موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

منعقد في باب المركّبات من العبادات والمعاملات مثل : النهي عن التكلّم في الصلاة وغير ذلك دون الحرمة التكليفيّة.

بل في بعض الأخبار التصريح بمفطريّة الارتماس ، وهي مرفوعة الخصال عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «قال : خمسة أشياء تفطر الصائم : الأكل ، والشرب ، والجماع ، والارتماس في الماء ، والكذب» إلخ (١).

غير أنّ سندها ضعيف ، للرفع.

بل في بعض الروايات المعتبرة ظهورٌ قريب من الصراحة ، وهي صحيحة محمّد بن مسلم : قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب ، والنساء ، والارتماس في الماء» (٢).

إذ من الواضح أنّ المراد الإضرار بالصوم من حيث هو صوم لا بذات الصائم ، ولا معنى له إلّا الإخلال والإفساد.

وإن شئت قلت : ظاهرُ الصحيحة دخلُ الاجتناب عن تلك الأُمور في طبيعي الصوم وإن كان تطوّعاً ، إذ لا مقتضي للتقييد بالفريضة ، وحيث لا يحتمل حرمة الارتماس في الصوم المندوب تكليفاً بعد فرض جواز إبطاله اختياراً ، فلا مناص من أن يراد بالإضرار : الإبطال ، دون الحرمة التكليفيّة. إذن فلهذه الروايات قوّة ظهور في المفطريّة.

ولكن بإزائها موثّقة إسحاق بن عمّار الظاهرة في عدم الإفطار : قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل صائم ارتمس في الماء متعمّداً ، عليه قضاء ذلك اليوم؟ «قال : ليس عليه قضاؤه ولا يعودن» (٣).

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٦ ، الخصال : ٢٨٦ / ٣٩.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣١ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١ ح ١.

(٣) الوسائل ١٠ : ٤٣ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٦ ح ١.

١٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

وربّما يناقش في سندها ، نظراً إلى أنّ عمران بن موسى الواقع في الطريق يدور أمره بين أن يكون هو الخشّاب المجهول الحال ، أو الزيتوني الأشعري القمّي المعروف الثقة ، ومع هذا الترديد كيف يحكم بالتوثيق؟!

هذا ، ولم يستبعد الأردبيلي اتّحادهما ، لقرب مرتبتهما (١).

ولكنّ الظاهر أنّ عمران بن موسى الخشّاب لا وجود له أصلاً ، والمسمّى بهذا الاسم شخصٌ واحد وهو الزيتوني الثقة ، فإنّ جامع الرواة وإن ذكر في ترجمة عمران بن موسى الخشّاب ما يقرب من خمسين رواية إلّا أنّه ليس في شي‌ء منها تصريح بالخشّاب ولا الزيتوني ، وكلّها بعنوان عمران بن موسى ، ما عدا رواية واحدة ذكرها الشيخ في التهذيب بعنوان عمران بن موسى الخشّاب (٢) ، فتخيّل أنّ جميع تلك الروايات عنه ، وهو وهم نشأ من سقط كلمة «عن» في نسخة التهذيب ، والصحيح عمران بن موسى ، عن الخشّاب الذي هو حسن بن موسى الخشّاب ، ويروي عمران بن موسى عنه كثيراً. فالخشّاب شخصٌ آخر يروي عمران عنه ، لا أنّه لقب لعمران نفسه كما توهّم.

والذي يكشف عنه بوضوح أنّ الشيخ يروي هذه الرواية عن ابن قولويه في كامل الزيارات ، وهي مذكورة بعين السند والمتن في الكامل (٣) ، لكن بإضافة كلمة «عن» ، فالسقط من الشيخ جزماً ، فإنّ جميع نسخ التهذيب على ما قيل خالية عن كلمة «عن» ، فالاشتباه من قلمه الشريف ، والمعصوم من عصمه الله تعالى.

وكيفما كان ، فليس لدينا شخص مسمّى بعمران بن موسى الخشّاب لتوجب

__________________

(١) جامع الرواة ١ : ٦٤٤.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٧.

(٣) كمال الزيارات : ٢٩ / ١٠.

١٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

جهالته وهناً في السند ، وإنّما هو شخص واحد مسمّى بعمران بن موسى الزيتوني الأشعري القمّي المشهور الذي هو ثقة كما عرفت ، فلا مجال للنقاش في السند بوجه.

إذن ، فهذه الموثّقة الظاهرة بل الصريحة في عدم البطلان تعارض النصوص المتقدّمة ، وقد تصدّى غير واحد للجمع بينهما بأحد وجهين :

الأوّل : ما ذهب إليه جماعة ونُسِب إلى بعض الأكابر من حمل الطائفة الأُولى بقرينة نفي القضاء في هذه الرواية والنهي عن العود الظاهر في مجرّد الحرمة على الحرمة التكليفيّة.

ولكنّه كما ترى ، لإباء جملة منها ولا سيّما صحيحة ابن مسلم التي هي كالصريحة في البطلان كما مرّ عن ذلك كما لا يخفى.

الثاني : حمل النهي في تلك الطائفة على الكراهة الوضعيّة ، فإنّ الإضرار بالصوم قد يكون حقيقياً كالأكل والشرب ، وأُخرى مسامحيّاً كأنه يبطل به الصوم كالارتماس ، نظراً إلى أنّه يستوجب مرتبةً من البطلان كمرتبة عدم القبول مثلاً فيحمل الإضرار في الارتماس على الإضرار ببعض مراتبه وإن كان أصل الصوم صحيحاً.

ولكن هذا أضعف من الوجه الأوّل ، إذ الكراهة الوضعيّة لا نتعقّل لها معنىً صحيحاً ، وهل بإمكان العرف أن يجمع بين قوله : صحيح ، وقوله : باطل ، أو بين قوله : يعيد ، وقوله : لا يعيد؟! فإنّ معنى إضرار الارتماس بالصوم أنّ صومه باطل كما لو أكل أو شرب ، ومعنى «ليس عليه قضاؤه» كما في موثّقة إسحاق : أنّ صومه صحيح ، ومعه كيف يمكن الجمع بينهما؟! وعلى الجملة : فكراهة البطلان كاستحباب البطلان لا يرجع إلى محصّل ولا يساعده الفهم العرفي بوجه ، إذن لا محيص عن الإذعان باستقرار المعارضة بين

١٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

هذه الموثّقة وبين النصوص المتقدّمة.

وحينئذٍ ، فإن قلنا بأنّ الطائفة المانعة روايات مستفيضة مشهورة بحيث يُعلَم أو يُطمَأن بصدور بعضها عن الإمام (عليه السلام) ولو إجمالاً ، وهذه رواية شاذّة لا تنهض للمقاومة معها ، فتطرح بطبيعة الحال.

وإن أغمضنا عن ذلك فلا محالة تصل النوبة إلى الترجيح ، الذي هو منحصر في الترجيح بموافقة الكتاب أو مخالفة العامّة.

أمّا الكتاب : فلدى عرضهما عليه لم نجد فيه شاهداً لشي‌ء منهما ، بل لم يذكر فيه من أحكام الصوم إلّا الشي‌ء اليسير ، كالاجتناب عن الأكل والشرب بمقتضى قوله تعالى (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ) إلخ (١) ، وعن النساء بمقتضى قوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ) إلخ (٢) ، وأمّا غير ذلك ومنه الارتماس فليس فيه منه عين ولا أثر.

وأمّا العامّة : فالذي يظهر منهم كما في الفقه على المذاهب الأربعة (٣) أنّ أحداً منهم لم يقل بالبطلان.

نعم ، الحنابلة منهم ذهبوا إلى الكراهة إذا لم يكن الارتماس للتبريد أو للغسل (٤).

وهذا هو المناسب لقوله (عليه السلام) في الموثقة : «ولا يعودن» أي أنّه لا يبطل ، ولذا لا قضاء عليه ، ولكن لا يعودنّ إلى ذلك لمكان الكراهة. إذن فتكون الموثّقة موافقة لهم فتُحمَل على التقيّة وتُطرَح ، لأنّ الرشد في خلافهم ، ويكون الرجحان للطائفة المانعة.

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٨٧.

(٢) البقرة ٢ : ١٨٧.

(٣) الفقه على المذاهب الأربعة ١ : ٥١٣ ٥١٦.

(٤) الفقه على المذاهب الأربعة ١ : ٥١٨.

١٦٤

ويكفي فيه رمس الرأس فيه (١)

______________________________________________________

فظهر ممّا ذُكر أنّ الأقوى ما هو المشهور من مفطريّة الارتماس وبطلان الصوم به ، للنصوص المتقدّمة السليمة عن المعارض المكافئ حسبما عرفت.

(١) لذكره بالخصوص في جملة من النصوص :

كصحيح ابن مسلم : «لا يغمس رأسه في الماء» (١).

وصحيح الحلبي : «... ولا يرمس رأسه» (٢) وغيرهما. وظاهرها أنّ لغمس الرأس خصوصيّة في الحكم.

نعم ، في جملة أُخرى الاقتصار في النهي على الارتماس من غير تعرّض لمتعلّقه.

وحينئذٍ ، فإمّا أن يكون المراد : رمس جميع البدن ومنه الرأس ، فلا يكفي غمس الرأس وحده ، فيكون تخصيص الرأس في تلك الروايات بالذكر باعتبار غلبة الغمس بذلك ، لجريان العادة لدى التصدّي للارتماس على أن يرمس الشخص رجله أوّلاً ثمّ شيئاً فشيئاً إلى أن يصل إلى الرأس ، فتحمل الروايات المتعرّضة للرأس على هذا المعنى وتتمّ دلالتها على غمس تمام البدن.

أو يكون المراد : رمس خصوص الرأس الذي قد يكون بالنحو المذكور ، وقد يكون برمس الرأس فقط مع كون البدن خارج الماء ، فيحصل الإفطار بكلّ منهما.

ولا ينبغي الشكّ في أنّ المتعيّن بحسب المتفاهم العرفي إنّما هو الثاني ، لأنّ الظاهر من ذكر الرأس أنّ له خصوصيّة في الحكم كما عرفت ، لا أنّه كناية عن

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٦ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٧.

١٦٥

وإن كان سائر البدن خارجاً عنه ، من غير فرق بين أن يكون رمسه دفعةً أو تدريجاً (١) على وجهٍ يكون تمامه تحت الماء زماناً ، وأمّا لو غمسه على التعاقب لا على هذا الوجه فلا بأس به وأن استغرقه.

______________________________________________________

رمس جميع البدن ، فإنّه منافٍ للعناية الخاصّة المعطوفة نحو الرأس ، الموجبة لتخصيصه بالذكر.

إذن فلا وجه للتوقّف في المسألة كما عن الشهيد (١) ، أو المنع كما عن ظاهر الميسي (٢) ، بل العبرة في الحكم بالإفطار بغمس الرأس وجوداً وعدماً ، فيفطر برمسة وإن كان سائر البدن خارجاً ، ولا يفطر بعدمه وإن كان سائر البدن ما عداه منغمساً.

(١) مقتضى إطلاق النصوص أنّه لا فرق في مبطليّة الارتماس بين الدفعة والتدريج بعد أن فرض أنّه استوعب الماء تمام الرأس ولو آناً ما ، لصدق الرمس على التقديرين.

نعم ، لو كان التدرّج على نحو التعاقب بحيث لم يبق كلّه تحت الماء في زمان واحد لم يكن به بأس وإن استغرق ، كما لو رمس الطرف الأيمن أوّلاً ثمّ أخرجه ورمس الطرف الأيسر ، لعدم صدق الارتماس حينئذٍ المنوط باستيعاب الماء تمام الرأس في زمانٍ واحد كما عرفت.

ولعلّ هذا هو مراد من اعتبر الدفعة ، لا ما يقابل التدريج بالمعنى الأوّل ، فإنّه لا إشكال في عدم جوازه.

__________________

(١) لاحظ الدروس ١ : ٢٧٨.

(٢) مستمسك العروة الوثقى ٨ : ٢٦٤.

١٦٦

والمراد بالرأس : ما فوق الرقبة بتمامه (١) ، فلا يكفي غمس خصوص المنافذ في البطلان وإن كان هو الأحوط. وخروج الشعر لا ينافي صدق الغمس (٢).

[٢٤١٣] مسألة ٣٠ : لا بأس برمس الرأس أو تمام البدن في غير الماء من سائر المائعات ، بل ولا رمسه في الماء المضاف (٣) ، وإن كان الأحوط الاجتناب خصوصاً في الماء المضاف.

______________________________________________________

(١) لأنّه الظاهر من لفظ الرأس في العرف واللغة ، وعليه فلو أدخل رأسه في الماء إلى حدّ أذنيه بحيث كانت خصوص المنافذ تحت الماء لم يكن به بأس ، لعدم صدق غمس الرأس الذي هو المناط في الحكم كما عرفت.

ومنه يظهر ضعف ما عن المدارك من الميل إلى البطلان بغمس المنافذ وإن كانت منابت الشعر خارجة عن الماء (١).

(٢) لوضوح خروج الشعر عن مفهوم الرأس ، فيصدق رمسه بإدخال تمامه في الماء وإن كان الشعر خارجاً ، فإنّه فوق الرأس لا جزءاً منه كما هو ظاهر.

(٣) أمّا الارتماس في غير المائع كالدقيق والرمل والتراب ونحو ذلك فلا إشكال ولا خلاف في عدم المبطليّة كما هو ظاهر.

وإنّما الكلام في اختصاص الحكم بالماء المطلق أو شموله لكلّ ماء ولو كان مضافاً ، أو لكلّ مائع وإن لم يكن ماءً ، كالحليب والدبس والزيت ونحوها.

أمّا غير الماء من المائعات فلا دليل على سريان الحكم إليه ، عدا توهّم

__________________

(١) المدارك ٦ : ٥٠.

١٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الإطلاق في بعض الروايات الخالية عن لفظ الماء ، كما في روايتي حنّان (١) والحلبي (٢).

وفيه مضافاً إلى ذكر الماء في صدر الروايتين لدى التعرّض للاستنقاع الظاهر في إرادة الرمس في خصوص الماء ـ : أنّه على فرض تسليم الإطلاق فيكفي في التقييد الروايات الأُخر المقيّدة بالماء ، التي منها صحيح ابن مسلم : «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب ، والنساء ، والارتماس في الماء» (٣) ، حيث دلّت بإطلاقها على أنّ الارتماس في غير الماء لا يضرّ.

وأمّا الارتماس في الماء المضاف ، فشمول الحكم له غير ظاهر بعد اختصاص الأدلة بالماء الذي هو حقيقة في الماء المطلق ، ولا يُستعمَل في المضاف إلّا مجازاً وبنحوٍ من العناية ، فهو خلاف الظاهر لا يصار إليه من غير قرينة.

ودعوى أنّ لفظ الماء الوارد في الروايات منزّل على الغالب ، لغلبة الارتماس فيه ، وتعارف استعماله في الغُسل والغَسل.

لا شاهد عليها ، بل مقتضى الجمود على ظواهر النصوص أنّ لهذا العنوان مدخلاً في تعلّق الحكم وله خصوصيّة فيه ، ولا قرينة على رفع اليد عن هذا الظهور عدا ما يتوهّم من أنّه لا فرق بين المطلق والمضاف سوى إضافة شي‌ء إلى الماء ، وهذا لا يستوجب فرقاً فيما هو مناط المنع عن الرمس والغمس من إمكان الدخول في الجوف وإن كان بينهما فرقٌ في إزالة الحدث والخبث. وفيه ما لا يخفى ، فإنّ الأحكام تعبديّة ومناطاتها لا تنالها عقولنا الناقصة ، ومن الجائز أن تكون للماء خصوصيّة في هذا الحكم كما في الإزالة.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٦ ، ٧.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٦ ، ٧.

(٣) الوسائل ١٠ : ٣١ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١ ح ١.

١٦٨

[٢٤١٤] مسألة ٣١ : لو لطّخ رأسه بما يمنع من وصول الماء إليه ثمّ رمسه في الماء ، فالأحوط بل الأقوى بطلان صومه (١). نعم ، لو أدخل رأسه في إناء كالشيشة ونحوها ورمس الإناء في الماء فالظاهر عدم البطلان.

______________________________________________________

فالظاهر اختصاص الحكم بالمطلق ولا يكاد يشمل المضاف فضلاً عن سائر المائعات.

(١) ونحوه ما لو شدّ رأسه بما يمنع من وصول الماء إلى البشرة ، كالنايلون المتداول في زماننا.

والظاهر أنّه لا ينبغي التأمّل في البطلان ، لصدق الرمس والغمس كما هو الحال في سائر أعضاء الجسد ، فلو شدّ يده أو لطّخ رجله فأدخلها الماء صدق أنّه غمس يده أو رجله.

ولا يقاس ذلك بباب الأغسال المعتبر فيها وصول الماء إلى البشرة ، فإنّ ذلك إنّما هو من باب دخله في مفهوم الغسل ، وأمّا في المقام فالاعتبار بصدق الارتماس الذي لا يفرق فيه بين المماسّة مع البشرة وعدمها بمقتضى الإطلاق.

ودعوى الانصراف عن الثاني عهدتُها على مدّعيها ، والظاهر أنّه لا كلام في صدق الارتماس ، غايته أنّه قد يتوهّم الانصراف عن المورد الذي لا يصل الماء إلى البشرة ، وقد عرفت منعه.

نعم ، لو فرضنا أنّ الحاجب منفصل عن البشرة كما لو أدخل رأسه في الحبّ وغمس ، أو دخل جوف وعاء كالغوّاصين فإنّه لا يصدق عليه ارتمس أو غمس رأسه في الماء ، نظير ما لو أدخل يده في إناءٍ في الماء ، فإنّه لا يصدق عليه أنّه غمس يده في الماء. إذن فيفرّق بين صورتي الاتّصال والانفصال.

والحاصل : أنّ المدار على الصدق العرفي ، وهو يختلف باختلاف المقامات ،

١٦٩

[٢٤١٥] مسألة ٣٢ : لو ارتمس في الماء بتمام بدنه إلى منافذ رأسه وكان ما فوق المنافذ من رأسه خارجاً عن الماء كلّاً أو بعضاً ، لم يبطل صومه على الأقوى ، وإن كان الأحوط البطلان برمس خصوص المنافذ كما مرّ (١).

[٢٤١٦] مسألة ٣٣ : لا بأس بإفاضة الماء على رأسه (٢) وإن اشتمل على جميعه ما لم يصدق الرمس في الماء.

نعم ، لو أدخل رأسه أو تمام بدنه في النهر المنصبّ من عالٍ إلى السافل ولو على وجه التسنيم ، فالظاهر البطلان ، لصدق الرمس. وكذا في الميزاب إذا كان كبيراً وكان الماء كثيراً كالنهر مثلاً.

______________________________________________________

وقد عرفت أنّ علل الأحكام غير مكشوفة لدينا ، فلا مجال لأن يقال بأن المناط تأثّر البشرة بالماء ، ولا تتأثّر في الفرض الأوّل أيضاً كالثاني.

(١) ظهر حكم المسألة ممّا مرّ.

(٢) إذ مضافاً إلى عدم صدق الارتماس الذي هو المناط في الإبطال ، قد دلّ الدليل على جوازه بالخصوص ، وهي صحيحة ابن مسلم : «قال (عليه السلام) : الصائم يستنقع في الماء ويصبّ على رأسه» إلخ (١).

نعم ، لو صدق الرمس في موردٍ ، سواء أكان الماء واقفاً أم جارياً ، بنحو التسنيم أو التسريح ، كان الغمس من الأعلى أو الأسفل أو الأطراف ، فلو كان ماءٌ غزير جارياً من سطح جبل وإن كان نزوله على وجه التسنيم فوقف تحته على نحوٍ صدق الرمس عليه بطل صومه ، وكذا لو كانت هناك خزانة ماء لها ثقب من أحد الأطراف أو من تحتها فأدخل رأسه فيها فسد صومه ، والمناط

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٦ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ح ٢.

١٧٠

[٢٤١٧] مسألة ٣٤ : في ذي الرأسين إذا تميّز الأصلي منهما فالمدار عليه (١) ، ومع عدم التميّز يجب الاجتناب عن رمس كلّ منهما ، لكن لا يحكم ببطلان الصوم إلّا برمسهما ولو متعاقباً (*).

______________________________________________________

صدق عنوان الارتماس بأيّ نحوٍ كان لإطلاق الأدلة.

(١) لا إشكال في الحكم فيما لو تميّز الأصلي ، أو علم أنّ كلا منهما أصلي بحيث يتكلّم ويسمع ويرى من كلّ منهما ، كما قد يتّفق في بعض الحيوانات من شواذّ الخلقة ، فالمدار على رمس المتميّز في الأول ، وعلى رمس كلّ واحد وإن لم يرمس الآخر في الثاني.

إنّما الإشكال مع عدم التمييز بحيث علم أنّ أحدهما أصلي والآخر عضو زائد واشتبه أحدهما بالآخر.

والكلام يقع تارةً في حكم الارتماس في نفسه ، وأُخرى في بطلان الصوم وعدمه.

أمّا الأوّل : فلا ينبغي التأمّل في وجوب الاجتناب عن رمس كلّ منهما ، عملاً بالعلم الإجمالي المتعلّق بحرمة رمس الرأس الواقعي المردّد بينهما المقتضي للاحتياط عقلاً كما في سائر موارد تنجيز العلم الإجمالي.

وأمّا الثاني : فقد حكم في المتن بعدم بطلان الصوم برمس أحدهما ، ولعلّ في العبارة تسامحاً ، ونظره الشريف معطوف إلى حيثيّة الكفّارة ، فإنّها لا تثبت بعد احتمال كون المرموس هو العضو الزائد وإن كان العمل في نفسه محرّماً كما عرفت ومعاقباً عليه على تقدير المصادفة للرأس الأصلي ، بل مطلقاً ، بناءً على استحقاق

__________________

(*) الظاهر بطلان الصوم برمس أحدهما.

١٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

المتجرّي للعقاب. وعلى أيّ تقدير ، فتعلّق الكفّارة منوط بتحقّق المفطر ، وهو مشكوك حسب الفرض ، فيرجع في نفيها إلى أصالة البراءة.

ونظير المقام ما ذكره الشيخ (قدس سره) في باب العلم الإجمالي (١) والفقهاء في باب الحدود من أنّ من شرب أحد المائعين المعلوم خمريّة أحدهما إجمالاً فهو وإن كان آثماً ومستحقّاً للعقاب إلّا أنّه لا يجري عليه الحدّ ، لأنّه منوط بشرب الخمر واقعاً ، ولم يحرز ، وكذلك لا يحكم بنجاسة الملاقي لأحدهما ، لعدم إحراز الملاقاة للنجس ، فإنّ الكلّ من واد واحد ، وضابطه : أنّه لو شكّ في تحقّق موضوع ذي حكم يرجع في نفي حكمه إلى أصالة البراءة.

وأمّا من ناحية صحّة الصوم والاجتزاء به في مقام الامتثال فالظاهر هو البطلان ، لعروض الخلل من ناحية النيّة ، إذ على تقدير كون المرموس أصلياً لم يكن ناوياً للصوم بطبيعة الحال ، للتنافي بينهما ، فلم يكن ناوياً للصوم على كلّ تقدير ، بل على تقدير خاصّ ، وهو عدم كون المرموس أصليّاً ، وهذا لا ينفع ، بل لا بدّ للصائم أن يكون ناوياً لصومه في جميع الحالات ، وعلى جميع التقادير كما لا يخفى.

وعليه ، فيفرق بين الكفّارة وبين البطلان فلا يحكم بالأوّل ، لعدم إحراز الإفطار ، ويحكم بالثاني ، لانثلام النيّة وعدم الجزم بها بعد تنجّز التكليف الواقعي عليه بمقتضى العلم الإجمالي.

ومن ذلك كلّه يظهر الحال في المسألة الآتية ، وهي ما لو علم إجمالاً بأنّ أحد المائعين ماءً ، فإنّه بعينه مثل ما لو علم إجمالاً بأنّ أحد العضوين رأسٌ فيجري فيه ما مرّ من التفصيل بين الكفّارة والبطلان بعد ما كان العلم الإجمالي منجّزاً والأُصول متعارضة حتّى أصالة عدم كون هذا المائع ماءً بنحو العدم الأزلي

__________________

(١) فرائد الأُصول ٢ : ٢٣٩.

١٧٢

[٢٤١٨] مسألة ٣٥ : إذا كان مائعان يعلم بكون أحدهما ماءً يجب الاجتناب عنهما (١) ، ولكن الحكم بالبطلان يتوقّف على الرمس فيهما (*).

______________________________________________________

وإن لم يثبت بها كونه مضافاً ، فإنّ الأثر مترتّب على كون المرتمس فيه ماءً فيجري الأصل فيما هو مورد الأثر ويسقط بالمعارضة.

نعم ، لو فرض في موردٍ عدم تنجّز التكليف الواقعي ، كما لو شكّ ابتداءً في كون مائعٍ ماءً أو غيره ، أو في كونه ماءً مطلقاً أو مضافاً ، كما سيتعرض له في مسألة ٣٨ الآتية ، فلا بأس بالارتماس فيه.

أمّا بناءً على جريان الاستصحاب في الأعدام الأزليّة فواضح ، فيستصحب عدم كون المرتمس فيه ماءً مطلقاً.

وأمّا على القول بعدم الجريان فتكفينا أصالة البراءة عن لزوم الاجتناب عن هذا الفرد المشكوك مائيّته بشبهة مصداقيّة زائدةً على الأفراد المتيقّنة بعد سلامتها عن المعارضة ، لكون الشبهة بدويّة كما هو المفروض.

ولا يجري مثل ذلك فيما نحن فيه أي في ذي الرأسين لمعارضة الأصل من الطرفين حسبما عرفت.

(١) قد ظهر الحال فيها ممّا قدّمناه آنفاً ، فلاحظ.

وقد عرفت أنّ حكم الكفّارة يفترق عن بطلان الصوم ، فلا كفّارة ، لعدم إحراز موضوعها ، ويبطل الصوم ، للإخلال بالنيّة ، وإذا بطل الصوم فلا بدّ من القضاء. ويقرّر الوجه فيه من جهتين :

الاولى : ما أشرنا إليه من أنّ الصوم لا بدّ فيه من نيّة الإمساك عن جميع

__________________

(*) بل الظاهر كفاية الرمس في أحدهما في البطلان.

١٧٣

[٢٤١٩] مسألة ٣٦ : لا يبطل الصوم بالارتماس سهواً أو قهراً أو السقوط في الماء من غير اختيار (١).

______________________________________________________

المفطرات ، وعلى جميع التقادير ، ومن يريد الارتماس في أحد المائعين غير عازم على الصوم على الإطلاق ، بل على تقدير دون تقدير ، وهذا كافٍ في المفطريّة بعد أن لم يكن له معذّر في الارتكاب بمقتضى العلم الإجمالي.

نعم ، لو كان له عذر كما في الشبهة البدويّة لم يكن به بأس ، أمّا بجريان الاستصحاب في العدم الأزلي ، أو لأصالة البراءة كما مرّت الإشارة إليه.

الثانية : ما ذكرناه في بحث الصلاة من أنّ عنوان الفوت المترتّب عليه القضاء كما يحرز بالوجدان أو الأمارة أو الأصل المعتبر ، كذلك ربّما يحرز بقاعدة الاشتغال ، لأنّ العبرة بفوت الوظيفة الفعليّة الأعمّ من الشرعيّة والعقليّة ، فلو شكّ في أصل الصلاة وهو في الوقت أو اقتضت الوظيفة تكرارها في ثوبين مثلاً أو تكرار الوضوء من مائعين وقد اقتصر على أحدهما ، وجب عليه القضاء ، للإخلال بما تقتضيه قاعدة الاشتغال المحقّق لعنوان الفوت وإن احتمل عدمه في صقع الواقع ، إلّا أنّه لا مؤمّن له بعد فرض تساقط الأُصول ، ومقامنا كذلك ، إذ هو مأمور بالاجتناب عن الارتماس في الماء ، فإذا ارتمس في أحد المائعين المحتمل كونه ماءً أو بأحد العضوين المحتمل كونه رأساً فإمساكه عن الارتماس مشكوكٌ فيه ، ولا أصل مؤمّن حسب الفرض ، فقد فاتته الوظيفة الفعليّة الثابتة بمقتضى قاعدة الاشتغال ومعه لا مناص من القضاء.

(١) لما سيجي‌ء في محلّه (١) إن شاء الله تعالى من اعتبار العمد والاختيار في المفطريّة.

__________________

(١) في ص ٢٦٥.

١٧٤

[٢٤٢٠] مسألة ٣٧ : إذا ألقى نفسه من شاهق في الماء بتخيّل عدم الرَّمس فحصل لم يبطل صومه (١).

[٢٤٢١] مسألة ٣٨ : إذا كان مائع لا يُعلَم أنّه ماءٌ أو غيره أو ماءٌ مطلق أو مضاف لم يجب الاجتناب عنه (٢).

[٢٤٢٢] مسألة ٣٩ : إذا ارتمس نسياناً أو قهراً ثمّ تذكّر أو ارتفع القهر وجب عليه المبادرة إلى الخروج ، وإلّا بطل صومه (٣).

______________________________________________________

(١) لعدم حصول العمد المعتبر في الإفطار كما هو واضح.

(٢) قد ظهر الحال فيها ممّا قدّمناه في ذيل المسألة الرابعة والثلاثين ، فلاحظ.

(٣) لا يخفى أنّ الجمود على النصوص يقتضي عدم لزوم المبادرة إلى الخروج ، لأنّ ظاهرها إحداث الارتماس ولا تعمّ الإبقاء ، كما هو الشأن في جميع الجمل الفعليّة من الماضي والمضارع والأمر ، فلو أصغى إلى آية التلاوة وهو في السجود لم يكفه البقاء ، بل لا بدّ من إحداثه ثانياً ، ولأجله ذكرنا في محلّه أنّه لا يكفي في تحقّق الغسل الارتماسي مجرّد البقاء تحت الماء ناوياً ، إذ الظاهر من قوله (عليه السلام) في صحيح الحلبي : «إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسةً واحدة أجزأه ذلك من غسله» (١) هو إحداث الارتماس لا مطلق الكون تحت الماء.

وعليه ، ففي المقام لا مانع من الارتماس حدوثاً لفرض العذر ولا بقاءً ، لعدم الدليل على المنع هذا.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٣٢ / أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١٢.

١٧٥

[٢٤٢٣] مسألة ٤٠ : إذا كان مكرهاً في الارتماس لم يصحّ صومه (١) ، بخلاف ما إذا كان مقهوراً.

[٢٤٢٤] مسألة ٤١ : إذا ارتمس لإنقاذ غريق بطل صومه وإن كان واجباً عليه.

______________________________________________________

ولكن مناسبة الحكم والموضوع التي هي كقرينة داخليّة يعوّل عليها في كثير من المقامات تقتضي عدم الفرق في المقام بين الحدوث والبقاء بمقتضى الفهم العرفي الحاكم بلزوم الاجتناب عن الكون تحت الماء ، بلا فرق بين حصول ذلك حدوثاً أو بقاءً ، وكذا الحال في الجماع ، فإنّ العرف يفهم أنّ الممنوع إنّما هي هذه الحالة ، من غير فرق بين إحداثها وإبقائها ، ولا يحتمل الاختصاص بالأوّل. وعليه ، فيجب الخروج من الماء فوراً كما في المتن.

(١) إذ الإكراه لا يوجب سلب الإرادة ، فالفعل المكرَه عليه صادر عن عمد وقصد وإن لم يكن عن طيب النفس فيشمله إطلاق الأدلة ، ومن الواضح أنّ أدلّة نفي الإكراه مفادها نفي العقاب والمؤاخذة ولا تنهض لإثبات الصحّة ، لأنّ شأنها الرفع دون الوضع.

ومنه يظهر الحال في وجب الرمس لإنقاذ الغريق الذي تعرّض له في المسألة الآتية ، فإنّ وجوب الإنقاذ لا يستدعي إلّا وجوب الارتماس ، ولا يستلزم صحّة الصوم مع الارتماس المزبور بوجه ، وهذا بخلاف ما إذا كان مقهوراً في الارتماس ، فإنّه يوجب زوال الإرادة والاختيار وانتفاء العمد والقصد ، ومثله لا يوجب البطلان ، ولأجله يفرّق بين القهر والإكراه.

١٧٦

[٢٤٢٥] مسألة ٤٢ : إذا كان جنباً وتوقّف غسله على الارتماس (١) انتقل إلى التيمّم إذا كان الصوم واجباً معيّناً ، وإن كان مستحبّاً أو كان واجباً موسّعاً وجب عليه الغسل وبطل صومه (*).

______________________________________________________

(١) لا ينبغي التأمّل في لزوم انتقاله حينئذٍ إلى التيمّم فيما إذا كان الصوم واجباً معيّناً ، لعجزه شرعاً عن الاغتسال بعد فرض حرمة الارتماس ، ومن الواضح عدم المزاحمة بين ما له البدل وبين ما لا بدل له.

وأمّا في الواجب الموسّع أو الصوم المستحبّ فبما أنّ الإفطار سائغ في حقّه فهو قادر على الارتماس ، فيجب عليه الاغتسال بمقتضى دليله ، ومعه يحكم ببطلان صومه ، وهذا ممّا لا إشكال فيه.

إنّما الكلام في أنّ صومه هل يبطل بمجرّد التكليف بالغسل ووجوبه عليه ، أو من حين القصد إلى الغسل من باب نيّة القطع ، أو حين تحقّق الغسل والارتماس خارجاً؟

الظاهر هو الأوّل ، لامتناع الأمر بالصوم المشتمل على الاجتناب عن الارتماس بعد فرض فعليّة الأمر بالارتماس المتوقّف عليه الاغتسال ، لاستحالة الأمر بالضدّين ، ولا يمكن تصحيحه بالترتّب ، لاختصاصه بالضدين اللذين لهما ثالث ، دون ما لا ثالث لهما كالحركة والسكون ، أو النقيضين كما في المقام ، إذ مع ترك أحدهما فالآخر حاصل بطبيعة الحال ، فكيف يمكن الأمر به حينئذٍ ، وهل هذا إلّا من تحصيل الحاصل.

وعلى الجملة ، بعد فرض تعلّق الأمر بالارتماس لتوقّف الغسل عليه كيف

__________________

(*) في بطلان الصوم بمجرّد التكليف بالغسل إشكال ، بل منع.

١٧٧

[٢٤٢٦] مسألة ٤٣ : إذا ارتمس بقصد الاغتسال في الصوم الواجب المعيّن (١) بطل صومه وغسله (*) إذا كان متعمّداً ، وإن كان ناسياً لصومه صحّا معاً ، وأمّا إذا كان الصوم مستحبّاً أو واجباً موسّعاً بطل صومه وصحّ غسله.

______________________________________________________

يمكن الأمر بالصوم المشتمل على ترك الارتماس؟! فإنّ الأمر الضمني بالترك لا يكاد يجتمع مع الأمر بالفعل بوجه ، ولا يعقل في مثله الترتّب كما عرفت.

هذا ، ولكن التحقيق جريان الترتّب في المقام ، نظراً إلى وجود الضدّ الثالث ، فإنّ ذاتي الارتماس وعدمه وإن كانا ممّا لا ثالث لهما إلّا أنّ المعتبر في الصوم ليس هو مطلق الترك ، بل خصوص الترك القربي ، لفرض كون الصوم من العبادات ، ومن الواضح أنّ الارتماس وتركه لله بينهما واسطة وهو تركه لا لله.

وعليه ، فتارك الارتماس يمكن أن يؤمَر حينئذٍ بأن يكون تركه لله على نحو الخطاب الترتّبي ، وقد مرّ في محلّه في الأُصول (٢) أنّ مجرّد إمكان الترتّب كافٍ في الوقوع ولا حاجة إلى قيام دليل عليه بالخصوص ، فيؤمَر حينئذٍ بإتمام صيامه والكفّ عن المفطرات التي منها الارتماس عن قربة على تقدير تركه ، نظير ما لو كان مأموراً أثناء الصلاة بالتكلّم لإنقاذ الغريق مثلاً وإن كان يبطل صلاته ، فلو عصى ولم يتكلّم صحّت صلاته بالأمر الترتّبي.

(١) حكم (قدس سره) ببطلان الصوم والغسل في صورة العمد ، وبصحّتهما مع النسيان ، وبصحّة الغسل دون الصوم في الواجب الموسّع أو الصوم المستحبّ ،

__________________

(١) هذا في شهر رمضان وكذلك في قضائه بعد الزوال على الأحوط ، وأما في غيرهما فالظاهر الحكم بصحة الغسل ، وذلك لأنّ الصوم يبطل بنيّة الاغتسال وبعد البطلان لا يحرم عليه الارتماس ، فلا موجب لبطلان الغسل.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٣١٠.

١٧٨

[٢٤٢٧] مسألة ٤٤ : إذا أبطل صومه بالارتماس العمدي (١) : فإن لم يكن من شهر رمضان ولا من الواجب المعيّن غير رمضان يصحّ له الغسل حال المكث في الماء أو حال الخروج (*). وإن كان من شهر رمضان يشكل صحّته حال المكث ، لوجوب الإمساك عن المفطرات فيه بعد البطلان أيضاً ،

______________________________________________________

والوجه في ذلك كلّه ظاهر.

أمّا الأوّل : فلأجل فرض الارتماس العمدي الذي هو مفطر للصوم المعيّن كما مرّ (١) ، وبما أنّه منهيٌّ عنه حينئذٍ فلا يتحقّق به الغسل. ولكنه خاصّ بما تضمّن النهي المزبور كصوم شهر رمضان ، حيث يحرم فيه الإفطار حتّى بعد نيّة الإبطال ، نظراً إلى وجوب الإمساك عليه تأدّباً ، وأمّا غيره من أقسام الصوم الواجب المعيّن فحيث لا وجوب فلا يحرم الارتماس بعد تحقّق البطلان بمجرّد نيّته ، ومعه لا موجب لبطلان الغسل.

وأمّا الثاني : فلفرض كون الارتماس سهويّاً فلا ينتقض به الصوم ، وحيث لا يكون مفطراً فلا نهي عنه ، فلا مانع من صحّة الغسل.

وأمّا الثالث الذي هو مفروض في صورة العمد ـ : فلبطلان الصوم بالارتماس العمدي ، وبما أنّه غير منهي عنه لفرض جواز إبطال الصوم المستحبّ أو غير المعيّن فلا مانع من وقوعه غسلاً.

(١) هذه المسألة مبنيّة على ما اشتهر بين المتأخرين إذ لم نعرف من تعرّض له من القدماء من جواز الغسل الارتماسي بتحريك البدن في الماء.

__________________

(*) هذا مبنى على صحّة الغسل حال المكث أو الخروج من الماء في نفسه وقد مرّ أنّه محلّ إشكال.

(١) في ص ١٦٥.

١٧٩

بل يشكل صحّته حال الخروج أيضاً ، لمكان النهي السابق ، كالخروج من الدار الغصبيّة إذا دخلها عامداً ، ومن هنا يشكل (*) صحّة الغسل في الصوم الواجب المعيّن أيضاً ، سواء كان في حال المكث أو حال الخروج.

______________________________________________________

وأمّا على المختار من عدم الجواز لاعتبار إحداث الارتماس كما أشرنا إليه في محلّه (١) فلا مجال لعقد هذه المسألة من أصلها كما لا يخفى.

وعليه نقول : أمّا إذا لم يكن الصوم من رمضان ولا من الواجب المعيّن فلا إشكال في صحّة الغسل حال المكث أو حال الخروج ، لجواز نقض مثله باستعمال المفطر ، فحاله حال الارتماس الصادر من غير الصائم ، والمفروض حينئذٍ جواز الاغتسال في الحالتين.

وأمّا إذا كان من شهر رمضان فلا ينبغي الإشكال في عدم الصحّة حال المكث ، لما تقدّم من أنّ مقتضى مناسبة الحكم والموضوع حرمة الارتماس على الصائم حدوثاً وبقاءً (٢) ، بعد ملاحظة ما سيجي‌ء في محلّه إن شاء الله تعالى من وجوب الإمساك عن المفطرات في شهر رمضان حتّى بعد البطلان (٣) ، فيحرم تناول المفطر بعد الإفطار أيضاً حتّى إذا لم ينو الصوم كما في أكثر الفسّاق. وعليه ، فلدى حدوث الارتماس وإن بطل الصوم إلّا أنّه يحرم البقاء أيضاً ، ومعه

__________________

(*) لا إشكال في صحّة الغسل حال المكث أو حال الخروج بناءً على صحّة الغسل في هذا الحال في نفسه.

(١) شرح العروة ٦ : ٣٨٨ ٣٨٩.

(٢) في ص ١٧٦.

(٣) شرح العروة ٢٢ : ١٠.

١٨٠