موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

المجموع حدّ المسافة. فهذا ممّا يدلّنا على عدم صلاحية انضمام اللّاحق بالسابق بعد تخلّل التردّد أو العزم على الخلاف ، الموجب لفقد الاتصال وقطع الاستمرار في قصد المسافة.

وعلى الجملة : تخلّل التردّد في الأثناء فضلاً عن العزم على الرجوع موجب لانتفاء موضوع القصر ، لزوال شرطه وهو الاستمرار في القصد ، فليست الوظيفة الواقعية في جميع تلك الحالات إلّا التمام ، هذا أوّلاً.

وثانياً : مع الغضّ عن ذلك فلا شكّ في أنّ الوظيفة الواقعية حال التردّد أو العزم على الرجوع إنّما هي التمام بالضرورة ، لفقد قصد المسافة وقتئذ كما هو ظاهر ، وحينئذ فتكفينا في وجوب التمام بعد العود إلى العزم السابق الروايات الكثيرة المستفيضة وقد تقدّمت (١) الدالّة على أنّ المكلّف بالتمام لا تنقلب وظيفته إلى القصر إلّا بعد قصد ثمانية فراسخ ، وأنّه لا يقصّر في أقل من ذلك قال قلت : في كم التقصير؟ قال (عليه السلام) : في بريدين ثمانية فراسخ (٢). وفي بعضها التصريح بأنّه لا أقل من ذلك.

فانّ قوله : في كم التقصير. ظاهر في أنّ السؤال عمّن هو مكلّف فعلاً بالتمام وأنّه متى يخاطب بالقصر وتنقلب وظيفته إليه ، فأجاب (عليه السلام) بأنّ حدّ ذلك ما إذا قصد ثمانية فراسخ أو بريداً ذاهباً وبريداً جائياً ، فلا تقصير ما لم يقصد المسافة من حين كونه مكلّفاً بالتمام.

والمفروض في المقام أنّه مكلّف بالتمام واقعاً حال التردّد كما عرفت ، وأنّه لم يقصد الثمانية من هذا المكان بعد عوده إلى الجزم السابق ، بل قصد الأقل من ذلك ، فلا قصر في حقّه بمقتضى هذه النصوص.

__________________

(١) في ص ٧١ ، ٧٢ وغيرهما.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٥٣ / أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ٨ (نقل بالمضمون).

٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذه كبرى كلّية نستدلّ بها في كثير من المسائل الآتية ، وهي أنّ كلّ من خوطب بالتمام لجهة من الجهات التي منها التردّد أو العزم على الرجوع كما في المقام فلا تنقلب وظيفته إلى القصر إلّا إذا قصد من مكانه السير ثمانية فراسخ ولو ملفّقة ، وإلّا فهو باقٍ على التمام.

نعم ، ربما يستدلّ للتقصير في المقام برواية إسحاق بن عمار الواردة في قوم تردّدوا في السير أثناء الثمانية ، حيث قال (عليه السلام) فيها : «وإن كانوا ساروا أقل من أربعة فراسخ فليتمّوا الصلاة ما أقاموا ، فإذا مضوا فليقصّروا» (١) حيث حكم (عليه السلام) بالتقصير لدى المضي والعود إلى الجزم السابق.

ولكنّها قاصرة الدلالة ، إذ لم يفرض فيها كون الباقي من السير بعد العود إلى الجزم السابق أقل من المسافة كما هو محلّ الكلام ، فانّ مورد السؤال عن قوم خرجوا في سفر ... إلخ ، ولم يقيّد بكونه ثمانية بشرط لا ، ولعلّه كان أكثر منها بكثير ، بحيث كان الباقي بعد العود إلى الجزم بنفسه ثمانية فراسخ أو أكثر.

نعم ، إطلاقها بمقتضى ترك الاستفصال يشمل ما إذا كان الباقي أقل من المسافة ، فلا تدلّ على حكم المقام إلّا بالإطلاق ، القابل للتقييد بمقتضى النصوص الدالّة على أنّه لا يقصّر بعد الحكم بالتمام إلّا بعد قصد الثمانية ، بل لا مناص من ارتكاب التقييد على ما عرفت آنفاً عند بيان الكبرى الكلِّيّة. فتكون أجنبية عن محلّ الكلام.

فالرواية ساقطة عن الاستدلال لضعفها سنداً كما تقدّم (٢) ودلالة. والمتعيّن هو الحكم بالتمام حسبما ذكرناه.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٦٦ / أبواب صلاة المسافر ب ٣ ح ١٠.

(٢) في ص ٦٨.

٨٢

[٢٢٥٥] مسألة ٢٤ : ما صلاه قصراً قبل العدول عن قصده لا يجب إعادته في الوقت (*) فضلاً عن قضائه خارجه (١).

______________________________________________________

الثالثة : لو عاد إلى الجزم السابق وقد قطع شيئاً من الطريق متردِّداً فلا إشكال حينئذ في وجوب التمام فيما إذا لم يكن الباقي مع ما قطعه حال الجزم السابق مسافة ، كما لو قطع ثلاثة فراسخ ثمّ مشى فرسخين متردِّداً وكان الباقي أيضاً ثلاثة ، إذ لم يقطع حينئذ تمام الثمانية عن قصد كما هو ظاهر جدّاً.

وأمّا إذا كان المجموع من السابق واللّاحق بعد إسقاط ما تخلّل بينهما ممّا قطعه حال التردّد أو حال العزم على الرجوع مسافة ، فقد ظهر حكم هذا الفرض ممّا تقدّم في الفرض السابق ، أعني ما لو عاد إلى الجزم قبل قطع شي‌ء من الطريق ، وأنّه لا بدّ هنا أيضاً من التمام ، للإخلال بشرط الاستمرار في القصد المعتبر في القصر ، ولما دلّ على أنّه لا قصر بعد الحكم بالتمام إلّا مع قطع الثمانية المفقود في المقام.

بل إنّ الحكم هنا أوضح من الفرض السابق ، لأنّ الإخلال هناك لم يكن إلّا في استمرار القصد ، وإلّا فنفس السير ثمانية فراسخ كان متصلاً ، ولم يفصل بين أجزائها ما هو فاقد للقصد ، لفرض عدم قطعه شيئاً من الطريق حال التردّد.

وأمّا في المقام فلا القصد مستمرّ ولا السير الخارجي متصل ، فكان أحرى بالتمام ، ولأجله قيل كما في الجواهر (١) بالتفصيل بين الفرضين ، وأنّه يلتزم بالقصر في الأوّل دون الثاني ، وإن كان التفصيل في غير محلّه كما علم ممّا سبق.

(١) على المشهور ، بل لم ينسب الخلاف إلّا إلى الشيخ في الاستبصار حيث

__________________

(*) فيه إشكال ، والاحتياط لا يترك ، وكذا الحال بالإضافة إلى القضاء خارج الوقت.

(١) الجواهر ١٤ : ٢٣٧ [ذكره بلسان الاحتمال].

٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فصّل بعد نقل الأخبار بين الإعادة في الوقت والقضاء خارجه ، فحكم بوجوب الأوّل دون الثاني (١). ولعلّ ذلك مجرّد جمع منه بين الأخبار لا أنّه فتواه ، فانّ الاستبصار كتاب حديث غير معدّ للفتوى ، وعليه فلا خلاف في المسألة.

وكيف ما كان ، فيستدلّ للمشهور بصحيحة زرارة ، قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يخرج مع القوم في السفر يريده ، فدخل عليه الوقت وقد خرج من القرية على فرسخين فصلّوا ، وانصرف بعضهم في حاجة فلم يقض له الخروج ، ما يصنع بالصلاة التي كان صلاها ركعتين ، قال : تمّت صلاته ولا يعيد» (٢).

ولكنّه قابل للمناقشة ، فإنّا لو كنّا نحن وهذه الصحيحة لحكمنا بنفي الإعادة وصحّة الصلاة ، لصراحتها في ذلك ، ولا سيما بعد التعبير بكلمة «تمّت» الدالّة على تمامية الصلاة وعدم خلل فيها ، والتزمنا من أجلها بأحد أمرين :

إمّا أنّ الموضوع للقصر مجرّد قصد المسافة وإن لم يتعقّب بسير الثمانية خارجاً كما هو الحال في قصد الإقامة بلا كلام ، فإنّه بنفسه موضوع للتمام وإن لم يقم عشرة أيام.

أو أنّ الشارع اجتزأ بغير المأمور به عن المأمور به في مقام الامتثال ، فيكون القصر حينئذ مسقطاً للواجب تعبّداً. وكيف ما كان ، فكنّا نلتزم بالإجزاء بأحد الوجهين.

ولكنّها معارضة بروايتين :

إحداهما : صحيحة أبي ولاد الصريحة في وجوب القضاء ، الواردة في من سافر في النهار ولم يسر بريداً ، ورجع في اللّيل من نيّته وبدا له أن يرجع ، قال :

__________________

(١) الاستبصار ١ : ٢٢٨ ذيل ح ٨٠٩.

(٢) الوسائل ٨ : ٥٢١ / أبواب صلاة المسافر ب ٢٣ ح ١.

٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

«... فانّ عليك أن تقضي كلّ صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام ...» إلخ (١) ، فإنّها بدلالتها على وجوب القضاء تدلّ على وجوب الإعادة فيما إذا كان الرجوع عن القصر في الوقت بالأولوية القطعية.

ودعوى الجمع بينهما بالحمل على الاستحباب ساقطة جزماً ، لما مرّ غير مرّة من أنّ الأمر بالإعادة لم يكن نفسياً ليقبل الحمل على الاستحباب ، وإنّما هو إرشاد إلى الفساد ، ولا معنى لاستحباب الفساد.

والصحيحة وإن لم تتضمّن الأمر بالإعادة صريحاً إلّا أنّ قوله (عليه السلام) : «عليك أن تقضي ...» إلخ في قوّة الأمر بها ، لدلالتها على خلل في الصلاة اقتضى الإتيان بها ثانياً ، فهي بمثابة الأمر بالإعادة كما هو ظاهر جدّاً.

ثانيتهما : موثّقة سليمان بن حفص المروزي المتضمّنة للأمر بالإعادة صريحاً قال (عليه السلام) : «وإن كان قصّر ثمّ رجع عن نيّته أعاد الصلاة» (٢).

وهذه الرواية وإن رميت بالضعف في كلمات غير واحد ، لعدم توثيق المروزي في كتب الرجال ، ولكنّه موجود في أسانيد كامل الزيارات ، فلا ينبغي التأمّل في صحّة الرواية.

نعم ، قد يتأمّل في ذلك ، نظراً إلى أنّ الموجود في الكامل رواية المروزي عن الرجل (٣) ، ولم يعلم المراد به وأنّه الإمام (عليه السلام) أو شخص آخر مجهول. وتوثيق ابن قولويه خاصّ بمن يقع في أسانيد ما يرويه عن المعصوم (عليه السلام) دون غيره كما نبّه عليه في صدر الكتاب (٤).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٦٩ / أبواب صلاة المسافر ب ٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٥٧ / أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ٤.

(٣) كامل الزيارات : ٢٠٩ / ٧.

(٤) كامل الزيارات : ٤.

٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ويندفع : بأنّ المراد به الرجل المعهود كما يقتضيه تعريف الرجل ، وإلّا لقال : عن رجل ، منكّراً. ولا يحتمل أن يراد به العهد الذهني ، أي طبيعي الرجل في مقابل المرأة ، كما هو ظاهر ، فلا بدّ وأن يراد به العهد الخارجي ، وليس هو إلّا الإمام (عليه السلام) كما يكنّى عنه (عليه السلام) بذلك أحياناً في لسان الأخبار بل قد ورد عن نفس المروزي : عن الرجل ، موصوفاً بقوله : (عليه السلام) كما في الكافي (١).

فقد ورد في جميع ذلك هكذا : عن المروزي عن الرجل (عليه السلام). بل قد صرّح باسم الإمام في التهذيب (٢) فذكر هكذا : عن سليمان بن حفص المروزي عن الرجل العسكري (عليه السلام).

وعليه فلا ينبغي التأمّل في أنّ المراد بالرجل المذكور في الكامل هو المعصوم (عليه السلام) فيشمله توثيق ابن قولويه ، فتكون الرواية موصوفة بالصحّة كما ذكرنا ، فتتعارض هذه الصحيحة كصحيحة أبي ولاد مع صحيحة زرارة النافية للإعادة كما عرفت. ولا شكّ أنّ عمل المشهور مطابق مع صحيحة زرارة.

وحينئذ فان جعلنا عملهم مرجّحاً للرواية ، أو قلنا أنّ الإعراض موجب لسقوط الصحيحة عن الحجّية فيتعيّن العمل بصحيحة زرارة ، وإلّا كما هو الصحيح فالروايات متعارضة متساقطة.

والمرجع حينئذ ما تقتضيه القاعدة من لزوم الإعادة ، عملاً بالروايات الكثيرة الدالّة على أنّه لا تقصير في أقل من بريدين أو ثمانية فراسخ ، وبما أنّه لم يقطع هذا المقدار حسب الفرض لمكان العدول عن القصد قبل بلوغ المسافة فالوظيفة

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٤ / ٢٠ [والمذكور فيه : قال : كتب إليَّ الرجل (صلوات الله عليه) ...] ، كذا التهذيب ١٠ : ١٢٠ / ٤٨١ ، والاستبصار ٤ : ٢٤٩ / ٩٤٥.

(٢) التهذيب ٢ : ١١٨ / ٤٤٥.

٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الواقعية لم تكن إلّا التمام وإن تخيّل أنّها القصر. فلا مناص من إعادتها بعد عدم قيام الدليل على الإجزاء حسبما عرفت.

وملخّص الكلام في المقام : أنّ صحيحة زرارة دلّت بالدلالة المطابقية على نفي الإعادة عمّن قصّر في موضوع البحث لزعمه أنّه يقطع المسافة ولم يقطعها خارجاً ، وبمقتضى الدلالة الالتزامية دلّت على نفي القضاء أيضاً ، إذ أنّ نفي الإعادة في الوقت يستوجب نفي القضاء خارجه بالأولوية القطعية ، ضرورة أنّ القضاء تابع للفوت ، وعدم الإعادة في الوقت كاشف قطعي عن عدم فوت شي‌ء منه ، وإلّا لزم الأمر بالتدارك الممكن في الوقت ، لقبح تفويت الغرض الملزم كما هو واضح. فعدم الإعادة يستلزم عدم القضاء بطريق أولى.

وأمّا صحيحة أبي ولاد فالأمر فيها بالعكس ، فإنّها دلّت بالدلالة المطابقية على وجوب القضاء خارج الوقت ، لأنّ موردها هو ذلك ، إذ المفروض في السؤال أنّه بدا له في الليل الرجوع إلى الكوفة ، فيسأل لا محالة عن حكم ما صلاه في النهار الذي خرج وقته بدخول الليل.

وعليه فتدلّ بالمطابقة على وجوب القضاء. وبما أنّ الحكم بالقضاء يستلزم الحكم بالإعادة بالأولوية القطعية ، لكشفه عن فوت ملاك ملزم يجب تداركه وإن فاتت مصلحة الوقت ، فوجوبه مع إمكان درك هذه المصلحة بطريق أولى. فالصحيحة تدلّ بالدلالة الالتزامية على وجوب الإعادة إذا كان الرجوع عن قصده قبل خروج الوقت.

إذن تقع المعارضة بينها وبين صحيحة زرارة على سبيل المباينة ، للتنافي بين الدلالة المطابقية من كلّ منهما مع الدلالة الالتزامية من الأُخرى ، فتدلّ صحيحة زرارة على نفي الإعادة بالمطابقة وعلى نفي القضاء بالالتزام ، كما تدلّ صحيحة أبي ولاد على وجوب القضاء بالمطابقة ووجوب الإعادة بالالتزام ، فتتعارضان في مدلوليهما تعارضاً كلّياً.

٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا المعارضة بين صحيحة زرارة وصحيحة المروزي فظاهرة جدّاً ، إذ الإعادة مورد للنفي في الأُولى ، وهي بنفسها مورد للإثبات في الثانية.

وبعد استقرار المعارضة فإن كان ثمّة ترجيح لأحد الطرفين فهو ، وإلّا فيتساقطان ويرجع بعدئذ إلى ما تقتضيه القواعد الأوّلية ، هذا.

وصاحب الحدائق نقل عن بعض مشايخه المحقّقين أنّه احتمل حمل صحيحتي أبي ولاد والمروزي على التقيّة ، لموافقتهما مع مذهب العامّة ، فيكون الترجيح مع صحيحة زرارة (١).

ولكن في كتاب المغني لابن قدامة الحنبلي ما لفظه : فلو خرج يقصد سفراً بعيداً فقصّر الصلاة ثمّ بدا له فرجع كان ما صلاه ماضياً صحيحاً ، ولا يقصّر في رجوعه إلّا أن تكون مسافة الرجوع مبيحة بنفسها (٢). ولم يذكر خلافاً في المسألة ، وعليه كان الموافق لمذهب العامّة هي صحيحة زرارة ، فتكون هي المحمولة على التقية دون الصحيحتين ، والترجيح معهما لا معها.

ومع الإغماض عن ذلك فحيث لا ترجيح لشي‌ء من الطرفين فيتساقطان والمرجع حينئذ عموم ما دلّ على عدم التقصير في أقل من بريدين ثمانية فراسخ الذي لازمه وجوب الإعادة والقضاء معاً ، إذ المأمور به وهو التمام لم يأت به وما أتى به من القصر لا أمر به إلّا أمراً خيالياً خطئياً بزعم قطع المسافة وقد انكشف خلافه ، ومن البديهي أنّ الأمر الخيالي غير مجز عن الواقع.

فتحصّل : أنّ وجوب القضاء فضلاً عن الإعادة لو لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط.

__________________

(١) الحدائق ١١ : ٣٣٦.

(٢) المغني ٢ : ٩٦.

٨٨

الرابع : أن لا يكون من قصده في أوّل السير أو في أثنائه إقامة عشرة أيام قبل بلوغ الثمانية ، وأن لا يكون من قصده المرور على وطنه كذلك (١) وإلّا أتمّ ، لأنّ الإقامة قاطعة لحكم السفر ، والوصول إلى الوطن قاطع لنفسه فلو كان من قصده ذلك من حين الشروع أو بعده لم يكن قاصداً للمسافة وكذا يتمّ لو كان متردّداً في نيّة الإقامة أو المرور على الوطن قبل بلوغ الثمانية نعم لو لم يكن ذلك من قصده ولا متردّداً فيه إلّا أنّه يحتمل عروض مقتض لذلك في الأثناء لم يناف عزمه على المسافة (*) فيقصر ، نظير ما إذا كان عازماً على المسافة إلّا أنّه لو عرض في الأثناء مانع من لصّ أو عدوّ أو مرض أو نحو ذلك يرجع ، ويحتمل عروض ذلك ، فإنّه لا يضرّ بعزمه وقصده.

______________________________________________________

(١) أمّا المرور على الوطن فلا إشكال في كونه قاطعاً للسفر ، وخروجه بذلك عن عنوان المسافر ، وكذا لو كان متردّداً فيه ، لعدم قصد المسافة المتصلة. وقد دلّت موثّقة عمّار على أنّه لا يكون مسافراً حتّى يسير من منزله ثمانية فراسخ (١) ، فالاعتبار بالابتعاد من المنزل ، وهو مبدأ المسافة ، فالمرور عليه يقطعه بطبيعة الحال ، ويكون الخروج منه مبدءاً لمسافة جديدة ، مضافاً إلى ما سنذكره في غير الوطن.

وأمّا قصد الإقامة في الأثناء فلا شكّ في قادحيته في قصد المسافة ولزوم التمام معه ، وإنّما الكلام بين الأعلام في أنّه هل يكون قاطعاً للحكم مع بقاء الموضوع كي يكون تخصيصاً في أدلّة التقصير على المسافر ، أو أنّه قاطع

__________________

(*) بل ينافيه إذا كان الاحتمال عقلائياً ، كما هو الحال في نظيره.

(١) المتقدمة في ص ٧٣.

٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

للموضوع ومخرج للمقيم عن عنوان المسافر ويدخله في الحاضر؟

فقد ذهب جماعة إلى الثاني وأنّ الإقامة في الأثناء تخرج المسافر عن كونه مسافراً شرعاً ، وإن صدق عليه أنّه مسافر عرفاً ، فكان ذلك تصرفاً شرعياً في موضوع السفر ، وإذا لم يكن المقيم مسافراً كان حاضراً بطبيعة الحال ، ولأجله يجب عليه التمام من باب التخصّص لا التخصيص.

ولكنّه بعيد عن الصواب ، إذ لم يظهر من شي‌ء من الأدلّة تنزيل المقيم منزلة الحاضر ليكون من قبيل التصرّف في الموضوع نظير قوله : الفقاع خمر ، بل الظاهر منها أنّه مع وصف كونه مسافراً محكوم بالتمام ، كما في المتردِّد بعد الثلاثين ، وكما في سفر الصّيد أو المعصية ونحوهما ، فانّ الكلّ محكوم بالتمام تخصيصاً لا تخصصاً كما هو ظاهر.

نعم ، في خصوص المقيم بمكّة وردت رواية واحدة صحيحة دلّت على أنّه بمنزلة أهلها ، وهي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة ، وهو بمنزلة أهل مكّة ، فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير ، فاذا زار البيت أتمّ الصلاة ، وعليه إتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتّى ينفر» (١).

ولو لا تذيلها بقوله (عليه السلام) : «فاذا خرج ...» إلخ لأمكن أن يقال : إنّ التنزيل من جهة إتمام الصلاة فحسب ، غير المنافي للقطع الحكمي ، لا من سائر الجهات.

ولكن الذيل يشهد بأنّ نطاق التنزيل أوسع من ذلك ، وأنّ المراد أنّه بمنزلة المتوطِّن ، لأنّه بعد ما حكم (عليه السلام) بالتقصير في خروجه إلى منى لكونه

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٦٤ / أبواب صلاة المسافر ب ٣ ح ٣.

٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

في طريق عرفات ، وهي مع العود إلى مكّة مسافة تلفيقية حكم (عليه السلام) بالإتمام إذا زار البيت ، وكذا في رجوعه إلى منى وهي دون المسافة.

وهذا كلّه من شؤون المرور على الوطن ، وإلّا فلما ذا يتمّ في مكّة لدى عودته إليها مع عدم قصد الإقامة ، وهكذا في منى مع أنّه في طريق السفر. فيكشف ذلك عن تنزيل مكّة منزلة الوطن لمن قدمها قبل التروية بعشرة أيام قاصداً الإقامة فيها ، وأنّها قاطعة للموضوع لا للحكم.

ولكن الصحيحة موردها كما عرفت خصوص مكّة ، وحينئذ فان كان هناك إجماع على خلاف مضمونها وأنّه لا فرق بين مكّة وغيرها في أنّ من خرج عن محلّ الإقامة إلى المسافة وعاد يحتاج إلى تجديد قصدها وإلّا بقي على التقصير ، فلا مناص حينئذ من طرح الرواية وردّ علمها إلى أهله.

وإن لم يتم الإجماع عملنا بالرواية واقتصرنا على موردها ، أعني خصوص مكّة ، من غير أن يتعدّى إلى سائر البلدان ، لعدم الدليل ، ولا غرو فانّ لهذه البقعة المقدّسة من أجل شرافتها ورفعة شأنها أحكاماً خاصّة مثل التخيير بين القصر والتمام للمسافر ونحو ذلك ، فليكن هذا الحكم أيضاً من هذا القبيل فيلتزم بالقطع الموضوعي والتنزيل منزلة الوطن في خصوص مكّة.

ولكن الظاهر لزوم طرح الرواية ، لا لمجرّد الإجماع المزبور ليناقش في كونه تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم ، ولا من أجل الإعراض ليورد بعدم كونه مسقطاً للصحيح عن الاعتبار على مسلكنا ، بل من أجل ما أسميناه بالدليل الخامس.

فانّ هذه المسألة ، أعني الإقامة بمكّة قبل يوم التروية عشرة أيام كثيرة الدوران ومحلّ للابتلاء جدّاً ، ولا سيما في الأزمنة السالفة الفاقدة للمراكب السريعة المتداولة في العصر الحديث ، فكانوا يضطرّون للإقامة المزبورة طلباً للاستراحة

٩١

[٢٢٥٦] مسألة ٢٥ : لو كان حين الشروع في السفر أو في أثنائه قاصداً للإقامة أو المرور على الوطن قبل بلوغ الثمانية لكن عدل بعد ذلك عن قصده ، أو كان متردّداً في ذلك وعدل عن ترديده إلى الجزم بعدم الأمرين (١)

______________________________________________________

من وعثاء السفر ، كما أُشير إليه في الأخبار (١).

فلو كان الحكم الذي تضمّنته الصحيحة ثابتاً لكان شائعاً ذائعاً ومن الواضحات ، من غير أيّ خلاف فيه ، مع أنّه لم يقل به أحد فيما نعلم ، بل لعلّ الإجماع على خلافه كما عرفت ، ولأجله تسقط الرواية عن درجة الاعتبار ويرد علمها إلى أهله.

وكيف ما كان ، فهي على تقدير الحجّية تختصّ بموردها ، والتعدّي يحتاج إلى القطع بعدم الفرق بين مكّة وغيرها ، وأنّى لنا بذلك.

إذن فلا دليل على أنّ قصد الإقامة قاطع لموضوع السفر في غير مكّة بتاتاً بل ظاهر الأدلّة كما عرفت أنّه قطع حكمي وتخصيص في أدلّة القصر ، فهو مسافر يتمّ في محلّ الإقامة ، فإذا حكم عليه بالتمام يحتاج العود إلى القصر إلى قصد مسافة جديدة ، ولا ينضمّ ما قبله إلى ما بعده ، لما أشرنا إليه (٢) من الضابط العام والقاعدة الكلّية المستفادة من الروايات من أنّ من حكم عليه بالتمام لا ينقلب إلى القصر ما لم يستأنف قصد المسافة الشرعية.

(١) ممّا قدّمناه آنفاً وأوضحناه سابقاً (٣) من لزوم استمرار القصد واتصال السير يظهر حال هذه المسألة والمسألة الآتية اللّتين لا فرق بينهما إلّا من حيث

__________________

(١) [لم نعثر عليه].

(٢) في ص ٨٢.

(٣) في ص ٧٠ وما بعدها.

٩٢

فإن كان ما بقي بعد العدول مسافة في نفسه أو مع التلفيق بضمّ الإياب قصّر وإلّا فلا ، فلو كان ما بقي بعد العدول إلى المقصد أربع فراسخ وكان عازماً على العود ولو لغير يومه قصّر في الذهاب والمقصد والإياب ، بل وكذا لو كان أقلّ من أربعة ، بل ولو كان فرسخاً فكذلك على الأقوى من وجوب القصر في كلّ تلفيق من الذهاب والإياب وعدم اعتبار كون الذهاب أربعة أو أزيد كما مرّ (*).

[٢٢٥٧] مسألة ٢٦ : لو لم يكن من نيّته في أوّل السفر الإقامة أو المرور على الوطن وقطع مقداراً من المسافة ثمّ بدا له ذلك قبل بلوغ الثمانية ثمّ عدل عمّا بدا له وعزم على عدم الأمرين فهل يضمّ (١) ما مضى إلى ما بقي إذا لم

______________________________________________________

حصول القصد أو التردّد من الأوّل أو في الأثناء. ولأجله كانت كلمة (أو في أثنائه) في هذه المسألة سهواً من قلمه الشريف أو قلم الناسخ.

وكيف ما كان ، ففي كلتا المسألتين لا ينضمّ ما بعد العدول إلى ما قبله ، لفقد شرط الاستمرار كما عرفت. فالعبرة في احتساب المسافة بما بقي بعد العدول فإن كان كذلك ولو ملفّقة قصّر وإلّا أتم ، وقد عرفت فيما سبق (١) عدم كفاية مطلق التلفيق ، بل لا بدّ وأن لا يكون كلّ من الذهاب والإياب أقل من الأربعة خلافاً للماتن (قدس سره) فلاحظ.

(١) استشكل (قدس سره) في الضميمة ، ولكن الصحيح هو العدم كما ظهر ممّا تقدّم (٢) ، فيجب البناء على التمام ، إذ بمجرّد البداء والبناء على المرور على

__________________

(*) وقد مرّ أنّ الأقوى خلافه.

(١) في ص ٧.

(٢) في ص ٧٩ وما بعدها.

٩٣

يكن ما بقي بعد العدول عمّا بدا له مسافة ، فيقصّر إذا كان المجموع مسافة ولو بعد إسقاط ما تخلّل بين العزم الأوّل والعزم الثاني إذا كان قطع بين العزمين شيئاً؟ إشكال ، خصوصاً في صورة التخلّل ، فلا يترك الاحتياط (*) بالجمع نظير ما مرّ في الشرط الثالث.

الخامس من الشروط : أن لا يكون السفر حراماً ، وإلّا لم يقصّر (١) سواء كان نفسه حراماً كالفرار من الزحف ، وإباق العبد

______________________________________________________

الوطن ينقطع سفره ويكون حكمه التمام واقعاً ، لفقد استمرار القصد ، وحينئذ يحتاج التقصير إلى قصد مسافة جديدة ، والمفروض أنّ الباقي ليس بمسافة ، فلا مناص من بقائه على التمام حسبما عرفت.

(١) ذكر الفقهاء من غير خلاف بينهم أنّ سفر المعصية لا تقصير فيه ، وقد تسالموا عليه ، وادّعي الإجماع في كلمات غير واحد ، وهو على قسمين :

الأوّل : أن يكون السفر بنفسه حراماً كسفر الزوجة بدون إذن زوجها في غير الواجب فيما إذا كان منافياً لحقّ الزوج ، وكالفرار من الزحف ، ونحوهما ممّا كان نفس السفر والابتعاد عن الوطن مبغوضاً للشارع ومحكوماً بالحرمة.

الثاني : أن يكون السفر بنفسه مباحاً إلّا أنّه مقدّمة لغاية محرّمة ، كما لو سافر لأجل سرقة أو شراء خمر أو قتل نفس محترمة أو زنا أو إعانة ظالم ونحو ذلك.

ومقتضى إطلاق النصّ والفتوى شمول الحكم لكلا القسمين ، إلّا أنّ المنسوب إلى الشهيد الثاني في الروض (١) أنّه استشكل في القسم الأوّل ، بدعوى قصور

__________________

(*) الأظهر كفاية التمام.

(١) الروض : ٣٨٨ السطر ٨.

٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الروايات عن الشمول له ، إلّا أن يتمسّك بالأولوية.

ولكن الظاهر أنّ ذلك مستفاد من نفس الروايات من غير حاجة إلى التمسّك بالأولوية أو دعوى التسالم ، فإنّها وافية لإثبات الحكم في كلا القسمين بنطاق واحد.

فمنها : ما رواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب عن عمار بن مروان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سمعته يقول : من سافر قصّر وأفطر إلّا أن يكون رجلاً سفره إلى صيد ، أو في معصية الله ، أو رسول لمن يعصي الله ، أو في طلب عدوّ ، أو شحناء ، أو سعاية ، أو ضرر على قوم من المسلمين» (١).

هكذا في الوسائل والفقيه ، ولكن في الحدائق «رسولاً» بالنصب (٢) وهو الصحيح. وكيف ما كان ، فيقع الكلام تارة في سند الرواية ، وأُخرى في دلالتها.

أمّا السند : فقد عبّر عنها في الحدائق بالصحيح عن عمار بن مروان ، المشعر بضعف الرجل ، وكأنّه من أجل تردّده بين اليشكري الثقة الذي وثّقه النجاشي (٣) وغيره ، وهو معروف وله كتاب يرويه محمد بن سنان ، وبين الكلبي الذي ذكره الصدوق في المشيخة حيث قال : وما كان فيه عن عمار بن مروان الكلبي فقد رويته عن محمد بن موسى بن المتوكل (رحمه الله) عن عبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٧٦ / أبواب صلاة المسافر ب ٨ ح ٣ ، الفقيه ٢ : ٩٢ / ٤٠٩ [والمذكور في الفقيه : رسولاً].

(٢) الحدائق ١١ : ٣٨٠.

(٣) رجال النجاشي : ٢٩١ / ٧٨٠.

٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الخزاز عن عمار بن مروان (١).

فإن كان الكلبي هو اليشكري فلا كلام ، وإن كان غيره وقد روى عن كلّ منهما الخزاز ، إذ لا شهادة في ذلك على الاتحاد بوجه ، لجواز أن يروي شخص عن شخصين أو أشخاص كلّهم مسمّون باسم واحد كما هو ظاهر فهو مجهول الحال لم يذكر في شي‌ء من كتب الرجال ، ولم يقع في أسناد كامل الزيارات ليشمله التوثيق العام. وحيث لم يثبت الاتحاد فلا جرم كان الرجل محتمل الاشتراك بين الموثّق وغيره ، فلم يبق وثوق بصحّة الرواية.

ومن هنا استشكلنا في المال المخلوط بالحرام الذي حكم المشهور بتخميسه إذ ليس لهم مستند معتدّ به عدا رواية عمار بن مروان الناطقة بذلك ، وذكرنا أنّ الأحوط الدفع بنيّة الأعم من الخمس والمظالم (٢).

ولكن الظاهر اختصاص الإشكال بتلك الرواية ونحوها ممّا اشتمل على السند المتقدّم عن المشيخة ، لما عرفت من التردّد بين الموثّق وبين من هو مجهول تمام الجهالة.

وأمّا هذه الرواية المبحوث عنها في المقام فلم يروها الصدوق عن عمار بن مروان ابتداءً ليشمله السند المتقدّم كي يتوجّه عليه الإشكال المزبور ، بل رواها عن ابن محبوب عن الخزاز عن ابن مروان. ولا إشكال أنّ عمار بن مروان لدى الإطلاق ينصرف إلى المعروف الذي له كتاب ، وهو اليشكري الثقة ، دون الكلبي

__________________

(١) الفقيه ٤ (المشيخة) : ٩٨.

(٢) كما صرّح (دام ظلّه) بذلك في تعليقته الأنيقة المطبوعة سنة ١٣٨٠ ، ولكنّه (دام ظلّه) عدل عن ذلك في الطبعة الأخيرة ووافق المشهور في وجوب التخميس. وإن شئت التوضيح فراجع ما ضبطناه عنه في كتاب الخمس من مستند العروة الوثقى : الخامس ممّا يجب فيه الخمس [بعد المسألة ٢٩٠٣].

٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

المجهول المذكور في سند آخر.

وممّا يؤكِّد ذلك أنّ طريق الصدوق إلى الكلبي المتقدّم عن المشيخة يختلف عن طريقه إلى هذه الرواية ، فانّ في الأوّل محمد بن الحسين بن أبي الخطاب وهو الراوي عن الحسن بن محبوب ، وفي هذه سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمّد ابن عيسى عن ابن محبوب (١) ، فالراوي عنه غير ذلك الراوي ، وإن اشتركا في بعض من وقع في الطريقين كمحمد بن موسى بن المتوكل والحسن بن محبوب.

وكيف ما كان ، فالظاهر أنّ عمار بن مروان في هذه الرواية لا يراد به إلّا اليشكري الثقة. فهي صحيحة لا ينبغي النقاش في سندها ، هذا.

والموجود في الكافي في طبعتيه محمد بن مروان (٢) بدل عمار بن مروان ، ولا يبعد أنّه الذهلي البصري ، فنسخة الكافي تغاير الفقيه ، وكلتاهما تنتهي إلى الحسن بن محبوب عن أبي أيوب.

وفي هامش الوافي أنّ في بعض نسخ الكافي محمد بن مروان (٣) فيعلم من ذلك أنّ هذا من اختلاف النسخ لا اختلاف الرواية. والظاهر أنّ في نسخة الكافي تحريفاً (٤) والصواب هو عمار بن مروان كما في الفقيه والتهذيب ، فانّ الشيخ روى نفس هذه الرواية في التهذيب عن الكليني (٥) ، وكذا صاحب الحدائق (٦)

__________________

(١) [كما يتّضح من مراجعة الفقيه ٤ (المشيخة) : ٤٩].

(٢) الكافي ٤ : ١٢٩ / ٣.

(٣) الوافي ٧ : ١٧٣.

(٤) وإن استظهر (دام ظلّه) خلافه في معجم رجال الحديث ١٣ : ٢٧٢ / ٨٦٥٤ وأنّ التحريف في المشيخة لا في الكافي.

(٥) التهذيب ٤ : ٢١٩ / ٦٤٠.

(٦) كما تقدّم آنفاً.

٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فيعلم أنّ النسخة التي كانت عندهما كانت مطابقة للفقيه.

ولو فرضنا أنّ جميع نسخ الكافي كانت عن محمد بن مروان فليس بالإمكان أن ترفع اليد بها عن رواية الفقيه ، لأنّ في طريق الكافي سهل بن زياد وهو ضعيف ، فلا يعارض بها الرواية الصحيحة.

ولو تنزّلنا وفرضنا أنّ الصحيح محمد بن مروان فهو أيضاً موثّق عندنا لوقوعه في أسناد كامل الزيارات.

وعلى جميع التقادير فما في مصباح الفقيه للهمداني (قدس سره) من ضبط حماد بن مروان (١) فهو غلط جزماً ، فإنّه إمّا عمار أو محمد حسبما عرفت. فتحصّل : أنّ السند ممّا لا إشكال فيه.

وأمّا الدلالة : فقد سبق أنّ الشهيد (قدس سره) ناقش في شمولها للقسم الأوّل من قسمي سفر المعصية ، أعني ما لو كان السفر بنفسه حراماً ، ولكنّه لا وجه له كما مرّ ، فانّ قوله (عليه السلام) : «أو في معصية الله» غير قاصر الشمول له لانطباق هذا العنوان على السفر الحرام انطباق الكلّي على مصداقه ، وقد شاع إطلاق مثل هذا الاستعمال لبيان إدخال الفرد في الكلّي ، كما يقال : زيد في العلماء أي أنّه أحد مصاديقهم.

وقد ورد أنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (٢) ، أي في عمل هو بنفسه مصداق لمعصية الخالق. فالسفر في معصية الله يعمّ ما كان السفر بنفسه حراماً وداخلاً في كبرى معصية الله ومصداقاً لها.

بل يمكن قلب الدعوى بأن يقال : إنّ الرواية ظاهرة في خصوص ما كان

__________________

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٧٤٠ السطر ١٥.

(٢) الوسائل ٢٧ : ١٢٩ / أبواب صفات القاضي ب ١٠ ح ١٧.

٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

السفر بنفسه حراماً ، إذ هو الذي يكون مصداقاً لمعصية الله ، دون ما كانت غايته محرّمة ، فانّ هذا القسم داخل فيما ذكره فيما بعد قوله : «أو في معصية الله» إذ الأمثلة التي يذكرها بعد ذلك كلّها من قبيل القسم الثاني ، أعني ما كانت الغاية محرّمة ، فذاك القسم مذكور فيما بعد ، فلا وجه لإدراجه في قوله (عليه السلام) : «أو في معصية الله».

وكيف ما كان ، فلو لم تكن العبارة ظاهرة فيما نقول فلا أقل من الشمول فالتشكيك في ذلك في غير محلّه جزماً.

ولو أغمضنا عن هذه الرواية فتكفينا في الدلالة على التعميم ما رواه الصدوق بنفس هذا السند المعتبر عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : لا يفطر الرجل في شهر رمضان إلّا في سبيل حق» (١) فانّ من الضروري أنّ السفر الحرام ليس في سبيل حقّ ، فلا إفطار فيه بمقتضى الحصر.

وهذه الرواية وإن رواها الكليني عن ابن أبي عمير مرسلاً (٢) ، ولا نعمل بالمراسيل ، إلّا أنّ الصدوق (قدس سره) رواها في ذيل الرواية المتقدِّمة عن عمار بن مروان ، فهي جزء من تلك الصحيحة.

ولكن صاحب الوسائل تخيّل أنّ الذيل من كلام الصدوق فجعلها رواية مستقلّة مرسلة. وليس كذلك ، بل هي تتمّة لما سبق ، وجملة : وقال (عليه السلام) من كلام عمار بن مروان ، لا من كلام الصدوق نفسه ، إذ لم يعهد في مراسيله مثل هذا التعبير ، ولو أراد ذلك لعبّر هكذا : وقال الصادق (عليه السلام) ، أو وقال رسول الله ، ونحو ذلك. كما عبّر بمثله في الرواية اللّاحقة (٣). فالظاهر أنّ

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٧٦ / أبواب صلاة المسافر ب ٨ ح ١ ، الفقيه ٢ : ٩٢ / ٤١٠.

(٢) الكافي ٤ : ١٢٨ / ٢.

(٣) أي ما رواه في الفقيه ٢ : ٩٢ / ٤١١.

٩٩

وسفر الزوجة بدون إذن الزوج (*) (١) في غير الواجب

______________________________________________________

الرواية ليست بمرسلة ، بل مسندة بالسند الصحيح المتقدّم كما عرفت ، فتدبّر.

وتدلّ عليه أيضاً موثّقة عبيد بن زرارة ، قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يخرج إلى الصيد أيقصّر أو يتم؟ قال : يتم ، لأنّه ليس بمسير حقّ» (١) فانّ السفر المحرّم باطل وليس بحق ، فلا تقصير فيه بمقتضى التعليل.

وعلى الجملة : فلا ينبغي النقاش في الكبرى التي ذكرها في المتن من عدم التقصير في سفر المعصية بقسميه ، لدلالة الأخبار عليها حسبما عرفت.

وإنّما الكلام في بعض الصغريات التي عدّها الماتن مثالاً للقسم الأوّل ، أعني ما لو كان السفر بنفسه حراماً ، وستعرف الحال فيها في التعاليق الآتية.

(١) هذا لا دليل على حرمته على الإطلاق ، بل حتّى مع النهي فضلاً عن عدم الإذن ، إلّا إذا كان موجباً للنشوز ومنافياً لحقّ الزوج ، فانّ هذا المقدار ممّا قام عليه الدليل ، وعليه يحمل ما ورد في بعض الأخبار من حرمة الخروج بغير الإذن (٢) ، فانّ المراد بحسب القرائن خروجاً لا رجوع فيه ، بنحو يصدق معه النشوز ، وتفصيل الكلام موكول إلى محلّه(٣).

وكيف ما كان ، فلا دليل على أنّ مطلق الخروج عن البيت بغير الإذن محرّم عليها ولو بأن تضع قدمها خارج الباب لرمي النفايات مثلاً ، أو تخرج لدى غيبة

__________________

(*) هذا إذا انطبق عليه عنوان النشوز ، وإلّا فالحكم بحرمة السفر في غاية الإشكال.

(١) الوسائل ٨ : ٤٧٩ / أبواب صلاة المسافر ب ٩ ح ٤.

(٢) الوسائل ٢٠ : ١٥٧ / أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ب ٧٩ ح ١ ، ٥ وغيرهما.

(٣) شرح العروة ٣٣ : ١٧٦.

١٠٠