موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

فالإفطار بعد الزوال محرّم بلا إشكال.

أمّا الكلام في الكفّارة وفي مقدارها فالمعروف المشهور وجوبها وأنّها إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مدّ ، ونُسِب الخلاف إلى العماني فأنكر الوجوب (١) ، وهو شاذّ.

ويُستدلّ على وجوبها بعدّة من الأخبار ، منها : رواية بريد العجلي : في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان «قال : إن كان أتى أهله قبل زوال الشمس فلا شي‌ء عليه إلّا يوم مكان يوم ، وإن كان اتي أهله بعد زوال الشمس فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين» إلخ (٢).

وهي وإن كانت واضحة الدلالة إلّا أن سندها ضعيف بالحارث بن محمّد الواقع في الطريق ، فإنّه قد ورد في الروايات بعناوين مختلفة : الحارث بن محمّد ، الحارث بن محمّد الأحول ، الحارث بن محمّد بن النعمان ، وغير ذلك ، وكلّها عناوين لشخص واحد ، روى عن بريد العجلي ويروي عنه الحسن بن محبوب ، ولكنّه مجهول لم يوثّق ، فالرواية ضعيفة إلّا على القول بالانجبار بعمل المشهور. وقد ذكرنا مراراً أنّ ذلك يتوقّف على أمرين : إثبات اعتماد المشهور على الرواية ، وكونه موجباً للجبر ، وعلى تقدير تحقّق الصغرى في المقام فالكبرى غير مسلّمة عندنا.

ومنها : صحيحة هشام بن سالم : رجل وقع على أهله وهو يقضي شهر رمضان «فقال : إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شي‌ء عليه ، يصوم يوماً بدل يوم ، وإن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم وأطعم عشرة مساكين ، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيّام كفارةً لذلك» (٣).

__________________

(١) الحدائق ١٣ : ٢١٤ ، المختلف ٣ : ٣١٩ / ٦٥.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٤٧ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ١.

(٣) الوسائل ١٠ : ٣٤٧ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٢.

٣٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذه معتبرة السند واضحة الدلالة ، غير أنّها تضمّنت التحديد بالعصر بدلاً عن الزوال ، وهذا لا قائل به ، والوجه فيه وضوح أنّ المراد بالعصر وقت صلاة العصر لا فعلها خارجاً ، كما عبّر في الشرطية الثانية بقوله : «بعد العصر» أي بعد دخول وقته.

فإمّا أنّ كلمة العصر تصحيفٌ عن الظهر لسهوٍ إمّا من الراوي أو من الشيخ (رحمه الله) (١) الذي يكثر منه الاشتباه بسبب الاستعجال في التأليف وكثرته ، بل قال صاحب الحدائق في حقّه (قدس سره) وإن لم يخل كلامه من المبالغة ـ : إنّه قلما توجد رواية في التهذيبين خالية من الخلل في السند أو المتن (٢).

أو يقال : إنّ المراد بالعصر هو ما بعد زوال الشمس ، نظراً إلى اشتراك الصلاتين في الوقت ، إلّا أنّ هذه قبل هذه ، بل لا يبعد أن يقال : إنّ هذا الوقت يُعتبَر في نظر العرف عصراً كما أنّ ما قبل الزوال يُعتبَر صباحاً.

وكيفما كان ، فالصحيحة ظاهرة في المطلوب إلّا من هذه الجهة التي لا بدّ من توجيهها بمثل ما عرفت.

ثمّ إنّ هذه الصحيحة والرواية السابقة قد دلّتا على وجوب الكفّارة وعلى تحديدها بإطعام عشرة مساكين وبإزائهما ما دلّ على عدم الكفّارة أصلاً ، وما دلّ أنّ كفّارته كفّارة شهر رمضان ، فتُعارضان هاتين الطائفتين.

أمّا ما دلّ على نفي الكفّارة رأساً الذي نُسِبَ القول به إلى العماني كما مرّ فهو ذيل موثّقة عمّار المتقدّمة ، قال فيها : ... سُئل : فإن نوى الصوم ثمّ أفطر بعد ما زالت الشمس؟ «قال : قد أساء وليس عليه شي‌ء إلّا قضاء ذلك اليوم

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٧٩ / ٨٤٥ ، الإستبصار ٢ : ١٢٠ / ٣٩٢.

(٢) لاحظ الحدائق ١٣ : ٢١٥.

٣٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الذي أراد أن يقضيه» (١).

وقد ذكرنا غير مرّة أنّ طريق الشيخ إلى ابن فضّال وإن كان ضعيفاً إلّا أنّ طريق النجاشي صحيح وشيخهما واحد وهو كافٍ في التصحيح. وقد دلّت على نفي الكفّارة ، وأنّه ليس عليه إلّا القضاء ، فيُحمَل ما دل على الكفّارة كصحيحة هشام المتقدّمة على الاستحباب.

وفيه أوّلاً : إنّها إنّما تنفي الكفّارة بالإطلاق لا بالصراحة ، فمن المحتمل أن تكون ناظرة إلى نفي قضاء آخر ، بمعنى : أن يكون هناك قضاءان : قضاءٌ لشهر رمضان ، وقضاءٌ لقضائه الذي أفسده بالإفطار بعد الزوال ، فيكون المنفي هو القضاء الثاني لا الكفّارة ، وأنّه ليس عليه من القضاء إلّا الأوّل كما قد يؤيّده التوصيف بقوله (عليه السلام) : «ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه» وهذا الحكم وإن أصبح الآن من الواضحات ، بحيث لا مجال لاحتمال تعدّد القضاء لعلّه في عصر صدور هذه الأخبار وفي بدء الأمر كان محتملاً ، فإنّ تعلّم الأحكام تدريجي ، وكثيرٌ من الأحكام الواضحة لدينا اليوم كان يسأل عنها أكابر الأصحاب ، وإنّما بلغ حدّ الوضوح بعد تلك الأسئلة والأجوبة وورود النصوص المتكاثرة كما لا يخفى ، فمن الجائز أن يكون الإمام (عليه السلام) قد تصدّى في هذه الرواية إلى أنّ هذا القضاء لا ينشأ منه قضاء آخر ، ولم يكن (عليه السلام) بصدد نفي الكفّارة ، فغايته الدلالة على النفي بالإطلاق الذي لا يقاوم التصريح بالثبوت في صحيحة هشام ، فيجمع بينهما بذلك ، أو يقال : بأنّها ناظرة إلى نفي سائر أقسام الكفّارة.

وثانياً : لو سلّم كونها صريحة في نفي الكفّارة على وجهٍ لم يمكن الجمع

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٤٨ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٤.

٣٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

المزبور ، فلا ريب في كونها معارضة حينئذٍ مع صحيحة هشام الصريحة في الكفّارة ، ولا مجال للجمع بالحمل على الاستحباب كما ذُكِر ، فإنّه إنّما يتّجه في مثل ما لو ورد الأمر بشي‌ء وورد في دليل آخر أنّه لا بأس بتركه ، فيرفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب ، ويحمل على الاستحباب ، دون مثل المقام ، فإنّ الأمر بالكفّارة ونفيها يعدّان في العرف من المتعارضين ، إذ مورد الكفّارة ارتكاب الحرام ولا سيّما مع التصريح بعدم الجواز وأنّه قد أساء كما في الموثّقة ، فكيف يمكن حمل الأمر بها على الاستحباب الكاشف عن عدم ارتكاب الذنب؟! فاستحباب الكفّارة ممّا لا محصّل له كما لا يخفى ، فليس مثل هذين الدليلين من الظاهر والنصّ ليرفع اليد عن أحدهما بالآخر كما في سابقه ، بل هما عرفاً من المتعارضين ، ولا شكّ أنّ الترجيح حينئذٍ مع صحيحة هشام : إمّا لأنّ مضمونها متسالم عليه بين الفقهاء ، إذ لم يُنسَب الخلاف في ثبوت الكفّارة إلّا إلى العماني كما سمعت ، فتُطرح الموثّقة حينئذٍ ، لكونها مهجورة وعلى خلاف السنّة القطعيّة. أو لأجل أنّها أي الموثّقة محمولة على التقيّة ، لموافقة مضمونها مع العامّة ، فإنّ جمهور العامّة لا يرون الكفّارة ، وإنّما هي من مختصّات الإمامية ، ولا يبعد أن يكون هذا هو الأوجه.

وأمّا ما دلّ على أنّ الكفّارة هي كفّارة شهر رمضان فروايتان كما ستعرف.

وقد نُسِب هذا القول إلى الصدوق وإلى والده (١) ، ولكن العبارة المنقولة عن رسالة ابن بابويه وعن المقنع للصدوق (٢) لا تفيد ذلك ، بل الظاهر من العبارتين التخيير بين الكفّارتين ، لأنّهما عبّرا بعبارة الفقه الرضوي كما نصّ عليه في الحدائق (ج ١٣ ص ٢١٣).

__________________

(١) المختلف ٣ : ٤١٨.

(٢) رسالة ابن بابويه (ضمن رسالتان مجموعتان) : ٨٢ ، المقنع : ٢٠٠.

٣٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا في كتاب الفقيه فقد ذكر كلتا الروايتين ، ذكر أوّلاً ما دلّ على أنّه عشرة مساكين ، ثمّ قال : وروى أنّه كفّارة شهر رمضان (١) مشيراً بذلك إلى الرواية الآتية وبما أنّه (قدس سره) التزم بصحّة روايات كتابه ، وأنّه لا يروي فيه إلّا ما يراه حجّة بينه وبين الله ، فالظاهر أنّه عمل بهما.

وعلى الجملة : فالمستفاد من كلاميهما أنّهما يقولان بالتخيير ، ولعلّه من أجل رفع اليد عن ظهور كلّ من الروايتين في الوجوب التعييني وحملهما على التخييري.

وكيفما كان ، فلا يمكن المصير إلى هذا القول لا تعييناً ولا تخييراً ، فإنّ ما دلّ على أنّها كفّارة الإفطار في شهر رمضان روايتان كما عرفت :

إحداهما : رواية حفص بن سوقة ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل «قال : عليه من الكفّارة مثل ما على الذي جامع في شهر رمضان» (٢).

والأُخرى : موثّقة زرارة : عن رجل صام قضاءً من شهر رمضان ، فأتى النساء «قال : عليه من الكفّارة ما على الذي أصاب في شهر رمضان ، لأنّ ذلك اليوم عند الله من أيّام رمضان» (٣).

أمّا الرواية فمرسلة لا يمكن الاعتماد عليها حتّى على مسلك الانجبار ، إذ لا عامل بها ما عدا الصدوقين كما عرفت.

وأمّا الموثّقة فلا مناص من إسقاطها ورفع اليد عنها ، فإنّ ظاهرها بمقتضى التنزيل كون اليوم من شهر رمضان ، ولم يلتزم به أحد لا الصدوقان ولا

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٩٦ / ٤٣٠ و ٤٣١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٩ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٠ : ٣٤٨ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٩ ح ٣.

٣٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

غيرهما ، إذ مقتضى ذلك عدم الفرق في القضاء بين ما قبل الزوال وما بعده ، كما هو الحال في شهر رمضان ، وليس كذلك قطعاً.

وبعبارة اخرى : ليس مفاد الموثّق حكماً تعبّديّاً ، بل هو مشتمل على التنزيل الذي لا قائل به كما عرفت ، فظاهره غير ممكن الأخذ ، ورفع اليد عن هذا الظاهر والحمل على إرادة التنزيل بلحاظ ما بعد الزوال لا تساعده الصناعة كما لا يخفى ، فلا بدّ من طرحها أو حملها على التقيّة ، لأنّ مضمونها منسوب إلى بعض العامّة كقتادة (١) حيث إنّه نسب إليه القول بالكفّارة وإن أفطر قبل الزوال ، فلعلّ الموثّقة صدرت تقيّةً منه ، فيبقى ما دلّ على أنّ الكفّارة إطعام عشرة مساكين بلا معارض.

وممّا ذكرناه تعرف أنّ القول بالتخيير كما استظهرناه من عبارة الصدوقين أيضاً منافٍ للأخذ بهذا الموثّق ، إذ كيف يمكن الحكم بالتخيير بعد ما اشتمل عليه الموثّق من التنزيل المزبور ، فإنّ الحكم في المنزل عليه تعييني لا تخييري بين الخصال وبين إطعام عشرة مساكين كما هو ظاهر.

ثمّ إنّه نُسِب إلى ابن البَرّاج وابن إدريس وغيرهما : أنّ كفارته كفّارة اليمين : إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة (٢) ، ونُسِب إلى أبي الصلاح : أنّها صيام ثلاثة أيّام أو إطعام عشرة مساكين (٣) ، ولم يوجد لهما أيّ مدرك أو رواية ولو ضعيفة ، وهما أعرف بما أفتيا به.

فتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ ما عليه المشهور واختاره في المتن من أنّ الكفّارة إطعام عشرة مساكين هو الصحيح.

__________________

(١) الحدائق ١٣ : ٢١٤.

(٢) المختلف ٣ : ٤١٨.

(٣) المختلف ٣ : ٤١٨.

٣٢٦

الثالث : صوم النذر المعيّن ، وكفّارته ككفّارة إفطار شهر رمضان (*) (١).

______________________________________________________

ثمّ إنّك قد عرفت في صدر المسألة أنّه لا إشكال في جواز الإفطار في صوم قضاء شهر رمضان فيما قبل الزوال ، ولكن نُسِب الخلاف في ذلك إلى ابن أبي عقيل وأبي الصلاح فمنعا من ذلك (١) ، استناداً إلى صحيحة ابن الحجاج ، قال : سألت عن الرجل يقضي رمضان ، إله أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال إذا بدا له؟ «فقال : إذا كان نوى ذلك من الليل وكان من قضاء رمضان فلا يفطر ويتمّ صومه» (٢).

ولكن لا مناص من حمل الصحيحة على الاستحباب ، للنصوص المعتبرة المتظافرة الصريحة في جواز الإفطار قبل الزوال ، وحملُها على من بدا له في الصيام بعد ما أصبح فمثله يجوز له الإفطار قبل الزوال دون من بيّت النيّة من الليل حملٌ لتلك المطلقات الكثيرة على الفرد النادر كما لا يخفى.

على أنّ صحيحة جميل موردها التبييت ، قال (عليه السلام) في الذي يقضي شهر رمضان : «إنّه بالخيار إلى زوال الشمس» إلخ (٣).

فإنّ التعبير بـ «الذي يقضي» ظاهرٌ فيمن شغله ذلك ، فلا يمكن حمله على من بدا له في القضاء ولم يكن ناوياً له من الليل كما لا يخفى ، فلا محيص عن حمل الصحيحة المتقدّمة على الاستحباب حسبما عرفت.

(١) المشهور والمعروف وجوب الكفّارة فيمن أفطر في صوم النذر المعيّن كما

__________________

(*) الأظهر أنّ كفاية كفارة اليمين.

(١) المختلف ٣ : ٤١٨ ، الحدائق ١٣ : ٢١٦.

(٢) الوسائل ١٠ : ١٧ / أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ٦.

(٣) الوسائل ١٠ : ١٦ / أبواب وجوب الصوم ب ٤ ح ٤.

٣٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فرضه في المتن ، أو غير المعيّن الذي عرضه التعيين لأجل الضيق ، كما لو نذر صوم يوم من رجب فلم يصم إلى أن بقي منه يوم واحد ، فلا فرق بين المعيّن بالذات أو بالعرض ، ونُسِب الخلاف إلى ابن أبي عقيل كما في المسألة السابقة ، وأنّه يرى اختصاص الكفّارة بشهر رمضان (١).

ولا يبعد أن يقال : إنّه (قدس سره) غير مخالف في المسألة ، وإنّما لم يصرّح بالكفّارة هنا لعدم خصوصيّة للصوم ، وانّما هي كفّارة لمطلق مخالفة النذر ، سواء تعلّق بالصوم أم بغيره من الصلاة ونحوها ، فليست الكفّارة هنا من شؤون الصوم ليتعرض لها بالخصوص ، ولم يُنسَب إليه الخلاف في وجوب الكفّارة لحنث النذر ، فمن الجائز أنّه أهمله في المقام تعويلاً على المذكور في كفّارة النذر ، فالظاهر أنّ المسألة اتّفاقيّة ، ولا خلاف في أصل الكفّارة.

إنّما الخلاف في مقدارها :

فالمشهور أنّها كفّارة شهر رمضان من التخيير بين الخصال الثلاث.

وذهب جماعة إلى أنّها كفّارة اليمين ، أي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام.

وقيل بالتفصيل بين ما لو تعلّق النذر بالصوم فكفّارة رمضان ، وما تعلّق النذر بغيره من الصلاة ونحوها فكفّارة اليمين ، اختاره صاحب الوسائل (٢) ، جمعاً بين الأخبار.

وكيفما كان ، فقد استُدلّ للمشهور بعدّة روايات ، منها : صحيحة جميل بن درّاج ، عن عبد الملك بن عمرو ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته

__________________

(١) المختلف ٣ : ٤١٨ ٤١٩.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٧٩ / أبواب بقية الصوم الواجب ب ٧ وج ٢٢ : ٣٩٤ / أبواب الكفارات ب ٣٣.

٣٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

عمّن جعل لله عليه أن لا يركب محرّماً سمّاه فركبه ، قال : لا ولا أعلمه إلّا قال : «فليعتق رقبة ، أو ليصم شهرين متتابعين ، أو ليطعم ستين مسكيناً» (١).

ولكنّها ضعيفة السند ، وليست الشهرة بمثابة تبلغ حدّ الجبر على القول به ، فإنّ المسألة خلافيّة وإن كان الأكثر ذهبوا إلى ذلك ، ووجه الضعف أنّ السند وإن كان صحيحاً إلى جميل إلّا أنّ الراوي بعده وهو عبد الملك ضعيف ، إذ لم يرد في حقّه أيّ توثيق أو مدح ، عدا ما حكي عن الصادق (عليه السلام) من دعائه له ولدابّته ، ولا شك أنّ هذا مدحٌ عظيم ، إذ يكشف عن شدّة حبّه (عليه السلام) له بمثابةٍ يدعو لدابّته فضلاً عن نفسه ، ولكن الراوي لهذه الرواية هو عبد الملك نفسه ، حيث قال : قال لي الصادق (عليه السلام) : «إنِّي لأدعو لك ولدابّتك» (٢) ولا يمكن إثبات المدح أو التوثيق لأحدٍ برواية يرويها هو نفسه ، للزوم الدور كما لا يخفى.

فهذه الرواية لأجل ضعف السند ساقطة غير صالحة للاستدلال.

ومنها : ما رواه الكليني في الصحيح عن أبي علي الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن علي بن مهزيار ، قال : وكتب إليه يسأله : يا سيّدي ، رجل نذر أن يصوم يوماً فوقع ذلك اليوم على أهله ، ما عليه من الكفّارة؟ فكتب اليه : «يصوم يوماً بدل يوم ، وتحرير رقبة مؤمنة» (٣).

ومرجع الضمير في قوله : «وكتب إليه» هو الهادي (عليه السلام) المذكور في الكافي فيما قبل هذه الرواية (٤). والمراد بالأشعري هو أحمد بن إدريس الذي هو

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٧٩ / أبواب بقية الصوم ب ٧ وج ٢٢ : ٣٩٤ / أبواب الكفارات.

(٢) رجال الكشي : ٣٨٩ / ٧٣٠.

(٣) الوسائل ٢٢ : ٣٩٢ / أبواب الكفّارات ب ٢٣ ح ٢ ، الكافي ٧ : ٤٥٦ / ٢٢.

(٤) الكافي ٧ : ٤٥٦ / ١١.

٣٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

شيخ الكليني.

أقول : هذه الرواية غير موجودة في الكافي بهذا السند ، وإنّما السند سندٌ لرواية أُخرى مذكورة قبل ذلك بفصلٍ ما ، والظاهر أنّه اشتبه الأمر على صاحب الوسائل عند النقل فجعل سندَ روايةٍ لمتنِ روايةٍ أُخرى. وكيفما كان ، فالرواية صحيحة ولكن بسند آخر ، وهو : محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن جعفر الرزّاز ، عن ابن عيسى ، عن ابن مهزيار ، كما ذكره صاحب الوسائل في كتاب الصوم في الباب السابع من بقيّة الصوم الواجب الحديث ١ ، والموجود في الكافي : محمّد بن عيسى ، بدل : ابن عيسى ، ولعل لفظة «محمّد» قد سقطت في الوسائل عند الطبع.

وعلى أيّ حال ، فالرواية صحيحة إمّا بهذا السند أو بذاك السند ، ومحمّد بن جعفر الرزّاز الواقع في هذا السند هو شيخ الكليني ، وهو ثقة ومن الأجلّاء ، كنيته أبو العباس ، وقد ذكر الأردبيلي في جامعه الروايات التي رواها في ذيل ترجمة محمّد بن جعفر الأسدي (١) ، فكأنّه تخيّل أنّهما شخص واحد ، وليس كذلك ، فإنّ الأسدي وإن كان أيضاً شيخاً للكليني ولكنّه غير الرزّاز ، هذا كنيته أبو العباس كما عرفت ، وذاك كنيته أبو الحسين ، هذا قرشي من موالي بني مفتوح على ما يصرّح به أبو غالب الزراري (٢) ، وذاك من بنى أسد ، وقد توفّي الرزّاز في سنة ٣١٦ على ما ذكره أبو غالب المزبور في رسالته وهو خال أبيه ، وأمّا الأسدي فتوفّي على ما ذكره النجاشي (٣) في سنة ٣١٢.

وكيفما كان ، فما ذكره الأردبيلي اشتباهٌ في التطبيق ولا أثر له ، فإنّ كلّاً منهما

__________________

(١) جامع الرواة ٢ : ٨٤ ٨٥.

(٢) تأريخ آل زرارة : ٢٢٥.

(٣) النجاشي : ٣٧٣ / ١٠٢٠.

٣٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ثقة ، فالرواية صحيحة على كلّ تقدير ومؤيّدة برواية الحسين بن عبيدة (١) ورواية الصيقل (٢) الموافق مضمونها مع الصحيحة.

ولكن لا يمكن الاستدلال بشي‌ء منها ، أمّا الأخيرتان : فلضعفهما سنداً ، إذ لم يوثّق الصيقل ولا ابن عبيدة.

وأمّا الصحيحة : فلأنّها قاصرة الدلالة ، نظراً إلى أنّ تحرير الرقبة الوارد فيها لا دلالة فيه بوجه على أنّه كفّارة رمضان ، ضرورة أنّ التحرير بعينه غير واجب قطعاً ، إذ لم يقل به أحد ، فوجوبه تخييري لا محالة ، وكما أنّ كفّارة رمضان مخيّرة بين تحرير الرقبة وغيره فكذا كفّارة اليمين مخيّرة أيضاً بين التحرير والكسوة والإطعام ، فهو عِدلٌ للوجوب التخييري في كلّ من الكفّارتين ، ومعه كيف يمكن الاستدلال بها على أن المراد كفّارة رمضان بخصوصها.

وبالجملة : ظاهر الصحيحة تعيّن العتق ، وهو غير محتمل ، فلا بدّ من الحمل على إرادة التخييري ، لكن لا دلالة فيها على أنّه التخيير في أيّ الكفّارتين.

إذن يبقى ما دلّ على أنّ كفّارة النذر هي كفّارة اليمين سليماً عن المعارض ، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : إن قلت : لله عليّ ، فكفّارة يمين» (٣).

وما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان بن داود ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : سألته عن كفّارة النذر «فقال : كفّارة النذر كفّارة اليمين» إلخ (٤).

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٧٨ / أبواب بقية الصوم الواجب ب ٧ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٧٨ / أبواب بقية الصوم الواجب ب ٧ ح ٣.

(٣) الوسائل ٢٢ : ٣٩٢ / أبواب الكفارات ب ٢٣ ح ١.

(٤) الوسائل ٢٢ : ٣٩٣ / أبواب الكفارات ب ٢٣ ح ٤ ، الكافي ٧ : ٤٥٧ / ١٣.

٣٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذه الرواية موثّقة ، إذ القاسم بن محمّد هو الجوهري الذي هو ثقة على الأظهر ، وسليمان المنقري ثقة أيضاً وإن قيل أنّه عامّي ، وكذا حفص بن غياث فإنّه وإن كان عامّيّاً إلّا أنّ الشيخ ذكر أنّ كتابه معتبر (١) ، وقال في العدّة : إنّ أصحابنا عملوا بروايات جماعة منهم : حفص بن غياث (٢).

فتحصّل : أنّ ما ذكره جماعة من أنّ الكفّارة في المقام هي كفّارة اليمين هو الصحيح ، للنص الدالّ عليه ، السليم عمّا يصلح للمعارضة حسبما عرفت. وتفصيل صاحب الوسائل بين الصوم وغيره لم يظهر له أيّ وجه ، لأنّ ما دلّ على أنّها كفّارة رمضان هو رواية عبد الملك ولا اختصاص لها بنذر الصيام.

ثمّ إنّ هناك صحيحة أُخرى لابن مهزيار رواها في الوسائل عن الكليني ، قال : كتب بندار مولى إدريس : يا سيّدي ، نذرت أن أصوم كل يوم سبت ، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة؟ فكتب إليه وقرأته : «لا تتركه إلّا من علّة ، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلّا أن تكون نويت ذلك ، وإن كنت أفطرت فيه من غير علّة فتصدّق بعدد كلّ يوم على سبعة مساكين ، نسأل الله التوفيق لما يحبّ ويرضى» (٣).

ولا يخفى أنّ هذه الرواية بسندها المذكور في الوسائل غير موجودة في الكافي ، وإنّما هي مذكورة فيه بسند آخر وهو : عن أبي علي الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن علي بن مهزيار. وهذه هي الرواية التي أشرنا إليها عند التكلّم في مكاتبة ابن مهزيار السابقة وقلنا : إنّ صاحب الوسائل اشتبه في سندها ، فأخذ السند من رواية وألحقه بمتن المكاتبة ، فإنّ الرواية المأخوذ عنها ذلك

__________________

(١) الفهرست : ٦١ / ٢٤٣.

(٢) العدة ١ : ١٤٩.

(٣) لاحظ الوسائل ١٠ : ٣٧٩ / أبواب بقية الصوم الواجب ب ٧ ح ٤.

٣٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

السند هي هذه الرواية.

وكيفما كان ، فهي صحيحة السند ، ولكن مفادها وهو التصدّق على سبعة مساكين ممّا لم يقل به أحد ، لعدم انطباقه لا على كفّارة رمضان ولا على كفّارة اليمين.

ومن هنا قد يقوى في النظر أنّ في العبارة تصحيفاً وأنّ صحيحها العشرة ، فابدلت بالسبعة سهواً من النساخ ، كما حكي ذلك عن الشهيد (قدس سره) (١).

والذي يشهد لذلك أو لا أقل من أن يوقعنا في الريب : أنّ عبارة الصدوق في الفقيه في كتاب النذر الذي هو شأنه التعبير فيه بمتون الأخبار مطابقة لمتن هذه الرواية من غير اختلاف إلّا من ناحية أن الضمائر هناك للغياب وهنا للتكلّم والخطاب ، ومن المستبعد جدّاً أنّها مع هذه المطابقة لم تكن متّخذة من متن هذه الرواية وقد تضمّنت التعبير بالعشرة بدلاً عن السبعة ، وعبارته في المقنع أيضاً كذلك ، أي مشتملة على كلمة «عشرة» على ما حكاه عنه الشهيد في المسالك (٢) ، ومن المعلوم من دأبه (قدس سره) في هذا الكتاب أنّه يذكر متن الرواية بعنوان الفتوى كما يفعل ذلك في الفقيه أيضاً حسبما عرفت.

وكيفما كان ، فلم تثبت صحّة النسخة وأنّ متن الصحيحة هل هو العشرة ، أو السبعة ، فغايته الإجمال ، فلا يمكن أن يعارَض بها صحيحة الحلبي وموثّقة غياث الصريحتين في أنّ الكفّارة هي كفّارة اليمين حسبما عرفت ، لو لم ندّع الاطمئنان بأنّ الصحيح هو العشرة كما في كلام الصدوق ، فإنّه أقرب إلى الصحة لانطباقه على سائر الروايات.

__________________

(١) الجواهر ٣٣ : ١٧٦.

(٢) المسالك ١٠ : ٢١.

٣٣٣

الرابع : صوم الاعتكاف (١) ، وكفّارته مثل كفّارة رمضان مخيّرة بين الخصال ، ولكن الأحوط الترتيب المذكور.

______________________________________________________

(١) لا إشكال كما لا خلاف في وجوب الكفّارة بالجماع في صوم الاعتكاف.

إنّما الإشكال في تعيين المقدار ، فالمشهور بل عن بعض دعوى الإجماع عليه أنّها ككفّارة شهر رمضان مخيّرة بين الخصال الثلاث ، وعن جماعة منهم صاحب المدارك (١) أنّها كفّارة الظهار.

ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار ، حيث تضمّن بعضها أنّها كفّارة شهر رمضان ، كموثّقة سماعة : عن معتكف واقع أهله «فقال : هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان» (٢).

وموثّقته الأُخرى : عن معتكف واقع أهله «قال : عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً : عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً» (٣).

وبإزاء الموثّقتين صحيحتان دلّتا على أنّها كفّارة الظهار :

إحداهما : صحيحة زرارة : عن المعتكف يجامع أهله «قال : إذا فعل فعليه ما على المظاهر» (٤).

والأُخرى صحيحة أبي ولّاد الحنّاط : عن امرأة كان زوجها غائباً فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها ، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها ،

__________________

(١) المدارك ٦ : ٢٤٤.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥٤٧ / أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ٢ ، ٥.

(٣) الوسائل ١٠ : ٥٤٧ / أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ٢ ، ٥.

(٤) الوسائل ١٠ : ٥٤٦ / أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ١.

٣٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فتهيأت إلى زوجها حتّى واقعها «فقال : إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تقضي ثلاثة أيام ولم تكن اشترطت في اعتكافها ، فإنّ عليها ما على المظاهر» (١).

هذا ، وصاحب المدارك ومن حذا حذوة ممّن لا يعملون بالموثّقات ولا يرون حجّيّة غير الصحاح ، لاعتبارهم العدالة في الراوي طرحوا الموثّقتين ، لعدم الحجّيّة وعملوا بالصحيحتين ، فأفتوا بأنّ الكفّارة هي كفّارة الظهار.

وأمّا بناءً على ما هو الصواب من عدم الفرق في الحجيّة بين الصحيح والموثّق ، فلا محالة تقع المعارضة بين الموثّقتين والصحيحتين ، ويدور الأمر بين العمل بإحدى الطائفتين ، ولكن الظاهر هو الأخذ بالموثّقتين والحكم بأنّها كفّارة شهر رمضان كما عليه المشهور ، وذلك من أجل أنّ هذه الكفّارة هي كفّارة الظهار بعينها ، ولا فرق بينهما إلّا من حيث التخيير والترتيب ، فالأُولى مخيّرة بين الخصال ، والثانية يعتبر فيها الترتيب ، فيجب العتق أوّلاً ، ومع العجز فالصيام ، ولو عجز أيضاً فالإطعام.

وعليه ، فيجمع بين الطائفتين بحمل الأمر بالترتيب على الأفضليّة ، فإنّ الموثّقتين صريحتان في التخيير ، والصحيحتان ظاهرتان في وجوب الترتيب ، فيرفع اليد عن الظاهر بالنصّ ويُحمَل على الندب ، فتأمّل.

بل لو فرضنا عدم ورود الصحيحتين لقلنا أيضاً بأفضليّة الترتيب ، لورود الأمر به في صحيحة علي بن جعفر التي تقدّمت في نصوص كفّارة شهر رمضان (٢) ، المحمول على الأفضليّة جمعاً كما مرّ سابقاً ، فإذا كان صوم الاعتكاف بمنزلة شهر رمضان كما نطقت به الموثّقتان ثبتت الأفضليّة هنا أيضاً.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٤٨ / أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ١.

(٢) راجع ص ٣١٢.

٣٣٥

هذا ، وكفّارة الاعتكاف مختصّة بالجماع ، فلا تعمّ سائر المفطرات (١).

______________________________________________________

ونحو هذه الصحيحة رواية المشرقي المتضمّنة للأمر بالعتق (١) ، فإنّها أيضاً محمولة على الاستحباب أو على الوجوب التخييري جمعاً كما مرّ (٢).

نعم ، ناقشنا سابقاً في سند هذه الرواية من أجل أنّ المشرقي هو هاشم أو هشام بن إبراهيم العبّاسي غير الثقة ، وقد اعتمدنا في ذلك على ما ذكره الأردبيلي في جامعه تبعاً للميرزا وللتفرشي من الاتّحاد (٣) ، ولكنّه وهم ، والصواب أنّهما شخصان كما نبّهنا عليه في المعجم (٤) ، فإنّ المشرقي هو هشام بن إبراهيم الختلي البغدادي الذي وثّقه النجاشي صريحاً (٥) ، وهو غير هشام بن إبراهيم العبّاسي ، الذي قيل في حقّه أنّه زنديق ، وقد أقمنا في المعجم شواهد على التعدد.

إذن فرواية المشرقي صحيحة السند من غير غمز فيه.

فتحصّل : أنّ من جامع في صوم الاعتكاف وجبت عليه كفّارة شهر رمضان أعني التخيير بين الخصال وإن كان الأفضل الترتيب ، بل هو الأحوط كما ذكره في المتن.

(١) كما هو المشهور وهو الصحيح ، إذ لا ملازمة بين الحرمة وبين وجوب الكفّارة لو ارتكب ، فإنّها تحتاج إلى الدليل ولا دليل عليها في غير الجماع ، وعدم الدليل كافٍ في الحكم بالعدم ، استناداً إلى أصالة البراءة.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٤٩ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١١.

(٢) في ص ٣١٢.

(٣) جامع الرواة ٢ : ٣١٢ ، منهج المقال : ٣٥٨ ، نقد الرجال ٥ : ٤٠ / ٥٦٧٥.

(٤) المعجم ٢٠ : ٢٩١ / ١٣٣٤٩.

(٥) لاحظ رجال النجاشي : ٤٣٥ / ١١٦٨.

٣٣٦

والظاهر أنّها لأجل الاعتكاف لا الصوم (١) ، ولذا تجب في الجماع ليلاً أيضاً.

______________________________________________________

ولكن ذهب المفيد والسيّدان والعلّامة في التذكرة إلى وجوب الكفّارة مطلقاً (١) ، بل في الغنية دعوى الإجماع على الإلحاق بالجماع.

وهو كما ترى ، ولا عبرة بالإجماع المنقول سيّما إجماعات الغنية المعلوم حالها ، حيث يدّعي الإجماع اعتماداً على أصلٍ أو قاعدةٍ يرى انطباقه على المورد.

ونُسِب إلى الشيخ في كتابيه والعلامة في التذكرة أيضاً إلحاق خصوص الاستمناء بالجماع (٢).

وهو أيضاً لا دليل عليه. ودعوى الإجماع على الإلحاق موهونة ، سيّما بعد مخالفة مثل المحقق (٣) وغيره.

نعم ، ثبت الإلحاق في خصوص شهر رمضان بالنصّ الدالّ على أنّ عليه مثل ما على الذي يجامع كما سبق في محلّه ، وأمّا أنّ كل حكم متعلّق بالجماع ثابت للاستمناء كي يحكم بالكفّارة في المقام فلا دليل عليه بوجه ، فالأقوى اختصاص الحكم بالجماع حسبما عرفت.

(١) فتجب الكفّارة وإن لم يكن صائماً كما لو جامع ليلاً ، وذلك لأجل أنّ موضوع الحكم في النصوص وهي الموثّقتان والصحيحتان هو عنوان المعتكف ، لا عنوان الصائم ، ومقتضى الإطلاق دوران الحكم مدار ذاك العنوان سواء أكان صائماً أم لا.

__________________

(١) المقنعة : ٣٦٣ ، غنية النزوع ٢ : ١٤٧ ، جمل العلم والعمل (ضمن رسائل الشريف ٣) : ٦١ ، التذكرة ٦ : ٣١٨.

(٢) المبسوط ١ : ٢٩٤ ، الخلاف ٢ : ٢٣٨ / ١١٣ ، التذكرة ٦ : ٣١٨.

(٣) المعتبر ٢ : ٧٤٢.

٣٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وتؤيّده رواية عبد الأعلى بن أعين : عن رجل وطئ امرأته وهو معتكف ليلاً في شهر رمضان «قال : عليه الكفّارة» قال : قلت : فإن وطئها نهاراً؟ قال : «عليه كفّارتان» (١) ونحوها مرسلة الصدوق (٢).

ولكن الرواية ضعيفة السند لا تصلح إلّا للتأييد ، لا من أجل ضعف عبد الأعلى نفسه ، فإنّه وإن لم يُذكَر في كتب الرجال إلّا أنّه وثّقه المفيد في رسالته العدديّة المدوّنة لبيان أنّ شهر رمضان قد ينقص وقد لا ينقص ، في قبال من ذهب كالصدوق (٣) إلى أنّه لا ينقص أبداً ، فذكر (قدس سره) بعد أن سرد طائفة من الروايات الدالّة على ذلك ـ : أنّ رواة هذه الأخبار ومنهم : عبد الأعلى بن أعين من أكابر الفقهاء ولا يُطعَن عليهم بشي‌ء (٤). ويكفي هذا المدح البليغ في التوثيق كما لا يخفى.

بل من أجل وقوع محمّد بن سنان في السند.

وأمّا المرسلة فحالها ظاهر.

إذن فالعمدة هي الإطلاقات المتقدّمة الشاملة لحالتي الصوم وعدمه ، الظاهرة في أنّ موضوع التكفير نفس الاعتكاف ولا مدخل للصوم في ذلك حسبما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٤٧ / أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ٤ ، ٣.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥٤٧ / أبواب الاعتكاف ب ٦ ح ٤ ، ٣.

(٣) الفقيه ٢ : ١١٠ ١١١.

(٤) الرسالة العددية : ٤٥ ، (ضمن مصنفات الشيخ المفيد ج ٩).

٣٣٨

وأمّا ما عدا ذلك من أقسام الصوم فلا كفّارة في إفطاره (١) ، واجباً كان كالنذر المطلق والكفّارة أو مندوباً ، فإنّه لا كفّارة فيها وإن أفطر بعد الزوال.

[٢٤٧١] مسألة ٢ : تتكرّر الكفّارة بتكرّر الموجب في يومين (٢) وأزيد من صوم له كفّارة ، ولا تتكرّر بتكرّره في يوم واحد في غير الجماع (*) وإن تخلّل التكفير بين الموجبين أو اختلف جنس الموجب على الأقوى ، وإن كان الأحوط التكرار مع أحد الأمرين ، بل الأحوط التكرار مطلقاً.

______________________________________________________

(١) بلا إشكال فيه ولا خلاف ، سواء أكان واجباً ولو معيّناً كالصوم الاستئجاري أم مندوباً ، لأنّ وجوب الكفّارة حكمٌ آخر يحتاج ثبوته إلى الدليل ، ولا دليل عليه فيما عدا المواضع الأربعة المتقدّمة ، فيرجع إلى أصالة البراءة.

(٢) لا ينبغي الإشكال في تكرار الكفّارة بتكرّر الإفطار فيما إذا كان ذلك في يومين فما زاد ، سواء اتّحد الجنس كما لو أفطر بالأكل في كلّ من اليومين ، أم اختلف بأن أكل في يوم وشرب في اليوم الآخر ، وسواء تخلّل التكفير في البين أم لا ، وذلك لإطلاق الأدلّة بعد أن كان كلّ يوم موضوعاً مستقلا للحكم ، والتداخل على تقدير القول به إنّما يجدي فيما لو اجتمع الموجبان في اليوم الواحد كما سيجي‌ء. فحال تعدّد الإفطار في يومين حال تكرّره في سنتين الذي لا يحتمل فيه وحدة الكفّارة بالضرورة. وهذا ظاهر جدّاً.

__________________

(*) يختصّ تكرّر الكفّارة بتكرّر الجماع بشهر رمضان ، والظاهر تكرّر الكفّارة بتكرّر الاستمناء أيضاً.

٣٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

إنّما الكلام فيما لو تعدّد الموجب في يوم واحد ، فهل تتعدّد الكفّارة حينئذٍ أيضاً ، أو لا؟ أو يفصّل بين اختلاف الجنس ووحدته أو بين تخلّل التكفير في البين وعدمه؟

فيه أقوال ، ومحلّ الكلام فعلاً ما عدا الجماع وما يلحق به من الاستمناء.

المشهور والمعروف عدم التعدّد وأنّه ليست عليه إلّا كفّارة واحدة وإن كان آثماً في التكرير.

وذهب جماعة منهم : المحقّق والشهيد الثانيان (١) إلى التعدّد مطلقاً.

وعن العلّامة في المختلف التكرّر بشرط تغاير الجنس أو تخلّل التكفير ، ومع انتفائهما فكفّارة واحدة (٢).

وكأنّهم بنوا النزاع على أنّ الأصل هو التداخل أو عدمه ، أو يفصّل بين التغاير أو التخلّل ، فالأصل عدم التداخل ، وإلّا فالأصل هو التداخل ، ولأجل ذلك بنى ثاني الشهيدين والمحقّقَين على أصالة عدم التداخل مطلقاً ، ولكن العلّامة بنى على أصالة التداخل إلّا في الموردين المزبورين.

والظاهر أنّ شيئاً من ذلك لا يتمّ فلا تجب في المقام إلّا كفّارة واحدة على جميع التقادير ، أي سواء قلنا بأنّ الأصل هو التداخل أو عدمه أو التفصيل ، وذلك لأنّ الأسباب في محلّ الكلام لا يتصوّر فيها التعدّد كي يبحث عن تداخلها وعدمه ، إذ الكفّارة لم تترتّب في شي‌ء من النصوص على عنوان الأكل أو الشرب أو الارتماس ونحوها من ذوات المفطرات ما عدا الجماع وما يلحق به كما ستعرف ، وانّما ترتّبت على عنوان الإفطار مثل قوله (عليه السلام) : «من

__________________

(١) جامع المقاصد ٣ : ٧٠ ، المسالك ٢ : ٣٦.

(٢) المختلف ٣ : ٣١٦.

٣٤٠