موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

(عليه السلام) «قال : إن طهرت بليل من حيضتها ثمّ توانت أن تغتسل في رمضان حتّى أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم» (١).

واستشكل فيها غير واحد منهم : الشيخ في النهاية والمحقّق في المعتبر والأردبيلي وصاحب المدارك بضعف السند (٢).

وأُجيب عنه تارةً : بالانجبار بعمل المشهور.

وفيه ما لا يخفى ، إذ مضافاً إلى منع الكبرى كما هو المعلوم من مسلكنا لم تتحقّق الصغرى أيضاً في المقام ، كيف؟! وأنّ الكثير من قدماء الأصحاب لم يتعرّضوا في كتبهم لهذه المسألة ، ومعه كيف يحرز الانجبار بعمل المشهور؟!

وأُخرى : بأنّ علي بن الحسن بن فضّال الراوي للحديث وإن كان فطحيّاً ولأجله لم تكن الرواية صحيحة بالمعنى المصطلح ، إلّا أنّنا لا نصافق صاحب المدارك على اعتبار الصحّة بهذا المعنى في الحجّيّة ، بل يكفي فيها مجرّد الوثاقة المتّصف بها الرجل ، فالرواية معتبرة وإن لم تكن من قسم الصحيح بل الموثّق.

وفيه : إنّ هذا إنّما ينفع لو كان منشأ الإشكال منحصراً في وجود ابن فضّال ، لكن الإشكال فيمن قبله ، فإنّ في طريق الشيخ إليه علي بن محمّد بن الزبير ، ولم يُذكَر بمدحٍ ولا قدح ، فالرواية غير موثّقة لهذه العلّة.

وثالثةً : بأنّه لا بدّ من العمل بكتب بني فضّال ، لما اشتُهر في حقّهم من أنّه «خذوا ما رووا وذروا ما رأوا» كما روي ذلك عن الحسن العسكري (عليه السلام) (٣).

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٦٩ / ما يمسك عنه الصائم ب ٢١ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣٩٣ / ١٢١٣.

(٢) حكاه عن النهاية في مصباح الفقيه ١٤ : ٤١٩ ، المعتبر ١ : ٢٢٧ ، مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ٤٧ ، المدارك ١ : ٣٤٥.

(٣) الوسائل ٢٧ : ١٤٢ / أبواب صفات القاضي ب ١١ ح ١٣.

٢٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكنّ الظاهر أنّه لا أصل لهذه الرواية ، وأظنّ أن منشأ الاشتهار ما ذكره الشيخ الأنصاري (قدس سره) في أوّل صحيفة من كتاب الصلاة عند الجواب عن الإشكال في رواية داود بن فرقد بابن فضّال بأنّا أمرنا بالأخذ برواياتهم فاشتُهر ذلك (١).

وأمّا رواية العسكري (عليه السلام) فالأصل فيها ما ذكره الشيخ في كتاب الغيبة : أنّه سُئل الحسين بن روح عن كتب الشلمغاني فأجاب بأنّي أقول فيها ما قال العسكري (عليه السلام) في كتب بني فضّال : «خذوا ما رووا وذروا ما رأوا» (٢).

ولكنّ الظاهر عدم صحّة الرواية ، فإنّها مرويّة عن خادم الحسين بن روح ، وهو مجهول حتّى اسماً ، مع أنّا لو فرضنا صحّة هذه الرواية فيبقى الإشكال المتقدّم ، وهو أنّه لم يثبت أنّ الرواية موجودة في كتب بني فضّال ، لضعف الطريق من أجل علي بن محمّد بن الزبير كما عرفت. فهده الوجوه كلّها ساقطة.

نعم ، يمكن تصحيح الرواية بوجهٍ آخر تعرّضنا له في المعجم ، وملخّصه : أنّه لو كان كتاب رواه شخصان طريق أحدهما إليه صحيح وطريق الآخر ضعيف ، وشيخ الراويين شخص واحد ، كشف ذلك عن صحّة رواية الثاني عنه أيضاً ، وأنّ لشيخ الرواية إلى الكتاب طريقين أحدهما صحيح والآخر ضعيف ، نقل أحدهما لأحد الراويين والآخر للراوي الآخر ، إذ لا يحتمل أن يكون ما أخبره شخص واحد لأحدهما مغايراً لما أخبر به الآخر ، وإلّا كان ذلك منه خيانة في النقل كما لا يخفى (٣).

__________________

(١) كتاب الصلاة ١ : ٣٥ ٣٦.

(٢) كتاب الغيبة : ٣٨٩ / ٣٥٥.

(٣) معجم رجال الحديث ١ : ٧٨.

٢٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وعليه ، فطريق الشيخ إلى كتاب علي بن الحسن بن فضّال وإن كان ضعيفاً إلّا أنّ طريق النجاشي إليه صحيح (١) ، وبما أنّ شيخهما شخص واحد وهو أحمد بن محمّد بن عبدون (٢) وطبع الحال يقتضي أنّ ما نقله للشيخ هو بعينه ما نقله للنجاشي من غير زيادة ونقيصة ، فلا جرم يستلزم ذلك صحّة طريق الشيخ أيضاً حسبما عرفت.

هذا ، ومع الغضّ عن ذلك وتسليم ضعف الرواية ، فيمكننا إثبات الحكم بطريق الأولويّة القطعيّة ، فإنّه سيجي‌ء إن شاء الله تعالى في المسألة الآتية : أنّ المستحاضة لو تركت غسلها بطل صومها ووجب عليها القضاء ، لصحيحة على ابن مهزيار الناطقة بذلك (٣) ، وهو يستلزم ثبوت الحكم في الحائض التي هي أعظم شأناً منها بطريق أولى كما لا يخفى ، بل ربّما يظهر من صدر الصحيحة مغروسيّة الحكم في ذهن السائل لقوله : «امرأة طهرت من حيضها» ، فكأنّ اشتراط الطهارة من الحيض في صحّة الصوم أمرٌ مسلّم مفروغٌ عنه ، وإنّما السؤال الذي من أجله سيقت الصحيحة عن حكم المستحاضة فقط ، فتدبّر.

وكيفما كان ، فلا إشكال في المسألة.

هذا كلّه في الحيض.

وأمّا النفاس : فإنّه وإن تقدّم في محلّه من كتاب الطهارة أنّ ما ورد من أنّه حيض محتبس غير نقي السند ، إلّا أنّه يستفاد من النصوص المختلفة في الموارد المتفرّقة اتّحاد حكمهما ، إلّا ما ثبت الاختلاف من الخارج في بعض الخصوصيات ،

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٥٧ / ٦٧٦.

(٢) المذكور في كتب الرجال ومنها معجم رجال الحديث (٢ : ١٥٥ ١٥٦) : أحمد بن عبدون أو أحمد بن عبد الواحد.

(٣) الوسائل ١٠ : ٦٦ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٨ ح ١.

٢٠٣

فإذا طهرت منهما قبل الفجر وجب عليها الاغتسال أو التيمّم ، ومع تركهما عمداً يبطل صومها. والظاهر اختصاص البطلان بصوم رمضان (١) ، وإن كان الأحوط إلحاق قضائه به أيضاً ، بل إلحاق مطلق الواجب بل المندوب أيضاً.

______________________________________________________

كتحديد الأقل فيه بلحظة ، وفي الحيض بثلاثة (١).

وعلى أيّ حال ، فحكم النفاس في المقام حكم الحيض بلا إشكال ، فلو أخّرت الغسل عامدةً بعد ما طهرت كان ذلك بمثابة البقاء على الجنابة في بطلان الغسل عامدةً بعد ما طهرت كان ذلك بمثابة البقاء على الجنابة في بطلان الصوم ولزوم القضاء والكفّارة.

(١) لا يخفى أنّ القيود الوجوديّة أو العدميّة المأخوذة في المأمور به قد تكون ملحوظة في نفس الطبيعة وتُعدّ من مقوّماتها ، فعندئذٍ لا بدّ من مراعاتها في جميع الأفراد على الإطلاق ، من غير فرق بين الواجب والمستحبّ والأداء والقضاء وغير ذلك ، وهذا كما في أجزاء الصلاة ، وشرائطها وموانعها ، فإذا دلّ الدليل على أخذ القيد بهذا النحو ثبت في جميع الموارد حتّى المستحبّ ، إلّا إذا نصّ على خلافه ، كما في الاستقرار ونحوه في الصلوات المستحبّة.

وأُخرى : تكون ملحوظة في قسم خاصّ من غير دخل في أصل الطبيعة ، فحينئذٍ يختصّ الحكم بذلك المورد ولا وجه للتعدّي.

هذا ، وقد استفدنا من مثل قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن مسلم : «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال» إلخ : أنّ الاجتناب عن تلك

__________________

(١) شرح العروة ٨ : ١٥٢ و ١٥٧.

٢٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الأربع من مقوّمات الصوم ودخيل في حقيقته وطبيعته ، وقد ثبت من الخارج أنّ مثل ترك تعمّد الكذب على الله ورسوله أيضاً كذلك.

أمّا ترك البقاء على الجنابة وكذا حدث الحيض والنفاس فهو ثابت لبعض الأفراد ، ولحصّة خاصّة من الصوم ، وهو الواجب في رمضان ، لاختصاص الدليل به كما عرفت ، فالتعدّي إلى غيره من الواجب فضلاً عن المندوب يحتاج إلى دليلٍ وهو مفقود ، وحيث لا إطلاق في الأدلة فمع الشكّ في الاعتبار يرجع إلى أصالة البراءة.

ودعوى التعدّي إلى خصوص القضاء ، نظراً إلى ظهور الدليل في اتّحاده مع المقضي في جميع الخصوصيّات ما عدا الزمان.

كما ترى ، لقصور الدليل عن إثبات الاتّحاد في جميع الخصوصيّات ، فإنّه أوّل الكلام ، ومثل قوله (عليه السلام) «اقض ما فات كما فات» ناظر إلى القصر والتمام والمماثلة من حيث عدد الركعات لا في تمام الخصوصيّات كما أشرنا إليه في محلّه (١) ، وإلّا فقد يكون شي‌ءٌ معتبراً في الأداء لا في القضاء ، وربّما ينعكس الأمر كما مرّ في قضاء شهر رمضان وأنّه يضرّه البقاء على الجنابة ولو من غير عمد ، بخلاف شهر رمضان نفسه ، فإنّ المفطر فيه خصوص البقاء العمدي.

نعم ، ظاهر الأمر بالقضاء اتّحاده مع المقضي في الخصوصيّات التي لها دخل في أصل الطبيعة وما به قوامها ما خلا خصوصيّة الزمان دون غيرها من سائر الأوصاف ، فما كان كذلك لا بدّ من مراعاته خارج الوقت أيضاً وإلّا فلا.

وعلى ذلك ، فلا دليل على اعتبار الخلوّ من حدث الحيض والنفاس عند طلوع الفجر ولزوم الاغتسال إذا طهرت في غير شهر رمضان حتّى في قضائه ،

__________________

(١) شرح العروة (كتاب الصلاة ٨) : ٢٩٥ ، ٣٨١ ٣٨٢.

٢٠٥

وأمّا لو طهرت قبل الفجر في زمانٍ لا يسع الغسل ولا التيمّم أو لم تعلم بطهرها في الليل حتّى دخل النهار ، فصومها صحيح (١) ، واجباً كان أو ندباً على الأقوى.

[٢٤٣٢] مسألة ٤٩ : يشترط في صحّة صوم المستحاضة (*) على الأحوط الأغسال النهاريّة التي للصلاة دون ما لا يكون لها (٢) ، فلو استحاضت قبل الإتيان بصلاة الصبح أو الظهرين بما يوجب الغسل كالمتوسّطة أو الكثيرة فتركت الغسل ، بطل صومها.

______________________________________________________

لاختصاص النصّ بالشهر نفسه ، وإن كان الاحتياط في محلّه.

(١) لأنّ المأخوذ في النصّ أعني : موثّق أبي بصير (١) عنوان التواني غير الصادق في هذه الفروض ، وهكذا لو اشتغلت بمقدّمات الغسل فطلع الفجر في الأثناء ، أو أنّها لم تشتغل وأخّرته باعتقاد سعة الوقت ، ففي جميع هذه الموارد بما أنّه لا يصدق التواني لا يشملها النصّ ، فيحكم بصحّة صومها.

(٢) على المشهور ، بل ادُّعي الإجماع عليه ، ويستدلّ له بصحيحة علي بن مهزيار ، قال : كتبت إليه (عليه السلام) : امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أوّل يوم من شهر رمضان ثمّ استحاضت فصلّت وصامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين ، هل يجوز (يصحّ) صومها وصلاتها ، أم لا؟ فكتب (عليه السلام) : «تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ، لأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان يأمر فاطمة (عليها السلام) والمؤمنات

__________________

(*) تقدّم تفصيل الكلام في كتاب الطهارة.

(١) المتقدّم في ص ٢٠٠ ٢٠١.

٢٠٦

وأمّا لو استحاضت بعد الإتيان بصلاة الفجر أو بعد الإتيان بالظهرين فتركت الغسل إلى الغروب ، لم يبطل صومها.

ولا يشترط فيها الإتيان بأغسال الليلة المستقبلة وإن كان أحوط.

وكذا لا يعتبر فيها الإتيان بغسل الماضية ، بمعنى : أنّها لو تركت الغسل الذي للعشائين لم يبطل صومها لأجل ذلك.

نعم ، يجب عليها الغسل حينئذٍ لصلاة الفجر ، فلو تركته بطل صومها من هذه الجهة.

وكذا لا يعتبر فيها ما عدا الغسل من الأعمال ، وإن كان الأحوط اعتبار جميع ما يجب عليها من الأغسال والوضوءات وتغيير الخِرقة والقُطنة.

ولا يجب تقديم غسل المتوسّطة والكثيرة على الفجر وإن كان هو الأحوط.

______________________________________________________

من نسائه بذلك» (١).

واشتمالها على ما لا يقول به الأصحاب من عدم قضاء الصلاة غير قادح في الاستدلال ، ضرورة أنّ التفكيك بين فقرأت الحديث في الحجيّة غير عزيز ، فتُطرح تلك الفقرة وتُحمَل على خطأ الراوي واشتباهه في النقل ، وأمّا الحمل على الاستفهام الإنكاري كما في الوسائل فبعيدٌ غايته ، لعدم سبق ما يقتضي التفصيل حتّى يحتاج إلى الإنكار كما لا يخفى.

كما أنّ اشتمالها على أمر فاطمة (عليها السلام) التي استفاضت النصوص بأنّها روحي فداها وصلوات الله عليها لم تكن تَرَ حمرةً أصلاً غير قادح أيضاً ،

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٦٦ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٨ ح ١.

٢٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

إذ يمكن أن يكون المراد فاطمة اخرى ، وهي بنت أبي حبيش المذكورة في روايات أُخر ، أو أنّ المراد أمر الزهراء (سلام الله عليها) لأجل أن تعلّم المؤمنات لا لعمل نفسها ، مع أنّ هذه الكلمة ساقطة في رواية الفقيه والعلل ، والمذكورة فيهما هكذا : «كان يأمر المؤمنات» (١) إلخ.

وعلى الجملة : فالرواية صحيحة السند ، وقد عمل بها الأصحاب ، وهذه الأُمور لا تستوجب وهناً فيها ، فلا مجال للتوقّف في المسألة ، ولا مناص من الجزم بالاشتراط.

إنّما الكلام في أنّها هل تعمّ المستحاضة المتوسّطة أيضاً ، أم أنّها تختصّ بالكثيرة ، وأنّها هل تعمّ الأغسال الليليّة ، أم تختصّ بالنهاريّة؟

أمّا التعميم الأول : فلا وجه له بعد تقييد الغسل في الصحيحة بقوله : «لكلّ صلاتين» ، الذي هو من مختصّات الكثيرة.

ودعوى أنّ المستفاد من النصّ مانعيّة مطلق الحدث الأكبر الشامل للمتوسّطة.

عريّةٌ عن الشاهد ، فيدفع اشتراط الخلوّ منها على تقدير الشكّ بأصالة البراءة ، مضافاً إلى الصحيحة الحاصرة كما تقدّم.

وأمّا التعميم الثاني : فهو الظاهر من الصحيحة ، إذ لا وجه لتخصيص الغسل بالنهاري بعد شمول قوله : «من الغسل لكلّ صلاتين» للأغسال الليليّة أيضاً. بل الظاهر شمولها لغسل الفجر أيضاً وإن كان اللفظ المزبور قاصر الشمول ، فالمراد أنّها لم تعمل بوظيفتها من الغسل للصلوات ، فإنّ المرتكز في ذهن السائل أنّ الغسل إنّما يلزم باعتبار رفعه لحدثها ، وأنّ هذا الحدث نظير حدث

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٩٤ / ٤١٩ ، علل الشرائع : ٢٩٣ / ١.

٢٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الحيض والنفاس يضرّ بالصوم ولو باعتبار حدثيّته بالنسبة إلى الصلاة ، ولأجله يعمّ الأغسال الثلاثة برمّتها ، إذ لا يُحتمَل الفرق في ذلك بين الغسل للفجر وبينه للظهرين والعشائين.

نعم ، لو كانت جملة «لكل صلاتين» مذكورة في كلام الإمام (عليه السلام) أمكن التفكيك بينهما ، ولكنه ليس كذلك.

وليس المراد اختصاص البطلان بما لو تركت الجميع في شهر رمضان بحيث لو اغتسلت في بعض الأيام أو أتت ببعض أغسال الليل أو النهار لم يكن عليها قضاء ، فإنّ ذلك بعيد عن الفهم العرفي جدّاً ، بل المراد أنّها لم تعمل بوظيفتها ولم ترفع حدثها بالغسل.

وعليه ، فإذا لم تغتسل للّيلة الماضية حتّى طلع الفجر فهي بمثابة الحائض التي دخلت في الصبح مع الحدث.

ومن ذلك يظهر دخل الغسل للّيلة الماضية.

وأمّا دخل الغسل للّيلة الآتية في صحّة صوم اليوم الماضي فهو وإن كان بمكانٍ من الإمكان كما حقّقناه في الأُصول من جواز الشرط المتأخّر (١) إلّا أنّه بعيد عن أذهان العرف ، فلا يستفاد ذلك من الصحيحة بوجه.

ثمّ إنّ الظاهر من الصحيحة أنّ الدخيل في صحّة الصوم إنّما هو الغسل للصلاة بأن تعمل المستحاضة ما هو وظيفتها من الأغسال ، لا أنّ الغسل معتبر بنفسه للصوم كي يكون البقاء على حدث الاستحاضة مضرّاً.

وعليه ، فلو اغتسلت بعد الفجر لصلاة الصبح كفى ، ولا يلزمها الغسل قبل الفجر للصوم كي يُتكلّم في أنّه يغني عن الغسل لصلاة الفجر ، بل يجوز لها أن

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٣٠٤ ٣٠٩.

٢٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

تبقى على حدثها وتغتسل بعد الفجر ، بل قد يُتأمّل في مشروعيّته قبل الفجر ولو بنيّة الصلاة مع قطع النظر عن كون الصلاة واجباً مشروطاً من أجل لزوم الموالاة بين هذا الغسل وبين أداء الصلاة ، لاستمرار الدم الذي هو موجبٌ للحدث أيضاً.

وإن شئت فقل : إنّه لا دليل على مشروعيّة الغسل للصوم من حيث هو حتّى يُتكلّم في أنّه هل يجزئ عن الغسل للصلاة أو لا؟ فإنّ الظاهر من الصحيحة لزوم أن تعمل المستحاضة ما تعمله في غير شهر رمضان من الأغسال الثلاثة ، فلم عملت هذا العمل لم يحكم ببطلان صومها ، فلا دليل على أنّ بقاء الحدث مضرّ ليجب عليها غسل آخر.

وعليه ، فلو استحاضت بعد ما صلّت العشاءين وكان الدم مستمرّاً إلى ما بعد طلوع الفجر ، ثمّ اغتسلت للصبح ، وبعده للظهرين والعشاءين ، صحّ صومها ، لما عرفت من أنّ اعتباره في الصوم إنّما هو بملاحظة الصلاة.

ثمّ إنّ المعتبر في الصوم نفس الأغسال لا صحّة الصلاة ، فلو اغتسلت للصلاة ولم تصلّ ، أو صلّت وفقدت شرطاً من شرائط الصلاة من قبيل تبديل الخرفة وما شاكل ذلك ، صح صومها ، إذ لم يظهر من الصحيحة لزوم الإتيان بجميع أعمال المستحاضة ، بل خصوص الغسل منها كما عرفت.

ثم إنّ هذا كلّه بالنسبة إلى شهر رمضان.

وأمّا غيره من الواجب مطلقاً حتّى القضاء والمندوب فلا دليل على اعتبار الغسل فيه ، لاختصاص النصّ بالأوّل ، وقد عرفت عدم جواز التعدّي إلّا فيما كان مأخوذاً في ماهيّة الصوم لا في حصّة خاصّة ، فالمرجع في غيره إطلاق حصر النواقض مضافاً إلى أصل البراءة.

٢١٠

[٢٤٣٣] مسألة ٥٠ : الأقوى بطلان صوم شهر رمضان بنسيان غسل الجنابة ليلاً قبل الفجر حتّى مضى عليه يوم أو أيّام (١) ،

______________________________________________________

(١) كما صرّح به جملة من الأصحاب ، بل نُسِبَ إلى الأكثر أو الأشهر.

والعمدة في المسألة صحيحة الحلبي ، قال : سُئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتّى خرج شهر رمضان «قال : عليه أن يقضي الصلاة والصيام» (١) المؤيّدة بمرسلة الصدوق (٢) ، ونحوها رواية إبراهيم بن ميمون (٣).

وهذه الأخيرة مرويّة بطرق ثلاثة ، أحدها : طريق الكليني وفيه سهل بن زياد ، والآخران : طريق الشيخ والصدوق ، وهما صحيحان إلى ابن ميمون لكن ابن ميمون نفسه غير موثّق ، فالعمدة هي صحيحة الحلبي كما عرفت ، وقد دلّت على القضاء صريحاً ، المستلزم لبطلان الصوم.

ودعوى معارضتها بحديث رفع النسيان كما ترى ، على أنّ مفاد الحديث رفع المؤاخذة والعقاب ، المستتبع لنفي الحكم التكليفي ، لا إثبات الحكم الوضعي ليكون مفاده تصحيح العمل الناقص وتعلّق الأمر بالباقي كي لا يحتاج إلى الإعادة أو القضاء ، فإنّ هذا أجنبي عن مفاد الحديث رأساً كما ذكرناه في الأُصول (٤).

ونحوها في الضعف دعوى المعارضة بينها وبين النصوص الدالّة على عدم

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٢٣٨ / أبواب من يصحّ منه الصوم ب ٣٠ ح ٣.

(٢) الوسائل ١٠ : ٢٣٨ / أبواب من يصحّ منه الصوم ب ٣٠ ح ٢ ، الفقيه ٢ : ٧٤ / ٣٢١.

(٣) الوسائل ١٠ : ٢٣٧ / أبواب من يصحّ منه الصوم ب ٣٠ ح ١ ، الكافي ٤ : ١٠٦ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٣٣٢ / ١٠٤٣ ، الفقيه ٢ : ٧٤ / ٣٢٠.

(٤) مصباح الأُصول : ٢ / ٢٥٧ ٢٦٣.

٢١١

والأحوط إلحاق غير شهر رمضان من النذر المعيّن ونحوه به ، وإن كان الأقوى عدمه (١).

______________________________________________________

القضاء فيمن نام جنباً حتّى أصبح ، بزعم أنّ النسبة بينهما عموم من وجه ، فإنّ هذه النصوص تعمّ الناسي ، كما أنّ صحيحة الحلبي تشمل النائم.

إذ فيه : أنّ تلك النصوص مفادها عدم البطلان من ناحية النوم ، وعدم اقتضائه له لا اقتضاؤه العدم ، فلا تنافي اقتران النوم بما يقتضي البطلان وهو سبق النسيان كما هو ظاهر.

(١) لم يتعرّض (قدس سره) لحكم غير المعيّن من سائر أقسام الصيام. وكيفما كان ، فالأقوى ما ذكره (قدس سره) من عدم الإلحاق.

أمّا في غير القضاء من الواجب المعيّن أو الموسّع فظاهر ، لعدم الدليل على التعدّي عن مورد النصّ بعد أن لم يكن القيد المذكور فيه راجعاً إلى أصل الطبيعة وحقيقة الصيام في نفسه ، وإنّما كان ناظراً إلى فرد خاصّ منه وهو شهر رمضان.

وأمّا في القضاء فالتعدّي مبني على أحد أمرين :

إمّا دعوى تبعيّته للأداء ، استناداً إلى ما دلّ على اتّحاد المقضي وقضائه في الخصوصيات.

أو دعوى دخول النسيان في صحيحي ابن سنان المتقدّمين في قضاء رمضان (١).

وكلاهما كما ترى :

أمّا الأُولى : فلعدم الدليل على التبعيّة إلّا في الخصوصيات المعتبرة في أصل

__________________

(١) راجع ص ١٩٣.

٢١٢

كما أنّ الأقوى عدم إلحاق غسل الحيض والنفاس لو نسيتهما بالجنابة في ذلك (١) وإن كان أحوط.

______________________________________________________

الطبيعة دون الدخيلة في فردٍ منها كما تقدّم.

وأمّا الثانية : فلأنّ روايات الباب منها ما كان مورده خصوص العمد ، كموثّقة سماعة (١) ، بقرينة حكمه (عليه السلام) بالقضاء في شهر رمضان ، فيكون الذيل وارداً في مورد الصدر لا محالة.

ومنها كصحيحتي ابن سنان (٢) ما شمل غير العمد أيضاً ، إلّا أنّ التأخير كان باختياره ، فهو أخّر الغسل باعتقاده وفاء الوقت فاتّفق طلوع الفجر ، وأين هذا من التأخير غير الاختياري المستند إلى النسيان كما هو محلّ الكلام؟! فإنّ الحكم بالقضاء في الأوّل لا يستلزم الحكم به في الثاني بوجه كما هو ظاهر جدّاً ، فهما قاصرتا الشمول لصورة النسيان ، فالأقوى ما ذكره في المتن من عدم الإلحاق وإن كان الإلحاق أحوط.

(١) لخروجهما عن مورد النصّ المختصّ بشهر رمضان ، فلا دليل على التعدّي عدا ما ذكره في الجواهر من الأقوائيّة من الجنابة المستتبعة لثبوت الحكم فيهما بالأولويّة القطعيّة (٣). وكأنّه (قدس سره) أخذه ممّا ورد في النصّ الوارد في المرأة الجنب التي فاجأها الحيض من قوله (عليه السلام) : «جاءها ما هو أعظم» (٤).

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٦٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٩ ح ٣.

(٢) المتقدمتين في ص ١٩٣.

(٣) الجواهر ١٦ : ٢٤٥.

(٤) الوسائل ٢ : ٣١٤ / أبواب الحيض ب ٢٢ ح ٢.

٢١٣

[٢٤٣٤] مسألة ٥١ : إذا كان المجنب ممّن لا يتمكّن من الغسل لفقد الماء أو لغيره من أسباب التيمّم وجب عليه التيمّم (١) ، فإن تركه بطل صومه. وكذا لو كان متمكناً من الغسل وتركه (*) حتّى ضاق الوقت.

______________________________________________________

لكنّه كما ترى لا شهادة فيه على أولويّة الحائض من الجنب في كلّ حكم ثبت له. ولعلّ النظر في الأعظميّة إلى بعض الأحكام الثابتة للحائض دون الجنب ، كحرمة الوطء وعدم صحّة الطلاق ونحو ذلك ، أو لأجل أنّ الحائض لمكان تلوّثها بالدم تكون القذارة العرفيّة فيها أعظم من الجنب.

وكيفما كان ، فلا دلالة فيها على أولويّة الحائض من الجنب في كلّ حكم ثبت له كما لا يخفى.

(١) هذه هي المسألة التي أشرنا إليها قريباً عند قول الماتن : وأمّا لو وسع التيمّم خاصّة ، إلخ (١) ، وقلنا : إنّ الماتن سيتعرّض إليها وأنّها غير تلك المسألة ، فإنّ المبحوث عنه هناك مشروعيّة التيمّم لدى التعجيز الاختياري وأنّ ضيق الوقت هل هو من مسوّغات التيمّم في باب الصوم كما هو كذلك في باب الصلاة ، أو لا؟

وأمّا في المقام فمحلّ الكلام هو أنّ من كان فاقداً للماء بطبعه إمّا تكويناً كمن كان في بَرٍّ قفر ، أو تشريعاً بحيث لا يتمكّن من استعمال الماء كالكسير والجريح ونحوهما ممّن يضرّه الاغتسال ولا يضرّه الصوم ، وهم بطبيعة الحال أفرادٌ كثيرون لو أجنب هذا الفاقد ليلاً في شهر رمضان ، فهل يصحّ منه التيمّم لأجل الصوم؟

__________________

(*) يعني يجب عليه التيمّم فإن تركه بطل صومه.

(١) راجع ص ١٩٨.

٢١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

المشهور ذلك ، ونُسِب إلى بعضهم الاستشكال فيه ، بل عن بعضٍ التصريح بالمنع ، لخلوّ النصوص عن التيمّم لأجل الصوم رأساً.

والظاهر أنّ المسألة مبنيّة على أنّ المانع عن صحّة الصوم هل هو الجنابة بنفسها ، أو أنّه حدث الجنابة؟ ثمّ إنّ التيمّم هل هو رافع ، أو مبيح؟ ونعني بالرفع الرفع المؤقّت المحدود بزمان ارتفاع العذر والتمكّن من الاغتسال ، فتعود الجنابة حينئذٍ بنفس السبب السابق لا بموجب جديد.

فبناءً على أنّ المانع هو نفس الجنابة التي هي أمر واقعي أو اعتباري ، لا حدثها المتفرّع عليها ، واختيار أنّ التيمّم مبيح لا رافع ، لم يبق عندئذٍ موقع للتيمّم ، إذ ليس شأنه الرفع على الفرض ، فالجنابة التي هي المانع عن صحّة الصوم باقية على حالها وغير مرتفعة بالتيمّم ، وعليه ، فأيّ فائدة تترتّب على التيمّم والحال هذه؟! بل يصبح حينئذٍ لغواً محضاً.

وأمّا على القول بأنّ المانع هو حدث الجنابة لا نفسها ، أو أنّ التيمّم رافع ، صحّ التيمّم حينئذٍ وترتّب عليه الأثر. أمّا على الثاني فظاهر ، وكذا على الأوّل ، فإنّ معنى كون التيمّم مبيحاً أنّه يستباح به الدخول فيما هو مشروط بالطهارة ، ومرجع مانعيّة الحدث إلى اشتراط الطهارة كما لا يخفى.

هذا ، وقد تقدّم في كتاب الطهارة في مبحث التيمّم بعد تحرير محلّ النزاع وتحليل معنى الرفع والإباحة أنّ الأظهر أنّ التيمّم رافع ، لكن لحدث الجنابة لا لنفسها ، فهو جنب متطهّر ، وقد استشهدنا عليه بأُمور منها إطلاق الجنب على إمام أمّ القوم متيمّماً في موثّقة ابن بكير (١) وغيرها ، وتمام الكلام في محلّه (٢).

إنّما المهمّ هنا تحقيق أنّ المانع هل هو الجنابة بنفسها ، أو أنّه حدثها كي

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٢٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٧ ح ٣.

(٢) شرح العروة ١٠ : ٤٠١.

٢١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

يكون التيمّم هنا مشروعاً على الثاني دون الأوّل حسبما عرفت؟

مقتضى الجمود على ظواهر النصوص هو الأوّل ، وأنّ المعتبر في صحّة الصوم عدم البقاء على الجنابة نفسها دون الحدث المتفرّع عليها ، لإناطة الحكم في كثير منها بذات الجنابة كما لا يخفى على من لاحظها.

هذا ، ومقتضى الإطلاق فيها أنّ المعتبر في الصحّة هو الخلوّ من الجنابة مطلقاً ، من غير فرق بين حالتي التمكّن من رفعها بالاغتسال وعدمه ، فهو شرط في الصحّة حتّى مع فقد الماء أو العجز عن استعماله ، إلّا أنّه لا بدّ من تقييدها بحال التمكّن ، للضرورة والسيرة القطعيّة القائمة على عدم سقوط الصوم عن هؤلاء العاجزين وهم كثيرون كما عرفت ، فلا تكون الجنابة مانعه إلّا في ظرف التمكّن من استعمال الماء ، ولم يعتبر عدمها في ظرف العجز.

وقد يقال : إنّ ارتكاب التقييد في هذه النصوص مخالفٌ للظهور ، فإنّه على خلاف الأصل ، والإطلاق غير ممكن الأخذ ، لما ذُكِر ، فلا مناص من اختيار أنّ المانع هو حدث الجنابة مطلقاً لا نفسها المرتفع بالتيمّم بالمعنى المجامع للقول بالإباحة كما مرّ.

ويندفع : بعدم الضير في الالتزام بمثل هذا التقييد ، إذ ليس المانع بمقتضى النصوص إلّا تعمّد البقاء على الجنابة لا نفس البقاء ، ومن الواضح أنّ التعمّد لا يتحقّق إلّا مع التمكّن من الاغتسال ، أمّا العاجز فهو مجبور على البقاء ، ومثله لا يكون من المتعمّد بوجه ، فالنصوص بأنفسها تستوجب مثل هذا التقييد ، ومعه لا يكون الالتزام به مخالفاً للظهور.

والتحقيق : أنّ المانع إنّما هو حدث الجنابة لا نفسها ، وذلك من أجل مناسبة الحكم والموضوع ، وما هو المرتكز في أذهان المتشرّعة والسيرة القائمة منهم على قيام التيمّم مقام الطهارة المائيّة في كلّ مورد طرأ العجز عنها الذي منه

٢١٦

[٢٤٣٥] مسألة ٥٢ : لا يجب على من تيمّم بدلاً عن الغسل أن يبقى مستيقظاً حتّى يطلع الفجر (١) ، فيجوز له النوم (*) بعد التيمّم قبل الفجر على الأقوى ، وإن كان الأحوط البقاء مستيقظاً ، لاحتمال بطلان تيمّمه بالنوم كما على القول بأنّ التيمّم بدلاً عن الغسل يبطل بالحدث الأصغر.

[٢٤٣٦] مسألة ٥٣ : لا يجب على من أجنب في النهار بالاحتلام أو نحوه من الأعذار أن يبادر إلى الغسل فوراً (٢) وإن كان هو الأحوط.

______________________________________________________

المقام ، مضافاً إلى الإطلاق في عموم بدليّة التراب مثل قوله (عليه السلام) : «ربّ الماء وربّ الصعيد واحد» فإنّ المستفاد من ذلك أنّ في كلّ مورد وجب الغسل ولم يتمكّن منه المكلّف يقوم التيمّم مقامه ، وكفى بهذا العموم مستنداً في المسألة وإن لم يرد فيها نصّ بالخصوص.

وعليه ، فالأقوى ما هو المشهور من وجوب التيمّم في المقام.

(١) ممّا قدّمناه في المسألة السابقة يظهر الحال في هذه المسألة ، فيجوز له النوم قبل الفجر ، بناءً على أنّ التيمّم رافع ، ولا يجوز على القول بالاستباحة أي كونه رافعاً لحدث الجنابة لانتقاض التيمّم به حينئذٍ ، وحيث إنّ المختار هو الثاني حسبما عرفت فالأظهر عدم جواز النوم اختياراً.

(٢) لعدم الدليل عليه ، بعد أن لم تكن الجنابة غير الاختياريّة قادحة في صحّة الصوم كما تقدّم (١) ، فيجوز أن يبقى جنباً إلى آخر النهار ما لم يضرّ بصلاته كما هو ظاهر.

__________________

(*) فيه إشكال ، والاحتياط لا يترك.

(١) في ص ١٢٨.

٢١٧

[٢٤٣٧] مسألة ٥٤ : لو تيقّظ بعد الفجر من نومه فرأى نفسه محتلماً لم يبطل صومه (١) ، سواء علم سبقه على الفجر أو علم تأخّره أو بقي على الشكّ ، لأنّه لو كان سابقاً كان من البقاء على الجنابة غير متعمّد ، ولو كان بعد الفجر كان من الاحتلام في النهار.

نعم ، إذا علم سبقه على الفجر لم يصحّ منه صوم قضاء رمضان مع كونه موسّعاً ، وأمّا مع ضيق وقته فالأحوط الإتيان به (*) وبعوضه.

______________________________________________________

(١) ما ذكره (قدس سره) في هذه المسألة كلّه ظاهر ممّا تقدّم.

نعم ، تعرّض في المقام إلى ما لم تسبق الإشارة إليه ، وهو أنّك قد عرفت فيما مرّ أنّ البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر قادح في صوم قضاء رمضان ولو لم يكن عن تعمّد ، وبذلك امتاز عن صوم نفس رمضان الذي يختصّ القدح فيه بصورة العمد كما مرّ ، فهل يختصّ ذلك بالقضاء الموسّع أو يعمّ المضيّق أيضاً ، كما لو كان عليه قضاء يوم من هذه السنة وهو في آخر يوم من شعبان؟

قد يقال بالاختصاص ، نظراً إلى أنّ الظاهر من قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن سنان التي هي مستند الحكم في المسألة ـ : «لا تصم هذا اليوم وصم غداً» (١) أنّ مفروض الكلام هو المورد الذي يمكن فيه صوم الغد فيختصّ بالموسّع بطبيعة الحال ، ويرجع فيما عداه إلى عموم حصر المفطر.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ الغد لا خصوصيّة له ، بل المقصود بالإفهام بيان فساد الصوم والحاجة إلى صوم يوم آخر مكانه ، إمّا الغد إن أمكن وإلّا فيوم آخر غيره ، ولكنّه مخالف للجمود على ظاهر النصّ كما لا يخفى.

__________________

(*) لا بأس بالاكتفاء بعوضه.

(١) الوسائل ١٠ : ٦٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٩ ح ٢ ، ١.

٢١٨

[٢٤٣٨] مسألة ٥٥ : من كان جنباً في شهر رمضان في الليل لا يجوز له أن ينام قبل الاغتسال إذا علم أنّه لا يستيقظ قبل الفجر للاغتسال (١) ، ولو نام واستمرّ إلى الفجر لحقه حكم البقاء متعمّداً فيجب عليه القضاء والكفّارة.

وأمّا إن احتمل الاستيقاظ جاز له النوم وإن كان من النوم الثاني أو الثالث أو الأزيد ، فلا يكون نومه حراماً (*) وإن كان الأحوط ترك النوم الثاني فما زاد وإن اتّفق استمراره إلى الفجر ، غاية الأمر وجوب القضاء ، أو مع الكفّارة في بعض الصور كما سيتبيّن.

______________________________________________________

ويندفع : بأنّ المستند لو كان منحصراً في تلك الصحيحة لكان لما ذكر وجه ، إلّا أنّ صحيحته الأُخرى كافية في إثبات الإطلاق ، حيث قال (عليه السلام) : «لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره» (١) ، فإنّ إطلاق الغير يشمل الغد وغيره ، فهي غير قاصرة الشمول للمضيّق ، فالأقوى سريان الحكم لمطلق القضاء.

(١) قد يُفرض الكلام في صورة العلم بعدم الاستيقاظ ، واخرى في صورة الشكّ واحتمال الاستيقاظ.

أمّا الاولى : فلا إشكال في حرمة النوم حينئذٍ ولزوم القضاء والكفّارة لو استمرّ إلى الفجر ، لكونه الفرد الظاهر من مصاديق البقاء على الجنابة عامداً ، إذ لا يعتبر في صدق العمد الاستيقاظ ، ولا يكون النوم عذراً مع العلم المزبور بالضرورة ، بل أنّ أكثر نصوص البقاء عامداً موردها النوم وأنّه أجنب ثمّ نام

__________________

(*) لأنّ الحرام ، إنّما هو عنوان تعمّد البقاء على الجنابة ومع الشكّ في الاستيقاظ واحتماله إذا نام واستمرّ إلى الفجر اتّفاقاً فلا يصدق عليه عنوان التعمّد ، وبما أنّ موضوع الحكم هذا العنوان فلا أثر للاستصحاب أيضاً حيث إنّه لا يثبت ذلك العنوان.

(١) الوسائل ١٠ : ٦٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٩ ح ٢ ، ١.

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

متعمّداً ، كما في صحيحة الحلبي (١) وغيرها.

وأمّا الثانية أعني : النوم مع احتمال الاستيقاظ فيقع الكلام فعلاً في حكمه التكليفي وأنّه حرام أو لا ، وأمّا الوضعي أعني : القضاء أو الكفّارة فسيأتي التعرّض له في المسألة الآتية إن شاء الله تعالى.

أمّا إذا كان معتاد الانتباه فلا ينبغي التأمّل في الجواز ، لكونه ممّن يطمئن بالاستيقاظ. وأمّا مع عدمه فالمشهور هو الجواز مطلقاً ، للأصل.

وعن جماعة : المنع مطلقاً ، وقد يُستدلّ له برواية إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض مواليه ، قال : سألته عن احتلام الصائم إلى أن قال ـ : «إن أجنب ليلاً في شهر رمضان فلا ينام إلّا ساعة حتّى يغتسل» إلخ (٢).

وفيه : أنّها على تقدير تسليم دلالتها ضعيفة السند بالإرسال.

وربّما يفصل بين النومة الأُولى فيجوز دون الثانية. ويُستدلّ له بصحيحة معاوية بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الرجل يجنب في أوّل الليل ثمّ ينام حتّى يصبح في شهر رمضان «قال : ليس عليه شي‌ء» قلت : فإنّه استيقظ ثمّ نام حتّى أصبح : «قال : فليقض ذلك اليوم عقوبة» (٣).

فإنّ تعليل القضاء في النومة الثانية : بالعقوبة كاشفٌ عن الحرمة.

ويندفع : بأنّ العقوبة المستلزمة للحرمة هي العقوبة الأُخرويّة دون الدنيويّة كما في المقام ، فإنّ القضاء كجريمة شُرِّعت في حقّه جزاءٌ لتوانيه ومسامحته في الغسل ، كما ورد نظيره في نسيان النجاسة وأنّ من صلّى في النجس ناسياً أعاد

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٦٣ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٦٤ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ٤.

(٣) الوسائل ١٠ : ٦١ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ١.

٢٢٠