موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا الثاني أعني : الإضافة الخاصّة التي هي الموضوع للأثر فهي مستهلكة لا محالة ، إذ لا موضوع لها بقاءً.

ومقامنا من هذا القبيل ، فإنّ الريق ما دام كونه في الفم يجوز ابتلاعه ، وإذا خرج لا يجوز ، فهناك صنفان محكومان بحكمين ، فإذا امتزج الصنفان على نحوٍ تحقّق معه الاستهلاك لا بما هو ريق ، بل بما هو ريق خارجي جاز ابتلاعه ، فالبلّة الموجودة على الخيط المستهلكة في ريق الفم على وجهٍ لا يصدق عليها الرطوبة الخارجيّة يجوز ابتلاعها كما ذكره في المتن ، لانقطاع الإضافة وانعدام الموضوع حسبما عرفت.

ويدلّ عليه مضافاً إلى كونه مطابقاً للقاعدة كما عرفت الروايات الواردة في جواز السواك بالمسواك الرطب ، وفي بعضها جواز بلّه بالماء والسواك به بعد النفض (١) ، إذ من المعلوم أنّه لا ييبس مهما نفض ، بل يبقى عليه شي‌ء ما من الرطوبة ، ومع ذلك حكم (عليه السلام) بجواز السواك به ، وليس ذلك إلّا من أجل استهلاك تلك الرطوبة في ريق الفم.

ويؤيّده بل يؤكّده ما ورد من جواز المضمضة ، بل الاستياك بنفس الماء وأنّه يفرغ الماء من فمه ولا شي‌ء عليه (٢) ، فإنّه تبقى لا محالة أجزاء من الرطوبة المائيّة في الفم ، إلّا أنّه من جهة الاستهلاك في الريق لا مانع من ابتلاعها.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٨٣ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٨ ح ٣ وص ٨٥ ب ٢٨ ح ١١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٨٦ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٨ ح ١٥ ، ١٦ وص ٩١ ب ٣١ ح ١.

١٠١

وكذا يبطل بابتلاع ما يخرج من بقايا الطعام من بين أسنانه (١).

______________________________________________________

(١) لعدم الفرق بينه وبين الطعام الخارجي ، غايته أنّه بقي بين الأسنان برهةً من الزمان ، فيصدق الأكل على ابتلاعه ، بعد ما عرفت من عدم الفرق بين القليل والكثير بمقتضى إطلاق الأدلّة ، فإذا ابتلعه متعمّداً بطل صومه.

هذا ، وقد يُتوهّم عدم البطلان ، استناداً إلى ما ورد في صحيح ابن سنان : عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشي‌ء من الطعام ، أيفطر ذلك؟ «قال : لا» قلت : فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه؟ «قال : لا يفطر ذلك» (١). حيث دلّت صريحاً على جواز ازدراد ما يخرج من الداخل إلى فضاء الفم ، فإذا جاز ذلك جاز ابتلاع ما يخرج من بين الأسنان إلى الفم بمناطٍ واحد.

وأنت خبير بأنّ هذا قياسٌ محض مع وجود الفارق ، فإنّا لو عملنا بالصحيحة في موردها فغايته جواز ابتلاع ما يخرج من الداخل ، فيكون حكمه حكم ما يخرج من الصدر أو ينزل من الرأس ممّا هو أمر داخلي موجود في الباطن ، فيقال : إنّه لا بأس برجوعه بعد الخروج ، وأين هذا من الطعام الخارجي الذي لم يدخل بعدُ في الجوف وكان باقياً بين الأسنان؟! فالتعدّي عن مورد الصحيحة إلى بلع ما دخل فمه من الخارج قياسٌ واضح ، على أنّ الصحيحة لا عامل بها في موردها على ما قيل ، ولا بدّ من ردّ علمها إلى أهلها.

مع أنّ للمناقشة في دلالتها مجال ، لجواز أن يكون السؤال ناظراً إلى الازدراد أي الابتلاع قهراً ومن غير اختيار كما لعلّه الظاهر ، وإلّا فالابتلاع العمدي الاختياري بعيدٌ جدّاً فإنّ الطبع البشري لا يرغب في ابتلاع ما يخرج

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٨٨ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٩ ح ٩.

١٠٢

[٢٣٨٤] مسألة ١ : لا يجب التخليل بعد الأكل لمن يريد الصوم وإن احتمل أنّ تركه يؤدّي إلى دخول البقايا بين الأسنان في حلقه ، ولا يبطل صومه لو دخل بعد ذلك سهواً. نعم ، لو علم أنّ تركه يؤدّي إلى ذلك وجب عليه وبطل صومه على فرض الدخول (*) (١).

______________________________________________________

من جوفه ، بل يشمئزّ منه غالباً ، فكيف يقع السؤال عنه؟! فيكون ذلك قرينة على اختصاص مورد السؤال بالابتلاع القهري ، وكأنّ الداعي للسؤال توهّم أنّ القلس حيث كان بالاختيار فيكون ذلك موجباً لإبطال الازدراد وإن لم يكن اختيارياً ، لانتهائه إليه.

وعلى الجملة : بما أنّ الإنسان حتّى غير الصائم فضلاً عن الصائم الملتفت يتنفّر بحسب طبعه عن ابتلاع ما في فمه الخارج من جوفه ، فلأجله يكون منصرف الرواية السؤال عن الابتلاع القهري ، ولا أقلّ من احتمال ذلك. فلا يكون لها ظهور في الازدراد الاختياري ، فيرتفع الإشكال من أصله. وكيفما كان ، فمورد الرواية خارجٌ عن محلّ الكلام كما عرفت.

(١) لا ريب في عدم وجوب التخليل على الصائم بما هو تخليل ، لحصر المفطرات في أُمور ليس منها ترك التخليل كما هو ظاهر.

إنّما الكلام فيما إذا احتمل أنّ تركه يؤدّي إلى دخول البقايا بين الأسنان في حلقه ، إمّا بغير اختياره كما في حالة النوم ، أو لأجل نسيانه الصوم وإن كان الدخول اختياريّاً. والظاهر عدم وجوبه حينئذٍ أيضاً ، فلا يبطل صومه لو دخل بعد ذلك سهواً كما ذكره في المتن ، لعدم الدليل عليه ، بعد أن كان مقتضى

__________________

(*) بل يبطل صومه وإن فرض عدم الدخول في الحلق ، نعم مع فرض الدخول تجب الكفّارة أيضاً.

١٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الاستصحاب عدم الدخول ، ومن المعلوم أنّ الدخول نسياناً أو بغير اختيار لا أثر له ، لما سيجي‌ء إن شاء الله تعالى من اختصاص قدح استعمال المفطرات بصورة العمد (١) ، فما يُحتمل وقوعه لا يكون مفطراً ، وما هو المفطر وهو المستند إلى العمد لا يحتمل وقوعه حسب الفرض ، فلا قصور في إطلاقات العفو عن تناول المفطر نسياناً أو بغير اختيار وأنّه رزقٌ رزقه الله عن الشمول للمقام.

وليس ترك التخليل موجباً للتفريط الملحق بالعمد قطعاً ، لانصراف الإطلاقات عنه ، إذ هو إنّما يستوجبه في صورة العلم بالترتّب لا مع الاحتمال المحض كما هو محلّ الكلام.

وعلى الجملة : حال البقايا بين الأسنان حال المأكول أو المشروب الخارجي ، فكما لا يجب على الصائم إخراج الكوز الموجود في الغرفة وإن احتمل أنّ بقاءه يؤدي إلى شرب الماء نسياناً أو بغير اختيار بالضرورة ، فكذا لا يجب التخليل في المقام بمناطٍ واحد ، وهو الشكّ في التناول المحكوم بالعدم بمقتضى الاستصحاب ، بعد عدم كون الترك مصداقاً للتفريط كما سمعت ، فتشمله إطلاقات عدم البأس فيما لو تناوله أو ابتلعه بعد ذلك سهواً.

وممّا ذكرنا تعرف وجوب التخليل فيما إذا علم أنّ تركه يؤدّي إلى دخول البقايا في الحلق سهواً أو بغير اختيار ، لما عرفت من كون الترك حينئذٍ مصداقاً للتفريط ، فلا تشمله إطلاقات العفو ، إذ لا يقال حينئذٍ : إنّه رزقٌ رزقه الله ، بعد فرض سبق العلم بالترتّب ، بل لو دخل الحلق بعد ذلك ولو بغير اختياره كان مصداقاً للإفطار الاختياري ، لانتهائه إلى المقدّمة الاختياريّة ، وهي ترك التخليل ، إذ لا يُعتبر الاختيار حال العمل ، فلو ألقى نفسه في الماء من شاهقٍ عالماً بكونه موجباً للارتماس ، أو وضع فمه في مسيل ماء ونام مع العلم باستلزامه

__________________

(١) في ص ٢٦٥.

١٠٤

[٢٣٨٥] مسألة ٢ : لا بأس ببلع البصاق وإن كان كثيراً مجتمعاً ، بل وإن كان اجتماعه بفعل ما يوجبه كتذكّر الحامض مثلاً (١) لكن الأحوط الترك في صورة الاجتماع خصوصاً مع تعمّد السبب.

______________________________________________________

دخول الماء في الجوف ، أفطر بلا إشكال وإن كان في ظرف العمل فاقداً للاختيار ، لانتهائه إليه ، وقد تقرّر أنّ الممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

فما ذكره في المتن من الحكم بالبطلان في صورة العلم بالترتّب هو الصحيح ، ولكنّه (قدس سره) قيّده بفرض الدخول في الجوف ، ولا وجه له ، بل الظاهر البطلان مع العلم المزبور وإن لم يتحقّق الدخول خارجاً ، وذلك لفقد نيّة الصوم المعتبرة في صحّته ، إذ لا يجتمع هذا العلم مع نيّة الإمساك في مجموع النهار ، لوضوح كمال التنافي بينهما بالضرورة ، إذ كيف يمكن العزم على الإمساك عن الأكل من طلوع الفجر إلى الغروب مع تركه التخليل عالماً باستلزامه لدخول البقايا في الجوف ، فإنّ معنى هذا عدم كونه عازماً على الإمساك كما هو ظاهر.

نعم ، لا تترتّب الكفّارة إلّا عند تحقّق الدخول ولعلّه مراد الماتن (قدس سره) وإن كان بعيداً عن العبارة لأنّها متفرّعة على الإفطار الخارجي ، ومن أحكام واقع الأكل لا نيّته ، إذ هي لا تقتضي إلّا مجرّد بطلان الصوم ، لفقدان النيّة ، ولا تستوجب الكفّارة بوجه كما هو ظاهر.

فتحصّل : أنّ التخليل غير واجب وإن احتمل أنّ تركه يؤدّي إلى الدخول القهري أو السهوي ، ومع العلم بذلك يجب ، ولو تركه حينئذٍ بطل صومه وإن لم يتّفق الدخول ، ومع اتّفاقه تجب الكفّارة أيضاً حسبما عرفت.

(١) بلا خلافٍ فيه من أحد ، بل الظاهر هو التسالم عليه ، لقيام السيرة العمليّة من المتشرّعة على ذلك ، إذ لم يُعهَد منهم الاجتناب عنه ، ومن المعلوم

١٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

جدّاً عدم كونه مشمولاً لإطلاقات الأكل والشرب ، فإنّها منصرفة عن مثله بالضرورة ، إذ المنسبق إلى الذهن منها إرادة المطعوم والمشروب الخارجي ، لا ما يشمل المتكوّن في جوف الإنسان بحسب طبعه وخلقته ، ولذا لو نهى الطبيب مريضه عن الأكل والشرب في هذا اليوم أو في ساعة خاصّة لا يفهم منه المنع عن ابتلاع البُصاق جزماً ، فلا ينبغي التأمّل في انصراف المطلقات عن بلع البُصاق المجتمع وإن كان اجتماعه بفعل ما يوجبه ، كتذكّر الحامض مثلاً.

ومع التنزّل وتسليم منع الانصراف فلا أقلّ من عدم ظهور الأدلّة في الإطلاق ، والمرجع حينئذٍ أصالة البراءة عن وجوب الإمساك عنه ، فهي إمّا ظاهرة في عدم الشمول بمقتضى الانصراف كما عرفت ، أو أنّها غير ظاهرة في الشمول ومجملة من هذه الجهة ، وعلى التقديرين لا يمكن الاستناد إليها في المنع عن البلع.

هذا مضافاً إلى دلالة بعض النصوص على الجواز ، وهو خبر زيد الشحّام عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في الصائم يتمضمض ، «قال : لا يبلع ريقه حتّى يبزق ثلاث مرّات» (١).

ولكن الرواية ضعيفة بأبي جميلة المفضّل بن صالح ، فلا تصلح إلّا للتأييد ، ولا حاجة إليها بعد أن كان الحكم مطابقاً لمقتضى القاعدة حسبما عرفت.

نعم ، الأحوط الترك مع تعمّد السبب ، فإنّ المستند لو كان هو الإجماع والسيرة العمليّة فشمولهما لهذه الصورة غير ظاهر ، بل المتيقّن من موردهما غير ذلك كما لا يخفى.

نعم ، لو كان المستند قصور الإطلاقات والرجوع إلى أصل البراءة لم يكن فرقٌ حينئذٍ بين الصورتين ، وعلى أيّ حال فالاحتياط ممّا لا ينبغي تركه.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٩١ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣١ ح ١.

١٠٦

[٢٣٨٦] مسألة ٣ : لا بأس بابتلاع ما يخرج من الصدر من الخلط وما ينزل من الرأس ما لم يصل إلى فضاء الفم ، بل الأقوى جواز الجرّ من الرأس إلى الحلق وإن كان الأحوط تركه ، وأمّا ما وصل منهما إلى فضاء الفم فلا يترك الاحتياط فيه بترك الابتلاع (١).

______________________________________________________

(١) يقع الكلام تارةً : فما إذا لم يصل ذلك إلى فضاء الفم ، وأُخرى : فيما إذا وصل.

أمّا الموضع الأوّل : فالظاهر جواز الابتلاع ، بل جواز الجرّ من الرأس إلى الحلق كما ذكره في المتن ، لعدم الدليل على المنع ، فإنّ الوارد في النصوص عنوانان : الأكل والشرب ، والطعام والشراب ، ومرجع الثاني إلى الأوّل كما مرّ ، وإلّا فالطعام والشراب لا يحرم شي‌ء من الاستعمالات المتعلّقة بهما بالإضافة إلى الصائم ما عدا الأكل والشرب كما هو ظاهر.

ومن المعلوم أنّ الأكل والشرب لا يصدق على ابتلاع ما يتكوّن في الجوف من الصدر أو الرأس ما لم يبلغ فضاء الفم ، وإنّما هو انتقال من مكان إلى مكان ، دون أن يصدق عليه الأكل بمفهومه العرفي ، ولا الازدراد بوجه ، بل هو منصرف عن مثله قطعاً ، ولا أقلّ من الشكّ في الصدق ، والمرجع حينئذٍ أصالة البراءة ، فالحكم بالجواز في هذه الصورة مطابق لمقتضى القاعدة ، من غير حاجة إلى قيام دليل عليه بالخصوص ، لقصور الإطلاقات عن الشمول له ، إمّا جزماً أو احتمالاً حسبما عرفت.

وأمّا الموضع الثاني : فلا يبعد بل هو ظاهر صدق الأكل على ابتلاع ما وصل إلى فضاء الفم ممّا خرج من الصدر أو نزل من الرأس ، وعليه فمقتضى إطلاقات الأكل والازدراد بطلان الصوم به.

١٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، في موثّق غياث بن إبراهيم : «لا بأس أن يزدرد الصائم نخامته» (١).

فإنّ الازدراد لو لم يكن ظاهراً فيما وصل إلى فضاء الفم فلا أقلّ من شموله له بالإطلاق ، لكن الشأن في تفسير النخامة ، فظاهر المحقّق في الشرائع : أنّها خصوص ما يخرج من الصدر (٢) ، لجعله النخامة قسيماً لما ينزل من الرأس ، وعن بعض اللغويّين وهو صاحب مختصر الصحاح عكس ذلك ، وأنّها اسمٌ لما ينزل من الرأس ، وأمّا ما يخرج من الصدر فيختصّ باسم النخاعة. وعن جماعة أُخرى من اللغويين كصاحب القاموس والمجمع والصحاح (٣) وغيرهم أنّهما مترادفتان ، فالنخامة هي النخاعة وزناً ومعنًى ، وهي اسمٌ لمطلق ما يخرج من أقصى الحلق من مخرج الخاء المعجمة ، سواء أكان مبدؤه الصدر أم الرأس.

فإن ثبت التفسير الأخير عمّ الحكم كليهما ، وإلّا نظراً إلى أنّ قول اللغوي غاية ما يوجبه الظنّ وهو لا يغني من الحقّ فإن تمّ ما استظهره المحقّق (قدس سره) من الاختصاص وهو من أهل الاستظهار والاطّلاع اختصّ الحكم بما يخرج من الصدر ، وإن لم يتمّ ذلك أيضاً واحتملنا العكس كما سمعت عن صاحب المختصر ، فحيث انّ المعنى حينئذٍ مردّد بين أمرين أو أُمور ، والتفاسير متعارضة من غير ترجيح في البين ، فلا مناص من الاحتياط بالاجتناب عن كلا الأمرين ، لعدم وضوح المراد ممّا حكم فيه بجواز الازدراد.

والحاصل : أنّ مقتضى الإطلاقات وجوب الاجتناب عن كلّ ما صدق عليه الأكل ، الشامل لما وصل إلى فضاء الفم ممّا خرج من الصدر أو نزل من الرأس كما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١٠٨ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣٩ ح ١.

(٢) الشرائع : ٢٢٢.

(٣) القاموس ٤ : ١٨٠ ، مجمع البحرين ٦ : ١٧٤ ، الصحاح ٥ : ٢٠٤٠ نخم.

١٠٨

[٢٣٨٧] مسألة ٤ : المدار صدق الأكل والشرب وإن كان بالنحو غير المتعارف (١) ، فلا يضرّ مجرّد الوصول إلى الجوف إذا لم يصدق الأكل والشرب ،

______________________________________________________

وقد ثبت الجواز في النخامة بمقتضى الموثّقة التي هي بمنزلة التخصيص لتلك العمومات ، وحيث إنّ الخروج عنها يستدعي الركون إلى دليل قاطع ، ودليل المخصّص هنا مجمل لتردّده بين ما ذكر ، فلا محيص عن الاحتياط ، نظراً إلى العلم الإجمالي بمقتضى تلك المطلقات بوجوب الاجتناب عن أحد الأمرين : ممّا خرج من الصدر ، أو نزل من الرأس ، إذ الخارج أحدهما والآخر باقٍ تحت المطلقات لا محالة ، وهو غير متعيّن حسب الفرض.

فما ذكره في المتن من وجوب الاحتياط بترك الابتلاع فيهما معاً هو الصحيح ، وإن شئت قلت : يحتمل أن يكون الخارج خصوص ما خرج من الصدر ، أو خصوص ما نزل من الرأس ، أو الجامع بينهما ، وحيث لم يثبت شي‌ء من ذلك فالمتّبع عموم دليل المنع ، إذ لم يثبت الجواز إلّا لعنوانٍ مجمل ، وهو لا ينفع في الخروج عن عموم المنع ، للزوم التعويل فيه على ما يفيد القطع ، ولأجله كان الاحتياط في محلّه.

نعم ، لو خالف لم تجب عليه الكفّارة ، لعدم العلم بحصول موجبها ، والعلم الإجمالي المزبور لا يقتضيه كما هو ظاهر ، فأصالة البراءة محكّمة ، وكذلك القضاء ، لعدم إحراز الفوت إلّا إذا بنينا على أنّ موضوعه فوت الوظيفة الفعليّة الأعمّ من العقليّة والشرعيّة كي يشمل موارد مخالفة العلم الإجمالي.

(١) كما لو شرب من أنفه على ما تقدّم مفصّلاً (١) ، من عدم دخل الطريق العادي في صحّة إطلاق الأكل والشرب المتقوّم بحسب الصدق العرفي بدخول

__________________

(١) في ص ٩٢ ٩٣.

١٠٩

كما إذا صبّ دواءً في جرحه أو شيئاً في أُذنه أو إحليله فوصل إلى جوفه. نعم ، إذا وصل من طريق أنفه فالظاهر أنّه موجب للبطلان إن كان متعمّداً ، لصدق الأكل والشرب حينئذ.

______________________________________________________

شي‌ء في الجوف من طريق الحلق ، سواء أكان ذلك على النهج المتعارف أم غيره ، ومجرّد الغلبة الخارجيّة لا تستدعي الانصراف بنحوٍ يعتدّ به في رفع اليد عن الإطلاق ، فإذن لا فرق في المنع بين الدخول في الحلق من طريق الفم أو الأنف أو غيرهما ، كما لو فرضنا ثقباً تحت الذقن مثلاً بحيث يصل المطعوم أو المشروب من طريقه إلى الحلق.

فالعبرة بدخول الحلق وعدمه كيفما كان ، كما تشير إليه صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن الصائم ، هل يصلح له أن يصب في اذنه الدهن؟ «قال : إذا لم يدخل حلقه فلا بأس» (١).

ولا يبعد فرض ثقب في اذن الصائم المفروض في السؤال يصل إلى حلقه لمرضٍ فيها ، ولأجله كان يصبّ فيها الدهن ، وإلّا فلا طريق من الاذن السالمة إلى الحلق.

وعلى أيّ حال ، فالمدار على الدخول في الحلق كيفما اتّفق.

ومنه تعرف عدم البأس بالدخول في الجوف من غير هذا الطريق ، إلّا أن يقوم عليه دليل بالخصوص ، فيقتصر على مورده كما في الاحتقان بالمائع.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٧٣ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٢٤ ح ٥ ، مسائل على بن جعفر : ١١٠ / ٢٣.

١١٠

[٢٣٨٨] مسألة ٥ : لا يبطل الصوم بإنفاذ الرمح أو السكّين أو نحوهما بحيث يصل إلى الجوف وإن كان متعمّداً (١).

الثالث : الجماع وإن لم ينزل للذكر والأُنثى ، قُبُلاً أو دُبُراً ، صغيراً كان أو كبيراً ، حيّاً أو ميّتاً ، واطئاً أو موطوءاً ، وكذا لو كان الموطوء بهيمة (*) ، بل وكذا لو كانت هي الواطية (٢).

______________________________________________________

وأمّا ما عدا ذلك فلا ضير فيه ، لعدم كونه من الأكل والشرب في شي‌ء ، كما لو صبّ دواءً في جرحه أو شيئاً في اذنه أو إحليله فوصل إلى جوفه ، ونحوه ما لو أنفذ رمحاً أو سكّيناً أو نحوهما بحيث وصلا إلى الجوف كما ذكره الماتن في المسألة الآتية ، فإنّ شيئاً من ذلك لا يوجب البطلان ، لخروجه عن الأكل والشرب حسبما عرفت.

(١) كما ظهر ممّا مرّ آنفاً.

(٢) لا إشكال كما لا خلاف بين المسلمين في مفطريّة الجماع في الجملة وإن لم ينزل ، بل لعلّه من الضروريّات ، وقد نطق به الكتاب العزيز ، قال تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) (١) ، واستفاضت به النصوص ، التي منها الصحيحة المتقدّمة (٢) التي رواها المشايخ : «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال» وعدّ منها النساء.

__________________

(*) البطلان فيه وفيما بعده مبنى على تحقّق الجنابة بهما ، والاعتبار في الجميع إنّما هو بتحقّقها.

(١) البقرة ٢ : ١٨٧.

(٢) في ص ٩٥.

١١١

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا شكّ في تحقّقه بوطء المرأة قُبُلاً ، بل هو القدر المتيقّن من الأدلّة ، وكذا دُبُراً مع الإنزال ، فإنّه بنفسه سببٌ للإفطار وموجبٌ للبطلان بلا إشكال ، بل وبدون الإنزال أيضاً ، للإطلاقات ، فإنّ الحكم في الروايات مترتّب على عنوان الجماع وإتيان الأهل ، والمذكور في الصحيحة المتقدّمة : النساء ، وكلّ ذلك يعمّ الدبر كالقبل ، فإنّه أحد المأتيّين كما في النصّ. ودعوى الانصراف إلى الثاني بلا موجب.

ويدلّ عليه أيضاً الروايات المتعدّدة التي يستفاد منها أنّ موضوع الحكم هو الجنابة ، وإلّا فالجماع بما هو لا خصوصيّة له ، ومنها : رواية القمّاط : عمّن أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل فنام حتّى أصبح «قال : لا شي‌ء عليه ، وذلك أنّ جنابته كانت في وقتٍ حلال» (١).

دلّت على أنّ الاعتبار في البطلان بوقوع الجنابة في وقتٍ حرام ، فالعبرة بحصول الجنابة نفسها ، وقد تقدّم في بحث الأغسال من كتاب الطهارة : أنّ وطء المرأة دُبُراً وإن لم ينزل موجبٌ للجنابة ، جاز ذلك أم لم يجز (٢) ، فيكون ذلك موجباً لبطلان الصوم مع العمد بطبيعة الحال.

إنّما الكلام في الإيلاج في دُبُر الغلام وفرج البهيمة ، فقد تردّد فيه المحقّق وعلّق الحكم بالبطلان على كونه موجباً للجنابة ، حيث ذكر أنّه يتبع وجوب الغسل (٣). فإن قلنا به بطل الصوم وإلّا فلا.

وما ذكره (قدس سره) هو الصحيح ، ولقد أجاد فيما أفاد ، لما عرفت آنفاً من دلالة النصوص على دوران البطلان مدار تحقّق الجنابة ، وقد تقدّم في كتاب

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ١.

(٢) شرح العروة ٦ : ٢٦٠ ٢٦٢.

(٣) الشرائع ٢ : ١٤.

١١٢

ويتحقّق بإدخال الحشفة أو مقدارها من مقطوعها ، فلا يبطل بأقلّ من ذلك (١) ، بل لو دخل بجملته ملتوياً ولم يكن بمقدار الحشفة لم يبطل وإن كان لو انتشر كان بمقدارها.

______________________________________________________

الطهارة البحث عن ذلك ، وقلنا : إنّه لم يدلّ دليل على تحقّقها بالوطء في دبر غير المرأة من غير إنزال ، وعليه فلا يكون موجباً لبطلان الصوم.

بل لعلّ الصحيحة المتقدّمة الحاصرة لما يجتنبه الصائم في ثلاث أو أربع خصال تدلّ على عدم البطلان ، لأنّ المذكور فيها النساء لا مطلق الوطء ، فتدلّ بإطلاقها على عدم البطلان بوطء الذكر بعد أن كان مجتنباً عن النساء.

وكيفما كان ، فالحكم في المقام يتبع ما تقدّم في بحث الأغسال ، فإن قلنا : إنّ وطء الغلام يوجب الغسل بطل الصوم ، وإن لم نقل به كما هو الصحيح ، لعدم الدليل عليه إلّا بعض الإجماعات التي ادُّعيت في كلمات بعضهم فلا ، إذ ليس هناك شي‌ء آخر ما عدا الجنابة يكون بعنوانه مضرّاً بالصوم.

ومن هنا يظهر الحال في وطء البهيمة من غير إنزال ولا قصد إنزال ، فإنّ الكلام فيه هو الكلام ، فإن قلنا بأنّه موجبٌ للغسل وتتحقق به الجنابة بطل الصيام ، وإلّا كما هو الصحيح ، لعدم الدليل عليه كما مرّ في محلّه فلا.

وأشكل من هذين ما لو كانت البهيمة هي الواطية ، لعدم قيام أيّ دليل على تحقّق الجنابة بذلك على ما سبق في محلّه ، فلاحظ.

(١) والوجه فيه ما عرفت آنفاً من أنّه وإن كان المذكور في الروايات هو الجماع أو إتيان النساء أو مجامعة الأهل ونحو ذلك من العناوين ، إلّا أنّه يستفاد من روايات عديدة أنّ العبرة في الحقيقة بنفس الجنابة وتحقّق موجب الغسل ،

١١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فهو الموضوع ، ولا اعتبار بالجماع بما هو جماع ، وقد تقدّم في بحث الأغسال : أنّ محقّق الجنابة إنّما هو دخول الحشفة ، بمقتضى قوله (عليه السلام) : «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل» ، فلا يجب الغسل لا عليه ولا عليها بإيلاج الأقلّ من ذلك ، فلا يبطل صومه ولا صومها (١).

هذا فيمن كانت له حشفة.

وأمّا في مقطوعها ، فالتعدّي إليه مبنيٌّ على فهم التقدير من الرواية المتقدّمة ، وهو لا يخلو من الإشكال كما تقدّم في بحث الأغسال.

إذن فإطلاقات إتيان الأهل والجماع والإيلاج الصادقة على إيلاج الأقلّ من مقدار الحشفة محكّمة ، لعدم الدليل على اعتبار التحديد بالمقدار في مقطوع الحشفة ، فإنّ رواية التقاء الختانين موضوعها فرض وجود الحشفة ، فلا يعمّ عدمها.

ثمّ إنّا استشهدنا فيما مرّ لهذه الدعوى أعني : دلالة النصوص على كون العبرة بنفس الجناية لا بالجماع بما هو جماع وإن لم يستوجبها بصحيحة ابن أبي نصر عن القمّاط (٢).

وتقريب الاستدلال : أنّ الجنابة المذكورة في السؤال إمّا أن يراد بها ما استندت إلى الإنزال أو إلى الجماع ولا ثالث ، ولا يمكن حمل الصحيحة على الأوّل ، لأنّ منشأه :

إمّا الاستمناء ، وهو محرّم مطلقاً ولا يختصّ بوقتٍ دون وقت ، فلا معنى لقوله (عليه السلام) : «إنّ جنابته كانت في وقتٍ حلال».

__________________

(١) شرح العروة ٦ : ٢٥٣.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥٧ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٣ ح ١.

١١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

أو الاحتلام ، وهو محلّل مطلقاً ، فلا يناسبه أيضاً الجواب المزبور.

أو الملاعبة والعبث بالزوجة ، ومن البعيد جدّاً ، إرادتها بالخصوص من الصحيحة كما لا يخفى.

فلا مناص من أن يراد بها الجنابة المسبَّبة عن الجماع أو ما يعمّه والأخير.

وعلى أيّ تقدير ، فالجماع مفروض في مورد الصحيحة لا محالة ، وقد علّل (عليه السلام) نفي البأس في الجواب بقوله : «إنّ جنابته كانت في وقت حلال» الدالّ بمقتضى التعليل على البطلان فيما لو كانت في وقتٍ حرام وهو النهار ، فجعل الاعتبار بنفس الجنابة وأنّها توجب البطلان تارةً ولا توجبه اخرى ، مع أنّ الجنابة المقرونة بالجماع مسبوقة به دائماً ، إذ الدخول تدريجي الحصول ، لامتناع الطفرة ، فيدخل مقدار من الحشفة أوّلاً ثمّ تمامها ، وبذلك تتحقّق الجنابة.

فلو كان الجماع المتحقّق قبل ذلك هو المقتضي للبطلان كان اللازم استناده إليه لا إلى الجنابة المتأخّرة عنه ، إذ الشي‌ء يستند إلى أسبق علله ، فإناطة الحكم بها واستناد الإفطار إليها يدلّ بوضوح على أنّها بنفسها تمام الموضوع في المفطريّة ، وبذلك تتقيّد إطلاقات الجماع والنساء وإتيان الأهل ونحو ذلك ممّا ورد في الكتاب والسنّة ، ويحمل على اختصاص المفطريّة بما كان موجباً للجنابة ، وهو المشتمل على إدخال الحشفة بتمامها دون ما لا يستوجبها.

وأوضحُ دلالةً من هذه الصحيحة : ما رواه الكليني بإسناده عن يونس في حديث : قال في المسافر يدخل أهله وهو جنب قبل الزوال ولم يكن أكل فعليه أن يتمّ صومه ولا قضاء عليه ، يعني إذا كانت جنابته من احتلام (١).

دلّت على أنّ الجنابة غير الاختياريّة الناشئة من الاحتلام غير مانعة عن

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١٩٠ / أبواب من يصح منه الصوم ب ٦ ح ٥ ، الكافي ٤ : ١٣٢ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٩٣ / ٤١٥.

١١٥

[٢٣٨٩] مسألة ٦ : لا فرق في البطلان بالجماع بين صورة قصد الإنزال وعدمه (١).

______________________________________________________

تجديد النيّة بعد فرض عدم استعمال المفطر من أكلٍ ونحوه ، فتدلّ بمفهوم الشرط على مانعيّة الجنابة الاختياريّة ، فتكون هي بنفسها موجبة للبطلان وموضوعاً للإفطار.

وأمّا سند الرواية فليس فيه من يغمز فيه عدا محمد بن عيسى بن عبيد الذي استثناه الصدوق تبعاً لشيخه ابن الوليد ممّن ينفرد بروايته عن يونس ، وقد تقدّم غير مرّة أنّ هذا اجتهادٌ من ابن الوليد ورأيٌ ارتآه ، وقد أنكر عليه جمعٌ ممّن تأخّر عنه كابن نوح (١) وغيره وقالوا : مَن مثل العبيدي؟! وأنّه ليس في أقرانه مثله ، فلا وجه للمناقشة من هذه الجهة.

نعم ، الرواية مقطوعة على طريق الكافي كما في الوسائل ، حيث أسندها إلى يونس نفسه دون الإمام (عليه السلام) ، ولكن المظنون قويّاً أنّ نسخة الكافي مشتملة على السقط إمّا من الكليني نفسه أو من النسّاخ ، فإنّها مرويّة في الفقيه عن يونس عن موسى بن جعفر (عليه السلام). وكيفما كان ، ففي رواية الصدوق غنى وكفاية ، فهي معتبرة السند واضحة الدلالة حسبما عرفت.

(١) بلا إشكال فيه ، فإنّ الإنزال عنوانٌ آخر لا ربط له بمفطريّة الجماع ، وظاهر الأدلّة أنّ الجماع بنفسه موضوعٌ مستقلّ للحكم بالبطلان وإن كان ذلك من أجل إيجابه للجنابة حسبما مرّ (٢) ، بل مقتضى إطلاق الأدلة مفطريّة الجماع وإن كان قاصداً عدم الإنزال.

__________________

(١) لاحظ رجال النجاشي : ٣٤٨ / ٩٣٩ ، في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى.

(٢) في ص ١١١.

١١٦

[٢٣٩٠] مسألة ٧ : لا يبطل الصوم بالإيلاج في غير أحد الفرجين (١) بلا إنزال ، إلّا إذا كان قاصداً له ، فإنّه يبطل وإن لم ينزل ، من حيث إنّه نوى المفطر.

[٢٣٩١] مسألة ٨ : لا يضرّ إدخال الإصبع ونحوه لا بقصد الإنزال (٢).

[٢٣٩٢] مسألة ٩ : لا يبطل الصوم بالجماع إذا كان نائماً ، أو كان مكرهاً بحيث خرج عن اختياره (*) ، كما لا يضرّ إذا كان سهواً (٣).

______________________________________________________

(١) كالتفخيذ ونحوه ، لتقوّم الجماع بالإيلاج في أحد المخرجين ، فغيره ليس من الجماع في شي‌ء ولا موجباً للجنابة ، فلا يكون مفطراً ، إلّا إذا كان قاصداً للإنزال ، فيبطل صومه حينئذٍ وإن لم ينزل ، من أجل أنّه نوى المفطر ، وهو بنفسه موجب للبطلان كما تقدّم (١).

(٢) ضرورة أنّ بطلان الصوم يدور مدار تحقّق ما يوجب الجنابة ، فإدخال الآلة في غير المخرجين وإدخال غير الآلة في أحد المخرجين كلّ ذلك لا يوجب البطلان ، والحكم واضح.

(٣) لأنّ المعتبر في مفطريّة الجماع كغيره من سائر المفطرات صدوره عن عمدٍ واختيار على ما سيجي‌ء إن شاء الله تعالى في محلّه (٢) ، ولأجل أنّ الجماع الصادر حال النوم كالصادر حال السهو ونسيان الصوم غير مستند إلى العمد ، فلا يكون شي‌ءٌ منهما موجباً للبطلان.

__________________

(*) وأمّا إذا صدر باختياره ولو كان عن إكراه فالأظهر فيه البطلان.

(١) في ص ٨٤.

(٢) في ص ٢٦٥.

١١٧

[٢٣٩٣] مسألة ١٠ : لو قصد التفخيذ مثلاً فدخل في أحد الفرجين لم يبطل (١) ، ولو قصد الإدخال في أحدهما فلم يتحقّق كان مبطلاً ، من حيث إنّه نوى المفطر.

______________________________________________________

وكذلك الحال فيما لو كان مكرَهاً عليه ، لا بمعنى التوعيد عليه من جائرٍ أو مكرِهٍ ولو نفس الزوجة ، بحيث هدّد بإيقاعه في ضررٍ لو لم يفعل ، لصدور الفعل حينئذٍ عن إرادته واختياره ، وغاية ما يقتضيه دليل رفع الإكراه إنّما هو رفع الحرمة لا رفع المفطريّة كي يقتضي الصحّة ، وتعلّق الأمر بالعمل على ما سيجي‌ء التعرّض له إن شاء الله تعالى مفصّلاً في مسألة مستقلة في مطاوي المسائل الآتية (١).

بل بمعنى سلب الاختيار عنه ، كما لو شُدّت يداه ورجلاه وأُوقع في هذا العمل بحيث صدر منه من غير أيّ اختيار ، فإنّ مثله لا يوجب البطلان ، لما عرفت من اعتبار الاختيار فيه.

(١) لعدم استناد الدخول حينئذٍ إلى الاختيار ، فإنّه قصد عنواناً فاتّفق غيره من غير قصد ، وقد عرفت آنفاً اعتبار الاختيار في الحكم بالإفطار.

وأمّا عكس ذلك أعني : ما لو قصد الإدخال في أحدهما فاتّفق عدم تحقّقه فهو مبطل ، من حيث إنّه نوى المفطر كما عُلِم ممّا مرّ.

__________________

(١) في ص ٢٧٥.

١١٨

[٢٣٩٤] مسألة ١١ : إذا دخل الرجل بالخنثى قُبُلاً لم يبطل صومه ولا صومها ، وكذا لو دخل الخنثى بالأُنثى ولو دُبُراً ، أمّا لو وطئ الخنثى دُبُراً بطل صومهما ، ولو دخل الرجل بالخنثى ودخلت الخنثى بالأُنثى بطل صوم الخنثى دونهما ، ولو وطئت كلٌّ من الخنثيين الأُخرى لم يبطل صومهما (١).

______________________________________________________

(١) قد تلاحَظ الخنثى مع الرجل وأُخرى مع الأُنثى ، وثالثةً مع خنثى مثلها.

أمّا الأوّل : فلا إشكال في بطلان صومهما فيما إذا كان الوطء في دبر الخنثى ، بناءً على المشهور من البطلان وتحقّق الجنابة بالإيلاج في دبر الرجل كالأُنثى.

وأمّا بناءً على ما تقدّم من المحقّق (قدس سره) من التردّد في ذلك (١) لعدم الدليل عليه كما عرفت فلا وجه للبطلان بعد احتمال كون الخنثى ذكراً ، ما لم يتحقّق الإنزال كما هو المفروض.

وأمّا إذا كان الوطء في قبلها ، أو كانت هي الواطية ، فلا يبطل صومه ولا صومها ، للشكّ في تحقّق الجنابة بعد احتمال كون ثقبها أو آلتها عضواً زائداً مغايراً للخلقة الأصليّة ، ولا جنابة إلّا بالإيلاج بآلة أصليّة في أحد المخرجين الأصليّين الحقيقيّين على ما تقتضيه ظواهر الأدلة ، فبالنتيجة يشكّ في حصول الجماع المفطر ، فيرجع إلى أصالة العدم.

وأمّا الثاني : فكذلك ، سواء أدخلت الخنثى في قبل الأُنثى أم في دبرها ، لاحتمال كون آلتها عضواً زائداً لا يترتّب على إيلاجه أيّ أثر.

ومنه يظهر الحال في الثالث سواء أكانت الخنثى واطئة لمثلها أم موطوءة ، لاحتمال مساواتهما في الذكورة والأنوثة ، فلا يكون الداخل أو المدخول فيه

__________________

(١) في ص ١١٢.

١١٩

[٢٣٩٥] مسألة ١٢ : إذا جامع نسياناً أو من غير اختيار ثمّ تذكّر أو ارتفع الجبر وجب الإخراج فوراً ، فإن تراخي بطل صومه (١).

[٢٣٩٦] مسألة ١٣ : إذا شكّ في الدخول أو شكّ في بلوغ مقدار الحشفة لم يبطل صومه (*) (٢).

______________________________________________________

حينئذٍ من الخلقة الأصليّة كما هو ظاهر.

(١) فإنّه وإن كان معذوراً حدوثاً لكنّه عامدٌ بقاءً ، وظاهر الأدلّة مثل قوله (عليه السلام) : «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال» شمول المفطريّة للأعم منهما ، لصدق عدم الاجتناب عن الجماع بقاءً ، ونتيجته بطلان الصوم مع التراخي كما أفاده (قدس سره).

(٢) لا يخفى أنّ الشاكّ المزبور لو كان قاصداً للدخول بطل صومه ، من حيث إنّه نوى المفطر ، سواء دخل أم لا ، ولو لم يكن قاصداً صحّ وإن اتّفق الدخول ، لعدم العمد حينئذٍ ، كما لو كان قاصداً للتفخيذ فدخل من باب الاتّفاق ، فالبطلان وعدمه دائران مدار القصد وعدمه ، لا مدار الدخول الخارجي كما تقدّم في المسألة العاشرة ، فأيّ أثر يترتّب على الشكّ في الدخول أو الشكّ في البلوغ ليرجع في نفيه إلى الأصل ، فإنّه مع القصد يبطل وإن لم يدخل أو لم يبلغ الحشفة ، وبدونه يصحّ وإن دخل وبلغ كما عرفت.

نعم ، تظهر الثمرة في ترتّب الكفارة لا في بطلان الصوم المفروض في العبارة. إذن لا بدّ من فرض كلامه (قدس سره) فيما إذا كان الأثر وهو البطلان ـ

__________________

(١) إذا كان قاصداً للجماع بطل صومه وإن لم يدخل ، وإن لم يكن قاصداً له لم يبطل وإن دخل ، نعم إذا كان قاصداً وشكّ في الدخول لم يجب عليه الكفّارة.

١٢٠