موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢٤٣٩] مسألة ٥٦ : نوم الجنب في شهر رمضان في الليل مع احتمال الاستيقاظ أو العلم به إذا اتّفق استمراره إلى طلوع الفجر على أقسام (١) : فإنّه إمّا أن يكون مع العزم على ترك الغسل ، وإمّا أن يكون مع التردّد في الغسل وعدمه ، وإمّا أن يكون مع الذهول والغفلة عن الغسل ، وإمّا أن يكون مع البناء على الاغتسال حين الاستيقاظ مع اتّفاق الاستمرار.

______________________________________________________

النجس ناسياً أعاد صلاته عقوبةً ، مع أنّ الصلاة في النجس ليست بمحرّم جزماً.

هذا ، والصحيح حرمة النوم مطلقاً ، لأنّ النوم المحتمل فيه عدم الاستيقاظ محكومٌ بالاستمرار إلى الفجر بمقتضى الاستصحاب ، فهذا نوم مستمرّ إلى الصباح تعبّداً ، وقد صدر باختياره فهو عامد إليه ، فيندرج تحت النصوص المتضمّنة : أنّ من تعمّد النوم إلى الفجر وهو جنب قد أبطل صومه وعليه القضاء والكفّارة ويستغفر ربّه.

(١) قسّمه (قدس سره) إلى أقسام أربعة :

إذ تارةً : ينام مع العزم على ترك الغسل ، كما هو الحال في الفسقة والفجرة غير المعتنين بأمر الدين.

وأُخرى : مع التردّد في الغسل وعدمه ، لأجل برودة الهواء وتثاقله في تسخين الماء ونحو ذلك ممّا لا يصل إلى حدّ العذر الشرعي.

وثالثةً : مع الذهول والغفلة عن الغسل بالكلّيّة ، كما لو كان أوّل ليلة من رمضان مثلاً وكان غافلاً عن الصيام ولأجله ذهل عن الاغتسال ، وكانت عادته الغسل بعد طلوع الفجر.

٢٢١

فإن كان مع العزم على ترك الغسل (١) أو مع التردّد فيه لحقه حكم تعمّد البقاء جنباً ،

______________________________________________________

ورابعةً : مع العزم على الاغتسال حين الاستيقاظ ، فاتّفق استمرار النوم إلى ما بعد الفجر.

(١) أمّا القسم الأوّل : فلا إشكال كما لا خلاف في كونه من تعمّد البقاء على الجنابة ، بل هو الفرد الظاهر منه ، إذ لا فرق في صدق التعمّد والاستناد إلى الاختيار بين أن يبقى حال العزم على ترك الغسل نائماً أو مستيقظاً ، ولا يكون النوم مع العزم المزبور عذراً له بوجه كما هو ظاهر ، بل أنّ مورد أكثر نصوص العمد هو النوم كما تقدّم (١).

وأمّا القسم الثاني : فالظاهر إلحاقه بالعمد في بطلان الصوم ، لاستلزام الترديد فقد النيّة ، فإنّ الصوم عبارة عن الإمساك عن المفطرات التي منها تعمّد البقاء على الجنابة عن نيّة ، ومن الواضح عدم تحقّق هذه النيّة مع التردّد في الغسل ، إذ هو مستلزم للتردّد في البقاء متعمّداً ، المستلزم للتردّد في الصوم المأمور به ، ومعه كيف تتمشّى منه النيّة؟! فإنّ النية متقوّمة بالعزم والجزم المنافيين للترديد كما هو ظاهر ، فلا مناص من البطلان ووجوب القضاء.

وهل يلحق به في الكفّارة أيضاً؟

الظاهر : نعم ، لصدق العمد في ترك الغسل حقيقةً لو بقي على تردّده إلى أن طلع الفجر ، إذ لا يعتبر في صدقه القصد إلى الترك ، بل يكفي فيه عدم القصد إلى

__________________

(١) في ص ١٨٦ ١٨٧.

٢٢٢

بل الأحوط ذلك إن كان مع الغفلة والذهول أيضاً (١) ، وإن كان الأقوى (*) لحوقه بالقسم الأخير.

______________________________________________________

الفعل إلى أن مضى الوقت ، نظير من تردّد في عمل كالسفر إلى الحجّ مثلاً واستمرّ في ترديده إلى أن فات الوقت ، فإنّه يصدق في حقّه أنّه ترك الحجّ متعمّداً ، إذ يكفي في استناد الترك إلى الاختيار والعمد عدم نيّة الفعل ، ولا يلزم فيه نيّة الترك كما عرفت.

وعليه ، فيندرج المقام في نصوص العمد المتضمّنة للكفّارة من صحيحة أبي بصير (١) وغيرها ، لصدق أنّه ترك الغسل متعمّداً حتّى أصبح كما ورد في الصحيحة.

(١) وأمّا القسم الثالث : فظاهر عبارة الماتن (قدس سره) إلحاقه بالأولين في القضاء والكفّارة احتياطاً ، وإن ذكر (قدس سره) أنّ الأقوى لحوقه بالقسم الأخير.

والظاهر هو التفصيل في المسألة ، فإنّ الإلحاق في الكفّارة لا وجه له أبداً حتّى من باب الاحتياط ، إذ الذاهل ليس من العامد في شي‌ء ، ولم يصدر منه تقصير كي يحتاج إلى التكفير.

وأمّا القضاء فالظاهر ثبوته في حقّه ، إذ الذهول والغفلة لا ينفكّان عن النسيان ، لأنّه علم بالجنابة حينما يجامع ، أو حينما انتبه عن نومة الاحتلام ثمّ طرأ عليه الذهول والغفلة فهو مسبوق بالعلم دائماً ، ولا نعني بالنسيان إلّا هذا.

__________________

(*) فيه تفصيل يأتي.

(١) المتقدمة في ص ١٨٦.

٢٢٣

وإن كان مع البناء على الاغتسال (١) أو مع الذهول على ما قوّينا : فإن كان في النومة الأُولى بعد العلم بالجنابة فلا شي‌ء عليه (*) وصحّ صومه.

______________________________________________________

وعليه ، فتشمله النصوص المتقدّمة في الناسي المتضمّنة وجوب القضاء على من نسي الجنابة حتّى مضى عليه يوم أو أيّام (١).

(١) وأمّا القسم الرابع : فالمشهور أنّه لا شي‌ء عليه في النومة الأُولى بعد العلم بالجنابة كما ذكره في المتن ، وأنّ عليه القضاء في الثانية ، والكفّارة في الثالثة. ولتفصيل الكلام في المقام نقول :

أمّا في النومة الأُولى : فالظاهر صحّة الصوم كما ذكر ولا قضاء عليه فضلا عن الكفّارة ، فإنّ الروايات في المقام مختلفة وعلى طوائف ثلاث :

الاولى : ما دلّت على صحّة الصوم مطلقاً ، وهي ما رواه الصدوق بإسناده عن أبي سعيد القمّاط : أنّه سُئل أبو عبد الله (عليه السلام) عمّن أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل فنام حتّى أصبح «قال : لا شي‌ء عليه ، وذلك أنّ جنابته كانت في وقتٍ حلال» (٢).

وبإسناده عن العيص بن القاسم : أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمّ يستيقظ ثمّ ينام قبل أن يغتسل «قال : لا بأس» (٣).

__________________

(*) الأظهر في الذهول وجوب القضاء فقط.

(١) في ص ٢١١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ١ ، الفقيه ٢ : ٧٤ / ٣٢٢.

(٣) الوسائل ١٠ : ٥٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ٢ ، الفقيه ٢ : ٧٥ / ٣٢٥.

٢٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الثانية : ما دلّ على بطلانه مطلقاً ، كموثّقة سماعة بن مهران ، قال : سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى يدركه الفجر «فقال : عليه أن يتمّ صومه ويقضي يوماً آخر» (١).

وصحيحة سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه (عليه السلام) «قال : إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتّى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ، ولا يدرك فضل يومه» (٢).

وقد دلّت الأخيرة على ثبوت الكفّارة أيضاً مضافاً إلى القضاء.

الثالثة : ما تضمّنت التفصيل بين المتعمّد وغيره وخصّت البطلان بالأوّل ، كصحيحة الحلبي : في رجل احتلم أوّل الليل ، أو أصاب من أهله ثمّ نام متعمّداً في شهر رمضان حتّى أصبح «قال : يتمّ صومه ذلك ثمّ يقضيه» إلخ (٣).

وصحيحة أبي بصير : في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمّ ترك الغسل متعمّداً حتّى أصبح «قال : يعتق رقبة» إلخ (٤).

وقد أشرنا فيما مرّ إلى أنّ المقام من موارد انقلاب النسبة ، فإنّ الطائفتين الأُوليين متعارضتان بالتباين ، ولكن الثالثة أخصّ من الاولى فتتقيد بها ، وبعدئذٍ تنقلب النسبة بينها وبين الثانية من التباين إلى العموم والخصوص المطلق ، فتتقيّد الثانية بها ، فتكون النتيجة اختصاص البطلان والحكم بالقضاء بل الكفّارة بصورة العمد ، وأمّا إذا كان عن غير عمد فلا شي‌ء عليه.

وعليه ، ففي النومة الأُولى بعد البناء على الاستيقاظ والاغتسال كما هو

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٦٢ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ٥.

(٢) الوسائل ١٠ : ٦٣ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ٣ ، ١.

(٣) الوسائل ١٠ : ٦٣ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ٣ ، ١.

(٤) الوسائل ١٠ : ٦٣ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ٢.

٢٢٥

وإن كان في النومة الثانية (١) بأن نام بعد العلم بالجنابة ثمّ انتبه ونام ثانياً مع احتمال الانتباه فاتّفق الاستمرار وجب عليه القضاء فقط دون الكفارة على الأقوى.

______________________________________________________

المفروض بما أنّه لا يصدق العمد ولا سيّما في معتاد الانتباه فلا شي‌ء عليه.

(١) وأمّا في النومة الثانية فالمعروف بين الأصحاب هو القضاء فقط ، وزاد بعضهم الكفّارة ، والأظهر هو الأوّل ، وتدلّنا عليه صحيحتان :

الأُولى : صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الرجل يجنب في أوّل الليل ثمّ ينام حتّى يصبح في شهر رمضان «قال : ليس عليه شي‌ء» قلت : فإنّه استيقظ ثمّ نام حتّى أصبح «قال : فليقض ذلك عقوبةً» (١).

فإنّ الصدر ناظر إلى النومة الأُولى ، حتّى لو فرضنا أنّ جنابته كانت احتلاميّة ، إذ لا تعدّ النومة التي أجنب فيها من النومة الاولى ، بل هي نومة واحدة مستمرّة فهي نومة الجنابة ، لا أنّها نومة اولى بعد الجنابة ، فالنومة الأُولى هي ما ينام بعد الاستيقاظ من نومة الجنابة أو بعد الجنابة إذا كانت بغير احتلام.

وحملُ قوله : «ثمّ ينام» على النومة التي أجنب فيها باعتبار الاستمرار ليكون ما ثبت فيه القضاء هي في الحقيقة النومة الأُولى بعد الانتباه ، خلاف ظاهر كلمة «ثمّ» كما لا يخفى.

وعلى الجملة : فالنومة التي ليس فيها شي‌ء هي النومة التي بعد الجنابة ولو عن احتلام ، كما قد تعيّنه صحيحة العيص الواردة في هذا المورد : عن الرجل

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٦١ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ١.

٢٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمّ يستيقظ ثمّ ينام قبل أن يغتسل «قال : لا بأس» (١) حيث دلّت على أنّ النومة التي كانت بعد نومة الجنابة والاستيقاظ منها هي التي لا بأس بها.

وعليه ، فلا بدّ من أن يُحمَل الصدر بمقتضى الروايات المقيّدة المتقدّمة في حكم النومة الأُولى على صورة عدم العمد ، فإذن يكون المراد من الذيل هي هذه الصورة أيضاً ، فتدلّ على ثبوت القضاء في النومة الثانية لغير العامد ، أي العازم على الاغتسال لدى الانتباه الذي هو محلّ الكلام.

وبعبارة اخرى : دلّت الجملة الثانية أعني قوله : فإنّه استيقظ ، إلخ على أنّ النومة الثانية تغاير الاولى حكماً ، ومعه لا يمكن حمل الثانية على العامد العازم على ترك الغسل ، إذ لا يفرق حينئذٍ بين الاولى والثانية في ثبوت القضاء على التقديرين ، والمفروض ثبوت الفرق كما عرفت ، فلا مناص من أن يكون الموضوع في الجملتين صورة عدم العمد ، فيتّجه الاستدلال

حينئذٍ حسبما ذكرناه ، فالنوم الثاني حتّى مع عادة الانتباه وقصد الاغتسال موجبٌ للقضاء.

ويكشف عن إرادة هذه الصورة أي عدم العمد التعبير بالعقوبة في ذيل الصحيحة ، الكاشف عن أنّ ذلك لأجل تسامحه وتساهله في الاغتسال فاحتاج إلى نوع من التنبيه ، كما في ناسي النجاسة كي يتحفظ ولا ينسى بعدئذٍ ، وإلّا فلو لم يكن عازماً وكان متعمّداً في ترك الغسل كان القضاء حينئذٍ على القاعدة ، لأنّه ترك الواجب اختياراً وفوّته على نفسه عامداً ، ومثله يستوجب القضاء بطبيعة الحال ، فلا وجه للتعبير بالعقوبة والتعليل بها كما لا يخفى.

الثانية : صحيحة ابن أبي يعفور ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) :

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ٢.

٢٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الرجل يجنب في شهر رمضان ثمّ (حتّى) يستيقظ ، ثمّ ينام ثمّ يستيقظ ثمّ ينام حتى يصبح «قال : يتمّ يومه (صومه) ويقضي يوماً آخر ، وإن لم يستيقظ حتّى صبح أتمّ صومه (يومه) وجاز له» (١).

وهي على هذه النسخة المذكورة في الوسائل مطابقة مضموناً مع صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة.

ولكنّها في نسخة اخرى وردت هكذا : الرجل يجنب في شهر رمضان ثمّ يستيقظ ثمّ ينام حتّى يصبح «قال : يتمّ صومه» إلخ.

وعلى هذا لا تعرّض فيها لحكم النومة الثانية التي هي محلّ الكلام.

وليس الاختلاف من جهة اختلاف نسخ الوسائل ، بل من جهة اختلاف المصادر ، فإنّ النسخة الأُولى المشتملة على تلك الزيادة مطابقة للفقيه (٢) ، والثانية للتهذيبين (٣) ، فيدور الأمر بين الزيادة والنقيصة ، ولا يبعد أن يكون الترجيح مع الفقيه ، فإنّه أضبط ، لكثرة ما في التهذيب والاستبصار من الاشتباه الناشئ من الاستعجال في التأليف ، حتّى ادّعى صاحب الحدائق أنّه قلّما توجد رواية خالية عن الخلل سنداً أو متناً (٤) ، وهذه مبالغة منه واضحة ، فإنّ روايات الشيخ المطابقة مع الكافي وغيره من المصادر كثيرة جدّاً. نعم ، اشتباهاته غير عزيزة ومن ثمّ كان الفقيه أضبط ، والنفس إليه لدى الدوران أركن ، وإن كان ذلك لا يفيد الجزم ، بل غايته الظنّ.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٦١ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٧٥ / ٣٢٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٢١١ / ٦١٢ ، الاستبصار ٢ : ٨٦ / ٢٦٩.

(٤) الحدائق ٣ : ١٥٦.

٢٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وكيفما كان ، فإن لم تثبت الزيادة ففي صحيحة معاوية غنى وكفاية ، وتكون الرواية عندئذٍ من الأخبار المطلقة الدالّة على القضاء إذا نام بعد الجنابة حتّى أصبح ، المحمولة على صورة العمد ، جمعاً بينها وبين ما تقدّم.

وإن ثبتت كان حالها حال صحيحة معاوية ، بل الدلالة فيها أظهر ، إذ قد فرض فيها حينئذٍ نومات ثلاثة : نومة الجنابة ، ونومة بعد الاستيقاظ عنها ، والنومة الأخيرة المفروض استمرارها حتّى الصباح ، وقوله (عليه السلام) في الذيل «وإن لم يستيقظ» إلخ ، لا يحتمل رجوعه إلى نومة الجنابة كي تكون هي التي لا شي‌ء فيها ، كيف؟ ولازمه ترك التعرّض لما هو الأولى بالذكر ، وهي النومة المتوسطة بين نومة الجنابة وبين النومة الأخيرة التي ثبت فيها القضاء ، فإنّ الإعراض عن حكم هذا والتعرّض لما هو واضح لدى كل أحد لعلّه مستبشع يصان عن الكلام الحكيم ، فلا مناص من رجوعه إلى النومة الثانية أي الأُولى بعد الاحتلام. أمّا الأخيرة فالمفروض استمرارها إلى الصباح ، فلا معنى للرجوع إليها كما هو ظاهر.

فمحصّل الرواية : أنّ النومة الأُولى بعد اليقظة من نومة الجنابة إذا استمرّت إلى الصباح لا شي‌ء فيها وهو جائز ، وأمّا النومة الثانية ففيها القضاء.

ولكنّه مع ذلك كلّه يمكن أن يكون قوله : «وإن لم يستيقظ» إلخ ، راجعاً إلى الصدر ، أي إذا لم يستيقظ من الجنابة أصلاً حتّى أصبح فلا شي‌ء عليه ، ولعلّ هذا أوفق ، فيكون مفهومها : أنّه إذا استيقظ بعد الجنابة ونام حتّى أصبح فعليه شي‌ء كالقضاء ، ويكون موافقاً لما ذكره الشيخ في التهذيبين ، فإنّ ما نقله الشيخ أقلّ تعقيداً ممّا نقله الصدوق كما لا يخفى. وتكون الرواية على هذا من الروايات المطلقة التي دلّت على لزوم القضاء في النوم الأوّل بعد العلم بالجنابة ، فيعامل معها معاملتها من التقييد بصورة العمد كما مرّ.

٢٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وكيفما كان ، فلا يظهر من رواية الصدوق في الفقيه رجوع الذيل إلى الصدر أو إلى الجملة الوسطى ، ومعه تكون مجملة بالنسبة إلى هذا الحكم في النومة الثانية ، والمرجع حينئذٍ في الحكم بوجوب القضاء هي صحيحة معاوية بن عمّار ، وفيها الكفاية كما تقدّم.

وقد تبيّن من مطاوي ما ذكرناه أنّ المراد من النومة الأُولى والثانية والثالثة هي النومات الواقعية بعد العلم بالجنابة ، أو الانتباه من نومة الاحتلام ، وأنّ نومة الاحتلام بنفسها ملغاة في الحساب.

وقد أشرنا فيما مرّ إلى أنّ صحيحة العيص شاهدة لذلك ، حيث يقول : عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمّ يستيقظ ثمّ ينام قبل أن يغتسل «قال : لا بأس» (١).

حيث صرّح فيها بأنّ النومة التي تحقّقت بعد الاستيقاظ من نومة الاحتلام لا بأس بها ، أي لا قضاء عليه ، فالنومة الثانية التي فيها القضاء هي النومة التي بعدها.

وقد تحصّل من جميع ما تقدّم : أنّ الصحيح ما عليه الأصحاب من وجوب القضاء في النومة الثانية.

وأمّا زيادة الكفّارة التي ذهب إليها بعضهم فلا مستند لها عدا ما يدّعى من القاعدة الكلّيّة من أنّ كلّ ما ثبت فيه القضاء ثبتت فيه الكفّارة أيضاً ، ولكنّها كما ترى مجرّد دعوى بلا بيّنة ولا برهان ، وقد ثبت التفكيك في كثير من الموارد كما تقدّم وسيأتي ، التي منها صورة نسيان غسل الجنابة حتّى مضى يوم أو أيّام ، فإنّ فيها القضاء دون الكفّارة كما سبق (٢).

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ٢.

(٢) في ص ٢١١.

٢٣٠

وإن كان في النومة الثالثة (١) فكذلك على الأقوى ، وإن كان الأحوط ما هو المشهور من وجوب الكفّارة أيضاً في هذه الصورة ، بل الأحوط وجوبها في النومة الثانية أيضاً ، بل وكذا في النومة الأُولى أيضاً إذا لم يكن معتاد الانتباه.

ولا يعدّ النوم الذي احتلم فيه من النوم الأوّل ، بل المعتبر فيه النوم بعد تحقّق الجنابة ، فلو استيقظ المحتلم من نومه ثمّ نام كان من النوم الأوّل لا الثاني.

______________________________________________________

هذا كلّه في النومة الثانية.

(١) وأمّا النومة الثالثة فلا إشكال كما لا خلاف في ثبوت القضاء فيها ، بل هي أولى من الثانية في هذا الحكم المبني على العقوبة كما في صحيح معاوية المترتّبة على التسامح والتساهل بمقتضى الفهم العرفي كما لا يخفى.

وأمّا الكفّارة فالمشهور وإن ذهبوا إليها إلّا أنّه لم ترد فيها أيّة رواية صحيحة ولا ضعيفة ، وقد استندوا فيها إلى ما تقدّم في وجه وجوبها في النوم الثاني من دعوى الملازمة التي عرفت ما فيها.

والعمدة في المقام دعوى الإجماع المتكرّرة في كلام غير واحد كابني حمزة وزهرة وجامع المقاصد (١) وغيرهم لكنّها غير صالحة للاعتماد ، لعدم حجّيّة الإجماع المنقول كما هو محرّر في الأُصول (٢) ، ولا سيما من مثل ابني حمزة وزهرة ، فإنّ مبنى أمثال هؤلاء في دعوى الإجماع يغاير مبنانا كما لا يخفى.

__________________

(١) الوسيلة : ١٤٢ ، غنية النزوع ٢ : ١٣٨ ، جامع المقاصد ٣ : ٧٠.

(٢) مصباح الأُصول ٢ : ١٣٥ ١٣٨.

٢٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا تحصيل الإجماع التعبّدي الكاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) في مثل هذه المسألة التي وجد فيها خلاف جماعة معتدّ بها من الأصحاب كالفاضلين وصاحب المدارك (١) وغيرهم فمشكل جدّاً ، بل لعلّه مقطوع العدم ، والقائلون بالوجوب من القدماء جماعة معدودون وأشخاص معلومون لم يبلغوا حدّا يستكشف معه رأي المعصوم (عليه السلام).

والحاصل : أنّ الإجماع المحقّق بعد ذهاب فحول من المتأخرين إلى الخلاف غير معلوم ، بل معلوم العدم.

ومن ذلك يظهر أنّ دعوى الإجماع على وجوب الكفّارة من مثل جامع المقاصد الذي هو شرح على قواعد العلامة المنكر لها (٢) ، وقد أنكرها أيضاً المحقّق في المعتبر وتردّد في الشرائع (٣) لا يخلو من الغرابة ، وكأنّ مدّعيه يريد الإجماع ممّن سبق المحقق ، وقد عرفت أنّ مخالفة هؤلاء الأعاظم مانعة من الاعتماد عليه ، كما وعرفت أيضاً أنّه لا تلازم بين القضاء والكفّارة ، فإنّها حكم من أفطر عامداً ، وليس هذا منه.

وكيفما كان ، فالظاهر عدم وجوب الكفّارة في النومة الثالثة أيضاً ، وإن كان الأحوط ذلك ، لما عرفت ، بل هي الأحوط في النومة الثانية أيضاً ، للقول بها ، بل الاولى في غير المعتاد ، لاحتمال العمد.

__________________

(١) المنتهي ٢ : ٥٧٧ ، المعتبر ٢ : ٦٧٤ ، المدارك ٦ : ٩٠.

(٢) جامع المقاصد ٣ : ٧٠ ، قواعد العلامة ١ : ٣٧٥.

(٣) المعتبر ٢ : ٦٧٥ ، لاحظ الشرائع ١ : ٢١٨.

٢٣٢

[٢٤٤٠] مسألة ٥٧ : الأحوط إلحاق غير شهر رمضان من الصوم المعيّن به (*) (١) في حكم استمرار النوم الأوّل أو الثاني أو الثالث حتّى في الكفّارة في الثاني والثالث إذا كان الصوم ممّا له كفّارة كالنذر ونحوه.

[٢٤٤١] مسألة ٥٨ : إذا استمرّ النوم الرابع أو الخامس فالظاهر أنّ حكمه حكم النوم الثالث (٢).

[٢٤٤٢] مسألة ٥٩ : الجنابة المستصحبة كالمعلومة في الأحكام المذكورة (٣).

______________________________________________________

(١) هذا الاحتياط الوجوبي ينافي ما تقدّم منه (قدس سره) من أن إبطال البقاء على الجنابة متعمّداً خاصّ بشهر رمضان وقضائه ولا يسري إلى غيرهما من الصوم المعيّن (١) ، وما أفاده (قدس سره) هناك هو الصحيح كما مرّ ، للزوم الاقتصار في الحكم المخالف لمقتضى القاعدة على مورد النصّ ، وهو شهر رمضان وقضائه ، والمرجع في غيرهما عموم حصر المفطر المطابق لأصالة البراءة.

(٢) لقضاء الفهم العرفي بعدم الفرق بين الثالث وغيره في مثل المقام ، ولأجله يتعدّى عن النوم الثاني إلى الثالث في وجوب القضاء مع عدم ورود نصّ فيه كما تقدّم.

(٣) لأنّ الموضوع هو واقع الجنابة ، والاستصحاب محرز لها بحكم الشارع تعبّداً ، فيترتّب عليه حكمها ، وليس الموضوع الجنابة المعلومة بحيث يكون العلم جزءاً للموضوع كي تبتني المسألة على قيام الاستصحاب مقام العلم المأخوذ في الموضوع على نحو الطريقيّة ، إذ لا دليل على أخذ العلم جزءاً للموضوع في

__________________

(*) مرّ منه (قدس سره) اختصاص إبطال البقاء على الجنابة متعمداً يصوم شهر رمضان وقضائه وهذا هو الأظهر.

(١) في ص ١٩٠ ١٩١.

٢٣٣

[٢٤٤٣] مسألة ٦٠ : ألحق بعضهم الحائض والنفساء بالجنب في حكم النومات ، والأقوى عدم الإلحاق (١) ، وكون المناط فيهما صدق التواني في الاغتسال ، فمعه يبطل وإن كان في النوم الأوّل ، ومع عدمه لا يبطل وإن كان في النوم الثاني أو الثالث.

[٢٤٤٤] مسألة ٦١ : إذا شك في عدد النومات بنى على الأقلّ (٢).

______________________________________________________

المقام ، بل هو على خلاف ظواهر الأدلّة كما لا يخفى ، حيث إنّ مقتضاها ترتّب الأحكام على نفس الجنابة وذاتها ، وليس الحكم بعدم البطلان فيمن أصبح جنباً جاهلاً كاشفاً عن دخل العلم في الموضوع ، وإنّما هو من أجل الجنابة الواقعيّة إنّما تكون مفطرة مع العمد ، ولا عمد مع الجهل ، فلاحظ.

(١) لاختصاص النصّ بالجنب ، ولا وجه للتعدّي ، بل العبرة فيهما بصدق التواني وعدمه على ما ورد في النصّ الوارد فيهما كما تقدّم (١) ، فمع صدقه يحكم بالقضاء وإن كان في النومة الأُولى ، ولا يحكم به مع عدم الصدق وإن كان في النومة الثانية أو الثالثة ، بل الزائد عليها أيضاً.

(٢) استناداً إلى أصالة عدم حدوث الزائد على المقدار المتيقّن ، فإنّ موضوع القضاء بحسب النصوص هو من نام بعد العلم بالجنابة واستيقظ ثمّ نام واستيقظ بعد الفجر ، والمتيقّن إنّما هو النومة الأخيرة ، وأمّا سبق نومة اخرى عليها ليتحقّق معه موضوع القضاء فمشكوك ، فيرجع في نفيه إلى أصالة العدم ، وهكذا الحال في جانب الكفّارة المترتّبة على النومة الثالثة.

__________________

(١) في ص ٢٠٠.

٢٣٤

[٢٤٤٥] مسألة ٦٢ : إذا نسي غسل الجنابة ومضى عليه أيّام وشكّ في عددها يجوز له الاقتصار في القضاء على القدر المتيقّن (١) ، وإن كان الأحوط تحصيل اليقين بالفراغ.

[٢٤٤٦] مسألة ٦٣ : يجوز قصد الوجوب في الغسل وإن أتى به في أوّل الليل (٢) ، لكن الاولى مع الإتيان به قبل آخر الوقت أن لا يقصد الوجوب بل يأتي به بقصد القربة.

______________________________________________________

(١) لقاعدة الفراغ الجارية في صوم المقدار الزائد على المتيقّن وقوعه حال الجنابة ، وقد ذكرنا في محلّه أنّ الشكّ إن كان في أصل الوجود الذي هو مجرى قاعدة التجاوز اعتُبِر فيه التجاوز عن المحلّ الموقوف على الدخول في الغير المترتّب عليه ، وأمّا إذا كان في صحّة الموجود الذي هو مجرى قاعدة الفراغ كما في المقام فيكفي فيه مجرّد الفراغ والانتهاء عن العمل (١) ، فإذا مضت عليه أيّام ثلاثة مثلاً وعلم بكونه جنباً في يومين منها ، واحتمل أن يكون قد اغتسل في اليوم الثالث الذي صام فيه ، بنى على صحّة الصوم حينئذٍ ، لأصالة الصحّة ، أعني : قاعدة الفراغ الحاكمة على الاستصحاب كما هو مقرّر في محلّه (٢).

(٢) إن أُريد به الوجوب العقلي الباعث على فعل المقدّمة قبل الوقت لتوقّف الواجب عليه وعدم حصول الامتثال بدونه ، فهو حقّ لا محيص عن الاعتراف به كما ستعرف.

وأمّا لو أُريد به الوجوب الشرعي المولوي ، فبما أنّ وجوب المقدّمة تابع

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٢٧٥ ، ٢٨٠ ، ٢٨٥.

(٢) مصباح الأُصول ٢ : ٢٦٢ ٢٦٤.

٢٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

لوجوب ذيها ، والمفروض عدم وجوب ذي المقدّمة قبل الوقت ، فلا وجوب لمقدّمته عندئذٍ بطبيعة الحال ، فكيف يمكن أن ينوي الوجوب بفعل المقدّمة قبل الوقت كالغسل في المقام؟! ولهم في التفصّي عن هذا الإشكال السيّال أعني : كيفيّة تصوير وجوب المقدّمة قبل مجي‌ء وقت ذيها وجوه :

منها : الالتزام بالوجوب التعليقي والتفكيك بين زماني الوجوب والواجب وانّ الوقت شرط لنفس الواجب لا لوجوبه ، فالوجوب فعلي ، والواجب استقبالي ، فيجب صوم الغد في المقام من أوّل الليل ، بل من أوّل الشهر كما هو ظاهر قوله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (١) فإذا كان الوجوب حاليّا وثابتاً قبل مجي‌ء وقت الواجب وبنينا على وجوب المقدّمة شرعاً ، ترشّح الأمر من ذيها إليها لا محالة ، فبعد الالتزام بهاتين الدعويين أعني : الوجوب التعليقي ، ووجوب المقدّمة شرعاً يتّصف الغسل في المقام بالوجوب الشرعي.

ومنها : أنّه وإن أنكرنا الوجوب التعليقي وبنينا على أنّ الوجوب مشروط بالوقت كنفس الواجب فلا وجوب لذي المقدّمة قبل مجي‌ء وقته ، إلّا أنّه لا مانع من التفكيك بين المقدّمة وذيها في الوجوب ، بأن تجب المقدّمة فعلاً من غير أن يجب ذوها إلّا بعد حين ، فبعين الملاك الذي من أجله وجبت المقدّمة أعني : توقّف ذيها عليها يمكن أن يكون وجوبها سابقاً على وجوبه فيما إذا رأى المولى أنّ الدخيل في الواجب إنّما هو المقدّمة السابقة وجوداً على وقته دون اللّاحقة ، وحديث ترشّح وجوب المقدّمة من ذيها المستلزم لتأخّر وجوبها عن وجوبه كلامٌ مشهور لا أساس له من الصحّة ، إذ كيف يُعقَل ترشّح الوجوب

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٨٥.

٢٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

من وجوب ، وأن يكون فعلٌ اختياري معلولاً لفعل اختياري آخر؟! وهل وجوب ذي المقدّمة بنفسه مشرّع كي يكون علّة لوجوب المقدّمة ويكون وجوبها مترشّحاً من وجوبه؟! كلّ ذلك لا يكون ، بل الوجوب الغيري كالوجوب النفسي ، كلّ منهما فعل اختياري لنفس الفاعل أعني : المولى الذي بيده الحكم لا أنّ الأوّل معلول للثاني كي يكون فعلاً لفعل الفاعل ومعلولاً لمعلوله ، بل كلّ منهما بحياله فعلاً مستقلا ، غاية الأمر أنّهما متلازمان في الوجود ، ويكون وجوب أحدهما لأجل الآخر لا بملاكٍ قائمٍ بنفسه.

وعليه ، فإذا كانا فعلين للفاعل من غير ترشّح في البين ولا علّيّة ولا معلوليّة فأي مانع من أن يوجب المولى المقدّمة فعلاً ويوجب ذيها بعد ذلك متأخّراً فيما إذا كان هناك ملاك لتقديم الأوّل كما في المقام كي يتمكّن المكلّف من الإتيان بالواجب في ظرفه؟! فعين ملاك المقدّميّة المستلزم لأصل الوجوب مستلزمٌ لتقديم الوجوب وسبقه على وجوب ذي المقدّمة.

ومنها : ما ذكره شيخنا الأُستاذ (قدس سره) من الالتزام بالوجوب التهيّئي (١) ، حيث إنّه (قدس سره) لمّا أنكر الواجب التعليقي واعترف تبعاً للمشهور بالوجوب الترشّحي المستلزم لامتناع تقدّم وجوب المقدّمة على وجوب ذيها كما عرفت التجأ إلى الالتزام بوجوب المقدّمة في أمثال المقام وجوباً نفسيّاً تهيّؤيّاً متوسّطاً بين الوجوب الغيري والوجوب النفسي الاصطلاحي ، فهو واجبٌ نفساً ، لغاية التحفّظ على واجب آخر في ظرفه والتهيّؤ لامتثاله ، فليس هو بواجب غيري ، لفرض وجوبه قبل وجوب ذي المقدّمة ولا شي‌ء من الواجب الغيري كذلك ولا بواجب نفسي ، لعدم كون مخالفته مستوجباً لعقاب آخر غير العقاب على ترك الواجب الآخر وهو الصوم عن طهارة فيما نحن فيه ،

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ١٣٦ ١٤١.

٢٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا موافقته مستوجباً للثواب ، بل هو مرحلة بين المرحلتين ، فمن جهة يشبه الواجب الغيري لقيام ملاكه بالغير ، ومن جهة أُخرى يشبه النفسي لعدم توقّفه على واجب آخر ولا ترشحه منه حسبما عرفت ، بل هو نوع وجوب فائدته فائدة الواجب الغيري ، قد انبعث هو والواجب الآخر عن ملاك واحد ، نظير الأوامر الضمنيّة في باب المركّبات. وعليه ، فالغسل في المقام واجب بهذا الوجوب التهيّئي ، فلا مانع من الإتيان به بقصد هذا الوجوب.

ولكن هذه الوجوه الثلاثة المذكورة في المقام كلّها ساقطة.

أمّا الأول : فلأنّا وإن التزمنا في محلّه بإمكان الواجب التعليقي وأنّه لا مانع من التفكيك بين زماني الوجوب والواجب ، وليست الإرادة التشريعيّة على حدّ الإرادة التكوينيّة التي يمتنع فيها تخلّف الإرادة عن المراد كما فصّلنا القول حول ذلك في الأُصول مستقصى (١) ، إلّا أنّ الإتيان بالغسل بنيّة الوجوب الشرعي في المقام مبني على ذلك وعلى الالتزام بوجوب المقدّمة شرعاً كما عرفت.

وقد بيّنّا في الأُصول : أنّ مقدّمة الواجب لا وجوب لها شرعاً وإنّما هي واجبة بالوجوب العقلي المحض من باب اللابدّيّة العقليّة (٢) ، إذ بعد حكومة العقل بذلك وإدراكه لزوم الإتيان بالمقدّمة لتوقّف ذيها عليها وعدم التمكّن من إتيانه بدونها ، فأيّ فائدة بعد هذا للوجوب الشرعي المولوي؟! وهل هذا إلّا من اللغو الظاهر والحكم الجزافي الذي تصان عنه ساحة الحكيم.

ومن ذلك يظهر الجواب عن الوجه الثاني أيضاً ، لتوقّفه على وجوب المقدّمة شرعاً ، وهو ممنوع.

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٣٥١ ٣٥٣.

(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٤٣٨.

٢٣٨

[٢٤٤٧] مسألة ٦٤ : فاقد الطهورين يسقط عنه اشتراط رفع الحدث للصوم ، فيصحّ صومه مع الجنابة أو مع حدث الحيض أو النفاس (١).

______________________________________________________

وأمّا الثالث : فلا نعقل معنىً للوجوب التهيّئي وراء الوجوب الغيري ، ولا موقع لهذا الوجوب من ناحية المولى بعد استقلال العقل بلزوم الإتيان بالواجب وبكلّ ما يتوقّف عليه ، الذي منه الغسل في المقام لأجل الصوم المشروط بالطهارة.

فتحصّل : أنّ الأقوى عدم وجوب الغسل كغيره من المقدّمات قبل الوقت بالوجوب الشرعي ، فلا يمكن الإتيان به بهذه النيّة.

نعم ، هو واجب بالوجوب العقلي المقدّمي كما تقدم ، فلا مانع من الإتيان به بهذا القصد ، أي بقصد كونه ممّا يتوقّف عليه الواجب ، وكونه مقدّمة له ، الذي هو عنوان قربي ، لاشتماله على نحو إضافة إلى المولى ، وقد ذكرنا غير مرّة يكفي في العباديّة وحصول القربة مجرّد الإضافة إلى المولى نحو إضافة ، فكما أنّ الإتيان بالغسل لاستحبابه النفسي عبادةٌ ولو مع الغفلة عن مقدّميّته للصوم ، كذلك الإتيان به بعنوان المقدّميّة عبادة موجبة للتقرّب ولو مع الغفلة عن الاستحباب النفسي كما عرفت.

(١) فإنّ رفع الحدث إنّما هو ملحوظ شرطاً للواجب ، أي لصحّة الصوم لا لنفس الوجوب ، إذ الصوم واجب على كافة المكلّفين ولا يختصّ وجوبه بالمتطهّر ، وليست شرطيّة الطهارة للصوم كشرطيّة السفر في القصر الذي هو دخيل في أصل الوجوب كما هو ظاهر.

وبما أنّ المانع عن الصحّة انّما هو تعمّد البقاء على الجنابة أو الحيض أو النفاس كما تقدّم ، فبطبيعة الحال يختصّ الاشتراط المزبور بصورة التمكّن من رفع الحدث والقدرة على استعمال الطهور ، فالعاجز لا يكون متعمّداً في البقاء

٢٣٩

[٢٤٤٨] مسألة ٦٥ : لا يشترط في صحّة الصوم الغسل لمسّ الميّت (١) ، كما لا يضرّ مسّه في أثناء النهار.

[٢٤٤٩] مسألة ٦٦ : لا يجوز إجناب نفسه في شهر رمضان (٢) إذا ضاق الوقت عن الاغتسال أو التيمّم ، بل إذا لم يسع للاغتسال (*) ولكن وسع للتيمّم. ولو ظنّ سعة الوقت فتبيّن ضيقه : فإن كان بعد الفحص صحّ صومه ، وإن كان مع ترك الفحص فعليه القضاء (٣) على الأحوط.

______________________________________________________

بالضرورة ، ولأجله يكون الاشتراط المزبور ساقطاً عنه.

(١) فإنّ المسّ المزبور وإن كان موجباً للحدث الأكبر ولأجله يجب الغسل عنه للصلاة ، إلّا أنّه لا دليل على قادحيّة كل حدث أكبر في الصوم ، وإنّما الوارد في النصّ خصوص حدث الجنابة والحيض والنفاس كما تقدّم ، ومقتضى عموم حصر المفطر أن لا يكون تعمّد البقاء عليه إلى الفجر قادحاً في الصحّة مضافاً إلى أصالة البراءة. ومنه يظهر عدم قادحيّة مسّه أثناء النهار.

(٢) كما مرّ الكلام حول ذلك مستقصًى فلا نعيد (١).

(٣) لموثّقة سماعة بن مهران ، قال : سألته عن رجل أكل أو شرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان «قال : إن كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل ثمّ عاد فرأى الفجر فليتمّ صومه ولا إعادة عليه ، وإن كان قام فأكل وشرب ثمّ نظر إلى الفجر فرأى أنّه قد طلع الفجر فليتمّ صومه ويقضي يوماً آخر ، لأنّه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الإعادة» (٢).

__________________

(*) تقدّم الكلام فيه [في الأمر الثامن من المفطرات].

(١) في ص ١٢١ ١٢٣.

(٢) الوسائل ١٠ : ١١٥ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤٤ ح ٣.

٢٤٠