موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

التاسع من المفطرات : الحقنة بالمائع (١) ولو مع الاضطرار إليها لرفع المرض ، ولا بأس بالجامد وإن كان الأحوط اجتنابه أيضاً.

______________________________________________________

فإنّ موردها وإن كان هو الأكل والشرب إلّا أنّه يستفاد من التعليل المذكور في الذيل المتعقّب بالتفريع بقوله : «فعليه الإعادة» أنّ علّة الحكم بالإعادة البدأة بالأكل قبل النظر. فيعلم من ذلك أنّ المبادرة إلى ارتكاب المفطر أىّ ما كان إذ لا يحتمل خصوصيّة للأكل قبل الفحص والنظر موجب للبطلان والقضاء.

وأظهر منها موثّقة إبراهيم بن مهزيار الواردة في محلّ الكلام أعني : الإجناب قال : كتب الخليل بن هاشم إلى أبي الحسن (عليه السلام) : رجل سمع الوطء (١) والنداء في شهر رمضان فظنّ أنّ النداء للسحور فجامع وخرج فإذا الصبح قد أسفر ، فكتب بخطّه «يقضي ذلك اليوم إن شاء الله تعالى» (٢).

فإنّها واضحة الدلالة على المطلوب ، حيث إنّه جامع من غير أن يفحص عن الفجر وينظر إليه.

وأمّا من حيث السند : فإبراهيم بن مهزيار الذي هو أخو علي بن مهزيار وإن كان مجهولاً في كتب الرجال وقد ذُكِر لتوثيقه وجوهٌ عديدة كلّها مزيّفة كما نبّهنا عليها في المعجم (٣) إلّا أنّ الرجل مذكور في أسانيد كامل الزيارات ، ولأجله يُحكم بوثاقته وصحّة الرواية.

(١) استقصاء الكلام في المقام يستدعي التكلّم في جهات :

الاولى : لا إشكال كما لا خلاف في حرمة الاحتقان بالنسبة إلى الصائم ، ولم

__________________

(١) أي وطء الأقدام ومشيها.

(٢) الوسائل ١٠ : ١١٥ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤٤ ح ٢.

(٣) معجم رجال الحديث ١ : ٢٧٧ / ٣١٨.

٢٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

يُنسَب الخلاف إلّا إلى ابن الجنيد ، حيث حُكي عنه استحباب الاجتناب عنه (١) ، ولعلّه لما ورد من عدم البأس في استدخال الصائم الدواء (٢) ، ولكنّه مطلق يشمل الاستدخال بالاحتقان وغيره ، فهو قابل للتقييد بالنصوص الآتية الصريحة في المنع عن الاحتقان كما ستعرف.

الثانية : هل يختصّ المنع بالمائع أو يعمّ الجامد أيضاً؟

نُسِب الأوّل إلى المشهور. وعن المحقّق في المعتبر والعلّامة في المختلف وصاحب المدارك التصريح بالتعميم (٣). وأطلق القول بعدم الجواز جماعة كالمفيد والصدوق والسيّد (٤) وغيرهم ، وإن كان لا يبعد انصراف الإطلاق في كلامهم إلى المائع.

وكيفما كان ، فيدلّ على أصل الحكم أعني : حرمة الاحتقان وعلى اختصاصه بالمائع صحيحة ابن أبي نصر : عن الرجل يحتقن تكون به العلّة في شهر رمضان «فقال : الصائم لا يجوز له أن يحتقن» (٥).

فإنّ الاحتقان ظاهر بحكم الانصراف في المائع ، وعلى تقدير الإطلاق وشموله الجامد فهو مقيَّد بموثّقة الحسن بن فضّال ، قال : كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) : ما تقول في اللّطف يستدخله الإنسان وهو صائم؟ فكتب (عليه السلام) : «لا بأس بالجامد» (٦).

__________________

(١) جواهر الكلام ١٦ : ٢٧٤.

(٢) الوسائل ١٠ : ٤١ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥ ح ١.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٧٩ ، لاحظ المختلف ٣ : ٢٩٢ ، المدارك ٦ : ٦٤.

(٤) المقنعة : ٣٤٤ ، المقنع : ١٩١ ، لاحظ جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى ٣) : ٥٤.

(٥) الوسائل ١٠ : ٤٢ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥ ح ٤.

(٦) الوسائل ١٠ : ٤١ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٥ ح ٢ ، الكافي ٤ : ١١٠ / ٦ ، التهذيب ٤ : ٢٠٤ / ٥٩٠ ، الإستبصار ٢ : ٨٣ / ٢٥٧.

٢٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي رواية الشيخ : في التلطّف من الأشياف ، فإنّها صريحة في الجواز في الجامد ، فيقيّد بها إطلاق الصحيح لو كان ثمّة إطلاق.

ثمّ إنّ هذه الرواية مرويّة بطريقين :

أحدهما : طريق الشيخ بإسناده المعتبر عن أحمد بن محمّد الذي يدور أمره بين أحمد بن محمّد بن خالد البرقي وأحمد بن محمّد بن عيسى ، وكلاهما ثقة وهو يروي عن علي بن الحسن بن فضّال ، عن أبيه وهما أيضاً ثقتان عن أبي الحسن (عليه السلام) ، والطريق معتبر.

ثانيهما : طريق الكليني ، وهو ما رواه عن شيخه أحمد بن محمّد ، وهذا غير أحمد بن محمّد الذي كان في طريق الشيخ ، فإنّ هذا هو شيخ الكليني ويدور أمره بين أحمد بن محمّد بن سعيد المعروف بابن عقدة ، وبين أحمد بن محمد بن عاصم الكوفي ، وكلاهما ثقة وهو يروي عن علي بن الحسين كما في الكافي ، وما في الوسائل من ذكر الحسن وجعل الحسين نسخة اخرى في غير محلّه وهذا مجهول ، وهو يروي عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب عن أبيه ، وأبوه مهمل. فظهر أنّ هذا الطريق غير الطريق الأول ، فإنّ أحمد بن محمد هناك غيره هنا ، والواسطة بينه وبين الإمام في الأوّل رجلان كلاهما ثقة ، وهنا ثلاثة وفيهم المجهول والمهمل ، فهذا الطريق ضعيف لا محالة.

فما ذكره المحقّق الهمداني (قدس سره) من التعبير عن الرواية بموثّقة الحسن ابن فضّال المرويّة عن الكافي (١) في غير محلّه ، لما عرفت من أنّ ما رواه في الكافي ليس بموثّقة ولا مرويّة عن ابن فضال ، وأنّ موثّقة ابن فضّال إنّما رواها الشيخ.

__________________

(١) مصباح الفقيه ١٤ : ٤٤٣.

٢٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا ، ولكن ذكر في الوافي رواية الكليني على طبق رواية الشيخ وبعين ذلك السند ، وذكر أنّ في بعض النسخ روايته بسند آخر وهو الذي ذكرناه ، ورجح هو (قدس سره) تلك النسخة الموافقة للتهذيبين (١).

وما ذكره (قدس سره) حسن ، لأنّه إذا كانت نسخ الكافي مختلفة وكانت الرواية موجودة في التهذيب يستكشف من ذلك أنّ الصحيح هو ما كان موافقاً للتهذيب. إذن فالرواية رواية واحدة رواها الشيخ (قدس سره) ورواها الكليني (قدس سره) أيضاً ، ويتمّ ما عبّر به المحقق الهمداني (قدس سره).

الثالثة : قد عرفت حرمة الاحتقان بالمائع بمقتضى الصحيحة ، فهل يستوجب ذلك البطلان وفساد الصوم فيجب قضاؤه ، أو أنّ الحرمة تكليفيّة محضة ، كما عن ابن إدريس والمحقّق في المعتبر والشيخ في جملة من كتبه ، وقوّاه صاحب المدارك ، وتردّد فيه المحقّق في الشرائع (٢)؟

والأظهر : الأوّل ، لظهور النهي في باب المركّبات كالأمر في الإرشاد إلى المانعيّة أو الجزئيّة أو الشرطيّة ، نظير النهي عن لبس ما لا يؤكل في الصلاة ، فينقلب الظهور الأوّلي إلى ظهور ثانوي ، فقوله (عليه السلام) في الصحيح : «لا يجوز» إلخ ، أو البأس المستفاد من مفهوم الموثّق بالمعنى الذي نقول به في مفهوم الوصف ظاهرٌ في البطلان والفساد كما هو الحال في سائر المركّبات الارتباطيّة.

بل الظاهر وجوب الكفّارة أيضاً ، لاندراجه فيمن أفطر متعمّداً كما مال إليه في الجواهر (٣) ، لو لم ينعقد إجماع على عدمه.

__________________

(١) الوافي ١١ : ١٨٢ / ١٠٦٤٢.

(٢) السرائر ١ : ٣٧٨ ، المعتبر ٢ : ٦٥٩ ، ٦٧٩ ، الاستبصار ٢ : ٨٤ والنهاية : ١٥٦ ، المدارك ٦ : ٦٤.

(٣) الجواهر ١٦ : ٢٧٤.

٢٤٤

[٢٤٥٠] مسألة ٦٧ : إذا احتقن بالمائع لكن لم يصعد إلى الجوف بل كان بمجرّد الدخول في الدّبر فلا يبعد عدم كونه مفطراً (١) ، وإن كان الأحوط تركه.

[٢٤٥١] مسألة ٦٨ : الظاهر جواز الاحتقان بما يُشَكّ في كونه جامداً أو مائعاً (٢) ، وإن كان الأحوط تركه.

______________________________________________________

وما عن المحقّق الهمداني (قدس سره) من منع الاندراج ، لانصراف الإفطار إلى الأكل والشرب فلا كفّارة فيما عداهما إلّا إذا قام الدليل عليه بالخصوص كالجماع ونحوه ، ولا يكون مطلق إفساد الصوم إفطاراً ، ولذا لا يقال لمن أفسد صومه برياءٍ أو بعدم النيّة أو بنيّة القاطع ونحو ذلك أنّه أفطر ، فلا يكون الاحتقان مفطراً كي يوجب الكفّارة وإن أوجب البطلان كما مرّ (١).

في غير محلّه ، فإنّ الإفطار يقابل الصوم ويناقضه ، فكلّما وجب الصوم والإمساك عنه ومنه الاحتقان فارتكابه إفطار ، ولا نعرف أيّ وجه للتخصيص بالأكل والشرب.

هذا ، ولا فرق في مفطريّة الحقنة بين الاختيار والاضطرار لمعالجة مرض ، لإطلاق الدليل ، بل ظاهر النصّ هو الثاني كما لا يخفى.

(١) بل هو الظاهر ، فإنّ الدخول في حواشي الدبر وأوائل المدخل من غير صعود إلى الجوف لا يعدّ من الاحتقان عرفاً ، لانصراف اللفظ عنه ، فلا يشمله النص.

(٢) كالدبس الغليظ مثلاً فإنّه يُشَكّ في تعلّق التكليف بالاجتناب عنه ، ومقتضى الأصل عدمه.

__________________

(١) مصباح الفقيه ١٤ : ٤٤٥.

٢٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن هذا مبني على انصراف الاحتقان إلى المائع وأنّ الجامد ليس من الاحتقان في شي‌ء كما هو الصحيح حسبما عرفت ، إذ عليه يُشَكّ في صدق الاحتقان على استعمال هذا الموجود الخارجي وأنّه حرامٌ ومفسدٌ للصوم أم لا ، والمرجع في مثله من الشبهة البدوية التحريميّة هو البراءة كما هو ظاهر.

وأمّا على المبنى الآخر وأنّ الاحتقان في حدّ نفسه يعمّ المائع والجامد وقد خرجنا عن الإطلاق بما دلّ على عدم البأس في استعمال الجامد كموثّقة ابن فضّال المتقدّمة (١) ، وقيّدنا الإطلاق بالموثّقة ، ولولاها لقلنا بالبطلان مطلقاً. فبناءً على هذا المبنى يجب الاجتناب عن المشكوك فيه ولا يجوز استعماله ، نظراً إلى ما هو الصحيح على ما بيّناه في الأُصول (٢) من أنّ المخصّص إذا كان عنواناً وجوديّاً فالباقي تحت العامّ أو المطلق بعد التخصيص أو التقييد هو ما لم يكن بذاك العنوان الخاصّ ، فهو معنون بعنوان وجودي بل بعنوان عدمي ، وعليه فالباقي تحت العامّ في المقام بعد إخراج الجامد هو كلّ احتقان لا يكون بجامد ، لا الاحتقان المعنون بكونه بالمائع ، فالموضوع للبطلان مركّب من جزئين : الاحتقان ، وأن لا يكون جامداً. والأوّل محرَز بالوجدان ، والثاني بأصالة عدم كونه جامداً ولو بأصل العدم الأزلي ، فيلتئم الموضوع ويترتّب الحكم من الحرمة والبطلان ، ولا يعارَض بأصالة عدم كونه مائعاً ، لعدم ترتّب الأثر عليه حسبما عرفت ، إذ ليس المائع موضوعاً للحكم ، وإنّما الموضوع هو الجامد.

وعلى الجملة : فما ذكره (قدس سره) مبني على انصراف الاحتقان في نفسه إلى المائع. وأمّا إذا كان بإطلاقه يشمل الجامد وقد خرج عنه بدليل خارجي

__________________

(١) في ص ٢٤٢.

(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٢٠٧ ٢٠٨.

٢٤٦

العاشر : تعمّد القي‌ء وإن كان للضرورة (١) من رفع مرضٍ أو نحوه.

______________________________________________________

منفصل ، فبما أنّ القيد أمر وجودي فلدى الشكّ مقتضى الأصل عدمه ، وبه يُحرَز أنّ هذا احتقان بما ليس بجامد ، فلا يجوز.

(١) المعروف والمشهور أنّ تعمّد القي‌ء مفسد للصوم.

وخالف فيه ابن إدريس فزعم أنّه حرامٌ تكليفاً فقط (١).

وعن السيّد المرتضى (قدس سره) : نسبة الكراهة إلى الفقهاء وأنّه ينقص الصوم (٢).

وهذان القولان لا نعرف لهما أيّ مستند ، إذ لم يرد في شي‌ء من الأخبار حتّى الضعيفة النهي كي يُؤخذ بظاهره من التحريم أو يُحمَل على الكراهة ، بل الوارد فيها التصريح بالقضاء ونحوه ممّا هو صريح في البطلان ، فإمّا أن يُعمَل بهذه الأخبار ولا بدّ أن يُعمَل بها ، فإنّها روايات مستفيضة فيها الصحيح والموثّق فلا بدّ من الحكم بالبطلان عندئذٍ ، أو لا يُعمَل بها بزعم أنّها أخبار آحاد كما يراه ابن إدريس ، فلا دليل حينئذٍ على الحرمة أو الكراهة أيضاً كما لا يخفى.

وعلى الجملة : فلا ينبغي التأمل في الحكم بالبطلان ، لجملة من الروايات المعتبرة ، التي منها صحيحة الحلبي : «إذا تقيّأ الصائم فقد أفطر ، وإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه» (٣).

وصحيحته الأُخرى : «إذا تقيّأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم ، وإن ذرعه من

__________________

(١) السرائر ١ : ٣٨٧.

(٢) جمل العلم والعمل (ضمن رسائل الشريف المرتضى ٣) : ٥٤.

(٣) الوسائل ١٠ : ٨٦ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٩ ح ١.

٢٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه» (١).

وموثّقة سماعة : «إن كان شي‌ء يبدره فلا بأس ، وإن كان شي‌ء يُكرِه نفسه عليه فقد أفطر وعليه القضاء» (٢) ، ونحوها موثّقة مسعدة بن صدقة (٣) وغيرها.

وبإزائها صحيحة عبد الله بن ميمون : «ثلاثة لا يفطرن الصائم : القي‌ء ، والاحتلام ، والحجامة» (٤).

ولكنّها كما ترى لا تعارض الصحاح المتقدّمة بوجه ، لأنّ هذه مطلقة من حيث كون القي‌ء اختياريّاً أو غير اختياري ، وقد نطقت تلك النصوص بالتفصيل بين العمد وغيره ، وأنّه إن ذرعه أو كان شي‌ء يبدره فلا بأس به ، وإنّما القادح هو التقيّؤ وما يُكرِه نفسه عليه دون القي‌ء ، فتكون مقيّدة لإطلاق هذه الصحيحة ، وأنّ المراد منها هو القي‌ء غير الاختياري كالاحتلام الذي هو جنابة غير اختياريّة فهو الذي لا يبطل دون غيره.

يبقى الكلام في الكفّارة ، ولم يتعرّض لها الماتن هنا ولا في الاحتقان مع تعرّضه لها في سائر المفطرات المتقدّمة ، وإنّما تعرّض لذلك في فصل مستقلّ يأتي فيما بعد إن شاء الله تعالى ، وقد ذكر هناك : أنّ ما ذكرناه من المفطرات توجب الكفّارة أيضاً إذا كانت عن عمد حتّى الاحتقان والقي‌ء (٥).

وهذا القول أعني : وجوب الكفّارة فيهما شاذّ ، والمشهور عدم الوجوب ، بل ربّما يقال : إنّه إجماعي ، فإن تمّ الإجماع القطعي التعبّدي الكاشف عن قول المعصوم (عليه السلام) ودون إثباته خرط القتاد فهو ، ونلتزم من أجله بالقضاء فقط كما اقتصر عليه في نصوصهما ، وإلّا كما هو الصحيح فالظاهر

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٨٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٩ ح ٣ ، ٥.

(٢) الوسائل ١٠ : ٨٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٩ ح ٣ ، ٥.

(٣) الوسائل ١٠ : ٨٨ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٩ ح ٦ ، ٨.

(٤) الوسائل ١٠ : ٨٨ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٩ ح ٦ ، ٨.

(٥) في ص ٣٠٥.

٢٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وجوب الكفّارة أيضاً كما ستعرف.

هذا وقد أصرّ المحقّق الهمداني (قدس سره) على عدم وجوب الكفّارة (١) ، ونسب إلى صاحب الجواهر أنّه أفتى به في نجاة العباد (٢) وإن مال إلى الوجوب في الجواهر (٣) ، نظراً إلى إطلاق قوله (عليه السلام) : من أفطر متعمّداً فعليه الكفّارة.

والوجه في ذهابه إلى عدم الوجوب أمران :

أحدهما : دعوى انصراف الإفطار الوارد في النصّ المزبور إلى الأكل والشرب دون غيرهما ممّا يبطل الصوم ، إلّا إذا قام الدليل بالخصوص على ثبوت الكفّارة فيه ، مثل : الجماع والبقاء على الجنابة ونحوهما ممّا مرّ ، وإلّا فغيرهما غير مشمول لإطلاق النصّ ، وحيث لا دليل على الكفّارة في القي‌ء ولا الاحتقان والمفروض انصراف النصّ عنهما فلأجله يُحكَم بالعدم.

وجوابه ظهر ممّا مرّ ، حيث عرفت أنّ الصوم والإفطار ضدّان لا ثالث لهما ، فكلّ من ليس بصائم فهو مفطر لا محالة. نعم ، قد يكون صائماً بصومٍ غير صحيح ، إمّا لعدم النيّة أو لأجل الرياء ، أو لأنّه نوى المفطر ولم يستعمله ، ونحو ذلك ، فهو ليس بمفطر بل هو صائم وإن كان صومه فاسداً لأحد هذه الأُمور.

وعلى الجملة : فساد الصوم شي‌ء وعدمه شي‌ء آخر ، وحيث لا واسطة بين الصوم والإفطار فغير الصائم مفطر بطبيعة الحال ، إذ كلّما اعتُبِر عدمه في الصوم فإذا ارتكبه الشخص فهو ليس بصائم.

ولا وجه للاختصاص بالأكل والشرب ، لوضوح أنّ الصوم ليس هو الإمساك

__________________

(١) مصباح الفقيه ١٤ : ٥١٣.

(٢) مستمسك العروة الوثقى ٨ : ٣٤٠.

(٣) لاحظ الجواهر ١٦ : ٢٨٧ ٢٨٨.

٢٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

عنهما فقط ، ولذا عبّر هنا وفي روايات الاحتقان بقوله «فقد أفطر» ومع هذا الإطلاق كيف يمكن القول بأنّه صائم أو غير مفطر؟! وحملُ الإفطار على معنى آخر كوجوب القضاء كما ذكره الهمداني (قدس سره) (١) بعيدٌ جدّاً وخروجٌ عن ظاهر اللفظ من غير شاهد.

فإذا تحقّقت الصغرى وأنّه قد أفطر بمقتضى التصريح به في هذه النصوص ضُمّت إليها الكبرى ، وهي أنّ من أفطر فعليه الكفّارة كما ذكر في النصّ المتقدّم ، ونتيجته الحكم بالكفّارة.

ثانيهما : ما ذكره في الجواهر من أنّ الاقتصار في الأخبار على القضاء وعدم التعرّض للكفارة في شي‌ء منها مع كونه (عليه السلام) في مقام البيان فيه شهادة على عدم الوجوب ، وإلّا لأُشير إليها ولو في بعضها ، بل ذكر (قدس سره) أنّ ذلك كالصريح في العدم (٢).

وفيه : أنّ السكوت في مقام البيان وإن كان ظاهراً في عدم الوجوب كما ذكر ، إلّا أنّه لا يتجاوز عن كونه ظهوراً إطلاقيّاً قابلاً للتقييد كسائر المطلقات ، وكفى بالنصّ المزبور الوارد على سبيل العموم مقيّداً. وقد تقدّم في نصوص البقاء على الجنابة ما تضمّن القضاء فقط ، ولم يذكر فيه الكفّارة مع كونه (عليه السلام) في مقام البيان ، فكما أنّ ذلك الإطلاق يقيَّد بالنصوص الأُخر المصرّحة بلزوم الكفّارة هناك فكذا في المقام ، وكون التقييد بلسان العموم أو الخصوص لا يستوجب فرقاً بين المسألتين كما هو ظاهر.

فتحصّل : أنّه إن تمّ الإجماع على العدم فلا كلام ، وإلّا فالظاهر وجوب الكفّارة في المقام وفي الاحتقان كما ذكره الماتن وغيره.

__________________

(١) مصباح الفقيه ١٤ : ٥١٥.

(٢) الجواهر ١٦ : ٢٨٧.

٢٥٠

ولا بأس بما كان سهواً (١) أو من غير اختيار (٢) ، والمدار على الصدق العرفي (٣) ، فخروج مثل النّواة أو الدُّودة لا يُعدّ منه.

[٢٤٥٢] مسألة ٦٩ : لو خرج بالتجشّؤ شي‌ء ثمّ نزل من غير اختيار لم يكن مبطلاً (٤) ، ولو وصل إلى فضاء الفم فبلعه اختياراً بطل صومه وعليه

______________________________________________________

(١) لاختصاص البطلان فيه وفي غيره من سائر المفطرات بصورة العمد ، وأمّا إذا صدر ساهياً عن صومه فلا بأس به ، كما سيأتي التعرّض إليه مفصّلاً في الفصل الآتي إن شاء الله تعالى (١).

(٢) فإنّ موضوع الحكم هو الفعل الاختياري المعبَّر عنه في النصوص بالتقيّؤ وإن كان ذلك لضرورةٍ من رفع مرضٍ ونحوه كما مرّ.

وأمّا الصادر بغير اختيار المعبَّر عنه بالقي‌ء فلا شي‌ء عليه ، كما صرّح بذلك في جملة من النصوص المتقدّمة المفصّلة بين ما ذرعه أو بدره ، وبين ما تقيّأ أو أُكره نفسه عليه ، كما في صحيحة الحلبي وغيرها ممّا مرّ (٢).

وعلى الثاني أعني : الفعل غير الاختياري حمل نفي البأس عن القي‌ء الوارد في صحيحة عبد الله بن ميمون ، جمعاً بينها وبين نصوص المنع كما سبق.

(٣) لدوران الحكم مداره في كافّة موضوعات الأحكام فخروج مثل الدرهم أو الذبابة أو النواة أو الدودة ونحوها لا يعدّ من القي‌ء في شي‌ء ، لانتفاء الصدق العرفي.

(٤) لا ريب في أنّ التجشّؤ مفهومٌ مغاير مع القي‌ء عرفاً ، وهو المعبَّر عنه في

__________________

(١) في ص ٢٦٧ ٢٦٩.

(٢) في ص ٢٤٧ ٢٤٨.

٢٥١

القضاء والكفّارة (*) ، بل تجب كفّارة الجمع إذا كان حراماً من جهة خباثته أو غيرها.

______________________________________________________

بعض الروايات بالقلس ، وعليه ، فلا مانع من خروج شي‌ء بسببه ، وقد دلّت عليه النصوص أيضاً ، كما لا مانع من نزوله ثانياً بغير اختيار ، وقد دلّت عليه أيضاً بعض الصحاح والموثّقات.

إنّما الكلام فيما لو وصل بالتجشّؤ شي‌ءٌ إلى فضاء الفم ثمّ بلعه اختياراً فقد حكم الماتن (قدس سره) حينئذٍ بالبطلان ، نظراً إلى ما تقدّم في مفطريّة الأكل من عدم الفرق في صدقه بين ما دخل فضاء الفم من الخارج أو من الداخل كالموجود من بقايا الطعام بين الأسنان ، فإنّه يصدق الأكل والازدراد على ابتلاعه أيضاً ، فما يصعد من الجوف ويصل إلى فضاء الفم لا يجوز ابتلاعه ثانياً ، لصدق الأكل عليه ، فيشمله عموم دليل مفطريّته ، فيبطل الصوم بذلك ، بل يوجب الكفّارة أيضاً بعد فرض كونه إفطاراً عمدياً ، بل ذكر (قدس سره) أنّه يوجب كفّارة الجمع من جهة خباثته ، فيكون من الإفطار على الحرام ، أو فرض حرمته من جهة أُخرى ، ككونه مغصوباً أو نجساً. هذا ملخّص ما أفاده (قدس سره) في المقام.

أقول : أمّا ما ذكره (قدس سره) من البطلان بل الكفّارة فتقتضيه الأدلّة الأوليّة التي دلّت على أنّ الأكل أو الشرب متعمّداً مبطلٌ للصوم وموجبٌ للكفّارة ، فما ذُكِر مطابقٌ لمقتضى القاعدة ، إلّا أنّ صحيحة عبد الله بن سنان دلّت صريحاً على جواز ازدراده ثانياً ، قال : سُئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشي‌ء من الطعام ، أيفطر ذلك؟ «قال : لا» ،

__________________

(*) على الأحوط فيه وفيما بعده.

٢٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

قلت : فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه؟ «قال : لا يفطر ذلك» (١).

فتكون هذه الصحيحة تخصيصاً في دليل مفطريّة الأكل أو الشرب ، فإن ثبت إجماعٌ قطعي على خلاف ذلك فهو ، وإلّا فالصحيحة لا موجب لرفع اليد عنها ، إلّا إذا قلنا بأنّ إعراض المشهور عن الصحيح يسقطه عن الحجّيّة ، فيبتني الحكم على تلك الكبرى ، وإلّا فتحصيل الجزم بكون مضمونها على خلاف الإجماع بالنسبة إليه مشكلٌ جدّاً ، بل لعلّه مقطوع العدم. فالفتوى بالبطلان حينئذٍ مشكل ، والاحتياط ممّا لا ينبغي تركه.

وأمّا ما ذكره (قدس سره) من كفّارة الجمع بناءً على حصول البطلان بذلك وعدم العمل بصحيحة ابن سنان المتقدّمة ، فهو مبني على أمرين :

أحدهما : كون الابتلاع المزبور من الإفطار على الحرام.

ثانيهما : انّ كل إفطار على الحرام يجب فيه كفّارة الجمع.

أمّا الكبرى : فسيجي‌ء البحث عنها عند تعرّض الماتن لها وسنناقش فيها كما ستعرف ، فهي غير مسلّمة.

وعلى تقدير تسليمها فالصغرى أعني : حرمة ابتلاع ما يخرج من الجوف إلى الفم ممنوعة فيما إذا كانت الحرمة من جهة الخباثة ، أمّا إذا كانت من جهة أُخرى كالنجاسة أو الغصبيّة فلا كلام فيها ، ويتمحّض الإشكال حينئذٍ من ناحية الكبرى كما عرفت.

والوجه فيما ذكرناه من المنع أنّ الحرمة في المقام من الجهة المزبورة تتوقّف على أمرين : صدق الخبيث على ما يبتلعه ، وحرمة أكل الخبيث كبرويّاً ، وكلا الأمرين قابل للمناقشة.

أمّا الصغرى : فلأنّ صدق الخبيث أي ما يتنفّر منه الطبع على ما يخرج

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٨٨ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٩ ح ٩.

٢٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بالتجشّؤ إلى فضاء الفم ممنوع. نعم ، هو خبيث بالإضافة إلى غير هذا الشخص لا بالإضافة إليه نفسه ، كما هو الشأن في كلّ طعام حتّى القسم الراقي منه المرغوب لكلّ أحد ، فإنّه بعد أن أدخله في فمه ومضغه فلو أخرجه بعدئذٍ يتنفّر منه الطبع ، ولكن هو بنفسه لا يتنفّر طبعه منه ما دام باقياً في فمه وإلّا لمات الإنسان جوعاً فحاله حال البصاق الذي هو خبيث ، أي يتنفّر منه الطبع بعد الخروج عن الفم حتّى طبع صاحبه ، وأمّا قبله فليس كذلك بالضرورة.

وأمّا منع الكبرى بعد تسليم الصغرى وأنّه مصداق للخبيث فلأنه لم يدلّ أيّ دليل على حرمة أكل الخبيث ، إلّا ما قيل من دلالة الآية المباركة عليها عليها ، قال تعالى في وصف نبيّه (صلى الله عليه وآله) (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) (١).

ولكن من المقطوع به أنّه ليس المراد من الآية المباركة أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يحلّ لهم الطيِّبات أي الأجسام والذوات الطيّبة التي تشتهيها الطباع وترغب فيها وتلتذّ منها ويحرّم الخبائث من الأجسام التي يتنفّر منها الطبع ، فإنّ الآية المباركة بصدد توصيف النبيّ الأُمّي الذي يجدونه في التوراة وبيان كماله ، ولا يعدّ ذلك التحليل ولا هذا التحريم كمالاً له البتّة ، بل المراد والله العالم الأعمال الطيّبة والأعمال الخبيثة كما ورد في آية أُخرى ، وهي قوله تعالى (كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ) (٢) فالآية المباركة بصدد بيان أنّ دين النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) متممّ الأديان ومكمل الأخلاق ، وشريعته خاتمة الشرائع ، ولأجله أحلّ كلّ فعل طيّب وحرّم كلّ فعل خبيث ، ولا ارتباط لها بالذوات الطيّبة والخبيثة بوجه ، لعدم انسجام ذلك مع سياق الآية المباركة حسبما عرفت. فلا دليل على حرمة أكل الخبيث ، أي ما ينفر عنه الطبع.

__________________

(١) الأعراف ٧ : ١٥٧.

(٢) الأنبياء ٢١ : ٧٤.

٢٥٤

[٢٤٥٣] مسألة ٧٠ : لو ابتلع في الليل ما يجب عليه قيؤه في النهار (١) فسد صومه (*) إن كان الإخراج منحصراً في القي‌ء ، وإن لم يكن منحصراً فيه لم يبطل ، إلّا إذا اختار القي‌ء مع إمكان الإخراج بغيره ، ويشترط أن يكون ممّا يصدق القي‌ء على إخراجه ، وأمّا لو كان مثل دُرّة أو بُندُقة أو درهم أو نحوها ممّا لا يصدق معه القي‌ء لم يكن مبطلاً.

______________________________________________________

فتحصّل : أنّه على تقدير عدم العمل بصحيحة ابن سنان المتقدّمة والالتزام ببطلان الصوم بابتلاع ما يخرج بالتجشّؤ وثبوت الكفّارة ، لا دليل على كفّارة الجمع ، لتوقّفها على صدق الخبيث عليه وعلى حرمة أكل الخبيث ، وكلاهما ممنوع ، بل كبرى كفّارة الجمع لدى الإفطار بالحرام أيضاً ممنوعة كما عرفت.

(١) كما لو كان مالاً للغير ولم يتلف كذهب أو جوهر وأمكن إخراجه وردّه إلى صاحبه ، وحينئذٍ فإن لم يصدق القي‌ء على إخراجه كما لو كان مثل الدرهم أو البندقة ونحو ذلك فلا إشكال ، كما لا إشكال فيما لو صدق ولكن لم ينحصر الإخراج فيه ، بل أمكن بغير القي‌ء أيضاً ، لعدم التنافي بين الصوم وبين الأمر بإخراجه ، فهو متمكّن من امتثال كلا الأمرين باختياره الطريق الآخر غير المبطل للصوم.

إنّما الكلام فيما إذا انحصر الإخراج في القي‌ء ، فقد حكم (قدس سره) حينئذٍ ببطلان الصوم وإن لم يتقيأ كما هو ظاهر عبارته (قدس سره) ، وقد تقدّم الكلام في نظيره في غير مورد.

وتفصيل الحال : أنّ الأمر بالصوم مطلقاً مع الأمر بالقي‌ء ممّا لا يجتمعان ، فإنّه

__________________

(*) هذا إذا أراد القي‌ء خارجاً ، وإلّا فمجرّد الوجوب لا يوجب البطلان.

٢٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

تكليف بالمتناقضين ، إذ الأوّل متقوّم بالإمساك عن القي‌ء فكيف يؤمَر بالقي‌ء وبالإمساك عنه؟! وهذا ظاهر.

إنّما الكلام في أنّه هل يمكن ذلك على نحو الترتّب كما في سائر موارد المتضادّين مثل الصلاة والإزالة ونحوهما؟ حيث ذكرنا في محلّه أنّ الأمر الترتّبي أمرٌ معقول ، ومجرّد إمكانه كافٍ في الوقوع من غير حاجة الى التماس دليل عليه بالخصوص ، بل يكفي فيه إطلاقات الأدلّة ، فهل يمكن في المقام الأمر بالقي‌ء أو لا؟

لعلّ المشهور عدم الإمكان كما ذكره الماتن فإنّ الإفطار والإمساك ضدّان لا ثالث لهما ، إذ لا واسطة بين القي‌ء وبين الإمساك عن القي‌ء ، فكلّ منهما مفروض الوجود لدى ترك الآخر بطبيعة الحال ، ومعه كيف يمكن الأمر بأحدهما لدى ترك الآخر؟! وهل هذا إلّا من تحصيل الحاصل ، نظير الأمر بالسكون وبالحركة على تقدير ترك السكون ، فإنّ ترك السكون هو الحركة ، فمعناه : تحرّك عند الحركة ، وهو كما ترى. فلا مناص من الالتزام ببطلان الصوم في المقام سواء تقيّأ أم لم يتقيّأ.

ولكن الصحيح كما مرّ سابقاً إمكان الترتّب في أمثال المقام ، لكونهما من الضدّين اللّذين لهما ثالث ، فإنّ المأمور به بالخطاب الترتّبي هو الإمساك التعبدي لا طبيعي الإمساك ، فالواجب هي الحصّة الخاصّة منه ، ولأجله كان لهما ثالث وهو الإمساك لا بقصد القربة. وعليه ، فلا مانع من أن يؤمَر أولاً بالقي‌ء ، وعلى تقدير عصيانه يؤمَر بالإمساك عنه عن قربة ، نظير أن يقال : قف وإلّا تحرّك نحو الجانب الشرقي ، فإنّ تحصيل الحاصل الممتنع هو الأمر بالحركة مطلقاً لا مقيّداً بقيد خاصّ كالتقييد بالعباديّة في المقام. وعليه ، فلا يكون الصوم باطلاً في المقام إلّا بالتقيّؤ خارجاً لا بمجرّد الأمر به.

٢٥٦

[٢٤٥٤] مسألة ٧١ : إذا أكل في اللّيل ما يعلم أنّه يوجب القي‌ء في النهار من غير اختيار فالأحوط القضاء (*) (١).

[٢٤٥٥] مسألة ٧٢ : إذا ظهر أثر القي‌ء وأمكنه الحبس والمنع وجب إذا لم يكن حرج وضرر (٢).

______________________________________________________

(١) كما لو شرب قبل الفجر بنصف ساعة دواءً يعلم بترتّب القي‌ء عليه بعد ساعة ، وكان وجه الاحتياط أنّ المقدّمة لمّا كانت اختيارية فهذا التقيّؤ مستند إلى العمد ، لانتهائه إلى الاختيار ، ولكن الظاهر من الأدلة ولا سيّما موثّقة سماعة (١) أنّ المفطر إنّما هو التقيّؤ العمدي حال الصوم ، بحيث يمكنه القي‌ء ويمكنه تركه حال كونه صائماً ، وهذا غير متحقّق في المقام ، لأنّه حال شرب الدواء ليس بصائم ، وحين الصوم لا يتعمّد التقيّؤ فيشمله قوله (عليه السلام) «إن ذرعه أو بدره» إلخ ، فهو نظير من أكل أو شرب دواءً يعلم أنّه يحتلم في النهار ، فإنّ هذا ليس بمبطل قطعاً ، فلا مانع من العمد إليه.

وبعبارة اخرى : ليس موضوع الحكم التقيّؤ العمدي مطلقاً حتى يصدق العمد من أجل انتهائه إلى الاختيار ، بل الموضوع للبطلان : تقيّؤ الصائم عامداً ، وهو غير متحقّق في المقام ، فالأظهر عدم البطلان.

(٢) لصدق العمد إلى القي‌ء مع فرض التمكّن من الحبس من غير ضرر ، لكونه اختياريّاً له ، فيجري عليه حكم المتعمّد كما هو ظاهر.

__________________

(*) لا بأس بتركه.

(١) المتقدّمة في ص ٢١٨.

٢٥٧

[٢٤٥٦] مسألة ٧٣ : إذا دخل الذباب في حلقه وجب إخراجه مع إمكانه (١) ، ولا يكون من القي‌ء ، ولو توقّف إخراجه على القي‌ء سقط وجوبه وصحّ صومه.

[٢٤٥٧] مسألة ٧٤ : يجوز للصائم التجشّؤ اختياراً وإن احتمل خروج شي‌ء من الطعام معه ، وأمّا إذا علم بذلك فلا يجوز (*) (٢).

______________________________________________________

(١) لكونه في حدّ نفسه من المحرّمات ، نظراً إلى عدم كونه من المذكّى ، فلا يجوز ابتلاعه والتمكين من وصوله إلى الجوف ، سواء صدق عليه الأكل أم لا كما لا يخفى ، فما لم يدخل المعدة ليس له أن يبتلعه ، بل يجب إخراجه حذراً عن ارتكاب الحرام ، وحينئذٍ فإن أمكن إخراجه بغير القي‌ء فلا إشكال ، وأمّا لو توقّف على القي‌ء فلا محالة يقع التزاحم بين الحكمين أعني : حرمة الابتلاع ، وحرمة إبطال الصوم بالتقيّؤ ولا يمكن الجمع بينهما ، فإمّا أن يتقيأ مقدّمةً لترك الحرام ، أو يرتكب الحرام مقدّمةً للإمساك عن القي‌ء الواجب ، وقد ذكر (قدس سره) أنّه يبتلعه ويصحّ صومه ، والوجه فيه : أنّ الصوم من الفرائض التي بني عليها الإسلام ، فهو أهمّ في نظر الشرع من ابتلاع الذباب الذي هو جرمٌ صغير ، وليست حرمته في الأهمّيّة كوجوب الصوم ، ولا أقلّ أنّه محتمل الأهمّيّة دون الآخر ، فيتقدّم الصوم لا محالة ، وما ذكره (قدس سره) وجيهٌ جدّاً وفي محلّه.

(٢) تقدّم أنّ المبطل إنّما هو التقيّؤ ، وأمّا التجشّؤ المعبَّر عنه بالقلس أيضاً فلا بأس به.

هذا فيما إذا لم تعلم بخروج شي‌ء إلى الفم.

__________________

(*) على الأحوط.

٢٥٨

[٢٤٥٨] مسألة ٧٥ : إذا ابتلع شيئاً سهواً فتذكّر قبل أن يصل إلى الحلق (١) وجب إخراجه وصحّ صومه ، وأمّا إن تذكّر بعد الوصول إليه فلا يجب ، بل لا يجوز إذا صدق عليه القي‌ء ، وإن شكّ في ذلك فالظاهر وجوب إخراجه أيضاً مع إمكانه ، عملاً بأصالة عدم الدخول (*) في الحلق.

______________________________________________________

وأمّا إذا علم بذلك فقد حكم (قدس سره) بعدم الجواز حينئذٍ ، لكنّه لم يظهر لنا وجهه ، فإنّ الروايات مختصّة بالقي‌ء ، فكلّ ما ليس بقي‌ء لا بأس به ، والمفروض أنّ التجشّؤ ليس منه ، فيشمله عموم : «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب» ، فإنّ هذا العموم هو المحكّم ما لم يثبت التخصيص كما في الكذب ونحوه ، على أنّ الدليل على عدم البأس بالتجشّؤ موجود ، بل قد تضمّن التصريح بعدم البأس وإن نزل قهراً ما خرج من الجوف إلى الفم. نعم ، في الرجوع الاختياري كلامٌ قد تقدّم ، وأمّا غير الاختياري فلا ينبغي أن يكون محلّاً للكلام.

فتحصّل : أنّ الظاهر عدم البطلان في التجشّؤ الاختياري ، سواء علم برجوع شي‌ء إلى فضاء الفم وعوده إلى الداخل أم لا ، أخذاً بعموم حصر المفطر كما عرفت.

(١) قد عرفت أنّ المفطر إنّما هو الأكل العمدي ، فالسهوي منه لا ضير فيه. وعليه ، فلو ابتلع سهواً فتذكّر : فإن كان ذلك قبل الوصول إلى منتهى الحلق بحيث يصدق تعمّد الأكل على ابتلاع مثله بقاءً وإن لم يكن كذلك حدوثاً ، فلا إشكال حينئذٍ في وجوب الإخراج وعدم جواز الابتلاع ، لاستلزامه بطلان الصوم.

__________________

(*) لا أثر لهذا الأصل ورعاية الاحتياط أولى.

٢٥٩

[٢٤٥٩] مسألة ٧٦ : إذا كان الصائم بالواجب المعيّن مشتغلاً بالصلاة الواجبة فدخل في حلقه ذباب أو بَقّ أو نحوهما أو شي‌ء من بقايا الطعام الذي بين أسنانه (١) وتوقّف إخراجه على إبطال الصلاة بالتكلّم بـ «أخ» أو بغير ذلك : فإن أمكن التحفّظ والإمساك إلى الفراغ من الصلاة وجب (*).

______________________________________________________

وأمّا لو كان ذلك بعد الوصول إليه ، فلا يجب الإخراج ، لعدم كون الابتلاع بعد الوصول إلى هذا الحدّ مصداقاً للأكل ، وإنّما كان أكلاً قبل ذلك والمفروض عدم التعمّد إليه ، فما هو أكل لا عمد فيه ، وما تعمّد إليه لم يكن من الأكل في شي‌ء ، فلا يجب الإخراج ، بل لا يجوز إذا صدق عليه القي‌ء ، لأنّه تعمّد إليه ، وهو بنفسه موجب للبطلان.

هذا كلّه في فرض العلم ، وأمّا لو شكّ في ذلك وأنّه هل وصل الحدّ ودخل الحلق كي لا يجب الإخراج أو لا كي يجب ، فقد ذكر الماتن وجوب إخراجه حينئذٍ أيضاً مع إمكانه ، استناداً إلى أصالة عدم الدخول في الحلق.

أقول : الظاهر أنّ الأصل ممّا لا أصل له ، ضرورة أنّ الموضوع للبطلان إنّما هو الأكل والشرب ، وعدم الدخول في الحلق في نفسه ممّا لا أثر له.

نعم ، لازم عدم الدخول المزبور كون ابتلاعه أكلاً أو شرباً ، ومن المعلوم أنّ هذا اللازم لا يثبت بالأصل المذكور إلّا على القول بحجّيّة الأُصول المثبتة الذي هو خلاف التحقيق ، ولا يقول به السيّد (قدس سره) أيضاً.

(١) فإن أمكن إخراجه من غير إبطال الصلاة فلا إشكال ، وإلّا بأن توقّف الإخراج على الإبطال ولو لأجل التكلّم بـ «أخ» ونحو ذلك : فإن تمكّن من

__________________

(*) على الأحوط في سعة الوقت.

٢٦٠