موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

مقام تعلّق الحكم بنفي الإعادة أو بثبوتها كما تقتضيه المقابلة مع الصدر المثبت للإعادة على العالم.

فمفاد الصحيحة أنّ من يتم في موضع القصر فان كان عالماً به أعاد ، أي في الوقت ، ومقتضاه أنّه إن لم يعد بعد تنجّز التكليف إلى أن خرج الوقت وجب عليه القضاء بطبيعة الحال ، عملاً بعموم أدلّة القضاء. وإن كان جاهلاً بالحكم لا يعيد ، أي في الوقت ، المستلزم لنفي القضاء بطريق أولى. وعليه فلا يقاومها الإطلاق في صحيح العيص كي تتحقّق المعارضة.

ومنه تعرف ضعف ما حكي عن الإسكافي (١) والحلبي (٢) من التفصيل بين الوقت وخارجه وأنّه يعيد في الأوّل دون الثاني ، استناداً إلى صحيحة العيص وجعلِها مقيّدة لإطلاق نفي الإعادة في صحيحة زرارة ، بحمله على النفي في خارج الوقت ، لما عرفت من أنّ المقصود بالذات والقدر المتيقّن من الإعادة المنفية إنّما هي الإعادة في الوقت ، ومعه كيف يمكن الحمل على خارج الوقت.

فهذان القولان شاذان ساقطان ، والصحيح ما عليه المشهور من نفي الإعادة مطلقاً ، من غير فرق بين الوقت وخارجه.

ثمّ لا يخفى أنّ الأمر بالإعادة متى ورد في الأخبار فهو إرشاد إلى الفساد فيجب الإتيان بالمتعلّق بنفس الأمر الأوّل الباقي على حاله ، إذ لا وجه لسقوطه بعد عدم الإتيان بمتعلّقه على وجهه ، بداهة عدم سقوطه بالعمل الفاسد الذي وجوده كالعدم ، فلا يتضمّن الأمر الثاني المتعلّق بالإعادة حكماً مولوياً ، كما أنّ نفي الإعادة إرشاد إلى الصحّة ، وأنّ المأمور به قد اتي به على وجهه وبتمامه وكماله من غير نقص فيه.

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٥٣٨ المسألة ٣٩٥.

(٢) الكافي في الفقه : ١١٦.

٣٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى هذا المبنى الذي يكون الحكم عليه أظهر ، وإن لم يكن منوطاً به نقول : مقتضى الإطلاق في صحيحة الحلبي الآمرة بالإعادة لدى الإتمام في موضع القصر هو البطلان في جميع صور المسألة ، المستلزم للإعادة في الوقت ، وإلّا فالقضاء في خارجه باعتبار تحقّق الفوت ، وهذه الصحيحة يطابق مدلولها مع ما دلّ على البطلان بمطلق الزيادة العمدية والسهوية ، وأنّ من أيقن بزيادة الركعة استقبل صلاته استقبالاً على ما تقدّم (١).

وأمّا صحيحة زرارة فقد دلّت على عدم وجوب الإعادة لمن كان جاهلاً بأصل الحكم ، فيكون هذا خارجاً عن إطلاق صحيح الحلبي ، وقد عرفت أنّ معنى نفي الإعادة الإرشاد إلى الصحّة ، ومرجعه إلى التخصيص في موضع دليل القصر ، وأنّه خاص بمن لم يكن معتقداً بمشروعية التمام ، وإلّا فالقصر غير واجب في حقّه حتّى واقعاً.

وقد ذكرنا في الأُصول (٢) أنّه يستفاد من هذه الصحيحة أنّ وظيفة مثل هذا الجاهل في صقع الواقع هو التخيير بين القصر والتمام ، ولذا لو نسي أو غفل فصلّى قصراً على نحو تمشّى منه قصد القربة يحكم بصحّة صلاته ، ولا يحتاج إلى الإعادة جزماً.

فيستكشف من ذلك أنّ المأمور به في حقّ الجاهل المعتقد مشروعية التمام لأجل أنّه لم تبلغه الآية أو لم تفسّر له هو الجامع بين القصر والتمام ، وإنّما يتعيّن القصر بالإضافة إلى من لم يعتقد مشروعية الصلاة تماماً حال السفر.

وعليه فيبقى تحت صحيح زرارة وكذا صحيح الحلبي الجاهل بالخصوصيات أو الموضوع ، والناسي والعالم ، فتجب عليهم الإعادة ، لصدق أنّهم ممّن قرئت

__________________

(١) في ص ٣٥٧.

(٢) مصباح الأُصول ٢ : ٥٠٩.

٣٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

عليهم آية التقصير وفسّرت ، ومعنى ذلك الحكم بالبطلان حسبما ذكرناه.

وقد خرج عن ذلك الناسي أيضاً بمقتضى صحيح أبي بصير : «عن الرجل ينسى فيصلّي في السفر أربع ركعات ، قال : إن ذكر في ذلك اليوم فليعد ، وإن لم يذكر حتّى يمضي ذلك اليوم فلا إعادة عليه» (١) فيستفاد منها أنّ شرطية التقصير أو فقل جزئية التسليم في الركعة الثانية ذكرية ومنوطة بالالتفات إليها في الوقت فلا تعتبر لو كان التذكّر خارج الوقت ، فتكون هذه الصحيحة بالإضافة إلى صحيح الحلبي وكذا صحيح زرارة مخصّصة لا محالة.

وورد هناك مخصّص ثالث ، وهو صحيح العيص المفصّل بين الانكشاف أو التذكّر في الوقت فيعيد ، وبين خارجه فلا يعيد. وقد عرفت أنّ هذه الصحيحة بنفسها غير شاملة للعامد ، فهو خارج عنها من أوّل الأمر ، لأنّها غير ناظرة إلى القضاء ، بل إلى الصحّة والبطلان ، وأنّه إن كان في وقت فالعمل فاسد وإلّا فصحيح ، والعامد يعلم بفساد عمله من أوّل الأمر ، كالناسي المتذكّر في الوقت فإنّه أيضاً يعلم بالفساد ووجوب القضاء إذا لم يتدارك.

فالعامد خارج عنها قطعاً ، وكذا الجاهل المحض أي الجاهل بأصل الحكم فإنّه لا إعادة عليه فضلاً عن القضاء ، بمقتضى ذيل صحيحة زرارة كما مرّ. فيبقى تحتها الجاهل بالخصوصيات والجاهل بالموضوع والناسي.

وبما أنّ النسبة بينها وبين صدر صحيحة زرارة الحاكم بالإعادة مطلقاً وكذا صحيح الحلبي نسبة الإطلاق والتقييد ، فتكون هذه مقيّدة لهما لا محالة ، فتكون النتيجة أنّ الوظيفة في هذه الموارد الثلاثة هو التفصيل بين ما لو كان الانكشاف أو التذكّر في الوقت فيعيد ، وبين ما كان في خارجه فلا يعيد ، هذا.

وقد يقال : إنّ النسبة بين صحيح زرارة وهذه الصحيحة أي صحيحة

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٥٠٦ / أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٢.

٣٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

العيص عموم من وجه ، لأنّ الناسي قد خرج عن الأوّل بمقتضى التخصيص بصحيح أبي بصير كما مرّ ، فيبقى تحته العامد والجاهل بالخصوصيات أو بالموضوع. وأمّا هذه الصحيحة فهي غير شاملة للعامد في حدّ نفسها كما عرفت ، فالباقي تحتها الناسي والجاهل بالخصوصيات أو بالموضوع ، فالناسي خارج عن الأوّل والعامد عن الثاني ، ومورد الاجتماع الجاهل بالخصوصيات أو الموضوع ، فتجب الإعادة بمقتضى الأوّل ، ولا تجب إذا كان الانكشاف خارج الوقت بمقتضى الثاني وبعد التعارض يتساقطان ، والمرجع حينئذ عموم دليل قدح الزيادة الموجب للإعادة ولو في خارج الوقت ، لعدم الدليل على الإجزاء وقتئذ.

ولكنّه لا وجه له ، فإنّه مبني على الالتزام بانقلاب النسبة في مثل المقام ممّا كان هناك عام وورد عليه مخصّصان أحدهما أخصّ من الآخر. وقد ذكرنا في الأُصول (١) أنّ هذا ليس من موارد انقلاب النسبة ، إذ لا وجه لملاحظة العام مع أخصّ المخصّصين أوّلاً ، ثمّ ملاحظة النسبة بينه وبين المخصّص الآخر لتنقلب من العموم المطلق إلى العموم من وجه ، لأنّ نسبة المخصّص الأخص والمخصّص الأعم إلى العام نسبة واحدة ، وكلاهما وردا عليه في عرض واحد ، فلا موجب لتقديم أحدهما على الآخر.

وعلى هذا الأساس وهو الصحيح فلا موجب في المقام لتخصيص صحيح زرارة بصحيح أبي بصير أوّلاً وإخراج الناسي ، ثمّ ملاحظة النسبة بينه وبين صحيحة العيص التي هي أعم المخصّصين باعتبار شمولها للناسي وغيره ، بل كلاهما مخصّص في عرض واحد.

فلو كنّا نحن وصحيح زرارة ولم يكن شي‌ء من هذين المخصّصين لحكمنا بالبطلان ووجوب الإعادة في الوقت وخارجه في غير الجاهل بأصل الحكم مطلقاً ، أي من غير فرق بين الناسي والعامد والجاهل بالخصوصيات والجاهل

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٩٣.

٣٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بالموضوع.

ولكن ما عدا العامد خرج عن الصحيح بمقتضى هذين المخصّصين ، فيحكم فيه بوجوب الإعادة لو كان التذكّر أو الانكشاف في الوقت ، وبعدمها أي الحكم بالصحّة لو كان ذلك في خارج الوقت. ونتيجة ذلك اختصاص البطلان المطلق الشامل للوقت وخارجه بالعامد فقط الباقي تحت صحيح زرارة ، وأمّا في غيره فيقيّد البطلان بما إذا كان الانكشاف في الوقت.

والمتحصّل من مجموع الروايات بعد ضمّ بعضها ببعض : أنّ العالم العامد يعيد في الوقت وفي خارجه ، والجاهل المحض لا يعيد في الوقت ولا في خارجه ، والناسي والجاهل بالخصوصيات والجاهل بالموضوع يعيد في الوقت لا في خارجه. فيحكم بالبطلان في الأوّل ، وبالصحّة في الثاني ، وبالتفصيل بين الوقت وخارجه في الثالث.

وقد تلخّص من جميع ما ذكرناه : أنّ مقتضى أدلّة الزيادة وكذا صحيح الحلبي هو الحكم بالبطلان مطلقاً ، خرجنا عن ذلك في الجاهل بأصل الحكم بمقتضى ذيل صحيحة زرارة ، فلا يعيد في الوقت فضلاً عن خارجه ، وفي الجاهل بالخصوصيات وبالموضوع وفي الناسي للحكم أو الموضوع بمقتضى صحيحة العيص المفصّلة بين الوقت وخارجه ، ويبقى العامد تحت الإطلاقات ومنها صدر صحيحة زرارة القاضية بالبطلان في الوقت وفي خارجه.

وقد ظهر ممّا ذكرناه أنّه لا وجه لتخصيص صحيح العيص بالناسي كما عن غير واحد ، بل هو عام له ولغيره ممّا عرفت ، وإنّما المختص به صحيحة أبي بصير كما تقدّم.

هذا كلّه بناءً على أن يكون المراد من تفسير الآية (١) المشار إليها في صحيح

__________________

(١) النِّساء ٤ : ١٠١.

٣٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

زرارة تفسير كلمة (لَا جُنَاحَ) بإرادة الوجوب دون الجواز.

وأمّا لو كان المراد تفسير الآية بجميع الخصوصيات فيلحق الجاهل بخصوصيات الحكم بالجاهل بأصل الحكم في عدم وجوب الإعادة في الوقت فضلاً عن خارجه.

ولكنّه لا وجه له ، بل الظاهر هو الأوّل كما ذكره شيخنا الأنصاري (قدس سره) (١) وغيره ، إذ الآية كغيرها ممّا ورد في العبادات ليست إلّا في مقام أصل التشريع ، ولم تكن بصدد بيان الخصوصيات ليكون شرحها تفسيراً للآية المباركة بل هي موكولة إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) فيذكرونها بياناً للحكم الواقعي ، لا شرحاً للمراد وتفسيراً للآيات.

نعم ، كلمة (لَا جُنَاحَ) بما أنّها ناظرة إلى كيفية التشريع وقد أُريد بها خلاف ظاهرها من نفى البأس فهي بحاجة إلى التفسير لا محالة ، فذكروا (عليهم السلام) أنّ المراد بها الوجوب ، قياساً على (لَا جُنَاحَ) (٢) الوارد في السعي حيث إنّ المراد به هناك هو الوجوب بلا إشكال.

وإنّما عبّر بنفي الجناح لنكتة وهي دفع ما قد يختلج في أذهان القاصرين من أنّ الصفا والمروة اللّذين كانا مركزين لأصنام المشركين كيف يكونان معبدين للمسلمين ، فبيّن سبحانه وتعالى بأنّ كونهما كذلك لا يمنع عن ذلك ، لأنّهما من شعائر الله ، وقد غصبهما المشركون ، فلا جناح أن يطّوف بهما.

وكذلك الحال في المقام ، فانّ اختيار هذا التعبير مع كون المراد هو الوجوب لنكتة ، ولعلّها لدفع ما قد يتوهّم من أنّ التقصير تنقيص للصلاة وتخفيف لشأنها.

وكيف ما كان ، فقد عرفت أنّ المراد من تفسير الآية بيان أصل وجوب

__________________

(١) فرائد الأُصول ١ : ٦٠.

(٢) البقرة ٢ : ١٥٨.

٣٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

القصر في السفر لا خصوصياته. وعليه فصحيحة زرارة خاصّة بالجاهل بأصل الحكم ، ولا تعمّ الجهل بالخصوصيات.

بل يكفينا مجرّد الشك في أنّ المراد الجهل بأصل الحكم أم بخصوصياته ، إذ عليه تكون الصحيحة مجملة ، ومعه لا بدّ من الاقتصار في الخروج عن إطلاق صحيح العيص على المقدار المتيقّن وهو الجاهل المحض ، فيكون الجاهل بالخصوصيات مشمولاً للإطلاق السليم عما يصلح للتقييد ، فيحكم فيه بما تضمّنه من التفصيل بين الوقت وخارجه حسبما عرفت.

هذا كلّه فيما إذا كان ناوياً للإتمام من أوّل الأمر ومن لدن شروعه في الصلاة إمّا لجهل أو نسيان كما تقدّم.

وأمّا إذا دخل في الصلاة بنيّة القصر لعلمه بالحكم وبالموضوع وبجميع الخصوصيات ، ثمّ في الأثناء سها وغفل فزاد ركعتين وأتمّ الصلاة ، كما لو كان مقتدياً بإمام يصلّي تماماً فأتم الصلاة بتبعه غفلة كما يتّفق مثل هذا السهو لغير المسافر من سائر المكلّفين فهو غير مشمول للنصوص المتقدّمة جزماً ، بل لا إشكال في وجوب الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه كما أشار إليه في المتن عملاً بقوله (عليه السلام) : «إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالاً» (١) فهو كمن صلّى الفجر ثلاثاً أو المغرب أربعاً الذي لا ريب في بطلانه.

ولا يخفى أنّ عبارة المتن في المقام أعني قوله : وأمّا إذا لم يكن ناسياً للسفر ولا لحكمه ومع ذلك أتمّ صلاته ناسياً. غير خال عن نوع من الإغلاق ، إذ بعد فرض عدم كونه ناسياً للسفر ولا لحكمه فما معنى إتمام الصلاة ناسياً. ولو بدّله بقوله : ساهياً ، كان أولى ، فمراده من إتمام الصلاة ناسياً ، أي ساهياً وغافلاً عن

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ١.

٣٦٧

[٢٣٤٨] مسألة ٤ : حكم الصوم فيما ذكر حكم الصلاة (١) ، فيبطل مع العلم والعمد ، ويصحّ مع الجهل بأصل الحكم ، دون الجهل بالخصوصيات ودون الجهل بالموضوع (*).

______________________________________________________

عددها حسبما عرفت.

(١) الكلام في حكم الصوم في السفر سيجي‌ء في محلّه من كتاب الصوم إن شاء الله تعالى (١) ، ولكن بما أنّ الماتن تعرّض له في المقام لم يكن بدّ من الإشارة إليه حسبما يسعه المجال فنقول :

لا إشكال كما لا خلاف منّا في سقوط الصوم في السفر وعدم مشروعيته وتدلّ عليه قبل الروايات المتظافرة الآية الكريمة ، قال تعالى (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) (٢) ، فإنّها ظاهرة في تعيّن القضاء ، المستلزم للسقوط وعدم المشروعية ، حيث قسّم سبحانه المكلّفين إلى أقسام ثلاثة : فمنهم من وظيفته الصيام كالحاضر الذي يشهد الشهر ، ومنهم من وظيفته القضاء كالمريض والمسافر ، ومنهم من لم يكلّف لا بهذا ولا بذاك ، بل وظيفته الفدية ، وهم الذين لا يطيقونه كالشيخ والشيخة.

وظاهر التنويع في هذه الأقسام لزوم تلك الأحكام وتعيّنها ، ونتيجته ما عرفت من سقوط الصوم عن المسافر وعدم مشروعيته في حقّه ، فوظيفته القضاء ليس إلّا ، والأخبار به متكاثرة ومتظافرة من طرقنا ، بل ومن طرق العامّة

__________________

(*) الأقوى عدم وجوب القضاء مع الجهل مطلقا.

(١) العروة الوثقى ٢ : ٤٢ الخامس من شرائط صحة الصوم.

(٢) البقرة ٢ : ١٨٤.

٣٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أيضاً (١) ، وهذا ممّا لا إشكال فيه.

وعليه فلا يصحّ الصوم في السفر من العالم العامد جزماً ، فلو صام بطل ووجب قضاؤه بمقتضى إطلاق الآية وغيرها والنصوص الآتية في الجاهل.

كما لا إشكال في صحّته من الجاهل بأصل الحكم ، فإنّه القدر المتيقّن من النصوص المتضمّنة للإجزاء في صورة الجهل كصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر ، فقال : إن كان لم يبلغه أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نهى عن ذلك فليس عليه القضاء ، وقد أجزأ عنه الصوم» (٢).

وصحيح الحلبي قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل صام في السفر فقال : إن كان بلغه أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) نهى عن ذلك فعليه القضاء ، وإن لم يكن بلغه فلا شي‌ء عليه» (٣).

وصحيح العيص بن القاسم عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : من صام في السفر بجهالة لم يقضه» (٤) ، ونحوها صحيح ليث المرادي (٥).

إنّما الكلام في الجاهل بالموضوع كمن اعتقد أنّ سفره دون المسافة ، أو الجاهل بالخصوصيات كمن تخيّل أنّ السقوط خاص بالأسفار البعيدة المشتملة على التعب والمشقّة دون القريبة ، ولا سيما إذا كانت بوسيلة مريحة كالباخرة والطائرة ونحوهما.

فقد يقال بالبطلان ووجوب القضاء في هذين الموردين ، كما في العالم العامد نظراً إلى اندراجهما في إطلاق صحيحتي عبد الرحمن والحلبي المتقدّمتين الدالّتين

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٢ / ١٦٦٤ ١٦٦٦ ، سنن النسائي ٤ : ١٧٨.

(٢) الوسائل ١٠ : ١٧٩ / أبواب من يصح منه الصوم ب ٢ ح ٢ ، ٣.

(٣) الوسائل ١٠ : ١٧٩ / أبواب من يصح منه الصوم ب ٢ ح ٢ ، ٣.

(٤) الوسائل ١٠ : ١٨٠ / أبواب من يصح منه الصوم ب ٢ ح ٥ ، ٦.

(٥) الوسائل ١٠ : ١٨٠ / أبواب من يصح منه الصوم ب ٢ ح ٥ ، ٦.

٣٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

على البطلان بمفهوم الاولى ومنطوق الثانية في من بلغه النهي ، لصدق بلوغه في الموردين المزبورين ، وإنّما الجهل في شي‌ء آخر غير مناف لبلوغ النهي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم).

وبذلك يقيّد الإطلاق في صحيح العيص ونحوه ، فانّ الصوم بجهالة المعلّق عليه الإجزاء وإن كان صادقاً في هذين الموردين أيضاً ، إلّا أنّ مقتضى صناعة الإطلاق والتقييد حمله على الجهل بأصل الحكم ، لصراحة الطائفة الأُولى في أنّ المناط في الصحّة عدم بلوغ النهي ، الظاهر في الجهل بأصل الحكم ، فهي أخصّ من الثانية فتقيّدها لا محالة.

ومع تسليم تكافؤ الظهورين وتساوي الإطلاقين من غير ترجيح في البين فغايته تعارض الطائفتين وتساقطهما ، والمرجع حينئذ عموم ما دلّ على بطلان الصوم في السفر من إطلاق الآية وغيرها كما مرّ.

أقول : الظاهر صحّة الصوم في صورة الجهل مطلقاً ، من غير فرق بين الجهل بأصل الحكم أو بالخصوصيات أو بالموضوع.

أمّا الأوّل فظاهر.

وأمّا الثاني : فلأنّ ما أُفيد من استظهار اختصاص الطائفة الأُولى بالجاهل بأصل الحكم مبني على أن يكون المشار إليه بكلمة «ذلك» في قوله (عليه السلام) : «إن كان بلغه أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) نهى عن ذلك» هو طبيعي الصوم في السفر ، إذ عليه يصدق على الجاهل بالخصوصيات أنّه بلغه النهي عن طبيعي الصوم ، فتتحقّق المعارضة بينها وبين إطلاق الطائفة الثانية كما ذكر.

ولكنّه كما ترى بعيد عن سياق الرواية بحسب الفهم العرفي غايته ، بل ظاهر الصحيحة أنّ مرجع الإشارة هو الصوم المفروض في السؤال ، الصادر عن الرجل

٣٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

على ما هو عليه من الخصوصيات ، لا الصوم الطبيعي على إطلاقه عارياً عن تلك الخصوصيات.

ومعلوم أنّ الجاهل بالخصوصية لم يبلغه النهي عن تلك الخصوصية ، فمن صام في السفر القريب بتخيّل اختصاص النهي بالأسفار البعيدة لم يبلغه النهي عن هذا الصنف من الصوم الذي ارتكبه ، وإنّما بلغه النهي عن صنف آخر فيشمله الحكم بعدم وجوب القضاء ، المطابق لمضمون الطائفة الثانية من غير أيّة معارضة.

وبعبارة واضحة : لا ريب أنّ نهي النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) عن الصوم في السفر انحلالي كما في سائر النواهي ، ينحلّ إلى نواهي عديدة بعدد أفراد الصيام الواقعة في الأسفار ، فلكلٍّ نهي يخصّه مغاير لغيره. ومن الواضح أنّ هذا الفرد الشخصي الصادر من الجاهل بالخصوصية لم يبلغ نهيه ، فيكون محكوماً بعدم وجوب القضاء بمقتضى صحيح الحلبي وغيره.

ومع التنزّل والشكّ في أنّ مرجع الإشارة هل هو الطبيعي أو الصنف الخاص فغايته إجمال صحيحتي عبد الرحمن والحلبي ، فيرجع حينئذ إلى إطلاق صحيح العيص الدالّ على نفي القضاء عن مطلق الجاهل من غير معارض.

وأمّا الثالث : أعني الجهل بالموضوع ، فدعوى صدق بلوغ النهي في مورده مشابهة لما يحكى في الأُصول على ما نقله شيخنا الأنصاري (قدس سره) (١) من ذهاب بعض إلى المنع عن جريان البراءة في الشبهات الموضوعية وتخصيصها بالحكمية على العكس ممّا عليه الأخباريون ، بدعوى أنّ البيان تام من قبل المولى في موارد الشبهات الموضوعية ، والحكم واصل ، وإنّما الشكّ في انطباقه على الموضوع الخارجي وأنّ هذا المائع مثلاً هل هو مصداق للخمر المعلوم

__________________

(١) فرائد الأُصول ١ : ٤٠٦.

٣٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

حرمته أم لا ، الذي هو أجنبي عن المولى وغير مرتبط به ، وخارج عمّا تقتضيه وظيفته من تبليغ الأحكام ، وقد فعل وتنجّزت بمقتضى فرض العلم بها ، فقد أدّى ما عليه وتمّ البيان من قبله ، فلا يكون العقاب معه عقاباً بلا بيان ، فلا مناص من الاحتياط بحكومة العقل تحقيقاً للامتثال ودفعاً للضرر المحتمل من غير مؤمّن.

فعلى ضوء هذا البيان يدّعى في المقام أنّ الجاهل بالموضوع قد بلغه نهي النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) عن الصوم في السفر ، وتمّ البيان من قبله ، إذ ليس شأنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلّا بيان الأحكام على نحو القضايا الحقيقية لا إيصالها إلى آحاد المكلّفين في كلّ من الأفراد الخارجية ، فالجاهل المزبور عالم بذلك النهي الكلّي المجعول في الشريعة المقدّسة ، وإنّما الجهل في شي‌ء يرجع إلى نفسه وينشأ من قبله ، غير المنافي لصدق البلوغ المذكور.

وعلى الجملة : فالشبهة في المقامين من باب واحد ، وتنبعثان عن ملاك فأرد.

والجواب عنهما بكلمة واحدة ، وهي أنّ بلوغ الحكم ووصوله منوط بإحراز الكبرى والصغرى معاً ، أي العلم بالحكم الكلّي وبانطباقه على الموضوع الخارجي ولا يغني الأوّل عن الثاني ، فإنّ الأحكام وإن كانت مجعولة على سبيل القضايا الحقيقية إلّا أنّ القضية الحملية تعود بحسب النتيجة إلى القضية الشرطية ، مقدّمها وجود الموضوع وتاليها ترتّب الحكم.

فمرجع قولنا : الخمر حرام ، إلى قولنا : متى وجد في الخارج شي‌ء وصدق عليه أنّه خمر فهو حرام. فاذا كان الشرط مشكوكاً كما هو المفروض فالشك فيه يرجع إلى الشك في تحقّق الموضوع ، وهو مساوق للشكّ في ثبوت الحكم فلا يكون واصلاً ولا التكليف منجّزاً.

وبعبارة اخرى : بعد أن كانت الأحكام انحلالية فلكلّ موضوع حكم يخصّه

٣٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا جرم يحتاج إلى وصول مغاير لوصول الحكم في موضوع آخر. فاذا فرضنا أنّ هناك مائعات ثلاثة أحدها مقطوع الخمرية ، والآخر مقطوع المائية ، والثالث مشتبه بينهما ، يصحّ أن يقال : إنّ هذا الأخير ممّا لم يصل حكمه ولم يعلم حرمته وإنّما الواصل حكم الأوّلين فقط. ومثله مورد لأصالة البراءة.

ففيما نحن فيه وإن كان الحكم الكلّي المتعلّق بطبيعي الصوم في السفر واصلاً وبالغاً إلّا أنّ تعلّق النهي بهذا الصوم الصادر في هذا السفر الشخصي ، الذي عرفت أنّه من شؤون انحلال الأحكام لم يكن واصلاً بالضرورة بعد فرض الشكّ في الموضوع والجهل به ، فيصحّ أن يقال إنّه لم يبلغه نهي النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالإضافة إلى هذا الفرد الذي هو الموضوع للإجزاء وعدم وجوب القضاء بمقتضى النصوص.

ومع التنزّل والشكّ في أنّ موضوع الحكم هل هو بلوغ النهي عن الطبيعي أو الفرد ، وأنّ العبرة بالجهل بأصل الحكم أو حتّى بموضوعه ، فغايته إجمال صحيح الحلبي وعبد الرحمن ، فيرجع حينئذ إلى إطلاق صحيح العيص السليم عمّا يصلح للتقييد.

فتحصّل : أنّ الأظهر مشاركة الصوم مع الصلاة فيما تقدّم من الأحكام ، فيبطل مع العلم والعمد ، ويصحّ أي لا يجب القضاء في جميع صور الجهل ، سواء تعلّق بأصل الحكم أم بالخصوصيات أم بالموضوع.

نعم ، يفترقان في صورة النسيان ، فيجب القضاء هنا دون الصلاة كما مرّ (١) لصدق بلوغ النهي وإن نسيه ، فيشمله إطلاق صحيح الحلبي من غير معارض بعد وضوح عدم ورود نص في الناسي ، واختصاصه بالجاهل كما تقدّم.

__________________

(١) في ص ٣٦٣ وما بعدها.

٣٧٣

[٢٣٤٩] مسألة ٥ : إذا قصّر من وظيفته التمام بطلت صلاته في جميع الموارد إلّا في المقيم المقصّر للجهل بأنّ حكمه التمام (١).

______________________________________________________

(١) لا ريب في أنّ مقتضى القاعدة هو البطلان في من قصّر في موضع الإتمام من غير فرق بين موارده من العلم أو النسيان أو الجهل بجميع صوره ، لأنّه قد نقص من صلاته ركعتين ، ونقصان الركعة بل الركن كزيادته موجب للبطلان. فنفس دليل الواقع بعد عدم انطباق المأمور به على المأتي به يستوجب الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه. وهذا واضح لا سترة عليه ، ولم يقع فيه خلاف من أحد.

إنّما الكلام في صورة واحدة ، وهي ما لو قصّر المقيم للجهل بأنّ حكمه التمام فقد دلّت صحيحة منصور بن حازم على الصحّة حينئذ ، قال : «سمعته يقول : إذا أتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة ، فإن تركه رجل جاهلاً فليس عليه إعادة» (١). وهي كما ترى صحيحة السند ظاهرة الدلالة ، ومقتضى الصناعة الخروج بها عن مقتضى القاعدة الأوّلية والالتزام بالصحّة في موردها.

بيد أنّه نوقش في حجّيتها ، نظراً إلى إعراض الأصحاب عنها ، المسقط لها عن درجة الاعتبار ، حيث إنّهم اقتصروا في مقام بيان المعذورية والخروج عن مقتضى القاعدة الأوّلية على التعرّض لعكس المسألة ، أعني ما لو أتمّ في موضع القصر كما تقدّم (٢).

وأمّا هذه المسألة نفسها فلم ينصّ أحد منهم على معذورية الجاهل فيها وهذه الصحيحة بمرأى منهم ومسمع ، فيكشف ذلك كشفاً باتاً عن الإعراض المسقط لها عن الحجّية كما سمعت.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٥٠٦ / أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٣.

(٢) في المسألة [٢٣٤٧].

٣٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ويندفع : بمنع الكبرى والصغرى ، فانّ الإعراض على تقدير ثبوته لا يسقط الصحيح عن الحجّية كما مرّ في مطاوي هذا الشرح مراراً ، إذ المدار في اعتبار الرواية على وثاقة الراوي أو كونه موثقاً (١) ، والإعراض وإن كشف عن خلل ظفر عليه المعرضون وقد خفي علينا ، حتّى اشتهر أنّه كلّما ازداد صحّة ازداد بالإعراض وهناً وبعداً ، إلّا أنّ ذاك الخلل المخفي قد لا يستوجب القدح بنظرنا لو اطّلعنا عليه ، ومن الجائز فساده بحسب الواقع. فلا يسعنا رفع اليد عن عموم دليل حجّية الموثّق بمجرّد الخلل المزعوم غير المعلوم قادحيته.

وعلى الجملة : فالبحث على تقدير تحقّق الإعراض كبروي ، والمختار منع الكبرى ، هذا أوّلاً.

وثانياً : أنّ الصغرى ممنوعة ، إذ لم يثبت الإعراض عن الصحيحة ، فقد افتى بمضمونها بعض المتأخّرين كابن سعيد في جامعه (٢) ، ونفى عنه البعد في مجمع البرهان (٣) ، نعم كلمات القدماء الذين هم المناط في الإعراض خالية عن التعرّض لذلك ، ولم تكن المسألة معنونة في كتبهم ، ككثير من المسائل التي سكتوا عنها وأهملوها فيما وصل إلينا من كتبهم ومجامعهم ، ولعلّه لبنائهم على الاقتصار في تآليفهم على ضروريات المسائل ممّا هو محلّ للابتلاء غالباً ، أو لم تكن الحاجة ماسة آن ذاك للتعرّض لأكثر ممّا ذكروا ، ولأجله لم يذكروا إلّا القليل من الكثير.

وكيف ما كان ، فعدم التعرّض شي‌ء ، والإعراض شي‌ء آخر ، وبينهما بون بعيد ، فلا يمكن استكشاف الثاني من الأوّل.

والحاصل : أنّه لم يثبت من الأصحاب ما ينافي العمل بالصحيحة ، بل غايته

__________________

(١) [لعلّ الصحيح : أو كونها موثوقاً بصدورها].

(٢) الجامع للشرائع : ٩٣.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٤٣٦.

٣٧٥

[٢٣٥٠] مسألة ٦ : إذا كان جاهلاً بأصل الحكم ولكن لم يصلّ في الوقت وجب عليه القصر في القضاء بعد العلم به (١) وإن كان لو أتمّ في الوقت كان

______________________________________________________

أنّهم سكتوا وأهملوا ، لا أنّهم أعرضوا.

اللهمّ إلّا أن يناقش في سندها ، نظراً إلى اشتماله على موسى بن عمر ، وهو مشكوك بين شخصين ، أحدهما : موسى بن عمر بن بزيع ، وهو موثّق جليل القدر وثّقه النجاشي (١) وله كتاب. وثانيهما : موسى بن عمر بن يزيد ، وهو أيضاً معروف وله كتاب ، ورواياته كثيرة ، ولكن لم يرد فيه توثيق ، والأوّل من أصحاب الهادي (عليه السلام) والثاني من أصحاب العسكري ، والمظنون أنّ المراد به الثاني ، لأنّ الراوي عن كتابه سعد بن عبد الله ، الذي هو في طبقة محمد ابن يحيى شيخ الكليني ، فموسى بن عمر في طبقة مشايخ مشايخ الكليني ، ولأجله يظنّ أنّه ابن يزيد غير الموثّق ، ولا أقلّ من الشكّ ، فيكون الرجل مردّداً بين الموثّق وغيره ومعه يشكل الحكم بصحّة الرواية عند المشهور.

نعم ، بما أنّ الرجل مذكور في أسانيد كامل الزيارات فهو على مسلكنا موثّق على كلّ تقدير ، إمّا بتوثيق النجاشي أو بتوثيق ابن قولويه.

وعليه فالأظهر هو العمل بها في موردها ، أعني الجهل بالحكم كما ذكره في المتن ، دون غيره من سائر موارد الجهل ، فضلاً عن التعدّي إلى الناسي ، وإن كان الاحتياط بالإعادة ممّا لا ينبغي تركه.

(١) قد عرفت أنّ الجاهل بحكم القصر لو أتمّ في الوقت صحّت صلاته بمقتضى ذيل صحيحة زرارة وابن مسلم (٢) المتضمّنة لعدم الإعادة في من لم تقرأ عليه آية التقصير.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤٠٩ / ١٠٨٩.

(٢) المتقدِّمة في ص ٣٥٧.

٣٧٦

صحيحاً. فصحّة التمام منه ليس لأجل أنّه تكليفه ، بل من باب الاغتفار ، فلا ينافي ما ذكرناه قوله : اقض ما فات كما فات. ففي الحقيقة الفائت منه هو القصر لا التمام ، وكذا الكلام في الناسي للسفر أو لحكمه فإنّه لو لم يصلّ أصلاً عصياناً أو لعذر وجب عليه القضاء قصراً.

______________________________________________________

إنّما الكلام فيما إذا لم يأت بالتمام فترك الصلاة رأساً إلى أن خرج الوقت عصياناً أو نسياناً فهل يجب القضاء قصراً لكونه الوظيفة الأصلية ، أو تماماً لانقلاب التكليف إليه ، المستكشف من صحّة التمام لو فعله في الوقت ، فيشمله قوله (عليه السلام) : اقض ما فات كما فات (١).

ومحلّ الكلام ما لو ارتفع جهله خارج الوقت قبل التصدّي للقضاء ، وأمّا لو قضاها تماماً جرياً على جهله السابق ثمّ انكشف الحال فالظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في الصحّة ، عملاً بإطلاق دليل الإجزاء ، الشامل لحالتي الأداء والقضاء كما هو واضح.

والظاهر وجوب القضاء قصراً كما ذكره في المتن ، بل لا ينبغي التأمّل فيه فانّ القصر هو الوظيفة الواقعية الثابتة في حقّ الجاهل كغيره ، بمقتضى عموم دليل وجوبه لكلّ مسافر ، غاية الأمر أنّه قام الدليل على الاجتزاء بما يفعله من التمام حال الجهل ، الذي مرجعه لدى التحليل إلى التخصيص في عموم دليل قدح الزيادة ، لا إلى انقلاب التكليف الواقعي وتبدّله من القصر إلى التمام ، فانّ هذا غير مستفاد من دليل الإجزاء بوجه.

وبعبارة اخرى : لو كنّا نحن ودليل وجوب القصر ولم يكن لدينا ما يدلّ على

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٦٨ / أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ١ [والمذكور في الحديث : «يقضي ما فاته كما فاته»].

٣٧٧

[٢٣٥١] مسألة ٧ : إذا تذكّر الناسي للسفر أو لحكمه في أثناء الصلاة (١) فإن كان قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة أتمّ الصلاة قصراً واجتزأ بها

______________________________________________________

قادحية الزيادة لحكمنا بصحّة التمام المأتي به في موضع القصر بمقتضى القاعدة من غير حاجة إلى ورود دليل خاص ، إذ هو مشتمل على القصر وزيادة والمفروض عدم الدليل على قدح الزيادة ، غير أنّ أدلّة القدح تمنعنا عن الحكم بالصحّة.

فإذا ورد دليل تضمّن الحكم بالصحّة في مورد كالجهل فهو بحسب النتيجة مخصّص لدليل القدح ، وليس مفاده إلّا العفو والاغتفار عن تلك الزيادة المأتي بها حال الجهل ، لا التبدّل في الحكم الواقعي وانقلابه من القصر إلى التمام ليكون مخصّصاً لعمومات القصر ، فانّ دليل الصحّة لا يستلزم ذلك بوجه حسبما عرفت. إذن لا موجب لرفع اليد عن إطلاقات التقصير لكلّ مسافر.

وعليه فالفائت عن الجاهل إنّما هو القصر ، فيجب القضاء قصراً بمقتضى قوله (عليه السلام) : اقض ما فات كما فات ، دون التمام بزعم أنّه لو صلّى في الوقت كانت تامة فكذا القضاء بمقتضى المماثلة ، فانّ صحّة التمام آن ذاك ، الراجع إلى عدم قدح الزيادة كما مرّ منوط بوقوعه حال الجهل ، فهو حكم خاصّ بالجاهل ، وقد فرضنا ارتفاع جهله بعد الوقت ، فانقلب الموضوع إلى العالم ، فكيف يصحّ منه التمام.

ومثله الكلام في الناسي للسفر أو لحكمه ، فيجري فيه ما مرّ بعينه.

(١) التذكّر المذكور قد يكون في مورد لا يمكنه العود إلى القصر ، لفوات محلّ العدول بالدخول في ركوع الركعة الثالثة ، وقد يكون قبل ذلك.

فعلى الأوّل حيث لا سبيل للعلاج فلا مناص من الاستئناف قصراً.

٣٧٨

ولا يضرّ كونه ناوياً من الأوّل للتمام ، لأنّه من باب الداعي والاشتباه في المصداق لا التقييد ، فيكفي قصد الصلاة والقربة بها ، وإن تذكّر بعد ذلك بطلت ووجب عليه الإعادة مع سعة الوقت ولو بإدراك ركعة من الوقت بل وكذا لو تذكّر بعد الصلاة تماماً وقد بقي من الوقت مقدار ركعة ، فإنّه يجب عليه إعادتها قصراً. وكذا الحال في الجاهل بأنّ مقصده مسافة إذا شرع في الصلاة بنيّة التمام ثمّ علم بذلك ، أو الجاهل بخصوصيات الحكم إذا نوى التمام ثمّ علم في الأثناء أنّ حكمه القصر ، بل الظاهر أنّ حكم من كان وظيفته التمام إذا شرع في الصلاة بنيّة القصر جهلاً ثمّ تذكّر في الأثناء العدول إلى التمام ، ولا يضرّه أنّه نوى من الأوّل ركعتين مع أنّ الواجب عليه أربع ركعات لما ذكر من كفاية قصد الصلاة متقرّباً وإن تخيّل أنّ الواجب هو القصر ، لأنّه من باب الاشتباه في التطبيق والمصداق لا التقييد ، فالمقيم الجاهل بأنّ وظيفته التمام إذا قصد القصر ثمّ علم في الأثناء يعدل إلى التمام ويجتزئ به ، لكن الأحوط الإتمام والإعادة ، بل الأحوط في الفرض الأوّل أيضاً الإعادة قصراً بعد الإتمام قصرا.

______________________________________________________

وعلى الثاني يرجع إلى القصر بعد هدم القيام لو كان في الركعة الثالثة وسجود السهو حينئذ لو قلنا بوجوبه للقيام الزائد. ولا تضرّه نيّة التمام من الأوّل ، فإنّه من باب تخلّف الداعي والخطأ في التطبيق كما نبّه عليه في المتن ، إذ ليس القصر والتمام ماهيتين مختلفتين وحقيقتين متباينتين كالظهر والعصر والأداء والقضاء ليحتاج كلّ منهما إلى تعلّق القصد إليه بالخصوص ولا يجوز العدول من أحدهما إلى الآخر ما لم يدلّ عليه نصّ خاص ، بل هما حقيقة واحدة ، وإنّما الاختلاف في عدد الركعات ، كسائر الخصوصيات والكيفيات التي تختلف فيها

٣٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الأفراد مثل الجماعة والفرادى وصلاة الرجل والمرأة وغير ذلك.

فصلاة الظهر مثلاً طبيعة واحدة وقد نواها المكلّف ، غاية الأمر كان يعتقد أنّها ذات أربع ركعات فنواها تامّة ، فانكشف في الأثناء أنّها ذات ركعتين وليس هذا إلّا من باب الاشتباه في المصداق ، وليس من التقييد في شي‌ء.

فلو فرضنا شخصاً حديث العهد بالإسلام ائتم بإمام في صلاة المغرب زاعماً أنّها أربع ركعات ، أو في صلاة الفجر معتقداً أنّها ثلاث ركعات ، فلما سلّم الإمام على الثالثة أو على الركعتين سلّم بتبعه ، أفهل يحتمل بطلان صلاته لعدم كونه ناوياً للثلاث أو الثنتين من أوّل الأمر؟

وعلى الجملة : لا يعتبر في صحّة الصلاة إلّا الإتيان بذات المأمور به ، وأن يكون بداعي التقرّب ، وقد حصل كلا الركنين حسب الفرض ، فلا موجب للبطلان. ولا يعتبر العلم بأعداد الركعات ، كما لا يعتبر العلم بسائر الخصوصيات.

وهذه مسألة سيّالة تجري في كلّ من اعتقد جزئية شي‌ء أو عدم جزئيته وقد انكشف الحال قبل تجاوز المحل ، كمن اعتقد عدم وجوب التشهّد ، أو وجوب القراءة مرّتين ونحو ذلك ، ومنه المقام ، فإنّه يحكم بالصحّة ، لأنّ العبرة بقصد الماهية ، والخصوصيات لا دخل لها بعد ما عرفت من تقوّم الامتثال بالركنين المزبورين ، فمتى تذكّر وكان محلّ العدول باقياً جاز العدول بمقتضى القاعدة.

نعم ، ذكر المحقّق في الشرائع فرعاً ، وهو أنّه لو قصّر المسافر اتفاقاً ، بأن كان ناوياً للتمام جهلاً بالحكم ثمّ غفل وسلم على الركعتين يحكم ببطلان صلاته (١). وهذا كما ترى لا يستقيم ، بناءً على ما قدّمناه من أنّ القصر والتمام طبيعة واحدة والاختلاف من باب تخلّف الداعي والاشتباه في التطبيق غير القادح في الصحّة.

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٦١.

٣٨٠