موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢٤٦٩] مسألة : إذا امتزج بريقه دم واستهلك فيه يجوز بلعه على الأقوى (١) ، وكذا غير الدم من المحرّمات والمحلّلات. والظاهر عدم جواز تعمّد المزج والاستهلاك بالبلع (٢) ، سواء كان مثل الدم ونحوه من المحرّمات أو الماء ونحوه من المحلّلات ، فما ذكرنا من الجواز إنّما هو إذا كان ذلك على وجه الاتّفاق.

______________________________________________________

(١) إذ لا موضوع له بعد فرض الاستهلاك ليحرم بلعه ، سواء أكان الممزوج محرّماً في نفسه كالدم أم محللاً كبقايا الطعام بين الأسنان بل كلّ ما دلّ على جواز ابتلاع الريق ممّا مرّ يشمل المقام بمقتضى الإطلاق ، لعدم خروج المستهلك فيه عن كونه مصداقاً لابتلاع الريق حسب الفرض.

(٢) لما تقدّم في العلك من أنّ هذا وإن لم يصدق عليه الأكل أو الشرب لفرض الاستهلاك ، إلّا أنّ التكليف غير مقصور على المنع عن الأكل والشرب ، بل الصائم مكلّف بمقتضى قوله : «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب» إلخ ، بالاجتناب عن الطعام والشراب ، ومعنى الاجتناب : أن يكون على جانب منه وبعيداً عنه ، ومن الواضح أنّ المتعمّد المزبور غير مجتنب عن ذلك ، فإنّ من جعل الماء في فيه قطرة فقطرة فمزجه بريقه حتّى استهلك فبلع ، وكذا السكر ونحوه بحيث أوصل إلى جوفه كمّيّة من الطعام أو الشراب ولو تدريجاً ، يصحّ أن يقال عرفاً : إنّه لم يجتنب عن الطعام والشراب وإن لم يصدق عليه الأكل والشرب ، فلم يصدر منه الصوم المأمور به.

فما ذكره (قدس سره) من التفرقة بين الاستهلاك الاتّفاقي فيجوز ، وما كان مقصوداً من الأوّل فلا يجوز ، هو الصحيح حسبما عرفت وجهه.

٣٠١

فصل

فيما يكره للصّائم

يكره للصائم أُمور :

أحدها : مباشرة النساء لمساً وتقبيلاً وملاعبةً ، خصوصاً لمن تتحرّك شهوته بذلك ، بشرط أن لا يقصد الإنزال ولا كان من عادته (١) ، وإلّا حرم إذا كان في الصوم الواجب المعيّن.

الثاني : الاكتحال بما فيه صَبر أو مسك أو نحوهما ممّا يصل طعمه أو رائحته إلى الحلق ، وكذا ذرّ مثل ذلك في العين.

الثالث : دخول الحمّام إذا خشي منه الضعف.

______________________________________________________

(١) أمّا مع قصد الإنزال فلا ينبغي الإشكال في البطلان ، لمنافاة القصد إلى المفطر مع نيّة الصوم كما هو ظاهر.

وأمّا مع فرض العادة فالظاهر أنّ الأمر كذلك وإن احتمل عدم خروج المني ، لأنّ جريان العادة يوجب الاطمئنان بالخروج ، فهو قاصد لفعلٍ يترتّب عليه خروج المني وإن لم يتعلّق القصد به ابتداءً.

وهذا نظير ما ذكروه في القتل العمدي من أنّه لو قصد القتل أو قصد فعلاً يترتّب عليه القتل فهو قتل عمدي ، لا أنّه شبه العمد وغيره خطأ.

٣٠٢

الرابع : إخراج الدم المضعف بحجامةٍ أو غيرها ، وإذا علم بأدائه إلى الإغماء المبطل للصوم حرم ، بل لا يبعد كراهة كلّ فعل يورث الضعف أو هيجان المُرّة.

الخامس : السعوط مع عدم العلم بوصوله إلى الحلق ، وإلّا فلا يجوز على الأقوى.

السادس : شمّ الرياحين خصوصاً النرجس ، والمراد بها كلّ نبت طيّب الريح.

السابع : بلّ الثوب على الجسد.

الثامن : جلوس المرأة في الماء ، بل الأحوط لها تركه.

التاسع : الحقنة بالجامد.

العاشر : قلع الضرس ، بل مطلق إدماء الفم.

الحادي عشر : السواك بالعود الرطب.

الثاني عشر : المضمضة عبثاً ، وكذا إدخال شي‌ء آخر في الفم لا لغرض صحيح.

______________________________________________________

فيكفي في صدق العمد إلى الشي‌ء قصد فعل يترتّب عليه ذلك الشي‌ء عادةً بحيث يُطمأنّ بحصوله خارجاً. بل تقدّم في بحث الاستمناء أنّ مجرّد الشكّ كافٍ ولا يحتاج إلى الاطمئنان (١) ، فمجرّد احتمال خروج المني احتمالاً عقلائياً بحيث لا يبقى معه وثوق بعدم الخروج موجب للبطلان ، وذلك لتعليق جواز المباشرة والملاعبة في صحيحة ابن مسلم وزرارة على ما إذا كان واثقاً من نفسه بعدم

__________________

(١) في ص ١٢١ ١٢٢.

٣٠٣

الثالث عشر : إنشاد الشعر ، ولا يبعد اختصاصه بغير المراثي أو المشتمل على المطالب الحقّة من دون إغراق أو مدح الأئمّة (عليهم السلام) وإن كان يظهر من بعض الأخبار التعميم.

الرابع عشر : الجدال والمراء وأذى الخادم والمسارعة إلى الحلف ونحو ذلك من المحرّمات والمكروهات في غير حال الصوم ، فإنّه تشتدّ حرمتها أو كراهتها حاله.

______________________________________________________

خروج المني (١) ، وإليه يشير ما في صحيح منصور من الجواز في الشيخ الكبير دون الشاب الشبق (٢) ، لحصول الوثوق في الأوّل دون الثاني غالباً.

فيظهر من ذلك أنّ مجرّد الاحتمال كافٍ في عدم الجواز ، إلّا أن يثق ويطمئن من نفسه بعدم الخروج.

هذا ، ولا حاجة للتعرّض إلى بقيّة المكروهات التي أشار إليها في هذا الفصل ، لوضوحها ، فلاحظ.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١٠٠ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٣ ح ١٣.

(٢) الوسائل ١٠ : ٩٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٣ ح ٣.

٣٠٤

فصل

في كفّارة الصّوم

المفطرات المذكورة كما أنّها موجبة للقضاء كذلك توجب الكفّارة (١) إذا كانت مع العمد والاختيار من غير كره ولا إجبار ، من غير فرق بين الجميع حتّى الارتماس والكذب على الله وعلى رسوله (صلّى الله عليه وآله) ، بل والحقنة والقي‌ء على الأقوى.

نعم ، الأقوى عدم وجوبها في النوم الثاني من الجنب بعد الانتباه ، بل والثالث ، وإن كان الأحوط فيها أيضاً ذلك ، خصوصاً الثالث.

______________________________________________________

(١) قد ورد في غير واحد من النصوص وجوب الكفّارة على من أفطر متعمّداً كصحيحة عبد الله بن سنان (١) وغيرها كما لا يخفى على من لاحظها ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين أقسام المفطرات وأنّ الاعتبار بنفس الإفطار الذي هو مضادّ للصوم ولا ثالث لهما ، فإنّ الإفطار في نظر العرف في مقابل الاجتناب عن خصوص الأكل والشرب ، ولكن الشارع اعتبر الصوم مؤلّفاً من الاجتناب عن عدّة أمور أُخر أيضاً زائداً على ذلك من الارتماس والجماع والكذب والحقنة ونحو ذلك ممّا تقدّم. فمتى تحقّق الإمساك بهذا النحو كان صائماً

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٤٤ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١.

٣٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وإلّا فهو مفطر ، فيندرج حينئذٍ تحت إطلاق هذه النصوص الدالّة على ثبوت الكفّارة على من أفطر.

ودعوى الانصراف إلى خصوص الأكل والشرب كما في الجواهر (١) غير مسموعة ، بعد كون الصوم في نظر الشرع مؤلّفاً من مجموع تلك التروك ومضادّاً للإفطار من غير ثالث كما عرفت.

والاقتصار في بعض الأخبار على القضاء لا يدلّ على نفي الكفّارة ، غاية الأمر أنّها ساكتة عنها وغير متعرّضة لها ، فتثبت بعموم النصوص المشار إليها ، وقد تقدّم التعرّض لذلك عند التكلّم عن كلّ واحد من هذه الأُمور.

وعلى الجملة : فالظاهر أنّ الحكم المزبور عامٌّ لجميع المفطرات.

نعم ، مجرّد بطلان الصوم ووجوب القضاء لا يلازم الكفّارة ، كما لو فرضنا أنّه أبطل صومه بعدم النيّة ، أو بنيّة الخلاف فنوى أن لا يصوم ، أو نوى على وجه محرّم كالرياء ، ففي جميع ذلك وإن بطل صومه لعدم وقوعه عن نيّة صحيحة فلم يأت بالمأمور به على وجهه ، فهو صائم بصوم فاسد ، إلّا أنّه لا تثبت الكفّارة ، لعدم تحقّق الإفطار المأخوذ موضوعاً لهذا الحكم في تلك النصوص ، فهو غير مفطر بل صائم ، غاية الأمر أنّ صومه فاقد للنيّة ، ولأجله يجب القضاء دون الكفّارة.

ومن هذا القبيل : البقاء على الجنابة غير متعمّد ، كما إذا كان في النومة الثانية أو الثالثة على ما تقدّم الكلام فيه (٢) ، فإنّه يجب القضاء حينئذٍ دون الكفّارة ، لعدم الدليل عليها بعد عدم تحقّق الإفطار.

__________________

(١) الجواهر ١٦ : ٢١٨ ٢١٩.

(٢) في ص ٢٢٦ ٢٣٢.

٣٠٦

ولا فرق أيضاً في وجوبها بين العالم والجاهل المقصّر والقاصر على الأحوط (١) ، وإن كان الأقوى عدم وجوبها على الجاهل خصوصاً القاصر والمقصّر غير الملتفت حين الإفطار.

نعم ، إذا كان جاهلاً بكون الشي‌ء مفطراً مع علمه بحرمته كما إذا لم يعلم أنّ الكذب على الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله) من المفطرات فارتكبه حال الصوم فالظاهر لحوقه بالعالم في وجوب الكفّارة.

______________________________________________________

ثمّ إنّ الكفارة تختصّ بحال العمد والاختيار ، فلا تجب على غير العامد كالناسي ، فإنّه رزق رزقه الله ، بل ليس عليه القضاء أيضاً كما تقدّم (١) ، كما لا تجب على غير المختار أي غير القاصد كمن اوجر في حلقه بغير اختياره كما هو واضح.

وأمّا في فرض الإكراه والاضطرار فقد تقدّم أنّ مقتضى الإطلاق هو البطلان (٢) ، ولكن لا كفّارة عليه ، لحديث الرفع ، فلاحظ.

(١) نُسِب إلى المشهور عدم الفرق فيما تثبت فيه الكفّارة بين العالم بالحكم وبين الجاهل به ، كما لو اعتقد أنّ شرب الدواء مثلاً لا يضرّ بالصوم ، لاختصاص المفطر بالمأكول المتعارف.

ولكن الأقوى ما اختاره في المتن من عدم الوجوب ، ولا سيّما في الجاهل القاصر أو المقصّر غير الملتفت كالغافل حين الإفطار ، وإن كان المشهور هو الأحوط.

__________________

(١) في ص ٢٦٨.

(٢) في ص ٢٧٥ ٢٧٦.

٣٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والوجه فيه ما تقدّم من موثّق زرارة وأبي بصير : عن رجل أتى أهله في شهر رمضان وأتى أهله وهو محرم وهو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال له «قال (عليه السلام) : ليس عليه شي‌ء» (١).

فإنّه يعمّ الجاهل حتّى المقصّر إذ هو وإن كان معاقباً لتقصيره إلّا أنّه بالآخرة حين الارتكاب لا يرى إلّا أنّه حلال له فليس عليه شي‌ء.

نعم ، يختصّ مورد الموثّق بالملتفت ، فلا يشمل الغافل الذي لا يلتفت أصلاً ، إذ لا يصدق في حقّه أنّه لا يرى إلّا أنّ ذلك حلالٌ له كما هو ظاهر.

ولكن تكفينا في ذلك صحيحة عبد الصمد «أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شي‌ء عليه» (٢).

فإنّها بعمومها تشمل الغافل والجاهل القاصر والمقصّر.

فلو فرضنا أنّه قصّر في السؤال إلى أن جاء وقت العمل فغفل أو بنى على حلال فهو بالنتيجة جاهل فعلاً بالحكم وغير عالم بأنّه مفطر أو أنّه حرام على المحرم فتشمله الصحيحة.

إذن فالصحيح ما ذكره (قدس سره) من أنّه لا كفّارة على الجاهل حتّى المقصّر ، ولا تنافي بين عدم الكفّارة وبين العقاب ، فيعاقب لأجل تقصيره ، ولا كفّارة عليه لمكان جهله.

ثمّ إنّ الظاهر من الموثّق وكذا الصحيحة أن يكون جاهلاً بالتحريم بقول مطلق ، بحيث يكون منشأ الركوب هو الجهالة كما هو المترائى من قوله : «ركب أمراً بجهالة» ، وأنّه لا يرى إلّا أنّ هذا حلال له.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٣ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٩ ح ١٢.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٨٩ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٥ ح ٣.

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وعليه ، فلو فرضنا أنّه مع جهله بالحكم الواقعي عالمٌ بالحكم الظاهري أعني : وجوب الاحتياط كما لو كانت الشبهة من الشبهات الحكميّة قبل الفحص التي لا يسع فيها الرجوع إلى البراءة ، فاقتحم فيها ثمّ انكشف الخلاف ، فإنّ شيئاً من الروايتين لا يشمل ذلك بتاتاً ، إذ قد كان الحكم الظاهري معلوماً لديه وكان مكلّفاً بالاحتياط والاجتناب عقلاً ، بل ونقلاً ، للنصوص الآمرة بالوقوف عند الشبهة ، المحمولة على ما قبل الفحص ، ومع ذلك قد ركب هذا الأمر لتجرّئه لا لجهله ، فلا يصدق أنّه ارتكبه بجهالة ، ولا أنّه يرى أنّه حلال له ، بل عن علمٍ بالحرمة وبوجوب الاجتناب ، غاية الأمر أنّ الوجوب ظاهري لا واقعي.

والحاصل : أنّه وإن عمّمنا الحكم بالنسبة إلى الجاهل القاصر والمقصّر حسبما عرفت ، إلّا أنّه لا بدّ أن يكون الجاهل على نحوٍ لم يؤمر بالاجتناب عن هذا الشي‌ء أمراً فعليّاً ، فلا يشمل الجاهل الملتفت المتردّد بين الأمرين بحيث لا يدري أنّ هذا مفطر أم لا ويحكم عقله بالاحتياط ، إذ ليس له والحال هذه أن يرتكب ، فلو ارتكب دخل في الإفطار متعمّداً ، فيحكم عليه بوجوب الكفّارة.

نعم ، لو كان مقصّراً من الأوّل فلم يسأل إلى أن جاء وقت العمل وكان حينئذٍ غافلاً أو معتقداً بالجواز ، لم يكن عليه حينئذٍ شي‌ء كما عرفت.

ثمّ إنّ الظاهر من الجهالة في الصحيح وكذا الحلّيّة في الموثّق : هي الجهالة المطلقة ، والحلّيّة بكلّ معنى الكلمة الشاملة للتكليفيّة والوضعيّة ، بحيث يكون مطلق العنان له أن يفعل وأن لا يفعل ، فلو كان عالماً بالحرمة التكليفيّة جاهلاً بالوضعيّة كمن لم يعلم بمفطريّة الاستمناء أو الكذب على الله ورسوله مع علمه بحرمتهما ، أو لم يعلم بأنّ السباب من تروك الإحرام مع العلم بحرمته في نفسه فالظاهر أنّه غير داخل في شي‌ء من الروايتين ، إذ كيف يصحّ أن يقال :

٣٠٩

[٢٤٧٠] مسألة ١ : تجب الكفّارة في أربعة أقسام من الصوم :

الأوّل : صوم شهر رمضان ، وكفّارته مخيّرة (١) بين العتق وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستّين مسكيناً على الأقوى ، وإن كان الأحوط الترتيب فيختار العتق مع الإمكان ومع العجز عنه فالصيام ومع العجز عنه فالإطعام.

______________________________________________________

إنّه ركب أمراً بجهالة؟! أو : لا يرى إلّا أنّ هذا حلال له؟! بل هو يرى أنّه حرام حسب الفرض وإن لم يَرَ الحرمة من الجهة الأُخرى وكان جاهلاً بالإخلال بالصيام أو الإحرام ، وقد عرفت أنّ مقتضى الإطلاق اعتقاد الحلّيّة بتمام معنى الكلمة الشاملة للتكليفيّة والوضعيّة ، فلو ارتكب وجبت عليه الكفّارة ، إذ لا يشمله قوله : وهو لا يرى إلّا أنّه حلال له ، فإنّه يعلم بالحرمة وإن لم يعلم بالمفسديّة.

فما ذكره في المتن من إلحاق هذه الصورة بالعالم في وجوب الكفّارة هو الصحيح ، فلاحظ.

(١) لا إشكال في وجوب الكفّارة على من أفطر في شهر رمضان متعمّداً.

إنّما الكلام في تعيينها وأنّها ما هي؟

فالمعروف والمشهور أنّه مخيّر فيما لو أفطر بحلال كما هو محلّ الكلام بين الخصال الثلاث ، أعني العتق ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستّين مسكيناً.

ونُسِبَ إلى بعض القدماء كالسيّد المرتضى والعماني لزوم مراعاة الترتيب ، فيجب عليه العتق معيّناً ، فإن لم يتمكّن فالصيام ، وإلّا فالإطعام (١).

__________________

(١) الجواهر ١٦ : ٢٦٨.

٣١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنشأ الخلاف اختلاف النصوص الواردة في المقام ، فإنّها على طوائف أربع :

الأُولى : ما دلّ على التخيير صريحاً ، كصحيحة عبد الله بن سنان : في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر «قال : يعتق نسمة ، أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستّين مسكيناً ، فإنّ لم يقدر تصدّق بما يطيق» (١).

وموثّقة سماعة : عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمّداً «قال : عليه عتق رقبة ، أو إطعام ستّين مسكيناً ، أو صوم شهرين متتابعين» إلخ (٢).

فإنّ الأخيرة واردة في إتيان الأهل الذي هو من أهمّ المفطرات ، فإذا ثبت التخيير في مثله ثبت في سائر المفطرات بطريق أولى.

وبمضمونها موثّقته الأُخرى الواردة في المعتكف (٣) ، ونحوها غيرها.

الثانية : ما اقتصر فيه على التصدّق ، كموثّقة سماعة : عن رجل لزق بأهله فأنزل «قال : عليه إطعام ستّين مسكيناً ، مدّ لكلّ مسكين» (٤).

ولا يخفى لزوم رفع اليد عن ظاهر الموثّقة وما بمضمونها على كلّ تقدير ، أي سواء بنينا على التخيير كما عليه المشهور ، أم قلنا بالترتيب ، غاية الأمر أنّه على الأوّل يرفع اليد عن الظهور في التعيين ويحمل على التخيير ، وتكون النتيجة التقييد بـ «أو» جمعاً بينها وبين النصوص المتقدّمة ، وعلى الثاني يتقيّد بصورة العجز عن العتق والصيام ، إذ لم ينقل القول بظاهرها من تعيّن الإطعام من أحد ، فهو خلاف الإجماع المركب.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٤٤ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٤٩ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١٣.

(٣) الوسائل ١٠ : ٥٤٧ / كتاب الاعتكاف ب ٦ ح ٥.

(٤) الوسائل ١٠ : ٤٩ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١٢.

٣١١

.................................................................................................

______________________________________________________

الثالثة : ما دلّ على وجوب العتق تعييناً ، دلّت عليه رواية المشرقي : عن رجل أفطر من شهر رمضان أيّاماً متعمّداً ، ما عليه من الكفّارة؟ فكتب : «من أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة مؤمنة ، ويصوم يوماً بدل يوم» (١).

وهذه الرواية موافقة للقول بمراعاة الترتيب ، ولكنّها مخالفة للقول المشهور ، فلا بدّ من تقييدها بالعدلين الآخرين مع العطف بـ «أو» ، فهي معارضة لأخبار التخيير ، غير أنّها ضعيفة السند جدّاً ، فإنّها وإن كانت صحيحة إلى ابن أبي نصر البزنطي ولكن المشرقي بنفسه الذي هو هشام بن إبراهيم ، أو هشام بن إبراهيم العبّاسي لم يوثّق ، فلا تصل النوبة إلى المعارضة كي يتصدّى للعلاج.

الرابعة : ما دلّ على الترتيب صريحاً ، وهي روايتان :

إحداهما : صحيحة علي بن جعفر : عن رجل نكح امرأته وهو صائم في رمضان ، ما عليه؟ «قال : عليه القضاء وعتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستّين مسكيناً ، فإن لم يجد فليستغفر الله» (٢).

والأُخرى : رواية عبد المؤمن بن الهيثم (القاسم) الأنصاري الواردة فيمن أتى أهله في شهر رمضان «قال (صلّى الله عليه وآله) : أعتق رقبة ، قال : لا أجد قال : فصم شهرين متتابعين ، قال : لا أُطيق ، قال : تصدّق على ستّين مسكيناً» إلخ (٣).

ولكن لا يمكن الاعتماد عليهما في قبال نصوص التخيير :

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٤٩ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٤٨ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ٩.

(٣) الوسائل ١٠ : ٤٦ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ٥.

٣١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا الأخيرة : فلضعف السند ، فإنّ عبد المؤمن لم يوثّق ، وقد رويت بطريق آخر هو أيضاً ضعيف ، لمكان عمرو بن شمر.

فالعمدة إنّما هي الصحيحة ، ولكنّها لا تقاوم النصوص المتقدّمة الصريحة في التخيير ، فإنّها انّما تدلّ على الوجوب التعييني بالظهور الإطلاقي كما ذُكِر في الأُصول وتلك قد دلّت على التخيير بالظهور الوضعي على ما تقتضيه كلمة «أو» ، وحملها على التنويع باعتبار اختلاف الحالات أو الأشخاص خلاف الظاهر جدّاً ، فإنّها قد وردت في فرض رجل واحد ، كما أنّها ظاهرة في إرادة حالة واحدة لا حالات عديدة وأطوار مختلفة كما لا يخفى ، ولا ريب في تقديم الظهور الوضعي على الإطلاقي ، ولأجله تُحمَل الصحيحة على الأفضليّة كرواية المشرقي المتقدّمة لو صحّ سندها.

ولو سلّمنا المعارضة بين الطائفتين فالترجيح مع نصوص التخيير ، لمخالفتها مع العامّة كما قيل ، فتُحمَل الصحيحة على التقيّة ، فإن ثبت ذلك كما لا يبعد ، ويؤيّده أنّ العلّامة نسب هذا القول أعني لزوم الترتيب إلى أبي حنيفة والأوزاعي وغيرهما من العامة (١) فهو ، وإلّا فلا يمكن الترجيح بكثرة العدد ، لعدم كونها من المرجّحات ، بل تستقرّ المعارضة حينئذٍ ، والمرجع بعد التساقط الأصل العملي ، ومقتضاه البراءة عن التعيين ، لاندراج المقام في كبرى الدوران بين التعيين والتخيير ، والمقرّر في محلّه أنّه كلّما دار الأمر بينهما في المسألة الفقهيّة يحكم بالتخيير ، لأنّ التعيين كلفة زائدة يُشكّ في ثبوتها زائداً على المقدار أعني : جامع الوجوب فتُدفع بأصالة البراءة.

فتحصّل : أنّ ما هو المشهور من التخيير بين الأُمور الثلاثة هو الصحيح.

__________________

(١) المنتهي ٢ : ٥٧٤.

٣١٣

ويجب الجمع (*) بين الخصال إن كان الإفطار على محرّم (١) ، كأكل المغصوب وشرب الخمر والجماع المحرّم ونحو ذلك.

______________________________________________________

(١) قال المحقّق في الشرائع بعد اختيار التخيير بين الخصال مطلقاً الذي هو المشهور ، وحكاية الترتيب عن السيّد وابن أبى عقيل كما مرّ ما لفظه : وقيل يجب بالإفطار بالمحرّم ثلاث كفّارات (١).

فيظهر من نسبة هذا القول وهو التفصيل بين الحلال والحرام بالتخيير أو الترتيب في الأوّل والجمع في الثاني إلى القيل أنّ القائل به قليل ، بل عنه في المعتبر أنّه لم يجد عاملاً بكفّارة الجمع (٢).

والظاهر أنّه لا ينبغي التأمّل في أنّ هذا القول حدث بين المتأخّرين عن زمن العلّامة وتبعه جماعة ممّن تأخر عنه منهم صاحب الحدائق (٣) ، وأمّا القدماء فلم يُنسَب إليهم ذلك ما عدا الصدوق في الفقيه حيث أفتى به صريحاً (٤) ، فهو قول على خلاف المشهور ، وإلّا فالمشهور القائلون بالتخيير لا يفرّقون في ذلك بين الإفطار على الحلال والحرام.

وكيفما كان ، فيقع الكلام في مستند هذا القول ، ويُستدلّ له بأُمور :

أحدها : موثّقة سماعة : عن رجل أتى أهله في رمضان متعمّداً «فقال : عليه عتق رقبة وإطعام ستّين مسكيناً وصيام شهرين متتابعين» إلخ (٥).

__________________

(*) على الأحوط ، وبذلك يظهر الحال في الفروع الآتية.

(١) الشرائع ١ : ٢١٩.

(٢) المعتبر ٢ : ٦٦٨.

(٣) الحدائق ١٣ : ٢٢٢.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٤.

(٥) الوسائل ١٠ : ٥٤ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٠ ح ٢.

٣١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بعد حملها كما عن الشيخ (قدس سرّه) (١) على إتيان الأهل على وجه محرّم كحال الحيض وبعد الظهار قبل الكفّارة ، واحتمل (قدس سره) أيضاً أن يكون المراد بالواو التخيير دون الجمع ، كما احتمل أيضاً الحمل على الاستحباب ، جمعاً بينها وبين نصوص التخيير.

والجواب عنها ظاهر :

أمّا أوّلاً : فبأنّ هذه الموثّقة مرويّة في كتاب النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بلفظه «أو» دون الواو كما تقدّم نقلها قريباً (٢) ، فإنّها عين الرواية السابقة ، فلعلّ نسخة الشيخ المشتملة على الواو مغلوطة ، ولا يبعد أن يقال : إنّ كتاب أحمد بن محمّد بن عيسى أقرب إلى الصحّة ، لكونه أقدم.

وكيفما كان ، فلم يثبت صدورها بلفظة الواو كي تصلح للاستدلال.

وثانياً : لو سُلّم اشتمالها على كلمة الواو فبما أنّ حملها على التخيير وكونها بمعنى «أو» خلاف الظاهر فهي معارضة لا محالة لنصوص التخيير ، والجمع بينهما بحمل هذه على الإفطار بالحرام وتلك بالحلال جمعٌ تبرّعي لا شاهد له بعد أن كان التعارض بالإطلاق.

نعم ، لو ثبت من الخارج كفّارة الجمع في الإفطار بالحرام كان ذلك شاهداً للجمع المزبور ، وخرج عن كونه تبرّعيّاً ، وإلّا فبنفس هذه الرواية لا يمكن إثبات كفّارة الجمع في المحرّم ، إذ لا وجه لحمل أحد المطلقين المتعارضين على صنف والآخر على صنف آخر من غير قرينة تقتضيه ، فإمّا أن تُلغى هذه الموثّقة لعدم مقاومتها مع نصوص التخيير كما لا يخفى ، أو تُحمَل على الأفضليّة.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٠٨ ٢٠٩.

(٢) نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى : ٦٨ / ١٤٠. وقد تقدّمت في ص ٣١١.

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ثانيها : ما اعتمد عليه الصدوق في الفقيه ، حيث أفتى بهذا المضمون ، لوجوده في رواية أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري يعني : عن المهدي (عليه السلام) ـ : فيمن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً بجماع محرّم عليه ، أو بطعام محرّم عليه ، أنّ عليه ثلاث كفّارات (١).

ولا يخفى أنّ التفسير المزبور أعني قوله : يعني عن المهدي (عليه السلام) من كلام صاحب الوسائل ، وإلّا فعبارة الفقيه خالية من ذلك. ومن هنا قد تناقَش في الاستدلال بالرواية بأنّها مقطوعة ، إذ لم يسندها العمري إلى الحجة (عليه السلام) ، ولعلّه كان فتوى منه ، فكيف اعتمد عليه الصدوق؟! ولكن هذا كما ترى بعيدٌ غايته ، إذ لا يحتمل أن يكون ذلك فتوى العمري نفسه الذي هو نائب خاصّ ، وكيف يستند الصدوق إلى هذه الفتوى المجرّدة؟! فتفسير الوسائل في محلّه والأمر كما فهمه ، لكن عبارته توهم أنّه من الصدوق ، وليس كذلك كما عرفت.

وكيفما كان ، فلا إشكال من هذه الجهة ، وإنّما الإشكال في طريق الصدوق إلى الأسدي ، إذ هما ليسا في طبقة واحدة ، فطبعاً بينهما واسطة ، وبما أنّه مجهول فيصبح الطريق مرسلاً ، ولذا عُبّر عنها بالمرسلة ، فلا يُعتمَد عليها ، كما لم يعتمد عليها الفقهاء أيضاً على ما تقدّم ، بل سمعت من المعتبر أنّه لم يجد عاملاً بذلك.

وكيفما كان ، فلو كان معروفاً ومورداً للاعتماد لنقل الفتوى بمضمونها عن القدماء ، ولم ينقل عن غير الصدوق كما عرفت.

ثالثها وهي العمدة ـ : ما رواه الصدوق بنفسه ورواه الشيخ أيضاً في التهذيب عن الصدوق ، عن عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوري ، عن

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٥ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٠ ح ٣ ، الفقيه ٢ : ٧٤ / ٣١٧.

٣١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

علي بن محمّد بن قتيبة ، عن حمدان بن سليمان ، عن عبد السلام بن صالح الهروي ، قال : قلت للرضا (عليه السلام) : يا ابن رسول الله ، قد روي عن آبائك (عليهم السلام) فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفّارات ، وروى عنهم أيضاً كفّارة واحدة ، فبأيّ الحديثين نأخذ؟ «قال : بهما جميعاً ، متى جامع الرجل حراماً أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفّارات : عتق رقبة ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستّين مسكيناً ، وقضاء ذلك اليوم ، وإن كان نكح حلالاً أو أفطر على حلال فعليه كفّارة واحدة ، وإن كان ناسياً فلا شي‌ء عليه» (١).

ولا إشكال فيها من جهة الدلالة ، إنّما الكلام في السند مع قطع النظر عن أنّ المشهور لم يعملوا بهذه الرواية ، حيث إنّ القول بالجمع حدث بعد العلّامة كما تقدّم.

فنقول : قد ناقش فيها صاحب المدارك من جهة أشخاص ثلاثة : عبد الواحد ، وابن قتيبة ، والهروي (٢) ، وأمّا حمدان بن سليمان فلا إشكال في وثاقته وجلالته.

أمّا مناقشته في الهروي : فمبنيّة على مسلكه من اعتبار العدالة في الراوي ، وهذا لرجل وهو أبو الصلت وإن كان ثقة بلا إشكال كما نصّ عليه النجاشي (٣) إلّا أنّ الشيخ صرّح بأنّه عامي (٤) ، فلأجله لا يُعتمَد على روايته.

وفيه أوّلاً : أنّا لا نعتبر العدالة في الراوي ، فلا يلزم أن يكون إماميّاً ، بل

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٣ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٠ ح ١ ، الفقيه ٣ : ٢٣٨ / ١١٢٨ ، التهذيب ٤ : ٢٠٩ / ٦٠٥ ، الاستبصار ٢ : ٩٧ / ٣١٦.

(٢) مدارك الأحكام ٦ : ٨٤.

(٣) النجاشي : ٢٤٥ / ٦٤٣.

(٤) رجال الشيخ : ٣٨٠ / ١٤.

٣١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

تكفي مجرّد الوثاقة وإن كان عامّياً.

وثانياً : إنّ ما ذكره الشيخ وهمٌ يقيناً كما تعرّض له علماء الرجال ، فإنّ أبا الصلت الهروي من خلّص شيعة الرضا (عليه السلام) ومن خواصّه ، فتوصيف الشيخ إيّاه بأنّه عامّي اشتباهٌ جزماً ، وإنّما العصمة لأهلها. فالمناقشة من هذه الجهة ساقطة.

وأمّا علي بن محمّد بن قتيبة : فلم يرد فيه أيّ توثيق أو مدح ، وإنّما هو من مشايخ الكشّي وقد روى عنه في رجاله كثيراً ، ولأجله قيل : إنّه اعتمد عليه في كتابه ، وهذا يكفي في الوثاقة ، بل قيل : إنّه من مشايخ الإجازة المستغنين عن التوثيق.

أمّا الثاني : فممنوع صغرىً وكبرى ، فإنّ الرجل ليس من مشايخ الإجازة ، وإنّما هو شيخٌ للكشّي فقط ، وهذا المقدار لا يجعله شيخاً للإجازة ، فإنّ معنى ذلك : أن يكون للشخص تلاميذٌ يجيز لهم في رواية كتاب أو كتابين كما لا يخفى ، على أنّ كون الشخص من مشايخ الإجازة لا يقتضي الوثاقة كبرويّاً بوجه ، فإنّ شيخ الإجازة راوٍ في الحقيقة ، غايته على نحو الإجمال لا التفصيل ، فيعطي الكتاب لتلميذه ويقول : أنت مجازٌ عنِّي في روايته ، فهو لا يزيد على الراوي بشي‌ء يعتنى بشأنه كي يقتضي الإغناء عن التوثيق.

وأمّا الأوّل أعني : كونه شيخاً للكشي فصحيح كما عرفت ، بل هو يروي عنه في كتابه كثيراً كما تقدّم ، إلّا أنّ ذلك لا يستدعي التوثيق بوجه ، فإنّ النجاشي عند ما يترجم الكشّي يعظّمه ويقول : ولكن يروي عن الضعفاء كثيراً (١). فليس هو ممّن يروي عن الثقات دائماً كي تكون روايته عن شخصٍ وإن كثرت كاشفة عن توثيقه أو الاعتماد عليه.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٧٢ / ١٠١٨.

٣١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى الجملة : الرواية عن الشخص لا تستلزم الاعتراف بوثاقته بعد ما سمعت عن النجاشي التصريح بأنّ الكشي يروي عن الضعفاء كثيراً ، فإنّ شأن المحدّث : الحديث عن كلّ من سمع منه. وعليه ، فكيف يعتمد على روايته عن ابن قتيبة ، ويستدلّ بذلك على توثيقه بعد جواز كونه من أُولئك الضعفاء؟! وأمّا عبد الواحد بن عبدوس : فقد عمل الصدوق بروايته ، وقد صرّح في موردٍ من العيون بعد ذكر رواية عنه ورواية عن غيره أنّ روايته أصحّ (١).

فلا إشكال في أنّه يرى صحّة رواية الرجل ، لتصريحه بذلك لا لمجرّد أنّه شيخه ، ففي مشايخه : أحمد بن حسين أبو نصر ، الذي يقول الصدوق في حقّه : أنّه لم أرَ أنصب منه (٢) ، لأنّه كان يقول : اللهمّ صلّى على محمّداً فرداً ، كي لا يدخل فيه الآل عليهم الصلاة والسلام ، فهو محدّث ينقل عن كلّ أحد ولم يلتزم أن يروي عن الثقات فحسب ، بل له مشايخ كثيرون لعلّ عددهم يبلغ الثلاثمائة وفيهم البر والفاجر ، بل الناصب بالحدّ الذي سمعت.

وعلى الجملة : فهو يصحّح الرواية عن الرجل المزبور كما عرفت.

ولكنّ التصحيح غير التوثيق ، فإنّ معناه : حجّيّة الرواية والاعتماد عليها ، ولعلّ ذلك لبناء الصدوق على أصالة العدالة الذي كان معروفاً عند القدماء ، بل أنّه (قدس سره) لم ينظر في سند الرواية بوجه ، وإنّما يعتمد في ذلك على ما رواه شيخه ابن الوليد كما صرّح (قدس سره) بذلك (٣) ، فهو تابع له ومقلّد من هذه الجهة ، ومن المعلوم أنّ ذلك لا يكفي في الحجّيّة عندنا.

نعم ، لو وثّقه أو مدحه كفى ، ولكنّه لم يذكر شيئاً من ذلك ، وانّما هو مجرّد

__________________

(١) عيون اخبار الرضا عليه السلام ٢ : ١٢٧ / ٢.

(٢) معاني الأخبار : ٥٦ / ٤ ، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ٢ : ٢٧٩.

(٣) الفقيه ١ : ٣ ٥ ، وج ٢ : ٥٥ / ١٨.

٣١٩

الثاني : صوم قضاء شهر رمضان (١) إذا أفطر بعد الزوال ، وكفّارته إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ ، فإن لم يتمكّن فصوم ثلاثة أيّام ، والأحوط إطعام ستّين مسكيناً.

______________________________________________________

التصحيح والعمل بروايته الذي لا يجدي بالنسبة إلينا.

وعليه ، فتصبح الرواية ضعيفة بهذا الرجل وبمن تقدّمه أعني : ابن قتيبة فهي غير قابلة لتقييد المطلقات الدالّة على التخيير في الكفّارة من غير فرق بين الحلال والحرام.

(١) لا إشكال في جواز الإفطار في صوم قضاء شهر رمضان فيما قبل الزوال ، وعدم جوازه فيما بعده ، فله تجديد النيّة إمساكاً أو إفطاراً إلى أن تزول الشمس ، وبعده يجب عليه البناء على ما نوى ، فلا يجوز له الإفطار بعدئذٍ.

والظاهر أنّ هذا الحكم أعني : التفصيل بين ما قبل الزوال وما بعده في جواز الإفطار وعدمه متسالمٌ عليه ، وتدل عليه جملة من الاخبار ، كموثّقة أبي بصير : عن المرأة تقضي شهر رمضان فيُكرهها زوجها على الإفطار «فقال : لا ينبغي له أن يُكرهها بعد الزوال» (١).

وموثّقة عمّار : عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان ويريد أن يقضيها ، متى يريد أن ينوي الصيام؟ «قال : هو بالخيار إلى أن تزول الشمس ، فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصوم فليصم ، وإن كان نوى الإفطار فليفطر» إلخ (٢). وغيرهما.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١٦ / أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٤ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٠ : ١٣ / أبواب وجوب الصوم ونيته ب ٢ ح ١٠.

٣٢٠