موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

ويندفع بما أسلفناه قريباً من أنّ صوم رمضان وإن لم يكن مقيّداً بخصوصيّة وجوديّة إلّا أنّه مقيّدٌ بعنوان عدمي ، وهو عدم قصد الخلاف من سائر أقسام الصيام المانع عن انطباق الطبيعي على رمضان وهو غير متحقّق في المقام.

وعلى الجملة : إمّا أن يتعلق القصد بطبيعي الصوم على الإطلاق ، أو بالمقيّد برمضان ، أو بالمقيّد بخلافه ، ولا رابع ، فإنّ الإهمال في الواقعيّات أمرٌ غير معقول ، والصحّة تتوقف على تعلق القصد بأحد النحوين الأولين ، وهما منفيّان في المقام ، لفرض تعلّق النيّة بالخلاف الذي هو النحو الثالث الباطل ، ولا يصحّحه حديث الخطأ ، إذ بعد أن أوجب فقد القيد العدمي المزبور المانع عن الانطباق على رمضان فكيف يقع عنه؟! نعم ، يصحّ عمّا نواه على سبيل الترتّب على النحو الذي عرفت ، ويكون عاصياً في صورة العلم ، معذوراً في صورة الجهل كما هو ظاهر.

الجهة الثالثة : لو قصد في رمضان غيره جاهلاً أو ناسياً ثمّ انكشف الخلاف ، فهل يجزئ عنه؟

أمّا في الجاهل بالحكم فقد عرفت أنّه لا يجزئ وإن علم بالحال أثناء النهار وجدّد النيّة قبل الزوال كما ذكره في المتن ، لأنّ صوم رمضان مقيّد بقيد عدمي ، وهو أن لا ينوي غيره كما مرّ ، والمفروض أنه نوى ذلك ، ولا دليل على إجزاء غير المأمور به عن المأمور به ، كما لا دليل على جواز التجديد في المقام بعد كونه خلاف الأصل.

وأمّا في الجاهل بالموضوع أي أنّ هذا اليوم من رمضان كما لو صام في يوم الشكّ بعنوان شعبان ثمّ بان أنّه من رمضان فقد دلّت الروايات المستفيضة على الاجتزاء والصحّة وأنّ ذلك يومٌ وُفِّق له.

وهل يلحق به الناسي كما لو رأى الهلال ثمّ ذهل وغفل وصام تطوّعاً مثلاً ـ

٢١

كما أنّ الأحوط في المتوخّي أي المحبوس (١) الذي اشتبه عليه شهر رمضان وعمل بالظنّ أيضاً ذلك أي اعتبار قصد كونه من رمضان بل وجوب ذلك لا يخلو عن قوّة.

______________________________________________________

ثمّ ذكر أثناء النهار ، فهل له العدول؟

الظاهر هو اللحوق ، فإنّه وإن كان خارجاً عن مورد النصوص إلّا أنّ الفهم العرفي من تلك الأخبار يقتضي عدم الفرق بينه وبين الجهل ، وأنّ هذه الخصوصية ملغاة وغير دخيلة في مناط الحكم ، ولذا لو فرضنا عدم جهله بل كان عالماً قاطعاً بأنّ غداً من شعبان فصامه تطوّعاً ثمّ بان الخلاف قبل الزوال فلا إشكال في شمول الحكم له وإن كان خارجاً أيضاً عن مورد تلك النصوص ، ضرورة أنّ مثل التعبير بقوله : يومٌ وُفِّق له ، يدلّنا بوضوح على عدم خصوصيّة للجهل في ثبوت هذا الحكم بوجهٍ كما لا يخفى.

(١) لا يخفى أنّ مثل المحبوس ونحوه ممّن لا علم له بشهر رمضان ولا يمكنه الاستعلام بما أنّه يعلم إجمالاً بوجوب صيام شهر في مجموع السنة فمقتضى القاعدة هو الاحتياط بصيام الجميع تحصيلاً للقطع بالفراغ.

ولكن الإجماع قائم على عدم وجوبه في حقّه ، مضافاً إلى أنّ الأمر فيه دائرٌ بين محذورين ، إذ كلّ يوم كما يحتمل أن يكون من رمضان يحتمل أيضاً أن يكون من الأيّام التي يحرم صومها كالعيدين ، وعليه فلا مناص من التنزّل عن الامتثال القطعي إلى التوخّي والامتثال الظنّي إن أمكن ، وإلّا فإلى الامتثال الاحتمالي ، وحينئذٍ فصومه بحسب الواقع دائرٌ بين أُمور ثلاثة ، لأنّه إمّا أن يقع قبل رمضان ، أو فيه ، أو بعده.

فإذا انكشف الحال وكان الأوّل فهو تطوّعٌ ولا يجزئ عن رمضان ، إذ

٢٢

[٢٣٦٠] مسألة ١ : لا يشترط التعرّض للأداء والقضاء (١) ، ولا الوجوب والندب ، ولا سائر الأوصاف الشخصيّة ، بل لو نوى شيئاً منها في محلّ الآخر صحّ ، إلّا إذا كان منافياً للتعيين ، مثلاً : إذا تعلّق به الأمر الأدائي فتخيّل كونه قضائيّاً : فإن قصد الأمر الفعلي المتعلّق به واشتبه في التطبيق فقصده قضاءً (*) صح ، وأمّا إذا لم يقصد الأمر الفعلي بل قصد الأمر القضائي بطل ، لأنّه منافٍ

______________________________________________________

لا دليل على الإجزاء قبل حلول الإيجاب.

وإن كان الثاني فهو المطلوب ويجزئ حتّى مع عدم تبيّن الحال واستمرار الجهل ، فكيف بما إذا علم به وظهر؟! وإن كان الثالث كان قضاءً. وعلى ذلك فالمأتي به مردّد بين التطوّع ورمضان وقضائه ، ولأجله لا بدّ من تعيين أنّه من رمضان ليحسب منه إمّا أداءً أو قضاءً ، وإلّا فلو لم يعيّن وقصد طبيعي الصوم لم يقع عنه بل كان نافلةً وتطوّعاً ، فمن هذه الجهة احتاط (قدس سره) بالتعيين ، بل ذكر أنّ وجوبه لا يخلو من قوّة.

(١) نفى (قدس سره) اشتراط جملة من الأُمور في تحقّق العبادة ، لعدم دخلها في مسمّى الطاعة ، وهو وجيهٌ في الجملة لا بالجملة ، لعدم خلوّ بعضها من المناقشة.

أمّا التعرض للأداء والقضاء فممّا لا بد منه ، ضرورة اختلاف متعلّق أحدهما

__________________

(*) الظاهر أنّ القضاء والأداء طبيعتان متغايرتان ، ويترتّب على ذلك أنّه إذا كان الواجب في الواقع أداءً فتخيّل كونه قضاءً وأتى به بقصد أنّه قضاء بطل وكذا العكس ولو كان ذلك من جهة الاشتباه في التطبيق ، نعم في خصوص شهر رمضان إذا أتى بالصوم بتخيّل كونه قضاءً صحّ من رمضان دون العكس.

٢٣

للتعيين حينئذٍ ، وكذا يبطل إذا كان مغيّراً للنوع كما إذا قصد الأمر الفعلي لكن بقيد كونه قضائياً مثلاً أو بقيد كونه وجوبيّاً مثلاً (*) فبان كونه أدائيّاً أو كونه ندبيّاً ، فإنّه حينئذٍ مغيّرٌ للنوع ويرجع إلى عدم قصد الأمر الخاصّ.

______________________________________________________

عن الآخر ، فإنّ الأوّل هو العمل المأتيّ به في الوقت المضروب له ، والثاني هو الفعل في خارج الوقت ويتعلّق به أمر آخر على تقدير ترك الأوّل ، فهما متعدّدان أمراً ومتغايران متعلّقاً ، فإذا تعدّد المأمور به فلا مناص من قصده ولو إجمالاً ، ليمتاز عن غيره ، فلو صام وهو لا يدري أنّه أداءٌ أو قضاءٌ ولكن قصد الأمر الفعلي الذي هو نوع تعيين للمأمور به ولو بالإشارة الإجماليّة كفى ، أمّا لو قصد أحدهما مردّداً أو معيّناً وبقيد كونه أداءً مثلاً ثمّ انكشف الخلاف بطل ، لعدم تعلّق القصد بالمأمور به ، وغيره لا يجزئ عنه.

وأمّا نيّة الوجوب والندب فغير معتبرة كما ذكره في المتن ، لأنّهما خصوصيّتان قائمتان بنفس الأمر ولا يختلف متعلّق أحدهما عن الآخر ، فليست هذه الخصوصيّة مأخوذة في المتعلّق كما في الأداء والقضاء لتلزم رعايتها ، وإنّما هي من عوارض الأمر نفسه مع وحدة المتعلّق وهو الصوم الكذائي ، فلو تخيّل أنّ صوم شهر رمضان مستحبٌّ فصام بقصد القربة وامتثال الأمر فقد تحقّقت العبادة ، كما لو تخيّل أنّ صلاة الليل واجبة فصلّى بتخيّل الوجوب فإنّها تصحّ ، وإن كان ذلك بنحو التقييد ، بحيث لو كان يعلم أنّها غير واجبة لم يكن ليقوم في جوف الليل ، إذ لا أثر للتقييد في أمثال المقام من الموجودات الخارجية والجزئيّات الحقيقيّة ،

__________________

(*) الظاهر أنّه لا أثر للتقييد من جهة الوجوب والندب.

٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وإنّما يتّجه التقييد في العناوين الكلّيّة ، كما تكرّرت الإشارة إليه في مطاوي هذا الشرح.

ومن ثمّ حكمنا بصحّة الاقتداء خلف من في المحراب بعنوان أنّه زيد فبان أنّه عمرو وإن كان ذلك بنحو التقييد ، إذ لا يعقل التقييد لدى التحليل ، فإنّ الاقتداء جزئي خارجي دائر أمره بين الوجود والعدم ، ولا إطلاق فيه كي يقيَّد.

وجميع هذه الموارد وما شاكلها إنّما هي من باب تخلّف الداعي دون التقييد.

وكيفما كان ، فليس الوجوب والاستحباب مثل الأداء والقضاء فإنّهما من خصوصيّات الأمر ، وهذان من خصوصيّات المأمور به ، وهذا هو الفارق الموجب للزوم تعلّق القصد بالثاني دون الأوّل ، فلا يقاس أحدهما بالآخر.

هذا على مسلك المشهور من كون الوجوب والاستحباب مجعولين شرعاً.

وأمّا على ما هو التحقيق من أنّهما بحكومة العقل ومنتزعان من اقتران طلب المولى بالترخيص في الترك وعدمه ، وأنّه على الثاني يستقلّ العقل بمقتضى قانون العبوديّة والمولويّة بوجوب الطاعة دون الأوّل فالأمر أوضح ، لعدم كونهما حينئذٍ لا من خصوصيّات المأمور به ولا من خصوصيّات الأمر.

وأمّا سائر الخصوصيات والأوصاف الشخصيّة فمن الضروري عدم لزوم تعلّق القصد بها ، لعدم دخلها في المأمور به كالأمر بوجه ، ولا يخلو عنها أيّ فرد ، فإنّ صيام رمضان هذا العام بقيد أنّه عام ثلاثة وتسعين بعد الألف والثلاثمائة وفي الخريف من الفصول لا مدخل له في الصحّة لتلزم النيّة ، وما أكثر تلك الخصوصيّات ، فلو قصدها وأخطأ لم يقدح في الصحّة. وقد تقدّم أنّ العبادة تتقوّم بركنين : الإتيان بذات العمل ، وقصد القربة الخالصة ، ولا يعتبر شي‌ء آخر أزيد من ذلك.

٢٥

[٢٣٦١] مسألة ٢ : إذا قصد صوم اليوم الأوّل من شهر رمضان فبان أنّه اليوم الثاني مثلاً أو العكس صحّ (١) ، وكذا لو قصد اليوم الأوّل من صوم الكفارة أو غيرها فبان الثاني مثلاً أو العكس ، وكذا إذا قصد قضاء رمضان السنة الحالية فبان أنّه قضاء رمضان السنة السابقة وبالعكس.

______________________________________________________

(١) لأنّ خصوصيّة الأوّل أو الثاني من صوم رمضان أو غيره وكذا كون القضاء من هذه السنة أو السابقة بأن كان حدوث الأمر بالقضاء سابقاً أو لاحقاً ، كلّ ذلك من قبيل الأوصاف الشخصيّة التي عرفت في المسألة السابقة عدم اعتبارها في النيّة ، لعدم دخلها في الأمر ولا في المتعلّق ، فلا يلزم قصدها ، بل لا يضرّ قصد الخلاف خطأً بعد أن أتى بذات العمل متقرباً ، وهذا نظير ما لو أجنب واعتقد أن عليه غسلاً سببه حدث في هذا اليوم فبان أنّه اليوم الآخر أو بالعكس ، فإنّ ذلك لا يضرّ بالصحّة بوجهٍ كما هو ظاهر.

نعم ، لو كان عليه قضاءان : أحدهما من هذه السنة ، والآخر من السنة السابقة ، فحيث إنّ أحدهما وهو القضاء عن السنة الحاليّة يختصّ بأثر وهو سقوط الكفّارة لثبوتها لو لم يقض حتّى مضى الحول فنحتاج في ترتّب الأثر إلى تعلّق القصد بهذه السنة بالخصوص ، وإلّا فلو نوى طبيعي القضاء من غير القصد المزبور وقع عمّا هو أخفّ مئونة ، وهي السنة السابقة المشاركة مع هذه السنة في أصل القضاء ، دون الحاليّة ، لاحتياجها كما عرفت إلى عناية زائدة ولحاظ الخصوصيّة حتّى تؤثّر في سقوط كفّارة التأخير ، والمفروض عدمها ، فهو امتثال لمطلق الطبيعة المنطبق قهراً على السابقة لكونها خفيفة المئونة ، ولا يكون مصداقاً لامتثال الشخص ليترتّب عليه الأثر.

وهذا نظير ما لو كان مديناً لزيد بعشرة دنانير وقد كان مديناً له أيضاً

٢٦

[٢٣٦٢] مسألة ٣ : لا يجب العلم بالمفطرات على التفصيل ، فلو نوى الإمساك عن أُمور يعلم دخول جميع المفطرات فيها كفى (١).

[٢٣٦٣] مسألة ٤ : لو نوى الإمساك عن جميع المفطرات ولكن تخيّل أنّ المفطر الفلاني ليس بمفطر (٢) ، فإن ارتكبه في ذلك اليوم بطل صومه ، وكذا إن لم يرتكبه ولكنّه لاحظ في نيّته الإمساك عمّا عداه ، وأمّا إن لم يلاحظ ذلك صحّ صومه (*) في الأقوى.

______________________________________________________

بعشرة أُخرى بعنوان الرهانة ، فأدّى عشرة لطبيعي الدين من غير قصد فكّ الرهن ، فحيث إنّه لم يقصد هذه الخصوصيّة فلا جرم كانت باقية ، وينطبق الطبيعي على الأوّل الأخفّ مئونة بطبيعة الحال.

(١) فيما إذا كان ضمّ غير المفطر ونيّة الإمساك عن الكلّ من باب الاحتياط ومقدّمة للإمساك عن جميع المفطرات المعلومة إجمالاً ، لا من باب التشريع ، وذلك لكفاية النيّة الإجماليّة بعد تحقّق الصوم منه متقرّباً ، إذ لا دليل على لزوم معرفتها بالتفصيل ، وهكذا الحال في باب تروك الإحرام.

(٢) أمّا البطلان في فرض ارتكاب ما تخيّل عدم مفطريّته كالارتماس فلاستعمال المفطر وإن لم يعلم به ، لعدم إناطته فيجب القضاء ، وفي ثبوت الكفّارة بحثٌ سيجي‌ء في محلّه إن شاء الله تعالى.

وأمّا فرض عدم الارتكاب فهو على نحوين :

إذ تارةً : يلاحظ في نيّته الإمساك عمّا عداه ، بحيث تكون النيّة مقصورة على ما عدا الارتماس ومقيّدة بعدم الاجتناب عنه ، ولا ريب في البطلان حينئذٍ

__________________

(*) هذا إذا اندرج ذلك المفطر فيما نواه ، وإلّا بطل صومه على الأقوى.

٢٧

[٢٣٦٤] مسألة ٥ : النائب عن الغير لا يكفيه قصد الصوم بدون نيّة النيابة (١) وإن كان متّحداً.

______________________________________________________

أيضاً ، لأنّه لم ينو المأمور به تماماً وعلى وجهه المقرّر شرعاً ، فإنّه الإمساك عن أُمور ومنها الارتماس ، ولم يتعلّق القصد بهذا المجموع وإنّما نوى بعضه وجزءاً منه الذي هو مأمور ضمناً لا استقلالاً ، وهو لا يكفي عن نيّة الكلّ كما هو واضح.

واخرى : لم يلاحظ ذلك ، بل نوى الإمساك من غير تقييد ، وقد حكم الماتن (قدس سره) بصحّته في هذه الصورة ، ولكنّه لا يتمّ على إطلاقه ، بل ينبغي التفصيل ، فإنّها أيضاً على قسمين :

إذ تارةً : ينوي الإمساك إجمالاً عن كلّ ما يكون مفطراً في الشريعة أو ما هو موجود في الرسالة ، غير أنّه لا يعلم أنّ الارتماس مثلاً مفطر أو أنّه يعتقد عدمه ، كما ربّما يتّفق ذلك لكثير من عوام الناس ، فإنّ العلم التفصيلي بجميع المفطرات خاصٌّ بذوي الفضل وبعض الأخيار ، أمّا غالب العوام فلا يدرون بها ولا يسعهم تعدادها ومع ذلك يقصدون الصوم الذي أمر به الشارع ، وهنا يحكم بالصحّة كما ذكره الماتن ، لأنّ عدم ارتكاب الارتماس مثلاً داخل في المنوي حينئذٍ إجمالاً لا تفصيلاً ، وهو كافٍ كما تقدّم.

وأُخرى : تلاحظ النية مهملة من هذه الناحية بحيث لم يكن الارتماس منويّاً بالكلّيّة لا تفصيلاً ولا إجمالاً ، ولا ينبغي التأمل في البطلان حينئذٍ كما في الصورتين الأُوليين ، لعدم قصد المأمور به على وجهه الراجع إلى عدم قصد الامتثال كما هو ظاهر.

(١) إذ بعد أن رخّص الشارع في النيابة وتفريغ ذمّة الغير الذي هو أمر على خلاف القاعدة كما لا يخفى من الميّت أو الحي كما في الحجّ في بعض الموارد ،

٢٨

نعم ، لو علم باشتغال ذمته بصوم ولا يعلم أنّه له أو نيابة عن الغير يكفيه أن يقصد ما في الذمّة (١).

[٢٣٦٥] مسألة ٦ : لا يصلح شهر رمضان لصوم غيره (*) (٢) ، واجباً كان ذلك الغير أو ندباً ، سواء كان مكلّفاً بصومه أو لا كالمسافر ونحوه ، فلو نوى صوم غيره لم يقع عن ذلك الغير ، سواء كان عالماً بأنّه رمضان أو جاهلاً ، وسواء كان عالماً بعدم وقوع غيره فيه أو جاهلاً ، ولا يجزئ عن رمضان أيضاً إذا كان مكلّفاً به مع العلم والعمد.

نعم ، يجزئ عنه مع الجهل أو النسيان كما مرّ.

ولو نوى في شهر رمضان قضاء رمضان الماضي أيضاً لم يصحّ قضاءً ، ولم يجزئ عن رمضان أيضاً مع العلم والعمد.

[٢٣٦٦] مسألة ٧ : إذا نذر صوم يوم بعينه لا تجزئه نيّة الصوم بدون تعيين أنّه للنذر ولو إجمالا كما مرّ (٣).

______________________________________________________

فإنّما تتحقّق النيابة ويقع الفعل عن المنوب عنه بالقصد والإضافة إليه ، وإلّا فبدونه لا يتحقّق عنه ، بل يقع فعل نفسه عن نفسه بطبيعة الحال.

(١) لرجوعه إلى قصد النيابة على تقديرها ، وهو كافٍ كما لا يخفى.

(٢) تقدّم الكلام حول هذه المسألة مستقصى ، فلاحظ إن شئت ولا نعيد (٢).

(٣) قد يفرض تعلّق النذر بطبيعي الصوم على وجه الإطلاق من غير تقييد بقسم خاص.

__________________

(*) على الأحوط.

(١) ص : ١٥ ٢١.

٢٩

ولو نوى غيره : فإن كان مع الغفلة عن النذر صحّ ، وإن كان مع العلم والعمد ففي صحّته إشكال (*).

______________________________________________________

وأُخرى : يكون مقيّداً بحصّة خاصّة ونوع معيّن كقضاء أو كفّارة ونحوهما.

أمّا الأوّل : فلا إشكال فيما إذا صام قاصداً به عنوان الوفاء بالنذر.

وأمّا إذا صام من غير قصد الوفاء ، بل نوى مجرّد القضاء أو التطوّع ونحو ذلك ، فهل يسقط به النذر؟

حكم في المتن بعدم السقوط وأنّه لا بدّ من تعيين أنّه للنذر ولو إجمالاً.

وليس له وجه ظاهر ، فإنّ الأمر الناشئ من قبل النذر توصّلي لا يجب قصده ، غاية الأمر أنّه لا يتحقّق الامتثال من غير قصد ، فلا يستحق الثواب ، أمّا السقوط فلا ينبغي التأمّل فيه.

وربّما يقال : إنّ النذر كالدين في اعتبار الملكيّة للغير في الذمّة ، فكأنّ الناذر يملك بالنذر عمله لله تعالى ويكون سبحانه مالكاً لعمله على ذمّته ، كما أنّ الدائن يملك ما في ذمّة المدين ، فكما أنّه في الدين يلزم في وفائه قصد أدائه وإلّا كان عطاءً ابتدائيّاً ، فكذلك في الوفاء بالنذر فلا بدّ من تعلّق القصد كي يكون تسليماً للدين.

ويندفع : بأنّه لا معنى للملكيّة الاعتباريّة له سبحانه كما لا يخفى ، ولو أُريد أنّه كالدين في وجوب تفريغ الذّمة عنه وأنّ امتثاله مطلوب من العبد فهذا لا يختصّ بالنذر ، بل جميع الواجبات الإلهية من هذا القبيل.

ولو فرضنا صحّة ذلك فإنّما يتمّ في نذر الكلّي ، كما لو نذر صوم يوم من هذا

__________________

(*) والصحّة أظهر.

٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الشهر ، فإنّ انطباقه على الفرد يتوقّف على القصد كما هو الحال في الدين الذي هو من أجل تعلّقه بالذمّة كلّي دائماً ولا يتصوّر فيه التشخّص ، فلا جرم احتاج إلى القصد.

وأمّا النذر الشخصي المعيّن كما هو المفروض في المقام فإنّه متعيّن بنفسه من غير حاجة إلى التعيين ، فلا يلزمه قصد الوفاء ، وهذا نظير الوديعة التي لا تتعلّق إلّا بالشخص ، فلو أرجعها الودعي إلى صاحبها غافلاً وبلا التفات إلى أنّها أمانة ووديعة فقد دفع الأمانة وإن لم يكن قاصداً للعنوان.

وقد يقال أيضاً : إنّ الأمر بالوفاء بالنذر وإن كان توصّليّاً إلّا أنّه إنّما يفترق عن التعبّدي من جهة لزوم قصد القربة وعدمه ، وأمّا من ناحية قصد العنوان فيما إذا كان متعلّقاً للأمر فهما سيّان ، ولا بدّ من قصده على كلّ حال ، وإلّا لم يأت بالواجب ، ومن المعلوم أنّ المأمور به في المقام هو عنوان الوفاء بالنذر ، فلا مناص من قصده.

ومن هذا القبيل : وجوب ردّ السلام ، فإنّه وإن كان توصّليّاً إلّا أنّه لا بدّ من تعلّق القصد بعنوان ردّ التحية ، ولا يكفي من غير قصد.

ويندفع : بأنّ الوفاء بالنذر كالوفاء بالبيع ليس إلّا عبارة عن إنهاء التزامه ، أي الإتيان بما تعلّق به نذره وما التزم به ، فليس هو عنواناً زائداً على نفس الفعل الخارجي ليتوقف على القصد ، فكما أنّ الوفاء بالعقد ليس معناه إلّا العمل بمقتضاه والقيام به وإنهاء العقد وعدم الفسخ ولا يتضمّن عنواناً آخر وراء العمل الخارجي ، فكذا الوفاء بالنذر لإيراد به إلّا الإتيان بما تعهّد به وألزمه على نفسه ، فلو فعل ذلك فقد وفى بنذره ، إذ الانطباق قهري والإجزاء عقلي.

ويؤيّد ذلك بل يعيّنه ويؤكّده ـ : أنّ الأمر بالوفاء ليس حكماً ابتدائيّاً مجعولاً من قبل الشارع لكي يدّعي فرضاً تعلّق الوجوب بعنوان الوفاء ،

٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

وإنّما هو التزامٌ من قبل المكلّف نفسه ، فالتزم بشي‌ء ، وألزمه الله سبحانه بالعمل بما التزم وأقرّه مقرّه. ومن المعلوم أنّ المكلّف إنّما التزم بالإتيان بذات الصوم لا بعنوان الوفاء ، فلا يكون الواجب عليه أيضاً إلّا هذا الذي تعلّق به التزامه ، نظير الوفاء بالشرط في ضمن العقد كالخياطة ، فإنّه لا يجب عليه قصد عنوان الوفاء بالشرط.

والحاصل : أنّ الوجوب لو كان ابتدائياً أمكن فيه تلك الدعوى وإن كان على خلاف الظهور العرفي ولكنّه إمضاءٌ لما التزمه الناذر وافترضه على نفسه وجعله على ذمته ، كما عبّر بمثل ذلك في بعض الروايات من أنّه جعل على نفسه صوماً ، فليس الوفاء بالنذر عنواناً خاصّاً وأمراً زائداً على الإتيان بما تعلّق به النذر. وعليه ، فيسقط الأمر وإن لم يقصد عنوان الوفاء.

وأمّا الثاني أعني : ما لو كان المنذور المعيّن مقيّداً بحصّة خاصّة ومعنوناً بعنوان خاصّ كصوم القضاء أو الكفارة أو التطوّع ونحو ذلك ـ : فإن أتى بتلك الحصّة وقصد العنوان الخاصّ ولكن لم يقصد عنوان الوفاء بالنذر لغفلة ونحوها ، فالكلام هو الكلام المتقدّم من عدم لزوم قصد هذا العنوان ، فإنّه توصلي ، والعباديّة إنّما نشأت من الأمر المتعلّق بنفس المنذور الثابت بعنوان القضاء أو الكفّارة ونحوهما ، والمفروض تعلق القصد بذاك العنوان فقد أتى بنفس المنذور ، وما تعلّق به التزامه فلا حنث أبداً ، وإنّما يحنث لو لم يأت بالمتعلّق ، وقد عرفت أنّه قد أتى به على ما هو عليه ، غايته أنّه لم يترتّب عليه ثواب امتثال النذر ، لفقد القصد.

وأمّا إذا لم يقصد تلك الحصّة ، فصام بعنوان آخر غير العنوان الخاصّ المأخوذ في متعلّق النذر ، فكان المنذور هو صوم القضاء ، فصام بعنوان الكفّارة مثلاً فقد حنث وخالف نذره ، ولم يسقط أمره ، لعدم الإتيان بمتعلّقه.

٣٢

[٢٣٦٧] مسألة ٨ : لو كان عليه قضاء رمضان السنة التي هو فيها وقضاء رمضان السنة الماضية (١) لا يجب عليه تعيين (*) أنّه من أيّ منهما ، بل يكفيه

______________________________________________________

وبذلك افترق هذا القسم عن القسم الأوّل ، لأنّ المنذور هناك كان هو طبيعي الصوم على سعته وإطلاقه ، فيتحقّق الوفاء بأيّ فرد كان ، وأمّا هنا فقد تعلّق بحصّة خاصّة ، والمفروض عدم الإتيان بها ، فلم يتحقّق الوفاء.

وهل يحكم حينئذٍ بصحّة الصوم المأتي به خارجاً كصوم الكفّارة في المثال المزبور؟

لا ينبغي الإشكال في الصحّة إذا كان ذلك مع الغفلة عن النذر ، لأنّه عبادة في نفسه ، وليس هناك أيّ مانع عن صحّته ما عدا المزاحمة مع الوفاء بالنذر ، فإذا لم يكن الأمر بالوفاء فعليّاً لغفلةٍ ونحوها فلا مزاحمة ولم يكن أيّ محذور من تعلّق الأمر به فيقع صحيحاً لا محالة.

وأمّا مع العلم والعمد فيدخل المقام تحت الكبرى الكلّيّة من أن الأمر بالشي‌ء هل يقتضي النهي عن ضدّه أو لا؟ وعلى الثاني : فهل يمكن تعلّق الأمر بالضدّ على سبيل الترتّب أو لا؟ وعلى الثاني : فهل يمكن تصحيح العبادة من طريق الملاك أو لا؟

والحاصل : أنّه لا خصوصيّة للمقام ، ولا يزيد على تلك الكبرى بشي‌ء ، وحيث إنّ التحقيق إمكان الأمر بالضدّين على نحو الترتّب فلا مانع من الالتزام بالصحّة في المقام وإن كان عاصياً من جهة مخالفة النذر.

(١) مرّ الكلام حول ذلك في ذيل المسألة الثانية ، فلاحظ ولا نعيد (٢).

__________________

(*) لكن إذا بقي في ذمّته أحدهما إلى رمضان آخر وجبت عليه الفدية.

(١) في ص : ٢٦ ٢٧.

٣٣

نيّة الصوم قضاءً ، وكذا إذا كان عليه نذران كلّ واحد يوم أو أزيد ، وكذا إذا كان عليه كفارتان غير مختلفتين في الآثار.

[٢٣٦٨] مسألة ٩ : إذا نذر صوم يوم خميس معيّن ، ونذر صوم يوم معيّن من شهر معيّن ، فاتّفق في ذلك الخميس المعيّن (١) ، يكفيه صومه ويسقط النذران ، فإن قصدهما أُثيب عليهما (*) ، وإن قصد أحدهما أُثيب عليه وسقط عنه الآخر.

______________________________________________________

(١) حكم (قدس سره) بكفاية صوم واحد في سقوط النذرين وأنّه يثاب عليهما إن قصدهما ، وإلّا فعلى أحدهما.

وهذا مبنيٌّ على ما تقدّم من أنّ الأمر النذري توصّلي (١) ولا يلزم قصد العنوان ، فطبعاً يسقط الأمران ، وأمّا الثواب فمترتّب على الامتثال ، وهو متقوّم بالقصد كما ذكره (قدس سره). إلّا أنّ الكلام في أنّ مثل هذا النذر هل هو صحيح ، أو أنّ الثاني يلغى؟

يتصوّر ذلك على نحوين :

إذ تارةً : يتعلّق النذر بعنوانين بينهما عموم من وجه ، ومن باب الاتّفاق اجتمعا وانطبق أحدهما على الآخر ، كما لو نذر أن يعطي درهماً لعالم البلد ، ونذر أيضاً أن يعطي درهماً لمن هو أكبر سناً في هذا البلد ، فتعلّق النذر بكلٍّ من العنوانين على سبيل القضيّة الحقيقيّة ، ومن باب المصادفة انطبقا على شخصٍ واحد ، ولا ريب في صحّة النذرين حينئذٍ ، فلو دفع إليه الدرهم فقد وفى بهما وسقط الأمران.

__________________

(*) بل أُثيب على الأوّل ، فإنّ الثاني يقع لغواً.

(١) في ص ١٤.

٣٤

[٢٣٦٩] مسألة ١٠ : إذا نذر صوم يوم معيّن فاتّفق ذلك اليوم في أيام البيض مثلاً (١) فإن قصد وفاء النذر وصوم أيام البيض أُثيب عليهما ،

______________________________________________________

ففي المقام لو نذر الصيام في أوّل خميس من رجب مثلاً ثمّ نذر الصيام أيضاً أوّل يوم يولد له ولد أو يشفي المريض أو يقدم المسافر ونحو ذلك بحيث يمكن افتراق كلّ منهما عن الآخر ، ولكن من باب الاتّفاق اجتمعا في يوم واحد ، صحّ النذران وسقط الأمران بصيام واحد ، لوقوعه وفاءً عنهما. وظاهر عبارة الماتن بل صريحها إرادة هذه الصورة ، لقوله فاتّفق ... إلخ ، الظاهر في أنّه أمر اتّفاقي قد يكون وقد لا يكون.

وتارةً اخرى : يتعلّق النذر بعنوانين أيضاً ، ولكن معنون أحدهما هو بعينه معنون الآخر ، فتعلّق النذران بشي‌ء واحد خارجاً قد أُشير إليه بكلّ منهما ، كما لو نذر أن يعطي درهماً لأكبر ولْد زيد ، ونذر أيضاً أن يعطي درهماً لوالد خالد ، وفرضنا أنّهما شخص واحد ، فتعلّق النذران بشي‌ء واحد على سبيل القضيّة الخارجيّة دون الحقيقيّة كما في الصورة الأُولى ، فكان المتعلّقان عنوانين لمعنون واحد ، وحيث إنّ الموضوع الواحد غير قابل لتعلّق النذر به مرّتين ، ولا يمكن أن يكون الشخص الواحد محكوماً بحكمين ، فطبعاً يكون النذر الثاني مُلغى أو يقع تأكيداً للأوّل ، فلا ينعقد بحياله ، ولكنّك عرفت أنّ مراد الماتن إنّما هي الصورة الاولى لا غير.

(١) حكم (قدس سره) حينئذٍ بترتّب الثواب عليهما مع قصدهما ، أو على النذر فقط لو اقتصر عليه ، ولا يجوز العكس.

ولكن ظهر ممّا سبق أنّ الثواب المتقوّم بالامتثال وإن لم يتحقّق إلّا بالقصد ولكن الأمر الناشئ من قبل النذر توصّلي يسقط بمجرد الإتيان بمتعلّقه ، ولا

٣٥

وإن قصد النذر فقط أُثيب عليه فقط وسقط الآخر ، ولا يجوز أن يقصد أيام (*) البيض دون وفاء النذر.

[٢٣٧٠] مسألة ١١ : إذا تعدّد في يوم واحد جهات من الوجوب (١) أو جهات من الاستحباب أو من الأمرين ، فقصد الجميع ، أُثيب على الجميع ، وإن قصد البعض دون البعض أُثيب على المنويّ وسقط الأمر بالنسبة إلى البقيّة.

______________________________________________________

حاجة إلى قصد عنوان الوفاء ، غاية الأمر أنّه بدونه لا يثاب عليه. وعليه ، فلو قصد أيام البيض دون وفاء النذر فقد وفى ولم يحنث ، ولذا لا يحكم عليه بالكفّارة وإن اختصّ الثواب بالأوّل.

(١) قد ظهر الحال في هذه المسألة أيضاً ممّا مرّ وأنّ الثواب يتقوّم بالقصد ، فيثاب بمقدار ما قصد ويسقط الأمر بالنسبة إلى الباقي ، وهذا لا إشكال فيه بعد أن كان العمل واحداً.

وإنّما الكلام في أنّ السقوط هل هو على وجه العصيان فيما إذا تضمّن غير المنويّ جهةً وجوبيّة؟

الظاهر : العدم ، لأنّه قد أتى بمتعلّقه على وجهه ، ولا حاجة إلى قصد عنوانه الخارجي بعد أن كان متعلّق الأمر منطبقاً على المأتيّ به خارجاً وإن لم يتحقّق الامتثال بالنسبة إليه.

__________________

(١) الظاهر أنّه لا يعتبر في الوفاء بالنذر قصد ذلك العنوان ، بل يكفي الإتيان بمتعلّقه في سقوط أمره.

٣٦

[٢٣٧١] مسألة ١٢ : آخر وقت النيّة في الواجب المعيّن رمضاناً كان أو غيره عند طلوع الفجر الصادق (١) ، ويجوز التقديم في أيّ جزء من أجزاء ليلة اليوم الذي يريد صومه.

______________________________________________________

(١) تعرض (قدس سره) لحكم النيّة من حيث المبدأ والمنتهى ، فذكر (قدس سره) أنّ منتهى وقتها عند طلوع الفجر بحيث يقع أوّل جزء من الصوم عن نيّة ، ومبدؤه من أوّل الليل إلى آخره ، فلو كان باقياً على نيّته ولو إجمالاً ونام لم يكن به بأس.

وقد نُسِب الخلاف إلى السيد المرتضى (قدس سره) من كلتا الناحيتين :

أمّا من الناحية الأُولى : فقد عُزي اليه القول بجواز التأخير إلى ما قبل الزوال اختياراً (١) ، بل نُسِب إلى ابن الجنيد جوازه إلى ما قبل الغروب ولو بقليل (٢).

وقد يقال : إنّ ما نُسِب إليهما مطابقٌ للقاعدة ، نظراً إلى أن عباديّة الصوم لم تثبت إلّا بالإجماع ، لفقد الدليل اللفظي ، اذن يقتصر على المقدار المتيقن وأنّه لا بدّ من تحقّق النيّة ولو في الجملة وفي آخر الوقت أو ما قبل الزوال ، فلا تُعتَبر النيّة من الأوّل لولا أنّ ارتكاز عباديّة الصوم من المتشرّعة يمنعنا عن ذلك ، إذ الارتكاز قائمٌ على عباديته من أوّل جزئه إلى آخره لا في الجملة وبنحو الموجبة الجزئية.

وفيه أوّلاً : ما تقدّم في صدر الكتاب من أنّ عباديّة الصوم ثابتة بالدليل اللّفظي وهو ما دل على عدّه من مباني الإسلام (٣) ، إذ من البديهي بحسب الظهور

__________________

(١) جمل العلم والعمل (ضمن رسائل الشريف المرتضى ٣) : ٥٣.

(٢) الحدائق الناضرة ١٣ : ١٩ ، جواهر الكلام ١٦ : ١٩٥.

(٣) ص ٣.

٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

العرفي أنّ الإسلام لا يبتني على ذات الصوم ومجرّد الإمساك عن الأكل والشرب بأيّ داعٍ كان ، بل الذي يكون أساسه ومبناه هو الصادر على جهة العبادة وبداعي القربة.

وثانياً : لو لم يتمّ ذلك وفرضنا أنّ الارتكاز أيضاً لم يثبت ، فهذا البحث أجنبي عن محلّ الكلام ، لأنّ كلامنا في نيّة الصوم لا في نيّة القربة ، وقد تقدّم غير مرّة في الأُصول وغيره : أنّ العبادة إنّما تفترق عن غيرها وتمتاز عنها بقصد القربة ، وأمّا قصد عنوان العمل فمشترك فيه بين العبادي والتوصّلي ، فما لم يقصد لم يتحقّق الواجب وإن كان توصّلياً ، كما في ردّ السلام ، فإنّه متقوّم بقصد ردّ التحيّة ، إلّا أن يثبت من الخارج ترتّب الغرض على ذات العمل ، وعدم الحاجة الى القصد كما في غسل الثوب ، حيث علمنا إنّ الغاية إنّما هي الطهارة وإزالة النجاسة الحاصلة من الغسل ولو بداعٍ آخر كإزالة الوسخ مثلاً فإن عُلِم ذلك في موردٍ فهو ، وإلّا فلا يكاد يسقط الأمر من غير قصد عنوان العمل ونيّته ما لم يقم عليه دليل بالخصوص ، من غير فرق في ذلك بين التعبّدي والتوصّلي.

وعليه ، فلو لم يكن المكلّف قاصداً للصوم وفي أثناء النهار قصده ولو آناً ما بعد طلوع الفجر ، كان إجزاؤه مخالفاً للقاعدة ، ومحتاجاً إلى قيام الدليل ، لعدم صدور هذا المجموع عن قصدٍ ونيّة فسواء التزمنا بأنّ الصوم بجميع أجزائه عبادي ، أم قلنا : إنّه يكفي فيه قصد القربة في الجملة ، لا بدّ من قصد عنوان الصوم ونيّته قبل العمل جزماً ما لم يقم دليل على الإجزاء.

فلو صحّ ما نُسِب إلى السيّد أو ابن الجنيد ، كان ذلك باطلاً بلا ارتيابٍ حسبما عرفت.

وأمّا من الناحية الثانية أعني : من حيث المبدإ ـ : فإنّ المعروف جواز التقديم في أيّ جزء من أجزاء الليل كما ذكره في المتن ، ولكن نُسِب إلى السيد

٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

(قدس سره) التوقيت بآخر جزء من الليل المتّصل بالنهار (١).

ولعلّه يريد بيان آخر جزء من الوقت الذي به تنتهي المدّة المحدودة ، لا لزوم الإيقاع في هذا الوقت فلا خلاف.

ولو أراد ذلك فيردّه : عدم الدليل عليه أوّلاً ، وقيام الدليل على العدم ثانياً ، وهو ما يستفاد من الروايات الكثيرة المعتضدة بالسيرة القطعيّة من جواز النوم إلى ما بعد طلوع الفجر ، ولا سيّما روايات البقاء على الجنابة حتّى يستيقظ بعد الفجر ، المتضمنة للتفصيل بين النومة الأُولى والثانية (٢).

وبالجملة : لا إشكال في جواز النوم اختياراً إلى ما بعد الفجر ، ومعه كيف يمكن القول بأن وقت النيّة آخر جزء من الليل؟! ونُسِب إلى ابن أبي عقيل توقيت النيّة من أوّل الليل إلى النصف (٣) وإلى بعض العامة أنّه من منتصف الليل إلى آخره.

وكل ذلك كما ترى لا دليل عليه ، إذ لم يرد في البين عدا النبوي : «لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل» (٤) ونحوه روايتان أُخريان ، ولكن من الظاهر أنّ المراد عدم الاجتزاء بالنيّة الحادثة في النهار ، فلو استيقظ بعد الفجر ونوى الصوم لا يكفي ، بل اللّازم إيقاعها في الليل ، وأمّا أنّها أوّله أو وسطه أو آخره فلا دلالة له عليه بوجه ، على أن النبوي كالخبرين ضعيف السند ، فلا يمكن الاعتماد عليه أبداً.

فالصحيح أنّه ليس لها وقت خاصّ ، بل اللازم صدور الصوم عن نيّة سابقة ،

__________________

(١) جمل العلم والعمل (ضمن رسائل الشريف المرتضى ٣) : ٥٣.

(٢) الوسائل ١٠ : ٦١ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥.

(٣) لاحظ الحدائق الناضرة ١٣ : ١٩ ، جواهر الكلام ١٦ : ١٩٣.

(٤) المستدرك ٧ : ٣١٦ / أبواب وجوب الصوم ب ٢ ح ١.

٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فتمتدّ من أوّل الليل إلى طلوع الفجر ، ففي أيّ وقت نوى وكان مستمرّاً في نيّته الارتكازيّة بالمعنى المتقدّم سابقاً المجامع مع النوم والغفلة الفعليّة كفى ويحكم معه بالصحّة.

بقي الكلام فيما لو قدّم النيّة على الليل ، كما لو نام عصراً ناوياً صوم الغد ولم يستيقظ إلّا بعد الفجر ، أو بعد الغروب من اليوم الآتي ، أو بعد يومين كما اتّفق لبعض ، فهل يحكم حينئذٍ بالصحّة ، نظراً إلى تحقّق الإمساك خارجاً عن نيّة سابقة ، أو لا؟

الظاهر هو التفصيل بين ما إذا كان النوم في شهر رمضان ، وما كان في غيره :

فإن كان الثاني كما لو نام في اليوم الأخير من شعبان قاصداً صوم الغد ولم يستيقظ إلّا بعد الفجر فالظاهر فساد صومه حينئذٍ ، لأنّه في زمان نيّته لم يكن بعدُ مأموراً بالصوم ، لعدم حلول الشهر الذي هو زمان تحقّق الوجوب ، فكيف ينوي الامتثال؟! وفي زمان الأمر لم يكن قابلاً له ، لأنّ النائم لا يؤمَر بشي‌ء ، فلا أمر له بالصوم لا في زمان التفاته ولا في زمان عدم التفاته وإن كان الصوم بالآخرة منتهياً إلى الاختيار ، إلّا أنّه لم يكن مأموراً به كما عرفت.

وإن كان الأوّل كما لو نام عصر اليوم الأوّل من شهر رمضان ناوياً صوم الغد فحينئذٍ إن قلنا بالانحلال وأنّ أمر كلّ يوم يحدث عند غروب ليلته ، فالكلام هو الكلام ، فإنّ الأمر بالصوم لم يكن حادثاً قبل النوم ، وبعده لا يكون قابلاً للتكليف.

وأمّا إذا بنينا على أن تلك الأوامر كلّها تحدث دفعةً في أوّل الشهر وأنّه يؤمر في اللّيلة الأُولى بصيام الشهر كلّه على نحو الواجب التعليقي كما هو الصحيح ، على ما يقتضيه ظاهر الآية المباركة (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (١) ، وكذا

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٨٥.

٤٠