موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

لا مجال للاغتسال ، لامتناع أن يكون الحرام مصداقاً للواجب.

وأمّا حال الخروج فيبتني على الخلاف المعروف في حكم الخروج ممّن توسّط الأرض الغصبيّة بسوء الاختيار ، وقد بنينا في محلّه (١) على أنّه وإن كان لازماً عقلاً من باب أخفّ القبيحين وأقلّ المحذورين وغير محرّم فعلاً لمكان الاضطرار وعدم القدرة على تركه ، إلّا أنّه يقع مبغوضاً ومبعداً من المولى ومعاقباً عليه ، لانتهائه إلى سوء الاختيار ، والممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، نظير من ألقى نفسه من الشاهق. وعليه ، يحكم ببطلان الغسل الذي هو واجب عبادي حال الخروج ، لعدم إمكان التقرّب بمبغوض المولى المستند إلى سوء الاختيار ، وهو الارتماس عامداً كما هو المفروض.

نعم ، على القول بإباحة الخروج من غير مبغوضيّة يصحّ الغسل في المقام ، لكن المبنى فاسد كما هو موضّح في محلّه.

هذا كلّه في صوم شهر رمضان.

وأمّا غيره من الواجب المعيّن ، فالماتن (قدس سره) قد ألحقه به. إلّا أنّه لا دليل عليه ، إذ لم ينهض دليل يقتضي حرمة تناول المفطر بعد تحقّق الإفطار في غير شهر رمضان ، والمفروض في المقام تحقّق المفطر في أوّل آن من الارتماس ، فبعده لا دليل على حرمته بقاءً ولا خروجاً ، فعلى القول بصحّة الغسل الارتماسي بهذا النحو وهو تحريك البدن تحت الماء لا مانع من صحّة الغسل حينئذٍ في حالتي المكث أو الخروج.

__________________

(١) شرح العروة ٦ : ٤٢٥.

١٨١

[٢٤٢٨] مسألة ٤٥ : لو ارتمس الصائم في الماء المغصوب (١) : فإن كان ناسياً للصوم وللغصب صحا صومه وغسله (*) ، وإن كان عالماً بهما بطلا معاً ، وكذا إن كان (**) متذكراً للصوم ناسياً للغصب ، وإن كان عالماً بالغصب ناسياً للصوم صحّ الصوم دون الغسل.

______________________________________________________

(١) أقول : قد يكون الصائم في هذا الحال متذكّراً للصوم والغصب ، وقد يكون ناسياً لهما ، وقد يكون متذكّراً لأحدهما ناسياً للآخر.

لا إشكال في بطلان الصوم والغسل في صورة العلم بهما ، أمّا الصوم فلتعمّد الارتماس ، وأمّا الغسل فلكونه بماءٍ معلوم الغصبيّة كما هو ظاهر.

ونحوه ما لو كان متذكّراً للصوم فقط ، إذ يكفي في بطلان الغسل حينئذٍ مجرّد الالتفات إلى كونه مصداقاً للإفطار المحرّم.

وأمّا عكسه ، أعني : ما لو كان متذكّراً للغصب فقط فيفصّل فيه بين الصوم والغسل ، فيصحّ الأوّل ، لعدم العمد إلى المفطر ، ويبطل الثاني ، لعدم إباحة الماء. وهذا كلّه ظاهر.

إنّما الكلام فيما لو كان ناسياً لهما معاً ، فقد حكم في المتن بصحّة صومه وغسله حينئذٍ ، والظاهر أنّ مراده (قدس سره) من النسيان بقرينة المقابلة مع العالم ما يعمّ الجهل.

ولا إشكال في صحّة الصوم حينئذٍ ، لعدم القصد إلى المفطر ، وأمّا الغسل ففي صحّته مع الجهل تأمّل بل منع ، كما تعرّضنا له في الأُصول (١).

__________________

(*) هذا إذا لم يكن هو الغاصب وإلّا بطل غسله ، وكذا الحال في الجاهل الملتفت.

(**) هذا في شهر رمضان وإلّا لم يبطل غسله.

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ٢٢٤ ٢٣٩.

١٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وملخّصه : أنّ المشهور ومنهم صاحب الكفاية (١) ذهبوا إلى صحّة الغسل أو الوضوء بالماء المغصوب جهلاً ، نظراً إلى أنّ المانع من التقرّب إنّما هي الحرمة المنجّزة لا مجرّد الوجود الواقعي ، وحيث لا تنجّز مع الجهل فلا مانع من فعليّة الحكم الآخر وهو الأمر بالغسل أو الوضوء لعدم المانع من التقرّب حينئذٍ ، وقد زعموا أنّ المقام مندرج في باب اجتماع الأمر والنهي ، الذي هو من صغريات باب التزاحم ، ومن المعلوم أنّه لا تزاحم إلّا في صورة العلم دون الجهل ، ولذلك ألحقوا الجهل بالنسيان المحكوم فيه بالصحّة بلا كلام.

ولكن التحقيق هو البطلان ، لكون المقام من باب التعارض دون التزاحم ، وليس التركيب فيه انضماميّاً ليكون من موارد اجتماع الأمر والنهي ، حتّى يتجه التفصيل بين الحرمة المنجّزة بالعلم فلا يمكن التقرّب عندئذٍ لكونهما بإيجادٍ واحد ، وبين صورة الجهل فيمكن التقرّب حينئذٍ بالأمر ، بل التركيب اتّحادي ، ضرورة أنّ الغسل أو الوضوء بالماء المغصوب متّحدٌ مع التصرّف فيه ، فهو من باب النهي عن العبادة لا من باب الاجتماع ، فلا يكون إلّا من باب التعارض دون التزاحم ، فإذا قُدّم جانب النهي كان تخصيصاً في دليل الواجب ، فيخرج مورد الحرمة بحسب الواقع عن مورد الوجوب ، إذ الحرام لا يكون مصداقاً للواجب ، ومن الواضح عدم الفرق في ذلك بين صورتي العلم والجهل ، إذ التركيب اتّحادي والتخصيص واقعي ، ولا يناط ذلك بعلم المكلف أو جهله ، ولذلك نقول : بأنّه على المشهور المنصور من أنّ نفقة الزوجة على الزوج دينٌ عليه لا مجرّد وجوب ، كما في الإنفاق على الوالدين أو الولد ، فلو أنفق على زوجته من مالٍ مغصوب لم تبرأ ذمّته وإن كان عن جهل ، إذ الحرام لا يكون مصداقاً للواجب.

__________________

(١) الكفاية : ١٥٦ ١٥٧.

١٨٣

[٢٤٢٩] مسألة ٤٦ : لا فرق في بطلان الصوم بالارتماس بين أن يكون عالماً بكونه مفطراً أو جاهلاً (١).

[٢٤٢٠] مسألة ٤٧ : لا يبطل الصوم بالارتماس في الوحل ولا بالارتماس في الثلج (٢).

______________________________________________________

وعليه ، فلا مناص من الالتزام ببطلان الغسل في المقام وإن كان جاهلاً بالغصبيّة.

نعم ، يحكم بصحّته مع النسيان ، إذ التكليف مرفوع عن الناسي حتّى واقعاً لامتناع توجيه الخطاب إليه ، فالرفع في الجهل يغاير الرفع في النسيان ، فإنّه في الأوّل ظاهري وفي الثاني واقعي. إذن لا مانع من كونه مشمولاً لدليل الأمر. وعليه ، فيفرّق بين الجهل والنسيان ولا يكونان من وادٍ واحد.

ولكن هذا فيما إذا لم يكن الناسي هو الغاصب نفسه ، وإلّا بطل أيضاً ، لصدور الفعل مبغوضاً بالنهي السابق الساقط ، لانتهائه إلى سوء الاختيار ، ومن المعلوم عدم إمكان التقرّب بالمبغوض.

(١) لإطلاق الأدلة كما هو الشأن في سائر المفطرات أيضاً ، لعدم التقييد بالعلم في شي‌ء منها ، كما سيأتي التعرّض له في الفصل الآتي إن شاء الله تعالى.

(٢) لما مرّ سابقاً من أنّ الموضوع في الأدلة إنّما هو الماء ، ولو فرضنا التعدّي ببعض المناسبات إلى الماء المضاف لم يكن وجه للتعدّي إلى ما لا يصدق عليه الماء بوجه كالوحل والثلج كما هو ظاهر.

١٨٤

[٢٤٣١] مسألة ٤٨ : إذا شكّ في تحقّق الارتماس بنى على عدمه (*) (١).

الثامن : البقاء على الجنابة عمداً إلى الفجر الصادق (٢) ،

______________________________________________________

(١) استناداً إلى أصالة العدم ، لكنّها إنّما تنفع لنفي الأثر المترتّب على الارتماس كالكفّارة.

وأمّا البطلان وعدمه فلا يدوران مدار الارتماس الخارجي ، بل الاعتبار فيهما بنفس القصد ، فمتى تحقّق بطل الصوم من باب نيّة القطع وإن لم يتعقّب بالارتماس ، ومتى لم يتحقّق صحّ وإن اتّفق الارتماس خارجاً ، لاختصاص المفطر بالارتماس العمدي ، فلا أثر للارتماس وعدمه من هذه الجهة كي يكون الشكّ فيه مورداً للأصل ، وقد مرّ نظير ذلك في الشكّ في تحقّق الجماع ، للشكّ في دخول مقدار الحشفة (١).

(٢) على المعروف والمشهور ، بل ادّعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد ، بل تكرّر نقل الإجماع في كلمات بعضهم ، وإن نسب الخلاف إلى بعض كالصدوقين والكاشاني والأردبيلي والداماد (٢) ، لكنّه ضعيف لا يعبأ به فكأن المسألة من المتسالم عليها بينهم تقريباً ، وقد ادّعى في الرياض تواتر الأخبار بذلك (٣).

وكيفما كان ، فلا إشكال في أنّ الأخبار الدالّة على البطلان متظافرة وهي على طوائف ثلاث ، لا يبعد بلوغ المجموع حدّ التواتر ولو إجمالاً.

__________________

(*) لكن يبطل صومه إذا كان ناوياً للارتماس.

(١) في ص ١٢٠.

(٢) لاحظ الحدائق ١٣ : ١١٣ ١١٤.

(٣) الرياض ٥ : ٣١٦.

١٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

منها : ما دلّ على لزوم القضاء فيمن بقي على الجنابة ناسياً حتّى مضى الشهر كلّه ، أو أيّام منه ، وفي بعضها أنّه لو اغتسل للجمعة قضى ما تقدّمه لاجتزائه عن الجنابة ، فإنّها تدلّ على البطلان ولزوم القضاء لو تعمّد البقاء بطريقٍ أولى ، وإلّا فلو لم يكن البقاء عامداً موجباً للبطلان لم يكن وجهٌ للقضاء عند النسيان ، فيستفاد منها أنّ حكم الصوم بالإضافة إلى نسيان الجنابة كحكم الصلاة بالنسبة إلى نسيان النجاسة في الثوب أو البدن ، فكما أنّ الثاني موجب للبطلان فكذا الأوّل.

وسنتعرّض لهذه النصوص عند تعرّض الماتن للمسألة إن شاء الله تعالى.

ومنها : ما دلّ على القضاء بل الكفّارة أيضاً فيمن تعمّد النوم جنباً حتّى مطلع الفجر ، فإنّها تدلّ أيضاً على البطلان مع تعمّد البقاء.

نعم ، يعارضها ما دلّ على عدم البأس بذلك ، لكنّه محمول على النومة الأُولى ، أو على غير صورة العمد.

وسيأتي التعرّض لهذه النصوص أيضاً في محلها.

ومنها : ما دلّ على البطلان في خصوص المقام أعني : البقاء على الجنابة عامداً كصحيحة أبي بصير : في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمّ ترك الغسل متعمّداً حتّى أصبح «قال : يعتق رقبة ، أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستّين مسكيناً» إلخ (١).

فإنّ الحكم بالكفّارة ظاهرٌ عرفاً في البطلان ، لبعد كونه تعبّديّاً بحتاً مع فرض صحّة الصوم.

وأصرح منها صحيحة المروزي أعني : سليمان بن حفص ، وما في بعض

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٦٣ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ٢.

١٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

النسخ من ذكر جعفر بدل حفص غلط ، لعدم وجوده في الرجال بتاتاً ، والرجل المزبور موثّق ، لوجوده في أسانيد كامل الزيارات «قال : إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتّى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم» إلخ (١) ، فإنّها قد تضمّنت القضاء صريحاً.

نعم ، بإزائها روايات قد يتوهّم معارضتها لما سبق من الطوائف الثلاث :

منها : صحيحة حبيب الخثعمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يصلّي صلاة الليل في شهر رمضان ثمّ يجنب ثمّ يؤخر الغسل متعمّداً حتّى يطلع الفجر» (٢).

ولكن مضمونها كما ترى غير قابل للتصديق ، فإنّ التعبير بـ «كان» ظاهرٌ في الاستمرار والدوام ، فكأنّه (صلّى الله عليه وآله) كان يواظب على ذلك ، ولا شكّ في أنّه أمرٌ مرجوح على الأقل.

نعم ، وقوعه اتّفاقاً مرّة أو مرّتين لا بأس به ، أمّا الاستمرار عليه فغير محتمل ، فلا بدّ من ردّ علمها إلى أهلها أو حملها على التقيّة.

كما قد يؤيّدها رواية إسماعيل بن عيسى ، قال : سألت الرضا (عليه السلام) عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام عمداً حتّى يصبح ، أيّ شي‌ء عليه؟ «قال : لا يضرّه هذا ولا يفطر ولا يبالي ، فإن أبي (عليه السلام) قال : قالت عائشة : إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أصبح جنباً من جماع غير احتلام» إلخ (٣).

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٦٣ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ٣.

(٢) الوسائل ١٠ : ٦٤ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ٥.

(٣) الوسائل ١٠ : ٥٩ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ٦.

١٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنّ الاستشهاد بكلام عائشة ظاهرٌ في التقيّة كما لا يخفى.

ومع الغضّ عمّا ذُكر فهي خبر واحد لا تنهض للمقاومة مع النصوص المتقدّمة التي لا يبعد فيها دعوى التواتر ولو إجمالاً كما مرّ ، فتكون هذه على خلاف السنّة القطعيّة ، ومثلها يسقط عن الحجّيّة.

فهذه الرواية وإن كانت صحيحة السند فإنّ حبيب بن معلّى الخثعمي وثّقه النجاشي صريحاً وقال : إنّه ثقة ثقة (١) إلّا أنّ مضمونها غير قابل للتصديق أوّلاً.

وثانياً : إنّها موافقة لمذهب العامّة ، لأنّ المتسالم عليه بينهم جواز البقاء على الجنابة عامداً ، فهي محمولة على التقيّة لا محالة.

وثالثاً : إنّها على خلاف السنّة القطعيّة ، فلا بدّ من طرحها أو ردّ علمها إلى أهلها.

ومنها : رواية حمّاد بن عثمان : أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أجنب في شهر رمضان من أوّل الليل وأخّر الغسل حتّى يطلع الفجر «فقال : كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يجامع نساءه من أوّل الليل ثمّ يؤخِّر الغسل حتّى يطلع الفجر ، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب يقضي يوماً مكانه» (٢).

وهذه الرواية لم يذكرها الصدوق في الفقيه ، وإنّما ذكرها في المقنع (٣) الذي هو كتاب فتوى ، وإن كانت فتاواه متخذة غالباً من مضامين الأخبار. وكيفما كان ، فقد ذكرها فيه مرسلاً ، لعدم ذكره الواسطة بين حمّاد والإمام (عليه السلام) ، مع أنّها لا بدّ من وجودها ، فهي ضعيفة السند أوّلاً.

__________________

(١) لاحظ رجال النجاشي : ١٤١ / ٣٦٨.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ٣. والأقشاب : جمع قَشِب ، وهو من لا خير فيه من الرجال مجمع البحرين ٢ : ١٤٣ (قشب).

(٣) المقنع : ١٨٩.

١٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وثانياً : يرد عليها ما أوردناه على الرواية السابقة من أنّ مضمونها غير قابل للتصديق ، بل أنّ مضمون هذه مقطوع العدم ، إذ المفروض فيها جنابته (صلّى الله عليه وآله) من أوّل الليل حتّى مطلع الفجر ، لا من بعد صلاة الليل كما في السابقة. إذن فمتى كان يصلّي الليل ووجوبها عليه من مختصاته (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟! ولا يبعد أن يكون المراد على تقدير صحّة الرواية هو الإنكار بأن يكون معنى قوله : «كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله)» إلخ : أكان رسول الله ، على سبيل الاستفهام الإنكاري ، وأنّ هذا الأمر هو الذي يقوله هؤلاء الأقشاب. أمّا أنا فلا أقول ذلك ، بل أقول : إنّه يقضي يوماً مكانه ، فيكون قوله (عليه السلام) «يقضي يوماً» إلخ ، جملة ابتدائيّة إنشائيّة لا مقولاً للقول. وعليه ، فتكون الصحيحة على خلاف المطلوب أدلّ.

وثالثاً : مع الغضّ عن كلّ ما ذكر فهي خبر واحد لا تقاوم النصوص السابقة القطعيّة الصدور كما مرّ ، فلا مناص من الطرح.

ومنها : صحيحة العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل فأخّر الغسل حتّى طلع الفجر «فقال : يتمّ صومه ولا قضاء عليه» (١).

ونحوها رواية أبي زينبة (٢) وإن لم تكن نقيّة السند.

والعمدة هي الصحيحة.

والجواب : أنّها وإن كانت صحيحة السند ظاهرة الدلالة إلّا أنّ دلالتها بالإطلاق الشامل للعمد ولغير العمد ، إذ ليست هي صريحة في الأوّل.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٨ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ٤ ، ٥.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥٨ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ٤ ، ٥.

١٨٩

في صوم شهر رمضان أو قضائه (١) ، دون غيرهما من الصيام الواجبة والمندوبة

______________________________________________________

نعم ، لو كان المذكور فيها : «يطلع الفجر» بصيغة المضارع ، بدل : «طلع» ، لكان لدعوى الاختصاص بالأوّل وجه وأنّه أخّر الغسل لغاية طلوع الفجر ، أي لأنّ «يطلع الفجر» كمن ينتظره ويترصّده ، لكن المذكور «طلع» بصيغة الماضي ، ومثله صادق على من أخّر الغسل برجاء بقاء الوقت فاتّفق الطلوع من غير أن يكون متعمّداً في التأخير ، فيقيَّد هذا الإطلاق بالنصوص المتقدّمة كصحيحة أبي بصير الدالّة على البطلان في صورة العمد ، وتحمل هذه على غير العامد ، عملاً بصناعة الإطلاق والتقييد.

فإن تمّ هذا النوع من الجمع الدلالي فهو ، وإلّا فلا إشكال في أنّ الترجيح مع تلك النصوص لوجهين :

أحدهما : أنّها قطعيّة الصدور ، بل هي متواترة ولا أقلّ إجمالاً كما مرّ ، وهذه خبر واحد لا تنهض للمقاومة ، وقد ذُكِر في بحث التعارض. أنّ أوّل المرجّحات عرض الرواية على الكتاب والسنّة القطعية ، فيطرح المخالف لهما.

ثانيهما : أنّ هذه الصحيحة موافقة لمذهب العامّة ، وتلك النصوص مخالفة ، فتُحمل هذه على التقيّة.

فتحصّل : أنّ ما عليه المشهور بل المتسالم عليه تقريباً من بطلان الصوم بالبقاء على الجنابة متعمّداً إلى طلوع الفجر ، وأنّه يجب عليه القضاء حينئذٍ بل الكفّارة أيضاً هو الصحيح ، وخلاف الصدوقين ومن حذا حذوهما شاذٌّ لا يُعبأ به.

(١) إذ مضافاً إلى القاعدة المقرّرة المستفاد من بعض النصوص من مساواة القضاء مع الأداء في الماهيّة واتّحادهما في الأجزاء والشرائط ما لم يقم دليل على

١٩٠

على الأقوى (١) ، وإن كان الأحوط تركه في غيرهما أيضاً خصوصاً في الصيام الواجب موسّعاً كان أو مضيّقاً.

______________________________________________________

الخلاف ، يدلّ عليه في خصوص المقام جملة من النصوص ، كصحيحة عبد الله ابن سنان : أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقضي شهر رمضان فيجنب من أوّل الليل ولا يغتسل حتّى يجي‌ء آخر الليل وهو يرى أنّ الفجر قد طلع «قال : لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره» (١) ونحوها صحيحته الأُخرى (٢) ، وقريب منهما موثّقة سماعة (٣).

فعلى تقدير عدم تماميّة القاعدة المزبورة فالنصوص الخاصّة وافية بإثبات المطلوب.

(١) أمّا في المندوبة فلا إشكال في عدم القدح كما لا خلاف فيه ظاهراً ، وتدلّ عليه جملة من النصوص ، كصحيحة حبيب بن معلّى الخثعمي الذي وثّقه النجاشي صريحاً وقال : إنّه ثقة ثقة قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : أخبرني عن التطوّع وعن صوم هذه الثلاثة الأيّام إذا أجنبت من أوّل الليل فأعلم أنِّي أجنبت فأنام متعمّداً حتّى ينفجر الفجر ، أصوم أو لا أصوم؟ «قال : صم» (٤) ونحوها موثّقة ابن بكير (٥) المؤيَّدة بروايته الأُخرى (٦) ، وإن كانت الثانية ضعيفة السند بأبي عبد الله الرازي.

فيستفاد من هذه النصوص أنّ الصوم المندوب يفارق صوم رمضان وقضائه ، فلا يعتبر فيه عدم البقاء جنباً ، فيكون حاله معه حال صلاة النافلة بالإضافة إلى الفريضة ، حيث لا يعتبر فيها الاستقراء ولا القيام المعتبرين في الفريضة ، وهذا

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٦٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٩ ح ١ ، ٢ ، ٣.

(٢) الوسائل ١٠ : ٦٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٩ ح ١ ، ٢ ، ٣.

(٣) الوسائل ١٠ : ٦٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٩ ح ١ ، ٢ ، ٣.

(٤) الوسائل ١٠ : ٦٨ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٠ ح ١ ، ٢ ، ٣.

(٥) الوسائل ١٠ : ٦٨ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٠ ح ١ ، ٢ ، ٣.

(٦) الوسائل ١٠ : ٦٨ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٠ ح ١ ، ٢ ، ٣.

١٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

ظاهر لا سترة عليه.

إنّما الكلام في الصوم الواجب من غير رمضان وقضائه كالمنذور ونحوه سواء أكان موسّعاً أم مضيّقاً ، وأنّه هل يلحق بصوم رمضان فلا يجوز فيه البقاء عامداً ، أم يلحق بالصوم المندوب فيجوز؟

الظاهر هو الثاني ، لقصور المقتضي ، فإنّ النصوص بأجمعها خاصّة بصوم رمضان أو قضائه وواردة في هذين الموردين ، وليس هناك نصّ مطلق يشمل كلّ صوم واجب ، ولا وجه للإلحاق والتعدّي إلّا دعوى إلغاء خصوصيّة المورد وأنّ ذلك القيد معتبر في طبيعي الصوم الواجب من غير خصوصيّة لرمضان ، وأنّى لنا بإثبات ذلك بعد كون الإلغاء على خلاف ظواهر الأدلة ، فلا دليل على الإلحاق ، بل لعلّ الدليل قائم على العدم ، حيث الظاهر من صحيحة ابن مسلم التي رواها المشايخ الثلاثة «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب ، والنساء ، والارتماس في الماء» (١) عدم اعتبار الاجتناب عن الزائد على هذه الخصال في طبيعي الصوم ، واجباً كان أو مستحباً ، غايته أنّه قام الدليل على اعتبار الاجتناب عن البقاء على الجنابة عامداً في صوم رمضان وقضائه ، فيقتصر على مورده ، ويُنفى الاعتبار فيما عداه بمقتضى إطلاق هذه الصحيحة.

فتحصّل : أنّ الأظهر ما ذكره في المتن من عدم الاعتبار في غيرهما من الصيام الواجبة والمندوبة وإن كان الأحوط تركه مطلقاً كما أشار إليه في المتن ، خروجاً عن شبهة الإلحاق والخلاف.

ومراده (قدس سره) من كون الأحوط ترك البقاء في المندوب : المبادرة إلى الاغتسال قبل طلوع الفجر وعدم البقاء عامداً ، لا ترك الصوم لو بقي ليلزم

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣١ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١ ح ١.

١٩٢

وأمّا الإصباح جنباً من غير تعمّد فلا يوجب البطلان (١) إلّا في قضاء شهر رمضان (٢) على الأقوى ،

______________________________________________________

التفويت في الصوم المندوب الذي دلّ الدليل على صحّته ، فإنّ الأحوط حينئذٍ هو الفعل لا الترك كما هو ظاهر جدّاً.

(١) بلا خلافٍ فيه ولا إشكال ، لتقييد البطلان في النصّ والفتوى بصورة العمد كما في صحيحة أبي بصير المتقدّمة (١) ، وقد عرفت أنّ إطلاق صحيحة العيص النافية للبأس عن البقاء جنباً منزّلٌ على غير صورة العمد.

(٢) أي الموسّع ، فلا يصحّ مع الإصباح جنباً ولو عن غير عمد ، فكأنّه يمتاز عن شهر رمضان نفسه ، لأجل كونه من الواجب المعيّن ، بخلاف قضائه الموسع.

ويدلّ على الحكم جملة من النصوص ، كصحيحة ابن سنان : عن الرجل يقضي شهر رمضان فيجنب من أوّل الليل ولا يغتسل حتّى يجي‌ء آخر الليل وهو يرى أن الفجر قد طلع «قال : لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره» (٢).

وصحيحته الأُخرى ، قال : كتب أبي إلى أبي عبد الله (عليه السلام) وكان يقضي شهر رمضان وقال : إنِّي أصبحت بالغسل وأصابتني جنابة فلم أغتسل حتّى طلع الفجر ، فأجابه (عليه السلام) : «لا تصم هذا اليوم وصم غداً» (٣) ونحوهما غيرهما.

فإنّ إطلاقها يشمل العامد وغيره لو لم يكن منصرفهما الثاني كما لا يخفى.

__________________

(١) في ص ١٨٦.

(٢) الوسائل ١٠ : ٦٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٩ ح ١ ، ٢.

(٣) الوسائل ١٠ : ٦٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٩ ح ١ ، ٢.

١٩٣

وإن كان الأحوط إلحاق مطلق الواجب غير المعيّن به في ذلك (١) ، وأمّا الواجب المعيّن رمضاناً كان أو غيره فلا يبطل بذلك ، كما لا يبطل مطلق الصوم واجباً كان أو مندوباً ، معيّناً أو غيره بالاحتلام في النهار (٢) ،

______________________________________________________

(١) وهل يلحق بالقضاء غيره من الصيام الواجب الموسّع كالكفّارة والنذر ونحوهما ، بناءً على أنّ الإصباح فيها جنباً عامداً موجبٌ للبطلان ، وأمّا على القول بعدم البطلان في صورة العمد كما هو الصحيح على ما مرّ ففي غير العمد بطريق أولى ، بدعوى أنّ المستفاد من صحيحتي ابن سنان المتقدّمتين كون الموضوع الصوم الواجب غير المعيّن من غير خصوصيّة للقضاء؟

الظاهر عدم الإلحاق ، فإنّ التعدّي عن مورد النصّ وإلغاء خصوصيّة المورد كما ذكر يحتاج إلى القطع بعدم الفرق ، وهو مشكل جدّاً ، مخالف لظاهر الدليل ، فلا مناص من الاقتصار على مورده.

(٢) بلا خلافٍ ، ولا إشكال ، كما تدلّ عليه جملة من النصوص ، التي منها صحيحة عبد الله بن ميمون : «ثلاثة لا يفطرن الصائم : القي‌ء ، والاحتلام ، والحجامة» (١).

وموثّقة ابن بكير : عن الرجل يحتلم بالنهار في شهر رمضان ، يتمّ صومه كما هو؟ «فقال : لا بأس» (٢).

وصحيحة العيص بن القاسم : عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمّ يستيقظ ثمّ ينام قبل أن يغتسل «قال : لا بأس» (٣) وغيرها.

بل مقتضى الإطلاق فيها جواز البقاء على الجنابة إلى آخر النهار ، كما لو صلّى

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١٠٣ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٥ ح ١ ، ٢ ، ٣.

(٢) الوسائل ١٠ : ١٠٣ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٥ ح ١ ، ٢ ، ٣.

(٣) الوسائل ١٠ : ١٠٣ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٥ ح ١ ، ٢ ، ٣.

١٩٤

ولا فرق في بطلان الصوم بالإصباح جنباً عمداً بين أن تكون الجنابة بالجماع في الليل أو الاحتلام (١) ، ولا بين أن يبقى كذلك متيقّظاً أو نائماً بعد العلم بالجنابة مع العزم على ترك الغسل (٢).

______________________________________________________

الظهرين عند الزوال ثمّ نام واحتلم فاستيقظ وبقي كذلك إلى الغروب ، فلا تجب المبادرة إلى الغسل كما هو ظاهر.

(١) إذ العبرة في العمد بنفس البقاء على الجنابة لا بموجب الجنابة ، والبقاء في مورد الاحتلام بعد ما استيقظ مستندٌ إلى العمد والاختيار وإن لم يكن سبب الجنابة اختياريّاً ، ويقتضيه الإطلاق في صحيحة أبي بصير (١) ، بل في صحيحة الحلبي (٢) وصحيحة البزنطي (٣) التصريح بعدم الفرق بين الجماع والاحتلام.

(٢) ما تقدّم إلى هنا كان حكم الإصباح جنباً متيقّظاً ، وقد عرفت أنّ حكمه التفصيل بين العامد وغيره ، وأمّا الإصباح جنباً نائماً فحكمه كذلك. وإنّما أفردنا كلّاً منهما بالذكر توضيحاً للمقام ، فإنّ الروايات الواردة في النائم أيضاً على طوائف ثلاث كما تقدّم في المستيقظ.

فمنها : ما دلّ على عدم البطلان مطلقاً ، كرواية أبي سعيد القمّاط : عمّن أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل فنام حتّى أصبح «قال : لا شي‌ء عليه ، وذلك أنّ جنابته كانت في وقتٍ حلال» (٤).

وقد عُبِّر عنها بالصحيحة في كلمات غير واحد ، وناقش فيه السبزواري في

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٦٣ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ٢ ، ١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٦٣ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ٢ ، ١.

(٣) الوسائل ١٠ : ٦٢ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ٤.

(٤) الوسائل ١٠ : ٥٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ١.

١٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الكفاية بأنّ أبا سعيد القمّاط لم يوثّق في كتب الرجال (١).

وقد أورد عليه في الحدائق بأنّ أبا سعيد هو خالد بن سعيد القمّاط ، كنيته أبو سعيد ، وقد وثّقه النجاشي صريحاً (٢).

ولكن الصحيح ما ذكره السبزواري ، فإنّ أبا سعيد المزبور مشترك بين أخوين : خالد بن سعيد وصالح بن سعيد ، ولكلّ منهما كتاب ، وكلّ منهما مكنّى بهذه الكنية ، وقد وثّق النجاشي الأوّل ولم يرد توثيق في الثاني ، إذن فأبو سعيد بعنوانه مجمل مردّد بين الثقة وغيره ، وكان على السبزواري أن يذكر أنّ سبب الضعف هو الاشتراك لا عدم التوثيق كي يسلم عن اعتراض الحدائق.

وكيفما كان ، فالرواية محكومة بالضعف كما عرفت.

نعم ، إنّ السند المزبور بعينه مذكور في أسانيد كامل الزيارات ، ولكنّه أيضاً لا يجدي ، لجواز أن يكون المراد به هو الثقة دون الآخر غير الموثّق ، كي يكون ذكره في الكامل دليلاً على توثيقه كما لا يخفى. فلا يمكن الحكم بوثاقته.

هذا ، ولكن الظاهر صحّة الرواية ، لما أشرنا إليه في المعجم (٣) من أنّ الكليني روى رواية صحيحة ذكر فيها هكذا : عن أبي سعيد القمّاط وصالح بن سعيد ، فيظهر من ذلك أي من هذا العطف أنّ الأشهر منهما في هذه الكنية إنّما هو خالد بن سعيد دون أخيه صالح ، بحيث تنصرف الكنية عند الإطلاق إلى الأوّل الثقة كما ذكره صاحب الحدائق.

هذا ، مع أنّ صالح بن سعيد نفسه مذكور في أسانيد كتاب تفسير علي بن

__________________

(١) لم نعثر عليه في الكفاية. نعم ، وجدناه في ذخيرة المعاد : ٤٩٧.

(٢) الحدائق ١٣ : ١١٩ ، النجاشي : ١٤٩ / ٣٨٧.

(٣) معجم رجال الحديث ١٠ : ٧٣.

١٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

إبراهيم ، وقد بنينا أخيراً على وثاقة أسانيد هذا التفسير ككتاب كامل الزيارات ، لالتزامه أيضاً بأن لا يروي إلّا عن ثقة.

وعليه ، فعلى تقدير تسليم الإجمال في المراد من أبي سعيد القمّاط وأنّه أيٌّ من الأخوين فالرواية أيضاً محكومة بالصحّة ، لتردّد اللفظ بين ثقتين لا بين الثقة وغيره ، وعلى كلّ حال ، فالرواية موصوفة بالصحّة كما وصفها بها غير واحد حسبما عرفت.

وكيفما كان ، فيكفينا في المقام صحيحة أُخرى ، وهي صحيحة على بن رئاب ، قال : سُئل أبو عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر : عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان فينام ولا يغتسل حتّى يصبح «قال : لا بأس يغتسل ويصلّي ويصوم» (١).

وبإزائها وهي الطائفة الثانية ما دلّ على البطلان مطلقاً ، التي منها صحيحة ابن مسلم : عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ثمّ ينام ، أنّه قال : «إن استيقظ قبل أن يطلع الفجر فإن انتظر ماءً يسخن أو يستقي فطلع الفجر فلا يقضي صومه» (٢).

دلّت بالمفهوم على أنّه إن لم يستيقظ قضى صومه.

وهناك طائفة ثالثة دلّت على البطلان في مورد العمد ، كصحيحة البزنطي : عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابة ثمّ ينام حتّى يصبح متعمّداً «قال : يتمّ ذلك اليوم وعليه قضاؤه» (٣).

وصحيحة الحلبي : في رجل احتلم أوّل الليل أو أصاب من أهله ثمّ نام

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٩ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ٧.

(٢) الوسائل ١٠ : ٦٠ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٤ ح ١.

(٣) الوسائل ١٠ : ٦٢ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٥ ح ٤.

١٩٧

ومن البقاء على الجنابة عمداً : الإجناب قبل الفجر متعمّداً في زمانٍ لا يسع الغسل ولا التيمّم (١) ، وأمّا لو وسع التيمّم خاصّة فتيمّم صحّ صومه وإن كان عاصياً (*) في الإجناب (٢).

______________________________________________________

متعمّداً في شهر رمضان حتّى أصبح «قال : يتمّ صومه ذلك ثمّ يقضيه» إلخ (١).

وحيث إنّ هذه الطائفة أخصّ من الاولى فتخصّصها ، ثمّ هي تخصّص الطائفة الثانية ، وبذلك ترتفع المعارضة ، فتُحمَل الاولى على غير العامد ، والثانية على العامد بشهادة الطائفة الثالثة ، فتكون النتيجة هي النتيجة المتقدّمة في المتيقّظ من التفصيل بين العمد وغيره.

(١) إذ لا فرق في اتّصاف الفعل بالعمد وإسناده إلى الاختيار بين أن يكون اختياريّاً بنفسه أو بمقدّمته وإن خرج عن الاختيار في ظرفه ، فإنّ الممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، فالبقاء في المقام اختياري باختياريّة مقدّمته وهو الإجناب ، كما في إلقاء النفس من الشاهق.

(٢) ينبغي التكلّم في مقامين :

أحدهما : أنّ من كان فاقداً للماء بطبعه أو عاجزاً عن استعماله لمرضٍ يمنع عن الغسل دون الصوم ، هل يسوغ التيمم حينئذٍ لأجل صومه؟

قد يقال بالعدم ، نظراً إلى أنّ التيمّم لا يرفع الجنابة ، بل هو بدل عن الغسل فيما يكون مشروطاً بالطهارة ، وإلّا فالجنابة باقية على حالها كما يفصح عنه ما ورد في النصّ من قوله : رجل جنب أمّ قوماً (٢) ، إلخ ، فإنّ المفروض أنّ الإمام

__________________

(*) في العصيان إشكال والأظهر عدمه.

(١) الوسائل ١٠ : ٦٣ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٦ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٢٧ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٧ ح ٣.

١٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

كان قد دخل في الصلاة مع التيمّم ومع ذلك وصف بأنّه جنب ، وحيث إنّ المفطر هو البقاء على الجنابة غير المرتفعة بالتيمّم كما عرفت فوجوده كالعدم ، فلا أثر للتيمّم في المقام بوجه.

ولكنّه يندفع بما سيأتي توضيحه قريباً إن شاء الله تعالى من أنّ المستفاد من الأدلة أنّ المفطر إنّما هو البقاء على حدث الجنابة لا الجنابة نفسها ، وقد استفيد من قوله (عليه السلام) : «ربّ الماء وربّ الصعيد واحد» (١) ونحوه من أخبار التيمّم أنّه في كل مورد أُمر بالاغتسال وتعذّر الماء فالتيمّم يقوم مقامه ، فهو أحد الطهورين ويرتفع به الحدث ولو رفعاً مؤقّتاً ، أو أنّه فعل يستباح به الدخول فيما يكون الحدث مانعاً عنه.

ويعضده قيام السيرة القطعيّة من المتشرّعة على الإجناب الاختياري في ليالي رمضان مع العلم بوجوب الصوم عليهم حتّى مع عدم التمكّن من الاغتسال لفقد الماء أو لمرضٍ جلدي وغيره ممّا يضره استعماله ، ولا يتركون المضاجعة من أجل ذلك ، لعدم احتمال التخصيص في دليل حلّيّة الرفث بالإضافة إليهم ، بل يجنبون أنفسهم اختياراً ويتيمّمون ويصومون ويحكم بصحّة صومهم قطعاً.

المقام الثاني : بعد الفراغ عن مشروعيّة التيمّم للصوم كما عرفت ، فهل يختصّ بمن كان فاقداً أو عاجزاً عن الاستعمال بطبعه ، أو أنّه يعمّ موارد التعجيز الاختياري أيضاً ، كمن أجنب نفسه عمداً في وقتٍ لا يسع الغسل ، أو أنّه كان جنباً فأخّر الغسل عامداً إلى أن ضاق الوقت عنه ، فهل يسوغ التيمّم عندئذٍ ويكون مشروعاً في حقّه ، أو لا؟

الظاهر عدم المشروعيّة ، لقصور المقتضي ، فإنّ المستفاد من قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) (٢) إلخ ، بحسب الفهم العرفي هو عدم الوجدان بالطبع ، لا أن

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٧٠ / أبواب التيمم ب ١٤ ح ١٥ ، ١٧ وص ٣٨٦ ب ٢٣ ح ٦.

(٢) المائدة ٥ : ٦.

١٩٩

وكما يبطل الصوم بالبقاء على الجنابة متعمّداً كذا يبطل بالبقاء على حدث الحيض والنفاس إلى طلوع الفجر (١) ،

______________________________________________________

يجعل الإنسان نفسه غير واجد بأن يريق الماء ، أو يجنب نفسه كما في المقام.

نعم ، في خصوص باب الصلاة التزمنا بالمشروعيّة وجعلنا ضيق الوقت وإن استند إلى العمد من المسوّغات ، لقيام الدليل الخارجي عليه ، وهو ما استفيد من صحيحة زرارة الواردة في المستحاضة من أنّ الصلاة لا تترك بحال ، وبما أنّها مشروطة بالطهارة ، والتراب أحد الطهورين ، والمفروض العجز عن الآخر ، فلا محالة تستكشف المشروعيّة عندئذٍ (١).

وأمّا في باب الصوم فلم يرد مثل هذا الدليل ، وقد عرفت أنّ دليل المشروعيّة أيضاً قاصر الشمول لأمثال المقام في حدّ نفسه ، إذن فكما أنّه عاصٍ في تعجيز نفسه ، كذلك لا يصحّ صومه أيضاً ، لكونه من مصاديق البقاء على الجنابة عامداً.

والحاصل : أنّه لا يمكن أن يستفاد من الأدلّة قيام التيمّم مقام الغسل في موارد التعجيز الاختياري عن تحصيل الطهارة المائيّة ، إلّا إذا قام عليه دليل بالخصوص ، وقد قام في باب الصلاة بالتقرير المتقدّم ، ولم يقم في باب الصوم ، إذن فصحّته مع التيمّم في غاية الإشكال ، فلأجل ذلك احتطنا في المسألة بأن يتيمّم ويصوم احتياطاً ويقضي يوماً مكانه.

(١) على المشهور ، بل قيل : إنّه لا خلاف فيه.

ويستدلّ له في الحيض بما رواه الشيخ بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله

__________________

(١) شرح العروة (كتاب الصلاة ١) : ٦.

٢٠٠