما له قضاء فضلاً عمّا لا قضاء له ، فما ذكره في المتن من أنّ الأقوى هو البطلان في غير رمضان بجميع أقسامه حتى فيما كان مراعياً للفجر هو الصحيح.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١١٦ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤٥ ح ١.

٤٢١

الخامس : الأكل تعويلاً على من أخبر ببقاء الليل وعدم طلوع الفجر مع كونه طالعاً (١).

______________________________________________________

(١) أمّا عدم الكفّارة فلتقوّمها بالعمد ولا عمد حسب الفرض ، وأمّا القضاء فعلى القاعدة كما عُلِم ممّا مرّ ، فإنّ المأمور به هو الإمساك ما بين الحدّين ولم يتحقّق ولا دليل على أجزاء الناقص عن الكامل. هذا ، مضافاً إلى صحيحة معاوية بن عمار الآمرة بالقضاء لدى أخبار الجارية غير المطابق للواقع.

ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين حجّيّة قول المخبر وعدمها.

ولكن نُسِب إلى جماعة كالمحقّق والشهيد الثاني وصاحبي المدارك والذخيرة (١) عدم القضاء فيما لو عوّل على من يكون قوله حجّة كالبيّنة ونحوها.

وهو كما ترى ، ضرورة أنّ القضاء تابع لفوت الواجب في ظرفه ، وحجّيّة البيّنة ونحوها من الأحكام الظاهريّة مغيّاة بعدم انكشاف الخلاف ، فمع الانكشاف وتبيّن الفوات لا مناص من الالتزام بالقضاء.

نعم ، إذا بنينا على أنّ القضاء على خلاف القاعدة وأنّ مقتضى الأصل عدمه كان لما ذكروه وجه ، فإنّ مورد الصحيحة أخبار الجارية لا قيام البيّنة أو إخبار العدل أو الثقة ، فليقتصر في القضاء على مورد النصّ ، لكن المبنى فاسد كما مرّ غير مرّة ، فالصحيحة وإن لم تدل على القضاء فيما إذا كان المخبر بيّنة عادلة إلّا أنّ القاعدة تقتضيه ، وهي لا تختصّ بمورد ، غاية الأمر أنّه كان معذوراً في ترك الواجب في ظرفه لأجل الاستناد إلى الاستصحاب ونحوه.

__________________

(١) جامع المقاصد ٣ : ٦٦ ، المسالك ٢ : ٢٥ ، المدارك ٦ : ٩٣ ، ذخيرة المعاد : ٥٠٢.

٤٢٢

السادس : الأكل إذا أخبره مخبر بطلوع الفجر ، لزعمه سخريّة المخبر أو لعدم العلم بصدقه (١).

السابع : الإفطار تقليداً لمن أخبر بدخول الليل وإن كان جائزاً له لعمى أو نحوه ، وكذا إذا أخبره عدل بل عدلان ، بل الأقوى وجوب الكفّارة أيضاً إذا لم يجز له التقليد (٢).

______________________________________________________

(١) فلم يعتمد على إخباره إمّا لعدم الوثوق به ، أو لتخيّله عدم إرادة الجدّ ، وإنّما هو بداعي الاستهزاء والسخريّة ، وقد ظهر حكمه ممّا مرّ ، فإنّ الكفّارة إنّما تثبت فيما لو أكل وكان قول المخبر حجّة ، فإنّه حينئذٍ إفطار لدى ثبوت الفجر بحجّة شرعيّة ، وأمّا إذا لم يكن قوله حجّة كما هو المفروض إمّا لعدم الثقة أو لزعم السخريّة فلا كفّارة ، لعدم العمد بعد جواز الإفطار استناداً إلى الاستصحاب. وأمّا القضاء فهو ثابت بمقتضى القاعدة بعد عدم تحقّق الإمساك في الزمان المقرّر له شرعاً.

هذا ، مضافاً إلى صحيحة العيص الواردة في المقام : عن رجل خرج في شهر رمضان وأصحابه يتسحّرون في بيت فنظر إلى الفجر فناداهم أنّه قد طلع الفجر فكفّ بعض وظّن بعض أنّه يسخر فأكل «فقال : يتمّ صومه ويقضي» (١).

(٢) أمّا إذا لم يكن خبر المخبر حجّة إمّا لعدم كونه ثقة أو لأجل البناء على عدم اعتبار خبر الثقة في الشبهات الموضوعيّة ، فلا شكّ في وجوب القضاء بل الكفّارة أيضاً وإن لم ينكشف الخلاف فضلاً عن الانكشاف ، نظراً إلى عدم جواز الإفطار ما لم يحرز دخول الليل بحجّة شرعيّة ، استناداً إلى استصحاب بقاء

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١١٨ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤٧ ح ١.

٤٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

النهار ، أو عدم دخول الليل ، فهذا الإفطار محكوم شرعاً بوقوعه قبل الليل أو في النهار الذي هو موضوع لوجوب القضاء ، وكذا الكفّارة ، إلّا إذا كان جاهلاً بالمسألة فتخيّل أنّ إخبار كل مخبر بانقضاء النهار يسوّغ الإفطار ، فإنّه لا كفّارة حينئذٍ ، بناءً على أنّ الجاهل لا كفّارة عليه.

وأمّا إذا كان خبره حجّة ، إمّا لحجّيّة خبر الثقة ، أو لفرض قيام البيّنة ، فأفطر استناداً إليها ثمّ انكشف الخلاف ، فقد ذهب صاحب المدارك (قدس سره) حينئذٍ إلى عدم وجوب القضاء ، لأنّه عمل بوظيفته بمقتضى قيام الحجّة الشرعيّة ، فإذا كان الإفطار بحكم الشارع وبترخيص منه لم يكن أيّ وجه للقضاء فضلاً عن الكفارة (١).

ولكنّه واضح الدفع ، ضرورة أنّ الحكم الشرعي المزبور ظاهري مغيّا بعدم انكشاف الخلاف ، والبيّنة لا تغيّر الواقع ولا توجب قلبه ، فهذا الإفطار قد وقع في النهار ، ومثله محكوم بالبطلان بمقتضى إطلاق ما دلّ على وجوب الإمساك فيما بين الفجر إلى الغروب ، غايته أنّه معذور في ذلك لأجل قيام الحجّة.

وعلى الجملة : الجواز التكليفي ظاهراً لا يلازم الصحّة الواقعيّة ، فبعد تبيّن الخلاف ينكشف عدم الإتيان بالوظيفة ، فلا مناص من القضاء إلّا إذا تعدّينا عن مورد النصّ الآتي الوارد فيمن أفطر بظنّ دخول الوقت ، ولكن التعدّي لا وجه له.

ودعوى القطع بعدم الخصوصيّة مجازفة ظاهرة ، فلا بدّ من الاقتصار على مورد النصّ.

وملخّص الكلام : أنّه في كلّ مورد جاز الإفطار بحكم ظاهري إمّا من

__________________

(١) المدارك ٦ : ٩٤.

٤٢٤

الثامن : الإفطار لظلمةٍ قطع بحصول الليل منها فبان خطأه ولم يكن في السماء علّة ، وكذا لو شكّ أو ظنّ بذلك منها ، بل المتّجه في الأخيرين الكفّارة أيضاً ، لعدم جواز الإفطار حينئذٍ ، ولو كان جاهلاً بعدم جواز الإفطار فالأقوى عدم الكفّارة وإن كان الأحوط إعطاؤها.

نعم ، لو كانت في السماء علّة فظنّ دخول الليل فأفطر ثمّ بان له الخطأ لم يكن عليه قضاء فضلاً عن الكفّارة (١).

______________________________________________________

أوّل الوقت استناداً إلى استصحاب بقاء الليل ، أو من آخره استناداً إلى قيام حجّة معتبرة على دخول الليل ثمّ انكشف الخلاف ، فإفطاره هذا وإن كان مشروعاً لكونه مسموحاً به من قبل الشارع ، إلّا أنّه لا محيص عن القضاء بمقتضى القاعدة بعد فوات الفريضة في ظرفها وعدم الدليل على إجزاء الناقص عن الكامل.

نعم ، لا كفّارة عليه ، لفقد العمد كما هو ظاهر.

(١) لو أفطر بمظنّة دخول الليل لظلمةٍ ونحوها فبان خطأه فهل يجب القضاء حينئذٍ؟

اختلفت كلمات الفقهاء في هذه المسألة اختلافاً عظيماً ، ولا تكاد تجتمع على شي‌ء واحد كما أشار إليه في الجواهر والحدائق (١) ، بل لم يُعلَم المراد من بعض الكلمات كالشرائع (٢) حيث عبّر بالوهم ، ولم يُعلم أنّه يريد به الظنّ أو الشكّ

__________________

(١) جواهر الكلام ١٦ : ٢٨٣ ، الحدائق ١٣ : ١٠٥ ١٠٦.

(٢) الشرائع ١ : ٢٢١.

٤٢٥

ومحصّل المطلب : أنّ من فعل المفطر بتخيّل عدم طلوع الفجر أو بتخيّل دخول الليل بطل صومه في جميع الصور ، إلّا في صورة ظنّ دخول الليل مع وجود علّة في السماء من غيم أو غبار أو بخار (١) أو نحو ذلك ، من غير فرق بين شهر رمضان وغيره من الصوم الواجب والمندوب.

وفي الصور التي ليس معذوراً شرعاً في الإفطار ، كما إذا قامت البينة على أنّ الفجر قد طلع ومع ذلك أتى بالمفطر ، أو شكّ في دخول الليل أو ظنّ ظنّاً غير معتبر ومع ذلك أفطر ، يجب الكفّارة أيضاً فيما فيه الكفّارة.

______________________________________________________

أو الجامع بينهما ، وفصّل بعضهم كابن إدريس (٢) بين الظنّ القوي والضعيف.

وكيفما كان ، فلا بدّ من التكلّم في مقامين : أحدهما في أصل جواز الإفطار وعدمه. والآخر في وجوب القضاء لو أفطر.

أمّا الأوّل : فلا ينبغي الإشكال في عدم جواز الإفطار ما لم يتيقّن ولو يقيناً تعبّدياً مستنداً إلى حجّة شرعيّة بدخول الوقت ، لاستصحاب بقاء النهار وعدم دخول الليل الذي هو موضوع لوجوب الإمساك فلو أفطر والحال هذه : فإن انكشف أنّه كان في الليل فلا اشكال ، غايته أنّه يجري عليه حكم المتجرّي ، وإن لم ينكشف فضلاً عمّا لو انكشف الخلاف وجبت عليه الكفّارة والقضاء ، لأنّه أفطر في زمانٍ هو محكوم بكونه من النهار شرعاً بمقتضى التعبّد الاستصحابي.

وقد تعرّضنا لهذه المسألة في كتاب الصلاة واستشهدنا بجملة من الروايات

__________________

(١) الأحوط اختصاص الحكم بالغيم.

(٢) السرائر ١ : ٣٧٧ ٣٧٨.

٤٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الدالّة على عدم جواز الإتيان بالصلاة ما لم يثبت دخول الوقت بدليل شرعي ، ولا يكفي الظنّ به ، لعدم الدليل على حجّيّته إلّا في يوم الغيم ، لورود النصّ على جواز الاعتماد حينئذٍ على الأمارات المفيدة للظنّ ، كصياح الديك ثلاث مرّات ولاءً ، وذاك الكلام يجري بعينه في المقام أيضاً بمناط واحد.

وأمّا الثاني : فبالنسبة إلى الصلاة لا إشكال في وجوب الإعادة ، لوقوعها في غير وقتها كما تقدّم في بحث الأوقات.

وأمّا بالنسبة إلى الصوم ففيه خلاف عظيم كما مرّ ، حتّى أنّه نُسِب إلى فقيه واحد قولان في كتابين بل في كتاب واحد ، والمتّبع هو الروايات الواردة في المقام ، فقد دلّت جملة منها على عدم القضاء ، وهي :

صحيحة زرارة ، قال : «قال أبو جعفر (عليه السلام) : وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإنّ رأيته بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة ومضى صومك وتكفّ عن الطعام إن كنت قد أصبت منه شيئاً» (١).

ومعتبرته الأُخرى التي هي إمّا صحيحة أو في حكم الصحيحة ، لمكان اشتمال السند على أبان بن عثمان عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث : أنّه قال لرجل ظنّ أن الشمس قد غابت فأفطر ثمّ أبصر الشمس بعد ذلك «قال : ليس عليه قضاء» (٢).

ورواية أبي الصباح الكناني : عن رجل صام ثمّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت وفي السماء غيم فأفطر ، ثمّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب «فقال : قد تمّ صومه ولا يقضيه» (٣).

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١٢٢ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١ ح ١.

(٢) ، (٣) الوسائل ١٠ : ١٢٣ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١ ح ٢ ، ٣.

٤٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية زيد الشحّام : في رجل صائم ظنّ أنّ الليل قد كان وأنّ الشمس قد غابت وكان في السماء سحاب فأفطر ، ثمّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب «فقال : تمّ صومه ولا يقضيه» (١).

وبإزائها الموثّقة التي رواها الكليني تارةً عن أبي بصير وسماعة وأُخرى عن سماعة خاصّة مع اختلاف يسير في المتن ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس فرأوا أنّه الليل فأفطر بعضهم ، ثمّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس «فقال : على الذي أفطر صيام ذلك اليوم ، ان الله عزّ وجلّ يقول (أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) ، فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه ، لأنّه أكل متعمّداً» (٢) وفي السند الآخر : فظنّوا بدل : فرأوا.

فإنّ مقتضى استدلاله (عليه السلام) بالآية المباركة أنّ الواجب من الصيام ليس هو طبيعي الإمساك ، بل خصوص ما بين الحدّين ، فيجب الإنهاء إلى الليل ، وحيث لم يتحقّق ذلك لفرض إفطاره قبله وإن لم يعلم به وجب عليه القضاء ، لعدم الإتيان بالواجب على ما هو عليه ، ولأجله فرّع عليه قوله (عليه السلام) : «فمن أكل» إلخ ، إيعازاً إلى عدم حصول المأمور به في مفروض السؤال ، فهي تدلّ على وجوب القضاء في محلّ الكلام ، وموردها السحاب والغيم الذي هو القدر المتيقّن من الظنّ.

هذا ، وقد نسب في الجواهر إلى المعظم أنّهم استدلوا لما ذهبوا إليه من القضاء

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١٢٣ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥١ ح ٤.

(٢) الوسائل ١٠ : ١٢١ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥٠ ح ١ ، الكافي ٤ : ١٠٠ / ٢ و ١. والآية في البقرة ٢ : ١٨٧.

٤٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بهذه الموثّقة (١) بعد الطعن في بقيّة الروايات بضعف الدلالة في صحيحة زرارة نظراً إلى أنّ مضيّ الصوم لا يستلزم عدم القضاء ، فإنّ «مضى» بمعنى : فعل وانقضى ، وهو لا يدلّ على نفي القضاء بوجه وضعف السند في بقية الروايات ، فلا يمكن أن يعارض بها الموثّقة.

ثمّ اعترض (قدس سره) على ذلك بأنّ المضيّ مساوق للنفوذ الملازم للصحّة فلا معنى للقضاء ، فالمناقشة في الدلالة واهية ، وذكر (قدس سره) أنّ الطعن في السند في غير محلّه ، فإنّ روايات المقام كلّها صحاح كما يظهر بمراجعة الرجال.

أقول : أمّا اعتراضه على تضعيف الدلالة ففي محلّه ، إذ لا معنى للمضيّ إلّا الصحّة الملازمة لنفي القضاء كما ذكره ، مضافاً إلى أنّ روايته الأُخرى التي هي معتبرة على كلّ حال ، إمّا صحيحة أومصحّحة كما مرّ مصرّحة بنفي القضاء ، وكأنّ المناقش قصر نظره على الصحيحة الأُولى فحاول التشكيك في مفادها وغفل عن الأُخرى المصرّحة بالمطلوب.

وأمّا منعه من ضعف السند بدعوى أنّ تلك الروايات جميعها صحاح ، فلا يخلو من غرابة :

أمّا رواية الكناني : فمخدوشة بأنّ الراوي عنه أعني : محمد بن فضيل مشترك بين الظبيّ الثقة والأزدي الضعيف ، وكلاهما في عصر واحد وفي طبقة واحدة ، وليس في البين أيّ مميّز كما صرّح به الشهيد الثاني في مقامٍ آخر (٢).

نعم ، حاول الأردبيلي في جامعه إثبات أنّ محمّد بن فضيل هذا هو محمّد بن القاسم بن فضيل الذي هو ثقة ومن أصحاب الرضا (عليه السلام) ، فنسب إلى

__________________

(١) جواهر الكلام ١٦ : ٢٨٥.

(٢) وجدناه محكيّاً عن ابن الشهيد الثاني في منتهى المقال ٦ : ١٦٠.

٤٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

جدّه ولم يذكر والده ، وأقام شواهد على ذلك (١).

وكلّها على تقدير صحّتها وتماميّتها لا تفيد أكثر من الظنّ الذي لا يغني من الحقّ شيئاً وإن أطال الكلام فيها ، إذ بعد أن كان الظبيّ والأزدي أيضاً من أصحاب الرضا ولهما روايات كثيرة فكيف يمكن الجزم بأنّ المراد به ما ذكره من غير أيّة قرينة تقتضيه؟! وما ذكره من الشواهد لا تخرج عن حدود الظنّ كما عرفت.

وعليه ، فيعامل مع الرواية معاملة الضعيف بطبيعة الحال.

وتوضيح المقام : أنّ الأصل فيما ذكره الأردبيلي هو ما في رجال السيّد التفريشي ، حيث ذكر عند ترجمة إبراهيم بن نعيم العبدي الذي هو اسم لأبي الصباح الكناني أنّه روى عنه محمّد بن الفضيل ، وذكر أنّ الصدوق في كتاب الفقيه روى كثيراً عن محمّد بن فضيل عن الكناني (٢). ولم يذكر في المشيخة طريقة إليه ، وإنّما ذكر فيها طريقه إلى محمّد بن القاسم بن فضيل مع أنّه لم يرو عنه في الفقيه إلّا في موضعين. ومن البعيد عقد الطريق لأجل هذين الموضعين وإهماله الطريق إلى من روى عنه كثيراً أعني : محمّد بن فضيل فلأجل هذه القرينة يستكشف أنّ مراده من محمّد بن فضيل هو محمّد بن القاسم بن فضيل.

ثمّ استدرك أخيراً هذا الكلام وقال : لعلّ الصدوق لم يذكر في المشيخة طريقه إلى محمّد بن فضيل كما لم يذكر طريقه إلى الكناني أيضاً ، مع أنّه روى كثيراً عنه أيضاً (٣) ، فلا يمكن استكشاف أنّ مراده به هو محمّد بن القاسم بن فضيل.

أقول : ما ذكره أخيراً هو الصحيح ، فإنّ الصدوق يروي في موارد كثيرة

__________________

(١) جامع الرواة ٢ : ١٧٤ ١٧٥.

(٢) نقد الرجال ١ : ٩٢ / ١٥٨.

(٣) نقد الرجال ١ : ٩٤.

٤٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

لعلّها تقرب من مائة مورد روايات عن أشخاص ولم يذكر طريقه إليهم في المشيخة ، وهم أجلّاء معروفون منهم : الكناني الذي يروي عنه أكثر ممّا يروي عن محمّد بن فضيل ، ومنهم : بريد ويونس بن عبد الرّحمن وجميل بن صالح وحمران بن أعين وغيرهم من الأجلّاء المشهورين المعروفين ، الذين روى عنهم في الفقيه كثيراً وأهملهم في المشيخة إمّا غفلةً وخطأً أو لأمرٍ آخر لا ندري به ، فليكن محمّد بن فضيل من قبيل هؤلاء ، كما أنّه ربّما ينعكس الأمر فيذكر طريقه في المشيخة إلى من لم يرو عنه في الفقيه أصلاً ولا رواية واحدة.

وعلى الجملة : فلا يمكن استكشاف أنّ المراد من محمّد بن فضيل هو محمّد ابن القاسم بن فضيل بوجه. وعليه ، فرواية الكناني في المقام ضعيفة كما ذكرناه.

وأمّا رواية زيد الشحّام : فهي ضعيفة جدّاً ، لأنّ في السند أبا جميلة مفضّل بن صالح الذي صرّح بضعفه كلّ من تعرّض له من علماء الرجال ، وليت شعري كيف يدّعي صاحب الجواهر أنّ الروايات كلّها صحاح وفيها هذه الرواية وهي بهذه المثابة من الضعف؟! وبالجملة : فهاتان الروايتان ضعيفتان ، والعمدة هي الثلاثة الباقية ، أعني : صحيحتي زرارة الواقعتين بإزاء موثّقة سماعة.

أمّا الموثّقة : فهي واضحة الدلالة على الوجوب كما سبق.

والمناقشة فيها بأنها غير ناظرة إلى القضاء في مفروض السؤال ، بل إلى الإتمام والإمساك بعد ظهور الشمس ، لقوله تعالى (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) ، والقضاء المذكور بعد ذلك بيانٌ لحكم الآخرين ممّن يأكل قبل أن يدخل الليل.

ساقطةٌ جدّاً ، فإنّ سياقها يشهد بأنّها ناظرة إلى القضاء ، فإنّ الإمام (عليه السلام) أثبت الصغرى مستشهداً بالآية المباركة ، ثمّ تعرّض لحكم آخر مترتّب على هذا الحكم فذكر أوّلاً : أن أمد الإمساك هو ما بين الحدّين ، لقوله تعالى :

٤٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

(ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) ، ثمّ بيّن : أنّ من أكل قبله كان عليه القضاء ، فهذا الشخص أيضاً يجب عليه القضاء ، لأنّه أكل واقعاً قبل الليل وإن لم يعلم به.

فالمناقشة في دلالة الموثّقة غير مسموعة جزماً ولا تقبل التأويل بوجه.

وهذا الحكم أعني : وجوب القضاء مطابق لمقتضى القاعدة ، فإنّه وإن جاز الأكل بظنّ الوقت إذا لم يتمكّن من العلم إمّا في خصوص الغيم كما هو الصحيح ، أو مطلقاً على الخلاف المقرّر في محلّه إلّا أنّه حيث لم يتحقّق المأمور به على وجهه ولا دليل على إجزاء الناقص عن الكامل فلا مناص من القضاء.

وأمّا الصحيحتان اللتان هما بإزاء الموثّقة وكلتاهما عن أبي جعفر (عليه السلام) : فلا يبعد بل من المطمأنّ به أنّهما رواية واحدة نقلها زرارة بالمعنى بكيفيّتين مع نوع مسامحة في التعبير ، إذ قد فرض في أولاهما رؤية القرص بعد الغيبوبة ، فإنّه بظاهره غير معقول ، إذ كيف تُرى الشمس بعد غيابها في الأُفق؟! فلا بدّ من فرض قيام الحجّة على السقوط : إمّا العلم الوجداني وإن كان بعيداً غايته كما لا يخفى ، أو الظنّ المعتبر ، فيتّحد مفادها مع الصحيحة الأُخرى المصرّحة بالظنّ بالغيبوبة التي لا مناص من أن يراد بها الظنّ المعتبر كما قيّدناه به ، وإلّا فغير المعتبر تجب معه الإعادة ، سواء رأى القرص بعد ذلك وأبصر الشمس أم لا ، لعدم كونه محرزاً حينئذٍ لدخول الوقت بحجّة شرعيّة ، ولا شكّ ولا كلام في أنّ الظنّ مطلقاً ليس حجّة في الوقت ، وقد وردت روايات دلّت على لزوم إحراز دخول الوقت ، فلا بدّ من فرض حجيّة الظنّ في المقام بحيث لم تكن حاجة إلى الإعادة لو لم ير القرص بعد ذلك. وقد ذكرنا في بحث الصلاة أنّ الظنّ حجّة إذا كان في السماء مانع من خصوص الغيم كما هو الصحيح أو مطلق العلّة.

وعليه ، فتحمل الصحيحة بطبيعة الحال على ما إذا كان في السماء مانع إمّا السحاب أو الأعمّ منه فتجب إعادة الصلاة لدى انكشاف الخلاف دون الصوم

٤٣٢

[٢٤٩٦] مسألة ١ : إذا أكل أو شرب مثلاً مع الشكّ في طلوع الفجر ولم يتبيّن أحد الأمرين ، لم يكن عليه شي‌ء (١).

______________________________________________________

وإن أفطر ، على ما نطقت به الصحيحة الثانية ، وأمّا الاولى فليست صريحة في فرض الإفطار ، وإنّما يستفاد ذلك من إطلاق قوله (عليه السلام) : «مضى» ، أي سواء أكل وشرب أم لا ، ولعلّ التعبير بالمضيّ حتّى مع عدم الإفطار لأجل فقدان النيّة ، إذ بعد فرض قيام الظنّ المعتبر على غيبوبة القرص كما عرفت تزول نيّة الصوم بطبيعة الحال ، سواء أفطر أم لا.

وعلى الجملة : فالمتحصّل من هاتين الصحيحتين أنّ إفطاره كان سائغاً جائزاً بعد فرض حجّيّة الظنّ المخصوص بما إذا كانت في السماء علّة ، وأنّه لا قضاء عليه بعد انكشاف الخلاف ، فتكونان معارضتين لا محالة لموثّقة سماعة الدالّة على وجوب القضاء في نفس هذا الفرض أعني : ما إذا كانت في السماء علّة وحيث إنّ الترجيح مع هاتين الصحيحتين لمخالفتهما لمذهب جمهور العامّة ، حيث إنّهم ذهبوا إلى القضاء تُطرَح الموثّقة ، أو تُحمَل على التقيّة.

وحاصل الكلام : أنّ التأويل غير ممكن لا في الموثّقة ولا في الصحيحتين ، فإنّ كلّاً منهما ظاهر الدلالة بل قريب من الصراحة ، فهما متعارضتان لا محالة ، وحيث أنّ الموثّقة موافقة لمذهب العامّة تُطرَح ويكون العمل على طبق الصحيحتين.

(١) يقع الكلام تارةً : من حيث الحكم التكليفي وأنّه هل يجوز الأكل والشرب حال الشكّ ، أو أنّه لا بدّ من الاحتياط ليتيقّن بالامتثال ، وأُخرى : من حيث الحكم الوضعي ، أعني : القضاء.

٤٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا الأوّل : فالظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في جوازه ، عملاً باستصحاب بقاء الليل وعدم دخول الفجر ، مضافاً إلى قوله تعالى (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ) (١) إلخ ، فإنّ ظاهر الآية المباركة جواز الأكل ما لم يتبيّن ، والتبيّن وإن كان مأخوذاً في الموضوع على نحو الطريقيّة إلّا أنّ الاعتبار بنفس هذا الطريق ، فما لم يتبيّن لا مانع من الأكل.

وتدلّ عليه أيضاً صحيحة الحلبي ، قال (عليه السلام) فيها : «وكان بلال يؤذّن للنبيّ (صلّى الله عليه وآله) وابن أُمّ مكتوم وكان أعمى يؤذّن بليل ، ويؤذّن بلال حين يطلع الفجر ، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله) : إذا سمعتم صوت بلال فدعوا الطعام والشراب فقد أصبحتم» (٢).

حيث دلّت على عدم الاعتناء بأذان ابن أُمّ مكتوم الأعمى الذي لا يفيد أذان مثله إلّا الشكّ وأنّه لا مانع من الأكل حينئذٍ ما لم يؤذّن بلال العارف بالوقت.

وعلى الجملة : فالحكم التكليفي ممّا لا إشكال فيه.

وإنّما الإشكال في الحكم الوضعي وهو القضاء بالنسبة إلى بعض الموارد ، وهو ما لو أكل شاكّاً أو غافلاً غير مراعٍ للوقت ثمّ علم بدخول الفجر ، ثمّ شكّ في المتقدّم منهما أي من الأكل والطلوع والمتأخر ، فإنّ المسألة تدخل حينئذٍ في الحادثين المتعاقبين اللذين يُشَكّ في السابق منهما واللاحق ، ولا يبعد أن يقلل حينئذٍ بتعارض الاستصحابين كما هو الشأن في كلّ حادثين كذلك ، فيعارض استصحاب بقاء الأكل إلى طلوع الفجر باستصحاب عدم الطلوع إلى نهاية

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٨٧.

(٢) الوسائل ١٠ : ١١١ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤٢ ح ١.

٤٣٤

نعم ، لو شهد عدلان بالطلوع ومع ذلك تناول المفطر وجب عليه القضاء بل الكفّارة أيضاً وإن لم يتبيّن له ذلك بعد ذلك ، ولو شهد عدل واحد بذلك فكذلك على الأحوط (١).

______________________________________________________

الفراغ من الأكل ويرجع بعد المعارضة إلى أصالة البراءة عن وجوب القضاء ، للشكّ فيه ، إذ لم يحرز الإفطار في النهار الذي هو الموضوع لوجوب القضاء.

هذا كلّه فيما إذا لم يثبت الفجر بحجّة شرعيّة.

(١) أمّا إذا ثبت ذلك حجّة شرعيّة فلا يجوز تناول المفطر ، ولو تناول وجب القضاء بل الكفّارة أيضاً ، إذ قيام الحجّة الشرعيّة بمثابة العلم الوجداني ، فيكون الإفطار معه من الإفطار العمدي فيشمله حكمه.

وهل يعتمد في ذلك على اخبار العدل الواحد؟

استشكل فيه الماتن واحتاط بعدم الأكل ، ولكن صرّح في المسألة الثانية استحبابي لا وجوبي ، لعدم ثبوت شهادة العدل الواحد في الموضوعات.

ولكنّ الظاهر هو الحجّيّة كما تقدّم الكلام فيه مفصّلاً في كتاب الطهارة (١) ، فإنّ عمدة الدليل على حجّيّة خبر الواحد إنّما هي السيرة العقلائية التي لا يفرّق فيها بين الشبهات الحكميّة والموضوعيّة ، ولأجله يلتزم بالتعميم إلّا فيما قام الدليل على الخلاف ، مثل : موارد اليد ، فإنّ الدعوى القائمة على خلافها لا يكتفي فيها بشاهد واحد بل لا بدّ من رجلين عدلين أو رجل وامرأتين ، أو رجل مع ضمّ اليمين ، حسب اختلاف الموارد في باب القضاء ، ونحوه الشهادة على الزنا ،

__________________

(١) شرح العروة ٣ : ١٥٦.

٤٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنّه لا يثبت إلّا بشهود أربعة ، ونحو ذلك من الموارد الخاصّة التي قام الدليل عليها بالخصوص ، وفيما عدا ذلك يكتفى بخبر العدل الواحد مطلقاً بمقتضى السيرة العقلائيّة ، بل مقتضاها الاكتفاء بخبر الثقة المتحرّز عن الكذب وإن لم يكن عادلاً.

ويمكن استفادة ذلك من عدة موارد تقدّمت في كتاب الطهارة كما يمكن استفادته في مقامنا أعني : كتاب الصوم أيضاً من بعض الأخبار :

منها : صحيحة العيص المقدّمة (١) ، إذ لولا حجّيّة قول المخبر بطلوع الفجر لما حكم (عليه السلام) بوجوب القضاء على من أكل لزعمه سخريّة المخبر ، ولم يفرض في الصحيحة طلوع الفجر واقعاً. نعم ، لا بدّ من تقييده بما إذا كان المخبر ثقة كما لا يخفى.

ومنها : صحيحة الحلبي المتقدّمة ، المتضمّنة للأمر بالكف عن الطعام والشراب إذا أذّن بلال ، فإنّها واضحة الدلالة على المطلوب ، ضرورة أنّ بلال يحتمل فيه الخطأ ، لعدم كونه معصوماً ، غايته أنّه ثقة أخبر بدخول الوقت.

وأيضاً قد وردت روايات كثيرة دلّت على جواز الدخول في الصلاة عند سماع أذان العارف بالوقت ، ومن الضروري أنّ الأذان لا خصوصيّة له وإنّما هو من أجل أنّه إخبارٌ بدخول الوقت.

وعلى الجملة : فالظاهر حجّيّة قول الثقة في الموضوعات كالأحكام ، ولا أقل من أنّ ذلك يقتضي الاحتياط الوجوبي لا الاستحبابي كما صنعه في المتن.

هذا من حيث أوّل الوقت.

وأمّا من حيث آخره : فالكلام في ثبوته بشهادة العدلين بل العدل الواحد بل

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١١٨ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤٧ ح ١.

٤٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الثقة العارف بالوقت كأذان المؤذن هو الكلام المتقدّم ، إذ لا فرق من هذه الجهة بين وقتٍ ووقت.

وأمّا بالنسبة إلى الشكّ فلا ينبغي الإشكال في عدم جواز الإفطار ما لم يتيقّن بدخول الليل ، ولو أفطر وجب عليه القضاء بل الكفّارة ما دام الشكّ باقياً ولم ينكشف خلافه ، والوجه فيه : أنّ المستفاد من الآية المباركة (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (١) بمقتضى التقييد بالغاية : أنّ وجوب الإمساك مقيّد بقيد عدمي وهو عدم دخول الليل ، فيجب الإمساك ما لم يدخل الليل ، فإذا شكّ في الدخول كان مقتضى الاستصحاب عدمه فيترتّب عليه الحكم ، كما أُشير إلى ذلك في موثّقة سماعة المتقدّمة (٢).

وما ورد في بعض الأخبار من أنّ من أفطر في نهار رمضان فعليه كذا ، يراد بالنهار ما يقابل الليل ، فهو بمثابة التفسير للآية ، لا أنّ هناك قيداً آخر وجوديّاً ، بل القيد هو عدم الليل كما عرفت.

وعلى الجملة : مقتضى مفهوم الغاية أنّه ما لم يدخل الليل لا يجوز الإفطار ، ومن الظاهر أنّ الليل أمر وجودي منتزع من غيبوبة القرص ، فإذا شكّ فيه كان مقتضى الأصل عدمه فيجب الإمساك إلى أن يحرز دخوله.

ولو تنزّلنا عن ذلك وبنينا على أنّ القيد أمر وجودي وأنّ الواجب هو الإمساك المقيّد بالنهار ، وموضوع القضاء والكفّارة هو الإفطار المقيّد بوقوعه في النهار ، فالأمر على هذا المبنى أيضاً كذلك والنتيجة هي النتيجة.

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٨٧.

(٢) الوسائل ١٠ : ١٢١ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥٠ ح ١.

٤٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والسرّ فيه ما أشرنا إليه في بعض تنبيهات الاستصحاب (١) من أنّه لا معنى لظرفيّة الزمان للحادث الزماني إلّا مجرّد الاقتران في الوجود بأن يكون ذلك الشي‌ء موجوداً والزمان أعني : الأمد الموهوم أيضاً موجوداً ، إذ لا نعقل معنى لتقييد الفعل بالظرفيّة سوى ذلك ، فمعنى وقوع الإفطار في النهار تحقّقه مقارناً لوجود النهار ، ونحوه الصلاة عند دلوك الشمس أو الصوم في شهر رمضان ونحو ذلك ، فمعنى القيديّة في جميع ذلك أن يكون ذلك الزمان موجوداً وهذا الفعل أيضاً موجود ، فإذا شككنا في المقام في بقاء النهار نستصحب وجوده ، وبعد ضمّه إلى الإفطار المعلوم بالوجدان يلتئم الموضوع وينتج أفطر والنهار موجود فيترتّب عليه الأثر ، ولا حاجة إلى إثبات أنّ هذا الجزء من الزمان جزء من النهار ليكون مثبتاً بالإضافة إليه ، لعدم الدليل على لزوم إحرازه بوجه.

وعلى الجملة : الفعل المقيّد بالزمان مرجعه إلى لحاظه في الموضوع على نحو مفاد كان التامّة ، أي وجوده والزمان موجود ، وهذا قابل للاستصحاب لدى الشكّ في بقاء الزمان ، وإنّما يمتنع لو كان ملحوظاً على نحو مفاد كان الناقصة ، ولأجله يجري الاستصحاب فيما لو صلّى عند الشكّ في بقاء الوقت ، ومن هذا القبيل استصحاب بقاء رمضان في يوم الشكّ ، فإنّه وإن لم يمكن إثبات أنّ هذا اليوم من رمضان إلّا أنّه يمكن أن نقول : إنّ رمضان كان والآن كما كان فيجب الإمساك ، كما هو الحال في غيره من الأفعال المقيّدة بالزمان حسبما عرفت.

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ١٣٠ ١٣٣.

٤٣٨

[٢٤٩٧] مسألة ٢ : يجوز له فعل المفطر ولو قبل الفحص ما لم يعلم طلوع الفجر ولم يشهد به البيّنة ، ولا يجوز له ذلك إذا شكّ في الغروب ، عملاً بالاستصحاب في الطرفين.

ولو شهد عدل واحد بالطلوع أو الغروب فالأحوط ترك المفطر ، عملاً بالاحتياط ، للإشكال في حجّيّة خبر العدل الواحد وعدم حجّيّته ، إلّا أنّ الاحتياط في الغروب إلزامي وفي الطلوع استحبابي ، نظراً للاستصحاب (*) (١).

التاسع : إدخال الماء في الفم للتبرّد بمضمضةٍ أو غيرها فسبقه ودخل الجوف ، فإنّه يقضي ولا كفّارة عليه. وكذا لو أدخله عبثاً فسبقه. وأمّا لو نسي فابتلعه فلا قضاء عليه أيضاً وإن كان أحوط.

ولا يلحق بالماء غيره على الأقوى وإن كان عبثاً ، كما لا يلحق بالإدخال في الفم الإدخال في الأنف للاستنشاق أو غيره وإن كان أحوط في الأمرين (٢).

______________________________________________________

(١) هذه المسألة يظهر وجهها ممّا تقدّم ، فلا نعيد.

(٢) أمّا إذا نسي فابتلع فلا شي‌ء عليه كما تقدّم ، فإنّه رزقٌ رزقه الله بعد أن لم يكن قاصداً للإفطار بوجه.

وأمّا فيما لو قصد المضمضة مثلاً فدخل بغير اختياره ، فعدم الكفارة حينئذٍ واضح ، لأنّها مترتّبة على العمد والقصد ، ولا عمد حسب الفرض.

وأمّا القضاء فمقتضى القاعدة عدمها أيضاً ، لأنّها مترتّبة على بطلان الصوم ، ولا بطلان إلّا مع الاختيار في الإفطار ولو لعذر ، والمفروض عدمه في المقام ،

__________________

(*) لا يبعد ثبوت الطلوع والغروب بخبر العدل الواحد أو الثقة.

٤٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فالقاعدة تقتضي عدم القضاء كعدم الكفّارة.

وعلى طبق هذه القاعدة وردت موثّقة عمّار : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء وهو صائم «قال : ليس عليه شي‌ء إذا لم يتعمّد ذلك» ، قلت : فإن تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء؟ «قال (عليه السلام) : ليس عليه شي‌ء» ، قلت : فإن تمضمض الثالثة؟ قال : «فقال (عليه السلام) : قد أساء ، ليس عليه شي‌ء ولا قضاء» (١).

وقوله (عليه السلام) : «قد أساء» محمول على الكراهة ، حذراً من أن يجعل نفسه في معرض الدخول في الحلق.

ومقتضى الإطلاق في هذه الموثّقة عدم الفرق بين ما إذا تمضمض في وضوءٍ أو عبثاً ، ولكن لا بدّ من تقييده بالوضوء ، جمعاً بينها وبين موثّقة سماعة المصرّحة بالقضاء فيما إذا كان عبثاً ، قال : سألته عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش فدخل حلقه «قال : عليه قضاؤه ، وإن كان في وضوء فلا بأس به» (٢).

فتُحمَل تلك الموثّقة على التمضمض للوضوء.

فإن قلت : كيف تُحمَل عليه مع التعبير فيها ب : «أساء» الظاهر في الكراهة كما ذكر ، مع أنّ استحباب المضمضة ثلاثاً حال الوضوء لا يفرق فيه بين الصائم وغيره؟

قلت : لا يبعد الالتزام بالكراهة في المرّة الثالثة للصائم المتوضّئ فيما لو سبقه الماء في المرّتين الأوليين ، عملاً بظاهر هذه الموثّقة بعد التقييد المزبور ، فإنّ

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٧٢ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ٥.

(٢) الوسائل ١٠ : ٧١ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٣ ح ٤.

٤٤٠