موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢٤٨١] مسألة ١٢ : لو أفطر يوم الشكّ في آخر الشهر ثمّ تبيّن أنّه من شوّال ، فالأقوى سقوط الكفّارة (١) وإن كان الأحوط عدمه ، وكذا لو اعتقد أنّه من رمضان ثمّ أفطر متعمّداً فبان أنّه من شوّال ، أو اعتقد في يوم الشكّ في أوّل الشهر أنّه من رمضان فبان أنّه من شعبان.

______________________________________________________

هذا التقييد عدم جواز الإفطار قبل ذلك ، لأنّ الحيض إنّما يمنع عن الصوم من حين حدوثه ، أمّا قبله فهي مأمورة بالإمساك ، فلو أفطرت لزمتها الكفّارة كما عرفت.

(١) فإن موضوع الحكم بالكفّارة في الأدلة إنّما هو الإفطار في شهر رمضان ، ومعلومٌ أنّ اللفظ موضوع للمعنى الواقعي لا الاعتقادي وإن كان مخطئاً فيه ، فلو اعتقد بأمارة أو غيرها أنّ هذا اليوم من رمضان ومع ذلك أفطر متعمّداً ثمّ انكشف أنّه من شعبان أو تبدّل الاعتقاد بالشكّ بناءً على ما هو الصحيح من عدم حجّيّة قاعدة اليقين ، فكان المرجع استصحاب بقاء شعبان أو عدم دخول رمضان ، لم يكن أثرٌ لإفطاره ، فلا بدّ في الكفّارة من الاعتقاد الجزمي أو قيام حجّة معتبرة على كون اليوم من شهر رمضان من غير انكشاف الخلاف في شي‌ء منهما.

وكذلك لو أفطر يوم الشكّ في كونه آخر رمضان أو أوّل شوّال. فإنّ وظيفته الشرعيّة حينئذٍ هو الإمساك بمقتضى قوله (عليه السلام) : «صم للرؤية وأفطر للرؤية» (١) ، فلو خالف وأفطر ثمّ انكشف أنّه من شوّال ، أو اعتقد ذلك فتخيّل أنّ هذا اليوم من رمضان جزماً فأفطر ثمّ تبيّن خلافه لم تجب عليه الكفّارة.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٢٥٥ ، ٢٥٧ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٣ ح ١٣ و ١٩.

٣٦١

[٢٤٨٢] مسألة ١٣ : قد مرّ أنّ من أفطر في شهر رمضان عالماً عامداً إن كان مستحلا فهو مرتدّ (١) ، بل وكذا إن لم يفطر ولكن كان مستحلا له ، وإن لم يكن مستحلا عُزّر بخمسة وعشرين سوطاً (*) ، فإن عاد بعد التعزير عُزِّر ثانياً ، فإن عاد كذلك قُتِل في الثالثة ، والأحوط قتله في الرابعة.

[٢٤٨٣] مسألة ١٤ : إذا جامع زوجته في شهر رمضان وهما صائمان مكرهاً لها كان عليه كفّارتان وتعزيران خمسون سوطاً (**) (٢) ، فيتحمّل عنها الكفّارة والتعزير.

وأمّا إذا طاوعته في الابتداء فعلى كلّ منهما كفّارته وتعزيره.

______________________________________________________

وملخّص الكلام : أنّه لا أثر للاعتقاد ولا للحجّة الشرعيّة إذا انكشف خلافها ، فإنّ الحكم الظاهري إنّما يكون حجّة ما دام موجوداً ، فإذا تبدّل باليقين بالخلاف فلا أثر له.

نعم ، استحقاق العقاب من جهة التجرّي أمر آخر ، بل ربّما يكون ذلك منافياً للعدالة ، وأمّا من حيث الكفّارة فلا أثر له بوجه كما عرفت.

(١) وقد تقدّم الكلام حول ذلك مستقصًى في أوّل كتاب الصوم ، فلاحظ (٣).

(٢) أمّا مع المطاوعة فلا إشكال في أنّ على كلّ منهما كفّارةً وتعزيراً.

__________________

(*) وقد مرّ الكلام فيه وفيما بعده [في أوّل كتاب الصوم في التعليقة الثانية والثالثة].

(**) على الأحوط.

(١) في ص ٣.

٣٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا مع الإكراه فقد يفرض استمرار الإكراه إلى نهاية العمل ، وأُخرى انضمامه مع المطاوعة : إمّا بتقدّم الأوّل بأن تكون مكرَهة في الابتداء مطاوعة في الأثناء أو عكس ذلك ، فالصور ثلاث ، وقد حكم (قدس سره) في الصورة الأُولى بتحمّلهما عنها ، فعليه كفّارتان وتعزيران ، وأمّا في الأخيرتين فعلى كلّ منهما كفّارة وتعزير ، وإن كان الأحوط في الصورة الثانية كفّارة منها وكفّارتين منه.

أقول : يقع الكلام تارةً : فيما تقتضيه القواعد الأوّلية مع قطع النظر عن الرواية الخاصّة الواردة في المقام ، وأُخرى : فيما تقتضيه الرواية.

أما بالنظر إلى القاعدة ، فلا شكّ في أنّ مقتضاها وجوب الكفّارة على الزوج فقط وسقوطها عن الزوجة المكرَهة ، لأجل حديث الرفع ، فإنّ الإفطار الذي هو موضوع للكفّارة إذا كان مرفوعاً بالحديث لكونه مكرَهاً عليه فمعناه عدم ترتّب أثر عليه ، فلا تتعلّق به الكفّارة.

نعم ، هو مبطل ، لصدوره عن القصد والاختيار ، ولذا يجب القضاء ، لكونه من آثار ترك المأمور به لا فعل المفطر ، فلا يرتفع بالحديث كما سبق في محلّه وإن صدر الفعل عنها على وجهٍ سائغ ، لكونه مكرَهاً عليه.

وعلى الجملة : فمقتضى الحديث سقوط الكفّارة عنها ، ومعه لا وجه لتحمّل الزوج عنها ، فإنّ انتقال الكفّارة من أحدٍ إلى آخر لا مقتضي له وعلى خلاف القاعدة فلا يصار إليه ما لم يقم عليه دليل بالخصوص. وعليه ، فليس على الزوج المكرِه إلّا كفّارة واحدة ، ولا شي‌ء على الزوجة أبداً.

هذا كلّه مع استمرار الإكراه.

٣٦٣

وإن أكرهها في الابتداء ثمّ طاوعته في الأثناء (١) فكذلك على الأقوى ، وإن كان الأحوط كفّارة منها وكفّارتين منه (*). ولا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة.

______________________________________________________

(١) وأمّا لو أُكرِهت أوّلاً ثمّ طاوعت في الأثناء ، أو بالعكس ، فمقتضى الإطلاقات ثبوت الكفّارة عليها حينئذٍ ، لقصور الحديث عن شمول الفرض ، إذ هو بلسان الامتنان ، ومعلومٌ أنّ الامتنان مخصوصٌ بما إذا لم يستند الفعل إلى فاعله إلّا على سبيل الإكراه ، وأمّا الملفّق منه ومن الاختيار باعتبار اختلاف الحالات فكان مختاراً في بعضه ومكرهاً في بعضه الآخر ، بحيث لم يصدق عليه الإكراه المحض وبالقول المطلق فمثله غير مشمول للحديث ، إذ لا امتنان في رفعه بالإضافة إلى غير حالة الإكراه ، فإنّ الجماع وإن كان بمجموعه فعلاً واحداً عرفاً وموجوداً بوجود واحد ، ومن هنا قلنا : إنّه لا تتعدّد الكفّارة بتعدّد الإدخال والإخراج كما سبق ، إلّا أنّ هذا الفعل الواحد له إضافتان ومنسوب إلى فاعله بإسنادين باعتبار اختلاف الحالتين ، فهو مكرَه في بعض الوقت ومختار في البعض الآخر ، والحديث منصرف عن مثل ذلك جزماً ، فإذا لم يكن في جميع أحواله مكرَهاً لم يشمله الحديث.

ألا ترى أنّه لو اكره على شرب الماء بمقدار قليل فشرب حتّى شبع وارتوى ، أو على طبيعي شرب الخمر الصادق على جرعة واحدة فشرب وجبة واحدة مشتملة على جرع عديدة ، أفهل يحكم بعدم وجوب الكفّارة في الأوّل ، أو بعدم

__________________

(*) لا يترك.

٣٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

استحقاق الحدّ في الثاني ، بدعوى أن الشرب المزبور موجود واحد مستمرّ لا يتعدّد بتعدّد الجرع؟ كلّا ، فإنّه وإن كان وجوداً واحداً إلّا أنّ الضرورات تقدّر بقدرها ، فلا إكراه إلّا في جزء من هذا العمل ، وأمّا الزائد عليه فهو فعل اختياري مستند إلى فاعل مختار ، فيشمله حكمه من الحدّ والكفّارة ونحو ذلك.

ومثله ما لو اكره على ضرب أحدٍ سوطاً فضربه عشرة أسواط.

وعلى الجملة : فحديث الرفع إنّما يرفع الفعل الصادر عن إكراه حدوثاً وبقاءً ، دون ما كان كذلك حدوثاً فقط أو بقاءً كذلك ، فلو كانت مكرَهة على الجماع في الابتداء ثمّ طاوعته بقاءً يصدق عليها أنّها تعمّدت الجماع ، فيرجع إلى إطلاقات الكفّارة بعد أن لم يكن مثله مشمولاً للحديث كما عرفت.

ولو كان بالعكس فالأمر أوضح ، فلو طاوعته أوّلاً ثمّ أُكرهت فحدوث الجماع كان باختيارها فأفطرت عمداً واختياراً ، فيشملها في هذا الآن إطلاق دليل الكفّارة ، ولا أثر للإكراه اللّاحق في رفع الكفّارة السابقة كما هو ظاهر جدّاً.

فتحصّل : أنّ مقتضى القاعدة والأدلّة الأوّلية عدم وجوب أزيد من كفّارة واحدة على الزوج ، إذ لا دليل على تحمّل الكفّارة عن الغير بوجه ، وأمّا الزوجة المكرَهة فلا شي‌ء عليها مع الإكراه المحض المستمرّ إلى الآخر ، أخذاً بحديث الرفع ، وأمّا لو طاوعته ولو في الجملة إمّا في أوّل الجماع أو في وسطه أو الآخر فحديث الرفع قاصر الشمول لذلك ، ومقتضى الإطلاقات تعلّق الكفّارة حينئذٍ بها أيضاً ، لصدق أنّها جامعت اختياراً ، كما أنّ على كلّ منهما التعزير حسبما عرفت.

هذا ما تقتضيه القاعدة الأوّلية.

٣٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا بالنظر إلى النصّ الخاصّ الوارد في المقام ، فقد روى الكليني في الكافي عن علي بن محمّد بن بندار ، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر ، عن عبد الله بن حمّاد ، عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة «فقال : إن كان استكرهها فعليه كفّارتان ، وإن كان طاوعته فعليه كفّارة وعليها كفّارة ، وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطاً نصف الحدّ ، وإن كان طاوعته ضُرب خمسة وعشرين سوطاً ، وضُربت خمسة وعشرين سوطاً» (١).

قال المحقّق في المعتبر على ما نقل عنه صاحب الوسائل ـ : أنّ سند هذه الرواية ضعيف ، لكن علماءنا ادّعوا على ذلك إجماع الإماميّة ، فيجب العمل بها.

أقول : لا إشكال في أنّ الرواية ضعيفة السند كما ذكره (قدس سره) إلّا أنّه لم يُعلم أنّ تضعيفه مستندٌ إلى أيّ راوٍ من رواة السند.

أمّا علي بن محمّد بن بندار الذي هو شيخ الكليني ويروي عنه كثيراً : فهو بهذا العنوان لم يرد فيه توثيق ولا مدح ، ولكن الظاهر أنّ هذا هو علي بن محمّد بن أبي القاسم بندار ، وبندار لقب لجدّه أبي القاسم ، وقد وثّقه النجاشي صريحاً (٢).

وأمّا إبراهيم بن إسحاق الأحمر : فهو ضعيف جدّاً كما تقدّم سابقاً (٣) ضعّفه النجاشي والشيخ (٤).

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٦ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٢ ح ١ ، الكافي ٤ : ١٠٣ / ٩.

(٢) رجال النجاشي : ٣٥٣ / ٩٤٧.

(٣) في ص ٣٤٤.

(٤) رجال النجاشي : ١٩ / ٢١ ، فهرست الطوسي : ٧ / ٩.

٣٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا عبد الله بن حمّاد : فهو عبد الله بن حمّاد الأنصاري ، كما صرّح به في الكافي عند ذكر الرواية في كتاب الحدود ، وأشار إليه في الوسائل أيضاً (١). وقد ذكر النجاشي أنّه من شيوخ أصحابنا (٢) ، وهو كما ترى مدحٌ بليغ ، وظاهره أنّه معتمد عليه عند الأصحاب ، ويرجع إليه بما أنّه راوٍ كما لا يخفى ، على أنّه مذكور في أسناد كامل الزيارات.

وأمّا المفضّل بن عمر : ففيه كلام طويل الذيل تعرّضنا له في المعجم (٣) ، وهو الذي نُسِب إليه كتاب التوحيد ، والظاهر أنّه ثقة ، بل من كبار الثقات وإن وردت فيه روايات ذامّة ، إذ بإزائها روايات مادحة تتقدّم عليها ، لوجوهٍ تعرّضنا لها في محلّه.

نعم ، ذكر النجاشي أنّه فاسد المذهب مضطرب الحديث ، قال : وقيل إنّه كان خطّابيّاً (٤). والظاهر أنّه أراد بهذا القائل ابن الغضائري على ما نُسِب إليه (٥).

وكيفما كان ، فقد عدّه الشيخ المفيد (قدس سره) في إرشاده من شيوخ أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) وخاصّته وبطانته ومن ثقات الفقهاء الصالحين (٦).

__________________

(١) الوسائل ٢٨ : ٣٧٧ / أبواب بقيّة الحدود ب ١٢ ح ١ ، الكافي ٧ : ٢٤٢ / ١٢.

(٢) رجال النجاشي : ٢١٨ / ٥٦٨.

(٣) معجم رجال الحديث ١٩ : ٣١٧ / ١٢٦١٥.

(٤) رجال النجاشي : ٤١٦ / ١١١٢.

(٥) رجال ابن داود : ٢٨٠ / ٥١٢.

(٦) إرشاد المفيد ٢ : ٢١٦.

٣٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وعدّه الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة من السفراء الممدوحين (١) ، وذكر في التهذيب في باب المهور والأُجور رواية عن محمّد بن سنان عن مفضّل بن عمر ، ثمّ ناقش في سندها من أجل محمّد بن سنان فحسب (٢) ، وهو كالصريح في العمل برواية مفضّل وعدم الخدش من ناحيته.

وعدّه ابن شهرآشوب من ثقات أبي عبد الله (عليه السلام) ومن بطانته (٣).

أضف إلى ذلك الروايات المعتبرة الواردة في مدحه كما مرّ ، وما خصّه الصادق (عليه السلام) من كتاب التوحيد. وبعد هذا كلّه فلا يُعبأ بكلام النجاشي من أنّه فاسد المذهب ، كما أنّ ما ذكره من أنّه مضطرب الرواية غير ثابت أيضاً ، وعلى تقدير الثبوت فهو غير قادح بوثاقة الرجل ، غايته أنّ حديثه مضطرب ، أي قد ينقل ما لا يقبل التصديق أو يعتمد على أشخاص لا ينبغي الاعتماد عليهم. فالظاهر أنّ الرجل من الأجلّاء الثقات ، حتّى أنّ الشيخ مضافاً إلى عدّه إيّاه من السفراء الممدوحين اعتمد عليه في التهذيب كما عرفت.

وعلى أيّ حال ، فلا ينبغي الإشكال في ضعف الرواية بإبراهيم الأحمر كما مرّ.

ورواها الصدوق بطريق آخر (٤). وهو أيضاً ضعيف بمحمّد بن سنان.

وعليه ، فتارةً : ندّعي أنّ ضعفها منجبر بعمل الأصحاب ، فتعامل معها

__________________

(١) كتاب الغيبة : ٣٤٦.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٦١ / ١٤٦٤.

(٣) المناقب ٤ : ٣٠٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٣ / ٣١٣.

٣٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

معاملة الرواية المعتبرة ، وأُخرى : نلتزم بعدم حجّيّتها ، لعدم تماميّة مسلك الانجبار ، كما لا يبعد أن يكون هذا هو المستفاد من كلام المحقّق في المعتبر حيث تمسّك بالإجماع كما تقدّم نقله عن صاحب الوسائل. فإن كان المدرك هو الإجماع وألغينا الرواية عن درجة الاعتبار ، فما ذكره الماتن من اختصاص التحمّل بالإكراه المستمرّ هو الصحيح ، فإنّ هذا هو المتيقّن من مورد الإجماع ، فلا بدّ من الاقتصار عليه في الحكم المخالف لمقتضى القاعدة ، فيرجع فيما عداه ممّا اشتمل على المطاوعة سابقاً أو لاحقاً إلى ما تقتضيه القواعد من تعلّق الكفّارة والتعزير بكلّ منهما حسبما عرفت ، إذ المخرج عن الإطلاقات الأوّلية المثبتة للكفّارة لكلّ من جامع إنّما هو الإجماع المفروض قصوره عن الشمول للمقام ، فتكون هي المحكّم بطبيعة الحال.

والظاهر أنّ الماتن اعتمد على ذلك ، فيتّجه ما ذكره (قدس سره) من عدم الفرق بين صورتي الاشتمال على المطاوعة واختصاص التحمّل بالإكراه المستمرّ كما عرفت.

وأمّا إذا كان المدرك هو الرواية بناءً على اعتبارها ولو لأجل الانجبار ، فاللّازم حينئذٍ التفصيل بين الصورتين :

فإن كانت مطاوعة من الأوّل لم يكن أيّ أثر للإكراه اللّاحق ، بل تجب على كلّ منهما الكفارة ، أخذاً بإطلاق قوله (عليه السلام) : «وإن طاوعته فعليه كفّارة وعليها كفّارة» الصادق عليها إذا طاوعت في ابتداء الجماع ، سواء استمرّت كذلك أم تبدّل طوعها كرهاً ، فصرف وجود الجماع الصادق على أوّل جزء من الدخول المحقّق للجنابة إذا صدر عنها حال كونها مطاوعة فهو محكوم بالكفّارة ، عملاً بإطلاق الرواية ، وعروض الإكراه بعد ذلك لا يوجب رفع المطاوعة

٣٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الواقعة في ظرفها ، إذ الشي‌ء لا ينقلب عمّا هو عليه ، فلا يقتضي رفع الحكم الثابت عليها كما هو ظاهر جدّاً.

وأمّا إذا انعكس الأمر ، فكانت مكرهة من الأوّل مطاوعة في الأثناء ، فالظاهر حينئذٍ تعدّد الكفّارة على الزوج ، نظراً إلى اندراجه تحت إطلاق قوله (عليه السلام) : «إن كان استكرهها فعليه كفّارتان» ، إذ لا وجه لاختصاصه باستمرار الإكراه إلى الفراغ ، بل صرف وجود الجماع عن كره الصادق على أوّل جزء منه ولو آناً ما مشمولٌ لإطلاق العبارة ، وحصول المطاوعة بعدئذٍ لا أثر له في نفي ما تحقّق ، فيصدق من غير أيّة عناية أنّه أكره زوجته على الجماع ، فالرواية مطلقة من حيث استمرار الإكراه أو التبدّل بالمطاوعة ، فتتعلّق به الكفّارتان لا محالة.

ولكن لا دلالة للرواية على نفي الكفّارة عن الزوجة المستكرهة ، بل هي ساكتة من هذه الجهة ، وأقصى ما تدل عليه تعلّق الكفّارتين بالزوج ، فيرجع في الزوجة إلى ما تقتضيه القواعد الأوليّة ، وقد عرفت أنّ مفادها فيما نحن فيه أي في الإكراه المتعقّب بالمطاوعة تعلّق الكفّارة بها ، لعدم كونه مشمولاً لحديث رفع الإكراه.

وهذا هو منشأ احتياط الماتن حيث قال : وإن كان الأحوط كفّارة منها وكفّارتين منه. وهذا هو الصحيح على تقدير العمل بالرواية ، إذ لا ينبغي التأمّل في شمول إطلاقها لهذه الصورة ، لعدم العبرة بمرحلة البقاء لتؤثّر المطاوعة اللاحقة في رفع حكم الإكراه السابق ، فلو فرضنا أنّهما ماتا في الآن الثاني أو كان حدوث الجماع في آخر جزء من النهار ووقع بقاءً في الليل ، فإنّه يصدق أكرهها في نهار رمضان ، فتتعلّق به الكفّارتان ، أخذاً بإطلاق الرواية ،

٣٧٠

[٢٤٨٤] مسألة ١٥ : لو جامع زوجته الصائمة وهو صائم في النوم لا يتحمّل عنها الكفّارة ولا التعزير (١) ، كما أنّه ليس عليها شي‌ء ولا يبطل صومها بذلك.

______________________________________________________

وبما أنّها ساكتة عن حكم الزوجة فلا مناص من الالتزام بثبوت الكفّارة عليها أيضاً بمطاوعتها في الأثناء ، عملاً بالقواعد العامّة حسبما عرفت.

ثمّ إنّه لا فرق في الزوجة فيما ذكرناه بين الدائمة والمنقطعة ، لوحدة المناط وإطلاق النصّ ، كما أشار إليه في المتن.

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّه إن تمّ الإجماع في المسألة فهو المتّبع ، ويقتصر على المتيقّن من مورده ، وإلّا فلا دليل عليها ، لضعف الرواية ، وعدم تماميّة القول بالجبر ، فالحكم مبني على الاحتياط.

(١) فإنّ التحمّل عن الغير على خلاف القاعدة ، وقد ثبت ذلك بالإجماع أو بالرواية كما تقدّم ، والمتيقّن من الأوّل ما إذا كانت المرأة المكرَهة شاعرة كزوجها ، كما أنّ مورد الثاني هو ذلك ، ففرض الجماع وهي نائمة غير مشمول للدليل المخرج فيبقى تحت مقتضى القواعد فلا يتحمّلها الزوج عنها وإنّما عليه كفّارته ، وأمّا الزوجة فلا شي‌ء عليها لا الكفّارة ولا التعزير ولا القضاء ، لعدم بطلان الصوم بعد فقد القصد والاختيار كما هو ظاهر.

وهل الحكم كذلك فيما لو أجبر زوجته على الجماع على نحوٍ كانت مسلوبة الإرادة والاختيار لكنّها شاعرة لا نائمة ، كما لو شدّ يديها ورجليها فوطئها وهي لا تتمكن من الدفاع عن نفسها ، أو لا؟

٣٧١

وكذا لا يتحمّل عنها إذا أكرهها على غير الجماع من المفطرات (١) حتّى مقدّمات الجماع وإن أوجبت إنزالها.

[٢٤٨٥] مسألة ١٦ : إذا أكرهت الزوجة زوجها لا تتحمّل عنه شيئاً.

______________________________________________________

أمّا إذا كان المستند هو الإجماع فالمتيقّن منه غير المقام ، وهو الإكراه المتعارف ، أعني : صدور الفعل عن المكره بالاختيار دفعاً لضرر المكرِه وتوعيده ، فمورد الإجبار المنتفي فيه الاختيار غير مشمول له ، بل المرأة المجبورة في حكم النائمة في أنّه لا كفّارة ولا تعزير ولا بطلان ولا تحمّل حسبما تقدّم.

وأمّا لو كان المستند هو الرواية ، فقد يقال بأنّ شمولها للمقام غير بعيد ، إذ الاستكراه المذكور فيها أعمّ من الإكراه الاصطلاحي ومن الإجبار المقابل للاختيار ، لأنّه مقابل للمطاوعة فيشمل القسمين.

وهذا وإن كان محتملاً في نفسه إلّا أنّ دعوى ظهور اللفظ فيه مشكلة ، إذ لم يعلم أنّ المراد به المعنى الجامع أو خصوص الإكراه الاصطلاحي المتعارف ، فلم يثبت شمول الحكم لمورد الإجبار ، ومجرّد الشكّ كافٍ في الرجوع إلى أصالة العدم.

(١) لاختصاص النصّ وكذا الإجماع بالجماع ، فلا دليل على التحمّل في الإكراه على غيره من سائر المفطرات حتّى الملاعبة وغيرها من مقدّمات الجماع وإن أدّت إلى إمنائها.

وهذا من غير فرق بين الزوجة وغيرها ، فلو أكره غيره على الأكل أو الشرب لم يتحمّل عنه ، لأصالة العدم بعد عدم الدليل على التحمّل كما هو ظاهر.

وممّا ذكرنا يظهر الحال في المسألة الآتية ، فلاحظ.

٣٧٢

[٢٤٨٦] مسألة ١٧ : لا تلحق بالزوجة الأمة إذا أكرهها على الجماع وهما صائمان (١) ، فليس عليه إلّا كفّارته وتعزيره.

وكذا لا تلحق بها الأجنبيّة إذا أكرهها عليه على الأقوى ، وإن كان الأحوط التحمّل عنها ، خصوصاً إذا تخيل أنّها زوجته فأكرهها عليه.

______________________________________________________

(١) لخروجها عن معقد الإجماع ، وقصور الرواية عن الشمول لها ، لأنّ المذكور فيها «امرأته» ، وظاهر هذه الكلمة عرفاً هي الزوجة ، فشمولها للأمة المملوكة غير معلوم ، بل معلوم العدم.

وكذا الحال في الأجنبيّة ، لعين ما ذكر.

ودعوى الأولويّة القطعيّة فيها ، نظراً إلى أنّ تشريع الكفّارة لتخفيف الذنب الذي هو في الزنا أعظم فالكفّارة ألزم.

مدفوعة بأنّ للزنا أحكاماً خاصّة من الرجم أو الجلد ومهر المثل على المكرِه ، فمن الجائز الاكتفاء بها عن الكفّارة.

على أنّ اللواط أعظم من الزنا جزماً ولم يثبت هذا الحكم في الإكراه عليه بالضرورة ، فليس كلّ محرّم مستدعياً لتعلّق هذا الحكم ، فلا موجب للتعدّي عن مورد الدليل.

وأمّا ما ذكره في المتن من الاحتياط في التحمّل ففي محلّه ، لكن قوله (قدس سره) : خصوصاً ... إلخ ، لم نعرف له وجهاً ، فإنّ الجماع مع الأجنبيّة بتخيّل أنّها زوجته لا يعدو عن كونه وطء شبهة ، وموضوع الحكم إنّما هو الجماع مع الزوجة الواقعيّة لا الخياليّة ، ومن المعلوم أنّ جريان حكم الزوجة على الموطوءة بالشبهة يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل على الإلحاق إلّا في بعض

٣٧٣

[٢٤٨٧] مسألة ١٨ : إذا كان الزوج مفطراً بسبب كونه مسافراً أو مريضاً أو نحو ذلك وكانت زوجته صائمة ، لا يجوز له إكراهها على الجماع (١) ، وإن فعل لا يتحمّل عنها الكفّارة ولا التعزير. وهل يجوز له مقاربتها وهي نائمة؟ إشكال (*).

______________________________________________________

الأحكام ، مثل : إلحاق الولد ، ونحو ذلك.

وعلى الجملة : لا خصوصية للموطوءة شبهةً ، بل هي كالأجنبيّة في الخروج عن مورد النصّ ، فلا موجب للتعدّي إلى شي‌ء منهما.

(١) أمّا مع مطاوعتها فلا إشكال في تعلّق الكفارة بها ، وأمّا مع الإكراه فيقع الكلام في جهتين :

تارةً : في أنّ الزوج هل يتحمّل كفّارتها كما كان يتحمّل لدى كونه صائماً؟

وقد ظهر الحال في هذه الجهة ممّا تقّدم ، وأنّه لا تحمّل في المقام ، إذ هو على خلاف القاعدة ، والنصّ أو الإجماع يختصّ بما إذا كانا صائمين معاً ، ففرض صوم الزوجة فقط خارجٌ عن الدليل المخصّص باقٍ تحت مقتضى القواعد.

واخرى : في جواز هذا العمل في نفسه وأنّه هل يسوغ للزوج المفطر إكراه زوجته الصائمة على الجماع ، أو أنّه حرام؟

ادّعى بعضهم حرمته ، باعتبار أنّه لا يجوز لأحدٍ أن يكره غيره فيما ليس له عليه حقّ ، إذ ليس لأحد السلطنة على غيره بإجباره إلّا لأجل إحقاق حقّه المشروع الثابت له عليه ، كما لو أكره الغريم المماطل على أداء الدين ، وأمّا فيما لا حقّ له كما في المقام ، حيث إنّ الزوج ليس له حقّ الانتفاع في هذا الحال فلا

__________________

(*) إلّا أنّ الجواز غير بعيد.

٣٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

يسوغ له الإجبار ، لأنّ حرمة الإفطار عليها مانعٌ عن ثبوت هذا الحق ، إلّا أن يقال بعدم المانعيّة.

فبنوا المسألة على المناقشة الصغرويّة وأنّ وجوب الصوم عليها هل يمنع الزوج عن حقّ الانتفاع من البضع ، أو لا؟

فعلى تقدير المنع وانتفاء الحقّ لا يجوز له الإجبار وإلّا جاز.

ولكنّ الظاهر أنّ الكبرى في نفسها غير تامّة وإن سلّمنا الصغرى وبنينا على المانعيّة ، إذ لا دليل على حرمة إكراه الغير على ما ليس له فيه الحقّ على نحو الكبرى الكلّيّة.

نعم ، لو كان العمل المكرَه عليه محرّماً كشرب الخمر أو كان المتوعد عليه شيئاً لا يسوغ ارتكابه في حدّ نفسه كما لو هدّده بالقتل أو الضرب أو الهتك ، أو خوّفه بنحو ذلك من أقسام الإيذاء التي لا يجوز ارتكابها شرعاً ، من أجل أنّ تخويف المؤمن حرام وإن لم يكن في البين أيّ إكراه كان الإكراه المزبور حراماً حينئذٍ كما هو ظاهر.

وأمّا لو لم يكن لا هذا ولا ذاك فيلزمه ويكرهه على عمل سائغ وإن لم يكن له فيه الحقّ بتوعيده بما هو أيضاً سائغ في حدّ نفسه ، كما لو فرضنا أنّ الزوجة تعمل عملاً غير منافٍ لحقّ الزوج من كتابةٍ أو خياطةٍ أو مطالعةٍ ونحو ذلك ممّا لا ينافي حقّ الاستمتاع ، ولكن الزوج لا يعجبه ذلك العمل ولا يرضى به فيهدّدها بالطلاق أو بالتسرّي عليها ، أو بترك الإنفاق على ابنتها التي هي ربيبته ، ونحو ذلك ممّا هو سائغ على الزوج ومرخّص في ارتكابه شرعاً ، فلا دليل على حرمة مثل هذا الإكراه ، فإنّ الإكراه من حيث هو إكراه لا حرمة فيه ، لعدم كونه ظلماً ولا تعدّياً ، وإنّما هو إلزام وتوعيد للغير بأن يفعل كذا أو يترك كذا.

٣٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فإذا فرضنا أنّ الفعل المكرَه عليه يصدر عن المكرِه على وجه سائغ ، والإكراه أيضاً بشي‌ء هو سائغ للمكره ، كما لو كانت المرأة مستطيعة ولكن الزوج لا تسمح له نفسه بذهابها إلى الحجّ ، فيعدم موضوع الاستطاعة بالإكراه ، فيقول : إن ذهبتِ إلى الحجّ طلّقتكِ أو تزوجت عليكِ اخرى وكلّ من الطلاق والتزوج حرج عليها ، وهو أمر سائغ في الشريعة المقدّسة ، حتّى ابتداءً ومن غير إكراه ، أفهل هناك مانع من جواز هذا الإكراه؟

والمقام من هذا القبيل ، فإنّ تمكين الزوجة الصائمة وإن كان حراماً إلّا أنّه بالإكراه يرتفع موضوع الحرمة بمقتضى حديث الرفع فيصدر عنها الفعل بنحو سائغ ، فإذا أكرهها الزوج بالتوعيد بشي‌ء هو سائغ له من الطلاق ونحوه فأيّ مانع من هذا الإكراه؟! وعلى الجملة : لم يقم أيّ دليل على هذه الكبرى أعني : عدم جواز الإكراه على ما ليس له فيه حقّ فإنّه وإن لم يكن له حقّ في العمل المكره عليه إلّا أنّه قد يكون له حقّ آخر ، وهو الحقّ فيما به يتحقّق الإكراه والتوعيد ، نظراً إلى حلّيّته وجوازه وأنّه أمر سائغ له حلال عليه مرخّص في ارتكابه شرعاً ، كالطلاق أو التزويج بامرأة اخرى ونحوهما ممّا عرفت.

فهذه الكبرى غير ثابتة ولا نناقش في المسألة من هذه الجهة ، وإنّما الذي ينبغي التكلّم فيه هو أنّه هل يجوز الإكراه على أمرٍ محرّم في نفسه ولو كان المتوعد عليه مباحاً؟ فإنّ الحرام الصادر عن المكرِه وإن كان حلالاً حال الإكراه بمقتضى حديث رفع الإكراه إلّا أنّ الشأن في أنّه هل يجوز إيجاد موضوع الجواز بالإكراه أو لا؟ فلا بدّ من البحث عن هذه النكتة التي هي مبنى المسألة ، لا البحث عن جواز الإكراه فيما لا حقّ له ، الذي لا ينبغي التأمّل في جوازه حسبما عرفت.

٣٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فنقول : الظاهر عدم الجواز ، فإن الشارع أو المولى العرفي إذا نهى شخصين أو جماعة عن ارتكاب عمل ، يفهم العرف من ذلك أنّ المبغوض للمولى هو صدور هذا العمل وتحقّقه خارجاً من غير خصوصيّة لجهة الإصدار ، وأنّ المتصدّي له هل هو الفاعل بالمباشرة أو بالتسبيب ، ولا ينبغي التأمّل في أنّ هذا هو مقتضى الفهم العرفي ، فلو منع المولى شخصين عن الدخول عليه فأكره أحدهما الآخر وأجبره على الدخول يعاقب المكرِه على فعله التسبيبي وإن كان المكرَه معذوراً في عمله.

وعليه ، فالمستفاد ممّا دلّ على حرمة الجماع حال الصوم أنّ الشارع لا يرضى بتحقّق هذا الفعل الخارج وأنّ مطلق وجوده مبغوض له ، وقصارى ما يقتضيه حديث رفع الإكراه هو رفع المؤاخذة والعقاب دون المبغوضيّة ، فالفاعل بالمباشرة معذور في إيجاد هذا المبغوض بمقتضى الحديث ، وأمّا الفاعل بالتسبيب فقد أوجد المبغوض للمولى من غير عذر ، وبذلك يكون مرتكباً للحرام بطبيعة الحال.

وعلى هذا الأساس بنينا في كتاب الطهارة على عدم جواز تقديم الطعام أو الشراب النجس إلى المكلف الجاهل ليأكله أو يشربه ، فإنّ المباشر وإن كان معذوراً لجهله كما هو معذور في المقام من جهة الإكراه حسبما عرفت إلّا أنّ الفاعل بالتسبيب غير معذور في التصدّي لإيجاد مبغوض المولى خارجاً ، حيث انّه يستفاد من دليل المنع عن أكل النجس أو شربه عدم رضا الشارع بتحقّق هذا العمل خارجاً. وقد عرفت أنّ الفهم العرفي يقتضي عدم الفرق بين الفاعل بالمباشرة أو بالتسبيب.

نعم ، يتوقّف ما ذكرناه على ما إذا كان المقتضي للحرمة محرزاً كما في المقام ، وأمّا لو شكّ في تحقّقه لفقد ما يحتمل دخله فيه فضلاً عمّا علم الدخل كصدور الفعل عن الفاعل المختار فسبّب أحدٌ في صدوره عمّن لا شعور له ولا اختيار ،

٣٧٧

[٢٤٨٨] مسألة ١٩ : من عجز عن الخصال الثلاث في كفّارة مثل شهر رمضان تخيّر بين أن يصوم ثمانية عشر يوماً أو يتصدّق بما يطيق (*) (١).

______________________________________________________

لم يبعد الحكم بالجواز حينئذٍ ، بل لعلّه الأظهر ، كما لو قارب المفطر زوجته الصائمة وهي نائمة ، فإنّ الظاهر أنّه لا بأس بهذا الجماع وإن استشكل فيه في المتن لكونه من التسبيب نحو صدور الفعل عمّن لا إرادة له ولا اختيار ، فلا يصدر عنه على صفة المبغوضيّة كي يحرم التسبّب إليه ، ولا أقل من الشكّ في ذلك ، والمفروض أنّ الزوج مفطر لا يحرم عليه الجماع من حيث هو ، فلا حرمة في المقام لا من حيث المباشرة ولا من ناحية التسبيب كما أشرنا إليه في التعليق.

(١) كما لعلّه المشهور ، بناءً منهم على أنّه مقتضى الجمع بين ما دلّ على أنّ البدل حينئذٍ هو صوم الثمانية عشر يوماً ، كرواية أبي بصير : عن رجل ظاهر من امرأته فلم يجد ما يعتق ، ولا ما يتصدّق ، ولا يقوى على الصيام «قال : يصوم ثمانية عشر يوماً ، لكلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام» (١).

ورواية أبي بصير كما في التهذيب ، وأبي بصير وسماعة بن مهران كما في الاستبصار : عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام ، (ولم يقدر على العتق) (٢) ، ولم يقدر على الصدقة : «قال : فليصم ثمانية عشر يوماً عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام» (٣).

__________________

(*) الأحوط اختيار التصدّق وضمّ الاستغفار إليه.

(١) الوسائل ٢٢ : ٣٧٢ / أبواب الكفّارات ب ٨ ح ١.

(٢) هذه الجملة غير مذكورة في الاستبصار كما أشار إليها معلق الوسائل.

(٣) الوسائل ١٠ : ٣٨١ / أبواب بقيّة الصوم الواجب ب ٩ ح ١ ، التهذيب ٤ : ٣١٢ / ٩٤٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٧ / ٣١٤.

٣٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وهي وإن كانت ضعيفة السند عند القوم لعدم توثيق إسماعيل بن مرّار ولا عبد الجبّار في كتب الرجال ، ولكنّها معتبرة عندنا ، لكون الأول مذكوراً في أسناد تفسير على بن إبراهيم ، والثاني في أسناد كامل الزيارات.

وبين ما دلّ على أنّه التصدّق بما يطيق ، كصحيحة عبد الله بن سنان : في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر «قال : يعتق نسمة ، أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستّين مسكيناً ، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق» (١).

وصحيحته الأُخرى : في رجل وقع على أهله في شهر رمضان فلم يجد ما يتصدّق به على ستّين مسكيناً «قال : يتصدّق بقدر ما يطيق» (٢).

فرفعوا اليد عن ظهور كلّ منهما في الوجوب التعييني بصراحة الأُخرى في جواز الآخر وحملوه على التخيير.

ولكنّه كما ترى ، لعدم ورود الطائفتين في موضوع واحد لتتحقّق المعارضة ويتصدّى للجمع أو العلاج ، فإنّ رواية أبي بصير الاولى صريحة في أنّ موردها الظهار الذي كفّارته العتق متعيّناً ، فإن عجز فصيام شهرين ، فإن عجز فإطعام الستّين ، وأين هذا من كفّارة شهر رمضان المخيّرة بين الخصال الثلاث التي هي محلّ الكلام؟! ولعلّ وجوب صوم الثمانية عشر مع التصريح بأنّ لكلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام من أجل أنّ الواجب أخيراً بمقتضى الترتيب هو إطعام الستّين ، فهو الفائت من المظاهر المزبور بعد عجزه عن الأولين ، فذلك جعل بدل كلّ عشرة مساكين صوم ثلاثة أيام حذو ما في كفّارة اليمين ، حيث أنّ الواجب فيها أوّلاً إطعام

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٤٤ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٤٦ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ٣.

٣٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

عشرة مساكين ، فإن عجز فصيام ثلاثة أيّام ، فيظهر منها بدليّة الثلاثة عن العشرة ، فيصير المجموع في المقام ثمانية عشر يوماً كما في الرواية.

وكذا الحال في روايته الثانية ، فإنّ الظاهر منها أيضاً ذلك ، لأنّ قوله : كان عليه صيام شهرين ... إلخ ، لا ينطبق على كفّارة شهر رمضان ، إذ ظاهره التعيين ، ولا تعيّن للصيام في هذه الكفّارة فإنّها تخييريّة ، والواجب إنّما هو الجامع ، وإنّما يتعيّن في كفّارة الظهار لدى العجز عن العتق بمقتضى الترتيب الملحوظ هنالك ، فيصحّ حينئذٍ أن يقال : إنّه كان عليه الصيام أي سابقاً وإن كان فعلاً عاجزاً عنه وعن الإطعام أيضاً كما هو المفروض في الرواية.

ويؤيّده قوله (عليه السلام) أخيراً : «عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام» حيث يظهر منه أنّ الفائت منه هو إطعام الستّين ، ولأجله حوسب بدل كلّ عشرة ثلاثة ، وهذا إنّما ينطبق على كفّارة الظهار المنتهية أخيراً إلى تعيّن الإطعام لا شهر رمضان حسبما عرفت آنفاً.

وإن أبيت عمّا استظهرناه من الاختصاص بالظهار ، فغايتها الإطلاق ، فتقيَّد بصحيحتي ابن سنان المتقدّمتين الصريحتين في أنّ البدل في كفّارة شهر رمضان هو التصدّق بما يطيق ، فتحمل رواية أبي بصير على كفّارة الظهار خاصّة ، فلا وجه للحكم بالتخيير أبداً ، بل يعمل بكلّ من الروايتين في موردهما ويحكم بوجوب الصوم ثمانية عشر يوماً في كفّارة الظهار معيّناً ، وبوجوب التصدّق بما يطيق معيّناً أيضاً في كفّارة شهر رمضان ، بل لا وجه له حتّى لو فرضنا ورود الروايتين معاً في مورد واحد ، أي في خصوص كفّارة شهر رمضان لعدم كونه من الجمع العرفي في شي‌ء.

نعم ، هو متّجه فيما إذا أحرزنا وحدة المطلوب ، وأنّ التكليف المجعول في البين ليس إلّا تكليفاً واحداً مردّداً بين هذا أو ذاك ، كما لو ورد الأمر بالقصر في رواية وورد الأمر بالتمام في نفس ذلك المورد في رواية أُخرى ، أو ورد الأمر

٣٨٠